أغداً ألقاك

**الألآتى** · #1 16/04/2009, 17h47

بسم الله نبدأ فى تحليل قصيدة ( أغداً ألقاك ) ..

فى الحقيقة .. قبل أن أبدأ فى تحليل القصيدة نغمياً ومقامياً .. لابد أن أذكر أن هذه ثانى قصيدة عاطفية يلحنها عبد الوهاب لأم كلثوم .. وسنلاحظ الفارق الكبير فى أسلوب تلحين القصيدتان .. فبعد الهجوم والنقد الذى صادف القصيدة الأولى ( هذه ليلتى ) .. حاول عبد الوهاب أن يتجنب كل ماوقع فيه من أخطاء ( حسب وجهة نظر النقاد ) .. وقدم لنا لحناً جيداً .. وإن كان ليس بمستوى ألحان السنباطى ( متخصص قصائد أم كلثوم ) ..

هنالك شئ أخر أحب أن أنوه إليه .. نلاحظ فى هذه القصيدة كثرة الردود الموسيقية بين المقاطع .. لدرجة أن أم كلثوم كانت تؤدى جملة واحدة أو كلمة يعقبها رد من الفرقة الموسيقية .. وهذا يُحسب لعبد الوهاب حيث أنه راعى السن المتقدم لأم كلثوم .. وعدم إستطاعتها غناء الشطرات الطويلة دون راحة ..

الكلمات للشاعر : الهادى أدم

والألحان للموسيقار : محمد عبد الوهاب

إستعمل عبد الوهاب مقام العجم ( الميجور ) ليبدأ به لحنه .. وقدم مقدمة موسيقية طويلة .. حيث قامت أكثر من آلة موسيقية بالعزف المنفرد ( صولو ) .. وتنقل عبد الوهاب ( كعادته ) بين المقامات بطريقة سلسة ومتميزة فى نفس الوقت ..

كما إستعمل إيقاع ( الرومبا ) لبداية اللازمة الموسيقية .. ولم يكتفى بالرومبا على أى حال .. فإستخدم المقسوم والواحدة الكبيرة .. وقدم لنا وجبة دسمة .. إستعرض فيها عضلاته الموسيقية .. وتبدأ أم كلثوم الغناء فى مقاطع قصيرة من نفس مقام العجم .. ولكنها تذهب للحجاز عند ( أه كم أخشى غدى هذا ) .. وتذهب أيضاً للكرد ثم تعود للعجم مرة أخرى لتنهى المذهب ..

كعادة عبد الوهاب .. لا يستقر على مقام .. رايح جاى .. رايح جاى .. يلمس هذا المقام .. ويعود من طريق أخر .. زيارات قصيرة ومتلاحقة للمقامات .. وهكذا ..

لايترك لنا فرصة لإلتقاط الأنفاس .. عندما تحاول أن تعرف المقام الذى إستقر عليه .. تجده ذهب لمقام أخر .. وجملة لحنية أخرى .. الرد الموسيقى لا يتكرر مرتان .. لديه حصيلة من الجمل اللحنية لا تنتهى ..

تبدأ الفرقة فى أداء اللازمة الموسيقية قبل الدخول فى الكوبليه الأول .. نفس الطريقة فى العمل .. صولوهات من مختلف الألآت .. ترد عليها الفرقة .. ( جيتار ، أكورديون ، ناى ، قانون ، كمان ) .. أعطى لكل عازف الفرصة ليبدع ويُظهر مقدرته ..

هذه اللازمة من مقام الصبا .. وبالتحديد .. من الدرجة الثالثة لمقام العجم ..

وتغنى أم كلثوم هذا الكوبليه من نفس المقام ( الصبا ) .. ولكن هل تستقر على الصبا فقط .. هيهات .. وكلا وألف كلا ..

تذهب للبياتى عند ( كم أناديك ) .. وتعود للصبا مرة أخرى .. حتى ( فأت أو لا تأتى ) .. حيث تعود للعجم حتى تنهى الكوبليه ..

وبين هذا وذاك .. لابد من عُربة هنا .. ولمسة هناك .. مع تغييرات فى الإيقاع .. لامجال هنا للملل .. تتابع لحنى ونغمى لا يترك لك فرصة للسلطنة .. حيث أن هذا اللحن عملية إستعراض كما ذكرنا ..

نأتى الأن للكوبليه الأخير .. حيث إستعرض عبد الوهاب فى هذا الكوبليه كل إمكانياتة .. ونسمع هنا الصولو الشهير الذى قام بعزفه ( الجيتار ) .. ونسمع لأول مرة ( العود ) فى محاورة مع الوتريات .. بصراحة ياجماعة .. هذه اللازمة الموسيقية ينبغى تدريسها فى المعاهد الموسيقية ..

لدينا الأن مقام جديد لم يستعمله عبد الوهاب بعد .. هو مقام النهاوند .. والملاحظ هنا .. أن عبد الوهاب إستعمل النهاوند فقط فى هذه اللازمة .. سيقول قائل .. أن هذه ليست عادة عبد الوهاب .. أن يستعمل مقاماً واحداً فى لازمة موسيقية طويلة .. خاصة أن بها أكثر من صولو ( عزف منفرد ) .. ولكن هناك سر لايعرفه إلا المتخصصون ..

عبد الوهاب إستعمل النهاوند بجميع أشكاله .. إستعمل النهاوند الطبيعى .. إستعمل النهاوند الكردى .. إستعمل النهاوند المرصع .. مما أدى فى النهاية لتمتعنا بسماع جمل تلحينية مختلفة ومن مقامات مختلفة وإن كانت من نفس الفصيلة ..

وتغنى أم كلثوم ..

فى الحقيقة .. هناك كلام كثير فى هذا الكوبليه .. كلام عن شطارة عبد الوهاب .. وعن جنونه الموسيقى بذات الوقت ..

تغنى أم كلثوم بداية الكوبليه من النهاوند .. حلو كده .. حلو ..

تؤدى الفرقة الموسيقية جملة قصيرة لتعيد أم كلثوم الشطرة مرة أخرى .. ثم تؤدى الفرقة نفس الجملة الموسيقية الأولى لتنهيها بمقام جديد هو مقام ( النوا أثر ) .. حتى يخيل لنا أن أم كلثوم ستغنى من نفس المقام .. ولكن نجد المصيبة .. تغنى أم كلثوم من مقام الراست ( الدرجة الخامسة للعجم ) .. وهذه شطارة وصنعة من عبد الوهاب .. أراد أن يصل بنا إلى الراست من الدرجة الخامسة للعجم .. ( وهذا غير طبيعى ) .. فذهب للراست عن طريق النوا أثر .. وهذا مانسميه ( كوبرى ) .. أى إستعمال مقام ثالث للربط بين مقامين غير متجاورين ..

تغنى أم كلثوم ( فارحم القلب الذى يصبو إليك ) .. من مقام الراست .. ويستمر عبد الوهاب مع الراست كنوع من العِشرة .. ويقوم بزيارة مقام الهزام زيارة قصيرة ويعود للراست مرة أخرى .. ثم يستخدم الحجاز ككوبرى للعودة مرة أخرى لقواعده .. وينهى القصيدة بالعجم .. حيث بدأ ..

جرعة مكثفة من المقامات والتحويلات والجمل اللحنية المُشبعة .. التى راعى فيها عبد الوهاب ظروف أم كلثوم المرضية ( أيامها ) وإنخفاض طبقاتها الصوتية ..

لعلى أكون وُفقت فى التحليل .. وألتمس العذر من الأخوة الموسيقيين إذا كان هناك بعض الهفوات ..

**ثومه** · #2 16/04/2009, 23h00

أستاذي الفاضل أبو حسام
سعدت اليوم بنقل تحليلاتك الجميله
لروائع الست.
شكرا لك ومنور الايكه دائما.
ونحن في أنتظار الجديد منك.
لك خالص تقديري يا مايسترو منتدانا.

**اسماعيل غزراف** · #3 21/04/2009, 13h43

مشكور الاستاذ الالاتي الموسيقي العظيم اتقنت التحليل و سبرت اغوار هذه الرائعة الكلثومية الوهابية فداوم على عطائك و لاتحرمنا من عبقريتك التحليلية

**Muhammad Sarhan** · #4 22/04/2009, 17h58

لله درك !!

لست أدري يا عم الاتي أيهما أجمل : لحن أغدا ألقاك أم هذا التحليل الذي بحد ذاته موسيقى في موسيقى !

إن جمال هذا التحليل يصلح باترينة تزين صدر أي كتاب موسيقي عن أم كلثوم

لك من التحية أجلها يا فنان النغم والكلمة

**علي عكوش** · #5 19/05/2009, 21h16

شكرا للاستاذ الالاتي على تحليل رائعة اغدا القاك

تسلم ايديك

لكن عندي سؤال ... ما مفهوم (السلطنة) في الطرب ؟

انا الصراحة الست بتسلطني ... انا مفسر المعنى على انه اندماج رهيب في الاغنية يحرك المشاعر ويوجهها في اتجاه واحد ... يعني مثلا ما اعرفش اشتغل وانا بسمع الست

لكن اود من الاستاذ الالاتي ان يفسر لنا مفهوم السلطنة بدقة .. وبتفسير مويسقي

شكرا مقدما

**الألآتى** · #6 23/05/2009, 01h03

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي عكوش

شكرا للاستاذ الالاتي على تحليل رائعة اغدا القاك

تسلم ايديك

لكن عندي سؤال ... ما مفهوم (السلطنة) في الطرب ؟

انا الصراحة الست بتسلطني ... انا مفسر المعنى على انه اندماج رهيب في الاغنية يحرك المشاعر ويوجهها في اتجاه واحد ... يعني مثلا ما اعرفش اشتغل وانا بسمع الست

لكن اود من الاستاذ الالاتي ان يفسر لنا مفهوم السلطنة بدقة .. وبتفسير مويسقي

شكرا مقدما

لقد سبق وأن أجبت على نفس السؤال فى منتدى أخر .. وكان السؤال بنفس الصيغة .. فهل حضرتك نفس الشخص السائل ؟

عموماً .. سأضع الإجابة هنا مرة أخرى ..

أولاً لابد أن نعرف أن لفظ ( السلطنة ) .. خاص بالغناء الشرقى ..

وكلمة السلطنة فى حد ذاتها .. من الجائز أن تكون من ( السلطان ) .. أى يكون للحن سلطان عليك ..

ويجوز أيضاً أن تكون من ( التسلط ) .. أى أن اللحن يتسلط على وجدان المطرب والمستمع ..

وهناك فارق بين السلطنة والإندماج .. وإن كانت السلطنة حالة متقدمة من الإندماج

فالإندماج موجود فى أى نوع من الفنون .. وليس الغناء فقط ..

فأنت يمكنك أن تندمج فى عملك .. بحيث لا تشعر بما حولك ..

ومن هنا يجوز أن الإندماج يحدث فى الموسيقى الشرقية أو الغربية على حد سواء ..

وأنظر لحلقات الذكر .. تجد الناس مندمجين .. وحتى حلقات الزار .. التى كلها خبط ورقع .. تجدهم مندمجين ..

الخلاصة .. الفرق بين السلطنة والإندماج شعرة رفيعة ..

فمثلما يندمج الممثل فى الشخصية التى يلعبها .. كذلك المطرب .. يندمج فى اللحن الذى يؤديه ..

وهذا الإندماج يصل بالمطرب لحالة السلطنة التى تنتقل بدورها إلى المستمع ..

وجدير بالذكر أن السلطنة حالة مزاجية لا تأتى إلا للمطرب الحقيقى .. الذى يستطيع التجول والتلوين فى االلحن .. مثل أم كلثوم أو عبد الوهاب أو عبد المطلب ..

وهناك مقامات معينة يتسلطن منها المطرب أكثر من غيرها .. وأشهرها البياتى والسيكا والصبا ..

**havoc_59** · #7 05/08/2009, 18h58

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مشكور سيدي الفاضل على التحليل الراقي و الرائع و الشامل للقصيدة الرائعة
لي رجاء و لي ملاحظة
رجائي أن يتم التنويه للحرف الموسيقي الذي يستقر عليه المقام و هو هنا على ما أظن عجم من درجة الصول
و لي ملاحظة أرجو ان لا تزعج حضرتك
المقارنة بين قصائد السنباطي الكلثومية و قصائد عبد الوهاب الكلثومية لا تجوز هنا لسبب واحد و هو عدد القصائد لكل منهما و لكن من حيث القيمة الجمالية و الفنية بغض النظر عن الكم فيمكن ان تكون هناك مقارنة و هنا قد أختلف مع حضرتك في نتيجتها و قد يختلف معنا آخرون , هذا بالاضافة الى الاخذ بعين الاعتبار أن السنباطي تعامل مع السيدة أم كلثوم و هي في أوج عطائها الفني , ولك أن تتخيل لو أن عبد الوهاب لحن لكوكب الشرق في الاربعينيات و الخمسينيات من القرن الماضي
أكرر شكري و تقديري لمجهودك و تحليلك و هو في غاية الجمال ولا يقل روعة عن جمال القصيدة نفسها

**رمضان عزو** · #8 21/09/2009, 20h24

شكرا علي االتحليل الجميل لنعرف مدي عبقرية عبد الوهاب وارجو منكم تحليل لاغنية ليلة حب خاصة الكوبلية الرابع

**أبو الصابر** · #9 25/10/2009, 21h07

إلى زميلنا الآلاتي الذي لا يوفر جهدا في إثراء مكتبة المنتدى من تحليل موسيقي :

إنني أتساءل ، هل هذا التحليل هو آخر المطاف ؟ هل يكفي لوحده لإشباع النفس البشرية المتيمة بموسيقى وغناء الست ؟ إن هذا التحليل وغيره من التحليلات هو في إطار الواقع والحقيقة ، وإنني أعتقد أن وراء هذه التحليلات الموسيقية تكمن أسرار فوق طبيعية تفوق وتتخطى كل تحليل .
فعلى سبيل المثال :يقوم أحمد الحفناوي بعزف صولو في المقدمة الموسيقية لأغنية "من أجل عينيك" هذه الأغنية موجودة في ثلاث حفلات ، في حين يؤدي الحفناوي الصولو في واحدة منها بشكل رائع لم يؤده في الحفلتين الأخريتين . إنه أمر لا يتعدى الثانية من حيث الزمن لكنه ، باعتقادي وفي تلك اللحظة يساوي الكون كله .إذا ، أمور من هذا القبيل ، باعتقادي ، تفوق كل تحليل وكل علم !! قد يتفهمني من يعاني من" ألم وحرقة " هذه العبقرية والرفعة حتى بلوغ السماء في لحن وغناء الست .

**الألآتى** · #10 25/10/2009, 22h56

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الصابر

إنني أتساءل ، هل هذا التحليل هو آخر المطاف ؟ هل يكفي لوحده لإشباع النفس البشرية المتيمة بموسيقى وغناء الست ؟

أخى العزيز ..

إن التحليل الذى أقدمه .. هو تحليل مقامى ولحنى .. مع إظهار بعض الجماليات فى اللحن والأداء ..

لكنه بالتأكيد لايوفى أم كلثوم أو ملحنيها أو كُتابها قدرهم ..

إنما هى مجرد محاولة لتقريب وإظهار الجهد المبذول شعراً ولحناً وغناءً للمستمع العادى والمتذوق .

وأنا معك تماماً فى أن هناك كثيراً من الإبداعات الفردية يقوم بها الأساتذة الموسيقيين فى فرقة أم كلثوم ..

وهذه الإبداعات يشعر بها كل متذوق وكل عاشق لأم كلثوم وأغانيها .

وإذا تركت لنفسى العنان لشرح وتبيان كل هذه الإبداعات الفردية .. لما كفانى مائة صفحة من الكتابة ..

فأكتفى بالإشارة فقط دون الدخول فى التفاصيل .