محمد محسن

[عبد القادر رشيد مسلماني]

محمد محسن.. "سنباطي سوريا"
الياس سحاب/صحيفة الخليج/الاثنين 26-2-2007
عندما كان فجر النصف الثاني من القرن العشرين يرسل بشائره الاولى، لمع في سوريا العربية نجمان من نجوم التلحين، كان لهما شأن كبير فيما تبقى من عمر العصر الذهبي العربي، الذي غابت شمسه في ثلاثة ارباع القرن العشرين، هذان النجمان هما نجيب السراج، المطرب والملحن الذي رحل عنا قبل سنوات قليلة، والذي كان يعرف بلقب "عبد الوهاب سوريا"، والملحن محمد محسن، الذي رحل عنا منذ أيام، ويصح ان نطلق عليه لقب "سنباطي سوريا".
وإذا كان نجيب السراج صاحب حنجرة جميلة، وتأثر بأسلوب عبد الوهاب الغنائي والتلحيني تأثرا كان لا يخفيه، بل يعتز به دائما ويفخر، فان الراحل حديثا الفنان المبدع محمد محسن، لم يخف هو الآخر تأثره الدائم برياض السنباطي، ملحنه ومطربه المفضل.
كان محمد محسن صاحب صوت يفتقر الى الكثير من مواصفات المطرب الناجح، لذلك سجل عددا من الحانه الاولى لاذاعة دمشق بصوته، لكنه اقلع عن ذلك نهائيا، وكان يقول ممازحا: كيف لم يضربني المستمعون على قبح صوتي؟
والحقيقة أن الحان محمد محسن، لم تأخذ طريقها الى الشهرة، الا بعد ان غنت له المطربة الكبيرة سعاد محمد (الناشئة وقتها) لحنين كبيرين اشتهر الاول منهما كثيرا "دمعة على خد الزمن"، لكن الثاني كان اقل حظا في الشهرة، مع أنه من نفس المستوى الفني للحن الاول وعنوانه "العمر يوم، ليلة ونهار". غير أن اشهر الحان محمد محسن في اطار تعامله مع صوت سعاد محمد ظل حتى يومنا هذا لحن "مظلومة يا ناس مظلومة"، الذي جاء نتيجة تأثر واضح ومباشر بلحن رياض السنباطي لأم كلثوم "ظلموني الناس ظلموني".
انطلقت بعد ذلك شهرة محمد محسن بين اذاعتي دمشق وبيروت، حتى ان عددا من المطربات اللواتي كن يتزودن بألحانه في بداية حياته الفنية، اصبحن فيما بعد اشهر مطربات العرب في القرن العشرين: وهن على التوالي: فايزة أحمد، نجاة الصغيرة، وردة الجزائرية.
لكن لا بد من القول بموضوعية ودقة، ان كل هؤلاء المطربات بعد أن ارتقين الى سدة النجومية، وأصبحن يحظين بألحان مشاهير التلحين، عبد الوهاب والسنباطي، والموجي والطويل وبليغ وسواهم، لم يعدن الى الحان محمد محسن.
ربما كان ذلك هو سبب اندفاعه بعد ذلك، لضم اسم فيروز، بعد لمعانها الشديد مع الاخوين رحباني، الى قائمة الاصوات النسائية الكبيرة التي تغني له. فكانت البداية واحدا من اجمل الالحان التي غنتها فيروز على مدى حياتها الفنية، موشح "سيد الهوى قمري".
وهنا لا بد من طرح سؤال: كيف نجح هذا اللحن بصوت فيروز، مع أنه لملحن سنباطي الهوى، بينما بقيت الالحان الثلاثة التي وضعها السنباطي بنفسه لصوت فيروز قبل خمس سنوات من رحيله، "نوتة على ورق" حتى الآن، لان مزاج السنباطي اللحني لم يوافق برأيي مزاج فيروز الغنائي، وليس لأي حجج أخرى تطرح دفعا للحرج؟
السبب الموضوعي هو ان محمد محسن كان سنباطي الميول، لكنه تأثر ايضا بكل الكبار المعاصرين، حتى من دون ان يعترف هو بذلك، فكان طبيعيا ان يلحن لفيروز من عجينة لحنية لم تكن سنباطية خالصة، كما كان الحال عندما يلحن لصوت سعاد محمد، صاحبة الصوت الكلثومي الخالص.
لهذا السبب أيضا، فان محمد محسن كان من الاسماء القليلة، بل النادرة، التي لجأت فيروز الى ألحانها (الى جانب ملحنها المفضل فيلمون وهبي، وزكي ناصيف وزياد رحباني) بعد انفصالها الفني عن المؤسسة الرحبانية الكبرى، ورحيل عاصي الرحباني. بدليل ان الشريط الذي حمل عنوان "مش كاين هيك تكون"، يضم في وجهه الاول ألحانا لزياد رحباني، وفي وجهه الثاني قصائد حديثة اللحن من الحان محمد محسن. بل يقال ان فيروز قد عاودها مؤخرا الحنين الى ألحان محمد محسن، فأرسلت له قبل وفاته تبدي رغبتها بذلك، فأكد لها أنه هجر التلحين من جهة، وأنه من جهة ثانية سئم تلحين القصائد، فإذا كانت ما زالت راغبة في تحريك شهيته للتلحين، فما عليها إلا ان ترسل له كلاما بالعامية اللبنانية، لعله يخرج عن صمته، لكنه رحل قبل أن تفعل ويفعل.
طبعا، قبل رحلته مع فيروز، لحن محمد محسن لصباح بعض اغنياتها اللبنانية الجميلة.
رحم الله الملحن القدير، الذي قرن رفعة المستوى الفني، برفعة الاخلاق والسيرة العطرة.