رد: الجمعيات الموسيقية التّونسية
وفي هذا السياق لا بدّ من الاشارة إلى وجود أماكن اختصت بتكوين الموسيقيين منها: العمومية ومن أبرزها زاوية سيدي علي عزوز وبعض زوايا العيساوية مثل سيدي الحاري، وسيدي الشالي، وسيدي بوقميزة. ومن أبرز الشيوخ الذين برزوا في هذا المضمار الصادق الفرجاني، وحسونة بن عمار و علالة الباجي ومحمد بن الشاذلي... ووجدت أيضا مدارس خاصة اشتهر منها الكثير، فعلاوة على شيخ الموسيقيين، أحمد الوافي (ت. 1921) الذي أخذ عنه عدّة موسيقيين، برع منهم محمد الأصرم و الطاهر المهيري و محمد بن مصطفى و رشيد بن جعفر ومحمد غانم وعلي بانواس و محمد الدرويش ومحمد بن سليمان و خميس الترنان و الهادي القمام وغيرهم... وتجدر الإشارة إلى أن أولى الجمعيات النظامية في هذا المجال كانت في الموسيقى النحاسية وهي: الجمعية الهلالية التي أسسها سنة 1904 الهادي بن حميدة ضابط الطاقم الموسيقى للباي وقد أشرف على تدريبها محمد الحداد وأحمد البجاوي ثم تلتها جمعية الحسينيّة سنة 1905 وقد أشرف على تدريبها محمد الشعبوني. ثم ظهرت الناصريّة نسبة إلى الناصر باي نتيجة اندغام الجمعيتين السابقتين على يد البشير صفر. وكان من مهامها تعليم الترقيم الموسيقي والعزف على الآلات النحاسيّة. وقد أدخلت ضمن برامجها المقطوعات والسلامات التركية وكذلك البشارف وموسيقى الموشحات وصارت تعمل في المناسبات والأفراح ودعي كل من أحمد البجاوي ومحمد الحداد والحبيب التميمي للتدريس فيها وأغلبهم من ضباط الطاقم الموسيقى للباي. كما أسس حسين بو حاجب الجمعية الإسلامية سنة 1914 وقد تولى الشاذلي مفتاح (1906 - 1974) إدارتها الفنية. أمّا الجمعية العصرية التي تأسّست سنة 1920 فقد أشرف عليها الهادي الشنوفي (1968 - 1893)، ولا ننسى الساحلية بسوسة التي ترأسها الهادي بن حميدة، ثم الجمعية النحاسية بنابل التي أشرف عليها الطاهر بن غزالة. وهكذا توسع وجود مثل هذه الجمعيات وانتشر في أغلب المدن التونسية وكان من أبرز مؤسّسيها : أحمد دوكاز وحسونة الشافعي والشاذلي مفتاح، وهذه الظاهرة تعود في الأصل إلى أيام العائلة الحسينية عندما أسس المشير أحمد باي المتوفى سنة 1855م المدرسة العسكريّة بباردو. وقد كان من مهامها تدوين جانب كبير من التراث الآلي والغنائي بالترقيم الموسيقى الغربي. وقد حفظ ذلك ضمن مخطوط يوجد بالمعهد الرشيدي بعنوان: "غاية اليسر والمنى الجامع لدقائق رقائق الموسيقى والغناء" وقد وضعها ضباط الموسيقى العسكرية الحاج أحمد القريتلي خليل وعمار بن أحمد الغربي وعلي بن عبد الله شلبي والطاهر بن الطيب غيلب...
ولقد تأسست في إطار هذه المدرسة أول فرقة عسكريّة بعد أن جلب لها مختصون من أوروبا أمثال: ليناربيقال والفرزيدي يوزبي. وقد كان لمصاهرة البايات لبعض الأسر الايطاليّة والعلجيات اللاتي كنّ يجلبن من عاصمة الخلافة العثمانية ومقاطعاتها أكبر الأثر في اختيار مثل هذا الاتجاه. ويقال إن أحمد باي تأثر في إنجازه هذا بهيئة الطاقم العسكري في الامبراطورية النمساوية نذكر هنا أنّ دخول أصل البيانو - الأرغن - إلى تونس كان سنة 1696 وقد أتى به من مدينة فيرانزا الايطالية مسقط رأس أم رمضان باي المرادي.
لقد تمّ تأسيس هذه الفرق النحاسية على نطاق واسع وتعزّزت بعد استقلال البلاد (1956) فشجعت الهيئات الحكومية من بلديات ولجان ثقافية، على تكوين مثلها فتجاوز عددها اليوم سبعين فرقة موزعة على كامل تراب الجمهورية، أغلبها يوجد بولايات الساحل والوطن القبلي والعاصمة. ومن هذه الجمعيات بالجنوب التونسي: الجمعية العصريّة للموسيقى النحاسية بصفاقس 1920; جمعية حشاد للموسيقى النحاسيّة بصفاقس 1949; النجم الرياضي القابسي للموسيقى النحاسية 1933; الكوكب الموسيقي للموسيقى النحاسية 1936; النجم الموسيقي القفصي للموسيقى النحاسية 1954; جمعية الواحة بتوزر للموسيقى النحاسية 1962; الموسيقى النحاسية بقبلي 1960; الفرقة النحاسيّة بحومة السوق بجربة 1987. وعموما كانت للحياة الثقافية والفكرية انطلاقة مثمرة فقد تعامل التونسيون مع عدة ألوان جديدة كالرسم والتمثيل والتأليف المسرحي بالاضافة إلى الاقتباس والترجمة وظهور الصحف والمجلات ذات الطابع الأدبي والنقدي الفكاهي، كما كان للمجالس الأدبية، التي كانت تعقد في باب منارة وباب سويقة والحلفاوين، الأثر الطيب في الحياة الفكرية والأدبية والفنية فتطورت تطورا محسوسا.
|