كتاب العادة للشيخ أحمد الوافي

[Sami Dorbez]

كتاب العادة للشيخ أحمد الوافي

حاتم النقاطي

المغرب

1
في بنية الكتاب

لم تكن الجامعة الا رافدا من روافد الجدية في اتصالها بالقارئ . ولعل في انفتاح باحثيها على المراكز الثقافية ومخطوطاتها يعتبر تثمينا لواقع جديد ننتظر أن يعم في تونس وفي كل بلاد العرب لما فيه من خير عميم على البحث والقراءة في ان. ولعل هذا الكتاب

التحقيقي للباحث في باب التراث والموسيقى ” هشام بن عمر” يجسد هذه النزعة العلمية في البحث في رغبتها في تأسيس وعي اخر بالشفوي والمرئي والفني الثقافي عمموما.

[Sami Dorbez]

إذ عمد الباحث في هذا الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة التونسية مركز الموسيقى العربية والمتوسطية إلى الاشتغال على أرشيف البارون “رودوالف ديرلنجي1″ الذي اهتم برواية وتدوين الطريقة الشاذلية بتونس : “طريقة ووجهة في التصوف اتخذت فى اواخر القرن الثالث عشر الميلادي شكل تنظيم ديني انتشرت فروعه في مختلف انحاء بلاد الاسلام …وتنسب الى مؤسسها ابو الحسن الشاذلي “ كما رواها الشيخ أحمد الوافي 1917 ” وتجدر الاشارة الى ان مشيخة الطريقة الشاذلية خلال الفترة التي قام فيها أحمد الوافي بتدوين انشاد هذه العادة كانت بيد الشيخ محمد بن علي بلحسن الذي تولاها من سنة 1901 الى سنة 1917 خلفا لوالده” ليبرز العمل في تحقيق علمي جاد جمع بين الورقي كتابة ورسما للسلم الموسيقي للأناشيد الصوفية من جهة و الرقمي الحامل لقرص موسيقي يجسد أداء الأناشيد من جهة ثانية .

عمل افتتحه الاسعد قريعة مدير عام مركز الموسيقى العربية والمتوسطية يليه الباحث

هشام بن عمر في تقديم ” الطريقة الشاذلية بتونس منهجها وممارساتها وانشادها.

[Sami Dorbez]

وقد عمد الباحث إلى تقديم العمل مبوبا بلغتين العربية والفرنسية.فنجد في القسم العربي حديثا عن الطريقة الشاذلية منهجا وتوجها وتعريفا للعادة الشاذلية :” يطلق هذا النمط على نمط من الانشاد المعتمد من قبل القائمين بعمل الطريقة الشاذلية في تونس ومن قبل أقربائهم في الطريقة الصوفية الاخرى المنتسبة الى الشاذلية كالعيساوية و السلامية وغيرها “

كما بين الباحث للقارئ كيفية التعامل الانشادي مع هذه العادة : ” ينقسم المنشدون في ادائهم للعادة الشاذلية الى مجموعتين تسمى كل واحدة منها صف وتكون عملية انشاد مختلف تبديلات هذه العادة من قبل صفي المنشدين بطريقة التناوب”.

قام الباحث أيضا في هذا التبويب بقسمه الأول بإحالة القارئ الى القرص الضوئي مبينا محتواه وأسباب إصداره مرفقا للعمل . كما توجه الى رسم للسلم الموسيقي للتبديلات وقدمها مكتوبة : “التبديلة التاسعة ” اقبل البدر علينا من ثنيات الوداع “ التبديلة العاشرة ” زخرفت جنات عدن أوعدت للمتقين قال ربي أدخلوها بسلام امنين “

أما القسم الثاني فقد جاء باللغة الفرنسية معرفا بالطريقة الشاذلية التبديلة محوصلا لأهم الأعلام الواردة بقسمه العربي مترجما لأقوال التبديلة ومبرزا أسباب التحول من المخطوط الى القرص الموسيقي.

[Sami Dorbez]

2

الكتاب أولا أو في مصالحة القارئ مع عصره

إن الاهتمام بتطوير علاقتنا بالمتلقي يفترض أن نهتم بالكتاب ذاك الذي يعدّ مدخلا أساسيا للقراءة والتأويل.لقد استفاق الباحث ” هشام بن عمر” على هذا الهم فتوجه نحوه لاستبدال الواقع السيء بواقع أحسن.

ولعل ما يعانيه الفرد التونسي العربي من ضعف في الاهتمام بالكتاب يؤدي بنا إلى الانتباه لهذه الظاهرة السلبية داخل واقع مجتمعنا المعرفي و الفني والثقافي: “إن الإحصائيات أثبتت أن العربي يقرأ 4 صفحات في السنة والتونسي يقرأ 3 دقائق في اليوم ويقضي 3 ساعات أمام التلفاز وهو ما يستوجب إعادة النظر وتدعيم علاقة القارئ بالكتاب” .لعله ذاك المجتمع الذي ما خرج عن الأسس المقدسة لتاريخ شفوي لا يعترف بتغير الأحوال والوقائع.إن الواقع العربي برمته يعاني من هذا الإحراج حيث تصبح القراءة للكتب لعنة.

إن “هشام بن عمر” جسد ذاك البحث عن متلقي آخر لأنه انخرط في حداثة أخرى يقتضيها ذاك الوعي الآخر بالحضارة العربية في عمق احتفائها بالحرف والتراث والفنون حيث المخطوط و الغناء والطرب فيتأسس القول المحتفي بالمعنى حيث عمق التواصل

و التجريد .

[Sami Dorbez]

3

في المصالحة بين الفنون

إن الاتصال بالقارئ هو الباب الحقيقي للخطاب المعرفي البصري الفني الحديث اذ فيه تتحقق إفادة المتلقي.ولعل هذه الإفادة تكون أكثر جدوى إذ ما صالحت بين الفنون الشفوي -الموسيقى والنثري - من جهة والمرئي – القراءة والصورة و رسم السلم الموسيقي من ناحية أخرى.هي إفادة ودخول في حداثة فنية ومعرفية تصالح بين الذات والتاريخ وبين الفنون .

حداثة تبين صرامة المنهج العلمي وتكشف روية صادقة من الباحث

ليذكرنا بوجوده كموسيقي وفنان فإذ هو في عمق التراث أين التصوف ريح الأمة وروحها وهو في باب الاشتغال المعرفي من زوايا فنية ذات غايات نبيلة الأبعاد.

تحقيق وبحث ورؤية محمولة في كتاب يستوجب الاطلاع عليه تعميقا لفائدة نراها ضرورية لمصالحة الجامعة مع الثقافي باب شيوع الانتماء للأمة.