وسمعت دقات المسرح التقليدية التي كانت تدق قبل فتح الستار كما يعلم الكل وكنت أكاد أسمع دقات قلبي إنها أعلى من دقات المسرح وذلك لأنني سأكون قريبا جدا من أم كلثوم وهي تغني . ثم فتح الستار وكانت جالسة على كرسيها كالملكة ثم وقفت تحي الجمهور وكأنها أبو الهول يحي العالم , لم أكن أصدق ماأرى أم كلثوم تبعد عني حوالي العشرين مترا وسوف تغني بعد قليل , شعرت أنها ستغي لي لوحدي من دون العالم . ثم جلست ثانية وبدأت الفرقة الموسيقية بعزف سمفونية الأطلال ويا لها من مقدمة لا شك أن الكل يعرفها وتمتع بها ولكني شعرت بالنشوة أكثر لأني أرى كل شيء أمامي أستطيع مراقبة حركات كل عازف وأرى أم كلثوم وهي تغمض عينيها منسجمة مع العزف استطعت أن أتغلغل بين أوتار الكمنجات وقانون عبده صالح وأهتز مع ( صاجات ) الرق الذي يبعث الفرح وحركات عباس فؤاد الأنيقة وهو يعزف على الكونترباس ليعطي الدفء للموسيقى وأراقب سيد سالم. ووقفت ويالها من وقفة إحمرت لها أكف الحاضرين من التصفيق الذي أعاد المقدمة مرة أخرى , ثم بدأت بالغناء واسترسلت وكانت كل قطعة من جسدها تعبر. أم كلثوم لاتغني بل ترسم لوحة يعجز عن رسمها أكبر الرسامين أم كلثوم تجعلك ترى الحرف الذي تغنيه , كانت تغني الحرف والنقطة التي عليه . وفجأة لفت انتباهي جلوس الشاعر الكبير أحمد رامي في الصف الأول وهو واضعا يديه على أذنيه كما يفعل مقرأ القرآن الكريم وكان مغمض العينين وعند إنتهاء الكوبليه يرفع يده اليمنى عن أذنه ويؤشر لها بإصبعه طالبا الإعادة ويعيد يده إلى أذنه وطبعا كانت تلبي طلبه .كنت أحسد على موقفي هذا بلاشك أم كلثوم أمامي مع فرقتها وأرى أحمد رامي وهوسابح في ملكوت ثومة . وعند الإنتهاء من الكوبليه الأخير أقسم بأنني رأيت دموع أم كلثوم على خديها وما يزكي هذا بالفعل وجوم الجمهور وتصفيقه بعد نهاية آخر حرف من القصيدة بثوان قليلة . تستطيعون مراقبة ذلك عند سماعكم لهذه الحفلة . واقفل الستار وكان الجميع في غيبوبة ولم أترك المكان الذي أنا فيه حتى لاأمنع من العودة إليه وبعد الإستراحة وكم كانت طويلة ونحن في إنتظار الوصلة الثالثة التي غنت فيها بعيد عنك وأبدعت وكما ذكرت لكم سابقا أنه من شدة نشوتي صرخت قائلا لها ( ياست الهوى إنت ) عند تصرفها في ( إفتكرلي لحظة حلوة عشنا فيها للهوى ) . وانتهت الحفلة وأنا غير مصدق وخرجت مسرعا إلى المكان الذي سوف تخرج منه ثومة ورأيتها وهي مرتدية ( البالطو الفورير الأسود ) وتلف رأسها ب(شال ) أسود ثم رأيت أحدهم يفتح لها باب سيارتها الكاديلاك السوداء التي تحركت بسرعة وذهب قلبي معها رحمها الله وأسكنها الجنة .
هذه هي حكايتي مع أم كلثوم ...............