السرايا
كانت تقف فى شموخ تتحدى الزمن لم يتغير فيها أو حولها شئ نفس السور العالى نفس الباب الحديد العملاق المغلق بإحكام نفس الشجر المزروع بالحديقه والنخلات الباسقات العاليات علوا شاهقا خلف السور العالى الرهيب ، مررت من أمامها أسترجع الذكريات ذكريات الماضى البعيد ، كانت أوّل مرّة أمرّ من أمامها فى الثالثه من عمرى أى منذ خمسين عاما ، مررت مسرعا خائفا فقد كانت _ ولا زالت _ لها رهبه حتى فى نفوس الكبار وقد كنت ذاهبا إلى الكُـتّــاب أحمل اللّــوح الصاج الكبير وجزء عـــمّ فى يدى فلقـد كنت منقولا لتـوّى من كُـتّــاب آخر تعلّـمت فيه مبادء الهجاء و قصار السور الأولى و عند العودة أخبرنى صديقى الذى يكبرنى بخمسة أو ستّـة أعوام بأن هذه السرايا بها مارد عملاق أسود يخرج من منخاره نارا عظيمة ويخرج من أسفله عمودا من الدخّــان الأسود و أنّه لا يستطيع أحد أن يقترب حتى من السّور أو ينظر من خلال الباب ليلا أما نهارا فعــمّ عبد الجبـّـار الحارس يقوم بالواجب و قيل لى بعدها أن كل شئ فى هذه السرايا يعمل بالكهرباء و لم أكن أعرف و قتها ما هى الكهرباء وأن الغرف تُـفــرش لوحدها بالسجاد الأعجمى إذا ما لمس مقبض الباب أى أحد و أنّها بالليل أذا ما دخلها أحد فإن نورها يضئ ما بين السماء و الأرض ، وكانت القصص و الحكايات تروى عن هذه السرايا حتى إذا ما مر أحد من أمامها مرّ مسرعا خائفا ، و بعد سنوات سبع كنت ذات يوم عائدا من المدرسه فإذا بى أقرر أن أرى ماذا فى داخل هذه الحديقة و أرى السرايا عن قرب ، قفزت من فوق السور و تركت شنطة المدرسه بجوار السّــور من الدّاخل و زحــفت متلصصا حذرا أقترب من الفيلا و إذا بخادم أسود عملاق عيناه حمراواتان قد أمسك بى و سألنى متوعدا مهدّدا عما دخل بى فقلت بعد أن كادت روحى تفارقنى أنى أريد أن أرى السرايا عن قرب من كثرة ما سمعت عنها و أنى أريد أن أرى الحوائط الذهبية و النّـوافذ الفضيه فسألنى إبن من أكون فقلت له من أنا فأمسك بى من يدى ودار بى حول الفيلا من الخارج فقلت له أن أريد أن أدخلها فقال لى انّه يعمل بها منذ عشرين عاما و لم يدخلها قط فسألته عن حقيقتها فقال لى أن الشيخ عبدة صاحبها و بانيها كان قد بناها عام 1925 و كان وقتها يدرس الطب فى ألمانيا و أنّه كان قد وضع فيها من كل شئ أنفسه و ذهب إلى ألمانيا ليعود بعـروسته الألمانية الشّقراء ذات العيون الزرقاء و لكنه عاد فى تابوت فقد مات ميتة غامضه نُــسجـت حولها القصص و الروايات ومن يومها إلى الأن لم يفتحها أحد ، تذكرت كل هذه الذكريات عندما مررت بها منذ أيّام أجترّ الذكريات ذكريات الماضى البعيد و وجدتها كما هى و كنت أنا الوحيد الذى تغــيّـر فلم أعد ذاك الصغير الذى يحمل اللّوح و الجزء و له ذلك القلب لخالى .
|
العرض العادي
