* : نعيمه الصغير- 25 ديسمبر 1931 - 20 أكتوبر 1991 (الكاتـب : د أنس البن - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 00h16 - التاريخ: 24/04/2024)           »          منير مراد- 13 يناير 1922- 17 أكتوبر 1981 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 23h14 - التاريخ: 23/04/2024)           »          مع الموسيقى - برنامج إذاعي (الكاتـب : حازم فودة - - الوقت: 22h26 - التاريخ: 23/04/2024)           »          ألحان زمان (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : Dr. Taha Mohammad - - الوقت: 20h23 - التاريخ: 23/04/2024)           »          محمد رشدي- 20 يوليو 1928 - 2 مايو 2005 (الكاتـب : الباشا - آخر مشاركة : benarbi - - الوقت: 19h56 - التاريخ: 23/04/2024)           »          محرم فؤاد- 25 يونيو 1934 - 27 يونيو 2002 (الكاتـب : الباشا - آخر مشاركة : benarbi - - الوقت: 19h36 - التاريخ: 23/04/2024)           »          فتح الله المغاري- 1944 - 3 سبتمبر 2022 (الكاتـب : jamal67 - آخر مشاركة : benarbi - - الوقت: 19h15 - التاريخ: 23/04/2024)           »          محسن جمال (الكاتـب : مصطفى - آخر مشاركة : benarbi - - الوقت: 18h56 - التاريخ: 23/04/2024)           »          عبد الهادي بلخياط- 1940 (الكاتـب : thinkfree - آخر مشاركة : benarbi - - الوقت: 18h43 - التاريخ: 23/04/2024)           »          متفرقات غنائية مغربية (الكاتـب : رضا المحمدي - آخر مشاركة : benarbi - - الوقت: 18h35 - التاريخ: 23/04/2024)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > الموروث الشعبي والتراث الغنائي العربي > المغرب العربي الكبير > المغرب الأقصى > كلاسيكيات مغربية..الطرب الملحون

روابط سريعة طرب الملحون
أحمد العجيلة التهامي بنعمر المرحوم قويدر ديفيد الزيوني عبد العالي لـباركـي ماجدة اليحياوي محمد السوسي ملحون مراكش
إدريس بن جلون الجوق النسائي التطواني ثريا الحضراوي ديفيد بن عروش عبد الكريم كنون مجموعة السعادة - النزاهة محمد بوزوبع الابن منال القباج
أسماء الأزرق الحسين التولالي جمال الدين بنحدو رواد فن الملحون عزوز بناني مجموعة امنزو محمد بوستة مولاي المهدي العلوي
التهامي الهاروشي الحسين بن ادريس حياة بوخريص سناء مرحتي لطيفة أمال مجموعة سعيد المفتاحي ملحون تافيلالت نعيمة الطاهري

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 28/03/2011, 21h23
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي مقالات عن فن الملحون

شيوخ الملحون بمراكش


مراكش : محمد السريدي

استهلال: نشأ فن الملحون وترعرع بمنطقة تافيلالت خلال القرن الثامن الهجري(الخامس عشر الميلادي) ، كما اشتهرت عدة مناطق أخرى بها الفن الشعبي الصهيل ونذكر منها زاوية سيدي الجز ولي بمراكش ،وزاوية سيدي " افرج " بفاس وضريح سيدي عبد القادر العلمي بمكناس ، والزاوية الحراقية بكل من : الرباط وتطوان ،والزاوية الشقورية بالشاون وزوايا أخرى لاحيث كان لرجال الملحون نشاط وحضور. وقد احتضنت مدينة مراكش هذا الفن منذ زمن بعيد، و أنجبت العديد من الشعراء والمنشدين ذاع صيتهم جل أرجاء البلاد.
1)ويعتبر الشيخ الجيلالي امتيرد من أشهر شعراء فن الملحون بمراكش في القرن الثامن عشر، ابتكر بناءا جديدا لقصيدة الملحون شكلا ومضمونا وقد كتب في مواضيع كثيرة ك:
الخمريات حيث فتح " امتيرد " الباب على مصراعيه للتغني بالخمريات بعد أن كان الشعراء من قبل لا يجرءون على الخوض في مثل هذه المواضيع. يقول في قصيدة " الساقي " :
أساّ قي وكض لريام رد باللك للنوبة لا تغيب عن مولاها كب ياساقي راح الليل
الحراز: وهو أول احتضنت حراز عرفه تاريخ الزجل حيث يتنكر الشاعر العاشق في عد من الصفات، لكي يصل إلى محبو بته المحجوزة عند الحراز وصفة مخزني التي يتنكر فيها تؤرخ للحقبة التي عاش فيها أيام السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي. تقول القصيدة:
من ساعتي رجعت امخزني مشهور من أصحاب الملك الله ينصرا سيدي محمد.
الشمعة: حيث قارن الشاعربين المحب المتيم الولهان واحتراق الشمعة وذوبانها، وما يعانيه كل منهما مستعرضا ما تمر به من مراحل قبل الاحتراق. تقول حربتها، أي لازمتها:
لله يا الشمعة كري وعلاش ذا النواح × والناس فلفراح وانت اجوهر ادموع ابكاك امقطرا اهطيلا. الضيف وهذه المرة تتنكر الحبيبة في صفة ضيف يقرع باب الحبيب في وقت متأخر من الليل وتلزم الصمت. تقول الحربة :
أضيف الله رد لجواب اصغ لي ××لا تغفل رد السلام.
الفصادة مناسبة تزيين النساء في فصل الربيع وهن في أفخر الثياب وأبهى الحلل. تقول حربة القصيدة:آش را ملا حضر امع وجوه لريام ××يوم حنطو فثياب العز للفصادة
القاضي: الذي يفصل في قضايا الحب والغرام ساعة هجر الحبيب لحبيبته. يقول الشاعر:
القاضي لك ادعيت الغزال خناري ××اعلاش دون سبا هاجر لوكار
اجفات من رسمي قامت القنا بو دواح زهور ×× زينت الاسم زهرا
الخصام: وهو أول من نظم فيه قصيدة بنت الحضر والعربية(البدوية) تقول حربتها :
أمي حنا أيلي امي ××لوريت الفاهم اللغا ماذا صار
البنت الحضر والعربية ××أيلي امي لوريت أفاهم النظام.
هذا بالنسبة لمواضيع، أما البناء الشكلي، أي القياس، الذي تصاغ عليه القصيدة، فقد وضع وزنا للبحر المثنى، والذي لم يكن معروفا من قبل. كما أضاف بحرا جديدا لم يكتب فيه شاعر قبله، وهو البحر السوسي الذي يعتمد بيتين بين عموديين / يعقبهما كلام مرسل لا يخضع لوزن، و لا قافية كما هو الشأن قي قصائد الحراز. أضف إلى هذا كله اتخاذه " السرابة " تمهيدا للقصيدة، وكان أول من كتب في فنها.
2)وهناك الشيخ محمد النجار (ق18) وكان ربيبا للشيخ الجيلالي امتيرد، تتلمذ على يده، ردد أشعاره وكان من خيرة أشياخ "لكريحة " والسجية، منشدا وشاعرا قي مراكش التي تركها ليقطن مدينة فاس التي أصبح شيخ الأشياخ بها وذلك بعد أن أصاب البلاد جفاف أصبح من المتعسر عليه معه أن يظل عبئا ثقيلا على زوج أمه، ففكر في الهجرة. أما سبب توليته إمارة الشعر في مدينة فاس، فلأنه كان ذا روع وصلاح وكرامات. أوقف دوران ناعورة ماء كانت توجد بوادي فاس وذلك بقصيدة اسمها الناعورة. تقول حربتها:
يزاّ من البكا بكيتي والخلاكَ ميسورا ألناعورة
وأنت ابكاك يعدار من جهد واد فاس اتقل الما والرياش والدورا ألناعورة
وأنا بفكد لوكار.
3)الشيخ علال الكحيلي: شيخ أشيخ مراكش في الحقبة الموالية لزمن الشيخ الجيلالي امتيرد، زمان امتيرد، أيام السلطان مولاي عبد الرحمان وقد نال هذه المرتبة بفيض ووفرة شعره الذي نسوق منه قصيدة تحت عنوان " أمباركة ":
يامن فاق الهلال حسن اجمالك ××× والنها افها فنجالك
من شفار عيونك وقواس حاجبك ×××جبت اهلاكي يا امباركة
4)الشيخ محمد بن الفاطمي الركَراكَي:له ديوان شعر بهي، وكانت له شهرة في جميع أنحاء المغرب توفي سنة 1316ه/1895م، له العديد من القصائد من بينها القصيدة التي تقول حربتها:
غثني يا رسول الله روح لرواح××× ادخيل لك بالحي القيوم عالج الروح
5)الفقيه الحاج احمد بن الطالب مريفق(أواخر القرن 19): شعره مليء بالمفردات العربية، يصعب على العامة. لا يحفظه إلاّ من له باع طويل ومتذوق لفن الملحون. لقد كان ذا حرفة العصر وهي الحزام الموشى بالحرير "تامضميت "ز له ديوان شعر نقتطف منه قصيدة "الحالية "، وحربتها هي:
يالعاقل نور الإلهام ضي وقاس ×××به تدرك امعنت انفايس النفايس
يالساهي من نومك فق قل لا باس ×××ساعف الوقت امعاها سر لا تعاكس
6)الشيخ المدني التركماني( أواخر القرن 19): كان فقيها جليلا كتب في جل المواضيع غير أنه اشتهر بشعر المسرح. فقد كان يحسن الخصام بين " الخادم والحرة "و " الشايب والشاب " و "العكّوزة والشابة " وحربة هذه الأخيرة تقول :
يوم الجمعة اعلى شباب ××× اخصام كبير خرق عادة بين عكَوزة وشابة
7)الشيخ محمد بن الطاهر الشاوي (أواخر ق 19): من فحول الشعر بمراكش بعد المدني التركماني.وكان يحيط قصائده بالشوك و " الزرب " وهو هجاء شعراء وقته في أواخر كل قصائده، و إن كان موضوعها الصلاة على رسول الله (صلعم). وكان الفقيه أحمد مريفق يصله ويعطف عليه ويعجب يهجوه.
Coolالشيخ احمد التركماني( أواخر ق 19): اشتهر بقصيدة " الربيعية "التي يقول في حربتها:
اساقي كب وزهى وغن زهرت ليام كيف ×××زهرت لرض بلمطار
ولله الحمد والشكر ×××متع بصرك فالربيع ونوارو
9)الشيخ أحمد بحيوات ( أواخر ق 19):
يقول في مدح الرسول الأعظم (صلعم):
كيف يواسي اللي عشق محبوب وبغى ×××زيارت لكن جاه بعيد
أنا كيف اعشقت النبي العربي ×××ما نهوى غير صورتو وبها حسن جمالو
أمن لا خلق الكريم زين فلبدور بحالو
10)الشيخ عباس بوستة( النصف الأول من القرن 20):كان قهواجيا بباب قسارية قرب الصوافين بمراكش المدينة وكان يسكن بقاعة بناهيض ، نتوفر على عدد غير يسير من قصائده . شعره عذب، يقول في قصيدة " السفرية":
من يتولى يا صاح زاد قلبو اقصاح
لو كان امن الصلاح إيعود لص و قبيح
من لا يسعى فصلاح لا فحكم ايصلاح
والظالم ما يصلاح لو يقولو امليح
11)سيدي محمد البوعمري: من حفدة الولي الصالح أبي عمرو القسطلي دفين مقبرة رياض العروس، له ديوان تغلب على أشعاره اللغة العربية الفصحى. عاش أسام حكم مولاي يوسف وجزء من حكم السلطان محمد الخامس. له قصائد في الشعر السياسي قاوم الاستعمار الفرنسي وأعوانه. يقول في حربة هذه القصيدة:
زال حكمك من صرفك يا قبيح لفعال ××يا للي عن منهاج السالكين مايل
12) المحتار الهنكَار : كان شاعرا موهوبا ، توفي في الستينات من القرن العشرين . يقول في قصيدة مدح الرسول (صلعم):
يامن هو معشوق في شفيع القوم×× صلي عليه كل يوم
زكي وصوم بالخمسة تضحى امكرم ومنعوم ××× فدار السلام
13)الحاج محمد بلكبير(1896ـ1973): شاعر كبير في الفصيح والملحون، فقيه وعالم بفنون القول تلميذ الشيح محمد البوعمري، مجالس للعلماء وعلى درجة من المعرفة، دقيق التعبير و التصويب متنوع الأغراض والمواضيع. يقول في مطلع قصيدة " جميلة ":
الحب اطغى وجار ما راد افعال ×××غير زايد فحروب اقتالي
ما حن و لا ارتا ولا شاف الضعف الحالة×××يحسن عوني اشحال قاسيت اشحال
في او عار اطروقو عمدا لي ×××هاني غادي ابلا ارفيق افغابة هوالة
14)الحاج محمد بن عمر الملحوني (ق20):شيخ الجماعة والأشياخ. من مؤسسي جمعية هواة الملحون وأول رئيس لها، كتب في جل المواضيع من مدح، وغزل، وموعظة وسياسة. وهو صاحب قصيدة المظاهرات التي تقول:
في شهر ذا احجة شبان جات للحرب انبات ×× حاملين الرايات
كينا دو بالاستقلال والحرية
15)الفقيه سيدي محمد بلمحجوب التبايك: شاعر الملحون والفصحى والموشحات ، كتب في كل المواضيع والأغراض والمناسبات ، كما ألف للطرب الأندلس و لفن السماع أزجالا و أشعارا في المدح النبوي والعشق والتصوف ،وهذه برولة من التصوف :
مولاي اسعيتك رافع كفوقي نترجاك
طامع فرحمتك فاز وظغر من يطمع فيك
ضارع ناجيتك ابجاه اسماك الحسنى نترجاك
وب:طه سلتك وجاه من هو حالو يرضيك
بذنوب اعصيتك لا تواخذني حالي ما اخفاك
مقر اطلبتك نادم او خاضع بين يديك
16)الشيخ محمد بوستة: سمي بهذا الاسم لوجود ستة أصابع في يده. من خيرة الشعراء والمنشدين والمتذوقين والحفاظ بالمغرب.تزخر خزانة الإذاعة الوطنية بتسجيلاته ، يقول في قصيدة " ثريا " :
جاي ابغا ينصحني غير ينصح راسو بعدا و لا عليه أنا فياّ
هاني فهواي كيف راد نعم الحي المنان
الشيخ عبد الرحمان بن الطاهر الدباغ(بداية القرن 20): كان مساعد مقدم الدباغة. له وفرة في النظم، شاعرا مجيدا يقول في قصيدة الشمعة:
غنمي غايت لفراح يالشمعة بك ابنت الطميم لخلاك ازهية
نبغيك اتعيدي سبّت البكا من قادم للئان.
وهناك العديد من ناظمي قصائد الملحون لا يقلون أهمية عمن سبق ذكرهم ك:
أحمد أبو الديهاج،الشيخ اليوسفي ،الفقيه محمد الكبير بن عطية ، الشيخ التشيع ،الشيخ سيدي محمد اليازغي ، الأحمر المرياكّ ،مولاي احمد الزمت ، الشيخ بن إبراهيم و له موعظة تحت عنوان الجار يقول في لازمتها :
لا تهجر جارك
يا امعاقب بالجور اللي مجاورو
ارفق بجارك لا تكون جاير اعلى الجار
إضافة إلى شعراء آ خرين لا تتوفر قصائدهم لكنهم يحظون بتقدير واحترام من طرف هواة وحفاظ شعر الملحون، نذكر أسماءهم كالتالي:
الفقيه الجراري، السيد الدفالي، احمر الرأس، الشيخ أحمد الركراكي محمد بن الطاهر الشاوي، بابا احمد بن الراعي، الشيخ محمد بن موسى، محمد بن عملا والشيخ بالعربي
يلاحظ من شكله،هذا الجرد البسيط لشعراء الملحون بمراكش تعدد مواضيعه وأغراضه، وتنوع إيقاعاته الشعرية والفنية، كما يتجلى الصدق في التعبيرعن أفكارا لطبقات الشعبية وابلغ لأي التاثيرعلى الذوق.بسيط في شكله، مفعم بمعانيه

التعديل الأخير تم بواسطة : جابر الحسيني بتاريخ 30/04/2011 الساعة 08h31
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28/03/2011, 21h25
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي نداء من أجل فن الملحون

نداء من أجل فن الملحون



محمد الراشق
زجال باحث في التراث

إذا كان المشهد الغنائي في بلادنا يشهد انحصارا لامثيل له رغم محاولات " القيل والقال" وعدم وضع اليد على كنه السؤال.. ففن الملحون يعيش في حقيقة الأمر في أحلك لحظاته خصوصا في سنة 2004 التي ودعناها من أولها لآخرها، سنة بيضاء لاجديد فيها إلا تكريس فعل التهميش والإقصاء على كل المستويات، وكأنهم أرادوا لعقارب الساعة أن ترجع إلى الخلف لتعاود الحرب الهمجية على ثقافتنا المغربية الأصيلة والتي منها فن الملحون بشعره وإنشاده وألحانه العذبة،

لقد سدت الأبواب في وجه أهل الملحون بعد أن استبشروا خيرا في أعوام سابقة لم تدم طويلا، فوسائل الإعلام المسموعة والمرئية نسيت بالتمام أن لها من الأنواع فن الملحون وما أدراك ما فن الملحون.. فهل ننتظر من رمضان إلى رمضان لنستمتع بروائع ما يقدمه العبقري السي أحمد سهوم؟.. وحتى ما تقدمه الإذاعة المركزية فهو باهت ويقدم في غيرأوقاته وكأن فن الملحون هو فضلات وزوائد.. وهو على العكس قيمة إبداعية لا مثيل خارقة لمن تذوقه فنيا وإبداعيا، أما تلف ..زاتنا فلا يهمها أمر الملحون، فماذا تريد من فن عريق وهادف وعنوان عريض لهويتنا المغربية؟ إنها تتهافت في كثير من الأحيان على الخواء إلا الخواء..والإعلام المكتوب قد نفض يديه من شعر الملحون، لاتوجد حوارات مع رجالاته ولامع المنشدات والمنشدين، ولا تطرح معاناتهم المضاعفة، ولا بإشعار المسؤولين بفضاعة مايقترفونه في حق ثقافتنا الشعبية كلها ومن ضمنها فن الملحون.

أما معظم المهرجانا ت عبر التراب الوطني فلا تعير الملحون أي اهتمام،فلا يمكن أن نسمي استدعاء منشدة أو منشد للمشاركة على أنه اهتمام مركز ومبني على أسس غير أسس الإخوانيات والمصالح الخاصة، وإنما أقصد أن يستدعى الباحث والعازف والمنشد ويخصص الحيز المهم لإقامة الندوات التي ستقدم هذا الفن على حقيقته ويمكن التعرف على الجديد فيه، فهناك اجتهادات على مستوى كتابة النص، وعلى مستوى البحث، وعلى مستوى فن الإ نشاد، لكنها تظل حبيسةأ فكار أصحابها حتى يمر الزمن وتضيع الفرص كعادتنا نحن المغاربة...

وحتى المهرجانات والملتقيات الخاصة بالملحون محسوبة " بالواحدة" وأعني به مهرجان فاس لطرب الملحون ، حيث خوفنا الكبير أن يقف عند طبعته الثانية وتزداد هموم أهل الملحون لأن المهرجان هو ملتقى حقيقي للحوار والنقاش وتقديم الجديد، ثم أن هذا المهرجان يلعب دورا أساسيا على مستوى تدوين وتوثيق الملحون إنشادا وإبداعا وبحثا بالمكتوب والصورة والصوت،فأرجو إخواني المنظمين في جمعية فاس سايس أن يعلنوا عن نيتهم لتنظيم الدورة المقبلة وتحديد تاريخها الذي طال حتى تطمئن قلوب أهل هذا الفن العريق.

أما ملتقى سجلماسة لفن الملحون فحدث ولا حرج، فوزارة الثقافة الذي ترعاه ، تعسفت عليه بكثرة التأجيلات حتى بدأ اليأس يدب إلى الأفئدة ، وترك المجال لطرح أكثر من سؤال.

أما جمعيات الملحون فهي قليلة أيضا وتصطدم بعراقيل متعددة وينقصها الدعم المالي لتنفيذ مشاريعها..

تم ماذا بعد هذا،فهناك من غادر المغرب واستقر بأروبا، وهناك من اضطر لعزف وإنشادأنواع موسيقية رديئة لا علاقة لها بالفن الرفيع ، من أجل الحصول على لقمة العيش الأسود،وهناك من ترك الموضوع وما فيه.. والباحث الحائر ماذا يفعل؟.. فلا ناشر يشجع ولا وزارة معنية تساعد، ولا ملتقيات تحفزولا ولا ولا... ومع ذلك نؤكد على أن فن الملحون شعر وإنشاد ولحن.. هو باق على الدوام رغم هذه المعانات المفروضة، لأنه لم يأت من فراغ ولم ينبني من على لحظة عابرة، بل أسسه المؤسسون بوعي فني إبداعي في بداياته الجماعية ثم في مرحلة التعرف على المبدع الفرد من عبد الله بن حساين إلى الجيلالي ا لمتيرد، ومن محمد بن سليمان إلى شعرائنا ومنشدينا المعاصرين ..فلهذا الفن ضوابط وتقاليد فنية، وقدم نفسه في مجال الشعر كإبداع قائم الذات، واستفادت منه العديد من الفنون والأجناس خصوصا في مجال المسرح الذي وظف فن الحراز ، والخصمات، والحكايات والقصص.. وحتى السينما لو بحث المخرجون على الباحثين لمدوهم بأجمل الحكايات من شعر الملحون، وكذلك الملحنون المعاصرون لم يستفيدوا من عطاءات فن الملحون،شعرا وإنشادا ولحنا،وهو معدن الشعر الرفيع والسرابة المنسابة، وحتى الأغنية الخفيفة، وهناك من شعراء الملحون من لهم قدرة قائقة على إبداع نصوص لفائدة الأغنية العصرية ، ولنا النموذج الأمثل في الأغنية الخليجية التي حققت النجاح الباهر وهي توظف الشعر النبطي وكذلك اللهجي بقديمه وحديثه، ثم أن أهل الجزائر قد استفادوا في مجال الأغنية من شعر الملحون المغربي.

فهذا نداء إلى المسؤولين في وزارة الثقافة ، وإلى العاملين بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وإلى كل الغيورين على ثقافة وطنهم ومنها فن الملحون، أن يعيدوا الأمل لهذا الفن العريق والمشتغلين به، فهل نعتبر سنة2004 سحابة صيف فقط؟ أو ستنتظرنا سنوات عجاف، فلنتسلح بالأمل وننتظر، فقد قلت قولي… والسلام على من فهم........







محمد الراشق

زجال باحث في التراث
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28/03/2011, 21h27
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي الفضاء في شعر الملحون

مولاي الحسن البويحياوي الإدريسي

توطئة :
أصبح مصطلح الفضاء يحتل حيزا واسعا في الدراسات والأبحاث النقدية المعاصرة حيث غدت هذه الدراسات تنصب على تحليل أبعاده ودلالاته وتكشف عن تقاطباته وعلاقاته وتعيد تجميعه بعد توزيعه وفق تقنيات خاصة. ويتميز الفضاء بهذه العناصر نظرا لخصوصية استعماله وتقنية توظيفه داخل العمل الأدبي اعتمادا على العنصر اللغوي الأداة الحيوية التي تنقل المكان المرجعي إلى علامات لغوية تطفح بشتى الدلالات والمشاعر والتصورات، علامات تعبر عن العلاقات الفضائية (المكان الفني) والحقائق الفضائية (المكان المرجعي) حيث تستخدم الأولى بوصفها رموزا واستعارات للثانية بركوب الانزياحات والاستعارات والتصوير... وإضفاء سمات الفضاء على الأشياء Spatialisé وبالتالي تتحقق "أفعال المعنى" على حد تعبير جيرار جينت(). بفعل هذا الاشتغال اللغوي صار المكان جمالية داخل نظرية الأدب ومحورا أساسيا مثل جمالية التلقي، التناص، ظاهرة الجسد... وليس الفضاء حكرا على الثقافة العالمة كالشعر الفصيح (قديما مع ابن جابر الغساني§ وابن عبدون© ... وحديثا مع عبد السلام الزيتون وعلال الحجام وبنسالم الدمناتي) والمقامة (مع محمد غريط المتوفى 1945م في المقامة المكناسية) والرواية (مع حميد لحميداني وميلودي شغموم ومحمد أمنصور) والقصة (عبد النبي كوارة) والمقالة وغيرها من الأجناس النثرية الأخرى ... وإنما ينسحب على الثقافة الشعبية بما تتوفر عليه من أجناس إبداعية منها شعر الملحون، ومن هنا ينبني اختيارنا لنظرية الفضاء أو جمالية المكان ومحاولة تطبيقها في شعر الملحون ومعالجته انطلاقا من زاوية خاصة هي زاوية التصنيف، حيث يستطيع القارئ تجميع الأمكنة الموزعة داخل نص ما ويعيد تصنيفها حسب مجالات وانتماءات نوعية خاصة، وسنحاول في هذا المقال مقاربة أنواع الأمكنة في الفضاء المكناسي من خلال قصيدتين في شعر الملحون هما المكناسيتان للشاعرين عبد العزيز العبدلاوي ومحمد لعناية
مكناس في شعر الملحون عامة :
تفاعل شعر الملحون مع الفضاء المكناسي وحاول مقاربته من جميع جوانبه وأنتج الشعراء في ذلك لوحات فنية غنية بمعطياتها الجمالية وأبعادها الاستعارية وتتكامل لها الأدوات التعبيرية التي تشف عن عبقرية وأصالة، فقد " انعكست جمالية الحضارة على شعر الملحون الذي تربى في أحضانها ورفدته بمقومات الوجود، فتنافس الشعراء في وصف معالمها، وتسابقوا إلى الإشادة بتاريخها الحافل والرافل في حلل قشيبة من المجد والتفوق"().
والمتأمل في هذا الشعر يلمس من حيث الانتشار الكاليغرافي (الخطي) أنه ينقسم إلى قسمين:
- فهناك بعض القصائد التي ورد فيها ذكر مكناسة عرضا كما هو الأمر في مرسول الجيلالي متيرد، وقصائد الذكر العيساوي خاصة عند الغرابلي والحاج ادريس بن علي السيناني الحنش، والمسفيوي...
- وهناك قصائد تستقل بموضوع مكناس وتروم الخوض فيه منفردا، حيث الفضاء المكناسي يهجس ذاكرة القصيدة ويغدو شغلها الشاغل، كما هو الشأن في قصائد سيدي سعيد المنداسي، وجمهور الأولياء لسيدي قدور العلمي، وجمهور الأولياء لبنعيسى الحداد، والخاتم لحمود بن إدريس، ومكناسيتي العبدلاوي ولعناية.
- ومن أمثلة النوع الأول نذكر نموذجا للجيلالي متيرد. ففي قصيدته "الورشان"() نراه يوجه خطابه لهذا المرسول الطائر الذي بعثه من مراكش إلى مدينة فاس قائلا:
واسبح وقطع "بهت" لحبيب واطلع "عقبة لبقر" بجواهر ؤعقياني
"عين عرمة" لعزيبها عزك واعلاه
ؤ"دار أم السلطان" دوزها وتبشر بالفرح والسرور ؤسلواني
يظهر لك " مكناس" لفريج مظنونك فيه وفاه
دوز للضراغم " سيدي سعيد" والماجد "بنعيسى" اقطاب سرا وعلاني
وادخل من "باب الجديد" راه قلب الزاير احياه
اصدر على الأوليا وطوف واسعى بحضور جوارحك واللب الهاني
بهم تسعى رب لورى وغيرو لاتستعطاه ()
فالنص كما يتضح يقدم جردا لبعض المواقع الجغرافية (وادي بهت، عقبة لبقر، عين عرمة، دار أم السلطان) وجردا لبعض الأعلام المقدسة (سيدي سعيد، بنعيسى الشيخ الكامل) مما يدل على أن الشاعر وإن كان مراكشيا فهو على بينة وإطلاع بالمكونات التي يتألف منها النسيج العمراني لمكناس.
ومن أمثلة النوع الثاني نذكر قصيدة أبي عثمان سعيد بن عبد الله المنداسي التلمساني التي يمدح فيها مكناس على عهد السلطان المولى اسماعيل مشيدا بالمدينة التي أحدثها السلطان المذكور بالقرب من مكناسة القديمة وهي مدينة "وجه عروس"، ومثنيا على بستان المشتهى"() ومفتخرا بطيب هوائها وعذوبة مائها. يقول المنداسي:
خليني فغربنا من كل عروس *** "وجه عروس" زكى لعرايس واشهاها
واتركني مما شتهات كل نفوس *** العين من "المشتهى" الحسن دعاها
تحساب الراحه على مكناس حبوس *** ما ينزل ضيق لحواضر مغناها
حكمتها ف كوثر ماها وهواها ().
ومما لاشك فيه أن قصيدة العبدلاوي وقصيدة محمد لعناية في مدينة مكناس تجسدان النموذج الحقيقي للقصائد المكناسية لأنهما نابعتان من وعي ناضج للشاعرين بخصوبة المكان وخصوصيته وتمثلان مجالا للمنافسة والقدرة على احتواء المكان وبلورته للملتقى في صورة إبداعية وهذا ما يروم الفصل الثاني مقاربته والاشتغال عليه..
*/ نوعية الأمكنة في المكناسيتين :
يشتغل المكان – بوصفه فضاء – بصور متعددة في نطاق مكناسيتي العبدلاوي ولعناية. إذ لكل منهما منظوره الخاص اتجاه فضاءات مكناس، حيث أن المرجعية المكانية تؤول إلى أصول طبيعية وعمرانية، ذات أبعاد ثقافية ونفسية وسوسيولوجية وانطروبولوجية، وبالتالي يمكن قراءتها ومن ثمة تأويلها من عدة وجوه. فالقصيدتان معا رحلة طويلة في الأمكنة وتأمل فاحص لتقسيمها وظلالها وإيحاءاتها وهكذا نجد الفضاء المفتوح والمغلق، الفسيح والضيق، الأخروي والدنيوي، السماوي والأرضي، كما نجد أمكنة مقدسة وأخرى جغرافية، وثالثة سياسية سلطوية ... فمن خلال هذه الفضاءات يتغنى الشاعر بمكناس ويحتفلان بهما بطريقة إبداعية.
تتسم الأمكنة بديناميتها، لأنها تتميز بالتنوع، فهي ليست أحادية الجانب بقدر ما هي متعددة ومركبة ومتفرعة إلى مجالات يمكن مقاربتها كما يلي :
1.الفضاء الطبيعي
سمي بالطبيعي لأن الإنسان لم يتدخل في تشكيله بالبناء والتعمير، وإنما بقي على حاله كما خلقه الله تعالى. وغالبا ما يمثل الفضاء الطبيعي الإطار الخارجي المحيط بالمدينة أوأشرطة خضراء تفصل بين المدينة القديمة والمدينة الحديثة. والجدير بالذكر أن هذا الفضاء يشمل الماء والتراب والنبات والحيوانات؛ وعلى هدا الأساس تكثر فيه أسماء الأودية وأسماء الطيور وبعض الأشكال التضاريسية.
لقد راهن الشاعر على عنصر الهواء والماء والبطائح الخضراء التي تزيد المجال فتنة وسحرا، كقول مولاي عبد العبدلاوي :
الهوا والما وبطايح اخضارك
وأشجار كعرايس ترقص بنسايم الهوى وتود بخيرات
من در نفيس معادن ترابك
بالكنز والذخاير والفلاحه مع لكسيبة نايل صولات
وحدايق من نوار مبهى لك
وجبال عاليه زهوة للنظرة، جمالها بسهول ؤربوات
ففي هذا الشاهد نلمس طموح الشاعر إلى إبراز العناصر الاستطيقية التي تخص الفضاء المكناسي باعتباره مكانا نفيسا، يتسم بطابع الفرادة والخصوصية، فمكناسة باعتبارها مجالا جغرافيا منحها الله تربة كريمة تختزن نفيس المعادن، تنبت مختلف أنواع الأشجار وتجود بأطيب المحاصيل والثمار، وتنعم بهواء صحي وماء سلسبيل، وتحيط بها الجبال والسهول والربوات من كل جانب. وعن هذا الاعتزاز بجمالية المكان وخصوبته يحدثنا الشاعر محمد لعناية بقوله مخاطبا المتلقي :
أجـي يا من لا زار بهجة مكناس، أجي تشوف زيد تمتع لبصار
ف حقايل وصفوف د الشجــــــــــر ـومياه دافقة يمينه ويسارو
متع عينيك فالسياج اللول باشجار باسقة وربيع ؤنوار
ف الحرجات() تمتع النظر بانواع مصنفه، زرابي يذكارو
ؤصحح نظرك فالسياج الثاني بعيون نابعه وعراصي واشجار
وجنانات تهيج لفكر بتفاكه ناعمة، اختلاف اشجارو
فالهاجس الذي يشغل النص يتمثل في المتعة المتحققة في غنى وثراء الفضاء الأخضر الذي ترتاح له العين وتنبسط له النفس. إنه استجلاء تصويري لمنظر طبيعي فاتن وموضب يضم ما هو نباتي (حقايل – الشجر – ربيع – نوار – الحرجات – عراصي – جنانا) وما هو مائي (مياه – عيون). والعلاقة بين الطرفين علاقة علية الماء فيها سبب وجود النبات.
وبعد هذا المدخل الذي ينحو فيه الشاعران منحى العموم ينتقلان بنا إلى تخصيص هذه الأمكنة وتحديدها، فبطريقة أو نوماستيكية() يرصد الشاعر أن أسماء البساتين والحقول والمزارع والعيون والأودية المحيطة بمدينة مكناس. حيث نجد مولاي عبد العزيز يقول :
وبساتن فيها ما على بالك
في تاوره مع ورزيغة شلا يصيف واصف دهري بنعات
وبني موسى بالزين ف قبالك
وكذلك عين حربل()، الراديا()، وزيد بويسحاق() ف لعنات
تانوت()، وباب كبيش() فشمالك
وزيد عين معزه، راحمرية مبهجة بتحاف الحرجات
فأسماء الأماكن تسيطر بشكل مطلق على النسيج المعجمي للنص. الأمر الذي فرض على الشاعر أن يكثر من واو العطف التي تعمل على تناسل الجمل، إذ في كل بيت تبرز أماكن جديدة لها أهميتها ودلالتها في ذاكرة المتلقي المكناسي أنها تحيل وظيفيا على مجالات المتعة والتسلية أيام النزه والتملي بجمال الطبيعة في فصل الربيع بينما الجيل الجديد يرى في سرد هذه الأمكنة نفسا توثيقا يسجل لزمن الأمكنة الذهبي. والأمر نفسه ينهجه الشاعر لعناية في تعامله مع أسماء البساتين والوديان حيث يقول :
ها بو يسحاق، هاعيون الحربل، هاواد لعويجة بقعة لخضار
هابو فكران سقاه ينهمر عين المعزة حداه تبعت أثارو
هاكيتان، هااليازيدية، هاقلب تاورة فيها ما يذكر
ببساتن مبنية على النمر حاطت بها اشجار زهو لنظارو
وبني موسى مجاورة ورزيغة، ولي دوزات من نزايه شلا يذكر
لبقا لدايم لكبر ولي غر سوه جدود، باقي أثارو
فهو يستعرض هذه الأمكنة بصورة مكثفة تتأرجخ بين المجاري المائية (بويسحاق – عيون الحربل – واد لعويجة – بوفكران – عين المعزه ) والبساتين والحقول التي كانت فضاء للتنزه (كيتان – اليازيديا – تاوره – بني موسى - ورزيغة ...).
ولعناية في استعراضه يتوقف ليعطي لبعض الأمكنة نوعا من الشرح والإضاءة حتى يوقف جريان الوصف السريع ومن ثمة نجد "لعويجة بقعة لخضار"، "بوفكران سقاه ينهمر"، و"تاورة فيها ما يذكر" ... فجمالية الفضاء تكتسب قيمتها من اللون (اللون الأخضر)، وتنوع المنظر البصري (بساتن - أشجار – أرض – أنهار – عيون)، الوظيفة (النزهة والتفسح)، والتاريخ (ما غرسه الأجداد لازال على حاله).

2.الفضاء السلطاني
ونقصد به الفضاء الذي كانت تصدر منه القرارات السياسية، سيما وأن مكناس كانت عاصمة للدولة العلوية انطلاقا من عهد السلطان المولى اسماعيل، وكانت قصورها الملكية مكانا لاستقبال السفراء الأجانب، ومنها كانت تنطلق الحركات للقضاء على التحرشات القبلية... إضافة إلى أنها توفرت على جميع المرافق الضرورية كالمسجد والمكتبة ودور الوضوء وقاعة استقبال السفراء (قاعة الخياطين)، والسجن (حبس قارة)، والأبواب (باب الرايس)، والأبراج (برج ابن القاري)، والقصور لإيواء الحريم والعائلة الملكية (الدار الكبيرة – قصر المحنشة...) والمشور، ورباط الخيل، وهري خزن الحبوب، والحدائق الملكية (البحراوية – الأترنجية)
وبطبيعة الحال فإن القصيدتين لاتستعرضان هذه التفاصيل وإنما تشير إليها على وجه الإجمال كقول لعناية :
ها دار الملك باقية بالهيبة بقصور عالية ومنازه وديار
والعسا في باب لقصر من داز وشافهم هيبة فسيارو
وقول العبدلاوي متحدثا عن هذا الفضاء وما يحدثه من هيبة ورعب في نفس الزائر لفخامة بنيابه وعلو ارتفاعه :
وتيقظ وزيد حضر اذهانك
وشوف هيبة لقصر ؤتشيادو ؤصولتو فرسانو تنعات
فالأمر هنا يتعلق بالتلقي / الزائر، إذ عليه، لكي يفهم هذا الفضاء أن يكون متيقظا حاضر البديهة، مدققا للنظر، وإلا فإن الدهشة تفوت عليه فرصة الفهم والاستيعاب.
3.الفضاء المقدس
يشمل الفضاء المقدس الأمكنة التي تحاط بالخشوع والتقدير من طرف الشرائح الاجتماعية، وتشكل مجالا لممارسة العبادة والطقوس والشعائر، كالمساجد والأضرحة والزوايا والمزارات المقدسة، ومن المتعارف عليه أن مدينة مكناس تعج بأوليائها (سيدي عبد الله الجزار – سيدي قدور العلمي – الشيخ الكامل...) وبمساجدها (المسجد الأعظم – مسجد النجارين – مسجد الروى...) وزواياها (الناصرية – الدرقاوية – التيجانية...)
ويتنوع المقدس في المكناسيتين ليشمل المقدس العمراني الديني المتمثل في المساجد والمآذن، كقوله لعناية :
" والصماعي كتبان تخبر باثروا "
وقوله :
" وزيد شوف باب المنصور وساحة الهديم وجامع لنوار"()
وقوله عن المسجد الأعظم :
وشوف ذيك الصابا مولات ساريا والجامع لكبير كيصول مخلد آثار
بتلامذ وعلوم مشتهر والعلما من كل أرض زاروا منبارو
ويتنوع أيضا المقدس الصلاحي الولائي الذي يضم أضرحة الأولياء. كقول العبدلاوي متحدثا عن الولي الصالح شاعر الملحون سيدي قدور العلمي :
وعرف بين راك فارض الأوليا الصالحين ودبات ؤسادات
منهم الفيلسوف من تايك
صوفي أديب، شاعر، والي، معروف ما خفى علمي ينعات
ويخصص محمد لعناية للاولياء حيزا أكبر، فيحفز متلقيه على زيارتهم والتماس البركة منهم:
ؤ زور دوك الصلاح لي مضاوا حسنوا بفعالهم كانوا للمجد انصار
ثم يشير إلى الأولياء المشهورين بمكناس كسيدي قدور العلمي
وزور الليث الشامخ لقدر العلمي ما اخفى مورخ ف اشعارو
وكمولاي عبد الله بن أحمد الشهير بالمكاوي، والهادي بنعيسى :
وفباب الثلث فحول، قابل الردايا وزيد لضريح تجدد لمزار
د المكاوي ليث لحضر الهادي عيسى حداه يكرم من زارو
ويجسد المقدس السياسي النوع الثالث، ويتمثل في ضريح السلطان مولاي اسماعيل، هذه الشخصية السلطوية التي جمعت في تصور الرأي العام بين السياسة والولاية، وقد أشار إلى هذا الضريح العبدلاوي قائلا :
اخضع وتواضع زيد تتبارك
سلطان غربنا مولاي اسماعيل ابن علي، وادعي بالرحمات
وأشاد بضريحه لعناية بقوله :
وزيد تشوف ضريح السلطان لي بناه، خلا مجدو أثار
بالشهامة والعز يفخر **** سبحان لي نشاه، عزو، واختارو
فالتجربة الشعرية تروم احتواء الفضاء بالمقدس لما له من حضور أكيد في الحياة الاجتماعية، ولأنه يعيش في ذهن الجماهير الشعبية ويحظى بالتجلي ويحاط بالخشوع والاحترام.
4.الفضاء الثقافي الإستيطيقي :
يتكون الفضاء الثقافي والاستيطيقي عند محمد لعناية من العناصر التالية :
-المسجد الأعظم : الذي يحمل وظيفة مزدوجة : القداسة / الثقافة. فبالإضافة إلى أنه مجال لممارسة العبادة فإنه كذلك مجال لممارسة التعليم، وهو في حقيقة الأمر الجامعة العلمية لمكناس التي حجت إليها الوفود من كل حدب وصوب للاستفادة من شيوخها، ولهذا فقد قرنه لعناية بالنشاط الثقافي حيث قال :
بتلامذ وعلوم مشتهر والعلما من كل أرض زاروا منبارو
-متحف رياض الجامعي : يستوعب هذا المتحف التحف النفسية التي تعود إلى أصول قديمة وتعبر عن الجماليات العربية والإسلامية. كما يضاف إلى هذا المتحف باب المنصور العلج الذي ينتصب في شموخ في ساحة الهديم بزخارفه ومنمنماته. وكذا السقايات المكناسية المؤثثة لفضاء المدينة وتجاور الأضرحة والمساجد وتعلوها النقوش والزخارف كسقاية سبع لويات وسقاية الهديم وسقاية التوتة:
وزيد شوف باب المنصور وساحة لهديم وجامع لنوار
والسقاقي بمياه تنهمر ورياض الجامعي متحف بثارو
• روى مزيل: كان هذا الفضاء يضم الروى الذي يحتفظ بالهدايا التي كان يتوصل بها السلطان مولاي اسماعيل من قبل الملوك والشخصيات المرموقة، وكان هذا الروى بالحي المعروف الآن بروامزين، وينسب إلى القيم على هذا الروى محمد مزيل الفاسي.
شارع روى مزيل لي بناه ماهر ولبيب، وحسبو الثالث مع سبع اسوار
سور على سور يفخر ولا لاعودا الجيش خيم فاسوارو
- الفضاء الجماهيري:
وهو الفضاء الذي يؤمه الناس يستخدمونه بكثرة كالشوارع والمنتزهات والساحات العمومية ...... وقد استهدفت القصيدتان هذا الفضاء واخترقتاه شعريا، إلا أنهما ركزتا على بعض المعالم فقط ولم تقدما مسحا لكل الفضاءات الجماهيرية.
الشوارع: يركز العبدلاوي على شارع دار السمن وروى مزيل
"دار السمن اللوصال"،
و"روى مولاي الزين سلسالو".
بينما يركز لعناية على حمرية المدينة الجديدة
"ورفع عينيك ها علو حمرية تنبا ملكوها لحرار"
الحدائق العمومية: ذكر منها لعناية حديقة الحبول الشهيرة:
وادخل على الحبول تشوف ساحتو البهيجة باشجار باسقة ومحصن باسوار بالشليات، ؤورد، والزهر وريام العز فكل يوم تعزم لمزاور
الساحات العمومية: استأثرت ساحة الهديم باهتمام الشاعرين أكثر من غيرها لما لهذه الساحة من مكانة في نفوس المكناسيين خاصة والمغاربة عامة، لأنها تذكرهم بانتفاضاتهم المجيدة ضد الاحتلال الفرنسي في معركة ماء بوفكران الشهيرة.
يقول محمد لعناية:
" وزيد شوف باب المنصور وساحة لهديم وجامع لنوار"
ويقول العبدلاوي موسطا ساحة لهديم في ملفوظ يعكس توسطها الموقعي:
دار السمن اللوصال ساحة لهديم كمال فيها باب المنصور بكمالو
6- الفضاء الدفاعي:
يعد الفضاء الدفاعي ملمحا بارزا في النسيج العمراني للعاصمة الإسماعيلية، ويشمل الأسوار، الأبواب، الحصون، القلاع، الأبراج، القصبات... من ذلك باب البرادعيين، باب الخميس، باب كبيش، برج الشافية، برج الماء، برج دردورة، برج مولاي عمر، البرج المشقوق، قصبة جناح الأمان، قصبة تيزمي، قصبة سيدس سعيد،....
وقد شكل هذا الفضاء هاجسا لذاكرة القصيدتين حيث عمل الشاعران على تقدسمنه في صورة تشع بالعظمة والشموخ، وفي هذا الشأن يقول لعناية عن الأبراج:
وانظر للسياج الثالث ببروج عاليا وشرارف واسوار
وطباق العسا على النمر للي جا يخون تمحي آثارو
ويقول عن الأبواب بصفة عامة:
" وشوف فوسط لبلاد بعينيك ابواب عالية ومنازل وديار"
ويقول عن باب البرادعيين:
"وفباب البرادعيين شوف ذاك المنظر "
ويقول عن باب الحجر :
" ها راس آغيل وباب لحجر"
ويقول عن الأسوار :
" سور على سور يفخر "
ويحظى باب المنصور بعناية فائقة من قبل العبدلاوي فيبرز جمالية نقوشه وتاريخ تجديده كما تحيل على ذلك كلمة "دمشق" (1144هـ)
دار السمن اللوصال ساحة لهديم كمال فيها باب المنصور بكمالو
بحسن النظر وجمال ينبا لك
رسام راسمو فلاسفي، دهري، البيب، ذوقي ، ماهر ينعات
وكتب تاريخ عليه يعطى لك
يا فاهم اللغا "دمشق" فابجد ما خفى لدهاة القراة
ألف وميا ونزيد يا سالك
نهج لحساب ربعين مع الربعة باش تم عدادو فنعات
وبصفة عامة فإن التجربة تنشد في مقاربتها للمكان استجلاء المظاهر الجغرافية. يقول مولاي عبد العزيز :
" بطايح خضارك"،
"وجبال عالية زهوة للنظرة جمالها بسهول ؤربوات"،
"مكناس وطا وجبال"،
ويقول لعناية :
" اجعل مكناس فوق بطحا خضرا بجبال عالية وبادي وقرار"،
وتنشد استجلاء العطاء النباتي كقول لعناية :
" فحقايل وصفوف د الشجر "
وقول العبدلاوي :
" وحدايق من نوار مبهى لك "،
واستجلاء الشكبة الهيدروغرافية (نهر بويسحاق، لعويجة، عين معزة...)، وكذا المكونات العمرانية (أبراج – أسوار – مساجد، سقايات – أبواب – ساحات...)
تلك كانت أهم الأمكنة في الفضاء المكناسي التي حملتها تجربتا العبدلاوي ولعناية، أمكنة شكلت جمال مكناس وجعلتها عروسا وصنعت إرثها الحضاري المتنوع، امكنة نمر بها يوميا مرور اللامبالاة كأننا غرباء عنها وهي التي قال عنها العبدلاوي :
"بهجة مكناس وقول بلسانك"
اللي ما شافها نحكيه غريب في حياتو مالو جولات
فهلا تحركت الأيدي المسؤولة بالعناية بهذه التراث الخالد لإنقاذه من الضياع./.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28/03/2011, 21h30
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي قصيدة الملحون وتأثيرها على الفنون الموسيقية المجاورة

قصيدة الملحون وتأثيرها على الفنون الموسيقية المجاورة


إنجازالطالبة الباحثة عزيزة البغدادي

مدخل: من نشأة الزجل إلى قصيدة الملحون.

لقد تعرض شعرنا العربي إلى أنواع من الهزات التجديدية التي نأت به عما عرفه الذوق العربي القديم، إن على مستوى الأغراض، أو على مستوى الإيقاع. ولا يسمح المقام بتفصيل المراحل التي مر منها ولكننا سنحاول فقط فرش أرضية نمهد بها إلى نشأة قصيدة الملحون. انطلاقا من عهد المرابطين والموحدين (462 – 541 – 613 هـ) هذا العهد الذي عرف نهضة موسيقية عظيمة، لمعت في سمائها أسماء ذاع صيتها في الآفاق، ولعل اسم "ابن باجة" مثبت في أعلى قائمتها. إذ أفضت جهوده في هذا المجال خاصة، "إلى خلق أجواء فنية حافلة بصنوف الإبداع، إن على مستوى النظم أو التلحين أو الغناء".

وتلبية لحاجات القوالب الموسيقية الجديدة المبتدعة، حاول الشعراء استحداث فن شعري يتناسب وهذا التجديد، فاخترعوا الموشحات بأوزان "أحفل بالغناء والتلحين، الذي كان ضروريا عند أهل الأندلس، من أوزان الشعر" فطوروها ونمقوها بدليل ما ذهب إليه ابن خلدون في سياق حديثه عن نشأة الموشحات حين قال: "وأما أهل الأندلس، فلما كثر الشعر في قطرهم، وتهذبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنميق فيه الغاية، استحدث المتأخرون منهم فنا أسموه بالموشح، ينظمونه أسماطا أسماطا وأغصانا أغصانا ...".

ولم يكن الوشاح، حينذاك، يحترم غير الإيقاع بوجهيه؛ الموسيقي الأندلسي الذي يفرض عليه اختيار البحر الشعري الذي سيملأ اللحن ويلائمه، وكذا العروضي المنسجم مع وضع اللحن وإيقاعه.

وبعد الموشحات شاعت الأزجال في الأندلس باللغة المحلية، ويصف ابن خلدون هذا الانتقال من الموشحات إلى الأزجال قائلا: "ولما شاع فن التوشيح في الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعرابا، واستحدثوا فنا سموه بالزجل، والتزم النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد"، "فاتخذه عدد جم من أهل الفن وسيلة للتعبير عن مشاعرهم ...، ووجد فيه كثير من الناس صورة حية لنفوسهم وللمجتمع الذي يحيط بهم، ... فبلغوا فيه الغاية، وأتقنوه إتقانا، وبثوا فيه حياة، وطوعوه لشتى الأغراض تطويعا".

وقد ظهر تأثر هذا الفن بالشعر المعرب ظهورا وجليا، إن من حيث شكله الخارجي، أو من حيث أخيلته، أو من حيث لغته، "فلم يكن شعرا شعبيا بالمعنى الدقيق لكلمة شعبي، لأنه كان من إنتاج طبقة على حظ غير قليل من الثقافة العربية القديمة، .... وكذلك الأمر فيما يتصل بلغته، فإنها لم تكن لغة عامية خالصة، بل كانت تزاحمها أحيانا لغة الكتابة، ولذلك كانت مفهومة أو شبه مفهومة".

ولما كانت السيادة والنفوذ المرابطيان تطالان كلا من المغرب والأندلس، كان انتقال الزجل إلى المغرب نتيجة طبيعية لتثاقف أهل العدوتين، خاصة بعد زوال الحواجز الجغرافية والسياسية والاقتصادية ، وهو ما شكل الإرهاصات الأولى لنشأة قصيدة الملحون..

I ـ قصيدة الملحون كلون من ألوان التراث الأدبي الشعبي

ـ مدخل: أ ـ التراث الشعبـي

ب ـ التراث الأدبي الشعبي: الملحون.

والملحون فن ستبوأ أولى مراتب الإبداع التراثي الأدبي الشعبي وأعلاها، ولا ضير في أن نتحدث قليلا عن التراث الأدبي الشعبي قبل نسبة فن الملحون إليه.

إن التراث الأدبي الشعبي، تراث "ينبعث من أعمال أجيال عديدة من البشرية، من ضرورات حياتها وعلاقاتها، من أفراحها وأحزانها" ، فهو يهتم بالذات فيعتني بها ويغوص إلى عمق ما هو حميمي فيها، وخاصة فيما يربط الإنسان بكينونته الممتدة في جذور الزمن، وليس المورقة في أغصان التاريخ فقط، أي في ما يدخل في نسيج النفسية الجماعية بكل تقاطعاتها الداخلية والخارجية، لأن التراث الأدبي الشعبي ما هو إلا ترجمة للروح الجماعية، إنه الحامل الأمثل والرافد الأقرب لتمثلات الجماعة وفلسفتها، ونظرتها للوجود بوجهيه الحسي والغيبـي.

والتراث الأدبي الشعبي المغربي ضروب وأنواع متعددة، يتبوأ الملحون فيها ـ كما سبق الذكر ـ أولى مراتب الإبداع، فهو "ديوان المغاربة وسجل حضارتهم، وهو ذو قيمة مزدوجة، فنية وجمالية، ثم ثقافية وحضارية".

وهو كذلك لأنه واكب الأمة المغربية، فعبر عن كل عواطفها، ووصف كل مظاهر حياتها.

1 ـ قصيدة الملحون:

وتشير المصادر إلى أن أول بواكير فن الملحون قد ظهرت في العهد الموحدي، أي في القرن السابع للهجرة، إذ تطورت عن قصيدة الزجل في إطار الانعتاق والتحرر من بحور الخليل وكذا من صرامة اللغة المعربة.

"فالملحون، إذن، كلمة أطلقت على القصية الزجلية بالمغرب".

ولم تكن هذه القصيدة على جانب من التعقيد، بل كانت بسيطة، إن في أسلوبها الشعري، أو في جانبها الشكلي، إذ لم يكن الزجالون ينظمون في غير "الميت" وبالأخص البحر "المثنى" منه.

ولم يعترف بقصيدة الملحون إلا بعد أن كمل نضجها، وأصبح فنانوها ومنشدوها يأتثون البلاط السلطاني على العهد السعدي، واعتبارا من هذا العهد، أضحت هذه القصيدة ظاهرة أدبية معترفا بها وبقدرة شعرائها الذين طوروا قوالبها الشعرية، ونوعوا الموضوعات التي عالجوها، كما تطور أسلوب الغناء والإيقاع، وتغيرت الآلات الموسيقية.

2 ـ أغراض قصيدة الملحون:

وقد واكبت قصيدة الملحون الأمة المغربية، فعبرت عن كل عواطفها، ووصفت كل مظاهر حياتها الاجتماعية، وخاضت في كل فنون الشعر، ما يجعلني أزعم ـ مع من سبقوني لطرق باب دراستها أنها موازية للشعر العربي الفصيح من حيث هي مواضيع وأغراض، بل تفوقها من حيث هي معان.

ونذكر من بين المواضيع التي اختارها الزجالون أغراض لقصائدهم، موضوع التوسل وهو موضوع يشمل قصائد الندم والتوبة، وقصائد التضرع والاستغفار، وقصائد التسبيح والحمد ... وتصطبغ مضامينه بالكثير من المناجاة الروحية العالية المطبوعة بخالص الصدق والإشراقات الروحانية التي تخترق الحدود وتحلق عالية فوق الوجود.

ومن القصائد الرائعة في هذا الغرض؛ قصيدة "التوسل" لسيدي قدور العلمي . يقول في "قسمها" الأول:

يا الواجد بالصرخا عن ضيقت الحال

جل مولانا عن شبه المثال عالـــي

غيثني يتفجى كربي نلوح لهـــوال

خاطري يتهنا قلبي يعود سالـــي

لين يركن من بارتلوا جميع لحيــال

عاد منزل ديوانو بلكدار مالـــي

ادخيلك يا سيدي بالأنبياء والارسال

ادخيلك يا سيدي بجاه كل والــي

ادخيلك بالسدات الصالحين لفضـال

ولقطاب ولجراس وساير البدالـــي


وجعل شاعر الملحون من الوصايا والحكم والمواعظ أساسا لشعره وغرضا من أغراضه، قصد ترسيخ القيم المثلى وتجنب الوقوع في مخالب الدنيا وشهواتها، فكانت بذلك "الوصيات" أو الوصايات"قصائد أنشدت في هذا الغرض، انطلقا من فكرة ".... ضرورة إعادة بناء الإنسان وصقل شخصيته وتنمية مواهبه وقدراته واستعداداته، وتطوير فكره وذهنه وتحريره من رواسب الماضي وشوائب الحضارة الغربية ... في سبيل الحفاظ على شخصيته، وكيان وطنه، والسعي الجاد لتحصيل أكبر قدر ممكن من العلم والثقافة مع تأصيل القيم الإنسانية".

ومن أمثلة هذه القصائد "الوصايا الصغيرة" لسيدي محمد بن علي ولد أرزيـن وجاء فيها:

بعض الناس احباب درتهوم نوجدهم عدايا

من عدالى كرهنا حصــــــل

وعييت نهادي فحيهوم ماداروا بهدايــا

كـل مادارونـــا وصــــل

....

إلى أن يقول:

عاشوا في تمثيل واهيات عالوجود سهايا

ما شافـو فيها اللي رحـــــــل

وين اللي كانوا قبلهم وعلى الموت سهايا

ساروا وبقاد الغا نقــــــــل

ومن المواضيع التي أبدع فيها شعراء الملحون، موضوع الغزل، العشاقي
، وما يدور في فلكه من أغراض شبيهة ومماثلة قد تتعدى النسيب، والغرام، إلى الطبيعة والتصوف، ثم الخواطر والخيال الجامح.

ويعد الشيخ التهامي المدغري، شاعر المرأة بامتياز، ومجدد الغزل أي العشاقي. وله قصائد كثيرة منها قصيدة "الكناوي" يقول في حربتها:

ألايم حالي محاوري عنك ما يخفاوا خدي في حالا وخد من نهواها راوي

وجنتها ناري وخالها مولاتي زهوا


ولم يترك شعراء الملحون موضوعا إلا ونظموا فيه قصائد تتعدد معانيها بتعدد عقلياتهم وأفكارهم، وفلسفات حياتهم، ولن يسمح المقام بذكر كل الأغراض الملحونية والتمثيل لها.

3 ـ الخصائص الشكلية والإيقاعية لقصيدة الملحون:

وأما شكل قصيدة الملحون، فلا يبتعد عما ألفناه في موروثنا الأدبي من أنماط شعرية مختلفة الأشكال. وقد ذكر ابن خلدون أن أهل الأمصار بالمغرب استحدثوا فنا على طريقة الموشح ونوعوه أصنافا إلى المزدوج ، والكاري، والملعبة ، والغزل ....

وتنقسم قصيدة الملحون من حيث التنميط الشعري إلى ثلاثة أنماط. أولها المبيت، وهو نمط يقابل القصيدة العمودية في الفصيح، مبدئيا، ولعل لفظ "المبيت" يوحي باشتقاقه من البيت بصيغة مفعول، ويعني الأبيات الشعرية التي تتكون منها القصيدة.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28/03/2011, 21h36
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي الملحون نظرة من الشباب

الملحون نظرة من الشباب





وأنا أكتب لست أعبر عن وجه نظري بل هي رؤية لكثير من الشباب الذين عرفتهم و الذين حاورتهم بشأن الشعر الملحون فهو قاعدة الشعبي لقد قدم لـــنا شعراءنا الكرام من فارق الحياة منهم و منهم من يزال في حفظ الله .لقد وثقتم لنا أدبنا الإنساني وترجمتموه إلينا في أحلى و أبهى حلله.ونحن علينا أن نكمل البناء .باهتمام كل في مجاله وكل من قدرة قلمه بناءا على ميوله شعرا كان أم نثرا أو حديثا يختص بهذا الفن العظيم



الشعبي ربما نحن كشباب اليوم و يقتصر حديثي على من جمعني بهم مجلسا أو تواصلا فقد احتكمت إلا أن المراهقة التي يمر بها أي شخص قد تقتسم بين اهتمامات كثيرة و الموسيقى فقد تأخذ حيزها الأكبر فتدوم بين الموسيقى الغربية و الشرقية وغيرها من أنواع الفنون ولكن عندما ينضج الفرد فيتجه مباشرة إلى الأغاني التي خرجت من الملحون الشعبي .فبات هذا الفن للرشد و النضج وكما يقال الأحسن الذي صدق و ليس الذي سبق . فإن الاختلاف جاري لامحال و العقل و الوجدان يذهبان إلى هذا وذاك



سمير الأشرف ولكن منشأه يكون أبدا عند هذا الفن الأصيل .وممن سألتهم من أبناء جيلي كلهم يحبون هذا الفن ويحملونه محمل الجد . ولكنهم بوصفهم هذا يصبحون كما الذي يحب البحر فكل الناس تحبه وتكتب فيه الشعر والقصائد ولكن قلة قليلة ممن دخلوا أعماقه وتمتعوا بمناظره واستكشفوا أسراره إذن مالذي يجعل الشباب لايستكشفون هذا الفن العريق لأن ليس كل من يحب فقد أحسن حبه وهذا لم يكن من جانب العمد أو التجاهل بل هو من باب قلة قنوات التي تعرفهم ومن نضوب الوسائل التي لاتوصلهم بهذا الأدب الإنساني الذي يعني لكل فرد منا .المهم مما سبقت ذكره أن الكثير من هذا الجيل قد جربوا كل طبوع الفن وقد أوجدوا الرأي بأن الملحون لامساومة عليه وهو صورتنا الحضارية ونكهتنا ولوننا وأكثر من هذا وذاك هو كتابة لتاريخنا ومستقبلنا وإن لم نشارك الجهد في سبيل المحافظة عليه فلا أظن أنه سيأتي من يكتبه أو يشرحه لنا بأي حال من الأحوال

سمير الأشرف
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28/03/2011, 21h49
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي الملحـون والتاريـخ _1_

الملحـون والتاريـخ


محمد أمين العلوي

جاء في كتاب المصادر العربية لتاريخ المغرب للأستاذ المرحوم محمد المنوني، ما نصه: «فإذا كانت المصادر التاريخية الموضوعية إنما تهتم باتجاه محدد، فإن المصادر الأخرى تفتح – أمام الباحثين – آفاقا قد تكون فسيحة في الكشف عن ألوان من التاريخ الحضاري، وأحيانا عن حياة الشعوب»(1).

ومن هذه المصادر: الشعر الملحون، الذي اختزنت ذاكرة «الحفَّاظ» العديد من قصائده وسراباته ورباعياته، تواترت جيلا بعد جيل، اللهم إلا ما ضاع منها بوفاة ناظميها أو منشديها. كما احتفظت كنانيش الملحون بهذا الرصيد الهائل من موروثنا الشعبي الذي شاءت الأقدار أن يُردَّ له الاعتبار، فتُنجَز حوله البحوث والرسائل والأطروحات الجامعية(2)، وتهيَّأ له أسباب النشر بعناية أكاديمية المملكة المغربية(3) أو بمبادرات فردية وغيرها...(4).

والشعر الملحون أو العلم الموهوب، استطاع أن يتعايش مع العلم المكتوب، وأن يجد له مكانا في بعض إن لم نقل جل المضان التاريخية المغربية.

فقد اعتمد المؤرخون المغاربة نصوص الأدب الشعبي، وخصوصا الأزجال، حيث أفادوا منها، واستشهدوا بمتونها، وخصصوا لها حيزا، في مؤلفاتهم(5).

وقد أدرك المؤرخ العلامة محمد المنوني رحمه الله، كنه الشعر الملحون وقيمته الأدبية والتاريخية، فأوجز ذلك في كلمات: «ولعلنا سنجد في هذا النوع من الشعر من دقة الوصف ما لا نطمح أن نجده عند شاعر أو كاتب بالعربية الفصحى»(6).

وبهذا الرأي السديد الموضوعي، تُتجَاوَزُ تلك «العجرفة الفكرية التي وُجدت عند العديد من المؤلفين والكتاب والمفكرين، والتي لم تكن تخلو من روح طبقية... تصنف الناس إلى فئتين: خاصة وعامة، نخبة ودهماء»(7). وإن كان بعض شعراء الملحون، لا ينتمون بالضرورة لفئة العامة، بل ينتمون إلى أوساط النخبة المتأدبة، كالأولياء والسلاطين والأمراء والعلماء والأدباء وبعض المؤرخين(.

فشاعر الملحون ليس مؤرخا بالمفهوم العلمي المتداول، ولكن يسجل الأحداث والوقائع ككاتب حوليات «Chroniqueur» يحذو في غالب الأحيان حذو المؤرخ النعل بالنعل، في رصد الأحداث والوقائع التاريخية، المفرح منها والمحزن، بالإضافة إلى تدوين الكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية وغيرها... بتلقائية وبأسلوب زجلي مواز ومواكب للنص التاريخي تارة أو مكمل له تارة أخرى، بدقة وإسهاب في الوصف. يقف عند أدق التفاصيل والجزئيات التي قد يغفل عنها أو لا يتطرق لها – أحيانا - المؤرخ، حيث يقتصر هذا الأخير على التركيز والاختصار.

فإلى أي حد يجوز القول إن قصيدة الملحون تضطلع بدور المساعد والمكمل للوثائق والمراسلات المخزنية وآداب المناقب والنوازل والرحلات والمسكوكات والنقيشات واللقى الأثرية؟.... لتصبح هي الأخرى - أي قصيدة الملحون – مصدرا للكتابة التاريخية ورافدا من روافدها «التي لا ينبغي إهمالها بالمرة، مادامت طبيعة البحث التاريخي أن لا يهمل المؤرخ أو يزدري أيا من المصادر»(9).

وهل يا ترى ستسعفنا الأزجال الشعبية لنحقق ثنائية الملحون / التاريخ، ونظفر بتبيان التوازي والتكامل بينهما؟

رصد المنجزات المعمارية

شهد ضريح سيدي امحمد بن عيسى(10) بمكناس تجديد قبته بأمر من السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام (1822 – 1859). وقد ذكر المؤرخ ابن زيدان بعضا من آثار هذا السلطان فقال: «... فمن ذلك تجديد قبة ضريح الشيخ الكامل، أبي عبد الله امحمد بن عيسى، وذلك عام ثمانية وأربعين ومائتين وألف»(11).

وهذا الشيخ الطالب الصديق الصويري(12) يُوردُ وصف عملية الترميم والإصلاح في قصيدته العيساوية التي لازمتها / حربتها:

بَارْكُـوا لْعيسَاوَة فكُلْ بْلادْ هَاذْ القبَّة المَبْهَاجَـة
اعْلَى المخَنْتَرْ مَوْلَى مَكْنَــــــاسْ
احْكَاوْ لِي اخْبَارْ القُبَّة اللِّي اعْلاتْ وفَاتَتْ رَهْوَاجَة
اخْبَـارْهَا شانْعْ افْكُلْ اجْنَـــــاسْ
ابْأَمْرْ اهْمَـامْ الوَقْتْ اللَّه نَاصْرُو يَضْفَرْ بَالْحَاجَـة
اوْلا يْصَـادَفْ مُلْكُـو بَـــــاسْ
رَاهْ بَنْ هِشَامْ المَنْصُورْ عَظَّـمْ امْقَامُوا اللِّي نَتْرَاجَى
مَا اخْفَاشِي غَوْثْ الرِّيَّـــــاس (...)

وفي نفس الاتجاه والموضوع سار التهامي المدغري(13) عند وصفه لعملية ترميم وإصلاح قبة ضريح المولى إدريس الأكبر بزرهون، بأمر من السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن (1859 – 1873)، حيث يقول في لازمة / حربة قصيدته الإدريسية:

الله يَنْصَرْ سُلطَان غَرْبْنَا سِيدِي مُحَمَّدْ(14) بَانِي القُبَّة المَشْهُـــــورَة
اعْلِيهَا سَرّْ اللَّهْ قُبْتّكْ أمُولاَيْ ادْرِيــــسْ
شُوفْ القبَّة تَسْبِي ابْتَنْويــرْ
لهْمَامْ اصْلَحْهَا رَبِّي يَصْلَحْ شُـورُ (...)
لَهْمُو رَبِّي لَمْصَالَـحْ الخِيـرْ
مَا مَنْ امْقَامْ صَلحُو وَبْنَى لُو سُورُو (...)

وقد أشارت الباحثة الفرنسية A.-R. DE LENS إلى ذلك بقولها: «وفي أواسط القرن التاسع عشر، أمر السلطان مولاي محمد [بن عبد الرحمن] بترميم القبة التي يرقد فيها جثمان المولى إدريس بزرهون...»(15). في حين لم نقف على ذكر هذا الترميم لا في الاستقصا ولا في الإتحاف !

مدونـات الأنســاب

اهتم المؤرخون والنقباء والنَّسَّابَة بتحقيق الأنساب، ورصد أبناء الأسر وتحديد نسبهم، وربط الفروع بالأصول في انتمائهم إن كان لهم انتماء إلى آل البيت، وتدوين فروع الأشراف وتمييز الأصلاء من الدخلاء، مع تتبع أماكن استقرارهم بموطنهم الأصلي وخارجه. ولا نستغرب اليوم، إذا لاحظنا العودة إلى علم الأنساب. يقول أحد المهتمين بهذا العلم: «ومما يقوي عزيمتنا في ضخ دماء جديدة في هذا العلم الأصيل وربط ماضيه بحاضره، هذه الحمى الجديدة التي أصابت مختلف دول المعمور، وتسابُق مختلف الأسَر نحو كتابة تاريخها الخاص، وتسطيره في مشجرات وأشكال هندسية تختلف باختلاف الأدوات المعتمدة اليوم في علم الأنساب الحديث بأمريكا وأوروبا وآسيا»(16).

وقد سار على نهج أصحاب هذا العلم، نسَّابَة شعراء الملحون، الحاج إدريس بن علي الحنش(17) الذي نظم قصائد تعرف بـ «الشجرة» أو «السَّلسلة»، منها:

أ – شجرة / سلسلة الشيخ الكامل، سيدي محمد بن عيسى – سابق الذكر – على نحو ما ورد في مختصر الغزَّال(18)، تقول حربتها وبعض الأبيات منها:

يَا بَنْ عِيسَى يَا وَاضَحْ الأسْرَارْ
جُـودْ اعلِينَا للَّهْ ابْنَظْــــرَة
أمْحَمَّدْ بَنْ عِيسَى بَحْرْ الاَنْـوَارْ
بَـنْ عَامَرْ عَمَّرْ قُومُـو فِي مَـرَّة
ابْنَ عَمَّارْ الْمّعْلُومْ فالاَقْطَــارْ
ابْـنَ عُمَرْ مَنْ بِهْ السّْقَامْ ابْــرَا
ابْنَ حْرِيزْ اللِّي حَازْ مَا يُختَـارْ
ابْنَ مَحْرُوزْ الْمَعْدُودْ فَالْكُبَْــرا
ابْنَ عَبْدْ المُومَنْ شَامْخْ المَقْـدَارْ
ابْنَ سِيدِي عِيسَى كَوكَبْ الحَضْرَة
هُوَ أبُو السِّبَاعْ كَيُدْ كَـــارْ
ابْنَ ابْرَاهِيمْ اهْلالْهُمْ عَشْرَة (...)

ب – شجرة / سلسلة شرفاء وزان أهل دار الضمانة، حيث أفردهم الحاج إدريس الحنش بقصيدة، عدَّدَ فيها ذرية مولاي عبد الله الشريف، على غرار ما جاء في كتاب الروض المنيف(19)، وحربتها:

جِيتْ قَاصْدْكُمْ يَا هْلْ دَار الضّْمَانَة هَارْبْ لَحْمَاكُمْ
ابْجُودْكُمْ قَبْلُونِي للَّـــــــــهْ
ويـنْ مَوْلاَنَا عَبْدْ الله بَنْ ابْرَاهيمْ اهْلالْ اسْنَاكُـمْ
كَفُّـــوا مَمْــدُودْ الْمْــنْ والاَهْ
اخْلِيفْتُو سِيدِي مُحَمَّدْ فَاحْ مَنْ زَهْرُو طِيبْ اشْدَاكُمْ
كَانْ سُنِّي يَخْشَى مَـــــولاهْ (...)
اخْلِيفْتُو التّْهَامِي قُطْبْ لَقْطَابْ مَنْ رَقْرَقْ بِهْ الْوَاكُمْ
نَالْ مَنَالْ مَنْ حَـالْ اصْبَـــاهْ (...)
ابْجَـاهْ مَوْلايْ الطَّيَّبْ طَيَّبْ النّْسَـلْ مّتْعّرّْضْ لَوْفّاكُمْ
مَنْ اخْلَفْ فَالمَرْتَبَـة خَـــــــاهْ
ابْجَاهْ مَوْلايْ أَحْمَدْ وُسِِيدِِي عَلِي الْمَاجَدْ كَنْزْ اغْنَاكُمْ
جَاهُــــو عَالِــي عَنْـــدْ اللهْ
الشِّيخْ سِيدِي الْحَاجْ الْعَرْبِي بَرَكْتُو سَدَاتِي نِرْجَاكُمْ
كَمّْلُـو لَلْمَسْكِينْ امْنَــــــاهْ (...)
عَادْ بَعْدُ سِيدِي عَبْدْ السّْـلامْ لَفْحَلْ هَزَّامْ اعْدَاكُمْ
طَنْجَة مَحْفُوظَـة فَحْمَــــاهْ (...).

ج – شجرة / سلسلة مولاي علي الشريف دفين الريصاني بتافيلالت. جمعها ورتبها الحاج إدريس المذكور، في قصيدة يمدح فيها الشرفاء العلويين ومكان أسلافهم ينبوع النخل من أرض الحجاز، ومجيء سيدي بوبراهيم(20) وفي معيته المولى الحسن الدَّاخل سنة 664 هـ، ذاكرا مناقب هذا الأخير ومزايا عَقِبِه، سيدي محمد ومولاي الحسن والمولى عبد الرحمن، الموجود بعض ذريته في أولاد عمير وبعضها الآخر في البلاغمة وبني زروال... وهذه القصيدة يمكن مقارنتها مع ما جاء في الأنوار الحسنية(21) ونشر المثاني(22) والترجمانة الكبرى(23). تقول الحربة والقسمان الثالث والرابع منها:

أَمُولاَيْ عَلِي الشّْرِيفْ جُودْ اعْلِينَــا للهْ
فِي عَارْ للاَّ فَاطِمَـة وَابَّاهَــا
(...)
وَسْلاَفَكْ يَنْبُوعْ النَّخْلْ جَرْ الدَّيْلْ وَتَــاهْ
مَحَلْ الأَشْرَافْ وْأَرْضْ النُّبَهَـا
فَاحْ نْسِيمْ الْمَسْكْ وُلَعْطَرْ وَلْعَنْبَرْ فَثْنَــاهْ
مَنُّو النُّورْ عَمّْ الصَّحْرَا وَكْسَاهَا
يَوْمْ اقْدَمْ سِيدِي بُوبْرَاهيمْ وُجَابْ امْعَـاهْ
يَقُوتَة انْفِيسَة تَلْمَعْ بَضْيَاهَــا
مَوْلاَيْ الْحَسَنْ الشّْرِيفْ الْقَادَمْ بْرْضَــاهْ
الأرْضْ تَافِيلاَلْتْ وَحْضَاهَــا
أَتَاتُــو وَحْيَاتْ بِـهْ وَصْلَحْ بِهَـا مَوْلاَهْ
وَجْرَى افْأَرْضْهَا صَافِي وَكْثَرْ مَاهَا
وُعَرْجْنُوا لَثْمَارْ فَالنّْخَلْ سُخْرَتْ مَنْ ادْعَاهْ
وَصْلَحْهَا اعْظِيمْ اللُّطْفْ وُنَجَّاهَا
****
مُحَمَّدْ وَلْدُ اخْلِيفْتُو سَارْ افْسِيرْ ابَّـــاهْ
وَالْحَسَنْ بَعْضْ الاَسْرَارْ دَّاهَــا
وُعَبْدْ الرَّحْمَنْ صَاحْبْ الْبَرَكَــاتْ اتْرَاهْ
بَالْجُودْ وُالْعَفَافْ والإحْسَانْ اتْرَاهَا
مَازَالَتْ دُرِّيْتُو اكْرِيمَة فِي ظَلْ الْـــوَاهْ
سَكْنُوا فِي اوْلاَدْ اعْمِيرْ وَوْطَاهَا
وَالْبَعْضْ افْلَبْلاَغْمَة امْحَقَّقْ كِيفْ ارْوِينَاهْ
وَخْرِينْ فِي ابْنِي زَرْوَالْ وُفَحْمَاهَا
رَاسْلاَلْتْ سِيدِي بُوحْمِيـدْ الْغَوْثْ الأوَّاهْ
هَادُو ادْيَارْهَا لاَشَكْ مَغْنَـاهَـا
يَارَبِّي ابْجَاهْهُمْ اكْسِي عَبْدَكْ ثُوبْ انْجَاهْ
احْفْظْنَا مَنْ اهْمُـومْ الدُّنْيَا وَبْلاَهـا
(...)

تراجم المناقب
اعتنت كتب التراجم والحوليات والمناقب، بالتعريف بالأعلام وذكر مناقب الأولياء وكراماتهم ورجال التصوف وإشراقاتهم. كما اعتنى شاعر الملحون هو كذلك بهؤلاء، فأفرد لهم قصائد كاملة، تعرف بـ «الجمهور»(24)، ذاكرا أسماء الأولياء والصلحاء وألقابهم وكراماتهم ومناقبهم وأحيانا أماكن دفنهم. بالإضافة إلى ذلك، نظم شاعر الملحون قصائد تخص وليا بمفرده، تسمى: «الإدريسيات»، «العيساويات»، «الحمدوشيات»، «التيجانيات»، وغيرها… ونعرض لبعض أولياء وصلحاء العواصم المغربية الثلاث:

أ – أولياء وصلحاء فـاس

إذا كان الكتاني في السلوة(25) قد عدَّدَ وترجم للأولياء الذين أقبروا في مدينة فاس(26)، فإن جمهور باب الكيسة للحاج إدريس الحنش، قد أتى بدوره على ذكرهم والتوسل بفضائلهم، حيث يقول بعد الحربة:

الْعَطْفَة للَّه ارْجَالْ بَابْ الكِيسَـــة
دَوِوْنِي ابْنَظْرَة تَزْيَانْ الْحَالَـــة
سِيدْ الْحَاجْ مُحَمَّدْ اتْوَاتِي يَاتِـــي
الرَّامِي الْمَجْذُوبِي يَامَحْيَـــات (...)
وَالدَّقَّاقْ اسْرَارُو اسْرَارْ انْفِيسَـــة
اوْجَارُو التِّيجَانِـي فَالْفُضَـــلا
الإِمَـامْ التَّاوْدِي مَنْ السُّعَــــدَا
افْنَى افْمَنْ انْشَاهْ ابْتَعْلِيمْ اكْتَـابُ (...)
ابْنَ لَحْسَنْ مَنْ جَالِيـهْ فِي تَكْبِيسَـة
يَتْسَلاَّ مَنْ احْسَانُو دُونْ امْحَالَــة
وَلْبُورْحِيـمْ امْوَضَّحْ تَلْبِيسَــــة
عَبْدْ العزِيزْ ابْلَوْطَـا وَرْسَالَـــة
ابْرَاهِيـمْ السَّيَّدْ الزِّرَارِي يَحْضَــرْ
اشْيُوخْ اطْرِيقْ الْقَوْمْ افَأَمْـرُ حَارُوا (...)
ابْنَ حَمْدُونْ الْجَابْرِي الدَّاتْ اهْرِيسِـة
جَبَّـرْهَا اوْلاَ تَتْرَكْهَا مَعْلاَلَـــة
ابْنَ عْبَابُو سِيرْ لِيـهْ فِي تَغْلِيسَـــة
قبْلْ الشّْرُوقْ مَنْ يُومْ السَّبْتْ تْعَالَى (...)
ب – أولياء وصلحاء مكنـاس

وإذا كان ابن زيدان قد ترجم في الإتحاف للعديد من رجال مكناس(27)، وكذا ابن إدريس العمراوي في منظومته الدعوة المجابة(28) في نفس الموضوع، فإن سيدي قدور العلمي(29) وبنعيسى الحداد العثماني(30) والحاج إدريس الحنش قد ترجموا على هذا المنوال نظما في جمهورهم، لأصحاب الولاية والصلاح بمكناسة الزيتون، تقول حربة الجمهور للعلمي:

يَا مَنْ يَشْفِـي اضْرَارْ عَبْدُ بَعْدْ السَّقْمْ
وَيْفَرَّحْ مَنْ اقْوَاتْ فالصَّدْرْ احْزَانُـو
وحربة الحاج إدريس:
ضِيفْ الله لله أَلْوَالي سِيدِي بَنْ عِيسَى
امْعَ ارْجَالْ الله لله ايْقَعّْدْ لَحْمَــلْ

أما بنعيسى الحداد فيقول بعد الحربة:

أَضِِيفْ الله لله يَالشِّيخْ الْكَامَلْ بَحْرْ لَكْمَالْ مَوْلاَيْ الْهَادِي
أَسِيدِي بَنْ عِيسَى اعْنَايْتِي يَا هِيبَة مَكْنَــــاسْ
أَسِيدِي نّتْوَسَّلْ ابْجَاهْ قَدْرَكْ وَبْجَاهْ الصَّالْحِينْ رْجَالْ ابْلاَدِي
بِهُمْ كَنْتْوَسَّلْ للَّكْرِيمْ رَبّْنَا تّلْقّحْ لِي لّغْــــرَاسْ
وِينْ سِيدْ الْمَحْجُوبْ بَالرّْوَايَنْ ولَكْزُولي اعْلِيهْ لاَزَلْتْ انَّادِي
وِينْ الْهَيَّاضْ نَبْغِي افْحَاجْتِي يَوْقَفْ لِي تَأنَــاسْ
والشَّيخْ الْحَارْثِي كْذَلَكْ ابْنَ الشِّيخْ زِيدْ سِيدْ الْغَازِي سَاطَعْ نُورُ وَقَّادِ
وَالْبَغْدَادِي وَأحْمَدْ الصِّيدَمْ وَالإِمَـامْ الــدَّرَّاسْ
وَالْمَكَّاوِي نِعْمَ الشّْرِيفْ عَزّْ الْغُرْبَا مُولْ السّْبِيـلْ وَاضَحْ وَرَّادي
بَحْـرُ دِيمَا مَلِي اعْلَى السّْوَاحَلْ مَالِهْ قْيَــاسْ
وِينْ سِيدِي بَابَا امْحَبّْتُو فِي قَلْبِي سَكْنَتْ لِي وُخَرْقَتْ لَفْآدِي
وَكْذَلَكْ بَنْ مَنْصُورْ اعْلَى الدّْوَامْ امْحَزَّمْ عَسَّاسْ (...)
ج – أوليـاء وصلحاء مراكش

وكما أتى العباس بن إبراهيم في الأعلام(31) بتراجم العديد من أعلام الولاية والصلاح بمراكش وأغمات، نجد شعراء الموزون(32) والملحون المراكشيين وغيرهم، ينظمون في المقابل قصائد الجمهور مادحين ومتوسلين بسبعة رجال وباقي صلحاء المدينة، بدءا بالشيخ الجيلالي امتيرد(33) في قصيدته التي حربتها:

مَـنْ اخْفَاهْ الصَّلاَحْ ايْحْيَى الْبَلْدْنَا
يَقْصْدْ نَـاسْ امْدينَة لَحْضَـــرْ
مَرَّاكْـشْ بَلْدْ لَقْطَـابْ وَالتَّنْوِيـــــرْ
ايْزُورْ نَاسْهَا يَتْزَهَّى فَقْبُوبْ سَلْطْنَـة
وَيْشُوفْ ارْجَالْهَـا السَّبْعَـــة
وْيْعَدْ اتْرَابْهَـا كُلْ اقْدَمْ بَفْقِيــــــرْ

فأحمد بن عاشر الحداد الرباطي(34) الذي يتوسل بدوره بالرجال السبعة(35):

اهْلَ الْبَهْجَة الْحَمْـرَا اسْيُوفكُم بَتَّارَة
مَالْ سِيفِي مَا بِينْ اسْيُوفكُم قَاصَـرْ

ثم الحاج محمد بن عمر الملحوني(36) في قصيدة موضوعية، هذه حربتها:


ألاَمَتْ لَفْضَـالْ سَبْعَةُ رِجَـالْ
لِيغَاثَـة لله جَبّْرُوا حَـالِـــي
نَبْدَا بْالْفْضِيلْ الْقُطْبْ الْخَصَّـالْ
سِيدِي يُوسَفْ بَنْ عَلِي الْمَفْضَالِي
مَنُّو سَرْتْ لَلْقَاضِي دُونْ امْهَـالْ
مَفْتَاحْ غَرْبْنَا اسْرَاجْ لَمْعَالِـــي
لْمْقَامَكْ أَلسَّبْتِي قَاصَدْ عَــوَّالْ
أَمُغِيثْ الرَّيَّـاسْ حَقْ فَالْمَالِــي
وَالْمَاجَدْ صَاحَبْ الدَّلِيلْ الْمْفْضَال
ابْجَاهُو نَسْعَى الدَّايَمْ الْعَالِـــي
****
تَبَّاعْ الرّْسُولْ امْدَاوِي لَعْـلالْ
مَوْلاَنَـا جَعْلُو اطْبِيبْ لَعْلاَلِي
وَبْلَغْ اسْمَعْنَا مُولْ الطَّابَعْ قَـالْ
الشَّقِي عَنُّو امْقَامْنَـا عَالِــي
وَايْمَامْنَا السُّهَيْلِي شَاحَنْ لَحْمَالْ
نَسْعَى بِهْ وَبْجَاهْكُمْ مَـدَى لِي
وَانْتُمَا امْفَاتَحْ سَايَرْ لَقْفَــالْ
حَلُّوا بَالْعَطْفَة سَايَرْ اقْفَالِي (37)

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28/03/2011, 21h53
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي الملحـون والتاريـخ_2_

الرحلـة الحجازيـة

الرحلات أنواع «تختلف باختلاف الدواعي للسفر وأسبابه»(38)، ومن بين هذه الأنواع: الرحلة الحجازية «التي يضعها صاحبها بعد رجوعه من قضاء فريضة الحج، وهي زيادة على موضوعها الأساسي، من وصف الأماكن المقدسة، وبيان مناسك الحج، وكيف أداها المؤلف، تشتمل في الغالب على وصف كل المراحل التي مر بها الراحل من بلده إلى مكة المكرمة»(39).

أ – الرحلة الحجازية من خلال الركب الفاسي

حظي حج الأمير المولى إبراهيم بن السلطان المولى سليمان عام 1226، باهتمام المؤرخين(40) ووصفهم لمظهر احتفال خروج ركبه من باب فتوح بفاس، كما استأثر باهتمام شعراء الملحون، فنظموا قصائد «المرحول»(41)، أتوا فيها بإفادات عن الركب الفاسي والمكلفين به، ووفود الحجاج من مختلف القبائل، من أهل سوس ومراكش والحوز والبوادي والحواضر، فضلا عن أغنياء ووجهاء مدينة فاس، ذاكرين وسائل النقل المستعملة في ذلك الزمان، المعتمدة أساسا على الدواب والمحفات والهوادج... وهذا ما عبر عنه سيدي عبد القادر بوخريص(42) في وصفه لاستعداد الركب لمغادرة فاس:

أروَاحْ أَرَاسِـي اتْشُوفْ هَاذْ الرَّكْبْ السَّـايْرْ
خَلاَّ نَاسْ الذَّوْقْ شَايْقَـة لْمْقَـامْ الْمُخْتَـارْ
مَـدَى مَنْ قُومَانْ جَاتْ تَمْشِي لَلْحَجّْ اتْخَاطَرْ
مَنْ سُوسْ وُمَرَّاكشْ لَفْرِيجَة جَـاوْ الْخُطَّـارْ
وَهْلْ الْحَوْزْ وُكُلْ مَنْ اتْهَيَّأْ وَعْـرَبْ وَبْرَابَـرْ
وَقْبَايِلْ شَلاَّ انْصِيفْهَا والطَّلْبَـة لَخْيَـارْ (43)
وَخْوَايَجْ هَلْ فَاسْ(44) بَرْزُوا بَمْضَارْبْ وَسْحَاحَرْ
وَخْيَـامْ اعْجِيبَة امْتَحْفَة فُرْجَة لَلنَّظَّـــارْ
وَهْجَايْنْ وَخْيُولْ رَابْضَة وَصْـوَارَمْ وَخْنَاجَـرْ
وَمْكَاحَلْ وَسْنُونْ وَالسّْيُوفْ اتْقَصَّـرْ لَعْمَـارْ
وَوْلاَدْ الْمَلِكْ كَبْدُورْ ضَيْ اسْنَاهُمْ ظَـاهَـرْ
حَفَّتْ بِهُـمْ نَـاسْ لَوْفَا اعْبِيـدْ وُلْحْـرَارْ
نَزْلُوا افْبَابْ افْتُوحْ فَالْقَلْعَة وَنْـوَاوْ الأَجَــرْ
وجْزَمْهُمْ الْوَقْـتْ مَا ابْقَـى لَلْمَحْتَالْ اشْوَارْ
وَالْحَاجْ الطَّالْبْ(45) فاضْ بَحْرُ وَدْفَقْ بَجْوَاهَرْ
وَتْهَيَّأْ لَلْمِيـزْ وَالسّْفَرْ بَالْمَــالْ وُلَجْـوَارْ
وَالدّْوِيدَرْ(46) مَعْلُومْ بَالشّْجَاعَة فَالْهَيْجَا بَاتَـرْ
يَتْقَدَّمْ قُدَّامْ الرَّكْـبْ وَيْهَـدّْ اللِّي جَــارْ
وَالْفَرْسَـانْ امْحَرّْبِينْ وُمِيرْ الْحَجّْ (47) الْغَازَرْ
يَتْقَدَّمْ يَا صَاحْ اللَّكْحَـارْ مَا هَزُّ كُـــدَّارْ
وَشْنَادَقْ (48) فَألْحَرْبْ رَبْيَة فَكْتَافُو تَتْسَاخَـرْ
وُمَمَالَكْ وَعْلُوجْ زَاعْمَة وَالْحُــرَّاسْ اكْثَـارْ
وَمْدَافَعْ وَكْبَارْ الطُّبْجِيَّة (49) عَنْهُمْ تَتْعَابَــرْ
وَفْرَاسَنْ عَنْهَا ايْكَلْ مَنْهُ شَاعَرْ عَيَّــــارْ
وَالْمُخْبِرْ (50) اعْلَى امْطِيْتُو حَامَدْ شَاكَرْ ذَاكَرْ
قَابَضْ شُورُ ابْلَقْوَامْ وَيْطِيرْ امْـعَ لَطْيَارْ (…)

أضف إلى ذلك قصائد الورشان(51) التي يبعثها الشاعر في رسالة حب وشوق لرسول الله صَ، يذكر فيها الأماكن التي يمر منها ركب الحجاج أو المحطات التي يقيم فيها… يقول الحاج إدريس الحنش في قصيدة الورشان من فاس إلى المدينة المنورة وحربتها:


هَاكْ اكْتَابِي يَا حْمَـامْ لَلْمْدِينَـــة
مَنْ أَرْضْ فَاسْ سِيـرْ اتْزُورْ الْمَدَنِي
(...)
اخْرُجْ مَنْ بَابْ افْتُوحْ شُورْ لْقَبْلَة
سَهَّمْ عْلَى سْبُو وَانْتَ فَارَحْ سَالِي
فُوتْ الْعَسَّـالْ مَنْ سْبُـو وَتْعَـالـى
سَهَّمْ عْلَى السّْهِيبْ افْتَلْتْ الْيَالِـي
يَلْقَاكْ الصَّفَّـاحْ وَالشّْعَابْ ايْمِينَــا
خَفّْ لَجْنَاحْ وَقْرَا شَرّْ الْعُرْبَانِــي
وَاشْرَبْ فِي عُقْبْ النّْهَـارْ مَنْ لَعْوِينَة
لَمْكَنّْيَة ابْعِينْ الطَّينْ افْلَوطَاني (...)

ب – الْمَحْمَــل(52)

وعندما يصل الركب المغربي إلى القاهرة ينضم إلى المحمل المصري الذي وصفه الزياني ووصف مظاهر الاحتفال به. ولم يفت شعراء الملحون وصف هذا المهرجان الاحتفالي الكبير وما اشتمل عليه المحمل من كسوة الكعبة المشرفة، وفاخر الحلي والحُلَل... يقول الحاج عمر المراكشي في قصيدة المحمل التي حربتها:

يَا رَبِّي بِكْ لِيكْ كَمَّلْ بَالْخِيرْ اعْلِـيَّ
مَكَّة نَنْظَرْهَا ايْزُولْ كَرْبِــــي
اللاَّيَمْ لاَ تْلُومْنِي كُفّْ اللُّومْ اعْلِــيَّ
نَتْهَى اللاّيَمْ لاَ اتْزِيــدْ عَجْبِـي
مَا نَكْوِيتِي وْلاَ انْظَرْتِي فَرْجَاتْ زْهِيَّـة
افْمَصْرْ تَمَّ زَالْ كَرْبِـــــي
يَوْمْ الْمَحْمَلْ ايدُوزْ لاَبَسْ كَسْوَة عَكْرِيَة
حُسْنْ ابْهَاهْ مَنْ ابْعِيدْ يَسْبِـــي
بَحْلِي وَحْلَلْ وُلَتْفَاتْ وَجْوَامَرْ ذَهْبِيَـة
عَنْ ذَا مَا صَالْ بِهْ عَرْبِــــي
مُوبَّرْ لَكْتَافْ قَصّْتُو تَنْبَاكَنّْ اثْرِيَّـــة
وَمْجَادَلْ لَحْرِيـرْ فَاشْ امْغَبِّــي

بعد هذا، لا يغفل عن ذكر المزارات والأماكن والمحطات التي يجتازها المحمل المصري والركب المغربي انطلاقا من القاهرة إلى أن يصل إلى مكة، حيث توضع الكسوة على ظهر الكعبة...

مَنْ سُوقْ السُّوق يَنْتَقْلْ وَالنُّوبَة حَرْبِيَة
وَجْيُوشْ الْمَصْرِي امْعَ الَمْغَرْبِي
(...) زَارْ الْحُسِينْ وَلْدْ الْمَاجَدْ خَيْرَ لَبْرِيَة
مَنْ بِـه ازْدَادْ شُوقْ حُبِّــي
(...) الْبَابْ النَّصْرَة الْبَرْكَة ايْقَدْمُوا فَعْشِيَة
فَجْيُوشْ حَـارْ شْعَاعْ هَذْبِـي
مَنُّو الْرُوسْ النّْوَابَرْ يَامَنْ هُو فَاهَـــمْ
وَادْ التِّيهْ مَعْلُومْ ابْلَعْلاَمَـــة
مَنُّو رَاحُوا لَلنَّخْلْ بَالْفْرْحْ وُلَكْرَايَـــمْ
مَنْ بَعْدْ مَعْطَـنْ لَحْكَامَــة
لَمْكَنِّي بَزْعَلْكَا وُمْسَمِّي فَلْقَــــادَمْ
مَنُّو سَارُوا مَالْهُــمْ قَامَــة
اسْطَحْ الْكَعْبَة وَصْلُوا رُكَّابْ وُرَجْلِيَــة
ذَاكْ الْهَاذَا امْـدَرْبِــي (...)

وتتعدد الأمثلة والنماذج في موضوع الرحلة الحجازية في الشعر الملحون، إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو إمكانية مقارنة قصائد المرحول والورشان والمحمل مع كتب الرحلات(53) ونصوص الرحلات المنظومة في الموضوع(54).
تسجيل الأحداث والوقائع

لم يكتف شعراء الملحون بتدوين أحداث ووقائع مطلع القرن العشرين، بل تفاعلوا مع ماجرياتها، مسجلين ومعلقين على كل شاذة وفادة بأسلوب نقدي تحليلي... ذلك ما سنلاحظه من خلال:

أ – البيعـة الحفيظيـة

كثيرة هي الكتابات التاريخية التي تطرقت للبيعة الحفيظية، سواء باللغة العربية أو باللغات الأجنبية(55)، حيث ركزت على موقف النخبة منها، وأثبتت فتوى علماء فاس في النازلة العزيزية(56). أما موقف العامة – التي كان لها دور فعال في الحدث، وخاصة الحرفيين – فقد عبر على لسانها الشيخ هاشم السعداني(57) بقصيدة يعرض فيها الحيثيات والظروف الزمانية والمكانية والكيفية التي تم بها عقد بيعة أهل فاس (فاتح ذي الحجة 1325 / 5 يناير 1908)، هذه البيعة التي جاءت متأخرة بأربعة أشهر على قيام المولى عبد الحفيظ (بيعة مراكش، 6 شعبان 1325 / 1907) والتي نصت على عدة شروط من بينها، حماية بيضة الإسلام، والحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها بالدعوة إلى الجهاد... وقد تضمنت القصيدة كذلك، الدعاء للسلطان المولى عبد الحفيظ، منوهة بكفاءته العلمية وبشجاعته وإقدامه، مبتهلة إلى الله أن يكمل رجاءه للذود عن حوزة الوطن وهذه حربتها:

الله ايْدُوَّمْ الْعَـزّْ وَالنّْصْـرْ وَالْفَتْحْ الْمُبِينْ للَّهْمَامْ الْحَسَانِي
السُّلْطَانْ الْمَخْصُـوصْ بَالْعْنَايَة مَوْلاَيْ حْفِيــــدْ
(...) عَزْلُوا مَنْ ضَلْ وْلاَ ادْرَى ايْدَبَّرْ أَمْرَ لَعْبَادْ بَالشَّرْعْ يَالَخْوَاني
نَظْرُوا إِمَامْ افْضِيلْ عَدْلْ تَقِي عَالَمْ امْجِيــــــدْ
ايْقُومْ بْأَمْرْ الدِّينْ بَالسّْيَاسَة وُلْعْقَلْ الرَّاجَحْ لَفْطِينْ وُدَهْقَانِي
اجْتَمْعَتْ كَلْمَتْهُمْ بَالنّْصَرْ لْمَوْلاَيْ حْفِيــــــدْ
عَقْدُوا لُو الْبَيْعَة فْ «كَطْ»[29] قَعْدَة فَضْرِيخْ إِمَامْ غَرَبْنَا نُورْ عْيَانِي
أَبُو الْعَلاَء ادْرِيسْ بَنْ ادْرِيسْ رَاهْ الله اشْهِيــــدْ
مَنّْ عْلِينَا الْمَوْلَى لَكْرِيمْ قَامْ لأَمِيرْ الْعَالَمْ الشّْرِيفْ الرَّبَّانِي
َبالْعِلْمْ اللَّدُنِِّي احْمَاهْ رَبِّي مَا مْثْلُو سِيــــدْ (...)
كَمّْلْ يَامَوْلاَنَا ارْجَا الأَمِيرْ يَامَرْ ابْلْجْهَادْ جَمْعْ الْبُلْدَانِي
يَغْـزِي الْكُفَّارْ الطَّاغِيينْ وْيْبَدّْدْهُمْ تّبْدِيـــــدْ

إلى أن يقول مؤرخا قصيدته:

تَارِيخْ الْحُلَّة عَامْ «كَهْ نَشْرَ»حْ «لَكْ» [1325] فَنْظَامْ قَيَّدْ فِي عَلْوَانِي
فَتْمَامْ القَعْدَة هَاكْهَا اعْرُوسَة بَالْحُسْـنْ اتْمِيـــدْ

وفي قصيدة ثانية موضوعية بعنوان: «سبب النصر» لنفس الشاعر، تطرق فيها بكثير من التفصيل والتدقيق للأسباب التي مهدت لعقد البيعة الحفيظية، واصفا الحالة التي كانت عليها مدينة فاس قبل وبعد عقدها، مشيدا بالدور الذي لعبه العلماء في هذه النازلة وإجابتهم عن سؤال في شأن السلطان المولى عبد العزيز، وجهه لهم ممثلو سكان فاس بزعامة ابن الوافي(58)، تقول حربة القصيدة:

جَادْ رَبِّي عَطّْفْ عَنَّا امْكلَّـعْ الضِّيـمْ
سِيدْنَا مَوْلاَنَا إدْرِيسْ تَاجْ لَكْــرَامْ
سْفَرْ تَاجْ لَكْرَامْ عَنْ اسْعِيدْ الْكَــفّْ
وَطْلَـبْ نَعْمْ لَكْرِيمْ فَاللُّطْفْ الْخَافِي
وَعْطَاهْ اللَّه كِيفْ يَبْغِي يَتْصَـــرَّفْ
يَدْرَكْ نُورْ لَسْلاَمْ لاَ يَضْحَى طَـافِي
وَبْرَزْ لَمْنَاهَجْ الصّْلاَحْ ابْنَ الْوَافِـي

ثم يواصل في وصف الحالة:

قَامَتْ الدَّنْيَا وْلاَحَدْ كَانْ يَعْــرَافْ
زَالَتْ ارْسَامْ المُلْكْ وَلاَ ابْقَاتْ كُلْفَة
وْرَاجَتْ الْقُومْ وُسَامْ قَلْبْهُمْ تَرْجَـافْ
وْلاَ اتْهَنَّى تَاجْـرْ وَلاَ اخْدِيمْ حَرْفَة

وفي الأبيات الأخيرة نستشف الحس والوعي التاريخيين لدى الشاعر السعداني حينما يقول بصفته شاهد عيان:

خَبَّرْتْ افْحُلْتِي كَمَـا رِيتْ وَسْمَعْتْ
وَالْعَاقَـلْ مَا اخْفَاهْ قَصْدْ الْمَعْنَـاتي
وَالْجَاهْلْ مَا يْلُ ادْرَى لَتْقَاتِـي
كُـلّْ مَا شَفْتْ انْقُولْ فِي اطْرِيزْ لَبْيَاتْ
لَكِنْ الُقُولْ ابْلاَ حُجَّة اكْهِيبْ وَمْقِيتْ
دُونْ تَوْضِيحْ ايْفْهْمُوا فَاللّْغَا الدُّهَـاتْ
كُلْ لَفْظَة تُنْبِي عَنْ مَا اخْفِيتْ وَطْوِيتْ
(...)

ب – السلطان المولى عبد الحفيظ والحماية:

عبر السلطان الحفيظ عن موقفه من الحماية والحماة وخصوصا المحميين الذين تلاعبوا بمصلحة البلاد، مقابل مصلحتهم الشخصية، فلم يقوموا بما تفرضه عليهم آصرة الدين والوطن، فعاتوا في الأرض فسادا. ولم تنلهم – مع الأسف – الأحكام والعقوبات... وكان تعبيره عن موقفه نثرا بمخطوطته: داء العطب قديم(59) وشعرا بعدة قصائد فصيحة(60)، ولكن لا تكتمل صورة وحقيقة الموقف الحفيظي من خلال نثره وشعره الفصيح، إلا بالإطلاع على شعره الملحون ودراسته والذي أفرغ فيه ما كان يعتمل في نفسه وقلبه وعقله، ألما وحسرة على من باعوا دينهم بدنياهم، وتقاعسوا في أمر الجهاد. وعلى من تقوَّلُوا فيه والمتجنِّين عليه، فنعتوه بالخيانة والمضاربة بالمصلحة العليا للوطن. يقول السلطان العالم الشاعر المولى عبد الحفيظ في أول قصيدة افتتح بها ديوانه المطبوع على الحجر وحربتها:

بَالنّْببي وَاصْحَابُو وَكْرَامْهَا وُلْفْضَـالْ
غِيثْ هَاذْ الْغَرْبْ وَطْرَدْ كُلّْ ضَالِـي
هَكْذَا حَالْ الْوَقْتْ وُمَا اخْفَاكْ مَقْوَالْ
وَطْبَايَعْ الْخَلْقْ اقْضَـاتْ ابْلَهْوَالِـي
وَالدِّينْ ابْغُرْبَة نَكْسَاوُزَادْتُو اوْحَــالْ
وَاللِّي يَتْعَفَّفْ يُدْعَى بَالْمْحَالِي (...)
ضَاقْ مَذْهَبْ الْحَقّْ وُبَانْ كُـلْ مُخْتَالْ
كَانْ يَرْصَدْ الْوَقْتْ الْذِي ايْكُونْ تَالي
مَا اوْفَاوْ ابْوَكَدْ لَعْهُودْ نَاسْ لَجْيَــالْ
وَلاَ ادْعَاوْ الْحُرْمَة لَحْفَادْ وْلَقْيَـالِي
حَالْهُمْ انْمَثَّلْ حَرْبَة افطَرْزْ لَفْعَـــالْ
مَا اتْكِيدْ تَجْبَرْ ارْجَالْ ابْلَمْعَالــي
اتْشُوفْهُمْ افْتَقْوِيمْ الْجَسْدْ نّاسْ عُقَّـالْ
حِينْ يَنْطَقْ اتْظْنّْ امْثِيلْ الْبَرْتْقَالِي (...)
(...) مَا سَمْعُوا بْالحْدِيثْ مَا فَقْهُوا تَنْزيلْ
وَلاَ يَدْريوْا فَنْ مَعْنَـى افْتَرْتِيــلا
نَحْكِيهُمْ كَحْمِيـرْ بَحْمُـولْ اثْقِيلَــة
غَرّْهُمْ الشِّيطَـانْ اوْلاَ ادْرَاوْ لَمْـــآلْ
وِيلْهُمْ مَا سَمْعُوا مَا فَاتْ افْلَجْيَـالِي
زَادْ لْهُمْ حُبَّانْ فَلْفَانيَـة فْالأعْمَـــالْ
مَا اقْرَاوْ الْحُرْمَـة لَلنَّايَـرْ بْلَقْوَالي(61)

تلك بعض النماذج من قصائد الملحون، في مواضيع مختلفة من تاريخ المغرب وحضارته، حاولت من خلالها تبيان مدى توازي وتكامل هذا اللون من الأدب الشعبي مع النصوص التاريخية وإبراز أهميته وقيمته في إغناء البحث التاريخي.
تسجيل الأحداث والوقائع

لم يكتف شعراء الملحون بتدوين أحداث ووقائع مطلع القرن العشرين، بل تفاعلوا مع ماجرياتها، مسجلين ومعلقين على كل شاذة وفادة بأسلوب نقدي تحليلي... ذلك ما سنلاحظه من خلال:

أ – البيعـة الحفيظيـة

كثيرة هي الكتابات التاريخية التي تطرقت للبيعة الحفيظية، سواء باللغة العربية أو باللغات الأجنبية(55)، حيث ركزت على موقف النخبة منها، وأثبتت فتوى علماء فاس في النازلة العزيزية(56). أما موقف العامة – التي كان لها دور فعال في الحدث، وخاصة الحرفيين – فقد عبر على لسانها الشيخ هاشم السعداني(57) بقصيدة يعرض فيها الحيثيات والظروف الزمانية والمكانية والكيفية التي تم بها عقد بيعة أهل فاس (فاتح ذي الحجة 1325 / 5 يناير 1908)، هذه البيعة التي جاءت متأخرة بأربعة أشهر على قيام المولى عبد الحفيظ (بيعة مراكش، 6 شعبان 1325 / 1907) والتي نصت على عدة شروط من بينها، حماية بيضة الإسلام، والحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها بالدعوة إلى الجهاد... وقد تضمنت القصيدة كذلك، الدعاء للسلطان المولى عبد الحفيظ، منوهة بكفاءته العلمية وبشجاعته وإقدامه، مبتهلة إلى الله أن يكمل رجاءه للذود عن حوزة الوطن وهذه حربتها:

الله ايْدُوَّمْ الْعَـزّْ وَالنّْصْـرْ وَالْفَتْحْ الْمُبِينْ للَّهْمَامْ الْحَسَانِي
السُّلْطَانْ الْمَخْصُـوصْ بَالْعْنَايَة مَوْلاَيْ حْفِيــــدْ
(...) عَزْلُوا مَنْ ضَلْ وْلاَ ادْرَى ايْدَبَّرْ أَمْرَ لَعْبَادْ بَالشَّرْعْ يَالَخْوَاني
نَظْرُوا إِمَامْ افْضِيلْ عَدْلْ تَقِي عَالَمْ امْجِيــــــدْ
ايْقُومْ بْأَمْرْ الدِّينْ بَالسّْيَاسَة وُلْعْقَلْ الرَّاجَحْ لَفْطِينْ وُدَهْقَانِي
اجْتَمْعَتْ كَلْمَتْهُمْ بَالنّْصَرْ لْمَوْلاَيْ حْفِيــــــدْ
عَقْدُوا لُو الْبَيْعَة فْ «كَطْ»[29] قَعْدَة فَضْرِيخْ إِمَامْ غَرَبْنَا نُورْ عْيَانِي
أَبُو الْعَلاَء ادْرِيسْ بَنْ ادْرِيسْ رَاهْ الله اشْهِيــــدْ
مَنّْ عْلِينَا الْمَوْلَى لَكْرِيمْ قَامْ لأَمِيرْ الْعَالَمْ الشّْرِيفْ الرَّبَّانِي
َبالْعِلْمْ اللَّدُنِِّي احْمَاهْ رَبِّي مَا مْثْلُو سِيــــدْ (...)
كَمّْلْ يَامَوْلاَنَا ارْجَا الأَمِيرْ يَامَرْ ابْلْجْهَادْ جَمْعْ الْبُلْدَانِي
يَغْـزِي الْكُفَّارْ الطَّاغِيينْ وْيْبَدّْدْهُمْ تّبْدِيـــــدْ

إلى أن يقول مؤرخا قصيدته:

تَارِيخْ الْحُلَّة عَامْ «كَهْ نَشْرَ»حْ «لَكْ» [1325] فَنْظَامْ قَيَّدْ فِي عَلْوَانِي
فَتْمَامْ القَعْدَة هَاكْهَا اعْرُوسَة بَالْحُسْـنْ اتْمِيـــدْ

وفي قصيدة ثانية موضوعية بعنوان: «سبب النصر» لنفس الشاعر، تطرق فيها بكثير من التفصيل والتدقيق للأسباب التي مهدت لعقد البيعة الحفيظية، واصفا الحالة التي كانت عليها مدينة فاس قبل وبعد عقدها، مشيدا بالدور الذي لعبه العلماء في هذه النازلة وإجابتهم عن سؤال في شأن السلطان المولى عبد العزيز، وجهه لهم ممثلو سكان فاس بزعامة ابن الوافي(58)، تقول حربة القصيدة:

جَادْ رَبِّي عَطّْفْ عَنَّا امْكلَّـعْ الضِّيـمْ
سِيدْنَا مَوْلاَنَا إدْرِيسْ تَاجْ لَكْــرَامْ
سْفَرْ تَاجْ لَكْرَامْ عَنْ اسْعِيدْ الْكَــفّْ
وَطْلَـبْ نَعْمْ لَكْرِيمْ فَاللُّطْفْ الْخَافِي
وَعْطَاهْ اللَّه كِيفْ يَبْغِي يَتْصَـــرَّفْ
يَدْرَكْ نُورْ لَسْلاَمْ لاَ يَضْحَى طَـافِي
وَبْرَزْ لَمْنَاهَجْ الصّْلاَحْ ابْنَ الْوَافِـي

ثم يواصل في وصف الحالة:

قَامَتْ الدَّنْيَا وْلاَحَدْ كَانْ يَعْــرَافْ
زَالَتْ ارْسَامْ المُلْكْ وَلاَ ابْقَاتْ كُلْفَة
وْرَاجَتْ الْقُومْ وُسَامْ قَلْبْهُمْ تَرْجَـافْ
وْلاَ اتْهَنَّى تَاجْـرْ وَلاَ اخْدِيمْ حَرْفَة

وفي الأبيات الأخيرة نستشف الحس والوعي التاريخيين لدى الشاعر السعداني حينما يقول بصفته شاهد عيان:

خَبَّرْتْ افْحُلْتِي كَمَـا رِيتْ وَسْمَعْتْ
وَالْعَاقَـلْ مَا اخْفَاهْ قَصْدْ الْمَعْنَـاتي
وَالْجَاهْلْ مَا يْلُ ادْرَى لَتْقَاتِـي
كُـلّْ مَا شَفْتْ انْقُولْ فِي اطْرِيزْ لَبْيَاتْ
لَكِنْ الُقُولْ ابْلاَ حُجَّة اكْهِيبْ وَمْقِيتْ
دُونْ تَوْضِيحْ ايْفْهْمُوا فَاللّْغَا الدُّهَـاتْ
كُلْ لَفْظَة تُنْبِي عَنْ مَا اخْفِيتْ وَطْوِيتْ
(...)

ب – السلطان المولى عبد الحفيظ والحماية:

عبر السلطان الحفيظ عن موقفه من الحماية والحماة وخصوصا المحميين الذين تلاعبوا بمصلحة البلاد، مقابل مصلحتهم الشخصية، فلم يقوموا بما تفرضه عليهم آصرة الدين والوطن، فعاتوا في الأرض فسادا. ولم تنلهم – مع الأسف – الأحكام والعقوبات... وكان تعبيره عن موقفه نثرا بمخطوطته: داء العطب قديم(59) وشعرا بعدة قصائد فصيحة(60)، ولكن لا تكتمل صورة وحقيقة الموقف الحفيظي من خلال نثره وشعره الفصيح، إلا بالإطلاع على شعره الملحون ودراسته والذي أفرغ فيه ما كان يعتمل في نفسه وقلبه وعقله، ألما وحسرة على من باعوا دينهم بدنياهم، وتقاعسوا في أمر الجهاد. وعلى من تقوَّلُوا فيه والمتجنِّين عليه، فنعتوه بالخيانة والمضاربة بالمصلحة العليا للوطن. يقول السلطان العالم الشاعر المولى عبد الحفيظ في أول قصيدة افتتح بها ديوانه المطبوع على الحجر وحربتها:

بَالنّْببي وَاصْحَابُو وَكْرَامْهَا وُلْفْضَـالْ
غِيثْ هَاذْ الْغَرْبْ وَطْرَدْ كُلّْ ضَالِـي
هَكْذَا حَالْ الْوَقْتْ وُمَا اخْفَاكْ مَقْوَالْ
وَطْبَايَعْ الْخَلْقْ اقْضَـاتْ ابْلَهْوَالِـي
وَالدِّينْ ابْغُرْبَة نَكْسَاوُزَادْتُو اوْحَــالْ
وَاللِّي يَتْعَفَّفْ يُدْعَى بَالْمْحَالِي (...)
ضَاقْ مَذْهَبْ الْحَقّْ وُبَانْ كُـلْ مُخْتَالْ
كَانْ يَرْصَدْ الْوَقْتْ الْذِي ايْكُونْ تَالي
مَا اوْفَاوْ ابْوَكَدْ لَعْهُودْ نَاسْ لَجْيَــالْ
وَلاَ ادْعَاوْ الْحُرْمَة لَحْفَادْ وْلَقْيَـالِي
حَالْهُمْ انْمَثَّلْ حَرْبَة افطَرْزْ لَفْعَـــالْ
مَا اتْكِيدْ تَجْبَرْ ارْجَالْ ابْلَمْعَالــي
اتْشُوفْهُمْ افْتَقْوِيمْ الْجَسْدْ نّاسْ عُقَّـالْ
حِينْ يَنْطَقْ اتْظْنّْ امْثِيلْ الْبَرْتْقَالِي (...)
(...) مَا سَمْعُوا بْالحْدِيثْ مَا فَقْهُوا تَنْزيلْ
وَلاَ يَدْريوْا فَنْ مَعْنَـى افْتَرْتِيــلا
نَحْكِيهُمْ كَحْمِيـرْ بَحْمُـولْ اثْقِيلَــة
غَرّْهُمْ الشِّيطَـانْ اوْلاَ ادْرَاوْ لَمْـــآلْ
وِيلْهُمْ مَا سَمْعُوا مَا فَاتْ افْلَجْيَـالِي
زَادْ لْهُمْ حُبَّانْ فَلْفَانيَـة فْالأعْمَـــالْ
مَا اقْرَاوْ الْحُرْمَـة لَلنَّايَـرْ بْلَقْوَالي(61)

تلك بعض النماذج من قصائد الملحون، في مواضيع مختلفة من تاريخ المغرب وحضارته، حاولت من خلالها تبيان مدى توازي وتكامل هذا اللون من الأدب الشعبي مع النصوص التاريخية وإبراز أهميته وقيمته في إغناء البحث التاريخي.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29/03/2011, 20h00
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي الملحون في المغرب-ج 1

الملحون في المغرب-ج 1


قيمته الفنية وبعض آفاق اشتغاله


د.عبد الوهاب الفيلالي

الملحون تراث والتراث أبو الحداثة. ولا تبنى الحداثة إلا بالحوار المستمر بين حاضر الإنسان وماضيه ومستقبله، وكلما استمر هذا الحوار في الوجود وتمادى في الإنتاج اتضحت نفعية هذا التراث أكثر، وبرزت نجاعة أساليب الحوار المعتمدة معه.
إن هذا العدد من مجلة فكر ونقد إسهام فعال في مشروع حوار جاد مع تراث الملحون، ينبغي ألا يتوقف، بل يتطور فيشمل مختلف ألوان التراث المغربي الحبلى بخصوصيتنا المغربية الثقافية؛ الفنية والفكرية والحضارية.
إن القضية، إذن، قضية هوية وكيان، خاصة عندما يتعلق الأمر بتراث أصيل ومتجذر مثل فن الملحون الذي عدٌه محمد الفاسي- فأصاب – ديوان المغرب وسجل حضارته1.
نعم، الملحون ديوان المغاربة وسجل حضارتهم، وهو ذو قيمة مزدوجة، فنية وجمالية، ثم ثقافية وحضارية. ويكفي أن نعود إلى قسم التراجم من "معلمة الملحون"2 - مثلا- لنتبين قوة انتشار هذا التراث واتساعه في الزمان والمكان، أما كتاب "القصيدة3 للدكتور عباس الجراري فيكفيك لتكتشف شساعة المعاني وعمق الأفكار وقيمة الفوائد المبثوثة في الشعر الملحون، وكذا تنوع بنائه وبحوره…. ومن ثمة، يكون هذا التأليف وذاك وغيرهما، مثل بعض كتابات عبد الرحمان الملحوني4 وكتاب "الملحون المغربي"5 لأحمد سهوم، مدعاة للمزيد من البحث والتنقيب في تراث الملحون...
يتمتع فن الملحون، إذن، بمجموعة من أنواع ومظاهر القيمة - شعرا وإنشادا – مما يجعله مؤهلا بامتياز للتقاطع مع العديد من فنون القول والتفاعل مع عدد من ألوان الإبداع.
هذا وذاك ما نروم الإفصاح عنهما من خلال تتبع بعض مظاهر القيمة الفنية للملحون، مركزين على جانب النظم فيه أكثر من الإنشاد، ثم راصدين بعض آفاق اشتغاله في ذاته وفي تواصل مع غيره.
القيمـــــة الفنيــة
الملحون فن شعري وإنشادي غنائي متميز، وقد يكفي السامعَ سماعُه وتذوقُه الانطباعي تَعَبَ البحث عن بواعث ومظاهر قيمته الفنية وكوامنه الجمالية. وإذا كان هذا شعور جل أو كل المتلقين، فإنه من الدواعي الأكيدة عند الباحث في فن الملحون لرصد تلك البواعث والتجليات، وتفحصها بعناية تامة حتى تتكشف أسرار قوة تأثيره الفنية في السامع المتذوق وفي غيره من الفنون الحديثة.
ولما كانت المظاهر الغنائية للقيمة الفنية للملحون كامنة في التوليف القائم بين الآلات الموسيقية الأصيلة، والمقامات والطبوع، وصوت المنشد، وما يثيره فعل الغناء من شعور في نفس المتلقي في المغرب وخارجه، ويورثه من إنجازات- جوائز و أوسمة- في منتديات ومحافل دولية في مختلف أصقاع العالم، وكان ذلك من اختصاص الباحث في فن الموسيقى والغناء، انصب اهتمامنا على الشعر الملحون الذي خلصنا إلى قيمته الفنية من خلال استجلاء مجموعة من بواعثها وتجلياتها، نورد بعضها تباعا كالآتي :
أولا : تتفاعل في نسج قصيدة الملحون مقومات وآليات الاشتغال الفنية المتداولة في اللغة الشعرية مع بروز بعضها، مثل الحكي أو القص، والحوار، والوصف والتشخيص، مع الانفتاح على أفق الخيال المبدع للصور المتجاوزة أحيانا كثيرة مستوى الصور التشبيهية التقريبية والجزئية أو الصغرى إلى الرمز والإشارة والصور الكلية الرؤياوية التلويحية المنتجة للمعنى الإيحائي والصادرة عن مستوى "الإدراك الحلم"، في مثل بعض قصائد الملحون الصوفي عند عبد القادر العلمي ("الساقي"-"البستان")، ومحمد الحراق، وأحمد بن عبد القادر التستاوتي، والفلوس، وغيرهم، وأيضا في العديد من قصائد الغزل، عند أمثال الجيلالي متيرد والتهامي المدغري، وفي بعض "الجفريات" وقصائد "الحجام"و "الشمعة"، حيث يكون النص فضاء سفر في الزمن النفسي، ويكون كل واحد من مكونات العالم الخارجي الحاضرة فيه جزءا من صورة العالم النفسي الداخلي وحلم اليقظة الذي تصبو إليه الذات.
وفق هذا الطرح الرمزي الإيحائي ينبغي أن تقرأ الكثير من قصائد الملحون، مثل قصيدة "البستان" و" الساقي" لعبد القادر العلمي، وقصيدة "الشمعة" لابن علي وغيرها. فهي من صنف الصورة الرؤيا6 و مستوى مقام الكشف في الإبداع الفني، "فالساقي"7 - مثلا- مأوى لتجربة روحية ذوقية، ولطموح صوفي يسمو على المظهر المادي المدنس إلى الباطن الروحي المقدس، المتجلي في وصال الحق، والنعيم بصفاء الحياة الصوفية، ورؤية نوره سبحانه بعين البصيرة، رؤية ذوقية قلبية، تفاعلت في بنائها عناصر الطبيعة بأشجارها وأزهارها وأطيارها، وليلها وفجرها ونهارها، والسكر بخمره وأوانيها المتميزة، ومجالسه وطقوسه التي تتفاعل فيها المرأة الجميلة والموسيقى المثيرة والطرب واللهو والزهو…. ومن أقسام القصيدة التي تجتمع فيها تلك العناصر قول العلمي :
رَاحْ الليـل وَلا ابْقَا الاَّ و قت المعَانْقَا كَبّْ ارَى وَرْخِ الرّْوَاقْ
اولشجَـار الباسقـا اوْ لطْيارْ الناطْقَا عمّـرَاتْ بَلْغَاهَا اسْوَاقْ
كبّْ الصهبا الخَارْقا مَنْ كيسان لَبْنَادْقَا منْ زِاجْ ابْلاَد العْـرَاقْ
تَظْهَرْ خَمْرَا بارقـا فَا لْلأواني شارقا كِلُونْ اسْحِيقْ الرهَـاقْ
غنيّ بَشْعَــارْ القدَّام وذْكِرْ طَبْعْ العُشِّاقي مَتَّغني فجْمَال صُورتَكْ والحَاضَكْ لغْسِيقَا ياخَدْ الوَرْدْ الشَريقْ
بَصْنَايَعْ وسْجولْ والتواشَحْ مَنْ شُغْل دْوَاقِي وَذْكَرْ قُصْدَان اكْبَاحْ وبْرَاوَلْ فَتْرُونِيقَا
منْ طَرْز الحَبْر اللبِيقْ
إذا كانت تلكم حال الصور الرمزية أو الكبرى فإن الصور التشبيهية أو الجزئية لا تخلو بدورها من قيمة فنية، من ملامحها بساطتها المحافظة على تواصل شاعر الملحون مع وسطه الشعبي الذي أنجبه وشعره، والسمو بالمحبوبة في قصائد الغزل فوق باقي الموجودات التي جرت العادة أن يشبه بها جمالها، من خلال قلب الأدوار بين المشبه والمشبه به، مثل تشبيه عيون الظبي بعيون المحبوبة في قول الحاج ادريس بن علي السناني لحنش من قصيدة "ياسمين" :
وعيون كعْيون الظَّبِي اسْرَادَا مْهَدْبِينْ وَيلا نْجِيوْ لَلْحَقْ الغْزَالْ ايْغِيرْ مَنْ اهْدَابَكْ.
وسمو ضياء جمالها على نور الشمس ساعة الضحى في قوله من القصيدة عينها :
انْتِ الِّي اعْلاَ شَانَكْ عَلْ لَبْنَات كاملين والشمس فالضحى تَسْتَحْي، تَغِيرْ مَنْ خيْالَكْ
وعلو مقامها على كل مصادر الضوء في النهار والليل في قول محمد بن علي ولد ارزين في قصيدته "زينب" :
مَا مْثِلَكْ بَدْرْ افْغِيهَابْ والنهار اشْموسو فَمَامْ صورتك مَرْهُوبَا
بِيك يَسْري كَمَّنْ كُوكَبْ
كل هذه الصور الصغرى توحي بمكانة المحبوبة في نفس الشاعر، وما يكنه لها من ودٍّ يتجاوز الحدود الفاصلة بين الموجودات ومظاهر الطبيعة الأرضية والسماوية، فتغدو جميعا في خدمة المحبوب النموذج أو المثال وكشف عاطفة الشاعر تجاهها، ترمي كلها إلى معادلة اللغة للعاطفة معادلة موضوعية تتحول معها المبالغة إلى مكون فني محمود ومطلوب، كما في قول التهامي المدغري من قصيدة "عين الحرشا" :
عينو اسباب ديك النار الشعالا شفت عين ادّوَّب لحبل وتوكح لبحور بَعدا تَملا
ثــــانيا : لم يكتف شاعر الملحون بمصدر واحد في بناء صوره، وإذا كانت النماذج التي أوردنا ضمن إبراز بعض الملامح الفنية في الصور الصغرى التقريبية مستقاة من الفضاء الطبيعي، فاءن الطبيعة لم تشكل الرافد الأوحد للصورة الشعرية في فن الملحون، وإن حضرت بقوة، إذ هناك – فضلا عنها وعن خيال الشاعر – الحضارة المغربية بمختلف تجلياتها، كل حسب منطقته ومجال عيشه وفسحة حركته وتنقله، وهناك أيضا الواقع المغربي الديني الأخلاقي، والاجتماعي الحياتي اليومي، والحربي…، وثقافة الشاعر التي تتجلى فيما يستدعيه من شخصيات تراثية أو أسطورية، وأحداث ووقائع ومعارف في شتى مجالات المعرفة الفكرية والعلمية؛ الدينية والفلسفية والصوفية والأدبية….
للتمثيل فقط، نلاحظ أن الصورة الشعرية في شعر شاعر فاس محمد بن سليمان تتقاطع في بنائها عناصر الطبيعة، والحضارة الفاسية – خاصة – بأثوابها وملابسها، وعمرانها ومعمارها، وعاداتها وتقاليدها، وموسيقاها ومجالسها…، وقصيدته "الحجام" نموذج لأثر هذا المدار الحضاري في صوره، ينضاف إلى ذلك واقع الحروب والصراع بين القبائل والثورات على فاس عاصمة البلاد (جروان- بني مطير- آيت أومالو…)، واستدعاء الشخصيات التراثية والأسطورية والرموز الدينية…، والمطلع على شعره، مثل قصيدة "الشهدة" وقصيدة "السيف العلاوي"، يتلمس هذه المصادر أو العناصر ويستخلص غناها، يقول في القسم الأول من قصيدة "الشهدة" :
الرعد زام طبلو من بعد كناطر الصمايم والبرق سل سيفو ويخبل في خيول لمزان والـــريح فــارس يشـالي
عن عكاب العلفات عل الوغا مشمر
القزاح شد بند للفرجا عساكرو تلايم وحرك بالمطار للبيدا حتى جرات ويدان قــلبي بـــحبها ســالي
وبطايح النواور تدهكن منها نسايم فصل الربيع هذا ما كيفو فزمان سلطان كــل فج من ديك الصبا مخضر
وعلـــى اجــميع لقيـالي
عبقــري لابس منو دايرا موبر
مبسم الثنايا مشروح وفاز بالغنايم بالورد والزهر عل لطيار الناشد اصبهان فــرياض مبتهـــج عالي
بيـن وردات النحلة شهـدها تعمر
فهذا القسم وحده تتلاقح في تشخيص معناه ساحة الوغى ومشاهدها وعناصرها الحربية، والطبيعة وبعض مكوناتها ومظاهرها الأرضية والسماوية، وكذلك بعض الطبوع الموسيقية (اصبهان)….
ثـــالثـــا: يتنوع البناء الهيكلي لقصيدة الملحون ولأقسامها تماشيا مع تنوع البناء الإيقاعي، وتنوع البحور (المبيت-المشتب-السوسي- مكسور الجناح)، والخصوصية البنائية أو الصورية التي يفرضها كل بحر.
معنى ذلك أن التحول الإيقاعي والصوري المنظم يعد من خصائص أقسام قصيدة الملحون، وملامحها المبعدة عن الرتابة الفنية، والمفيدة للحركة والمسهمة في الإبداع وبعث الشعور بالجمال عند المتلقي، بفضل التوليف الإيقاعي والإنشادي القائم بين مختلف الأطراف المشكلة للقصيدة (الأقسام- السرابة –النواعر –العروبيات….)، حيث يدخل التشكيل الصوري المعماري في علاقة تخاطبية مع التشكيل الإيقاعي ومع الإنشاد وطبوعه فتأتي "السرابة" –مثلا- سردا إنشاديا سريعا بالمقارنة مع أقسام القصيدة…، وتتردد الحربة في كل قسم بصوت إنشادي جماعي…، إلى غير ذلك من مظاهر التواصل والتفاعل بين فضاءي النص والإنشاد.
رابـــعــا : ارتباطا بمقوم الحكي في الشعر الملحون، ومراعاة لقوة حضوره في العديد من الأغراض وأصناف القصائد (شعر الغزل- الحجام-المرسول-الخلوق-الوفاة-المعراج…-وصف الطبيعة-النزاهة-الغزوات…)، وأيضا قدم الشعر الملحون وارتباطه الوثيق بالهوية الفنية والثقافية المغربية، يمكن اعتبار قسم مهم من هذا الشعر واحدا من الأصول الحكائية في المغرب إلى جانب الحكايات الشعبية، والخرافات، ونصوص المناقب، وحكايات الكرامات الصوفية، وغيرها.
خامـســا : بناء على القيمة الفنية للشعر الملحون، وباستحضاره في الحسبان يمكن أن تراجع بعض أحكام القيمة الصادرة في حق الأدب المغربي في بعض فتراته، مثل الحكم عليه بالضعف والسقوط إبان القرن التاسع عشر الميلادي الذي لم ينتبه عدد من مردديه إلى الشعر الملحون والأدب الصوفي أحق الانتباه، وإلا كانت النظرة أوسع وأشمل، وتغير ذلك الحكم بعضه أو كله.
سادسا : يتميز الشعر الملحون بتفاعل ناجح بين اللهجة المغربية ولغة المعرب المدرسية إلى حد التماهي بينهما الذي ولد لغة الملحون وكان أحد أهم خصائصها الفنية، هذه اللغة التي تنماز بالخرق والتجاوز في المعجم والتركيب والدلالة، مادام هناك من الكلمات الفصيحة ما يتحول في نطقه إلى الدارج العامي، ومن الفصيح واللهجي العامي ما يتبدل معناه جزءا أو كلا، هذا فضلا عن ولادة وحدات معجمية لا عهد للفصيح واللهجي العامي بها.
إن من شأن هذه الخصائص اللغوية أن تكون بواعث فنية وجمالية تكسر أفق انتظار المتلقي الذي يقرأ نص الملحون ويستأنس بالفصيح والعامي فيه ظانا أن معنى الكلمة واحد، اكتفى شاعر الملحون بنقله ليس إلا، والصواب غير ذلك، فحين يقول –مثلا- حمود بن ادريس في قصيدة "الحجام" : "صول احجام العانس الدامي"، فإن تفسير "العانس" بالفتاة التي تجاوزت سن أو مرحلة الزواج دون أن تتزوج، الثابت في المعجم العربي الفصيح، يعد تفسيرا خاطئا، إذ عكسه هو الصواب كما توحي دلالة ذلك الشطر، "فالعانس" فيه فتاة حسناء مطلوبة، يعشقها الشاعر فيدعو "الحجام" الرسام إلى تشكيل الصورة أو الوشم بإيحاء من حبه لها وجمالها الأخاذ. كذلك هو مفهوم "العانس" في كل الشعر الملحون ومنه قول التهامي المدغري من قصيدة "عيون المهرا":
يوم اتمايحت أنا وعانسي والغصن افتلقاح
بين ورد امكـــــــــــــــلل بنداه طيبولقاحا واطيار عليه افصاح بين للقاحي
اغلب نوح لطيار وقدها اغلب الغصن فضياح والخد اغلب بنصاح ورد فصباحي
والثغر غالب جوهر النظيم بنصاحا
بعيدا عن هذا المثال وذاك، يمكن الرجوع إلى ما تداوله الدكتور عباس الجراري من مصطلحات ووحدات معجمية في كتابه "القصيدة" وغيره، وأيضا القسم الأول من الجزء الثاني من "معلمة الملحون" لمحمد الفاسي الخاص بالمعجم، فهذان وغيرهما مثل "الملحون المغربي" لأحمد سهوم مصادر مهمة تؤشر على قيمة وخصوصية لغة الملحون المعجمية والتركيبية والدلالية وتدعو إلى مزيد من البحث في هذا المجال اللغوي.
سـابـعـا : إذا أمكن اعتبار تعدد أغراض الشعر ونشاط النظم من مظاهر القيمة الفنية، فإن الشعر الملحون في المغرب عرف بأغراضه المتنوعة والمتفرعة والمكتنزة، فالمديح النبوي –مثلا- يشمل وحده ألوانا من الموضوعات أو الأغراض الصغرى التي تعرف بها قصائده، منها : الخلوق، والوفاة، والمعراج، والمرسول، والمرحول، والحمام، والورشان، والغزوات، والتصلية…، وشعر الهجاء تندرج ضمنه قصائد "الدعى". والمطموس، والمهراز، والبغاز، والقرصان، وأيضا الخصام، وغيرها.
الملاحظ، في اتصال بتعدد الأغراض ونشاط النظم وذيوع نصوصه، أن شعر الملحون لم يتراجع عن إرضاء الذوق العام، وتربية ملكة الخيال عند العامة والخاصة، ومساوقة المسار الفني والفكري في المغرب بقدر ما احترمه وشكل أحد ركائزه المميزة، ولذلك حين نعتبر الأدب الديني ركنا مهما وجوهريا في بناء صورة الأدب المغربي، وأنه الأدب الرسمي الحقيقي، إذا راعينا خصوصية الانتشار والذيوع، إنتاجا وتلقيا، وضمنه الأدب الصوفي، خاصة في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر وبداية العشرين، فإن الشعر الملحون يؤكد حضوره الفعال في إثبات هذه الحقيقة.
ثـــامــنـا : يخلص الفاحص لفن الملحون، شعرا وإنشادا وسياقا، في تواصل مع الحركة الفنية المعاصرة بمختلف أنواعها، إلى وجود توافق وتقاطع متأصلين بينه وبين بعض الفنون، مثل المسرح والتشكيل، وبعض فن الغناء الحديث والمعاصر…، مؤدى ذلك أن فن الملحون مؤهل لتجاوز زمانه والاستمرار في ذاته من خلال تفاعله وتواصله مع الفنون الحديثة. وأهليته تلك نابعة من قيمته الفنية المتجلية في كفاءة الوصف والتشخيص وتوظيف طاقة الخيال ومكتسبات الذاكرة، والوعي الفني لدى أصحابه، وكذا خصوصيات إنشاده، وقوة تأثيره في المتلقي التي أبرزها أحمد التستاوتي-أحد شعراء المعرب والزجل – في الباب الخامس الخاص بالملحون من مجموعه الأدبي: "نزهة الناظر وبهجة الغصن الناضر"8، مشبها الشعر الملحون بنغم الوتر الذي يطرب ويحرك ويثير، وتدعن له الأسماع والقلوب، يقول في تقديمه لذلك الباب :"الباب الخامس في ذكر ملحونات مثل نغمات الأوتار، تطرب الأرواح، وتحرك الأشباح، وتلبس القلوب ملابس الانكسار".
لقد أثبتت بعض الأعمال الفنية الحديثة كفاءة فن الملحون وأهلية استمراره في الزمان مثل مسرحية "الحراز" ومسرحية "الدار"، وتلك القصائد التي غنتها بعض المجموعات الفنية المعاصرة، مثل "جيل جلالة" و "ناس الغيوان"، ومنها قصيدة "الشمعة" لابن علي، و"مزين أو صلوك" لعبد القادر العلمي، و"الشهدة" لمحمد بن سليمان وحربتها :
اصاح زارني محبوبي يامس كنت صايم شهد اقطعت واجنيت الورد كالوكليت رمضان مهجوره قلت مدى لي
أحبيب الخاطر واش لمريض يفطر
تــاسـعــا : تصادفنا في مسار رصد بعض ملامح المكانة الفنية للملحون مجموعة من أحكام القيمة، صدرت عن مولعين بهذا الفن وباحثين فيه، في حق العديد من شيوخ نظمه وشعرهم، من شأنها أن تكون مرآة من مرايا فنيته والوعي الفني عند أصحابه، وأن تحرك همم الباحثين لبذل مزيد من الجهد في استكشاف خباياه وكشفها ، من ذلك قول الدكتور عباس الجراري في حق التهامي المدغري :"ولعل شهرة المدغري في الزجل… لم يدركها غيره حيث كان يعتبر شاعر المرأة والخمر الأول… في كل فترات الزجل، ويعتبر بالتالي أكثر الشعراء قبولا لدى الجماهير"9، وقوله أيضا في حق الحاج ادريس بن علي السناني لحنش :"أكبر شعراء الزجل بعد التهامي المدغري، كان ينظم في كل الموضوعات فيجيد…"10. أما الباحث محمد الفاسي فيقول عن الجيلالي متيرد وشعره :"من أكابر شعراء الملحون… وهو من الطبقة العالية في هذا الميدان… كان … ينظم في سائر الأنواع وفي جميعها شاعريته من الطبقة الأولى"11 ويقول عن التهامي المدغري : "يعد عند كثير من النقاد أكبر شاعر في الملحون وخصوصا في النوع الغنائي"12.
توارثنا في هذا السياق مجموعة من الآراء والأحكام في حق الشعر الملحون وقيمة شعرائه ومكانتهم، فاه بها معاصروهم، لا مندوحة عن الاهتمام بها ومراعاتها وفحصها من خلال دراسة شعر من قيلت في حقهم، وهي آراء تتسم بالحكمة والتأمل العميق، وإن ظهر للوهلة الأولى أنها ذات طبيعة انطباعية، منها قول السلطان مولاي عبد الحفيظ في الجيلالي متيرد :"هو امثرد وعامر بالثريد"13، وقول الفقيه العميري في حق تلميذه عبد القادر العلمي بعد تفوقه في مباراة شعرية تبارى فيها مع غيره من التلاميذ في حضرة الشيخ :"هذا الذي دخل الروض وجنى ورده"، ومنها أيضا القول المشهور في شخص محمد بن علي ولد ارزين :"فاكهة الاشياخ وشريف المعاني"15، وما يقال عن عبد العزيز المغراوي :"كل طويل خاوي إلا النخلة والمغراوي"16.
ما كان لهذه الأحكام والآراء الصادرة عن تذوق فني وتأمل في الشعر الملحون أن توجد لولا ما يتحلى به هذا الشعر من مقومات فنية وخصائص دلالية مثيرة، فما بالك لو أضيف اللحن أو النغمة إلى الكلمة … وحل الإنشاد محل القراءة الشعرية، لا محالة ستتكشف أكثر آنذاك القيمة الفنية للملحون.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29/03/2011, 20h01
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي الملحون في المغرب - ج 2 -


الملحون في المغرب - ج 2 -

آفـــاق الاشــتــغــــال
الملحون لون فني تراثي مكتنز، وإبداع شعبي أصيل، يتمتع بمقومات الحياة والاستمرار في ذاته وفي غيره إن استثمر استثمارا ناجعا وصحيحا من خلال تحديثه وتقوية أواصر التواصل والتفاعل بينه وبين ما يرتبط به من قطاعات وفنون وآداب وأبحاث، مثل التجربة الشعرية المعاصرة، الفصيحة والزجلية، هذه الأخيرة التي يعد شعر الملحون أقرب النصوص التراثية إليها، إلى جانب غيره من ألوان الزجل، وتجربة الغناء والتلحين، وفن المسرح، وفن القصة والرواية، والدراسات التاريخية والحضارية أو الانتربولوجية، والدراسات اللغوية والصوتية التي -لا محالة- ستجد في التفاعل الحاصل بين اللغتين العامية والفصيحة داخل لغة الملحون المتمتعة بخصائص تميزها عنهما معا وتحقق خصوصيتها بالمقارنة معهما، مرتعا خصبا للبحث والتمحيص، إلى غير ذلك من ألوان الإبداع والمعرفة الحديثة التي تجد في ذاتها وفي تراث الملحون أهلية محفزة لمصاهرته والإفادة منه ورفده في الآن ذاته، خاصة أن هناك أعمالا فنية معاصرة تقاطعت مع فن الملحون واستفادت منه، أثبتت الأيام وردود الفعل الذوقية والنقدية قيمتها العليا، مثل تلك القصائد الملحونة التي غنتها مجموعة جيل جلالة أو ناس الغيوان، نحو "لطف الله الخافي" للحاج أحمد الغرابلي، وقصيدة "الشهدة" لابن سليمان، "ومزين أوصولك" لعبد القادر العلمي، و"الشمعة" لابن علي، وذلك "العروبي" الجفري "للموقت" وأوله :
سبحان الله صيفنا ولى شتوا وارجع فصل الربيع فالبلدان اخريف
هذه كلها نماذج نستخلص منها إمكان إفراغ كلام الملحون في قوالب موسيقية غير قوالبه الأصلية، مع استمرار نجاحه، مما يعني أنه كلام يتبدى على حدود الزمان وقيود الألحان، دون أن تفقد مقاماته وطبوعه الأصلية قيمتها ورونقها لما فيها من تموجات وتحولات تبتعد عن النمطية فتثير المتلقي وتشد انتباهه إليها.
يمكن أن نستحضر في هذا السياق تلك المسرحيات التي شكلت قصائد الملحون نصوصها وكان مبدعوها مؤلفيها، مثل "الحراز" و "الدار" وغيرهما، ونستحضر أيضا بعض الأغاني العصرية التي تجاوزت شهرتها حدود الوطن ليحظى أصحابها من خلالها بأرقى الجوائز والتشريفات، أعني على سبيل التمثيل أغنية "الله حي". للفنان عبد الوهاب الدكالي التي يمكن أن نؤكد استئناس المحبين لشعر الملحون بها استئناسا ذوقيا انطباعيا في البدء، سره بناؤه المتقاطع مع بناء نصوص الملحون في شكل أقسام تفصل بينها لازمة ترددها الجماعة، وأيضا بناء بعض تلك الأقسام مثل قوله :
فين سقراط فين افلاطون
فين الغزالي وابن خلدون
فين كاليلي وفين داروين
فين ابن سينا وطه حسين
فين نوبل فين اريسون
فين دليلا وفين شمشون
فين فين فين
الذي يذكرنا بأقسام تتخلل العديد من قصائد الملحون، خاصة في موضوع "الوصاية" أو "الموعظة" الذي لا يخالفه موضوع الأغنية تلك، مثل قول الحاج محمد بن عمر الملحوني من قصيدة "ضاق الحال" :
وين الطغات العضما اصحاب لضعان فالترى سكنو تحـــــت اللحد والكفانــــــي
وين قبلهوم الملوك فاتت ازمـــــــــان كل من زاد فنى لا بـــُـــــــدّ ليه فانــــــي
لاتغرك نفسك يا من بدانك تـــــراب فيق من نومك واستيقظ يالمعـــــــــــــدوم
من بغاه المولى للخير كان سبــــاب في صلاح الناس أو يجري اعلى نفعهوم
وقول المغراوي :
وين ابراهيم وين اسماعيـــــــــــــــل وين يسحاق وين يعقــــــــــــــوب أوّلادو
وينو الياس وين دانيال اهل الجــــــــد وين ذا النون اسرور قلبو واعيـــــــــادو
وقول محمد بن سليمان الفاسي من قصيدة "التوبة"
وين مـــــن غرتهم بلمال ونصـــــر
مفازو غيــــــــر بلقبـــــــــــــــــــــر
.........
ويـــــــــن سلاطين والتجــــــــــــار
ويــــــــــن شجعـــــــــــــــــــــــــان
فـــــــــاتو لصـــوص الطغـيــــــــان
وين عنتر واين من كانو قبلو اعتاق
.........
وين فاروق ومالو بعد ما كثـــــــــر
.........
وين فرعون من جهلو بموســــــــى
فســــويس ابقومــــــو نغـــــــــراق
إذن :
كـــل شــي راح مع الزمـــــــــــــــــــان
كل شــي صار ف خبــــر كــــــــــــــان
والنهاية ف الحياة وما يدوم غير وجه الله
الله حــــي الله حي باقي حي ديــــــــــــما حي
كما جاء في نص أغنية الفنان عبد الوهاب الدكالي.
فلا ريب، إذن، أن للبناء الفني اللغوي يد طولى في نجاح هذه الأغنية، وهو بناء متأصل في شعر الوعظ والإرشاد عند أهل الملحون، فكما أفاد منه عبد الوهاب الدكالي أو جيل جلالة... يمكن أن يفيد منه غيرهم، مثلما يستفاد أو يمكن أن يستفاد من باقي ألوان التراث الفني المغربي، والمهمة أو المسؤولية، إذن، ملقاة على أهل الفن والغناء، أصحاب كلمات ومبدعي لحن وموزعي موسيقى..
إذا ما انتقلنا إلى لون فني معاصر آخر هو فن الرسم والتشكيل، أحد أكثر الفنون تواصلا مع التجربة الشعرية المعاصرة، وبحثنا في تراثنا المغربي عن النصوص الشعرية الأكثر استعدادا للتحاور معه فستكون منها قصائد الملحون، وبصفة خاصة قصائد "الحجام" التي يعتبر بناؤها الصوري لوحات تتناغم فيها عدة ألوان وفضاءات لتشكيل اللوحة أو الرؤيا التي يصبو إليها الشاعر. معنى ذلك أن آفاق التواصل مفتوحة بين فن التشكيل وكلام الملحون، فما بالك لو استدعيت قصائد "الحجام" في قالبها الإنشادي وبنائها الموسيقي، فلا شك أن تلك الآفاق ستزيد انفتاحا، في ظل ما نشاهده اليوم من تناص مشخص بين الكلمة والنغمة والصورة التشكيلية أو غيرها في العديد من المناسبات، قراءات شعرية كانت أو معارض فنية أو غيرها.
كيف لا، والملحون يجمع في ذاته بين الكلمة والنغمة والصورة، وهو فضاء نصي وصوري منسجم، ومجال إبداعي رمزي وإيحائي، وتلكم خصائص مشجعة للتفاعل معه وإنجاز أعمال من قبيل ما ضمه مهرجان محمد الخمار الكنوني الرابع بتطوان، أعني تلك اللوحات التي تحمل كل منها قصيدة من قصائد شاعرنا المعاصر للكنوني وعبد الله راجع وغيرهما….
لا فسحة للتردد أيضا في بعث وشائج التواصل وتجديدها بين فن الملحون وقطاع الصناعة التقليدية والتجارة المرتبطة بها، بعد أن تأكد أن وجود كل منهما ظل مرتبطا بوجود الآخر طوال حياة فن الملحون، وهنا نتساءل مقترحين : ألا ينبغي ضم مشروع النهوض بفن الملحون إلى مشروع النهوض بالحرف والصناعات التقليدية في المغرب، بحيث يمكن أن يعتبر بمثابة ملحق "للكتاب الأبيض للصناعة الحرفية والمهن"، ويحظى بدوره بالاهتمام في مشروع "الميثاق الوطني لتنمية الصناعة الحرفية والمهن"، علما أن الملحون فن في المقام الأول، ثم منشط اقتصادي ومكون من مكونات ثقافة الحرفي وزبنائه، وإحدى قنوات التواصل الناجعة والجامعة بين مختلف الحرف والصناعات داخل السوق التقليدية ؟
ما كان بوسعنا أن نقف على تلك المظاهر القيمية الفنية، ولا بمكنتنا أن ننفتح على بعض مشاريع الإفادة من فن الملحون وآفاق التحاور معه، لو لم يكن فنا قائم الذات ومستقيما في نظمه وإنشاده، ويتمتع بقيمته الفنية الراسخة وفرص استمراره في الوجود بفضل طابعه الجماعي، وخصوصيته الإنشادية، وجمعه بين اللغتين الفصيحة والعامية جمعا توليفيا متميزا يمسي فيه المدرسي عاميا والعامي راقيا لا يقل عن المدرسي إلا ليزيد عليه من خلال تفاعله معه وتجاوزه له أحيانا.
ألا يستحق هذا الفن بكل امتيازاته تلك أن ندعو – مرة أخرى – إلى تكثيف الاهتمام به نظما وإنشادا…، وتعميق الانتباه إلى قيمته الفنية وقيمته في ميادين الاجتماع والتاريخ والحضارة والاقتصاد… إشعارا بضرورة النظر إليه نظرة أعمق وأوسع يشارك فيها الباحثون في اللغة والأدب والإجتماع والتاريخ والحضارة والاقتصاد والموسيقى والغناء وغيرها من مجالات البحث التي بمكنتها خدمة هذا الفن، خاصة وهو من عناصر الهوية الثقافية والحضارة المغربية القوية والمهيأة للإسهام في الحفاظ على خصوصيات الذات أو "الأنا" وحمايتها في مسار النظام العالمي الجديد أو الحداثة العالمية الجديدة (العولمة).
التزاما بذلك، نجدنا في حاجة ماسة إلى دراسات مقارنة بين الشعر الفصيح والشعر الملحون وغيره من ألوان الأدب الشعبي، ودراسات مقارنة تعمق النظر في لغة الملحون ومنبعيها الفصيح والعامي، ودراسات أخرى تقارن بين الملحون في مختلف أقطار المغرب العربي وتكشف مظاهر التأثير والتأثر، والمؤتلف والمختلف، طوال المسار التاريخي لفن الملحون.
ارتباطا بدراسة لغة الشعر الملحون لابد من الانتباه إلى ضرورة الاهتمام أكثر بالانشاد والمنشدين، مع التركيز على أهمية النطق الفصيح لكلام الملحون إفصاحا واضحا خلال الانشاد حتى يجلب المتلقي فيستوعبه وفحواه، علما أن الملحون في سياقة الموسيقي أكثر استقطابا للجمهور من نص الملحون دون أن ينشد، وأن فئة عريضة من المتذوقين لهذا الفن تستقطبهم موسيقاه وألحانه قبل أو دون كلامه. ولا يعني ذلك ابدا أن البساط خلو من الأصوات المنشدة الكفأة ولكن قيمة الشعر الملحون والانشغال بالنغمة قبل أو دون الكلمة هما ما فرض هذا النداء.
إن الحاجة ماسة أيضا إلى دراسات عميقة ومتخصصة في جانب مازال القصور فيه قائما؛ أعني الإيقاع والأوزان في الشعر الملحون.
زد على ذلك أن باب التنقيب عن النصوص وتوثيقها والتحقق من أصحابها، وأيضا تدوينها مازال مفتوحا على مصراعيه، ذلك أن أهم مصادر هذا التراث – إلى جانب الخزانات العامة و الشبه عامة – هما الخزانات الشفوية (الحفاظ)، وخزانات الكناشات والمجاميع الخاصة، وهما مصدران يتآكلان مع مرور السنون ويضمحلان.
يغني هذا الواقع- طبعا – عن التذكير بخطورة بقاء تراث الشعر الملحون مخطوطا إلى أوان قد لاتتاح فيه فرصة إقامة المهرجانات وعقد الندوات الخاصة بفن الملحون، وفتح آفاق اشتغاله ورفده لغيره من الفنون والآداب والعديد من مجالات الحياة.
بناء على ذلك، لابد من تطبيق ما دعا إليها الباحثون الرواد أعني خاصة الدكتور عباس الجراري حين طرح، بوعي عميق نابع من خصوصية المغرب وغنى تراثه الشعبي وتنوعه، فكرة الإقليمية 17 في أفق جمع ودراسة التراث المغربي- ثم العربي كافة- وضبط التكامل والتظافر والوحدة بين مختلف الأقاليم، وهذا ما انتبه إليه أيضا المرحوم محمد المختار السوسي وكان سرا في اهتمامه بمنطقة سوس، يقول في مستهل كتابه "سوس العالمة" : "وبعد فليسمع صوت هذا السوسي كل جوانب المغرب… فلعل من يصيحون يندفعون [مثلي] إلى الميدان، فنرى لكل ناحية سجلا… فيكون ذلك أدعى إلى وضع الأسس العامة أمام من سيبحثون في المغرب العام غدا…"18
لابد، في مسار هذه الدعوة، أن يتم التوليف بين الفضاء الجغرافي والألوان التراثية المهيمنة فيه، بمعنى ضرورة الاهتمام باللون التراثي في كل منطقة ثم في مختلف مناطق وجوده، فإن كان المعقل الأول للملحون هو "تافيلالت" فإن معقله فيما بعد اتسع فشمل تارودانت ومراكش والجديدة وأزمور وسلا ومكناس وزرهون وفاس، وغيرها من المدن المغربية. فالمطلوب، إذن، هو جمع ودراسة تراث الملحون في كل من هذه المدن والمناطق ثم الإلمام به كله بعد ذلك إلمام تصنيف وتحقيق وتوثيق، والتقديم له ودراسته ونقده. وقد أنجزت – فعلا- بعض الأعمال المتصلة بهذا البعد الجهوي في شكل مقالات لمحمد الفاسي عن أهل الملحون في مكناس وزرهون، وفي دكالة وغيرها، ثم في شكل أعمال أكثر عمقا وتمحيصا مثل ما أنجز عن الملحون في تارودانت ورسالة الباحث منير البصكري عن الملحون في آسفي... وبعض الأبحاث الأخرى المنجزة والمنتظرة في إطار الإجازة وشهادة استكمال الدروس ودبلوم الدراسات العليا والدكتوراه، ولكنها تبقى ناقصة جدا مقارنة مع حجم الشعر الملحون وقيمته الفنية والثقافية والاجتماعية…، فهل جمعت كل قصائده، وهل ضبط أعلامه جميعا، ناظمين و منشدين وحفاظا وخزنة… في وقت نجهل فيه الكثيرين، ولا نعرف البعض إلا بإلاسم أو جزء منه19، ولا نتوفر من شعر العديدين من المشهورين إلا على بعضه، فما بالك بشعر المغمورين والمجهولين.
صفوة القول، إن الملحون فن وتراث يستحق، بل ينبغي، أن يحظى بالاهتمام اللائق والأوفر خادما ومخدوما، سبيلا وهدفا في الوقت نفسه، رافدا ومجالا للاشتغال، وهذا مسار منهجي ضروري في سياق المسار الفني والحضاري وبموازاة مع طبيعة النظام العالمي الحالي…. لا بد من ضبطه وفحصه ودراسته ثم الإفادة منه والنهل من منهله دون إلغاء هذا أو ذاك.
لايسعنا أمام ضخامة المشروع، وغنى فن الملحون واكتناز حقوله، وقيمته الجلية، وأهليته البينة في محاورة العديد من الفنون والأجناس الأدبية وغيرها، إلا أن نقول قول الدكتور عباس الجراري في مستهل كتابه "القصيدة" :"وبعد، فلسنا نزعم أننا قلنا جميع ما يمكن قوله في الموضوع ولا أننا أتينا بالقول الفصل فيه.."20، وأملنا أن يجد الباحثون في هذه السطور والأفكار ما يغريهم بالإسهام في البحث في تراث الملحون وكل التراث المغربي.
-


الإحـــــــــــالات
1- شعراء الملحون الدكاليون، مجلة المناهل ع24/س9 : 1402هـ/1982م، ص 204.
2- خصص محمد الفاسي القسم الثاني من الجزء الثاني من معلمة الملحون لتراجم شعراء الملحون، و قد بلغ عددهم في هذا القسم 588، جلهم من أهل الحاضرة. (منشورات أكاديمية المملكة المغربية – الرباط: 1992).
3- د. عباس الجراري : القصيدة، مكتبة الطالب – الرباط : 1970.
4- من كتابات عبد الرحمان الملحوني : أعداد سلسلة "أبحاث ودراسات في القصيدة الزجلية" ومنها كتاب "أدب المقاومة بالمغرب من خلال الشعر الملحون والمرددات الشفاهية" الذي نشرته دار المناهل، وزارة الشؤون الثقافية – المغرب.
5- الحاج أحمد سهوم : الملحون المغربي، منشورات "شؤون جماعية"، ط II : 1993.
6- ينظر : أحمد الطريسي أعراب : الرؤية والفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب
المؤسسة الحديثة – الدار البيضاء، ط I :1987، ص 241 وما بعدها.
7- حربتها : راح الليل، وعلم الفجر تاك الصبح الراقي ** دور على الحضرا بفناجلك تزيان الموسيقى واجرع للساهي ايفيق.
8- مازال الباب الخامس من "نزهة الناظر وبهجة الغصن الناضر" الخاص بشعر الملحون مخطوطا وغير محقق، بخلاف باقي شعر أحمد التستاوتي المعرب، الذي حققه عبد اللطيف شهبون في رسالة جامعية نال بها دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط. ومن النسخ المخطوطة للنزهة : مخ.خ.ع بالرباط: د 1302/ك1669/خ.الحسنية: 3070/خ.الصبيحية400/395.
9- د. عباس الجراري : القصيدة، ص 645.
10- المرجع نفسه: ص656.
11- محمد الفاسي : معلمة الملحون، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، ج II / ق II، 148-149.
12- المرجع نفسه،ج II/قII، ص 131.
13- نفسه، ص 150.
14- نفسه، ص 292-293.
15- نفسه، ص 60.
16- نفسه، ص259.
17- ينظر: "القصيدة"، ص 2/ الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه لعباس الجراري
مكتبة المعارف – الرباط، ص8.
18- محمد المختار السوسي : سوس العالمة، ص: 228-230 ، مط. فضالة –المحمدية : 1380 ه/ 1960م.
19- ينظر : معلمة الملحون، ج II/القسم II، حيث يورد العلامة محمد الفاسي عددا من الشعراء باسم "محمد"، يستهل الحديث عن كل منهم بقوله: "لاأعرف عنه إلا أن له قصيدة ".
ًًََُ20- كتاب : "القصيدة "، ص 16-17.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29/03/2011, 20h16
الصورة الرمزية starziko
starziko starziko غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:510608
 
تاريخ التسجيل: avril 2010
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 129
افتراضي أثر الآلة على الملحون

أثر الآلة على الملحون

عباس الجراري

قدم هذا العرض ـ مرتجلا ـ في الندوة العلمية الدولية التي نظمتها جمعية رباط الفتح في نطاق مهرجان الموسيقى الأندلسية المنعقد من 20 سبتمبر إلى 10 أكتوبر 1996 . وعقدت الندوة بعد ظهر السبت 7 جمادى الأولى 1417 ه =21 سبتمبر 1996 بقاعة المحاضرات التابعة لوزارة التربية الوطنية.


في بداية هذا العرض الذي سأتناول فيه " أثر الآلة على الملحون "، أرى ضرورة توضيح مفهوم كل من هذين الفنين: "الآلة " و "الملحون".
أما "الآلة " فهي ذلكم النمط الموسيقي الذي يعرف كذلك باسم " الموسيقى الأندلسية " بحكم ظهوره وازدهاره في رحاب الفردوس المفقود، والذي يعتمد الأداء الآلي المتكئ ـ لضبط إيقاعه ـ على نصوص شعرية متنوعة. وبسبب ذلك اكتسب تسميته ب "الآلة ".
وأما "الملحون " فهو ذلكم الشعر الذي تؤدى قصائده موقعة وملحنة في تركيز على إنشاد النص أو "الكلام "، وفق ميزان موسيقي يحفظ لهذا الإنشاد انضباطا إيقاعيا معينا.
ونظرا لأن الأساس في الملحون هو النص، فقد أطلق عليه " الكلام "، في حين شاع عن" الموسيقى الأندلسية" اسم " الآلة "، وهما مصطلحان ـ كما يبدو واضحا ـ يعكسان الخصوصية التي يتميز بها كل من الفنين .فأحدهما ينطلق من الشعر، والثاني من أداء اللحن الموسيقي.
وقد عرفت الآلة كما عرف الملحون تطورا يمكن تلخيص أهم ملامحه في نقطتين اثنتين:
الأولى: أن "الآلة " تحت تأثير عوامل موسيقية وشعرية محلية ووافدة عرفت في الأندلس تطورا أفضى بها إلى بناء منظم يقوم على "النوبة ". وهو مصطلح يعني مجموع الأجزاء التي يتتابع أداؤها داخل طبع خاص وبموازين متنوعة، مما يدل على وجود تأليف موسيقي متكامل يختلف عما كان معروفا عند العرب في الجزيرة من خلال نظام "الصوت ".
وقد انتقلت هذه "الآلة "إلى المغرب عبر عصور الاتصال، وأتيح لها أن تستقر فيه تراثا موسيقيا، لا سيما بعد انتهاء الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، بدءا من سقوط قرطبة سنة 1236 م إلى سقوط غرناطة عام 1492 م، وما تبع ذلك من هجرات إلى أقطار أخرى في طليعتها المغرب، حيث سادت مدرسة توفق بين الأثرين الغرناطي والبلنسي، في حين كان أثر إشبيلية قويا في تونس، وأثر غرناطة ظاهرا في الجزائر.
وعلى الرغم من الضياع الذي مس تراث "الآلة " بسبب اعتماده النقل الشفوي، فإن ما حافظ المغاربة عليه ودونوا منه ينحصر في إحدى عشرة نوبة هي:الأصبهان، والحجاز الكبير، والحجاز المشرقي، والعشاق، والماية، ورمل الماية، والرصد، وغريبة الحسين، ورصد الذيل، وعراق العجم، والاستهلال. كما أن الطبوع أو الموازين التي تؤدى عليها هذه النوبات هي: البسيط، والقايم ونصف، والبطايحي، والقدام، والدرج. ويظن أن نوبة الاستهلال وميزان الدرج من إضافات المغاربة.
الثانية:أن الملحون تطور محليا على مدى مراحل متباعدة، متأثرا بعوامل شتى، في طليعتها " الآلة" وذلكم هو صميم موضوع هذا العرض.
وقد مس هذا التأثر جوانب ثلاثة هي: المضمون، والشكل، والأداء. وحتى يتضح ـ أي التأثر ـ أرى ضرورة الإشارة إلى ما كان عليه كل واحد من تلك الجوانب ثم كيف أصبح.
أولا = المضمون
وتدل النصوص الأولى التي وقفنا عليها، والتي ترجع إلى القرن التاسع الهجري، أن أغراض الملحون كان يطغى عليها الطابع الديني المتمثل في مواعظ وتصليات، على حد قول مولاي الشاد الذي كان يعيش في أول هذا القرن، وهو من تافيلالت:
لاتقولوشي يا حسرا على زمان الخير والشر فكل زمان كاينين
ماحد اكتاب الله فالصدور اعلاه نبكيوا اعلاه
ما قاطعين ياس من رحمة الله وحبيبنا الشافع رسول الله
فاش جا ذنب المخلوقين عند واسع الغفران
وبحكم التأثر بالأشعار التي كانت تصاحب " الآلة" بما فيها من قصيد وتوشيح وزجل ـ وموضوعاتها مستمدة من متطلبات مجالس الغناء بما تقتضي من غزل ونسيب وطبيعة في الغالب ـ أخذ مضمون الملحون يتطور، بدءا بشعر الطبيعة ووصولا إلى الغزل.وأول نص وصلنا يشيد بالطبيعة ويتغنى بها يتمثل في قصيدة لأحد الشعراء الفيلاليين كان يعيش في أوائل القرن العاشر الهجري، هو حماد الحمري الذي يقول في حربة قصيدته، أي لازمتها:
الورد والزهر واغصانو واشجار باسقا واطيار
ايسبحوا لنعم الغني والما افقلب كل اغدير
أما أول نص في الغزل فهو الذي قاله محمد بو عمر,، متمثلا في قصيدة"زهرة،" وكان معاصرا للحمري، وفي حربتها يقول:
زوريني قبل اللانقبار يا هلال الدارا زهرا
وإذا كانت قصيدة الحمري قد قوبلت برضا الشعراء وجمهور عشاق الفن، فإن قصيدة بوعمر, ووجهت باستياء شديد يكفي للدلالة عليه أن نسوق هذين البيتين اللذين يقول فيهما شاعر معاصر يسمى لمراني، معبرا عن رفضه لاتخاذ المرأة موضوعا للملحون ومتهما صاحبه " لعشيق" بالزندقة والفسق:
زنديق بن الزنديق الوغد اللي يردنا فساق
يستاهل الرجيم ابلحجر حتى ا يموت بالتحقيق
ويلا ايموت يتصلب عام وبعد دلتو يحراق
وانشتتو ارمادو وانقول هكذا ابغى لعشيق
وقد احتاج هذا الموقف إلى عقود من السنين، قبل أن ياتي التهامي المدغري في أواسط القرن الثالث عشر الهجري ـ وهو شاعر المرأة بامتياز ـ ويعترف لبو عمر, في مثل هذا القول:
لو كنت في ازمان العاشق انكون لو الخو الشقيق
وانحق للجحود احقايق ونقول يا النايم فــــــق
ثانيا = الشكل
وكان في أول الأمر وحسب النصوص التي وقفنا عليها يقوم على كلام يحاول أن ينتظم، لكن في غير ضبط محكم لوحدة الوزن فيه والقافية، على نحو ما تبين أبيات مولاي الشاد السابقة. وشيئا فشيئا بدأ يقترب من القصيدة العربية في مقوماتها الإيقاعية، وفق ما نجد عند معاصره عبد الله بن احساين، وهو كذلك من تافيلالت، إذ يقول:
نبدا باسم الله انظامي ياللي ابغى لوزان
لوزان خير لي أنايا من قول "كان حتى كان"
ربي الهمني نمدح جد لشراف يا لخوان
بالشعر السليس الفايز هو ايكون لي عــــوان
حتى انقول ما قالوا عشاق النبي افكل ازمان
وانكون افلقريض الملحون أنا المادحو حسان
مداح مادحو بلساني والشوق له من لكنان
والمادحو ابقلب اكنانو يرضاه ما عيا بلسان
وإذا كان هذا النموذج يبرز مدى انتقال الملحون من شكل " كان حتى كان " العفوي إلى شكل "لوزان" المنظم، فإن الاحتكاك بالنصوص الشعرية التي كانت ترافق " الآلة " من توشيح وزجل أتاح للملحون أن يطور أشكاله عبر عنصرين اثنين:
الأول:التقسيم المنظم للقصيدة، ويسير على هذا النحو الذي سأكتفي بالإشارة إلى مصطلحاته، إذ لا يتسع المجال لتوضيح سماته المنعكسة على تلوين الوزن والقافية، وتنويع الأداء كما سياتي بعد.
1 ـ مقدمة= السرابة، وسأعود إليها فيما بعد عند الحديث عن الأداء.
2 ـ الدخول.
3 ـ الحربة = (اللازمة).
4 ـ القسم( قد يقدم له بالعروبي أو الناعورة أو السويرحة أو الكرسي).
5 ـ بعد الأقسام تختم القصيدة بآخر قسم أو بالدريدكة، وتنشد على إيقاع سريع.
الثاني:الأوزان، وتتسم بغنى عروضي لا مجال لحصره ولا يسمح الوقت بتفصيل القول فيه. وأقتصر فيه على ذكر أهم عناصره، وهي:
1 ـ المبيت وهو الشعر الذي يقوم على البيت، ومنه جاءت التسمية. إلا أن البيت فيه لا يسير على نسق واحد كما هو الشأن في القصيدة العربية، بل تنبثق منه أربعة أشكال:
أ ـ المثنى وفيه يتكون البيت من شطرين يطلق على الأول "الفراش" وعلى الثاني "الغطا". ويتم ضبط وزنه وفق "قياسات" لا حد لها، هي أشبه ما تكون ببحور الشعر العربي ، وأبسطها "قياس المشركي" الذي جاءت عليه قصيدة "الحجة" لعبد الله بن احساين الذي هو أول من قال فيه، وكان يعيش في أواخر القرن التاسع الهجري، وحربتها:
يالحضرا قولوا بالسر والجهار الصلا والسلام اعلى النبي المختار
ويعتبر هذا القياس أبسط أنواع المثنى ويطلق عليه لسهولته "لحويط لقصير". وهو أقرب إلى الرجز الذي وصف بأنه "حمار الشعراء".
ب ـ الثلاثي ويتكون من ثلاثة أشطار وبقياسات متعددة.
ج ـ المربوع أو الرباعي ويتكون من أربعة أشطار وبقياسات كثيرة.
د ـ خامس لشطار أو الخماسي، ويتكون من خمسة أشطار وبقياسات عدة.
2 ـ مكسور الجناح، وتتكون القصيدة فيه من أقسام، كل منها يخضع لهذا التقسيم:
أ ـ الدخول: شطر في استهلال القسم بدون عجز.
ب ـ مجموعة أشطار قصيرة تسمى "لمطيلعات" أو "لكراسا".
ج ـ بيت على وزن الحربة وقافيتها.
د ـ الحربة.
ويمكن التمثيل لهذا الشكل بقصيدة "المزيان" لمحمد بن علي.
3 ـ المشتب، وتتكون القصيدة فيه كذلك من أقسام، كل واحد منها يتشكل من بيت يفصل فيه بين أول أشطاره وبقيتها بعدد من الأشطار القصيرة تسمى كذلك "لمطيلعات". ومعروف أن الشتب هو الحشو الذي يملأ به الفرش أو نحوه، ومنه جاءت التسمية.
ويمكن التمثيل لهذا الشكل بقصيدة "التوبة" لمحمد بن سليمان.
4 ـ السوسي، وتتألف القصيدة فيه من أقسام يكون كل منها مكونا من الأجزاء الآتية:
أ ـ بيت من شطرين.
ب ـ مجموعة أشطار حرة في الوزن والقافية لا تخضع لغير تسلسل الإنشاد.
ج ـ بيتان أو ثلاثة أبيات موزونة ومقفاة .
د ـ الحربة على نفس وزن هذه الأبيات وقافيتها.
ويمكن التمثيل لهذا الشكل الذي يكثر في المحاورات بقصيدة " الزمنية والعصرية" لحسن اليعقوبي.
ثالثا = الأداء
وكان أول الأمر مجرد سرد"السرادة" في الزوايا والمساجد، ثم أخذ يعتمد على ضبط الإيقاع باليد أو ما يسمى "التوساد"، وبعد ذلك توسل بآلة " التعريجة" أو " لكوال" . إلا أنه بعد أن تأثر ب"الآلة" أصبح يستعمل أنغام نوباتها وموازينها، واتسع نطاق الآلات فيه. وسار في ذلك على نحو ما يقتضيه التنوع بين الأقسام وأجزائها. وأكتفي في توضيح هذا الأمر بالنقط الآتية:
الأولى:
بدء الإنشاد بإحدى هذه المقدمات:
1 ـ السرابة وهي قطعة قصيرة تؤدى على غير ما تؤدى به القصيدة . وأنواعها:
أ ـ المزلوك = رقيقة حادة.
ب ـ الكباحي= يصاحبها ضرب قوي متواصل بالكف (أغلب السرارب اليوم )
ج ـ الحضاري = مسترسلة وسريعة.
د ـ السماوي = وتعرف كذلك ب ( السرارب الحسناويين )تبدأ ببطء كالموال ثم تعلو وترتفع.
2 ـ الموال = إما معرب وإما ملحون
أ ـ نموذج المعرب :
ومن عجب أني أحن إليهم وأسأل شوقا عنهم وهم معي
وتشتاقهم عيني وهم في سوادها ويطلبهم قلبي وهم بين أضلعي
وهما لخليل الصفدي .
ب ـ نموذج الملحون:
تـانــحـبـك ونهواك وفي امسبتك ايـكـرهـوني
ما راحتي حتى نـلـقـاك واعليك يتحـلو اعيـونـي
3 ـ التمويلة، يقال إن لكل قصيدة تمويلتها، مثلا تمويلة "التوبة" لابن سليمان، وتنشد على ميزان عراق العجم:
أمالي يا مالي أسيدي يا سيدي
للا يا مولاتي للا
أمالي مصبرني
اغرايبي لاموني
وتجدر الإشارة إلى أن قصائد مكسور الجناح والسوسي ـ باستثناء الحراز ـ تستهل بمثل هذه العبارات (قال يانا سيدي) (وهو يا سيدي)، وتسمى: الدخول.
الثانية:
الشبه مع ما هو موجود في "الآلة" على هذا النحو:
1 ـ تقسيم الميزان، وفق هذا الشكل:
أ ـ التصديرة (افتتاح بطئ)
ب ـ القنطرة.
ج ـ الانصراف = إقفال الميزان بسرعة.
2 ـ التراتن (شغل) مثل = أنانا ـ طيري طان ـ يا لالان ـ . والقصد إغناء اللحن وإشباعه .
3 ـ الجواب وهو إعادة لبعض المقاطع اللحنية التي تنشد عليها أبيات الصنعة.
4 ـ البغيات والتواشي وهي معزوفات آلية يقدم بها، ومثلها "المشاليات"، وقد ضاع منها الكثير مثلما ضاعت السرابات .
5 ـ الموال وهو إنشاد منفرد لبيتين أو أكثر على لحن معين قد يعتمد الارتجال.
6 ـ التغطية والكرسي، وهو لحن يتصدر بعض الصنايع، أو هو إنشاد مع جواب بالعزف.
الثالثة:
الأداء حسب النوبات، ويكون على ميزان واحد أو أكثر، ويكفي التمثيل بما يلي:
1 ـ الأداء على ميزان واحد، ( أي لا تحتمل القصيدة إلا ميزانا واحدا في الغالب) مثلا:
أ ـ "قصيدة "خال وشاما" للمدغري فإنها لا تؤدى إلا على عراق العجم، وحربتها:
أللايم لاش تلوم رح سالم دعني كف لملام ما حجت امن اغرامي
بين خــال وشــامــا
ب ـ قصيدة"الكناوي" للمدغري كذلك، وحربتها:
معظم ذاك اليوم فاش صدو ناسي وامشاوا
تركوني نواح فالرسام ضميري كاوي
يحسن عون اللي امشاوا ناسو من بعد اكوا
ويقال أن بعض المنشدين حاول أداءها على رمل الماية، إلا أنه أفسدها.
ج ـ قصيدة "الهاجر" للعلمي، فإنها لا تؤدى إلا على الحجاز المشرقي، وحربتها:
آش اعملت أسلطان مهجتي حتى سلمت افخلطتي واضحيت من ساحتي اجفيل
راقب فيا وجه الله يا هاجر لوكر مسجونك سرحو اتفوز بــحســانو
د ـ قصيدة " التوبة " لابن سليمان، لا تنشد إلا على عراق العجم، وحربتها:
ياراسي لا تشقى التاعب لابد من لفراق
لا تامن فالدنيا ابناسها غــــرارا
ه ـ قصيدة " خناثة" للحبابي، لا تنشد إلا على الصيكة والحجاز، وحربتها:
عشقي فخناثـــا ياترا فالعاهد والقول ثابتـــــا
من تاهت بجمالها حياتي راحت روحي الصايلا عل لبدر بنعوت
2 ـ الأداء على أكثر من ميزان: من أمثلته قصيدة "المزيان" للعلمي، وحربتها:
حن واشفق واعطف برضاك يالمزيان
لا اسماحا ميعاد الله يا لهاجر
فإنهم يبدؤونها على الاستهلال، ثم ينتقلون إلى رمل الماية فالحجاز فالصيكة.
وهذا ما يسمى عندهم ب(التفجاج) أي أن المنشد (ايفجج) أي يستعرض طبوعا مختلفة في القصيدة الواحدة، وهي عملية أطلقوا عليها (لبدال)، وذلك عندهم من براعة الأداء .
أما المنشد الذي لا يستطيع ذلك فإنه يقال عنه إنه يغني (اعلى جنب واحد)، وهذا دليل على قصر باعه.
وبعد، فهذه بعض ملامح التأثير الذي كان لفن "الآلة" على فن "الملحون" حاولت وفق ما يسمح به الوقت ويتسع له المجال إبراز أهم ملامحه. وهو في الحقيقة لا يمكن توضيحه هكذا نظريا وبدون تطبيق يتيح الاستماع إلى القصائد مؤداة. ولعل ذلك أن يتاح في فرصة أخرى إن شاء الله.
عباس الجراري.
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 01h21.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd