شعبان عبد الرحيم.. وعفوية المشاعر الجريئة!
تعجب المجتمع المصري من تنامي ظاهرة شعبان عبد الرحيم "المكوجي" الذي ذاع صيته، وأصبح واحدا من أشهر المطربين الآن.
سر التعجب هو بساطة كلمات شعبان عبد الرحيم في شريطه الأخير "هابطل السجاير" الذي غنى فيه لأول مرة، وبصراحة بين المطربين العرب والمصريين "أكره إسرائيل"، وكثيرون غنوا لرفع الروح المعنوية للشعوب العربية، وتغنوا بالقدس وفلسطين حتى في أحلك الفترات التي مرت بها الدول العربية بعد نكسة 1967 لم يجرؤ مطرب صراحة على قول لفظة "أكره"، وإنما غنى عبد الحليم حافظ، "عدَّى النهار"، "وأحلف بسماها وبترابها"، "والمسيح".. وغيرها من الأغاني؛ لكنه لم يتعرض لإسرائيل؛ فقد غنى لرفع الروح المعنوية وحفز الهمم، ولم يغنِّ ضد إسرائيل، ولم يعبر عن مشاعر تجاهها؛ بل إن شريفة فاضل التي نال أخوها الشهادة في حرب 1973 غنت "أنا أم البطل"، وهكذا كان حال المطربين العرب وما زال.
بل إنه بعد زيارة شارون للمسجد الأقصى الشريف في 28 من سبتمبر الماضي، وانطلاق انتفاضة الأقصى غنى كثيرون للانتفاضة ومحمد الدرة في جميع الدول العربية مثل: كاظم الساهر، ولطيفة، وهاني شاكر، وأوبريت جمَعَ فناني مصر والعرب.. وهكذا، ورغم شدة الموقف في فلسطين المحتلة لم يستخدم عربي التعبير بلفظة "أكره" وإنما.. تباكوا، وبكوا على أطلال الموقف العربي والإسلامي تجاه القدس وخاصة من قادة العرب والمسلمين، وكان تعبير الشعوب أقوى من تعبير القادة.
وشعبان عبد الرحيم، عبَّر كمواطن عربي مسلم عن مشاعره تجاه إسرائيل؛ فهو يقول: إنني لا أكرههم لأنهم غير مسلمين، فلكم دينكم ولي دين، وإنما أكرههم لأنهم مجرمون، يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ والمصلين، ولا يفرقون بين مَن يقاومهم وبين مَن يصلي؛ ولذا فأنا قلت ما في نفسي في الأغنية "باكره إسرائيل وشيمون وشارون وكمان إيهود باراك، وأحب عمرو موسى بكلامه الموزون، وأحب حسني مبارك، اللي قال قتل الدرة حرام".
شعبان عبد الرحيم أثار الجدل؛ لأنه مكوجي، وليس خريج الجامعة الأمريكية، أو خريج كامبريدج أو السربون، ولكن الفارق بينه وبين هؤلاء أنه لا يستخدم النساء العاريات خلفه عند الغناء للتغطية على سوء صوته، ولا يستورد الموضة، وإنما هو يرى أن تراقص المرأة خلف المغني وهي عارية أمر غير مقبول؛ لأنه عيب؛ ولأن المطرب الجدع يحافظ على بنات بلده.
وهو هنا يعبر عن المواطن المصري الذي يعيش في المناطق الشعبية التي تمتاز بأولاد البلد الجدعان؛ ولكني أرى أن "المكوجي" الذي عبّر عن مشاعره بعفوية تجاه الأعداء.. أفضل ملايين المرات من أولئك المطربين الذين يطلون علينا من شاشات التلفاز!
كما يمتاز شعبان عبد الرحيم بتوصيل رسالة غاية في الأهمية إلى الشعب المصري، أو الفاهمين للعربية، وهي أن كراهية إسرائيل واجبة، ويجب التعبير عنها
.
ويأخذ البعض على شعبان عبد الرحيم شكله؛ فهو لا يهتم بتسريحة شعره، أو هندام ملابسه، أو الظهور كـ"دنجوان"، وهو يغني، وهذا أمر ليس بصعب خاصة في ظل نجاح ألبوماته الغنائية، ومطالبة الضرائب له بـ 4 ملايين جنيه مصري (1.2 مليون دولار)؛ ولكنه رأى أن إطالة الشعر، أو سبسبته، عيب لأنه "راجل، والراجل لا يعيبه شكله الصريح".
أما أهم ما ساهم في انتشار شعبان عبد الرحيم؛ فهي عفويته في الحوارات الصحفية، والتلفزيونية فهو لا يلف أو يدور أو يحاول تذويق كلامه، أو حتى نفسه، وإنما يتحدث كما هو دون إضافات أو حذف؛ فهو سعيد بنفسه كما هو، ولأن أي تغيير سيطرأ عليه، سوف يخرجه من حيز "ابن البلد الجدع".
ويتناول كثيرون شعبان عبد الرحيم بالتحليل، والرصد، والنقد؛ لأنه يهبط بالذوق العام، ولكني أتساءل: هل جرؤ أهل الفصاحة في التعبير عن مشاعرهم صراحة؟! وهل تجاوب الناس مع عبد الرحيم حتى وإن كان ظاهرة.. أفلا يدل على إعجابهم بوضوحه، وكثير ممن يستمعون إليه، يستمعون إليه من باب الاستعداد النفسي المبكر للسخرية منه، بينما هم أنفسهم لا يطيقون الاستماع أو مشاهدة أغاني الفيديو كليب مع بناتهم أو زوجاتهم؛ لأنها تحرج المشاعر، وتحض على الرذيلة والميوعة والخلاعة؛ ولأنها غير ذات مضمون.
وأرى أن شعبان نجح فيما لم ينجح فيه غيره في السنوات الماضية، وحتى لو لم يكن في عداد المطربين فهو في عداد "الصيت" الذي ينتشر في صعيد مصر وريفها، الذي يغني الكلام المنظوم مدحا في رسول الله، وسيرته أو حضا على الفضيلة.
والمهم في شعبان عبد الرحيم، أنه لفت أنظار كل الناطقين بالعربية إلى ضرورة التعبير صراحة عن كراهية دولة الاحتلال الصهيوني، دون دبلوماسية أو مواربة؛ فنحن نحتاج إلى ذلك الآن لتبصير الشباب، وتذكيرهم بما تفعله إسرائيل.
أبو المعاطي زكي
2001/02/24