* : سمير صبرى (الكاتـب : د.حسن - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 21h09 - التاريخ: 28/03/2024)           »          ليلى مراد- 17 فبراير 1918 - 21 نوفمبر 1995 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 19h08 - التاريخ: 28/03/2024)           »          تترات المسلسلات التلفزيونية (الكاتـب : راضى - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 16h16 - التاريخ: 28/03/2024)           »          غادة سالم (الكاتـب : ماهر العطار - آخر مشاركة : الكرملي - - الوقت: 15h31 - التاريخ: 28/03/2024)           »          عبد الحليم حافظ- 21 يونيه 1929 - 30 مارس 1977 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : fahedassouad - - الوقت: 12h28 - التاريخ: 28/03/2024)           »          محمد شريف (الكاتـب : loaie al-sayem - آخر مشاركة : اسامة عبد الحميد - - الوقت: 23h50 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سعاد محاسن (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 19h25 - التاريخ: 27/03/2024)           »          الشيخ محمد صلاح الدين كباره (الكاتـب : احمد البنهاوي - آخر مشاركة : kabh01 - - الوقت: 09h52 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سلمى (الكاتـب : حماد مزيد - آخر مشاركة : عطية لزهر - - الوقت: 09h18 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سمير غانم- 15 يناير 1937 - 20 مايو 2021 (الكاتـب : محمد البتيتى - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 01h14 - التاريخ: 27/03/2024)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > أصحاب الريادة والأعلام > رياض السنباطى (30 نوفمبر 1906 - 10 سبتمبر1981)

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #11  
قديم 31/12/2007, 05h43
الصورة الرمزية احمد ابو العنين
احمد ابو العنين احمد ابو العنين غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:5841
 
تاريخ التسجيل: octobre 2006
الجنسية: سعودية
الإقامة: اسبانيا
المشاركات: 52
افتراضي

أعزائنا أعضاء منتدى سماعي
نقدم لكم هذا التحقيق الصحفي المثير مع الموسيقار رياض السنباطي بعد وفاة أم كلثوم في بيته .. في هذه المقابله تكلم رياض السنباطي من قلبه وقال الكثير من الحقائق التى تخفى على الكثيرين . وأيضاً قال ما لم يكن يستطع قوله في المقالات الرسميه .. كرأيه بأصوات أهم فناني عصره . ورأيه الشخصي بصوت أم كلثوم .. وطقوسه الخاصه بالتلحين
وأصعب الألحان التى لحنها .. والكثير الكثير
(حياتي 40 عاماً مع التي غابت 40 يوماً )
الصدفه جمعت بين أم كلثوم ورياض السنباطي من حوالي خمسين سنه عند منتصف الليل تحت خيمه في محطة سكك حديد قرية درين .. كانت أم كلثوم وأبوها وأخوها وأولاد عمها يغنون في أحد الأفراح .. وكان رياض السنباطي هو ووالده يتبادلان الغناء في فرح .. وأنتهى الفرحان في وقت واحد .. وركبوا الحمير متجهين إلى المحطه في انتظار القطار الفرنساوي.. وأشار السنباطي الكبير لابنه رياض وقال أم كلثوم التي يتحدثون عنها .. ونظر رياض السنباطي لأول مره في حياته ليجد ام كلثوم ، ولم يكن قد سمع لها ، وإنما سمع عنها فقط .. وكانت قصيرة القامه جداً . تلبس بالطو رجالي بصفين زراير البالطو أسود . وكانت تلف راسها بالعقال . وكان وجهها في غاية الحيويه . والذكاء هوعيناها . ويقول رياض السنباطي إنها كانت في ذلك الوقت كانت في الثانيه والعشرين من عمرها . ولابد أن أم كلثوم قد سمعت عن رياض السنباطي كمطرب ناشئ هو أيضاً .. وكان يغني الأدوار القديمه التي كان والده يتولى تحفيظها له . ومن المؤكد أن أم كلثوم قد سمعت (رياض )وهو يغني في الإذاعه : ياريتك جتني زي ماجيتك ..وفوجئ رياض السنباطي بأن ام كلثوم تطلبه في التلفون بعد ذلك اللقاء في الليل المطير بحوالي خمسه عشر عاماً .
سألت الأستاذ رياض السنباطي : هل تذكر ماالذي كانت تغنيه أم كلثوم أيام طلبتك ؟
- كانت انتقلت من الموالد إلى فرقة العقاد وسامي الشوا أميرالكمان : وكانت لها أحسن فرقة في مصر في ذلك الوقت . وكان في فرقتها عازف الرق محمود رحمي ومحمد القصبجي وواحد أسمه صالح .. إنه نفس التخت الذي صاحب عبده الحامولي ومحمد عثمان .. وكانت في ذلك الوقت تغني في صاله ( سانتي ) في الأزبكيه .. وفي ذلك الوقت طلبتني في التلفون وردت عليها اختي .. فأنا لا أرد على التلفون عادة. وكانت أم كلثوم تسكن في عماره بهلر بالزمالك .. وكانت الفيلا لم يتم بناؤها بعد .. وأول لحن قدمته لأم كلثوم في ذلك الوقت طقطوقة : (لما انت ناويه تهاجرني ، أمال دموعك كانت ليه ؟ ) وهي من كلمات الأستاذ رامي .. وطقطوقه ثانيه أسمها( ياطول عذابي وأشتياقي ، مابين بعادك والتلاقي ).. وسألت ام كلثوم : كيف تحبين تلحين هاتين الأغنيتين من أية نغمه ؟
وكان ردها من النغمه التي تعجبك . ونجح هذان اللحنان .. وبعد ذلك أشتركت في ألحانها مع الأستاذ زكريا أحمد ومحمد القصبجي .. وأصبحت عضواً في أسرة ام كلثوم الغنائيه .. وبعد ذلك بدأت ألحن لها الألحان الكبرى مثل :.. ( سلوا كئوس الطلى هل لامست فاها ) من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي .. ولما أعجبها تلحيني للشعر أعتني قصيده أخرى للشاعر احمد رامي ..
وكيف مرت على هواك القلوب وتحيرت من يكون الحبيب ..
قلت للأستاذ السنباطي : إن أخر لقاء لي مع ام كلثوم اعترفت لي بأنك الوحيد الذي يستطيع أن يتذوق الشعر وان يلحنه .. وانها تستريح إلى ذلك .
وكان رد رياض السنباطي ان هذه حقيقة ، وانه لايتذوق القصيده او البيت فقط ، وإنما يتذوق الحروف .
وان هذا الإحساس الشديد بالكلام الجميل هو الذي جعل أم كلثوم تعطيه أكثر من ثلاثمائة أغنيه شاركت في النجاح العظيم لأم كلثوم ..وانا لم اكن قد رأيت الأستاذ رياض السنباطي في حياتي ، وإنما دفعني إلى ذلك الأمير عبدالله الفيصل فهو أحد الذين يؤمنون بالموسيقار السنباطي ويرى أن معجزة الغناء العربي هم أم كلثوم وشوقي والسنباطي . إنها الصدفه التي أجلت لقاء رياض السنباطي في أيام محنة أم كلثوم وحيرة الأطباء حولها ، وخوف الأمه العربيه على نهايتها أو خوفها من نهايتها ، أو قلقها على ما بعد نهايتها .. وطلبت رياض السنباطي في التلفون ، إن صوته غريب . فيه فزع . وفيه قرف . وأحسست بإشفاق على نفسي كيف أجتاز به أو معه حاجز الخوف والقرف أو الحزن .. ولما ذكرت له أسم الأمير عبدالله الفيصل كان ذلك جواز المرور .. وكان هو الأسبق الى اللقاء وجلست في مواجهة الرجل . انه رقيق . لطيف. ولا شك حزين على أم كلثوم ، ولكن حماسه للفن . والكلام عن الفنانين وتقديرهم بصور مضحكه قاطعه . جعل الحديث بيننا سهلاً .. ولم يكن يدري . أو هو يدري . انه كان يقوم بعملية وزن وتقويم وتصحيح لكثير من المفاهيم الفنيه والغنائيه ..
ورياض السنباطي هو أقدر الفنانين على فهم صوت ام كلثوم .. فقد تعانق فنه وصوتها أربعين عاماً . وان هذه ( العشره الفنيه ) تولد هذا الذوق العام . او هذا التفوق العام لأغاني ام كلثوم فرياض أحد الذين رسموا ( الذوق الكلثومي ) فأم كلثوم أرتاحت الى فن رياض السنباطي وكان هو يعطيها ماتريد .. والناس يطلبون من أم كلثوم أن تحفظ هذا اللون الشرقي للطرب أو هذا الطرب الفخم للغناء العربي.
سألت رياض السنباطي : هل يمكن أن تصف لي هيئة التلحين .. أو هيئتك وانت تلحن لأم كثلوم ؟ هل كنت تلحن لها في بيتك ثم تسجل اللحن على شريط وتبعث لها بهذا الشريط ؟ ألم يحدث أن طلبت منك أم كلثوم أن تغير عبارة أو فكرة لحنيه ؟ وهل كنت تلحن مطلع الأغنيه وتدندنه في التلفون وبعد ذلك تمضي في إكمال اللحن ؟
لابد أن هذا الائتناس بأم كلثوم عنصر هام في الهيئه العامه للحن كله بعد ذلك . وكان هذا هو الموضوع الذي يريد رياض السنباطي أن يتكلم فيه رغم كل الظروف النفسيه الحزينه التي يمر بها .. فقال : أم كلثوم الله يرحمها كانت تأنس لي جداً وكانت تستريح إلى وجودي بالقرب منها .. لا كملحن ولكن كصديق .. فلم تكن تعاملني كأي ملحن يسجل لها اللحن على كاسيت ويتركه لها ويجري . مع أحترامي لكل الزملاء الملحنين ..فاكثر ألحاني كانت تتم عندها في البيت كنت أخذ كلمات الأغنيه وأعود بها الى بيتي ..وتطلب مني ان الحن المطلع واكلمها في التلفون : ياام كلثوم أنا عملت المطلع فتقول لي : طيب .. تعال يا رياض .. وأروح لها البيت وأسمعها اللحن وتقول لي : عظيم .. أكمل اللحن .. فأترك كل ماعندي من أشغال اخرى لكي أكمل اللحن بالصوره التي ترغبها .. وكانت لنا طريقه خاصه في الجلوس عندها في البيت .. عندها كنبه .. انا اجلس على اليمين وهي تجلس على اليسار .. وأظل أدندن على عودي .. واغني وهي تقول : كويس .. جميل ..أستمر ..وكنا نجلس من الساعه العاشره صباحاً حتى الثانيه عشر مساءً ..ولا احد معنا وانما حالة طوارئ قد اعلنت في البيت كله .. لاصوت ولا تلفونات بل ان زوجها د. حسن الحفناوي وهو رجل ذواق كان يستأذن في الجلوس بعض الوقت كي يسمع .. ثم يتمنى لنا التوفيق ويخرج وكانت تقول لي :هل نأتي لك بغذاء فأعتذر عن ذلك .. لاني اخاف ان أكلت ان أنام .. وكانت هي تقول : أنا أكسب رياض ولا داعي للغذاء .. واجمل من كل طعام عندها هو نجاح اللحن .

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 04/01/2010 الساعة 20h22
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 07/01/2008, 18h40
الصورة الرمزية tarab
tarab tarab غير متصل  
عيسى متري
رقم العضوية:2256
 
تاريخ التسجيل: juin 2006
الجنسية: فلسطيني مع جنسيه مكسيكيه
الإقامة: المكسيك
العمر: 67
المشاركات: 4,180
افتراضي رد: لقاءات مع رياض السنباطي

1981
العالم الموسيقي محمد رياض السنباطي بمناسبة قرن على ولادته
نجح حمد الرجيب وجاسم الشهاب في إقناعه بالزيارة التي كانت بتوجيهات الشيخ جابر العلي



هذا العالم الموسيقي الذي زار الكويت قبل وفاته بعام واحد وسجل لقاءين تلفزيونيين وهما الوحيدان اللذان حفظا ربما تاريخ حياته.
وقف هذا العالم الموسيقي خلف أم كلثوم بألحانه التي دخلت التاريخ أربعين سنة ملحنا لأعذب الألحان.. وقد فرض أسلوبه العلمي ليكون نبراسا ودراسة للآخرين.
هذا الرجل غير العادي كان انطوائيا لا يختلط بالناس، والرجل الذي لعب دورا مهما في زيارة السنباطي إلى الكويت كان سفير الكويت في تلك الحقبة السيد حمد الرجيب وكان ذلك بتوجيهات من الشيخ المرحوم جابر العلي وزير الإعلام آنذاك.

البداية كما قلت سابقا في حديث سابق كان هناك في القاهرة وفي سفارة الكويت شاب نشط 'عارف شغله' واختصاصاته أوكل الأستاذ حمد الرجيب المهمة لهذا الشاب ألا وهو الأستاذ جاسم الشهاب وكان السنباطي يرفض الزيارات والسفرات والدعوات لكن إصرار السفير الرجيب ونشاط جاسم الشهاب كانا حافزا فقد قابل السيد الشهاب السيدة زوجة السنباطي (أم محمد) وقال لها: إن (اليك) لحنا للكويت لحنين في قصيدتين وقد غنتهما أم كلثوم وأصبحا مشهورين في الكويت وإن كثيرا من الكويتيين يفرحون برؤية أبو محمد ضيفا عليهم في الكويت، وفعلا نجح المفتاح الأول وقالت السيدة (كوكب) زوجة السنباطي خلاص مالك دعوة أنا أرتبها وبمقابلة السنباطي (لان) وتسهل الأمر فوافق السنباطي لكنه اشترط أن تكون الطائرة التي تخرج من مصر وتمر في أرض السعودية تنزل وتتوقف في الحجاز ليزور المدينة ومسجد الرسول ثم يستمر وبعدها يتجه إلى الكويت. وكان جاسم الشهاب يعرف ان الطائرة تهبط في الكويت مباشرة ولا تتوقف في جدة لكنه وافق حتى لا يتراجع السنباطي واشترط أن يأخذ ابنه البكر محمد معه وكذلك وافق عليه.
وقبل السفر والتوجه إلى الكويت مرض فطلب التوجه إلى الكويت والعودة بسرعة لأنه بحاجة إلى الراحة وفعلا تمت له هذه الزيارة، حيث قابل خلالها رجال الدولة وعلى رأسهم سمو الأمير ورئيس الوزراء والشيخ جابر العلي وزير الإعلام وحمد الرجيب رحمهم الله جميعا وفي الكويت فعلا استفادوا من بقائه هنا، حيث تم له لقاءان تاريخيان الأول مع السفير حمد الرجيب سفيرنا في القاهرة واستغرق ثلاثة أرباع الساعة وفي اليوم التالي تم لقاء آخر مع جاسم الشهاب استغرق ثلاثة أرباع الساعة أيضا، هذان اللقاءان هما الوحيدان للسنباطي في حياته، حيث يفتخر تلفزيون الكويت بأنه كان له هذا السبق التاريخي، حيث قام بعدها أحد الفنانين المصريين ربما سمير صبري بإجراء لقاء مدمج مع السنباطي نازعا صورة جاسم الشهاب ووضع صورته مكانه كأنه هو الذي يجري اللقاء التلفزيوني ولكنه لم يستطع في كل اللقاء أن ينزع صورة جاسم الشهاب تماما وهو يرتدي الملابس الكويتية العربية وفي اليوم التالي وكان 'صبري' مسرورا بهذا الكسب والسبق الإعلامي الصحفي لكن بعض الصحف اكتشفت الدبلجة واللعبة وأخذت تنكت وتستهزئ بهذا التضليل المشين. فما من أحد إلا ويرغب أن يكون له حظ لقاء السنباطي والجلوس معه والتحدث إليه وهذا ما حدث للمتنبي في مجريات حياته.
هذا العالم الموسيقي الذي لم يحضر طوال اربعين عاما من تلحينه لام كلثوم الا حفلة واحدة وكما يقولون 'غصبا عنه' وليس برضاه لانه امر من جمال عبدالناصر فحضر الحفلة وقاد الفرقة مكرها.
هذا العالم الموسيقي الذي مازالت الحانه التي نسمعها اليوم وقد لحنها قبل ستين سنة تغنى، كأن تلحينها امس.
يكفي ان تعلم ان اغنية 'سهران لوحدى' غنتها ام كلثوم ثماني وثلاثين مرة في حفلاتها و'رباعيات الخيام' غنتها خمسا وثلاثين مرة، فما بالك الثلاثية المقدسة التي لحنها السنباطي وغنتها ام كلثوم 1972/11/15 قبل وفاتها باربع سنوات وكان السنباطي اثناء تسجيلها كأنه يودع نفسه وام كلثوم وهو يقول: هذه آخر أعمالي مع ام كلثوم وهذا آخر اللقاء والبقاء.
واخذ بعد ان ادت ام كلثوم هذه الاغنية وغنتها من قلبها يقول: 'خلاص انتهينا انا وهي'. وهذه الاغنية للشاعر صالح جودت وهي تغني وتبكي.
يروى انه في اثناء تسجيل هذه الاغنية بعد البروفات، وقد اعيد التسجيل اكثر من مرة لتتم عملية الضبط، وكان السنباطي متوترا والاطفال الذين رددوا (طلع البدر علينا) كانوا من شدة الخوف من السنباطي يبتعدون عنه، بعد ان نجحت البروفات والتسجيل واخذ السنباطي يلاطف الاطفال ويقدم لهم الحلويات فاستغربوا من هذا الرجل الذي كان قبل ثلاث ساعات في توتر، لكن السنباطي يريد ان يخرج العمل جيدا وتاريخيا، وكان يفخر في نفسه بان هذه هي النهاية والانسان ادرى بنفسه.
واخيرا، فهذه قصة حياة محمد رياض السنباطي الذي زار الكويت بفضل جهود السفيرين حمد الرجيب وجاسم الشهاب وبتوجيهات من المرحوم الشيخ جابر العلي، الذي كان له اول لقاء مع ام كلثوم عندما كانا في عمر الطفولة وكانا في معية والديهما، وشاء الحظ ان يلتقيا مرة ثانية ليثريا العالم العربي بهذه الموسيقى والغناء الجيد.

جريدة القبس
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 11/01/2009, 01h03
الصورة الرمزية doctorluxor
doctorluxor doctorluxor غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:33615
 
تاريخ التسجيل: mai 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 136
افتراضي رياض السنباطي: كيف أصبح شخصية اجتماعية كبيرة؟

خيري شلبي
صحبة العشاق رواد الكلمة والنغم (ص 131)
رياض السنباطي: كيف أصبح شخصية اجتماعية كبيرة؟
منذ أن انتشر الراديو في القرى في أوائل الخمسينات بدأ الغناء الحقيقي يعرف طريقه إلى الأفهام، ولم تكن القرية المصرية تعرف من الغناء إلا لونًا معينًا من المووايل، ولم تكن تعرف أن ثمة فروقًا بين التلحين والأداء، وكانت خصية المطرب أو المغني تشتهر بنفسها فقط وينسب إليها الغناء الذي تغنيه حتى لو كان هناك من قام بتأليفه وتلحينه، ومع ذلك فقد اشتهر في قرانا اسم رياض السنباطي دون أسماء الملحنين جميعا، اشتهر كعلم على فن جديد تعرف القرية لأول مرة عبر الراديو اسمه التلحين، فكل تلحين جميل ينسب إلى رياض السنباطي تلقائيًّا، والسبب في ذلك ليس هو صوت أم كلثوم وما أعظمه بل الألحان التي كانت تغنيها وما أعظمها.
وكان في بيننا ما يسمى بالحاكي أي الجرامفون ولولا ما دوِّن على أغلفة أسطواناته من بيانات لما عرفنا أن ثمة من يسمى بالملحن وآخر يسمى بالمؤلف الغنائي وهما يعملان معًا في خدمة المغنى، وكانت أغنية (إله الكون سامحني أنا حيران) التي يغنيها السنباطي بصوته من ألحانه وكلمات حسين السيد قد انتشرت وكشفت عن شخصية مطرب كبير عظيم في شخصية السنباطي ومع ذلك بقي السنباطي في أذهاننا علما على فن التلحين الدعائية، وفكرت بأن حديثا صحفيًّا محترمًا يجريه أحد الشبان المتفهمين حول فن الغناء والتلحين قد يقنع بقبول الحديث، وهكذا يدفعني الغرور أن أكون هذا المحرر، ودفعني الخوف من جبروته وقوته الفنية أن ألتقي بكثير من دارسي الغناء والموسيقى والتلحين لأتوصل معهم إلى أسئلة هامة يمكن أن أناقش فيها رياض السنباطي فيحترمها ويجيب عليها.
ثم إنني بدأت مرحلة البحث عن رقم تليفونه - الذي تبين لي أنه يغيره كل بضعة شهور هربا من أصوات المتطفلين - فلما نجحت في الحصول عليه تَلْفَنْتُ له فإذا بالسيدة العظيمة زوجه (كوكب عبد البر) تردُّ عليَّ في رفق شديد وتستوعب كل الرجاءات الحارة التي ألقيتها على مسامعها لكل تقبل توصيل أذني بصوت السنباطي، ويبدو أنها أشفقت عليَّ فقالت إنها سوف تحاول إقناعه وإنني إذا عاودت الاتصال به بعد يوم أو يومين فربما استطعت الحصول على موعد منه، وخلال انتظاري ليوم أو يومين استمعت إلى عديد من الإشاعات في الوسط الصحفي تقول لي أن السنباطي إذا خضع لإلحاحي وقبل مبدأ إجراء الحديث فإنه سوف يطلب نقودًا على ذلك وحكوا لي حكاية طالب يمني جاء من لندن خصوصًا لمقابلته ووضع ظروفه الصعبة تحت سمعه ولكنه رفض مقابلته!
وتصورت أنني أستطيع التغلب على هذه الناحية المادية التي قيل إن شخصية السنباطي مصابة بها، فتفتق ذهني عن حلٍّ تصورته عبقريًّا، إذا اتصلت بإحدى جهات النشر الصحفي وكانت مزدهرة في ذلك الوقت من أوائل الستينات واتفقت معها على إجراء حوار مع السنباطي ولمحت في عيون المسئولين اعتقادًا بأن هذا الاتفاق لن يتم، فألقيت آخر سهم في جعبتي واقترحت عليهم أن يرصدوا ميزانية رمزية معقولة بعض الشيء يمكن دفعها لرياض السنباطي مقابل موافقته على إجراء الحديث، وفوجئت بأن هذا الاقتراح وهو غريب وجديد في ذلك الوقت يلقى بعض الترحيب من جانبهم، وقال المسئول إنه لكي يوافق على هذا الاقتراح لابد أن يقرأ نص الأسئلة التي سيدور حولها الحوار، وأن يكون لهم الحق في إضافة بعض أسئلة يرونها موضوعية وضرورية في الحوار مع السنباطي، ووافقت على ذلك, ووافقوا بدورهم أن يرصدوا للسنباطي أجرا يوازي أجر لحن في مقابل هذا الحديث الهام.
وبناءًا عليه اتصلت من جديد بالسنباطي بجرأة، وردت عليّ السيدة زوجته وما كادت تعرف اسمي حتى ابتسمت وقال إن كل جهودها أثمرت في أن يوافق السنباطي على الرد عليَّ في التليفون، فاعتبرت هذا كسبًا كبيرًا، ثم جاءني صوت السنباطي بكل رفق وبساطة يدعوني للمقابلة أولاً، وحدد لي موعدًا في نقابة الموسيقيين حيث إنه كان ذاهبا إليها في غرض ما ويستطيع مقابلتي لدقائق.
وذهبت أجري من الفرح، ولقيته هناك فإذا بي أرى عملاقا طويل القامة رفيعها، طويل الأصابع يرتدي منظارا، لكنه يمشي كما يمشي الناس ويتكلم كما يتكلم الناس، ثم سحبني من يدي كأنني أحد أبنائه، وانتحى بي جانبا، ثم جلس أمامي قائلا في حنو شديد إنه لا يحب الإدلاء بأي حديث لا في الصحف ولا في الإذاعات حتى ولو كان ذلك بأجر، قلت له ببراءة إن هناك أجرًا للحديث، فابتسم وقال لنفرض أن أجر الحديث سيكون أجر لحن مثلاً أليس كذلك؟ قلت نعم، قال أرني أسئلتك، فعرضتها عليه في حوالي خمس صفحات، فألقى عليها نظرة سريعة ثم قال: إن كل سؤال من هذه الأسئلة لا تصلح الإجابة عليه في أقل من ساعة مع استحضار الذهن والمراجع، وإن الإجابة التي ترضيه تحتم عليه أن يأخذ هذه الأسئلة ويدرسها ويجيب عليها في هدوء وروية، ولسوف يمنعه من ذلك أسباب أهمها أنه ليس لديه الوقت الذي يعطيه لها، واعتقاده الراسخ بأن الجهة التي ستذيع الحديث أو تنشره لن تتركه في حاله بل ستغير فيه وتعدل وهذا ما لن يقبله أبدا مهما تلقى من الضمانات الشخصية، ثم إنه طلب لي فنجانا من القهوة قال لي إنني لا يجب أن أصدق كل ما سمعته عنه من إشاعات بأنه مادي وأنه متكبر ومنعزل وما إلى ذلك فحقيقة الأمر أنه لا يستطيع التوفيق في شصه بين الفنان والدعائي، وأن الكثرين يملأون أعمدة الصحف والأثير بالأحاديث، ورأيه أنهم على قدر ما لديهم من إمكانيات فنية فإنهم يحرقون هذه الطاقة في الأحاديث الفارغة، ورأيه أن التحدث في الصحف كثير يجعله دون أن يدري يلتزم أمام القراء أو المستمعين ببعض القضايا ووجهات النظر الفنية التي يطرحها في حديثه وهو لا يحب أن يفعل هذا، إذ أنه لابد أن يطرح كثيرًا من وجهات النظر، وإن طرها فسيلتزم بها، وقد تثير بين الملحنين زملائه من المشاكل والردود ما يساهم في شغل وقته وتبديد اهتماماته وربما إفساد أعصابه، ثم قال كذلك أنه قد وضع لنفسه مناخًا صالحًا للتحلين ساعات طويلة، وهذا المناخ يتضمن سلوكا فكريًّا وفنيًّا معينًا لا يجب أن يجري فيه أي تعديل وإلا كان ذلك على حساب الفن، ثم إذا به ينهض فجأة ويتجه نحو التليفون ويطلب رقما فهمت من المحادثة أنه بيته، وكان ينبه على السيدة أن تحتفظ بالشريط الفلاني فلا تسلمه لفلان كما اتفق لأنه غيَّر رأيه فجأة، وحين عاد إليّ لم ينتظر تطفلي لمعرفة موضوع المحادثة فقال إنه الآن فقط طر له أن يغيِّر جملة موسيقيَّة معينة سبق أن صاغها بعدة صياغات مناسبة كلها وإنه الآن اقتنع بتعديله بمجرد استماعه لواحد ينادي في الشارع هل سمعته؟ قلت لم أسمع شيئًا، قال أما أنا فقد سمعت رجلا يتكلم في الشارع الآن بطبقة معينة وانفعال معين ألهمني أن الانفعال الصحيح لهذه الجملة الموسيقيَّة يمكن أن يستفيد بمثل هذه اللهجة الواقعية الصادقة، ثم إنه استأذنني في الانصراف لموعد هام في منزله، وفي الطريق إلى السلم كان قد شرد تماما وانفصل عني وأخذ يدندن في غموض، وانتهزت فرصة انتهائه من الدندنة وقلت له ما رأيه لو اعتبرنا هذا اللقاء السريع حديثًا ونشرناه؟ فقال باسما إنني أكون عدم المؤاخذة نصابًا كغيري من الذين يدردشون مع الفنانين في التليفون أي دردشة فارغة ثم ينشرونها اعتمادًا على أن صوتهم قد خاطب صوت الفنان بصرف النظر عن جوهر المخاطبة.
وكنت أهدف من خلال حديثي المقترح معه أن أعرف لماذا هو عظيم ولماذا قد أصبح شخصية اجتماعية كبيرة، وما أن صافحت قدمي أرض الشارع وحدي حتى أدركت من خلال هذا اللقاء السريع الخاطف كم هو عظيم، ذلك أن مقومات العظمة في شخص تبدأ أول ما تبدأ باحترامه لنفسه وسلوكه وتقدير الكلمة التي تخرج من لسانه، إن العمل الفني ليس مسؤوليته وحده بل إن سلوك الفنان لا ينفصل عنه، ومن يومها لم أحقد على السنباطي ولم تصبني النقمة عليه بسبب رفضه للأحاديث.
وقد حدث أنني شرفت بالحصول على جائزة الدولة التشجيعية في نفس العام الذي حصل هو فيه على الجائزة التقديرية، وجاءت جلستي في الحفل بجواره، فملت عليه هامسا بطلب حديث بهذه المناسبة، فابتسم قائلا إن العمر لم يعد فيه بقية لكلام النظري الفارغ، وإنه يفضل أن يشغل نفسه الآن بأعمال فنية يسد بها الفراغ الضارب أطنابه في حقل التلحين، قلت له ولكن أم كلثوم العظيمة ماتت وهي التي كانت تستطيع إبراز قوة ألحانك فهل ترى أن موتها كان السبب في أنك لم تقدم ألحانًا جديدة كبير باستثناء لحن القصيدة التي غنتها وردة؟ قال مبتسما إن هذا صحيح ولكن التلحين يشبه الكتابة الروائية، إنك قد تكتب رواية دون أن تعرف أين ستنشرها أو متى أو كيف صحيح إن جهة النشر مهمة في سرعة الإلهام والإنجاز ولكنك لابد أن تكتب مهما كان الأمر، إنني ألحن لا لكي يغني ألحاني أحد بل لكي أكون قد تركت أبنية متينة تقف بجوار الهرم الأكبر.
قلت له إذا كان الغناء كفن شعبي قد جعل من أم كلثوم اجتماعية كبرى فما تفسيرك لأن تصبح أنت كذلك من خلال التلحين مع أن التلحين يعتبر فنًّا برجوازيًّا والملحن شخصية لا تشتهر إلا بين مجتمعات مثقفة واعية؟ لحظِتْها شرد قليلا، وبصوته الخفيض قال إن المجتمع هو الذي تغير وأصبح يستوعب كثيرًا من الأدوار التي لم تكن شائعة فيه من قبل، وأحسست أن التواضع وحده وراء هذا القول المبتسر فطلبت إجابة أخرى في لطف، فقال أكثر لطفًا إن العقل المصري من أشد العقول تقبلاً للتطور واحتواء لظواهره المتفتحة، ولقد كان الغناء قبل عبده الحامولي والشيخ أبو العلا محمد وزكريا أحمد وسيد درويش مجرد رفع العقيرة بالصوت وتلوين النغم حسبما اتفق مع لحظة الانفعال الوقتية، ونحن جميعًا أساتذة وتلامذة حين اكتشفنا إمكانيّات المقامات الموسيقية العربية من خلال كتاب سفينة الملك وسفيرة الفلك لمؤلفه شهاب الدين حاولنا استظهارها، فارتفعنا بهذه المقامات إلى (مقامات) عليا، وبحث الشعب كعادته عمن يكون وراء الكشف عن هذه الإمكانيات فعرف شخصية الملحن المتخصص غير المطرب، فرفع الملحن إلى الدرجة التي تليق به.
ثم قطع الاحتفال خلوتنا ودخل السيد الرئيس لتوزيع الجوائز ونودي على السنباطي فصعد إلى المصرح عملاقًا كبيرًا وتسلم الجائزة ثم عاد، وكان يرتدي بنطلولنا وسترة عادية كأي شخص أقل من عادي، ثم جلس صامتًا لبرهة طويلة، ثم لما انتهى الحفل فوجئت به يبحث عني فلما رآني غمزني في ذراعي قائلا نسيت أن أقول لك شيئًا هامًّا يتعلق بالمجتمع المصري والشعب المصري ذلك أنه شعب يرتفع بمن يحاول الارتفاع به، وليس كما يشاع عنه ميَّالاً إلى السطحية والابتذال لقد ظهرنا أم كلثوم وأنا وغيرنا في مجتمع فيني تسود في أغنيات مبتذلة رخيصة تجد شهرة ورواجا لا قِبَلَ لأحد بمقاوماتها، وكان الاعتقاد بأننا إن لم نحاول تقليد هذه الأغنيات الرخيصة فإننا لن نجد لأنفسنا مكانًا في عالم التلحين والغناء، ولكننا أو أنا بالذات أدركت أن ذوق الجمهور المصري ليس مطبوعا على المستوى الرخيص، وإنما يسود الذوق الرخيص لأن القيادة الفنية للمجتمع تميل إلى الرخص وانحدار الذوق، وأنا شخصيًّا فكرت في مثل شعبي يردِّدُه المجتمع المصري منذ عشرات القرون وهو مثل بسيط جدًّا لكنه شديد العمق، إن المثل يقول (الباني طالع)، وحقيقة معنى هذا المثل أن كل من يعمل عملاً بنائيًّا متقنا فإنه يرتفع مع جدرانه إلى القمة التي تصل إليها الجدران، والمعنى رمزي طبعًا، ولما اقتحمت ميدان القصيد الشعري الفصيح لم يكن في ذهني أن نسبة قليلة من المثقفين هي التي ستستطيع استيعاب القصيد ومن ثم اللحن إنما كان في ذهني شيء واحد فقط هو أن أقوم ببناء ذوق جديد رفيع المستوى، وأن هذه المحاولة البنائية ستجد قبولاً رحبًا لدى الجمهور حتى ولو كان ذلك على المدى الطويل غير أن المدى لم يطل بل حدث الاحتكاك المباشر بين الأعمال الفنية التي قدمناها وبين التراث الحضاري القوي الراسخ في نفوس حتى العامة، وحدثت العلاقة الجدلية العظيمة بين رغبتنا في البناء وبين حب الجمهور للأبنية العالية المتينة.
قال هذا ثم سلَّم عليّ وانصرف.
__________________
عَجِبتُ لِـمَن لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ * وَيَنبو نَبوَةَ القَضِمِ الكَهامِ
وَمَن يَجِدُ الطَريقَ إِلى المَعالي * فَلا يَذَرُ المَطِيَّ بِلا سَنامِ
وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً * كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ
رب همة أحيت أمة
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 22/03/2009, 19h15
الصورة الرمزية باسل زعرور
باسل زعرور باسل زعرور غير متصل  
دينامو الأيكة الكلثومية
رقم العضوية:131396
 
تاريخ التسجيل: décembre 2007
الجنسية: سورية
الإقامة: حمص دائما - دمشق مؤقتا
العمر: 45
المشاركات: 1,602
افتراضي مقالة بعنوان (السنباطي.. راهب النغم )

اخترت لكم هذه المقالة من أرشيف مجلة العربي الكويتية

عندما نتحدث عن التراث الموسيقي. فلا بد من الحديث عن ذلك المارد الذي ملأ الدنيا الحانا. وجعل الحناجر تشدو بعذب الكلام, وحول أم كلثوم إلى أسطورة من أساطير الغناء.
بلبل المنصورة.. يغني ويلحن


عاصر رياض السنباطي عصر الأصوات الذهبية، التي لمعت في تاريخ الغناء العربي: صالح عبدالحي - منيرة المهدية - عبدالغني السيد - أم كلثوم - محمد عبدالوهاب - فتحية أحمد - نجاة علي - فريد الأطرش - أسمهان...وغيرهم. إلا أن رياض لم يضع قدرات صوته، وإمكانية أدائه في المكان الذي يؤهله للوصول إلى الأسماع. فقد فضل أن تغني ألحانه صوت قيثارة العصر السيدة أم كلثوم ، التي استطاعت التعبير عن روائعه بالشكل الذي أراد هو توصيله للأسماع.
ومع قلة ما غنى رياض من ألحانه، فإنه استطاع أن يضيف إلى الغناء العربي لونًا جديدًا، وإحساسًا وتعبيرا لم يألفه المستمع من قبل. كان لصوت رياض مذاق خاص، ولون دافئ، فاق أصواتًا قوية كثيرة. حتى أننا إذا ما استمعنا إلى ألحانه بصوته، والتي تغنّى بها آخرون، يشدنا أداؤه الدافئ مثال: قصيدة «يا حبيبي لا تقل ضاع حبي من يدي» للشاعر إبراهيم عيسى، وكانت قد غنتها وردة في أواخر السبعينيات. كما غنى قبل رحيله بعض روائعه، التي غنتها صاحبة الحنجرة الذهبية أم كلثوم . وغنى رياض بمصاحبة عوده «الأطلال»، و«عوّدت عيني»، و«أقبل الليل»، و«سلوا قلبي» و«رباعيات الخيام»... أداها رياض بأسلوبه الخاص «غير المكلثم».
بدأ السنباطي حياته الفنية مطربًا، وكان أول ما غنى «نام الحمام والقمري على الغصون" من ألحان والده. كما غنى من ألحان داود حسني «أنا أعشق في زماني»، وغيرهما من الأغاني التقليدية لكبار الملحنين، إلى جانب بعض الموشحات.
وتضاربت النصائح الموجهة إليه، فهناك مَن نصحه أن يحترف الغناء، وترك التلحين، بينما جاء رأي آخر يقول إنه من الأفضل أن يدخل عالم التلحين، ويترك مجال الغناء لمن يفوقه صوتًا وشهرة، خاصة وأن صوته لم يكن قويًا كغيره من المطربين.
لم يهتم رياض بهذه الآراء، فقد كان له رأيه الخاص، وعن احترافه للغناء قال:
كنت في البداية أغني كثيرًا، وشيئًا فشيئًا وجدت نفسي أغرق في التلحين، ربما كان صوت أم كلثوم هو الدافع لهذا الاتجاه. وساعد على ذلك عدم جرأتي في مواجهة الجمهور، فأعصابي لاتتحمل الوقوف على خشبة المسرح، ولا أستطيع سماع كلمة تعليق من مستمع عندما أغني في حفلة. وحتى أتفادى الإحراج، اكتفيت بتسجيل بعض الأغاني بصوتي في الإذاعة والأفلام وعلى الأسطوانات والأشرطة.
أنا لم أعتن بنفسي كمطرب، فالمطرب له مواصفات خاصة غير موجودة في شخصي، فأنا أخاف الجمهور، ولهذا أتوارى، وأغني أمام ميكروفون في ستوديو مغلق..».
وصفت «المجلة الموسيقية - العدد السابع والأربعون - مارس 1938» صوت رياض السنباطي بعد تقديمه لحفل غنائي في الإذاعة..قالت:
«من يصغ إلى غناء رياض يدرك على الفور أن جمال صوته ليس في قوة حنجرته واتساع مداها... وإنما لطابع أدائه الحلو، وبساطة الأسلوب، والإحساس والدفء الموجودين في صوته».
وشبه بعض النقاد صوت رياض السنباطي بهديل الحمام.
اشتهر رياض في طفولته بالغناء في فرقة والده المنشد محمد السنباطي، كان في البداية يشارك بالغناء مع مجموعة المذهبجية، ثم انفرد بغناء بعض المقاطع، ثم أصبح مطرب السهرة، ولقبوه بـ«بلبل المنصورة»، حيث اكتسب الأصالة من عيون الأدوار والموشحات، التي كان يؤديها مع فرقة والده. حفظ الطفل رياض الكثير من هذه الألحان، من بينها أدوار الشيخ سيد درويش وبعض ألحانه المسرحية، التي كان يحفظ جانبًا كبيرًا منها. كما حفظ العديد من التواشيح الدينية، التي كان يؤديها مع والده في الموالد والأعياد الدينية في القرى والمدن الريفية المجاورة...
أخذت مدارك الطفل تسمو باحتكاكه بأهل الطرب، وأدائه لروائع النغم، فاستساغ الشعر الذي أوحى إليه فيما بعد أعظم ألحانه، ومنه تعلم إتقان خروج الألفاظ والمفردات، فأعطى كل حرف حقه في التلحين والأداء، وهو أمر طبيعي يعود لحفظه أجزاء كبيرة من القرآن الكريم، ونشأته في أسرة اشتهرت بأدائها للتواشيح الدينية والابتهالات.
وبعد أن اشتد عود الصغير، وانتقل للحياة بالقاهرة، بدأ يطرق باب الغناء، حيث أخذ شهرته كمطرب.
رياض المغني
ومن الأغاني التي اشتُهر رياض بأدائها بصوته بمصاحبة الفرقة الموسيقية: «فجر»، «أيها السابقي»، «أشواق»، «يا حبيب القلب يا روح الأماني»، «حكاية في الحي» و«عذابي يا منايا»، «يا نجمة في سمائي»، «نغم ساحر»، «روّعوه»، «مسرنا بعد فرقتنا»، «صلح الحبيب».
كما غنى رياض من أدوار سيد درويش: «أنا هويت»، و«ضيعت مستقبل حياتي». ولاقت كل هذه الأغاني النجاح لدى جمهور المستمعين.
ومن الأدعية غنى رياض: «إله الكون»، «ربي سبحانك دومًا»، و«لك يا حبيب الله».
وشارك رياض بالغناء في بعض الأفلام فغنى: «فاضل يومين»، و«على عودي - في فيلم حبيب قلبي».
ومن أجمل ما غنى رياض قصيدة تعتبر من أروع ما لحّن، إلا أنها - مع الأسف - لم تأخذ شهرتها، وهي قصيدة «أين حبي»، ومطلعها: ذات يوم يا حبيبي كان عصفور ينادي بالهوى أجمل زهرة». كان أول من أذاع هذه القصيدة إذاعة لندن، التي أهدتها فيما بعد إلى إذاعة القاهرة.
وغنى رياض مع المطربة هدى سلطان في فيلم «حبيب قلبي» ثلاث حوارات هي: «بتبكي ليه يا نغم»، و«اشمعنى يا ناس»، و«عندي سؤال».
وسجلت شركة «أوديون» الشهيرة للأسطوانات بعض ألحان رياض بصوته في بداية حياته الفنية، لقاء أجر زهيد جدًا.
وعن صوت وأداء السنباطي قال محمد عبدالوهاب:«لو لم يغن السنباطي غير قصيدة أشواق، لحق له أن يعد مطربًا كبيرًا».
والسنباطي يعد من تلاميذ محمد عبدالوهاب في الغناء، وهذا لا يعيب رياض في شيء، فعبد الوهاب يكبر رياض، كما أنه بدأ حياته الفنية بروائعه قبل دخول رياض عالم الفن. والمعروف عن عبدالوهاب أنه في سنواته الأولى قام بثورة موسيقية أكسبت موسيقانا ألوانًا من المعاصرة والتجديد، وكان ذلك قبل ظهور كنوزالنغم، التي خرج بها رياض السنباطي، الذي أصبح هو نفسه فيما بعد قدوة لعدد من الملحنين البارزين. كما عمل رياض عوادًا في فرقة عبدالوهاب سنتي 1933 و 1934، فاستمع إلى ألحان هذا الموسيقار الكبير وتأثر بها. ويتضح هذا التأثر في كثير من ألحان رياض، وفي أسلوب غنائه، كما تأثر عبدالوهاب بدوره بعد انتشار أعمال السنباطي البارزة بالكثير من ألحانه، خاصة بعد خروجه بروائع أم كلثوم الغنائية. وعن علاقة السنباطي بعبدالوهاب والتأثر بألحانه قال: «إن عبدالوهاب أكثر منا خبرة ودراية وممارسة. ولأن الأستاذ محمد عبدالوهاب هو الذي أوجد الروح الحديثة في الموسيقى العربية، متأثرًا بأستاذنا الكبير سيد درويش، فنحن حتمًا متأثرون بهذه الروح، ومنحازون إلى التجربة التي خاضها للوصول بالموسيقى العربية إلى أرفع المستويات».
واضطر السنباطي إلى التوقف عن الغناء في منتصف السبعينيات إثر إصابته بنوبات صعبة من الربو، اضطرته للسفر إلى باريس عام 1978 للعلاج وإجراء بعض العمليات الجراحية في أنفه، غير أن الحساسية لم تفارقه، بل تزايدت مع الأيام، مما اضطره إلى التوقف تمامًا عن تسجيل أغانيه بصوته. كما عاق هذا المرض الفنان أيضًا في ممارسته لفن «التلحين» إلى حد كبير.
الملحن الأصيل..
عن التلحين يقول رياض:
«التلحين فن هندسي، كل واحد منا يحاول أن يزيّن هذا الفن بما عنده من إبداع. التلحين هو التوليف في المقامات، والتجنيس لأنغام، ومواءمة بين تلك المقامات والأنغام، يبقى بعد ذلك جمال اللحن، ومدى تماسكه، ومدى تأثيره في السمع. وطريقتي هي أن أضع لحنًا يتسابق مع المغني، أو يقترب منه على الأقل. وهي لا تسمى طريقة، وإنما عمل متميز ومبدع، ومؤثر في النفوس. والتلحين ما هو إلا إلهام وإحساس وانفعال وتذوّق. والروح هي التي تملي على الملحن طريقته».
استوعب رياض طرائق التلحين المختلفة، استمع إلى مَن سبقوه في فن الغناء والتلحين، فاستخرج منها أروع الألحان وأعظمها.
ورياض السنباطي آخر الكلاسيكيين المبدعين، حافظ على القوالب الغنائية التي ابتدعها أساتذته، وسار عليها، إلى أن ظهرت شخصيته الفنية، فأخذ في بناء مدرسته المشتقة من جذور شجرة الأجداد.
ويعتبر رياض من الملحنين المحافظين على التراث العربي الأصيل، أضاف إليه إضافات جمالية اعتبرت مدرسة، فأدخل عليها التصور الموسيقي والانتقالات اللحنية دون الخروج عن الإطار الذي وضعه عبده الحامولي ومحمد عثمان وسلامة حجازي، ومن بعدهم سيد درويش، الذي اعتبره رياض أستاذه الأول، ومثله الأعلى في الفن. وعن التطوير والتحديث الذي أدخله سيد درويش في الموسيقى العربية قال:
«لقد كان سيد درويش - رحمه الله - أول مَن أحدث نوعًا من الانقلاب الموسيقي على كل ما سبقه من ألحان، والتي كانت تتصف بالرتابة والتكرار والتطويل الممل. ثم جئنا أنا ومحمد عبدالوهاب لنكمل خط التطوير نفسه الذي بدأه سيد درويش، يعني كلنا خرجنا من عمامة سيد درويش. كل واحد منا أخذ منه حاجة، ولكن مع احتفاظ كل منا بلونه المميز.
سيد درويش هو أستاذ الأساتذة، هو من خطط الموسيقى الجديدة، هو الذي أحدث فعلاً تطويرًا في الغناء العربي. يقولون نحن أتينا بتطوير، نحن لم نحقق أي تطوير... أين هو التطوير؟ إذا كانوا يقصدون بالتطوير إدخال الأورج أو الجيتار على الفرقة... فهذا ليس بتطوير، نحن نتكلم عن التطوير اللحني، هذا لم نحققه بعد سيد درويش».
إن هذا الكلام يعتبر تواضعًا كبيرًا من فنان مثل رياض السنباطي.
حافظ رياض على التراث التقليدي الأصيل في الموسيقى العربية. وكان في ألحانه يهتم بإثارة سامعيه، بأن ينهي جملته الغنائية بقفلة تهز المستمع من مقعده فيصيح «الله». وكان أكثر هذه الأصوات قدرة على أداء هذه القفلات صوت أم كثوم، ويظهر هذا جليًا في أدائها لقصائد السنباطي.
كان رياض يهتم بالزخارف في جمله الموسيقية، وكان يعرفها بـ«الأويمة». ويلاحظ في أسلوب تلحينه التصاعد التدريجي بالغناء إلى أن يصل به إلى الذروة، التي تلهب أكف المستمعين بالتصفيق. كان بذكائه وموسيقيته يعرف كيف يصل بالغناء إلى هذه الذروة.
استعان السنباطي في ألحانه بالآلات الغربية دون أدنى تشويه للمسار الذي ابتكره بعبقريته العربية التي أثرت أغانيه. كما استخدم الكورس في أعماله الفنية. ففي ألحانه الأولى، كان يعطي الكورس أداء المذهب، كما هو متبع في تلحين الطقطوقة، إلا أنه سرعان ما ابتدع أسلوبًا جديدا وجريئًا في استخدام الكورس مع أغاني أم كلثوم مثال «نشيد الجامعة» في فيلم «نشيد الأمل» حيث أعطى الكورس جزءًا أساسيًا في الأغنية، يتبادل فيه الغناء مع أم كلثوم .
كما استخدم الآهات المؤداة من الكورس في ألحانه، مثال المقدمة الموسيقية للحن «على عودي» أدته مجموعة من الفتيات. وفي «إله الكون» استهل رياض اللحن بكورس من الرجال. وفيها طوع الآهات للون اللحن. كذلك استخدم الكورس بشكل فني رائع في أغاني «إلهي ما أعظمك - نجاة الصغيرة» و«يا أكرم من حكم - فايزة أحمد».
ثم أخذ رياض يتفنن في استخدام الكورس في ألحانه، كما في استعراض «لحن الوفاء - عبدالحليم حافظ وشادية»، واستعراض «حبيب الروح - ليلى مراد».
واستعان السنباطي بكورال أطفال في قصيدة «الثلاثية المقدسة» في مقطع «طلع البدر علينا» في درجة صوتية تختلف عن تلك التي غنت فيها أم كلثوم .
ومن اهتمامات رياض، إدخال عنصر الإيقاع بشكل ثري في ألحانه للسينما، فخرجت هذه الأغاني من قوالبها وشكلها التقليدي إلى الحداثة والمعاصرة.
وساير السنباطي «موضة» الأورج والجيتار الكهربائي في بعض ألحانه. إلا أنه كان في استخدامه لتلك الآلات يراعي الذوق والتقنية حتى لا يخرج بطابع الأغنية من الأصالة المصرية. ومن هذه الأغاني:
«من أجل عينيك» حيث استخدم الجيتار والأورج والأكورديون. وفي قصيدة «أقبل الليل» أعطى رياض آلة الأورج دورًا أساسيًا في المقدمة الموسيقية.
تأثرالسنباطي في بعض قصائده باللون الصوفي، إلا أنها خرجت سنباطية خالصة مثال «سلوا قلبي - نهج البردة - ولد الهدى - إلى عرفات الله» لأحمد شوقي. وقد تأثر السنباطي في هذه القصائد بروحانيات المعنى، فأعرب عنها بنغم بلغ ذروة مؤثرة تهز القلوب.
أبو القصيدة:
تناول رياض تلحين جميع القوالب الغنائية العربية، باستثناء الدور والموشح، إلا أنه تفوق في تلحينه للقصيدة، حتى أطلق عليه «أبو القصيدة». وساعده على النهوض بهذا القالب الغنائي صوت أم كلثوم ، وتعلقه وتفهمه للشعر العربي، وقراءاته العديدة لدواوين كبار الشعراء، فإليه يعود فضل كبير في حفظ رجل الشارع للقصائد المغناة بصوت كوكب الشرق أم كلثوم ... كان رياض مغرمًا بالجري وراء الصعب، متحديًا بالوثوب بقصائده الدسمة المعاني إلى رجل الشارع. والمعروف أن القصيدة هي أصعب أنواع التلحين. لحن رياض القصائد التقليدية والقصائد الحديثة مثال قصيدة «همسات» للشاعر أحمد فتحي، وقصيدة «الزهرة» شعر محمود أبو النجا.
وعن القصيدة قال رياض:
«نحن أبناء جيل يحترم الشعر، ويعتبره الطريق الأول للموسيقى... أو التوأم، كنت أحب محمد عبدالوهاب وهو يغني قصيدة «يا جارة الوادي» و«علّموه كيف يجفو فجفا». فالشعر أرقى أنواع الأدب، لذا وجب علينا أن نكرس له أرقى أنواع التلحين، لأنه الوسيلة الوحيدة للارتفاع بالمستوى الثقافي والفني للجماهير، وهذا لن يتم إلا عن طريق الغناء الذي يعتبر ألصق الفنون وأقربها إلى نفوس الجماهير».
والمعروف أن رياض السنباطي كان في بداية حياته الفنية يؤدي بصوته بعض القصائد.
لعب صوت أم كلثوم دورًا كبيرًا في حياة رياض الفنية، فيها وجد ضالته المنشودة. وقد ساعد أداؤها لألحانه على شهرته، كما فتحت له أبوابًا يظهر فيها إمكاناته الفنية في التلحين. قدم رياض ألحانه لأم كلثوم فترة تقترب من أربعين عامًا، تخللها خصام دام حوالي سنتين، ومن الملاحظ في ألحان رياض السنباطي الأولى لأم كلثوم تأثره الشديد بأسلوب محمد القصبجي، ناسجًا على منواله، ثم بدأت شخصيته الفنية تستقل.
غنت ألحان رياض السنباطي أصوات عدة، أما الصوت الذي أعطى هذه الألحان بريقًا ذهبيًا وقيمة فنية كبيرة، فكان - بغير شك - صوت أم كلثوم . فإذا استمعت لأغنية لرياض السنباطي مؤداة بصوت غير صوتها، أحست على الفور أن ملحن هذه الأغنية ليس هو رياض السنباطي الذي استمعنا إلى ألحانه بصوت أم كلثوم . وفي ذلك يقول الناقد الفني كمال النجمي:
«ملحنان مختلفان في المقدرة والإبداع، ولكنهما ملحن واحد اسمه رياض السنباطي. يبلغ القمة حين يضع لحنًا لأم كلثوم ، ويأتي بخوارق تدهش العقول. كان يفاجئ المستمعين في كل لحن كلثومي بلون من الإبداع لم يسبقه أحد إليه، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثله. فإذا اقتضت الضرورة أن يضع لحنًا لمطربة أخرى لم يأت بشيء من الخوارق الفنية. ولم يفاجئ المستمعين بشيء من الإبداع. ويبدو عندئذ كأنه ملحن آخر من طبقة أقل بكثير من طبقة السنباطي، لا تطاولها طبقته عند التلحين لأم كلثوم . ولعل السبب أن روحه المعنوية ترتفع عندما يلحن لأم كلثوم فينعكس ارتفاعها على ألحانه».
وتتميز أغاني رياض بسلامة تلحين الألفاظ، ومطابقة حروف مخارج الكلمات مع اللحن. كما كان يحرص في اختياره للمقامات الموسيقية العربية، أن تتناسب مع موضوع الأغنية.
ولم يكن رياض يقدم على توزيع أغانيه إلا في النادر جدًا، وكان له رأي في توزيع الموسيقى العربية قال:
«ليست كل أغنية صالحة للتوزيع. وليس كل موزع يصلح للتوزيع. فالتوزيع يحتاج إلى شخص يكون مدركًا لأسلوب التوزيع الذي يتناسب مع اللحن. الملحن والموزع لابد أن يكملا بعضهما البعض».
وكان السنباطي لا يميل إلى استخدام النوتة الموسيقية بالرغم من إجادته لها، إلا كهيكل للعمل، حتى لا يتقيد المطرب في أدائه بما تعزفه الفرقة، وحتى لا يفقد اللحن عنصر الارتجال والزخرفة. فألحان رياض يصعب تدوينها لكثرة ما تضمّ من الحليات والنوتات الصغيرة التي تقع بين النغمات. كان السنباطي يميل إلى التحفيظ، لذا كان يحضر جميع التدريبات والتسجيلات الخاصة بأغانيه.
رياض السنباطي مدرسة. ومَن أنجب طلبة هذه المدرسة: محمد الموجي - حلمي بكر - كمال الطويل - أحمد عبدالقادر وغيرهم. بدأوا جميعًا حياتهم الفنية بالسير على منهج السنباطي.
رتيبة الحفني

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg sonbati.JPG‏ (69.6 كيلوبايت, المشاهدات 371)
__________________
اللهم اني استودعتك سوريا وأهلها، أمنها وأمانها، ليلها ونهارها، أرضها وسماءها، عاصيها وفراتها،فأحفظها ربي يا من لا تضيع عنده الودائع
---------------
الأرشيف المتطور لأغاني وحفلات أم كلثوم
هنا

***********
**مختارات**
منسيات الست : سلسلة من 6 مقالات في منسيات أم كلثوم
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 23/03/2009, 08h40
الصورة الرمزية ثومه
ثومه ثومه غير متصل  
عاشقـة الست
رقم العضوية:158864
 
تاريخ التسجيل: février 2008
الجنسية: *مصريه*
الإقامة: * القاهره*
المشاركات: 589
افتراضي رد: مقالة بعنوان (السنباطي.. راهب النغم )

أخي باسل
ما هذا المقال الجميل وكم المعلومات
الغائبه عني عن هذا الفنان العظيم
رياض السنباطى
ابن بلدي (المنصوره).
وعلي رأى السميعه الكلثوميين
عظمه علي عظمه
شكرا لك.
__________________


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 23/03/2009, 08h52
الصورة الرمزية باسل زعرور
باسل زعرور باسل زعرور غير متصل  
دينامو الأيكة الكلثومية
رقم العضوية:131396
 
تاريخ التسجيل: décembre 2007
الجنسية: سورية
الإقامة: حمص دائما - دمشق مؤقتا
العمر: 45
المشاركات: 1,602
افتراضي رد: مقالة بعنوان (السنباطي.. راهب النغم )

والله أنا مثلك متفاجئ تماما

بالفعل رحمه الله

كان استثنائيا بكل معنى الكلمة

تحياتي لك ولمرورك الكريم

__________________
اللهم اني استودعتك سوريا وأهلها، أمنها وأمانها، ليلها ونهارها، أرضها وسماءها، عاصيها وفراتها،فأحفظها ربي يا من لا تضيع عنده الودائع
---------------
الأرشيف المتطور لأغاني وحفلات أم كلثوم
هنا

***********
**مختارات**
منسيات الست : سلسلة من 6 مقالات في منسيات أم كلثوم
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 05/05/2009, 10h35
مصطفى أخرس مصطفى أخرس غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:420780
 
تاريخ التسجيل: avril 2009
الجنسية: سورية
الإقامة: سوريا
المشاركات: 23
افتراضي إلى : " سماعي " ...

إلى : " سماعي " ...
من نكأ بقلبي جراحات خلتها اندملت ....
و من أزكى بفؤادي نارا حسبتها خمدت ...
و من عصف بخفاقي رياحا ظننتها سكنت ....
ـ و بعد توقف طويل ـ
أقول :
هي النغمات تشـــجيـه و تطربه و تبكيــــه
و توقظ في حنـــــاياه أسى قد كان يخفيه
تهدهد بين أضلعـــــه فؤادا نام ساقيـــــه
و تضرم في جوانحـــه أنينا بات يكويــــــه
تداعبه ... تدغدغـــــه حميا الشوق تسقيــه
فيصحو و الهوى يشدو على أطلال ماضيــه
يدمدم همس أشـــواق تبدى فجره فيــــــه
على عودي عزفت الآه تحييني و تحييـــه
سلوا قلبي أيا صحبــي أليس النوح يكفيــه
عصي الدمع قد كانــا فكيف الحب ينسيــه
هجرتك علني أنســـى و هل أنسى مآقيـــه
أينسى قصـــــة الأمس غداة الغدر يدميـــه
إله الكون سامحنـــي على ما لست أبديــه
لغيرك ما مددت يدا فجد بالصفح عن تيهي
و جد بالعفو أنت الله تجزينــي ... و تجزيــه

الثلاثاء 5/5/09

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 04/01/2010 الساعة 20h16
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 19/04/2010, 20h34
الصورة الرمزية بهاء الدين 7
بهاء الدين 7 بهاء الدين 7 غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:211974
 
تاريخ التسجيل: avril 2008
الجنسية: فلسطينية
الإقامة: فلسطين
المشاركات: 95
افتراضي هل قال هذا الموسيقي الكبير كل ما عنده

سيكون تسخيفا للأمور لو انجرت الصحافة . وخصوصا الصحافة الفنية . الى المبالغة في استعمال لقب
(( دكتور )) امام اسم رياض السنباطي , مثلما فعلت مع عبد الوهاب , بعد ان نال لقب الدكتوراه الفخرية
في الموسيقى , في العام المنصرم , ونالها السنباطي منذ ايام . فالحقيقة ان هذا اللقب لا يضيف شيئا للقيمة الذي
يمثلها هذان الاسمان الكبيران في تراثنا الموسيقي المعاصر , بل الارجح ان يمنح اسماهما قيمة للقب ,
فيما لو احسنت وزارة الثقافة استعماله , فقصرت منحه على القلة التي لها في تراثنا الموسيقي المعاصر
مساهمة تضارع او تقارب ما قدمه عبد الوهاب والسنباطي . اما اذا كان هذا اللقب سيمنح يمينا ويسارا
لكل من اجزل العطاء لنقاد الصحافة الفنية او موظفي الاذاعات , فأصبح اسمه واصبحت موسيقاه رمزا للرواج
التجاري , فسيكون اللقب مجرد ضوضاء اعلامية فارغة , ليس هناك ما يدعو لنزج فيها بقيم فنية في وزن
السنباطي وعبد الوهاب .

هذا عن لقب الدكتوراه الفخرية في الموسيقى , الذي تمنحه وزارة الثقافة المصرية , فماذا عن رياض السنباطي
حامل اللقب هذا العام ؟

هناك اكثر من معيار يمكن ان نقسم على اساسه تيارات الموسيقى العربية المعاصرة ,
غير اننا اذا اردنا اعتماد اكثر المعاير شمولية وتعميما , امكننا القول ان مرحلة ما بعد سيد درويش قد
شهدت اربعة ملحنين رئيسيين , يمكن تقسيمهم الى فئتين : محمد القصبجي وعبد الوهاب في فئة ,
وزكريا احمد واسنباطي في فئة ثانية , الفئة الثانية واصلت خط الموسيقى العربية الكلاسيكية
كما وصلت الينا من القرن التاسع عشر عبر عبد الحامولي فمحمد عثمان فكامل الخلعي فداود حسني ,
بينما استجابت الاولى لرياح النوافذ الجديدة التي فتحها سيد درويش ....
ومع ان هناك الكثير من التفاصيل المتداخلة بين الفئتين , ومع ان هذا التقسيم لا يمكن ان يكون قاطعا
وحادا ( ربما بستثناء تصنيف زكريا احمد الشديد التميز ) ومع ان للسنباطي اعمالا يمكن نسبتها الى الفئة
الثانية فان التقسيم العام الذي اعتمدناه يعكس الخط الئيسي , والنكهة المميزة والشخصية العامة لأعمال
هؤلاء الاربعة الكبار . ولن تغرق في مزيد من التفاصيل العامة , بل نعود الى السنباطي .

مما يخالف التقسيم الذي اعتمدناه في بداية الكلام , ان السنباطي بدأ حياته متأثرا بالقصبجي تأثرا واضحا .
يبدو في كثير من الحانه المبكرة لام كلثوم , وربما كان اوضحها تأثرا بالقصبجي اللحن الممتاز الشهير
(( النوم يداعب )) ومعظم الحان السنباطي السينمائية لليلى مراد . وخاصة في فيلم ( غادة الكاميليا )
و ( ليلى بنت الفقراء ) اللذين شارك القصبجي في تلحينهما على كل حال ,
لقد بلغ من التنوع المبكر للسنباطي , ومن شدة تأثره بالقصبجي الكبير , ان اكثر من لحن للسنباطي
في تلك الفترة يمكن نسبتها الى القصبجي بكل سهولة . ولا احد يدري المستقبل الذي كان ينتظر
السنباطي لو استمر في هذا الطريق . ولكن نبوغا في وزن نبوغ السنباطي , لا يمكن في النهاية الا
ان يشق طريقه الخاص .

ان المعلومات القليلة المتوافرة عن شخصية السنباطي ( وهو بالمناسبة اشد الملحنين العرب بعدا عن الصحافة
والعلاقات العامة ) تشير الى ان الشخصية المحافظة للسنباطي والمتشبعة بالاجواء الدينية ,
كان الحبل الذي شد السنباطي الى الخط الكلاسيكي في التلحين . بعد ان انتقلت اليه جرثومة القصبجي المتجدد .

غير ان هذه السمة التجديدية لم تفارق السنباطي على كل حال . بل خلعت على كلاسيكيته في بعض الفترات
مسحة معاصرة , تبدو اكثر ما تبدو في الالحان القليلة التي لحنها لنفسه ومن اشهرها قصائده ( فجر)
( اشواق ) و ( الزهرة ) واغنيته السينمائية الطويلة (( على عودي )) وهي التي تبدو فيها روح
معايشة السنباطي لعبد الوهاب بشكل واضح .


غير ان هذا الخط لسبب لا بد من كشفه بكثير من التفصيل والدقة عند تأريخ السنباطي مستقبلا ,
بقي الخط الثانوي في حياة السنباطي , واندفع خطه الكلاسيكي المحافظ يتطور ويتعمق ,
ولعل اعظم الصدف التي واكبت ذلك تلاقي موهبة السنباطي الكلاسيكية الاصيلة المتدفقة كالنهر بصوت
ام كلثوم العظيم . الذي فيه الكثير من الصفات المشتركة مع الحان السنباطي , سواء في فطرته او في
اسلوبه الآدائي .

ومع ان السنباطي عايش عملاقين في التجديد هما القصبجي وعبد الوهاب ,
فان من الواضح ان فراغا هائلا كان سيبقى في تراثنا العربي المعاصر , لو لم يخض السنباطي تجربته
العظيمة في تطوير غناء القصيدة العربية الكلاسيكية .

وكم يبدو سخيفا ومثيرا للشفقة ذلك الحديث المشوه عن العلوم الموسيقية الذي يطلقه بعض الذين لا علاقة
لهم بالفن الموسيقي سوى معلوماتهم الاكاديمية ( وعن الموسيقى الغربية وحدها ) كم يبدو حديث هؤلاء ونظرياتهم
سخيفة ومثيرة للشفقة امام قلعة القصيدة العربية الكلاسيكية المعاصرة التي بناها السنباطي في اعمال مثل
- سلو كؤوس الطلى - سلو قلبي - نهج البردة - النيل - ولد الهدى - رباعيات الخيام - وحديث الروح -
ومصر تتحدث عن نفسها - الاطلال ----فالسنباطي في هذه الاعمال الشامخة والغزيرة في آن
لم يثبت فقط الماما محيطا بالمفامات والايقاعات العربية البالغة الثراء ( وهو في هذا المجال اكثر علما من
الذين اقتصر تعلمهم على التراث الاكاديمي الغربي ) بل خلق تراكيب في تداخل المقامات ,
ونسج حركات الانتقال المدهش والمتماسك بين مقام وآخر , وتزويج مقامات غريبة عن بعضها
او غير مألوفة التزاوج , ستكون في يوم من الايام مادة دراسية غزيرة ( بالاضافة الى كونها خلاقة وأصيلة )
لا شك بان احفادنا سيعرفون قدرها الحقيقي , اكثر مما نعرفه نحن ....
وقد ساعد السنباطي كثيرا في هذا المجال تملكه المطلق لآلة العود , الذي اعتبر من خيرة العازفين
المعاصرين عليه , وعزفه يتميز عن عزف فريد الاطرش , ( مع ان الشهرة الشعبية للثاني كعازف اكثر اتساعا )
بان عزف السنباطي ( شأنه في ذلك شأن القصبجي وعبد الوهاب ) يمتاز بالعمق والخصب والخيال غير المحدود ,
بعكس فريد الاطرش الذي يتميز بالاستعراضي مع شيئ من ضيق الخيال . وان كانت التقنية التنفيذية
واضحة فيه .


كما ساعده انه لم يخض تجربة القصيدة العربية بموهبته ومجهوده فقط ,
بل بحنجرة تاريخية هي حنجرة سيدة الغناء العربي ام كلثوم .
لعل هذه النقطة كانت في حياة السنباطي نقطة قوة ونقطة ضعف في آن .
فقد كان واضحا عند وفاة ام كلثوم ان هناك خاسرين كبيرين هما عبد الوهاب والسنباطي
الاول لأنه اعتزل الغناء منذ فترة طويلة وبدأ منذ منتصف الستينات يركز مجهوده التلحيني
الاساسي على حنجرة ام كلثوم , ولكن خسارته مع ذلك ظلت محدودة , لأنه كان قد بنى
مجده الموسيقي خارج اطار هذه الحنجرة العظيمة . وبقيت امامه حناجر اخرى ( عبد الحليم -
نجاة الصغيرة - وفيزه - وردة - ) اما السنباطي . فهو الخاسر الاكبر لان الخط الاساسي
في حياته الموسيقية قد ارتبط بحنجرة ام كلثوم ارتباطا كاملا ,
لدرجة ان التساؤل عند رحيل ام كلثوم كان عن اتجاه السنباطي وعن امكان اضطراره
لتطوير خطه الثانوي الذي اعتمد فيه على صوته .
ولكن صوته هو الاخر لم يعد صالحا للغناء ( بدليل اغاني ام كلثوم التي سجلها بصوته
على استوانات مع عوده وأسوأها عودة عيني )

ومع ان سنوات ثلاثا تكاد تمر عل رحيل ام كلثوم . فان السؤال ما زال مطروحا بالنسبة للسنباطي ,
هل انتهى موسيقيا بنهاية حنجرة ام كلثوم ,
ام ان في جعبته المزيد الذي لا بد من ان يجد سبيلا لاخراجه الى النور ؟


آخر أخبار القاهرة تقول ان السنباطي يبحث عن اصوات كلثومية ,
وانه وجد ضالته في صوت نسائي (( ياسمين )) لحن لها قصيدة البصيري في مدح الرسول
عليه الصلاة والسلام ---- التي انشدتها ليلة تقلده لقب الدكتوراة الفخرية تتويجا ختاميا
لحياة فنية طويلة , ولكن هذا الصوت اصغر كثيرا من الحان السنباطي ,

ليس في الفن قواعد ثابتة . فالشاعر الفرنس الشهير رامبو انهى حياته الفنية في التاسعة عشر من
عمره . والموسيقار الايطالي الشهير فردي ظل يعطي حتي طعن في الثمانين .

وحياتنا الموسيقية مجدبة . متراجعة لم تخلق بعد ما يسد فراغ كبير مثل السنباطي
, لذلك فان متعتنا ستكون كبيرة لو كان ما يزال في جعبته طرائف شرقية جديدة يتحفنا بها ,
ويضع علامات على الطريق في زمن التيه والتخبط . 23/10/1977

عنوان هذه الاسطر
هل قال هذا الموسيقي الكبير كل ما عنده ؟

الياس سحاب
دفاعا عن الاغنية العربية
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 09/03/2019, 12h01
الصورة الرمزية samirazek
samirazek samirazek غير متصل  
مشرف
رقم العضوية:51
 
تاريخ التسجيل: novembre 2005
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 78
المشاركات: 685
افتراضي رد: مقالات و بحوث



جريدة الاهرام العدد 44371 السبت 31 مايو 2008

سلسلة مقالات هو وهى بقلم سناء البيسى

رياض السنباطي‏..‏القيمـة والقـمـة



أزيح الستار عن محمد رياض محمد السنباطي والمولود في 30 نوفمبر من عام 1906... عازف العود الشاب الموهوب ممسكا بريشته ليرتجل تقاسيمه بفيضها المتدفق السريع الزاخر حينا‏..‏ الهادئ حينا كأنه الهمس الرقيق الرفيق إذا أراد له أن يتسلل عبر براعته في الترويق‏,‏ متنقلا بخبرة الدارس مع الخيال الخصب والإلهام المسترسل وفهم المقامات‏,‏ من مقام الرست ليعرج علي مقام البياتي والصبا والعجم‏..‏ تقاسيم كأنها السحر خلقة ربنا يطعمها صاحبها بالزخارف أينما يحلو له لتتمايل الرءوس‏..‏ الله‏..‏ الحفل كان بمناسبة تغيير اسم نادي الموسيقي إلي معهد فؤاد الأول للموسيقي العربية ويحضره فؤاد ملك مصر وحاشيته وكبار القوم‏..‏

وما أن بدأت ريشة اليد اليمني تقرع الأوتار مرات لتعفق اليسري بالعود من رقبته لتضيف زخارف تزيد العزف جمالا ورونقا‏,‏ وما أن بدأ روقان العازف ينجلي ويتجلي في حضور الملك حتي انبثقت ضجة الجارسونات وصولات وجولات تقديم الأطباق والمرطبات فوق موائد الضيوف ليهرب وحي الموسيقي مما أعاق سرد الأنغام الملهمة لساعتها‏,‏ وأهان الفنان في أوج عطائه فلزم الصمت الفجائي ووضع الريشة جانبا وحمل عوده وقام مغادرا ليس إلي البهو الخارجي وإنما إلي بيته رأسا ليقدم استقالته من المعهد الملكي مع الصباح التالي‏..‏

محمد رياض السنباطي أعظم وأبرع عازف عود ظهر علي مدي التاريخ‏..‏ من كان عندما يجلس إلي عوده تشعر كأنه فرقة موسيقية مستقلة‏..‏ الذي غادر قاعة يترأسها الملك فؤاد الأب ليعزف بعدها للملك فاروق الابن لتغني علي ألحانه أم كلثوم كوكب الشرق في ليلة عيد الفطر مساء الأحد‏17‏ سبتمبر‏1936‏ في حديقة النادي الأهلي بالجزيرة طقطوقة يا ليلة العيد أنستينا لتحول تشكيل كلمة الكوبليه الأول عند دخول الملك القاعة من هلالك هل لعنينا إلي هلالك هل بعنينا ليتحول المعني احتفاء بالملك الذي هل علي الحفل.‏ولهذا أنعم فاروق علي أم كلثوم بوشاح الكمال لتغدو بموجبه صاحبة العصمة‏,‏ وليلتها نادي علي مصطفي أمين من بين الحاضرين وطلب منه أن يصعد معلنا نبأ حصول أم كلثوم علي منحة نيشان الكمال من الملك المفدي‏..‏

وكانت أم كلثوم قد غنت في عام‏1932‏ في معهد فؤاد للموسيقي العربية أمام الملك فؤاد الذي صفق لها كثيرا خاصة حين غنت له أفديه إن حفظ الهوي وملك الفؤاد‏..‏ وقامت بترديد ملك الفؤاد بتوزيعات حنجرتها الذهبية أكثر من مرة‏,‏ وقد سبب هذا الحفل الملكي أزمة داخل الوسط الفني بسبب عدم دعوة سلطانة الطرب منيرة المهدية للمشاركة‏.

ووقتها تبارت المجلات الفنية في تناول القضية وأسباب إبعاد الست منيرة واختيار الآنسة أم كلثوم‏..‏ وتواكب ألحان السنباطي بصحبة حنجرة أم كلثوم تاريخ مصر منذ عام‏1936‏ فيقدمان من كلمات أحمد شوقي بمناسبة تولي فاروق سلطته الدستورية قصيدة مطلعها‏:‏ الملك بين يديك في إقباله عوذت ملكك بالنبي وآله وفي عيد ميلاد الملك عام‏1937‏ يقدمان من أشعار أحمد رامي الأغنية المسجلة التي مطلعها إجمعي يا مصر أزهار الأماني‏,‏ وبمناسبة زفافه إلي فريدة تترنم أم كلثوم بألحان السنباطي أشرقت شمس التهاني تملأ الدنيا بهاء وضياء‏,‏ وفي ميلاد الأميرة فريال يكتب رامي‏:‏

يا ربوع النيل طيبي بالأمــاني أنجب الفاروق للوادي السعيد
واطمـــأن البـــــال بالميلاد لما نال فاروق المفــــدي ما أراد

ومن كلمات بديع خيري يلتقي اللحن والصوت ـ أم كلثوم والسنباطي ـ في أغنية الزفة ليلة فرح الإمبراطورة فوزية وإمبراطور إيران الشاهنشاه محمد شهبور‏,‏ حيث طلبت الملكة نازلي من أم كلثوم أن تزف العروسين بعد أن رأت الخروج عن تقاليد العائلات الكبيرة التي تلجأ في زفة أي عروس إلي فرقة بديعة مصابني أو فرقة ثريا سالم‏,‏ ووقعت أم كلثوم في حرج شديد حيث كانت قد وضعت مبدأ لا تحيد عنه وهو غناء وصلتها فقط في أي زفاف مع عدم الاشتراك في السير وراء دفوف العروسين للجلوس فوق الكوشة‏

ونزولا علي أوامر الأسرة الحاكمة قبلت علي أن يكونا أول وآخر عروسين تزفهما‏,‏ وقد أعدت سريعا للمناسبة الإمبراطورية فستان سواريه من الدانتيل الأسود‏,‏ وعلمت نازلي ــ كما ذكرت الدكتورة رتيبة الحفني ــ من الخياطة ريتا بأمر اللون الأسود فسارعت تطلب فورا تغيير الأسود إلي البمبي‏,‏ وكانت أول مرة يبطن فيها فستان غامق باللون الفاتح حتي أنها أصبحت موضة أطلقت عليها ريتا الخياطة اسم موضة ثومة‏..‏ وتولد الأميرة فادية عام‏1943‏ لتغني أم كلثوم من ألحان السنباطي وأشعار محمود حسن إسماعيل زهرة هلت علي فجر الحياة‏

وتبث الإذاعة بمناسبة عيد ميلاد المليك في‏11‏ فبراير‏1946‏ أغنية السنباطي بصوت كوكب الشرق الآنسة أم كلثوم أيقظي يا طير نعسان الورود‏,‏ وتغني أم كلثوم سلوا قلبي لأمير الشعراء أحمد شوقي من ألحان السنباطي بعد أن أضاف لها الشاعر محمد الأسمر خمسة أبيات احتفاء بضيف البلاد الملك عبدالعزيز آل سعود ومضيفه جلالة الملك فاروق لتظل القصيدة تذاع ـ كما جاء في مذكرات المؤرخ عبدالقادر صبري ــ يوميا طوال أيام تشريف عاهل السعودية في مصر وإلي ما بعدها بأيام لتحذف الإضافة من بعدها وكانت بعد البيت الأخير في قصيدة شوقي‏:‏

وما للمسلمين سواك حصن إذا ما الضر مسهمو ونابا فأضافت الأبيات‏:‏
وكيف ينـــــالهم عـــنـت وفـــــيهـم رضـــا ملكيــن بــل روضــين طــابا

إذا الفــــــــاروق باســــــم الله نادي رأي عبــــدالعـــــزيز قـد اســـــتجابا
فصـــــن يا ربنـــــــا الملكيــــن واحفـظ بلادهــــما وجنبـــها الصعــــــابا

همــــــا فـجــــــــر العــــــروبة أنجـــبته فقــالت يومــــــي المرجـــو آبــا
إذا اتحـدت أســــــود الشــــرق عــزت عروبتـــهم وصار الشــــرق غابا

ويواكبا معا السنباطي وأم كلثوم أحداث تاريخ مصر لتغني من ألحانه ـ التي بلغت‏96‏ طقطوقة وأغنية وقصيدة منبعا ــ منها‏33‏ أغنية سياسية ووطنية كان منها طوف وشوف وهي الأغنية الوحيدة التي حضرها السنباطي بنفسه إذ قاد الفرقة الموسيقية أمام جمال عبدالناصر في احتفالات‏1963‏ عندما أبدي ناصر لأم كلثوم رغبته في ملاقاته‏,‏ وغنت من أشعار صالح جودت أيضا بعد الهزيمة من ألحان السنباطي‏:‏

انـت النــاصــــر والمنـصــور....... ابق فـــأنت حـبيـب الشــــعــــب
قـــم للشـعــــب وبــدد يأســه .......واذكـر غـــــده واطــــرح أمســه

وهي أغنية تناشده فيها البقاء في الحكم أذيعت لمدة يومين فقط‏,‏ وغنت من ألحان السنباطي عند موت عبدالناصر قصيدة لنزار قباني رسالة إلي عبدالناصر وبعدها لم تغن أية أغنية سياسية أو وطنية‏,‏ هذا مع أن الثورة عندما قامت ألغت جميع الألقاب بما فيها لقبها الملكي صاحبة العصمة فخلع عليها الأصدقاء لقب كوكب الشرق تخفيفا عليها من فقدان التميز‏,‏ وبلغ الغضب منتهاه بأم كلثوم عندما منعت الإذاعة جميع أغانيها باعتبارها من آثار العهد الملكي‏,‏ لكن عبدالناصر عندما بلغه الأمر من مصطفي أمين سارع يعيد الكروان إلي سماواته قائلا‏:‏ إذا كانت أم كلثوم من رموز العهد الماضي فلماذا لا نردم النيل ونهدم الهرم؟‏!.‏

وإذا ما كان الفنان كإنسان ينفعل بشخصية حاكم أو رئيس أو ملك فهذا من حقه وليس مطلوبا منه أن يكون معارضا سياسيا‏,‏ وإنما الفنان هنا يعبر عن انفعاله الخاص الملتزم به أمام فنه وقناعته الخاصة وليس أمام السلطة السياسية‏,‏ وأعماله الفنية تعبر عن رؤيته في لحظة تاريخية معينة فلا تحسب عليه كمنافق أو معارض‏,‏ وفي هذا الصدد روي عن أحد العلماء وكان مديرا لمعهد ديني معروف بالقاهرة عندما قرر الملك فؤاد أن يزور المعهد فطلب من مديره أن يأتي في موعد الزيارة بجبة لائقة‏,‏ وهو ما أغضب العالم ليمتنع عن الذهاب من أصله لمكتبه في الموعد المحدد‏

وأرسل في الموعد بجبة جديدة مع رسالة تقول‏:‏ إنكم قد أردتم جبة جديدة فها هي بين أيديكم‏,‏ وطالما أنكم لم تعتنوا بوجود العالم فإنني لن أحضر الاحتفال‏..‏ وربما نجد في هذا التصرف ما يشابهه في عزة نفس موسيقارنا الشامخ رياض السنباطي عندما أراد السادات تكريمه بمنحه جائزة الدولة التقديرية في عام‏1980,‏ وحدث أن انتظره السنباطي علي مدي ساعتين‏,‏ غادر بعدها قائلا‏:‏ ابقوا ابعتولي عندما يحضر‏..‏وطلب السادات منه الغناء والعزف أمامه في إحدي الحفلات لكنه رفض الأمر مما أثار استياء السادات منه حتي وفاته في‏9‏ سبتمبر عام‏1981‏ ورغم ذلك منحه السادات التقديرية‏

ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولي‏,‏ والدكتوراه الفخرية عام‏1977‏ لدوره الكبير في الحفاظ علي الموسيقي العربية عام‏1977,‏ وفي العام نفسه‏1977‏ حصل رياض السنباطي علي جائزة اليونسكو العالمية باعتباره مبدعا وخلاقا ومؤثرا بموسيقاه في شعوب المنطقة‏,‏ وهو الوحيد في الوطن العربي الذي نال هذه الجائزة‏,‏ كما أنه كان واحدا من خمسة فقط في العالم الذين حصلوا عليها‏..‏ وأبدا لم يحضر السنباطي حفلة واحدة من حفلات أم كلثوم كمستمع في الصف الأول مثل الشاعر أحمد رامي ليرقب تأثير فنه علي حنجرتها‏,‏ ولا مثل محمد عبدالوهاب الذي كان يقف خلف الستار يتلمس إعجاب الجمهور بألحانه في لقاء السحاب مع أغنيته لثومة انت عمري‏..‏

كان زاهدا في مثل هذا الموقف‏,‏ ومنذ بدأت معه أم كلثوم كان يفضل الانفراد بصوتها في حجرته الخاصة حيث لا يقطع خلوته ومتعته أحد‏.‏

بلبل المنصورة رائد النهضة الكلثومية حارس الموسيقي العربية الصارم الذي ألغي تسجيلا مع إحدي الفرق لضبطه عازفا يدخن‏..‏ اللائذ بالصمت لأنه يمتلك بصيرة الأعماق‏.‏ فن استماع القلب للكلمات‏.‏ فن تواصل الذهن بجنين الخلق‏.‏ فن التلقي‏.‏ فن التوحد في سكون واستغراق يسمع فيه نداء الكلمة وصوت اللحن ونبض الآلات‏..‏ وحسبوه بصمته متكبرا‏,‏ وفات عليهم الخيط الدقيق بين التكبر والكبرياء‏..‏ بين الشموخ وعزة النفس لمن لم يتهافت علي الظهور ولم يشتر رياء الثناء أو رياء النفوذ أو ابتغاء المنفعة أو اشتهاء المال‏,‏ بل كان متوحدا عزيزا معتزا‏..‏

فنان القيمة والقمة صاحب العطاء الموسيقي بتراثه الخالد‏,‏ والخالدون كما قال شوقي أربعة‏:‏ شاعر سار بيته‏,‏ ورسام ضحك زيته‏,‏ ونحات نطق حجره‏,‏ وموسيقي بكي وتره‏..‏ ولقد بكي وضحك وعشق ورق وهجر وذاب وأذاب وسهر وأطال السهر وتر رياض السنباطي علي مدي‏50‏ عاما قدم فيها‏1000‏ لحن و‏13‏أوبريت كتب كلماتها أحمد شوقي‏,‏ ومحمد إقبال‏,‏ وصالح جودت‏,‏ وحسين السيد‏,‏ وأحمد رامي‏,‏ وبيرم التونسي‏,‏ ومحمد علي أحمد‏,‏ وعبدالفتاح مصطفي‏,‏ ومحمود حسن إسماعيل‏,‏ ومرسي جميل عزيز‏,‏ ومأمون الشناوي‏,‏ وعزيز أباظة‏,‏ وفتحي قورة‏,‏ وصلاح جاهين‏,‏ وأحمد شفيق كامل‏,‏ ومصطفي عبدالرحمن‏,‏ وأحمد فتحي‏,‏ وإبراهيم ناجي‏..‏

وعباس العقاد الذي كتب له أغنية يا نديم الصبوات أقبل الليل فهات والتي أذيعت لأول مرة مساء الأحد‏14‏ نوفمبر‏1943..‏ ألحان يقول عنها صاحبها‏:‏ تأثرت بالملحنين القدامي‏..‏ بأداء عبده الحامولي ومحمد عثمان وعبدالحي حلمي‏,‏ وبموسيقي سيد درويش‏,‏ كما تأثرت بالشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود والشيخ محمد صبح‏,‏ وكان لهؤلاء جميعا أثرهم في تكويني الفني‏,‏ وما بين بلد المحبوب لأم كلثوم والثلاثية المقدسة استطاع مع كوكب الشرق سريعا التخلص من جاذبية أسلافه في التلحين لينطلق كالصاروخ في الفضاء الفسيح لهذا الفن العظيم‏,‏ فن تلحين القصائد الذي فتح له صوت أم كلثوم أبوابا سحرية لم تكن تخطر له علي بال‏,‏ فتفتحت موهبته ليظل حريصا علي تلبية متطلبات صوتها ويرتفع إلي مستوي الإمكانات العبقرية لهذا الصوت النادر التي كانت صاحبته بدورها لا تناديه باسمه وإنما بلقب العبقري‏..‏ العبقري الذي لم يستخدم جملة موسيقية آتية من أي اتجاه‏,‏ فموسيقاه نابعة من زخم عطاء عبقريته‏..‏ من السنبطة في أوج قدرتها علي الكشف عن أجمل مناطق كل صوت‏.‏

والغالبية لا تعرف من السنباطي إلا كلثومياته‏,‏ مع أن من يغفل ألحانه غير الكلثومية يكون قد أسقط ــ ظلما ــ أكثر من نصف ميراثه الموسيقي الضخم في الموسيقي العربية المعاصرة‏,‏ فهناك‏97‏ أغنية لم تشدو بها كوكب الشرق‏,‏ و‏12‏أغنية غناها بنفسه إلي جانب‏36‏ معزوفة كانت تبثها الإذاعة المصرية في بداياتها لمدة ساعتين مرتين في الأسبوع أشهرها معزوفة رقصة شنغهاي وعرائس البحر وإليها ورحيل الفلك‏..‏

وقد لحن لفيروز أغنيتين‏,‏ولنجاة ثلاث‏,‏ وغنت له أسمهان خمسا منها ليت للبراق عينا‏,‏ ولسعاد محمد فتح الهوي الشباك‏,‏ ولشادية تلات شهور ويومين اتنين‏,‏ ولعبدالحليم لحن الوفاء‏,‏ ولشريفة فاضل ساعة واحدة‏,‏ ولصباح راحت ليالي‏,‏ ولفايزة أحمد لا ياروح قلبي ولميادة أشواق ولنادرة اعطني الناي وغني‏,‏ ولنجاح سلام عايز جواباتك ولوردة حاقول لك حاجة ــ وكان ذلك في فترة عامي الخصام بينه وبين أم كلثوم حول أجر التلحين ــ وأغنية يا حبيبي لا تقل ضاع حبي التي لم تنجح جماهيريا‏,‏ ومحمد قنديل أتحدي‏,‏ وكانت ثومة تري مثله أن محمد قنديل أجمل الأصوات المصرية خصوصية علي الإطلاق وغني له وعبدالمطلب شفت حبيبي‏,‏

وغني بنفسه سبع أغنيات من تلحينه منها كل شيء راقص البهجة حولي ها هنا وأيها الشادي‏..‏ وظهر رياض السنباطي في ثلاثة أفلام أولها في فيلم الوردة البيضاء بطولة محمد عبدالوهاب وسميرة خلوصي‏,‏ ولم يتعد ظهوره نصف دقيقة فقط كعازف للعود في التخت المصاحب لمحمد أفندي‏,‏ حيث يبدي في المشهد الميني اعتراضه وتذمره من تأخر محمد أفندي ليغني بعد أن طال انتظار أفراد التخت‏,‏ والفيلم الثاني بعنوان حلم الشباب ظهر فيه يقود سيارته وهو يغني قصيدة حلم الشباب‏,‏ والثالث قام فيه بدور البطولة أمام هدي سلطان لتغني من ألحانه قتلوني يابوي ويشترك معها في دويتو من الغناء السريع الخفيف‏..‏ وقد غنت له أم كلثوم علي بلد المحبوب وديني زاد وجدي والبعد كاويني علي أسطوانة وكان قد وضعها أصلا لها لفيلم وداد فلم تعجبها ليغنيها عبده السروجي‏,‏ وندمت بعدها لعدم ظهورها في الفيلم‏,‏ ويقول السنباطي إنها كانت من أندر هفوات أم كلثوم في تقديرها للألحان‏.‏

ورغم ندرة أحاديثه يقول السنباطي عن بداياته‏:‏ ولدت في الثلاثين من مارس عام‏1911‏ ببلدة فارسكور‏,‏ وفي سن الثامنة رحلت مع والدي إلي المنصورة‏,‏ وحدث لي ما يحدث لكل هاو للفن‏..‏ كنت أهرب من المدرسة إلي دكان نجار من هواة العزف‏,‏ ولكن معلمي الحقيقي كان أبي ويلتقي السنباطي وهو في الثالثة عشرة بسيد درويش الذي يعجب به فيصحبه إلي حلواني المنصورة الشهير راندو بولو ليعزمه علي الجاتوه والآيس كريم‏,‏ ويزداد اقتناعه به عندما يغني أمامه أغانيه الشهيرة أنا هويت وانتهيت وضيعت مستقبل حياتي‏,‏ وأدرك سيد درويش بحاسته الموسيقية أنه أمام موهبة نادرة فأراد أن يصحب رياض معه‏,‏ لكن الوالد محمد السنباطي لم يكن في استطاعته الابتعاد عن الابن الذي أصبح بلبل الفرقة‏,‏ ولا يسافر رياض السنباطي في صحبة والده إلي القاهرة إلا في عام‏1930,‏ ويقول‏:‏ قبلت في معهد الموسيقي العربية كأستاذ عود وليس كتلميذ‏,‏

وفرحت لأن هذا سيغطي نفقات دراستي بل سيكون لي راتب‏,‏ وقد رشحني مدحت عاصم للتعاون مع شركة أسطوانات أوديون لتلحين عدد من الأغنيات لعدة مطربين وكان أول لحن لي مع أم كلثوم النوم يداعب عيون حبيبي وكانت أصعب ألحاني الأطلال‏..‏ كنت خائفا من الأداء‏..‏ لم أكن واثقا لأول مرة في حياتي من أداء أم كلثوم‏,‏ ولما أخبرتها بالتليفون بمخاوفي قبل الحفل قالت لي‏:‏ ماتخفش يا جدع‏,‏ وحتشوف حاعمل إيه في العمق اللي انت عاوزه وخايف عليه‏.‏ وطغت الأطلال ولم يعد هناك سواها‏,‏ لتتضاءل أمامها كل الألحان التي أتت بعدها بما فيها ألحان السنباطي نفسه‏.‏

وتلتقي الشهرة مع الحب مع مالكة القلب والدار‏..‏ الزوجة‏..‏ كوكب عبدالبر المنوفي‏,‏ من التقي بها في قعدة بمنزل الوجيه حافظ بك بهجت من عشاق الطرب الأصيل‏,‏ ويبتسم الإعجاب الفوري ليسألها صاحبه‏:‏ تحبي تسمعي إيه؟ فترد باستحياء وبساطة شديدة‏:‏ أحب أسمع الجندول‏,‏ ويأتي رده الدبلوماسي برقة بالغة‏:‏ والله الجندول دي مش بتاعتي‏,‏ وأنا مش حافظها أنا حاسمعك حاجة تانية‏..‏ وتتلاحق مقدمات وقرارات الإعجاب ليتم الزفاف مساء الأحد الموافق‏17‏ مارس‏1940‏ الذي تشترك فيه أم كلثوم بالحضور والغناء بوصلتين منها يا طول عذابي واشتياقي‏

وينتهي الحفل مع خيوط الفجر بوصلة محمد عبدالمطلب شفت حبيبي وفرحت معاه ده الوصل جميل حلو يا محلاه‏..‏ وفي إنصاتي العميق لراوية رياض السنباطي الابنة الكبري للموسيقار التي ولدت كما يحسب والدها السنين في موسم سلوا كئوس الطلا وهناك شقيقتها رفيعة التي ولدت مع قصيدة كيف مرت علي هواك القلوب‏,‏ وميرفت التي جاءت في عام جددت حبك ليه‏,‏ ومحمد الذي ولد في موسم سهران لوحدي‏,‏ وأحمد من ولد مع قصيدة ولد الهدي‏,‏ وناهد صغري كريماته من جاءت مع أغنية يا ظالمني‏..‏ مع راوية البكرية ألمس حرص والدها علي الحس الشعبي في موسيقاه الشعبية وكأنها من تلحين الشعب كله‏,‏

وكأن البلاد كلها تغني اللحن بصوت واحد متعدد الطبقات مثل أغنيته وحوي يا وحوي وعلي بلد المحبوب التي تمثل الحنين الجارف للديار‏..‏ والدها الذي يعود إليه الفضل في تعويد اللسان العامي في الشارع المصري علي نطق المفردات العربية الفصيحة في سلاسة ومرونة لو ظللنا دهرا ندرسها في مراحل التعليم لما استطعنا حمل اللسان علي نطقها بهذه السلامة والسلاسة والفخامة‏..‏ الأب ذو المواعيد المقدسة حتي يقال عنه مواعيد سنباطي أكثر من مواعيد إنجليزي‏,‏ وقد أتي أحد الصحفيين إليه بعد موعده بثلاث دقائق فخرج إليه يقول‏:‏ أنا مش موجود‏,‏ وكان إذا لم يجلس إلي عوده يعزف علي جميع الآلات الموسيقية في غرف البيت‏:‏ الماندولين والبيانو والناي‏..‏ وكان مصيفنا الأول في هانوفيل العجمي عندما كان الشاطئ شاغرا ليجلس متأملا بحور الماء والرمال‏.‏

..‏وأقول لك إيه عن الشوق يا حبيبي‏.‏ عايزة أعرف لتكون غضبان أو شاغل قلبك إنسان‏.‏ حيرت قلبي معاك‏.‏ دليلي احتار وحيرني‏.‏ أطفئ لظي القلب بشهد الرضاب فإنما الأيام مثل السحاب‏.‏ لست أنساك وقد أغريتني بفم عذب المناداة رقيق‏.‏ عودت عيني علي رؤياك‏.‏ من أجل عينيك عشقت الهوي‏.‏ سهران لوحدي‏.‏ والموج يناغي النسيم يحكي له قصة هوانا‏.‏ والقلب يعشق كل جميل‏.‏ واثق الخطوة يمشي ملكا‏.‏ ظالم الحسن شهي الكبرياء‏.‏ أولي بهذا القلب أن يخفق وفي ضرام الحب أن يحرق‏.‏ ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوي وأن أعشق‏.‏ أين مني مجلس أنت به؟‏!‏ كيف ذاك الحب أمسي خبرا وحديثا من أحاديث الجوي‏.‏ حتي الجفا محروم منه‏.‏ أنا اللي أخلصت في ودي وفضلت طول العمر أمين‏.‏ ياللي كان يشجيك أنيني‏.‏ بفكر فيك وأنا ناسي‏.‏ ثورة الشك‏.‏

أغار من نسمة الجنوب علي محياك يا حبيبي‏.‏ أكاد أشك فيك وأنت مني‏.‏ وما أنا بمصدق فيك قولا ولكني شقيت بحسن ظني‏.‏ كأنما لم يدر طعم الهوي والحب إلا الرجل الفاجر‏.‏ وإذا ما التأم جرح جد بالتذكار جرح‏.‏ جرح الأحبة عندي غير ذي ألم‏.‏ هجرتك‏.‏ قصة الأمس‏.‏ قصة هوايا‏.‏ يالذكراك التي عاشت بها روحي علي الوهم سنينا‏.‏ ذكرياتي عشت فيها بيقين وهي قرب ووصال‏.‏ اذكريني كلما الفجر بدا‏.‏ يصعب علي أقول لك كان وأفكرك بليالي زمان وأوصف في جنتها وأصور‏.‏ حديث الروح‏.‏ يا فؤادي لا تسل أين الهوي‏.‏ يقول الناس إنك خنت عهدي ولم تحفظ هواي ولم تصني‏.‏ أجبني إذا سألتك هل صحيح حديث الناس‏.‏ خنت؟‏!..‏ ألم تخني؟‏!..‏ هجرتك والأسي يدمي فؤادي وصنت كرامتي من قبل حبي‏.‏ لما انت ناوية تهاجريني أمال دموعك كانت ليه؟‏!.‏

أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك؟‏!‏ وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا‏.‏ لا يا حبيبي‏.‏ أنا لن أعود إليك‏.‏ لسه فاكر قلبي يديلك أمان‏.‏ أراك عصي الدمع شيمتك الصبر‏.‏ آه من قيدك أدمي معصمي‏.‏ يا حبيبي كل شيء بقضاء ما بأيدينا خلقنا تعساء‏.‏ ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعدما عز اللقاء‏,‏ فإذا أنكر خل خله وتلاقينا لقاء الغرباء‏.‏ ومضي كل إلي غايته لا تقل شئنا فإن الحظ شاء‏.‏ فتعلم كيف تنسي وتعلم كيف تعفو‏.‏ أقبل الليل‏.‏ ويسهر المصباح والأقداح والذكري معي وعيون الليل يخبو نورها في أدمعي‏..‏ الحب كده‏!‏

وبصوته الرباني المعطر بالموهبة الخصوصي بنعومة الحرير وملمس الابتهال ورهبة المحلق في دعائه لخالقه يغني السنباطي ما لم تستطعه جميع الحناجر التي خلع عليها ألحانه‏.‏ تنساب العبارات والعبرات في الأعماق وعلي الأسطح عندما يغني حاشدا مجامع حرقته ولوعته وورعه وصلاته ونسكه وتقواه ليرفع رسالته الوجدانية في خشوع للسماء‏:‏ إله الكون سامحني أنا حيران‏..

أزيح الستار عن رياض السنباطي عازف العود الشاب الموهوب ممسكا بريشته ليرتجل تقاسيمه بفيضها المتدفق السريع الزاخر حينا‏..‏ الهادئ حينا كأنه الهمس الرقيق الرفيق إذا أراد له أن يتسلل عبر براعته في الترويق‏,‏ متنقلا بخبرة الدارس مع الخيال الخصب والإلهام المسترسل وفهم المقامات‏,‏ من مقام الرست ليعرج علي مقام البياتي والصبا والعجم‏..‏ تقاسيم كأنها السحر خلقة ربنا يطعمها صاحبها بالزخارف أينما يحلو له لتتمايل الرءوس‏..‏ الله‏..‏ الحفل كان بمناسبة تغيير اسم نادي الموسيقي إلي معهد فؤاد الأول للموسيقي العربية ويحضره فؤاد ملك مصر وحاشيته وكبار القوم‏..‏

وما أن بدأت ريشة اليد اليمني تقرع الأوتار مرات لتعفق اليسري بالعود من رقبته لتضيف زخارف تزيد العزف جمالا ورونقا‏,‏ وما أن بدأ روقان العازف ينجلي ويتجلي في حضور الملك حتي انبثقت ضجة الجارسونات وصولات وجولات تقديم الأطباق والمرطبات فوق موائد الضيوف ليهرب وحي الموسيقي مما أعاق سرد الأنغام الملهمة لساعتها‏,‏ وأهان الفنان في أوج عطائه فلزم الصمت الفجائي ووضع الريشة جانبا وحمل عوده وقام مغادرا ليس إلي البهو الخارجي وإنما إلي بيته رأسا ليقدم استقالته من المعهد الملكي مع الصباح التالي‏..‏

محمد رياض السنباطي أعظم وأبرع عازف عود ظهر علي مدي التاريخ‏..‏ من كان عندما يجلس إلي عوده تشعر كأنه فرقة موسيقية مستقلة‏..‏ الذي غادر قاعة يترأسها الملك فؤاد الأب ليعزف بعدها للملك فاروق الابن لتغني علي ألحانه أم كلثوم كوكب الشرق في ليلة عيد الفطر مساء الأحد‏17‏ سبتمبر‏1944

في حديقة النادي الأهلي بالجزيرة طقطوقة يا ليلة العيد أنستينا لتحول تشكيل كلمة الكوبليه الأول عند دخول الملك القاعة من هلالك هل لعنينا إلي هلالك هل بعنينا ليتحول المعني احتفاء بالملك الذي هل علي الحفل‏.

ولهذا أنعم فاروق علي أم كلثوم بوشاح الكمال لتغدو بموجبه صاحبة العصمة‏,‏ وليلتها نادي علي مصطفي أمين من بين الحاضرين وطلب منه أن يصعد معلنا نبأ حصول أم كلثوم علي منحة نيشان الكمال من الملك المفدي‏..‏ وكانت أم كلثوم قد غنت في عام‏1932‏ في معهد فؤاد للموسيقي العربية أمام الملك فؤاد الذي صفق لها كثيرا خاصة حين غنت له أفديه إن حفظ الهوي وملك الفؤاد‏..‏ وقامت بترديد ملك الفؤاد بتوزيعات حنجرتها الذهبية أكثر من مرة‏,‏ وقد سبب هذا الحفل الملكي أزمة داخل الوسط الفني بسبب عدم دعوة سلطانة الطرب منيرة المهدية للمشاركة‏.

ووقتها تبارت المجلات الفنية في تناول القضية وأسباب إبعاد الست منيرة واختيار الآنسة أم كلثوم‏..‏ وتواكب ألحان السنباطي بصحبة حنجرة أم كلثوم تاريخ مصر منذ عام‏1936‏ فيقدمان من كلمات أحمد شوقي بمناسبة تولي فاروق سلطته الدستورية قصيدة مطلعها‏:‏
الملك بين يديك في إقباله ...عوذت ملكك بالنبي وآله

وفي عيد ميلاد الملك عام‏1937‏ يقدمان من أشعار أحمد رامي الأغنية المسجلة التي مطلعها
إجمعي يا مصر أزهار الأماني‏ يوم ميلاد المليك ....واهتفى من بعد تقديم التهانى شعب مصر يفتديك

وبمناسبة زفافه إلي فريدة تترنم أم كلثوم بألحان السنباطي (أشرقت شمس التهاني تملأ الدنيا بهاء وضياء)‏.

وفي ميلاد الأميرة فريال يكتب رامي‏:‏
يا ربوع النيل طيبي بالأمــاني أنجب الفاروق للوادي السعيد
واطمــــأن الباـــل بالمـــيلاد لما نال فاروق المفــدي ما أراد

ومن كلمات بديع خيري يلتقي اللحن والصوت ـ أم كلثوم والسنباطي ـ في أغنية الزفة ليلة فرح الإمبراطورة فوزية وإمبراطور إيران الشاهنشاه محمد شهبور‏,‏ حيث طلبت الملكة نازلي من أم كلثوم أن تزف العروسين بعد أن رأت الخروج عن تقاليد العائلات الكبيرة التي تلجأ في زفة أي عروس إلي فرقة بديعة مصابني أو فرقة ثريا سالم‏,‏ ووقعت أم كلثوم في حرج شديد حيث كانت قد وضعت مبدأ لا تحيد عنه وهو غناء وصلتها فقط في أي زفاف مع عدم الاشتراك في السير وراء دفوف العروسين للجلوس فوق الكوشة‏
ونزولا علي أوامر الأسرة الحاكمة قبلت علي أن يكونا أول وآخر عروسين تزفهما‏.
‏ وقد أعدت سريعا للمناسبة الإمبراطورية فستان سواريه من الدانتيل الأسود‏,‏ وعلمت نازلي ــ كما ذكرت الدكتورة رتيبة الحفني ــ من الخياطة( ريتا ) بأمر اللون الأسود فسارعت تطلب فورا تغيير الأسود إلي البمبي‏,‏ وكانت أول مرة يبطن فيها فستان غامق باللون الفاتح حتي أنها أصبحت موضة أطلقت عليها ريتا الخياطة اسم موضة ثومة‏..‏

وتولد الأميرة فادية عام‏1943‏ لتغني أم كلثوم من ألحان السنباطي وأشعار محمود حسن إسماعيل (زهرة هلت علي فجر الحياة‏).

وتبث الإذاعة بمناسبة عيد ميلاد المليك في‏11‏ فبراير‏1946‏ أغنية السنباطي بصوت كوكب الشرق الآنسة أم كلثوم (أيقظي يا طير نعسان الورود‏,)

‏ وتغني أم كلثوم بمناسبة زيارة الملك عبد العزيز لمصر .. سلوا قلبي لأمير الشعراء أحمد شوقي من ألحان السنباطي بعد أن أضاف لها الشاعر محمد الأسمر خمسة أبيات احتفاء بضيف البلاد الملك عبدالعزيز آل سعود ومضيفه جلالة الملك فاروق لتظل القصيدة تذاع ـ كما جاء في مذكرات المؤرخ عبدالقادر صبري ــ يوميا طوال أيام تشريف عاهل السعودية في مصر وإلي ما بعدها بأيام لتحذف الإضافة من بعدها وكانت بعد البيت الأخير في قصيدة شوقي‏:‏...
وما للمســـلمين ســـــواك حصــــن إذا ما الضـر مســهمو ونـــابا
فأضافت الأبيات‏:‏
وكيف ينالهم عـــنـت وفـــــيهـم رضا ملكين بــل روضــين طــابا

إذا الفـــاروق باســم الله نادي رأي عبدالعزيـــــز قـد اســــــــتجابا
فصــــن يا ربنـــا الملكيـــــن واحفـظ بلادهمــــا وجنبــها الصـعابا

همــا فـجــــر العــــــروبة أنجـــبته فقــالت يومـــي المرجـــو آبــا
إذا اتحــدت أســود الشرق عــــزت عروبتهم وصار الشــرق غابا

ويواكبا معا السنباطي وأم كلثوم أحداث تاريخ مصر لتغني من ألحانه ـ التي بلغت‏96‏ طقطوقة وأغنية وقصيدة منبعا ــ منها‏33‏ أغنية سياسية ووطنية كان منها طوف وشوف وهي الأغنية الوحيدة التي حضرها السنباطي بنفسه... إذ قاد الفرقة الموسيقية أمام جمال عبدالناصر في احتفالات‏1963‏ عندما أبدي ناصر لأم كلثوم رغبته في ملاقاته‏.

وغنت من أشعار صالح جودت أيضا بعد الهزيمة من ألحان السنباطي‏:‏
انـت النــاصــــر والمنـصــور ابق فـــأنت حـبــيـب الشـعــــب
قـــم للشـعــــب وبــدد يأســه واذكـر غـــــده واطــــرح أمســه
وهي أغنية تناشده فيها البقاء في الحكم أذيعت لمدة يومين فقط‏.

وغنت من ألحان السنباطي عند موت عبدالناصر قصيدة لنزار قباني رسالة إلي عبدالناصر وبعدها لم تغن أية أغنية سياسية أو وطنية.

هذا مع أن الثورة عندما قامت ألغت جميع الألقاب بما فيها لقبها الملكي صاحبة العصمة فخلع عليها الأصدقاء لقب كوكب الشرق تخفيفا عليها من فقدان التميز‏,‏ وبلغ الغضب منتهاه بأم كلثوم عندما منعت الإذاعة جميع أغانيها باعتبارها من آثار العهد الملكي‏,‏ لكن عبدالناصر عندما بلغه الأمر من مصطفي أمين سارع يعيد الكروان إلي سماواته قائلا‏:‏ إذا كانت أم كلثوم من رموز العهد الماضي فلماذا لا نردم النيل ونهدم الهرم؟‏!.‏

وإذا ما كان الفنان كإنسان ينفعل بشخصية حاكم أو رئيس أو ملك فهذا من حقه وليس مطلوبا منه أن يكون معارضا سياسيا‏,‏ وإنما الفنان هنا يعبر عن انفعاله الخاص الملتزم به أمام فنه وقناعته الخاصة وليس أمام السلطة السياسية‏,‏ وأعماله الفنية تعبر عن رؤيته في لحظة تاريخية معينة فلا تحسب عليه كمنافق أو معارض‏,‏ وفي هذا الصدد روي عن أحد العلماء وكان مديرا لمعهد ديني معروف بالقاهرة عندما قرر الملك فؤاد أن يزور المعهد فطلب من مديره أن يأتي في موعد الزيارة بجبة لائقة‏,‏ وهو ما أغضب العالم ليمتنع عن الذهاب من أصله لمكتبه في الموعد المحدد‏

وأرسل في الموعد بجبة جديدة مع رسالة تقول‏:‏ إنكم قد أردتم جبة جديدة فها هي بين أيديكم‏,‏ وطالما أنكم لم تعتنوا بوجود العالم فإنني لن أحضر الاحتفال‏..‏ وربما نجد في هذا التصرف ما يشابهه في عزة نفس موسيقارنا الشامخ رياض السنباطي عندما أراد السادات تكريمه بمنحه جائزة الدولة التقديرية في عام‏1980,‏ وحدث أن انتظره السنباطي علي مدي ساعتين‏,‏ غادر بعدها قائلا‏:‏ ابقوا ابعتولي عندما يحضر‏..‏وطلب السادات منه الغناء والعزف أمامه في إحدي الحفلات لكنه رفض الأمر مما أثار استياء السادات منه حتي وفاته في‏9‏ سبتمبر عام‏1981‏ ورغم ذلك منحه السادات التقديرية‏

ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولي‏,‏ والدكتوراه الفخرية عام‏1977‏ لدوره الكبير في الحفاظ علي الموسيقي العربية عام‏1977,‏ وفي العام نفسه‏1977‏ حصل رياض السنباطي علي جائزة اليونسكو العالمية باعتباره مبدعا وخلاقا ومؤثرا بموسيقاه في شعوب المنطقة‏,‏ وهو الوحيد في الوطن العربي الذي نال هذه الجائزة‏,‏ كما أنه كان واحدا من خمسة فقط في العالم الذين حصلوا عليها‏..‏ وأبدا لم يحضر السنباطي حفلة واحدة من حفلات أم كلثوم كمستمع في الصف الأول مثل الشاعر أحمد رامي ليرقب تأثير فنه علي حنجرتها‏,‏ ولا مثل محمد عبدالوهاب الذي كان يقف خلف الستار يتلمس إعجاب الجمهور بألحانه في لقاء السحاب مع أغنيته لثومة انت عمري‏..‏

كان زاهدا في مثل هذا الموقف‏,‏ ومنذ بدأت معه أم كلثوم كان يفضل الانفراد بصوتها في حجرته الخاصة حيث لا يقطع خلوته ومتعته أحد‏.‏

بلبل المنصورة رائد النهضة الكلثومية حارس الموسيقي العربية الصارم الذي ألغي تسجيلا مع إحدي الفرق لضبطه عازفا يدخن‏..‏ اللائذ بالصمت لأنه يمتلك بصيرة الأعماق‏.‏ فن استماع القلب للكلمات‏.‏ فن تواصل الذهن بجنين الخلق‏.‏ فن التلقي‏.‏ فن التوحد في سكون واستغراق يسمع فيه نداء الكلمة وصوت اللحن ونبض الآلات‏..‏ وحسبوه بصمته متكبرا‏,‏ وفات عليهم الخيط الدقيق بين التكبر والكبرياء‏..‏ بين الشموخ وعزة النفس لمن لم يتهافت علي الظهور ولم يشتر رياء الثناء أو رياء النفوذ أو ابتغاء المنفعة أو اشتهاء المال‏,‏ بل كان متوحدا عزيزا معتزا‏..‏

فنان القيمة والقمة صاحب العطاء الموسيقي بتراثه الخالد‏,‏ والخالدون كما قال شوقي أربعة‏:‏ شاعر سار بيته‏,‏ ورسام ضحك زيته‏,‏ ونحات نطق حجره‏,‏ وموسيقي بكي وتره‏..‏ ولقد بكي وضحك وعشق ورق وهجر وذاب وأذاب وسهر وأطال السهر وتر رياض السنباطي علي مدي‏50‏ عاما قدم فيها‏1000‏ لحن و‏13‏أوبريت كتب كلماتها أحمد شوقي‏,‏ ومحمد إقبال‏,‏ وصالح جودت‏,‏ وحسين السيد‏,‏ وأحمد رامي‏,‏ وبيرم التونسي‏,‏ ومحمد علي أحمد‏,‏ وعبدالفتاح مصطفي‏,‏ ومحمود حسن إسماعيل‏,‏ ومرسي جميل عزيز‏,‏ ومأمون الشناوي‏,‏ وعزيز أباظة‏,‏ وفتحي قورة‏,‏ وصلاح جاهين‏,‏ وأحمد شفيق كامل‏,‏ ومصطفي عبدالرحمن‏,‏ وأحمد فتحي‏,‏ وإبراهيم ناجي‏..‏

وعباس العقاد الذي كتب له أغنية يا نديم الصبوات أقبل الليل فهات والتي أذيعت لأول مرة مساء الأحد‏14‏ نوفمبر‏1943..‏ ألحان يقول عنها صاحبها‏:‏ تأثرت بالملحنين القدامي‏..‏ بأداء عبده الحامولي ومحمد عثمان وعبدالحي حلمي‏,‏ وبموسيقي سيد درويش‏,‏ كما تأثرت بالشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود والشيخ محمد صبح‏,‏ وكان لهؤلاء جميعا أثرهم في تكويني الفني‏,‏ وما بين بلد المحبوب لأم كلثوم والثلاثية المقدسة استطاع مع كوكب الشرق سريعا التخلص من جاذبية أسلافه في التلحين لينطلق كالصاروخ في الفضاء الفسيح لهذا الفن العظيم‏,‏ فن تلحين القصائد الذي فتح له صوت أم كلثوم أبوابا سحرية لم تكن تخطر له علي بال‏,‏ فتفتحت موهبته ليظل حريصا علي تلبية متطلبات صوتها ويرتفع إلي مستوي الإمكانات العبقرية لهذا الصوت النادر التي كانت صاحبته بدورها لا تناديه باسمه وإنما بلقب العبقري‏..‏ العبقري الذي لم يستخدم جملة موسيقية آتية من أي اتجاه‏,‏ فموسيقاه نابعة من زخم عطاء عبقريته‏..‏ من السنبطة في أوج قدرتها علي الكشف عن أجمل مناطق كل صوت‏.‏

والغالبية لا تعرف من السنباطي إلا كلثومياته‏,‏ مع أن من يغفل ألحانه غير الكلثومية يكون قد أسقط ــ ظلما ــ أكثر من نصف ميراثه الموسيقي الضخم في الموسيقي العربية المعاصرة‏,‏ فهناك‏97‏ أغنية لم تشدو بها كوكب الشرق‏,‏ و‏12‏أغنية غناها بنفسه إلي جانب‏36‏ معزوفة كانت تبثها الإذاعة المصرية في بداياتها لمدة ساعتين مرتين في الأسبوع أشهرها معزوفة رقصة شنغهاي وعرائس البحر وإليها ورحيل الفلك‏..‏

وقد لحن لفيروز أغنيتين‏,‏ولنجاة ثلاث‏,‏ وغنت له أسمهان خمسا منها ليت للبراق عينا‏,‏ ولسعاد محمد فتح الهوي الشباك‏,‏ ولشادية تلات شهور ويومين اتنين‏,‏ ولعبدالحليم لحن الوفاء‏,‏ ولشريفة فاضل ساعة واحدة‏,‏ ولصباح راحت ليالي‏,‏ ولفايزة أحمد لا ياروح قلبي ولميادة أشواق ولنادرة اعطني الناي وغني‏,‏ ولنجاح سلام عايز جواباتك ولوردة حاقول لك حاجة ــ وكان ذلك في فترة عامي الخصام بينه وبين أم كلثوم حول أجر التلحين ــ وأغنية يا حبيبي لا تقل ضاع حبي التي لم تنجح جماهيريا‏,‏ ومحمد قنديل أتحدي‏,‏ وكانت ثومة تري مثله أن محمد قنديل أجمل الأصوات المصرية خصوصية علي الإطلاق وغني له وعبدالمطلب شفت حبيبي‏.

وغني بنفسه سبع أغنيات من تلحينه منها كل شيء راقص البهجة حولي ها هنا وأيها الشادي‏..‏ وظهر رياض السنباطي في ثلاثة أفلام أولها في فيلم الوردة البيضاء بطولة محمد عبدالوهاب وسميرة خلوصي‏,‏ ولم يتعد ظهوره نصف دقيقة فقط كعازف للعود في التخت المصاحب لمحمد أفندي‏,‏ حيث يبدي في المشهد الميني اعتراضه وتذمره من تأخر محمد أفندي ليغني بعد أن طال انتظار أفراد التخت‏,‏ والفيلم الثاني بعنوان حلم الشباب ظهر فيه يقود سيارته وهو يغني قصيدة حلم الشباب‏,‏ والثالث قام فيه بدور البطولة أمام هدي سلطان لتغني من ألحانه قتلوني يابوي ويشترك معها في دويتو من الغناء السريع الخفيف‏..‏ وقد غنت له أم كلثوم علي بلد المحبوب وديني زاد وجدي والبعد كاويني علي أسطوانة وكان قد وضعها أصلا لها لفيلم وداد فلم تعجبها ليغنيها عبده السروجي‏,‏ وندمت بعدها لعدم ظهورها في الفيلم‏,‏ ويقول السنباطي إنها كانت من أندر هفوات أم كلثوم في تقديرها للألحان‏.‏

ورغم ندرة أحاديثه يقول السنباطي عن بداياته‏:‏ ولدت في الثلاثين من مارس عام‏1911‏ ببلدة فارسكور‏,‏ وفي سن الثامنة رحلت مع والدي إلي المنصورة‏,‏ وحدث لي ما يحدث لكل هاو للفن‏..‏ كنت أهرب من المدرسة إلي دكان نجار من هواة العزف‏,‏ ولكن معلمي الحقيقي كان أبي ويلتقي السنباطي وهو في الثالثة عشرة بسيد درويش الذي يعجب به فيصحبه إلي حلواني المنصورة الشهير راندو بولو ليعزمه علي الجاتوه والآيس كريم‏,‏ ويزداد اقتناعه به عندما يغني أمامه أغانيه الشهيرة أنا هويت وانتهيت وضيعت مستقبل حياتي‏,‏ وأدرك سيد درويش بحاسته الموسيقية أنه أمام موهبة نادرة فأراد أن يصحب رياض معه‏,‏ لكن الوالد محمد السنباطي لم يكن في استطاعته الابتعاد عن الابن الذي أصبح بلبل الفرقة‏,‏ ولا يسافر رياض السنباطي في صحبة والده إلي القاهرة إلا في عام‏1930,‏ ويقول‏:‏ قبلت في معهد الموسيقي العربية كأستاذ عود وليس كتلميذ‏.

وفرحت لأن هذا سيغطي نفقات دراستي بل سيكون لي راتب‏,‏ وقد رشحني مدحت عاصم للتعاون مع شركة أسطوانات أوديون لتلحين عدد من الأغنيات لعدة مطربين وكان أول لحن لي مع أم كلثوم النوم يداعب عيون حبيبي وكانت أصعب ألحاني الأطلال‏..‏ كنت خائفا من الأداء‏..‏ لم أكن واثقا لأول مرة في حياتي من أداء أم كلثوم‏,‏ ولما أخبرتها بالتليفون بمخاوفي قبل الحفل قالت لي‏:‏ ماتخفش يا جدع‏,‏ وحتشوف حاعمل إيه في العمق اللي انت عاوزه وخايف عليه‏.‏ وطغت الأطلال ولم يعد هناك سواها‏,‏ لتتضاءل أمامها كل الألحان التي أتت بعدها بما فيها ألحان السنباطي نفسه‏.‏

وتلتقي الشهرة مع الحب مع مالكة القلب والدار‏..‏ الزوجة‏..‏ كوكب عبدالبر المنوفي‏,‏ من التقي بها في قعدة بمنزل الوجيه حافظ بك بهجت من عشاق الطرب الأصيل‏,‏ ويبتسم الإعجاب الفوري ليسألها صاحبه‏:‏ تحبي تسمعي إيه؟ فترد باستحياء وبساطة شديدة‏:‏ أحب أسمع الجندول‏,‏ ويأتي رده الدبلوماسي برقة بالغة‏:‏ والله الجندول دي مش بتاعتي‏,‏ وأنا مش حافظها أنا حاسمعك حاجة تانية‏..‏ وتتلاحق مقدمات وقرارات الإعجاب ليتم الزفاف مساء الأحد الموافق‏17‏ مارس‏1940‏ الذي تشترك فيه أم كلثوم بالحضور والغناء بوصلتين منها يا طول عذابي واشتياقي‏

وينتهي الحفل مع خيوط الفجر بوصلة محمد عبدالمطلب شفت حبيبي وفرحت معاه ده الوصل جميل حلو يا محلاه‏..‏ وفي إنصاتي العميق لراوية رياض السنباطي الابنة الكبري للموسيقار التي ولدت كما يحسب والدها السنين في موسم سلوا كئوس الطلا وهناك شقيقتها رفيعة التي ولدت مع قصيدة كيف مرت علي هواك القلوب‏,‏ وميرفت التي جاءت في عام جددت حبك ليه‏,‏ ومحمد الذي ولد في موسم سهران لوحدي‏,‏ وأحمد من ولد مع قصيدة ولد الهدي‏,‏ وناهد صغري كريماته من جاءت مع أغنية يا ظالمني‏..‏ مع راوية البكرية ألمس حرص والدها علي الحس الشعبي في موسيقاه الشعبية وكأنها من تلحين الشعب كله‏.

وكأن البلاد كلها تغني اللحن بصوت واحد متعدد الطبقات مثل أغنيته وحوي يا وحوي وعلي بلد المحبوب التي تمثل الحنين الجارف للديار‏..‏ والدها الذي يعود إليه الفضل في تعويد اللسان العامي في الشارع المصري علي نطق المفردات العربية الفصيحة في سلاسة ومرونة لو ظللنا دهرا ندرسها في مراحل التعليم لما استطعنا حمل اللسان علي نطقها بهذه السلامة والسلاسة والفخامة‏..‏ الأب ذو المواعيد المقدسة حتي يقال عنه مواعيد سنباطي أكثر من مواعيد إنجليزي‏,‏ وقد أتي أحد الصحفيين إليه بعد موعده بثلاث دقائق فخرج إليه يقول‏:‏ أنا مش موجود‏,‏ وكان إذا لم يجلس إلي عوده يعزف علي جميع الآلات الموسيقية في غرف البيت‏:‏ الماندولين والبيانو والناي‏..‏ وكان مصيفنا الأول في هانوفيل العجمي عندما كان الشاطئ شاغرا ليجلس متأملا بحور الماء والرمال‏.‏

..‏وأقول لك إيه عن الشوق يا حبيبي‏.‏ عايزة أعرف لتكون غضبان أو شاغل قلبك إنسان‏.‏ حيرت قلبي معاك‏.‏ دليلي احتار وحيرني‏.‏ أطفئ لظي القلب بشهد الرضاب فإنما الأيام مثل السحاب‏.‏ لست أنساك وقد أغريتني بفم عذب المناداة رقيق‏.‏ عودت عيني علي رؤياك‏.‏ من أجل عينيك عشقت الهوي‏.‏ سهران لوحدي‏.‏ والموج يناغي النسيم يحكي له قصة هوانا‏.‏ والقلب يعشق كل جميل‏.‏ واثق الخطوة يمشي ملكا‏.‏ ظالم الحسن شهي الكبرياء‏.‏ أولي بهذا القلب أن يخفق وفي ضرام الحب أن يحرق‏.‏ ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوي وأن أعشق‏.‏ أين مني مجلس أنت به؟‏!‏ كيف ذاك الحب أمسي خبرا وحديثا من أحاديث الجوي‏.‏ حتي الجفا محروم منه‏.‏ أنا اللي أخلصت في ودي وفضلت طول العمر أمين‏.‏ ياللي كان يشجيك أنيني‏.‏ بفكر فيك وأنا ناسي‏.‏ ثورة الشك‏.‏

أغار من نسمة الجنوب علي محياك يا حبيبي‏.‏ أكاد أشك فيك وأنت مني‏.‏ وما أنا بمصدق فيك قولا ولكني شقيت بحسن ظني‏.‏ كأنما لم يدر طعم الهوي والحب إلا الرجل الفاجر‏.‏ وإذا ما التأم جرح جد بالتذكار جرح‏.‏ جرح الأحبة عندي غير ذي ألم‏.‏ هجرتك‏.‏ قصة الأمس‏.‏ قصة هوايا‏.‏ يالذكراك التي عاشت بها روحي علي الوهم سنينا‏.‏ ذكرياتي عشت فيها بيقين وهي قرب ووصال‏.‏ اذكريني كلما الفجر بدا‏.‏ يصعب علي أقول لك كان وأفكرك بليالي زمان وأوصف في جنتها وأصور‏.‏ حديث الروح‏.‏ يا فؤادي لا تسل أين الهوي‏.‏ يقول الناس إنك خنت عهدي ولم تحفظ هواي ولم تصني‏.‏ أجبني إذا سألتك هل صحيح حديث الناس‏.‏ خنت؟‏!..‏ ألم تخني؟‏!..‏ هجرتك والأسي يدمي فؤادي وصنت كرامتي من قبل حبي‏.‏ لما انت ناوية تهاجريني أمال دموعك كانت ليه؟‏!.‏

أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك؟‏!‏ وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا‏.‏ لا يا حبيبي‏.‏ أنا لن أعود إليك‏.‏ لسه فاكر قلبي يديلك أمان‏.‏ أراك عصي الدمع شيمتك الصبر‏.‏ آه من قيدك أدمي معصمي‏.‏ يا حبيبي كل شيء بقضاء ما بأيدينا خلقنا تعساء‏.‏ ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم بعدما عز اللقاء‏,‏ فإذا أنكر خل خله وتلاقينا لقاء الغرباء‏.‏ ومضي كل إلي غايته لا تقل شئنا فإن الحظ شاء‏.‏ فتعلم كيف تنسي وتعلم كيف تعفو‏.‏ أقبل الليل‏.‏ ويسهر المصباح والأقداح والذكري معي وعيون الليل يخبو نورها في أدمعي‏..‏ الحب كده‏!‏

وبصوته الرباني المعطر بالموهبة الخصوصي بنعومة الحرير وملمس الابتهال ورهبة المحلق في دعائه لخالقه يغني السنباطي ما لم تستطعه جميع الحناجر التي خلع عليها ألحانه‏.‏ تنساب العبارات والعبرات في الأعماق وعلي الأسطح عندما يغني حاشدا مجامع حرقته ولوعته وورعه وصلاته ونسكه وتقواه ليرفع رسالته الوجدانية في خشوع للسماء‏:‏ إله الكون سامحني أنا حيران‏..
__________________
مع تحيات سمير عبد الرازق

التعديل الأخير تم بواسطة : samirazek بتاريخ 10/03/2019 الساعة 12h48
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 09/03/2019, 19h30
الصورة الرمزية samirazek
samirazek samirazek غير متصل  
مشرف
رقم العضوية:51
 
تاريخ التسجيل: novembre 2005
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 78
المشاركات: 685
افتراضي (حياتي 40 عاماً مع التي غابت 40 يوماً )

مقابله مهمه ومثيره مع الموسيقار رياض السنباطي فى اربعين ام كلثوم
(حياتي 40 عاماً مع التي غابت 40 يوماً )

نقدم لكم هذا التحقيق الصحفي المثير مع الموسيقار رياض السنباطي بعد وفاة أم كلثوم في بيته .. في هذه المقابله تكلم رياض السنباطي من قلبه وقال الكثير من الحقائق التى تخفى على الكثيرين . وأيضاً قال ما لم يكن يستطع قوله في المقالات الرسميه .. كرأيه بأصوات أهم فناني عصره . ورأيه الشخصي بصوت أم كلثوم .. وطقوسه الخاصه بالتلحين وأص عب الألحان التى لحنها .. والكثير الكثير .

نترككم مع الحوار والمقال المهم والمثير( لم يشأ المصدر ان يفصح عن اسم الصحفى).

الصدفه جمعت بين أم كلثوم ورياض السنباطي من حوالي خمسين سنه عند منتصف الليل تحت خيمه في محطة سكك حديد قرية درين .. كانت أم كلثوم وأبوها وأخوها وأولاد عمها يغنون في أحد الأفراح .. وكان رياض السنباطي هو ووالده يتبادلان الغناء في فرح .. وأنتهى الفرحان في وقت واحد .. وركبوا الحمير متجهين إلى المحطه في انتظار القطار الفرنساوي (قطار الدلتا ضيق القضبان)..
وأشار السنباطي الكبير لابنه رياض وقال أم كلثوم التي يتحدثون عنها .. ونظر رياض السنباطي لأول مره في حياته ليجد ام كلثوم ، ولم يكن قد سمع لها ، وإنما سمع عنها فقط .. وكانت قصيرة القامه جداً . تلبس بالطو رجالي بصفين زراير البالطو أسود . وكانت تلف راسها بالعقال . وكان وجهها في غاية الحيويه . والذكاء هوعيناها . ويقول رياض السنباطي إنها كانت في ذلك الوقت كانت في الثانيه والعشرين من عمرها . ولابد أن أم كلثوم قد سمعت عن رياض السنباطي كمطرب ناشئ هو أيضاً .. وكان يغني الأدوار القديمه التي كان والده يتولى تحفيظها له . ومن المؤكد أن أم كلثوم قد سمعت (رياض ) وهو يغني في الإذاعه : ياريتك جتني زي ماجيتك ..وفوجئ رياض السنباطي بعد مبادرته بالتصال بها تليفونيا ...بأن ام كلثوم تطلبه في التلفون للقاء الثانى وجها لوجه ..بعد ذلك اللقاء الاول في الليل المطير بحوالي خمسه عشر عاماً .

سألت الأستاذ رياض السنباطي : هل تذكر ماالذي كانت تغنيه أم كلثوم أيام طلبتك ؟-
كانت انتقلت من الموالد إلى فرقة العقاد وسامي الشوا أميرالكمان : وكانت لها أحسن فرقة في مصر في ذلك الوقت . وكان في فرقتها عازف الرق محمود رحمي ومحمد القصبجي وواحد أسمه صالح .. إنه نفس التخت الذي صاحب عبده الحامولي ومحمد عثمان وكانت في ذلك الوقت تغني في صاله(سانتي) في الأزبكيه ..... وفي ذلك الوقت طلبتني في التلفون وردت عليها اختي .. فأنا لا أرد على التلفون عادة. وكانت أم كلثوم تسكن في عماره بهلر بالزمالك .. وكانت الفيلا لم يتم بناؤها بعد .. وأول لحن قدمته لأم كلثوم في ذلك الوقت طقطوقة : (لما انت ناويه تهاجرني ، أمال دموعك كانت ليه ؟ ) وهي من كلمات الأستاذ رامي .. وطقطوقه ثانيه أسمها( ياطول عذابي وأشتياقي ، مابين بعادك والتلاقي ).. وسألت ام كلثوم : كيف تحبين تلحين هاتين الأغنيتين من أية نغمه ؟وكان ردها من النغمه التي تعجبك . ونجح هذان اللحنان .. وبعد ذلك أشتركت في ألحانها مع الأستاذ زكريا أحمد ومحمد القصبجي .. وأصبحت عضواً في أسرة ام كلثوم الغنائيه .. وبعد ذلك بدأت ألحن لها الألحان الكبرى مثل :.. ( سلوا كئوس الطلى هل لامست فاها ) من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي .. ولما أعجبها تلحيني للشعر أعتني قصيده أخرى للشاعر احمد رامي ..وهى (كيف مرت على هواك القلوب وتحيرت من يكون الحبيب )..

قلت للأستاذ السنباطي : إن أخر لقاء لي مع ام كلثوم اعترفت لي بأنك الوحيد الذي يستطيع أن يتذوق الشعر وان يلحنه .. وانها تستريح إلى ذلك

وكان رد رياض السنباطي ان هذه حقيقة ، وانه لايتذوق القصيده او البيت فقط ، وإنما يتذوق الحروف .وان هذا الإحساس الشديد بالكلام الجميل هو الذي جعل أم كلثوم تعطيه أكثر من ثلاثمائة أغنيه شاركت في النجاح العظيم لأم كلثوم ..

وانا لم اكن قد رأيت الأستاذ رياض السنباطي في حياتي ، وإنما دفعني إلى ذلك الأمير عبدالله الفيصل فهو أحد الذين يؤمنون بالموسيقار السنباطي ويرى أن معجزة الغناء العربي هم أم كلثوم وشوقي والسنباطي . إنها الصدفه التي أجلت لقاء رياض السنباطي في أيام محنة أم كلثوم وحيرة الأطباء حولها ، وخوف الأمه العربيه على نهايتها أو خوفها من نهايتها ، أو قلقها على ما بعد نهايتها ..
وطلبت رياض السنباطي في التلفون ، إن صوته غريب . فيه فزع . وفيه قرف . وأحسست بإشفاق على نفسي كيف أجتاز به أو معه حاجز الخوف والقرف أو الحزن .. ولما ذكرت له أسم الأمير عبدالله الفيصل كان ذلك جواز المرور .. وكان هو الأسبق الى اللقاء وجلست في مواجهة الرجل . انه رقيق . لطيف. ولا شك حزين على أم كلثوم ، ولكن حماسه للفن . والكلام عن الفنانين وتقديرهم بصور مضحكه قاطعه . جعل الحديث بيننا سهلاً .. ولم يكن يدري . أو هو يدري . انه كان يقوم بعملية وزن وتقويم وتصحيح لكثير من المفاهيم الفنيه والغنائيه ..
ورياض السنباطي هو أقدر الفنانين على فهم صوت ام كلثوم .. فقد تعانق فنه وصوتها أربعين عاماً . وان هذه ( العشره الفنيه ) تولد هذا الذوق العام . او هذا التفوق العام لأغاني ام كلثوم فرياض أحد الذين رسموا ( الذوق الكلثومي ) فأم كلثوم أرتاحت الى فن رياض السنباطي وكان هو يعطيها ماتريد .. والناس يطلبون من أم كلثوم أن تحفظ هذا اللون الشرقي للطرب أو هذا الطرب الفخم للغناء العربي.
سألت رياض السنباطي :
هل يمكن أن تصف لي هيئة التلحين .. أو هيئتك وانت تلحن لأم كثلوم ؟ هل كنت تلحن لها في بيتك ثم تسجل اللحن على شريط وتبعث لها بهذا الشريط ؟ ألم يحدث أن طلبت منك أم كلثوم أن تغير عبارة أو فكرة لحنيه ؟ وهل كنت تلحن مطلع الأغنيه وتدندنه في التلفون وبعد ذلك تمضي في إكمال اللحن ؟ لابد أن هذا الائتناس بأم كلثوم عنصر هام في الهيئه العامه للحن كله بعد ذلك؟
. وكان هذا هو الموضوع الذي يريد رياض السنباطي أن يتكلم فيه رغم كل الظروف النفسيه الحزينه التي يمر بها .. فقال : أم كلثوم الله يرحمها كانت تأنس لي جداً وكانت تستريح إلى وجودي بالقرب منها .. لا كملحن ولكن كصديق .. فلم تكن تعاملني كأي ملحن يسجل لها اللحن على كاسيت ويتركه لها ويجري . مع أحترامي لكل الزملاء الملحنين ..فاكثر ألحاني كانت تتم عندها في البيت كنت أخذ كلمات الأغنيه وأعود بها الى بيتي ..وتطلب مني ان الحن المطلع واكلمها في التلفون : ياام كلثوم أنا عملت المطلع فتقول لي : طيب .. تعال يا رياض .. وأروح لها البيت وأسمعها اللحن وتقول لي : عظيم .. أكمل اللحن .. فأترك كل ماعندي من أشغال اخرى لكي أكمل اللحن بالصوره التي ترغبها .. وكانت لنا طريقه خاصه في الجلوس عندها في البيت .. عندها كنبه .. انا اجلس على اليمين وهي تجلس على اليسار .. وأظل أدندن على عودي .. واغني وهي تقول : كويس .. جميل ..أستمر ..وكنا نجلس من الساعه العاشره صباحاً حتى الثانيه عشر مساءً ..ولا احد معنا وانما حالة طوارئ قد اعلنت في البيت كله .. لاصوت ولا تلفونات بل ان زوجها د. حسن الحفناوي وهو رجل ذواق كان يستأذن في الجلوس بعض الوقت كي يسمع .. ثم يتمنى لنا التوفيق ويخرج وكانت تقول لي :هل نأتي لك بغذاء فأعتذر عن ذلك .. لاني اخاف ان أكلت ان أنام ..
وكانت هي تقول : أنا أكسب رياض ولا داعي للغذاء .. واجمل من كل طعام عندها هو نجاح اللحن .

هل صحيح أنك تمضي الأيام واحياناً الشهور في تلحين أغنية واحده ؟.. الى هذه الدرجه ترهق نفسك أو تذيبها في تلحين أغنيات ام كلثوم ؟ .
لابد ان يحدث للفنان شئ من هذا .. أن أطول أغنيه في التلحين هي أغنية ( ومرت الأيام ) وهذا الوقت قد أنفقته في التجويد والتجميل والإحساس بها ..ولكن هناك أغنيه لم تستغرق مني ثلاث ساعات هي أغنية ( نهج البردة ) لدرجة أن ام كلثوم لم تصدق أنني نجحت في ذلك .فلما أسمعتها مطلع الأغنيه بكت أم كلثوم ..ولما سألتها عن سر هذا البكاء الشديد قالت :أنها هزتني من أعماقي ..وأنا اعترف لك أنني لاأعرف كيف لحنت ( نهج البردة ).. وانما والله على ما أقول شهيد ، كنت أستمع إلى صوت في داخلي وأنا أردد وراءه .. لهذه الدرجه .. فأنا لم الحنها ، وأنما أنا رددتها وراء صوت سماوي في داخلي

هل العلاقات التي بينك وبين ام كلثوم كانت تسمح لك بان تبدي رأيك في الحان غيرك من الملحنين .. أو هل أسمعتك بعض الحان الأخرين ؟
- حدث ان طلبت اليها ان أستمع الى الحان الملحنين الجدد ، قبل ان تغنيها ام كلثوم ..حدث فعلاً ولكن أم كلثوم غضبت جداً واختلفنا ووعدتها الا أطلب منها ذلك مرة أخرى .. بل إنها قالت لي :وهل أنا أطلب اليك ان تغير في ألحانك .. إنني لم أتدخل في شئ من ذلك .. وهل تتهمني في ذوقي؟ ..حكايه ..فقد طلبت منها وبمنتهى الحذر والخوف على الا أجرح شعورها .. وقلت لها : لا باسم الصداقه ..ولا باعتباري ملحناًلك ..وإنما باعتباري ذواقه ..أو باعتباري مواطناً عاديا يحبك . فهل لي ان أسمع بعض هذه الألحان قبل ان تغنيها ؟ وكانت حكاية .. لم أنسها لأم كلثوم ولا هي نستها ، يرحمها الله .. (مع انني لم أطلب إليها مطلقاً أن تسمعني ألحان زكريا أحمد أو القصبجي قبل أن تغنيها .. فكلاهما أستاذ متمكن من فنه).. وإنما فقط الألحان الأخيرة.
قالت -أذن أنت ترى ان الألحان الأخيره لاترقى إلى مستواك ، او مستوى زكريا أحمد والقصبجي ؟
رديت - طبعاً .. ولكن فقط عندما بدات تأخذين ألحان الشباب : كمال الطويل وبليغ حمدي وعبد الوهاب

قالت - انت ترى أن عبد الوهاب من الشباب ؟
رديت - ولكنه حاول ذلك في اغانيه .. فقد جعلها راقصه .. ولابد أنه جعلها كذلك ليهز مشاعر الناس .. إنه أراد أن يرضي الجمهور.
طبعاً ، عبد الوهاب أستاذ وقمه وام كلثوم قمه ، والتقاء عبدالوهاب وام كلثوم هو التقاء أجمل صوتين في الغناء العربي .. ياسلام لو رجعت إلى أغاني عبد الوهاب القديمه .. وخصوصاً أغنية عندما يأتي المساء .. أو الجندول .. إنها قمم .. فلقاء عبد الوهاب وام كلثوم الذي أشتاق إليه الناس قد هزهم .. وعبد الوهاب يعلم ذلك .. ولذلك كانت عنده أنغام راقصه .ربما كانت هذه الترقيصات غير ضروريه ،بل إن اللحن لا يقتضيها مطلقاً ولكن عبد الوهاب يريد إرضاء الجمهور .. فهو قد أعطى لأم كلثوم ثوباً شاباً .. وهذا الثوب قد أرضى الجمهور وأسعده لأن جمهورنا طيب وسميع ومرح ولما تعمل له حاجه ترقصه يعمل هيصه ..

ومحمد الموجى ايضا؟
- ولكن الملحن محمد الموجي لم يلجأ الى ترقيص الأنغام .. ثم ان ام كلثوم رأيها في الموجي أنه ملحن مصري صميم وأنه لم يأخذ من غيره ؟ - الموجي له حاجات .. حاجات شعبيه .. ولكن الموجي ليس قمة .. وإنما أنا اتحدث عن القمم ، وليس معنى ذلك أنني شخصياً قمه . أنا شخصياً لي حاجات عملتها لاتعجبني .. وانا لم اجد بصراحه الملحن الذي يعطي لأم كلثوم عمقها وتفكيرها وإحساسها المرهف وخصوصاً في هذا اللون الذي أقدسه ، ثم تقوم هي بإملائه على الشعب الذي يتذوق كل ماتقوله أم كلثوم –

حتى زكريا أحمد ليس كذلك؟
- زكريا أحمد لون جميل ، لون شرقي أصيل محبب الى النفس جداً لأن نشأة زكريا قريبه من نشأة أم كلثوم نشأه دينيه ، فقد كان يغني في بطانة الشيخ علي محمود .ولذلك فالحانه شرقيه كلها طرب صحيح ليست فيها ( أويمه ) الموسيقى التي تعملها الأن الحاجات التي هي ( حليات ) .. ولكنه لون جميل .. كما أن محمد القصبجي له أثر كبير في حياة أم كلثوم إلى جانب زكريا أحمد .. مثلاً أغنية ( إن كنت أسامح ) باعت منها أم كلثوم مليون أسطوانه وكان ذلك من حوالي ستين سنه !

- ولا حتى بليغ حمدي ترى فيه شيئاً من هذا الذي تنشده لأغاني أم كلثوم ؟
- بليغ عمل حاجات لأم كلثوم لاتزيد ولا تقل عن الذي عمله الموجي والطويل ، ولكن الثلاثه لايختلفون إلا على الأسم فقط ..- الثلاثه لهم وزن واحد ؟- نعم ..- والوزن صغير ؟- ليس صغيراً ولكن كل واحد يحاول أن يخرج أقصى مافي نفسه وطاقته ..

- ألا ترى أن كمال الطويل مختلف قليلاً ، أو كان في أستطاعته أن يكون مختلفاً ؟
- الطويل ليس من لون أم كلثوم .. انه يلحن لنجاة .. يلحن لفايزه أحمد ..أي للمطربات اللاتي يتقبلن النوع الأقل قيمه من الذي تغنيه أم كلثوم ..إنها أغنيات ساندوتش ..
طلبت من الأستاذ رياض السنباطي أن نعلو فوق الحزن معاً على ام كلثوم ..وكانت لم تمت بعد يوم جلست اليه أتحدث في كل شئ .

وقلت له لماذا لاتجد تقييماً موضوعياً لفن أم كلثوم ؟
إننا .أنا . وانت ..قد خلعنا على أم كلثوم كل الصفات الجميله .فنا وشخصاً ووطنيه ولكن لن يمضي وقت طويل حتى يفتر الحزن عليها ..وحتى يعود الناس إلى همومهم الخاصه .ويخلعوا ملابس الحداد .
هذا الحزن الشديد عليها .ويستأنف الناس حياتهم العاديه ..ويديرون الراديويسمعون أحب أغنيات أم كلثوم ..ويدفعهم ضرورة التغيير .تغيير طعم الأشياء الحلوه في الفن .
وفي الطعام إلى البحث عن الجبنه والمش ..والفلفل ..وينتقلون من أغنية سلوا قلبي ..إلى أغنية ماأخدش العجوزانا ..ومن سلوا كئوس الطلى..إلى..قولوا لأبوها أن كان جعان يتعشى ..طبيعي أن يحدث ذلك لأي أنسان .

قل لي ياأستاذ رياض بالضبط كم تساوي أم كلثوم فنيا ؟
وأجاب بنفس النبره التي حاولنا أن نتخلى عنها بعض الوقت :إن أم كلثوم لاتقدر ..ليس كصوت فقط ..فقد وهبها الله قوة الشخصيه والذكاء الزايد ..إنها في بعض الأحيان قادره على أن تقرأ أفكارك ..وكثيراً ماكنت تقول لي :يارياض أنت تريد أن تقول كذا ..ويكون ظنها صحيحاً مائه في المائه ..الله يرحمها ..أنا لا أستطيع أن أتصور أنها ستموت ..شئ عجيب ..من حوالي شهر ونصف شهر طلبت مني أنا والسيده حرمي أن نزورها ..وذهبنا اليها .ولكن وجدت حالتها النفسيه ليست على مايرام ..ولا صحتها ..وجدتها شاحبه هزيله ..وقالت لي إن (كونصلتو) من الأطباء سوف يجئ للكشف عليها ،وإنهم ينقلون اليها دماً لانها ضعيفه ..وجلست إلى جوارها على الكنبه التي أعتدت أن نلحن معاً عليها..وأعطتني أغنيه لصالح جودت عن 6 أكتوبر ..وكانت ذكرى العبور قريبه ..ولكن قلت لها إنني لاأستطيع بهذه السرعه أن ألحنها في أسبوع ..
والحقيقه أنني حاولت أن اهرب ،فقد لاحظت ولاحظت رجفة يديها وهي تعطيني اللحن ..وصوتها أيضاً ليس هو الذي اعرفه ..ولكنها قالت :حاول ..فكر ..نعبش في الكلمات ..يمكن ..حاول على كل حال ..
ولم أحاول لأنني أعرف أنها لن تغني ..إنها شئ عظيم ..قوة جباره هبه من عند الله ..

وأستمراراً في محاولتي أن أهبط بدرجة حرارتنا معاً إلى الدرجه التي نستطيع فيها أن نزن الأشياء
قلت له وكأنني ألقيت عليه دشاً بارداً ضرورياً في مثل هذه الأحوال :

هل أم كلثوم في عصرنا الأن تساوي منيره المهديه في خمسين عاماً ..لقد كانوا يسمونها سلطانة الطرب؟
واعتدل رياض السنباطي ولم ذراعيه وقد أفاق قليلاً ..ولم يكن في نيته أن بفعل شيئاً من ذلك ولا يحب ،وقال: لا..لا ياسيدي ..أنا لست صغيراً في السن ..ولم يشأ أن يقول متى ولد ؟!وعاد يقول :لقد لحنت لمنيره المهديه أشتركت مع داوود حسني وكامل الخلعي في تلحين أوبريت سمير أميس لمنيره المهديه وكان هذا الأوبريت من ثلاثه فصول ..وكل واحد منا لحن (لها فصل )..ولحنت لها أغنيات كثيره ..ومنيره رحمها الله كانت صوتاً قديراً ..صوتاً قديراً جداً جهوريا..وإنما صوتها ليست له فرامل وكانت لاتستطيع أن تقفل صوتها وإنما في كل مره تحاول أن تقفله يهرب منها ..صوتها سايب ..
- منيره كلها سايبه ؟-
صحيح ..يعني أريد ان أقول لك إن ختام الجمله ..أو القفله الغنائيه كانت أم كلثوم تقفلها مثل (الباكم )عند القطار ..أو المترو ..هذا القفل المحكم القوي لاوجود له عند منيره المهديه .
- ماهو الفرق بين الأثنيتين في نظرك ؟
وأنا يهمني جداً أن اعرف ذلك ..فأنا لم أسمع منيره المهديه ..ولكن كنت أسمع من ابي أن صوتها جميل ..وكان أبي ذواقه في الغناء .وذواقه للكلام الجميل فقد كان شاعراً وكان يتغنى بشعره الأخرون ..
لم أكن أفهم في ذلك الوقت لماذا كل ماجاء أسم منيره المهديه يضحك الناس ..ولكنهم لايشجعون الصغار على أن يذهبوالسماع حفلاتها ..وكنت أتصور أن سبب ذلك أن سهراتها تستمر حتى الصباح ..والصغار يجب أن يناموا في ساعات مبكره ..

ورد رياض السنباطي : هناك فرق كبير جداً ..جداً ..جداً ..في الثقافه وفي جوهر الصوت فمنيره كانت سلطانة الطرب فعلاً ، لانه لم يكن هناك أحد سواها في ذلك الوقت ..ولكن أم كلثوم هذه لايمكن تعويضها ، إنها شئ آخر ربنا سبحانه وتعالى قد أعطاها لنا والله قد خلقها والسماء صافيه والأضواء باهره ومزجها مع ضوء القمر وضوء الشمس وقطرات الندى وزفها إلى الأمه العربيه .

ولم أفلح في أن أعرف بسرعه من الأستاذ رياض السنباطي بالضبط ماالذي تساويه أم كلثوم وحدها أو بالمقارنه بالمطربات الأخريات ..لقد رفض المقارنه ..ورفض السؤال من أوله لأخره .مع حسن النيه ،ولكنه لم يشأ أن يترك هذا السؤال دون أجابه ..أو يرفض هذه المسئوليه :أن يزن ام كلثوم وهو قادر على ذلك .فعاد يقول : أقارن أم كلثوم بمن ياسيدي؟
# .وردة دي أيه ؟ وردة تختلف عن منيره المهديه ..وردة لها أغنيات خفيفه تسمعها وأنت تاكل وانت تشرب أو بتلعب طاوله .صوتها قوي ويطربك ولكن ليس في صوتها هذا الشئ الذي يشدك ..الذي يجذبك ..أم كلثوم عندها هذه الجاذبيه ..عندها هذا المغناطيس ..وهذا شئ غير موجود عند أية مطربه قديماً أو حديثاً ..
# وأين تضع صوت فايزه أحمد ؟- صوتها جميل وأحساسها أدق من صوتها ..إنها عكس وردة تماماً التي صوتها أقوى من أحساسها ..وردة هذه تقول لك أشياء جاده ولكن تمنعك أن تعيشها ..
# ونجاة حلوه وذكيه ..ولكن صوتها أو طاقتها غير منطلقه .
# وشاديه :حلوه تعجبني ..تعجبني جداً ولكن شاديه كان صوتها أجمل من عشر سنوات أو أثنتي عشره سنه ..وكنت أضعها في مطربات الصف الثاني الممتاز ..ولكن يظهر أن حصل لها شئ ما ..لاأعرفه يمكن تعب .حاله عاطفيه .عصبيه عائليه .
# أما شهرزاد فصوتها جميل قوي ..ويمكن أستغلاله في الأوبريت .وفي الأغنيات المفرده صوتها جميل ..
# أما مها صبري فهي محدوده ..
# وسعاد محمد عملاقه ..ولكن بكل أسف الحظ لايواتيها..ولاتسألني عن الحظ ..ممكن واحد يدفع جنيها فيكسب خمسه ألاف جنيه ..وممكن يدفع خمسه ألاف جنيه فلا يكسب حتى الجنيه .
# أما فيروز فهده شئ أخر ..إحساس ومشاعر ..بل شئ فوق الإحساس وفوق المشاعر ..تركز في هذه السيدة..عندما أسمعها فإنني أستمع إلى صوت من السماء ..ولا أنكر فضل الأخوين رحباني ..إنهم لون جديد ..لون أحبه جداً ..فيه تطوير للموسيقى ..أما نحن فلم نطور الأغنيه ..لاتصدق أن احداً قد طورها ..إنها هي هي ..وموسيقانا كما هي وكل ماحدث في موسيقانا أن جميع الملحنين الناشئين أعتمدوا على الرتم السريع ..والرقص ..وكلمة حزينه من هنا ..او كلمة مرحه من هناك..وهذا هو التطور الذي حدث ( وليست هذه هي الموسيقى العربيه )ولكن فيروز والأخوين رحباني قد صنعوا شيئاً جديداً جميلاً ..ممتازاً جداً .واكثر من ممتاز # وبعد كذلك:صباح ..صباح حلوه ودمها خفيف ..صوتها دمه خفيف ..
ومادمنا نرفع غطاء الحزن ..أو غشاوة الحزن أو ثقل الحزن عن النفس فكان لابد أن أساله عن موسيقار فقدناه ..طال مرضه ..وتوقع الأطباء وفاته وعاش ..رغم أنف الطب ،أنه فريد الأطرش ..ذلك الصوت العربي الحزين دائماً ..
# فريد الاطرش ولم يجد الأستاذ رياض السنباطي حرجا في أن يقول :إنه ملحن من الطراز الثاني ،وهو محدود وكل أغانيه على وتيره واحده ليس عنده تنويع وهناك فرق كبير بين عبد الوهاب وفريد الأطرش .عبد الوهاب إبداع وتلوين ،وخصوصاً في أغنياته القديمه ،ولكن فريد من ماء واحد ولون واحد ودمعته على خده في كل وقت ،كل أغانيه حزن ونواح ، وهذا يجعل المستمع كئيباً دائماً إنني أتكلم بصراحه ولا يهمني من يغضب ..
- مادمت لاتخشى صراحتك ولا نتائج هذه الصراحه ..
- لايهمني ولكن يجب أن تحسد نفسك على انك أخذت مني هذا الحديث ..فأنا لاأتحدث مع أحد ولم أقل رأيي في أحد ..وسقط الكوب من يدي فقد حسدت نفسي !!
وسألته لا حرج في ان تصف لي صوت عبد الحليم حافظ ،وقبل أن أسمع رأيك فإنني أرى أنه أجمل صوت عربي على الإطلاق ..لاتشبع منه الأذن والنفس ايضاً .
# - عبد الحليم كويس ..ولكن في بعض الحيان تجد في صوته رجفه غريبه لا أعرف هل هذه الرجفه يراها نوعاً من تطوير الأداء ..أو هل الرعشه خلقه في صوته ..أنا لا أحب ذلك ..إنه يشبه واحداً يغني ثم يجئ إنسان من ورائه ويهزه من كتفيه ..لا أعرف لماذا هذه الرجفه ..هل هي حليه في صوته ؟ ولكن عبد الحليم حافظ خامه صوتيه حلوه ..جذاب ..باستثناء البتاعه التي في صوته ..
وأعدت عليه كل الأسئله التي وجهتها إلى أم كلثوم عندما أردت أن أعرف رأيها في كل الأصوات التي تتردد إلى جوارها في كل أذن عربيه .قال رياض السنباطي :
# محمد قنديل ممتاز فهو قادر على ان يؤدي أي لون من ألوان الغناء ..وطنيات ودينيات وغزليات ممتاز ..ثم المطربون الشعبيون :
# محمد رشدي لون شعبي ممتاز ..
# ومحمد العزبي لطيف ..لكن ليس له شعبية محمد رشدي ..
# ليلى نظمي خاصه بطبقه معينه من الجماهير ..مره سمعتها تغني :أيوه..أه..أظن أن هذه أغنية عايده الشاعر ..والله ما انا عارف أصبحت كل الأغاني متشابهة..على كل حال
# صوت عايده الشاعر يعجبني ففيه أنوثه ..صوت انثوى وخصوصاً عندما تغني لزوجها سيد أسماعيل .
# ولكن عفاف راضي هذه ،لا هي غربيه ولا هي شرقيه ..رقصت على السلم الموسيقي فلم يرها أحد ..كانت تلميذتي في الكونسرفتوار ..وكانت مدام رطل تدرس لها ..وبعد ذلك تجئ لك أحفظها الأغنيه لأم كلثوم :سلوا قلبي ..فوجدت صوتها محدود صغيراً .وكانت تنطق الكلمات كأي خواجه ..ومن هنا يجب أن نشير إلى عظمة أم كلثوم ..مخارج ألفاظها واضحه وقويه ..ولغتها العربيه الفصحى سليمه جميله ..
# وتسألني عن هاني شاكر .نسيت أقول لك أن سبب نجاح عبد الحليم حافظ هو أنه لم يقلد أحداً قبله ..لا قلد عبد الوهاب ولا أي مطرب أخر .. فعبد الحليم حافظ له طابع خاص ..لون معين .ولذلك فهاني شاكر لكي ينجح يجب أن يتوقف عن تقليد عبد الحليم ..وأنا أسمعه لماذا ؟ أسمع عبد الحليم أفضل وأجمل ..قلت له :وهاني شاكر عنده مشكله أخرى ..هي أن الذين يلحنون لعبد الحليم هم الذين يلحنون له أيضاً ..فهو يقلد عبد الحليم صوتاً وأداء وغناء ..وهذه مشكله..- صحيح ..لابد للمطرب أن يشق له طريقاً في الأداء ..وأن يحرص على أن يكون له صوت خاص ..ينفرد به ..ولذلك لابد أن يتولاه ملحن خاص ..ومن المناسب أن أقول لك ..إن المطرب الذي يخرج من الريف يخرج معتمداً على نفسه ..لا على معهد موسيقى ولا كونسرفتوار ولذلك نجده يقف على رجليه هو ..ويحاول أن يتقدم وأن يتفوق وإلا فسوف يضيع..
وهنا فقط تكثر الأصوات الجميله ..ولا أقول إننا وجدنا الصوت الذي يعوضنا عن أم كلثوم ..هذا مستحيل إلا إذا شاء ربنا وهو قادر على كل شئ . ولكن كيف نجد الصوت الجميل ؟ من الذي يجده ؟ أين يجده ؟ وإذا وجده فكيف تعرفه وتدفعه وتدافع عنه حتى لايقع أو حتى لايضيع ؟

هناك أصوات تقدم نفسها .. تماماً كما يلمع في السماء شهاب وترتفع إليه العيون .. من الممكن أن نذهب إلى حقول القطن وهذا رأي السنباطي وأن نسمع الأصوات الجميله .. ومن يدري؟ ربما وجدنا ام كلثوم أخرى .. أو نشجع صاحب الصوت أن يظهر لنا ..
# ويروي السنباطي أن صديقاً قال له إن بنت الأستاذ حليم الرومي المطرب القديم ماجده صوتها جميل جداً .. وأنه سوف يأتي له ببعض تسجيلاتها .. وهو في إنتظار هذا الإكتشاف الجديد .. وهو يؤمن بهذه الحقيقه : لو كان هناك صوت جميل سوف يظهر من نفسه .. إن الصوت الجميل نجم يلمع وإذا أخفاه النهار ، فإن الليل سوف يكشفه ويبرزه .
ومنذ سنوات جاء السنباطي رجل يريد أن يقدم له زوجه جميله الصوت ، قال السنباطي أسمع أولاً .. وجاءت الزوجه بيضاء جميله من كل النواحي ولما سمع صوتها قال له : طبعاً تريدني أن أصارحك ، إن صوتها لا يعجبني ولا أستطيع أن أتولاها .. ولا أنصحك أن تفعل ذلك ، وإنما يمكنكم أن تتسلوا في الحفلات العائليه .. إنها صوت والسلام .. وربما يشفع لها شكلها الجميل !
وأحسست اننا بعدنا قليلا عن أم كلثوم فسألت الأستاذ السنباطي :

أنت إختلفت مع أم كلثوم ؟
- نعم لأسباب ماديه ، كنت أطلب منها ثمناً أكبر ، فكانت تقول : أنت تاخذ ما فيه الكفايه ، وكنت أغضب وأتركها سنه أو سنتين ..وتصالحني وتدفع لي أكثر مما طلبت .
- ولم تغضب منها بسبب أنها غيرت لك لحناً ؟
لا .. أحياناً كانت تقول : أنا لا أستريح إلى هذا .. فأقول لها : وهذا إحساسي فأعود إلى البيت وأغير وأجد أن معها الحق ..وأحياناً كان يعجبها لحن وأعود إلى البيت أغيره ولكنها تقول : اللحن القديم أحسن .. وأعود أسمع اللحنين فأجد أن الحق معها ..ولكن أم كلثوم كانت تغير كلمات الشعراء أنفسهم .. بما فيهم أمير الشعراء وأحمد فتحي وأحمد رامي وناجي .. إنها لا تغني إلا الذي يريحها في الأداء .. مثلاً : لحنت لها قصيدة (إنتظار) ولم تغنيها مع الأسف .. القصيده لإبراهيم ناجي يقول فيها :
أنا في بعدك مفقود الهوى ضائع (أعشــــــو) إلى نور الكريم
أشترى الأحلام في سوق المنى وأبيع العمر في سوق الهموم
لا تقولي في غد موعــــدنا فالغــــد المــــوعد ناء كالنجـــوم
ولم تعجبها كلمة (أعشــــو) وجعلتها (أهفــــو) وهذا ألطف ..
وطقطوقه أخرى لمأمون الشناوي لحنتها وسجلتها على الكاسيت ولا أعرف ما الذى سأفعله بعد ذلك .. فهى التى كلفتنى وهى التى أعطتنى الكلمات أما أغنية مأمون الشناوي فتقول : شوف الدنيا
ولم تتلق منها خطاباً عتابا .. أو ورقه واحده مكتوبه .. ولا أنت كتبت إليها أو كتبت عنها ؟- خطاب واحد تسلمته وكان من محاميها الأستاذ قطب .. يذكرني بعقد بيني وبينها على تسليم الألحان في موعدها .. وكنت قد تكاسلت عن ذلك وهذا هو الخطاب الوحيد ..
ولا كتبت مذكراتي وإن كان عندى الكثير جداً الذي أستطيع أن أقوله عنها وعنا ..أنت ألا تلاحظ أنك تنقلني من موضوع لآخر..؟- إنني أحاول ألا تمل الكلام .. وألا أمل أنا أيضاً .. إنني أهون عليك .. إشغلك عن أم كلثوم بالكلام عن نفسك وعن غيرك وإن كانت المناسبه واحده .. والآن سوف أذهب إلى أقرب شيء إليك وأنت لم تتحدث عنه .. ولاحظت أنك لم تذكره .. ويبدو أنك لا تتوقع ذلك .. إن المسافه لا تزال بعيده .. ورحلة الفن الطويله الشاقه لم تبدأ بعد .. أو لم تكد تبدأ حتى توقفت .. او ترددت أ
نسألك عن إبنك أحمد السنباطي ؟
- أحمد لايزال امامه الكثير .. والجماهير رغم إختفائه لا تزال تطلبه وتسأل عنه .. وسوف يكون له مستقبل .. وسوف اتولاه بنفسي وأتعهده وبدأت فعلاً وقد لحن لنفسه .. ولحن له بعض الملحنين أيضاً .. واحد عنده طاقه صوتيه ما شاء الله تؤهله لان أقدم له ألحانا بطاقتي أنا ، ولو لم تكن عنده طاقه لقلت له كفى غناء وأسكت .. وأنا لا أصلح لك .. أذهب لغيري أما خصائص صوته فصوته جهوري ، وصوت منطلق .. حلو نبراته جميله .. ولكن في حاجه إلى صقل ..
وتتابعت السجائر في شفتى رياض السنباطي ، مع ان الأطباء منعوه من ذلك ، لا يكف عن التدخين .. رغم أن السجائر تحدث له حساسيه في جسمه .. ولكنه عاد إلى الأرق والقلق .. فلم تكن أم كلثوم مطربه تغني له .. ولكنها جو غنائي عام فهو يتلقى الكلمات ويدور الحوار .. ويذهب والعود معه ليسمعها اجتهاده أو تصويره .. فإذا وجدته مرهقاً ، طلبت إليه أن يكف عن التلحين إلا إذا استراح أو نام أو اعتدل مزاجه .. وكانت أم كلثوم تداعبه.. أو تروى له نكته حتى تتغير حالته النفسيه فإذا ظهر البشر عليه طلبت إليه أن يبدأ في التلحين
.. وفي إحدى المرات دخن رياض السنباطي ثمانين سيجاره ، وكان ذلك نوعاً من الإنتحار أسفر عن لحن جديد هو (أقبل الليل) وهو من أعز ألحانه إليه ، رغم أنه لم ينجح جماهيرياً .قلت له :

من كل هذه الأغنيات التى عددها 300 أغنيه لأم كلثوم لا بد أن واحده منها قد شيبتك أو كانت صعبه عليك
.. ولا يوجد مؤلف غنائي أو أدبي أو فنى إلا وقف عاجزاً أمام عملً ما .. هذا العمل هو المقياس الفاصل على قدرته على التفكير . فما هو اللحن الذي ناطحك حتى نطحك .. أو حتى تغلبت عليه في النهايه ؟
- ربما كان لحناً واحداً هو الأطلال .. خفت من هذه القصيده جداً .. وقلت لأم كلثوم وأنا ألحن هذه القصيده : يا أم كلثوم أنا خايف .. وكنت ألحن هذه القصيده وأنا في العجمي .. وكانت هي في قصر الضيافه .. وكانت ترد قائله : يا جدع إنت لك حاجات غريبه من أي شيء أنت خائف ؟ عيب .. ولكنها كانت تحس باللحن وعمقه . وعلى يقين من نجاحه .. أما أنا فلم يكن عندي هذا الإحساس .. وأجرينا البرفات الضروريه لهذا اللحن ، وتحدد موعد غنائه .. وأجرينا البروفات في مصرفون .. والفرقه كلها حفظت اللحن بالصوره التى ترضيني وترضيها ولكنها همست في أذني وقالت لي : يا رياض قلت لها : نعم ؟؟ قالت : لا داعي لأن أغنى هذه القصيده في الحفله .. وكانت الصحف قد نشرت أن أم كلثوم سوف تغنى هذه القصيده .. ولما سألتها عن السبب قالت : أنا أيضاً خائفه .. فالأطلال قصيده عملاقه . لا لأنها من تلحيني بالفعل هى كذلك .. ولم تغن أم كلثوم هذه القصيده ..
وبعد ذلك بشهر أجرينا البروفات .. وقلت لها ما رأيك .. لا داعي لأن تغنى هذه القصيده أيضاَ وسألتني : إذن متى أغنيها ؟ فقلت : عندما تستريحين لها تماماً .. وسألتني متى ؟ قلت لها بعدين .. ثم غنتها بعد ذلك وشاء القدر أن تنجح ولم أنم تلك الليله ولا نامت ام كلثوم ففي الثامنه صباحاً اتصلت بي أم كلثوم وقالت لي مبروك قلت لها الله يبارك فيك .. انا حاسه إن جبلاً قد إرتفع من فوق دماغي وهذه هي الأغنيه الوحيد التى أخافتني
واحب أن أقول لك شيأ غريباً : فأنا لم أحضر حفله واحده لأم كلثوم ولا أستطيع ..
مره قالت لي أم كلثوم أن الرئيس جمال عبدالناصر يحبك ويريد أن يراك في ذلك اليوم ذهبت إلى نادي الضباط بالزمالك .. وغنت لي أم كلثوم (طوف وشوف) وكنت أقود الفرقه الموسيقيه والكورال .. واستمعت إلى أم كلثوم وأحسست بالناس وهم يتجاوبون معها .. ولكنى لم أسمعها وأنا جالس في الصاله بين الناس .. صعب .. ولم يحدث أبداً وإنما أستمع إليها في البيت في غرفتي وحدي .. مع أجهزة التسجيل الكبيره التى عندي .. أسمعها وأنا أرتجف .. وجسمي كله مبلل بالعرق البارد ..
ولا حتى منيره المهديه التى لحنت لها أكثر من عشرين لحناً لم أستمع إليها .

.- ما الذي لحنته لمنيره المهديه ؟
لحنت لها أوبريت عروس الشرق عروس الشرق من تأليف يونس القاضي .. وفي ذلك الوقت تركت المسرح وفتحت لها صاله في شارع الألفي .. وكانت تغني وصله أو وصلتين .. ولكن أين هذه من أم كلثوم التى تغني ثلاث وصلات ، ست ساعات وأكثر ..
في الوصله الأولي : صوتها قائم من النوم الجميل ..
وفي الثانيه تشدو وتصدح ..
وفي الثالثه كالخيول العربيه كلما سخن وعرق انطلق أسرع وازداد جمالاً ..

- ما دمت قد لحنت لمنيره المهديه فلا بد أنك لحنت للمطربه نادره أيضاً ..
- صوتها حاد .. الأصوات أشبهها بجمال المرأه .. فيه ست تلاقيها بيضاء جداً وجميله جداً ، جمالها صارخ ودمها ثقيل .. لكن تلاقي فتاة سمراء لم تضع الروج ولا الرميل وإنما لها نظره .. وهذه النظره إذا أطلقتها عليك عوجتك ..
- وإذا طبقت نظرية (التجسيد) الصوتي لكل المطربات .. فأين تضع أم كلثوم في هذا المتحف ؟-
أم كلثوم جمعت إلى قوة الصوت والرقه والحلاوه وعمق التعبير .. أنا لا أستطيع أن أقول إن صوتها هذا صوت .. انه جوهره ليست مثلى ولا مثلك.. صوتها كالمرأه التى لها قوام جينا لولو بريجيدا وعيونها وأسنانها مثل إليزيبيث تايلور .. ابتسامتها تعجبني جداً .. إبتسامه غريبه غامضه .. وفيها عمق مثل عمق انامانياني .. أنا لما أشوفها بتهوس ..

- أنت رجل ذئب يا أستاذ رياض
- الله يخليك .. أما منيره المهديه فكانت فتوه .. صوتها فتوه .. لا أجد لها وصفاً غير أن لها حنجرة فتوه .. وفايزه أحمد امرأه مدلله وتتدلع جداً وصوتها فيه دلال ودلع .. إنها تتدلل على الرجل وتجننه وهو سعيد بهذا الدلال .. أما ورده الجزائريه فصوتها يشبه واحده بتحب رجلاً وتعاتبه وتزعق .. حتى الكلمات التى فيها همس بينها وبينه زعيق أيضاً ، حتى لو بكت على كتفه فهى تزعق وهى تبكي .. بصراحه ورده زعيقها كتير .. ولذلك يعجبني في عبد الحليم حافظ أن صوته جذاب .. إنه عندما يغني يوشوشك لكي يوشوشك مره أخرى وأنت سعيد بذلك ..
وشاديه كانت أم كلثوم تقول لي : يا رياض أنا أحب أسمع شاديه جداً وتقول انها مثل البلبل خفيفة الدم .. ونجاة الصغيره صوت مثل الطفل الصغير الذي يدهشك عندما يقول لك : بابا .. وماما .. إن هاتين الكلمتين لهما تأثير كبير على الأب والأم .. وعندما يسكت الطفل يقول له أبواه : شاطر .. شاطر .. صوت نجاة هكذا
وكان الأستاذ رياض السنباطي قد أزعجته المقارنه بين أم كلثوم وأية مطربه أخرى وخصوصاً منيره المهديه ، فعاد يقول :عندما كانت أم كلثوم تتقاضى ثلاثين جنيهاً في القاهره .. كانت منيره المهديه تتقاضى مائه ومائتي جنيه ذهباً .. وكان مجلس الوزراء ينعقد في بيتها لا للسماع إليها ولكن للنظر في شئون مصر .. وفي حفلاتها كان الناس يشعلون لها السيجاره بورقه من فئة المائة جنيه .. وكانت منيره تردد الأغنيات العاريه القبيحه .. والناس حولها يسكرون ويترنحون .. وعندما ظهرت أم كلثوم كانت منيره قد غنت على الأقل ستين أغنيه ، ومن بينها أغنية مشهوره أسمها (أسمر ملك روحي) .
ولكن أم كلثوم احترمت نفسها جداً وكانت محتشمه ومتدينه .. ورفضت الغناء بأية صوره لا تحفظ لها كرامتها وكانت أم كلثوم لا تأكل إلا تفاحه ولقمة عيش قبل أن تغني .. بعض المغنيات يذهبن مخمورات .. ويشجعن الناس على السكر والعربده .. ولكن أم كلثوم طراز آخر من خلق الله .. وقد إهتز عرش منيره المهديه يوم ظهرت أم كلثوم بأغنية (إن كنت أسامح ) وأغنية (يا ست ليه المكايده) لأن أم كلثوم كانت إذا زارتني فإنها تطلب إلى أن أسمعها تسجيل للشيخ محمود صبح .. إنها تحبه جداً .. وهذا يدلك على ذوقها الشرقي الديني الصميم .
وكان من أحلامنا أن ألحن وتغنى سورة (الرحمن) .. إن هذه السوره في جمالها وعمقها هي القرآن كله .. وقد حاولت شيأ من ذلك ولكن خفت .. ففي ثلاثية صالح جودت غنت أم كلثوم آيه من القرآن وغيرنا فيها حتى لا تبدو على أنها آيه وهى (والضحى والليل) ما سجى .. ولم نقل إذا سجى .. حتى لا يقال إنني ألحن القرآن وإنما هي محاوله من بعيد ، يرحمها الله .
*****
ورياض السنباطي مثل أم كلثوم من محافظة الدقهليه ، من فارسكور ولا علاقه له بسنباط... مدينة الغوازي ولم يرها ، ولا بد أن أحداً من أجداده كان فيها .. أو ولد فيها.
والسنباطي قد تعلم الغناء من أبيه وقد بدأ هو أيضاً بالموالد وأغاني عبده والخلعي وداود حسني وكامل الخلعي .. وكان يركب الفلوكه في نيل المنصوره إلى جزيره في النيل .. والجزيره كانت تغريه بما فيها من خيار وبطيخ وفي الذهاب والإياب يردد الأغنيات وراء أبيه .
وهو ليس كأم كلثوم بخيلاً .. ولكنه حريص جداً .. وهو يغلق كل شيء بمفتاح علبة السجاير يضعها في درج والدرج بمفتاح .. والدرج في دولاب والدولاب له مفتاح .. والدولاب في غرفه والغرفه لها مفتاح مع مفتاح شباك البلكونه .. فالفنان لا يملك إلا طاقته .. والطاقه محدوده فلا هو أرض تزرع ولا هو مصنع يهلك ويستهلك وله قطع غيار .. وإنما الفنان له قدره على الإبداع ، تنضج وتسقط معه .. والذي لا يملك القرش لا يساوي القرش .. وأنت تساوي ما في جيبك .. وجيبك أقرب من جيب غيرك ..
والبخل خير من سؤال البخيل .. فاحفظ قرشك يحفظك .. واحفظ طاقتك إلى آخر كلام الناس الذين يعرفون طعم الكلمه الموجوده التى يقولها لك إنسان إذا سألته قرشاً ولم يعطك ..
ولم يخل الحديث عن أم كلثوم مع رياض السنباطي من هذه الدعابه . فأم كلثوم قد ذهبت لتغنى له في فرحه .. وجاءت مع فرقه كبيره وغنت حتى الصباح ، ورغبة منها في تحية السنباطي غنت له أحد ألحانه .. غنت له .. يا طول عذابي ..وقال الناس : ما هذا ؟؟ يا ساتر يا رب ، ولما سألوها قالت : طبعاً يا طول عذابك الذي سوف تراه في زواجك ..
وعذابك بعد أم كلثوم !
__________________
مع تحيات سمير عبد الرازق

التعديل الأخير تم بواسطة : samirazek بتاريخ 10/03/2019 الساعة 12h59
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 22h57.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd