الأستاذ محمد الساكني ، كل الشكر على مجهودك في إثراء هذا الموضوع ، ويبدو أن ملحني العراق سبقوا فريد الأطرش في تلحين قصائده من شعر الأخطل الصغير ، فقد سبقه إلى تلحين قصيدة سائلي العلياء عنا والزمانا ( وردة من دمنا ) الموسيقار سالم حسين الامير وأدت اللحن المطربة المصرية المستقرة بالعراق نرجس شوقي وكان ذلك في أوائل الستينات من القرن الماضي ، وتسجيلها مفقود على الأقل حتى كتابة هذه السطور، فهمتكم معنا إخواني في العراق للعثور على التسجيل وإجراء المقارنات اللازمة ، تحياتي .
اللحن من القدود الشامية التي ظلت الأجيال تتناقلها دون أن يعرف لها مؤلف ، بعد فريد قام مجموعة من الملحنين كمحمد عبد الوهاب والرحابنة وغيرهم بتوظيف لحن المذهب في أغاني كثيرة مع تعديل في الكلمات أدتها كل من نجاة الصغيرة وفيروز وشادية ... .
إحدى التنويعات الجميلة على هذا القد من القدود الشامية الفلكورية القديمة بصوت الكبير وديع الصافي .
شعر بشارة الخوري ( الأخطل الصغير) لحن وأداء مطرب العراق الأول محمد القبانجي
نداء لأصدقائنا في العراق الشقيق بتوثيق تاريخ هذا العمل ومدى وجود تسجيلات أخرى عنه كالتسجيل بمصاحبة الفرقة الموسيقية أو في الحفلة ، وتحياتي للجميع .
* سجل المطرب محمد القبانجي قصيدة ( أضنيتني بالهجرما أظلمك فارحم عسى الرحمن ان يَرحمك ) في دار إذاعة بغداد في غضون بدايات الستينات للقرن الماضي . * الملف موثق ويسمى : شعر وإبوذية ( أي أبيات شعر بالفصحى وأبيات شعر بالعامية ) * هناك تسجيلين مرفوعين سابقاً لهذه القصيدة في منتدى سماعي وللتوضيح والملاحظة : ( الأول) : بوقت 7:50 دقيقة ، من المشاركات الأولى في مثبت محمد القبانجي للراحل امحمد شعبان في 2008م هنــــــااااا
( الثاني ) : بوقت مطوّل وكامل 8:54دقيقة ، مشاركة الأخ عزام هواش في 2010م
بين تلحين أحمد الفقش لرائعة الشاعر بشارة الخوري ( الأخطل الصغير) عش أنت ، واللحن الذي وضعه الموسيقار فريد الأطرش أربعون سنة بالتمام والكمال، فالأول سجلها لشركة أوديون بالقاهرة في مطلع الثلاثينات وخص بها الثاني شركة صوت لبنان في بيروت مطلع السبعينات ، وأنا من الدين يميلون إلى القطع بإطلاع واستماع فريد الأطرش إلى لحن أحمد الفقش لانتشاره على الأسطوانات وبالإذاعات الأهلية في بدايات فريد الأطرش مطلع الثلاثينات ، وهو بتفكيره في تلحين قصيدة سبق لملحن أن أعطاها لحنا ، يعيد تجربة الموسيقار رياض السنباطي عندما عمد إلى إعادة تلحين قصيدة أراك عاصي الدمع لأبي فراس الحمداني قاصدا معارضة تجربتي عبده الحامولي ( وثقتها السيدة أم كلثوم ومن قبلها غناء ) ومحاولة الشيخ زكاريا أحمد في الأربعينات ( لم تسجل على أسطوانة ) في سعي لإثبات تفوقه على هذين العلمين الكبيرين في تلحين قالب القصيد .
نشرت القصيدة لأول في جريدة الأحرار المصورة بلبنان في نهاية العشرينات من القرن الماضي، فتلقاتها الأوساط الأدبية باستقبال طيب ، الشيء الذي شجع أحمد الفقش على تلحينها وغنائها ، أما حين أعادها فريد فقد صار صاحبها علما من أعلام الشعر العمودي وبويع بإمارة الشعر الثانية بعد إمارة أحمد شوقي الأولى .
من حيث اختيار الأبيات ، إختار أحمد الفقش أبياتا أقل من فريد الأطرش بواقع بيتين ، إلا أنه لحنا بيتا استبعده فريد الأطرش وهو قول الشاعر :
يا من أساء بـي الظنـون **** ثلمتنـي وثلمـتَ حـدَّك
وأعتقد أن فريد أحسن الاختيار وجنب المستمع عناء البحث عن شروح غرائب الألفاظ ، لكن الفقش والأطرش أسقطا معا بيتين اثنين في القصيدة من لحنهيما ويتعلق الأمر بقول الشاعر :
ورفعتَ بى عرشَ الهوى**** ورفعتَ فوق العرش بندَك
وأعدتَ للشعراء سيدَهم **** وللعشاق عبدَك
غنى أحمد الفقش عبارة مٌت بضم الميم ، فيما أداها فريد الأطرش مِتُّ بكسرها للضرورة اللحنية كما فعل مع بأشد حيث غناها بالفتح للضرورة اللحنية مع أن الصواب في اللغة كسرها ، لكن أحمد الفقش لحن في نطق كثير من الألفاظ العربية وتصرف في بعض أبيات القصيدة ؛ ومن ذلك إبداله عبارة صَدَّكْ ب بُعدك في عجز البيت الأول ، ونطقه إن ب أن في إن تفارقها ونطقه لتستردك (بضم الراء ) ، على أن الإبدال الذي يستحق التنويه عند فريد الأطرش هو تصرفه في عجز بيت
وحياة عينيك وهي عندي
مثلما القرآن عندك
حيث أبدل عبارة القرآن بالإيمان ، فيما حافظ أحمد الفقش على البيت كما ورد في نظم الشاعر ، وهو ما يمكن أن نتفهمه في عمل فريد ، ففي القصيدة الأصلية يخاطب الشاعر المسيحي العقيدة المحبوب المسلم ، وهو ما أراد فريد الأطرش أن يتفاده حتى لا يعتقد الجمهور أنه اعتنق المسيحية أو نحو ذلك ، وهو الذي كان جمهوره يعتبر دوما أفلامه وأغانيه مرآة لحياته .
من حيث المقام الموسيقي اختار الفقش مقام الحجاز الحزين بما يلائم إلى حد كبير موضوع النظم ، فيما بنى فريد الأطرش لحنه على مقام البياتي الشرقي الشجي الذي يتقنه باعثا حيوية تطريبية لاتخطأها الأذان في القصيدة المغناة ، أما من حيث التطور الموسيقي ، فإن اللحنان معا بُني على وحدة العاطفة وهي العتاب ، لذلك صعب على فريد الأحدث تلحينا أن يقدم جديدا في اللحن الذي امتاز بوحدة الجو الموسيقي الذي فرضته وحدة العاطفة المهيمنة في النظم ، ولم يأت اللحن بإضافات موسيقية معتبرة إلا فيما يتعلق بالتقديمات الموسيقية للكوبليهات والفوارق الموسيقية بين الأبيات .