دموع الندم الفيلم الذي صالح السينما المغربية مع جمهورها
تعود بي الذاكرة تسعة وعشرين سنة إلى الوراء ، ففي سنة 1982 سيخرج للقاعات السينمائية بالمغرب فيلم دموع الندم من إخراج حسن المفتي وبطولة المطرب المحبوب محمد الحياني ، قبل هذا الفيلم سيطرعلى سوق السينما المغربية الأفلام التجريبية التي أنجزها مخرجون درس أغلبهم في معاهد أوربا الشرقية وصنعوا أفلاما عصية في معظمها على فهم الجمهور الذي كان أغلبه يغادر القاعة وسط العرض وكان الفيلم المغربي يسحب من دور العرض في أقصى الحالات بعد أسبوع من طرحه ، دموع الندم وحده كسر القاعدة وضرب رقما قياسيا في إقبال الجمهورفي ظاهرة غير مسبوقة بالنسبة للسينما المغربية .
قبل وصول الفيلم إلى باقي المدن المغربية سبقت أصداء النجاح الساحق الذي قوبل به الفيلم في مدينتي الرباط والدار البيضاء خصوصا ما كتب عنه في بعض الجرائد الوطنية كالعلم والميثاق الوطني ولوبنيون ، كان أول احتكاكنا بالفيلم هو الأفيش الذي سبق قدوم الفيلم و زين واجهات القاعات السينمائية بجانب عبارة قريبا بالعربية وprochainement
باللغة الفرنسية مما زاد من الشوق لمشاهدة الفيلم خصوصا وأن الأفيش كان مثيرا لخيال مرتادي الصالات السينمائية آنذاك عندما تضمن القبلة الحارة بين محمد الحياني وزوجته في الفيلم الممثلة ياسمينة التي وبالمناسبة لم نراها بعد هذا الفيلم في أي دور آخر .
عند العرض الأول للفيلم كان الزحام شديدا في الشبابيك لدرجة أن بعض الصالات السينمائية حينها إضطرت إلى إضافة حصة ثالثة للعرض في الساعة التاسعة صباحا يومي السبت والأحد بجانب الحصتين التقليدتين حصة الثالثة زوالا والتاسعة ليلا ، وأتذكر أنني بحكم حداثة سني كنت من الذين شاهدوا الحصة الصباحية يوم السبت أو الأحد لا اتذكر .
بمجرد إطفاء الأضواء وتسلسل الأحداث ، أحسسنا بالفعل أن السينما المغربية في شخص حسن المفتي ومحمد الحياني تقدم لنا النسخة المغربية من الفيلم الغنائي المصري الذي لطالما شحد خيالنا بمعية عمالقة من أمثال فريد الأطرش و عبد الحليم حافظ و محمد فوزي و ليلى مراد وغيرهم . قدمت أحداث وشخصيات الفيلم كل توابل الفيلم الغنائي المصري بدء بالقصة الكلاسيكية لكفاح موسيقي فقير يعمل في فيلمنا سائقا للتاكسي في استحضار من المخرج لفيلم مارتن سكوسيز وروبير دونيرو سائق التاكسي ومرورا بمساندة الجارة الحبيبة لطيفة قامت بدورها الممثلة السمراء المليحة زهور لا أتذكر إسمها بالكامل وقد إعتزلت بعيد الفيلم حسب معلوماتي بعد أن قدمت أدوارا رائعة بالمسرح في أواخر السبعينات وأوائل الثمنيانات ، ثم الرفيق ووكيل الأعمال ومعلم الموسيقى زرياب الذي أداه الممثل أحمد العلوي في أداء مقتدر يذكرنا بممثلين عمالقة أدوا هذا الدور بجانب فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ كعبد السلام النابلسي وإسماعيل ياسين و فؤاد المهندس وعبد المنعم إبراهيم وغيرهم وانتهاء بالنجاح المدوي ثم الخديعة فالعودة إلى الحبيبة المخلصة ، في الفيلم أدى الحياني أربعة من أجمل ألحانه ، لكن أغنية وقتاش تغني ياقلبي من ألحان عبد العاطي أمنا مسحت كل أغاني الفيلم من حيث إنتشارها فقد زادها الفيلم إنتشارا على إنتشار، ولأن الحياني غناها في عرسه في الفيلم فقد أصبحت من أغاني الأعراس التي أصبحت تطلب من مختلف الأجواق في حفلات الزواج . إستمتعنا جمهور السينما ببعض اللقطات التي حرم منها جمهور التلفزيون لاحقا عند عرض الفيلم من طرف دار البريهي كقول الحياني لجارته لطيفة أعطني بوسة وبعض السباب ثم القبلات الحارة التي جمعت الحياني بزوجته في الفيلم والتي جمعت بين هذه الأخيرة وعشيقها ، عند انتهاء الفيلم خرجنا من وجبة لم يستطع كل الذين شاهدوا الفيلم لحظة خروجه في إحدى أيام ربيع 1982 نسيانها إلى اليوم ، لقد دشن فيلم دموع الندم مصالحة السينما المغربية مع جمهورها وكان أول فيلم في تاريخ السينما المغربية يغطي تكلفة إنتاجه بالكامل وهذا قبل إحداث صندوق الدعم الذي أساء للسينما المغربية قبل أن يضيف إليها .
أبو إلياس لمنتدى سماعي 26/10/2011