* : محمد شريف (الكاتـب : loaie al-sayem - آخر مشاركة : اسامة عبد الحميد - - الوقت: 23h50 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سعاد محاسن (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 19h25 - التاريخ: 27/03/2024)           »          الشيخ محمد صلاح الدين كباره (الكاتـب : احمد البنهاوي - آخر مشاركة : kabh01 - - الوقت: 09h52 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سلمى (الكاتـب : حماد مزيد - آخر مشاركة : عطية لزهر - - الوقت: 09h18 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سمير غانم- 15 يناير 1937 - 20 مايو 2021 (الكاتـب : محمد البتيتى - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 01h14 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سلوى رشدي - مونولجست (الكاتـب : حازم فودة - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 00h43 - التاريخ: 27/03/2024)           »          الثنائي سعد و اكرام (الكاتـب : abuaseem - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 00h09 - التاريخ: 27/03/2024)           »          سعاد وجدي (الكاتـب : نور عسكر - - الوقت: 23h25 - التاريخ: 26/03/2024)           »          خالد عبدالله (الكاتـب : abuaseem - آخر مشاركة : محمود نديم فتحي - - الوقت: 23h11 - التاريخ: 26/03/2024)           »          علي سعيد كتوع (الكاتـب : abuaseem - - الوقت: 22h03 - التاريخ: 26/03/2024)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > أصحاب الريادة والأعلام > سيد درويش(17 مارس 1892 - 10 سبتمبر 1923)

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 18/07/2019, 17h08
الصورة الرمزية samirazek
samirazek samirazek غير متصل  
مشرف
رقم العضوية:51
 
تاريخ التسجيل: novembre 2005
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 78
المشاركات: 685
افتراضي ادوار سيد درويش

أدوار سيد درويش


المصدر : Arabic music archives


على مدى علمنا لا توجد وثائق فى تحليل أدوار سيد درويش يمكن الرجوع إليها ، غير خطوة قام بها الدكتور محمود الحفنى بتحليل دور واحد هو فى شرع مين ، ولذلك ندعى أن هذه هى أول مبادرة للتحليل الموسيقى لجميع أدوار سيد درويش ، وتجئ بعد مرور أكثر من ثمانين سنة على وفاته ، وهذا فى حد ذاته دليل على أن موسيقاه تستحق الدراسة

أدوار سيد درويش 10 أدوارهى:


الــــــدور .................. المقــــــام

يا فـــؤادى ليه بتعشـق .......عجـــــــم

عشـــــقت حســـنك...........بسـتة نكار

يا للى قـوامـك يعجبنى........نكـــــريز

يــــوم تركت الحب ..........هـــــــزام

فى شــــــــــرع ميـــن........زنجــران

أنا عشــــــــــــــقت...........حجاز كار

الحبيب للهجـر مـــايل.......ســــازكار

عـواطـفــــــــــــــك...........نوا أثـــــر

ضيعت مستقبل حياتى........شــــورى

أنا هـــــــــــــــويت ..........كــــــورد

وأدوار سيد درويش قمة عالية من قمم الموسيقى العربية وهى تقف جنبا إلى جنب فى التاريخ مع كنوز التراث العربى كالقصائد والموشحات والأدبيات الكبرى مثل كليلة ودمنة والبخلاء وألف ليلة ورحلات ابن بطوطة وكتب الفارابى وابن سينا والخوارزمى وابن خلدون وغير ذلك من أعمال التراث الذى نخشى عليه من الاندثار ونحييه من آن لآخر مهما تقادم ، ويجب أن نفعل ذلك مع أدوار سيد درويش بالذات لأن فيها مفاتيح صنع الموسيقى العربية وترسخت فيها قواعد تلك الموسيقى لتميزها عن غيرها من موسيقات العالم بأصالة شديدة ، ولأن إهمال موسيقى أمة هو إهمال للأمة نفسها ولا يقول بغير ذلك سوى الجهلاء ، وقبل أن نتعرض لأدوار سيد درويش بالتفصيل ربما من المناسب التعريف بالدور كشكل غنائى ، ثم التعريف بأدواره ككل من ناحية أهميتها وخصائصها العامة

ما هو الــدور؟


الدور هو باختصار فن الغناء المتقن ، وهو بالنسبة للموسيقى العربية محل التقاء جميع فنونها ، من أساليب الموشحات والقصائد وأنواع المقامات النغمية والإيقاعات وغيرها ، وبالتالى على مؤديه الدراية الكاملة بهذه الفنون والتمكن الكامل منها ، وقد يجتهد أحدهم فى أداء الدور لكن أداءه يبقى رهينة اللحن المتطلب لأذن موسيقية حساسة ولإمكانيات صوتية عالية وقدرة على "السيطرة" على اللحن الذى يتنوع ويتفرع مرتكزا على مقام أساسى ، وإذا كانت هذه الشروط واجبة فى المؤدى فمن المنطقى توقع أن تكون قدرات الملحن على درجة عالية من الكفاءة
وتاريخيا بدأ الدور يظهر كشكل غنائى فى أواسط القرن التاسع عشر وإن ورد فى كتب التاريخ الأقدم لكن ليس بنفس المواصفات ، وقد بلغ الدور أوجه فى عصر سيد درويش واستمر حتى ثلاثينات القرن العشرين وغنت أم كلثوم آخر دور فى تاريخ الشرق عام 1938 من تلحين زكريا أحمد أى بعد 15 عاما فقط من وفاة سيد درويش ، وهى نهاية ليست مطلوبة ولا محبذة للدور الذى يضم فنونا كثيرة تعين الدارسين على تعلم الأصول والفروع ، ولا يمكن الاحتجاج مطلقا بانه لون قديم من الغناء ولى عصره ، وكما سبق أن ذكرنا يستمر تعلم الموشحات وهى من قديم القديم لأن فيها التدرب الصحيح على أصول الموسيقى ، ورغم قدمها كقالب موسيقى غنائى فقد لحن منه سيد درويش اثنى عشر موشحا فلماذا اهتم بذلك ولم يتجه للجديد مياشرة ؟! الحقيقة أن استمرار إنتاج فنون القوالب القديمة مطلوب إن لم يكن جماهيريا فأكاديميا لأغراض التعلم والحفاظ على التراث الثقافى ، ولن نذهب بعيدا فإنه لم يكن باستطاعة سيد درويش نفسه تلحين نصف ما لحنه إن لم يكن قد تعلم من موسيقى الأقدمين التى اختزنت التراث واختزلته فى الأعمال التى وردت إلينا منهم ، وإن لم نواصل المسيرة فسيأتى على بلادنا يوم لا نغنى فيه غير البوب والهيب هوب ، والتاريخ لا يرحم وقد مرت على الأمة العربية عصور التتريك قديما والفرنسة حديثا والأمركة قادمة ، وهى ما يطلق عليه العولمة ، وليست العولمة سياسة افتصادية بل الاقتصاد هو هدفها ، وإنما من أدواتها العولمة الثقافية ، فإن أنت ملكت وجدان الشعوب وجعلتها تفكر مثلك وتشعر مثلك وتحس بنفس حاجاتك وأولوياتك فقد تعولمت لوحدها تلقائيا ولن تبذل جهدا فى أن تجعلها سوقا لمنتجاتك

نظـــم الدور

يتكون الدور نظما من مذهب أو مدخل قصير من بيت أو اثنين ، وكوبليه من عدة أبيات يكون أوله على طريقة المذهب ، والدور ليس كالقصيدة فى البناء النظمى فالقصيدة أولا بالفصحى وثانيا قد تطول لعشرات الأبيات ، وليس كالموشح الذى هو مزيج من العامية والفصحى ويتكون عادة من ثلاثة كوبليهات أهمها الأخير

لحـــن الدور

أما لحنا فالدور يبدأ بلحن المذهب الذى يكون التيمة الأساسية للحن ويظهر مقامه تماما حتى نهايته ، ثم ينتقل إلى الكوبليه الذى يبدأ بنفس لحن المذهب لكنه يبدأ فى استخدام مجموعة من الأدوات هدفها استعراض أبعاد لحنية جديدة ذات اتصال بالمقام الأساسى منها "الردود" و"الآهات" ، والردود جمل يرددها الكورس خلف المغنى الذى يلون فى لحن جمل معينة ينما يردد الكورس نفس الجملة فى كل مرة عائدا باللحن إلى أساسه والصورة فى النهاية هى صورة حوار بين المغنى ومجموعة الكورس يغير المغنى فى أدائه كل مرة ينما يثبت الكورس على رده ، وينتهى الحوار بنهاية أو قفلة لحنية تؤدى إلى حوار من نوع آخر هو الآهات ، فيها يردد فيها المغنى جمله الخاصة بينما يردد الكورس جملا أخرى أو كما فعل سيد درويش يكرر الكورس نفس آهات المغنى ، والآهات ليس لها علاقة مباشرة بالكلمات ، لكنها جمل لحنية تردد دون كلمات ، وكانت هذه الآهات فى مراحل الدور الأولى ارتجالية متغيرة لكنها ثبتت بنفس اللحن بعد ذلك ، وفى مرحلة سيد درويش أضيف بعدان أساسيان إلى آهات الأدوار هما التعبير عن الجو النفسى الذى يوحى به موضوع الدور ، واستخدام القفزات النغمية أو الانتقال النغمى الواسع فى لحنها بدلا من التدرج الذى كان يجعل المستمع يتوقع الجملة التالية فيصاب بالملل قبل أن تبدأ
ينتهى الدور بقفلة على المقام الأساسى فيها عودة لحنية إلى لحن المذهب ولكن على كلمات المطلع المشابه له فى أول الكوبليه فى المقطع الثانى من الدور
يعد انتهاء الدور يشعر السامع بأنه قد قطع رحلة طويلة بين النغمات والإيقاعات ويتكون لديه انطباع بأنه قد شهد مسرحية متكاملة وليس مجرد أغنية ، ولهذا يوصف الدور بأنه بناء درامى بالدرجة الأولى

القيم والمفاهيم الهامة وخصائص أدوار سيد درويش

ورغم أن سيد درويش لم يبتكر قالب الدور الغنائى ، وهو فضل ينسب إلى الملحنين الأقدم وأهمهم محمد عثمان ، فإن أدوار سيد درويش العشرة تعطى قيما ومفاهيم جديدة نلخصها فى الآتى:

أولا : أن هذه الأدوار رغم كونها من قالب أقدم قد جاءت كأفضل عشرة أدوار فى تاريخ الموسيقى العربية ، وهو بذلك قد فاق جميع ، ونكرر ، جميع الأساتذة الذين سبقوه فى هذا الميدان بما فيهم محمد عثمان نفسه أستاذ الدور وصانعه الأول

ثانيا: معظم هذه الأدوار قد قام بتلحينها سيد درويش وهو فى الطور المغمور ولم يكن أحد قد عرفه بعد خارج مدينته الإسكندرية ، وحتى فى داخل المدينة لم يكن يعرفه كفنان كثيرون غير أصدقائه ، وقد وضع لحن أول دور له "يا فؤادى ليه بتعشق" عام 1914 ولم يتعد عمره 22 عاما ، وهناك قصة معروفة تروى أن سيد درويش نسب هذا الدور إلى الملحن المعروف وقتئذ ابراهيم القبانى خشية أن يتردد الناس فى سماعه إذا عرفوا أنه من تلحين ذلك الشاب الصغير
ولسيد درويش قصة أخرى مع ابراهيم القبانى فقد وقعت بينهما مشادة فى أحد المقاهى عندما سمعه يردد آهات فى دور للقبانى لم يكن قد وضعها فى لحنه ، واحتج القبانى على سيد درويش لتغييره اللحن فتدخل بعض أصدقاء الطرفين للإصلاح بينهما وحاولوا إقناع الملحن المعروف بأن الشيخ الصغير لم يفعل ذلك إلا من باب إعجابه باللحن ولم يقصد تغييره بأى حال وإنما هى حالة اندماج معروفة لدى الفنانين ، ومر الموقف على خير لكن سيد درويش تعلم أن ينسب ألحانه لنفسه بعد ذلك حتى مع كونه فنانا مغمورا ، وتلا "يا فؤادى" عدة أدوار وهو لا يزال بالإسكندرية ، منها دور "ضيعت مستقبل حياتى" الذى قدمه فى أول حفل له بالقاهرة بين فصول رواية للشيخ سلامة حجازى أيضا عام 1914
استقبل جمهور القاهرة "ضيعت مستقبل حياتى" ، وهو من أعظم أدوار سيد درويش ، استقبالا فاترا بل طلبوا منه الكف عن الغناء ومغادرة المسرح ! ربما لهذا الموقف وما شابهه يقال أن جمهور الإسكندرية هو الترمومتر الحقيقى لأى فنان ، ويقصد بذلك أن الفنان إذا نجح أمام الجمهور السكندرى فقد نجح أمام كل الجماهير الأخرى وإذا فشل امامه لن ينجح فى أى مكان آخر ، ورغم التناقض الظاهرى فقد أثبتت تلك المقولة صحتها مع سيد درويش الذى ذاع صيته فى الإسكندرية بعد ذلك وأخذ الناس يسعون إلى سماعه حتى حضر إليه من القاهرة الشيخ سلامة حجازى نفسه ، وهو سـكندرى الأصل ، وذهب إلى المقهى الذى يغنى فيه ليسمعه ولم يتردد فى دعوته فورا لتقديم أعماله على مسرحه بالعاصمة

نفس القصة تكررت مع فنانين آخرين منهم محمد عبد الوهاب فقد أنكره جمهور القاهرة فى بداية الأمر وقد بدأت قصة نجاحه فى الإسكندرية أيضا ، ويذكر أن سيد درويش عندما قدم روايته شهر زاد لأول مرة ، وأمام الجمهور أعظم ملحن وأعظم صوت فشل الاثنان معا فى كسب الجمهور ، وكان يغنى مع محمد عبد الوهاب المطربة حياة صبرى ، وصفق الجمهور طويلا لحياة صبرى وهى تغنى لحن الختام ثم أسدل الستار وطلب الجمهور استمرار الغناء فتقدم عبد الوهاب ليغنى لكن الجمهور رفض أن يستمع إليه وطلب عودة حياة صبرى إلى المسرح ففعلت وتكرر التصفيق لها دون عبد الوهاب
وسر ذلك أن جمهور القاهرة هو من مرتادى الحفلات وهى فئة ذات طايع مزاجى من الصعب عليها تقبل الجديد ، أما الجمهور السكندرى فهو جمهور "سميع" تذوق الفن على مختلف ألوانه وبحكم اختلاط المدينة ألوان شتى من الثقافات تعلم أن يستقبل الجديد بتفهم وعناية ، وكانت المدينة فى ذلك الوقت ملتقى طوائف من جميع أنحاء العالم قد أتوا إليها للعمل فى مهن جديدة والاستثمار فى التجارة الدولية ، وكان بها من الأجانب من ينتمون إلى قرابة 30 جنسية أحبوا المدينة واندمجوا مع شعبها فى الحياة العامة ، وكان معظم الأجانب من شعوب البحر المتوسط الميالة إلى الطرب ومن بينهم كان شرقيون كثيرون من أرمينيا والشيشان وما حولهما الذين اقتربت موسيقاهم من موسيقى الشرق العربى ، كما كان يقطنها العديد من المغاربة ذوى التراث الأندلسى
وأول إشارة ذات قيمة فى إقدام سيد درويش على تلحين الأدوار ، وهى أصعب القوالب الغنائية ، أنه قد فعلها وهو لم يكن شيئا مذكورا ، ولم يثنه ذلك عن عزمه ، ولو لم يفعل ذلك لما أصبح سيد درويش

ثالثا: تحول سيد درويش من الغناء إلى التلحين كان بعد أن رسخت قدماه فى العلم الموسيقى وحفظ الكثير من القديم وفهم أبعاده وطرائقه ، وقد أحس أنه استطاعته أن يقدم مثله إن لم يكن أفضل منه ، وكان قد ذهب إلى الشام مرتين لم يحقق فيهما أى نجاح يذكر كمطرب لكنه كان قد التقى بعثمان الموصلى وعبد الرحمن الحباك وغيرهما من علماء الموسيقى الشرقية الذين اجتمع لهم علم فارس وتركيا والأندلس وأخذ عنهم سيد درويش الكثير من أصول الموسيقى وعلومها ، وقد أجاد فى الفترة ما بين 1912 و 1914 عزف العود وعلم كثيرا من المقامات ، وعاد وفى حوزته العديد من الكتب والمخطوطات القديمة التى احتوت أسرار صناعة الموسيقى

رابعا: أن سيد درويش قد ألف بعض أدواره نظما وموسيقى ، فلم يكن فى حاجة ماسة لمؤلف للكلمات ، وإنما كان باستطاعته التعبير بالشعر فيكتب ما يعبر به عن موقف أو إحساس ، وهى موهبة أخرى للشيخ سيد ، وقد استمر تأليفه للكلمات فى الأدوار وغير الأدوار ومما كتب بنفسه كلمات نشيده الشهير بلادى

خامسا: لم يقم بتلحينها فقط من باب الصناعة وإنما لحاجته إلى التعبير عن نفسه ومشاعره ، فكل من أدوار الشيخ سيد كان تعبيرا عن حالة خاصة أو موقف بذاته فى حياته ، لذا شاركه الكثيرون فى الإحساس بها ، ليس تعاطفا معه وإنما لكونها انطوت على حالات عامة يمكن أن يتعرض لها بنى البشر فى كل زمان ومكان ، ولذلك فهى صالحة للتداول حتى الآن ، ويشترك سيد درويش فى هذا مع أصحاب الأدبيات الكبرى الذين تعمق أعمالهم إلى داخل النفس الإنسانية بصرف النظر عن زمن أو مكان وجودها ، وهذا بالضيط هو المعيار الأساسى الذى تستخمه هيئة جائزة نوبل فى منح جائزتها فى الأدب ، وقد وردت تلك الحيثيات فى قرار منح الجائزة للأديب العربى نجيب محفوظ ، وأعمال توفيق الحكيم تتسم بنفس الصفة ، ومن الغرب نجد أدبيات شكسبير وتشارلز ديكنز وبرنارد شو وغيرهم يتبناها كل العالم لما فيها من عمق إنسانى تجاوز حدود الزمان والمكان ، وفى الموسيقى تعزف موسيقى بيتهوفن الألمانى وموتسارت النمساوى وتشايكوفسكى الروسى بنفس الحرارة فى كل الدنيا ، وهذه الأعمال الكبرى نبعت أساسا من بيئات وفنون محلية فى بلادها ، وليس من المبالغ فيه القول بأن أدوار سيد درويش سيتذوقها الناس فى كل مكان إذا أتيح لهم الاستماع إليها
ويقول الأستاذ عباس العقاد فى ذلك "جاء هذا النابغة فناسب بين الألفاظ والمعانى والألحان ، وناسب بين الألحان والحالات النفسية التى تعبر عنها بحيث تسمع ما يغنيه فتحسب أن كلماته ومعانيه وأنغامه وخوالجه قد تزاوجت منذ القدم ، ولم يكن الغناء كذلك منذ أن عرفتاه وإنما كان لغوا لا محصل فيه وألحانا لا مطابقة بينها وبين ما وضعت له ، وربما يكون الدور مقصودا به الحزن والشجون ولحنه أميل بالسامع إلى الرقص واللعب أو مقصود به الجزل والمزاح ولحنه أميل إلى الغم والكآبة ، ولم تكن الأنغام والأصوات عبارات نفسية وصور ذهنية ولكنها كانت مسافات وأبعادا تقاس على كذا من الآلات تربط بكذا من المفاتيح ثم لا محل فيها بعد ذلك بقلب يتكلم ولا لقلب يعى عنه ما يقول ، وعلى هذه السنة درج الغناء عهدا طويلا إلى أن أدركه عبده الحامولى ومحمد عثمان فنقحاه بعض التنقيح لكن هذا الفن ظل كطائر مقصوص الجناحين كليل العينين يلمس قضبان القفص أينما سار"

خامسا: أن التجديد الذى أحدثه سيد درويش فى أدواره لم يتناول فقط الألحان بل طرق مقامات غير مستخدمة ، فعندما نجد له دورا من مقام الشورى وآخر من النكريز ، وهى مقامات لم نكن مطروقة ، وثالث من مقام ابتكره هو بنفسه ولنفسه وهو المقام الذى أسماه زنجران ، إلى آخر المقامات ، نكتشف أنه ليس ملحنا فقط بل موسيقى كفؤ على دراية كاملة بما يصنع ، وحرص سيد درويش على أن يضع كل دور له من مقام مختلف ينم عن رغبة داخلية فى التجديد والبعد عن التكرار ، وهى سمة أصيلة فى فن سيد درويش ، وهكذا نجد أدواره العشرة من عشرة مقامات موسيقية ، وقد أعطى هذا تنوعا كبيرا أفاد الموسيقيين بعده الذين بدأوا طرق تلك المقامات
يقول بيرم التونسى عن أدوار سيد درويش " كل دور منها يشبه فى مجموعه القصر الذى يحتوى على مدخل جميل ، وصالة استقبال ، ومخادع ظاهرة ، وأخرى خفية ، وحدائق وملاعب ، تسيطر عليها نغمة واحدة من النكريز أو الزنجران أو العجم (أسماء المقامات) كما يسيطر الطراز العربى أو الفرعونى أو البيزنطى على القصر أو العمارة" ، وبيرم هنا لا يشير فقط إلى تعدد الألوان والطرز فهو يشير أيضا إلى البناء الدرامى كخاصية أساسية

سادسا: لم يمنعه نجاحه المسرحى الهائل من إكمال المهمة التى بدأها مغمورا ، فقد استمر سيد درويش فى تلحين الأدوار ، وكان آخرها يوم تركت الحب الذى لم يتمكن من تسجيله فى حياته ، كما أن له دورا لم يكتمل هو يلزم بقى نهنى الفؤاد

سابعا: أدوار سيد درويش كلاسيكيات فنية أصيلة ، حرص سيد درويش على تسجيل تلك الأدوار بنفسه وقد سجلها جميعا بصوته ، وقد سجلها جميعا عدا دور واحد هو يوم تركت الحب حيث وافته المنية قبل تسجيله وسجله المطرب محمد أنور ولم يظهر ذلك الحرص فى ألحانه المسرحية التى كان معظم من غناها من المطربين المغمورين ، والسبب فى ذلك يرجع إلى إدراكه أن هذه الأدوار قد صنعت ليتولى أداءها من يفهم سر صنعتها ويستطيع أداءها كما أراد ملحنها ، فهى تحتوى على الكثير من الجمل دقيقة الصنع ، وليست ألحانا شعبية كالتى وردت فى ألحان المسرح والتى صنعت أصلا ليغنيها الناس فى كل مكان وليس المطربون ، وفى هذه الأدوار تلتقى مدرسة سيد درويش التعبيرية بقمة فن الطرب ، فهو وإن قد قدم التعبير كعنصر هام فى الأدوار فقد غذاها بما لم يسبق فى الخيال الموسيقى متعدد الأبعاد ، وقد مزج فى أدواره بين التعبير والتطريب مزجا ملك قلوب الناس قبل أسماعها ، والمستمع لسيد درويش فى أحد أدواره يجد نفسه أمام حالة وجدانية رائعة تأسر النفس وتجعل السامع يشعر بأنه يريد عيش هذه الحالة وذلك التأثر بنفس العمق الذى أداها به سيد درويش

ان الأصالة السائدة فى روح موسيقى هذه الأدوار قلما يحسها السامع فى أعمال أخرى ، وسيد درويش يخلص هنا للغة والبيئة والتراث التاريخى والتراث الشعبى ، بحيث لا تشعر فيه بأية لكنة أو نغمة غريبـة عن بيئتها العربية ، ويخلص أيضا للحس الإنسانى بحيث تجد كل حالة من حالات أدواره متفردة ليس فيها نقل أو تقليد ، وأيضا لا يستطيع أحد النقل منها أو تقليدها فسيكتشف الأصل فور سماع المنقول أو المقلد ، ومطربون معدودون فقط هم من تصدى لأداء أدوار سيد درويش ، منهم صالح عبد الحى وزكى مراد والد الفنانة ليلى مراد وكارم محمود وصباح فخرى ولم يتماثل أداؤهم بطبيعة الحال كما لم يملك غناؤهم نفس التأثير الجارف الذى يولده أداء الشيخ سيد فى نفس السامع وإن كانت أصواتهم أصفى من صوت الشيخ بكثير ، وهنا يكمن سر ذيوع تلك الألحان بصوت سيد درويش عنها بصوت أحدهم أما منيرة المهدية فقد حاولت أداء أحد أدوار سيد درويش لكن المحاولة لم يكتب لها النجاح لاعتماد أسلوبها فى الغناء على التطريب دون التعبير ، كما غنى أنا هويت كل من محمد عبد الوهاب ورياض السنباطى ، أما فى تلحين الدور فقد لحن منه بعد سيد درويش فقط داود حسنى وزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب
وأدوار سيد درويش هى ألحان شرقية بحتة ليس فيها أى أثر للتغريب أو التأثر بموسيقى الغرب ، بعكس ألحانه المسرحية التى بحكم وضعها للمسرح اتخذت كثيرا من أساليب الغناء الأوبرالى الغربى ، وهكذا يميز سيد درويش بين العمل للمسرح وغير ذلك من ألوان الغناء ، وشرقية هذه الأدوار الخصبة هى ما يجعلها أقرب إلى نفوسنا من ألحان أخرى مهما بلغت درجة تطور تلك الألحان ، وهى فى هذا المضمار طابع هويــة


تعقيب : اختفاء قالب الدور من الموسيقى العربية بعد ان لحن زكريا احمد لأم كلثوم آخر ادوارها آه يا سلام من كلمات حسن صبح عام 1937...خسارة فادحة للغناء العربى ...فليست الحداثه فى الموسيقى ان نبتر احد اذرعتها ...تماما كما طور النابغة سيد درويش اسلوب المرددين فى الهنك والرنك والآهات فجعلهم يرددون ما يغنيه المطرب بدلا من مقاطعته بالمذهب.
__________________
مع تحيات سمير عبد الرازق

التعديل الأخير تم بواسطة : samirazek بتاريخ 18/07/2019 الساعة 17h22
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 08h56.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd