* : أغاني منوعة بأصوات لبنانية (الكاتـب : esb_a - آخر مشاركة : loaie al-sayem - - الوقت: 14h24 - التاريخ: 29/04/2024)           »          نصري شمس الدين- 27 جوان 1927 - 18 مارس 1983 (الكاتـب : abuaseem - آخر مشاركة : loaie al-sayem - - الوقت: 13h49 - التاريخ: 29/04/2024)           »          6 فبراير 1958 الازبكيه *قصة الامس اولى* عودت عيني *دليلي احتار (الكاتـب : tarab - آخر مشاركة : عبدالرحمن عبدالله - - الوقت: 12h00 - التاريخ: 29/04/2024)           »          أحسن القصص (الكاتـب : حازم فودة - - الوقت: 11h52 - التاريخ: 29/04/2024)           »          نـوال الكويتية (الكاتـب : loaie al-sayem - - الوقت: 11h15 - التاريخ: 29/04/2024)           »          الفنان علي عبدالكريم (الكاتـب : ابوحمد - آخر مشاركة : loaie al-sayem - - الوقت: 11h08 - التاريخ: 29/04/2024)           »          عايدة الشاعر- 29 أكتوبر 1940- 7 مارس 2004 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : غريب محمد - - الوقت: 08h55 - التاريخ: 29/04/2024)           »          منال منصــــور (الكاتـب : loaie al-sayem - - الوقت: 07h12 - التاريخ: 29/04/2024)           »          هيام يونس( 28 جانفي 1948 ) (الكاتـب : عثمان دلباني - آخر مشاركة : ابوايوب1966 - - الوقت: 01h20 - التاريخ: 29/04/2024)           »          عبــد محمد (الكاتـب : قصي الفرضي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 23h46 - التاريخ: 28/04/2024)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > صالون سماعي > ملتقى الشعر و الأدب > نتاج الأعضاء .. القصص والروايات

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #131  
قديم 05/08/2009, 19h23
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

أسعدنى حضورك وتشريفك , ونزلت كلماتك على بردا وسلاما كأنها جاءت فى وقتها
شكرا من القلب يا شاعرنا الكبير سيد أبو زهده ورسالة تحية من إمامنا قاضى الشريعه على توقيعك الجديد المقتبس من درر حكم كلماته
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 18h40
رد مع اقتباس
  #132  
قديم 05/08/2009, 19h23
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي


الشافعـى يتحـدث ويتحدث

@ مضت سنوات والشافعى متصدر مجلسه العامر فى فناء الكعبة قبالة الميزاب حيث تنزل الرحمات والبركات كسيل العرم . وحلقته تتسع يوما عن يوم ويزداد روادها من داخل الحجاز ومن خارجها بعد أن ذاع صيته وطبقت شهرته الآفاق . صارت تضرب الإبل أكبادها إليه من كل فج عميق سعيا وراءه وطلبا لعلومه وآدابه ..
فى مجلسه ترى مئات من البشر يجلسون فى أدب وخشوع منهم من يكتب ومنهم من يرهف سمعه إلى كلامه الذى ينبع من عين علوم القرآن والسنه . تلك العين الجاريه التى تفيض على الحاضرين بأعذب الكلام فيروى ظمأهم ويطفئ غلتهم هذا المنهل العذب الصافى ..
إعتاد الذهاب كل يوم إلى ساحة الحرم مبكرا لا يتخلف عنها إلا لضرورة أو عذر . بيده ولده محمد وقد بلغ عامه السادس حيث يتركه بين يدى شيخه معلم القرآن ,فى نفس المكان الذى كان يختلف فيه قبل نيف وثلاثين عاما إلى شيخه الراحل إسماعيل بن قسطنطين ..
أحدهم يسأله .........
ــ يا ابن إدريس ما معنى الأمه فى قوله تعالى "إنا وجدنا آباءنا على أمه" ؟.
ــ إعلموا أيها القوم أن الأمه جاءت فى القرآن على ثلاثة وجوه . أما قوله تعالى فى سـورة الزخرف [ إنا وجدنا آباءنا على أمه ] أى على دين . وقوله تعالى فى سورة يوسف [ وادكر بعد أمه ] أى بعد حين أما قوله تعالى فى سورة النحل [ إن إبراهيم كان أمه ] أى كان معلما ..
فى تلك الأثناء كان رجال ثلاثة يتحركون على مقربة من مجلس الشافعى يتداولون فيما بينهم ,أحدهم يقول لصاحبيه ............
ــ هيا يا إخوان تعالوا بنا إلى حلقة هذا الحجازى المطلبى ..
أشار بيمناه ناحية الشافعى الذى بدا صوته بعيدا عنهم ,عاجله آخر وكان فارسيا بقوله .........
ــ ماذا تقول يا ابن حنبل . تقيمنا من عند شيخ يقول حدثنا الزهرى عن عبد الرزاق ويملى علينا أحاديث عمرو بن دينار لتأتى بنا إلى هذا الشاب المغمور ؟.
رد مبتسما فى مودة وثقه ........
ــ يا أبا يعقوب يا ابن راهويه . إن فاتك عقل هذا الرجل فإنى أخاف عليك ألا تجده إلى يوم القيامه . إقتبس أنت وصاحبك يحى بن معين من هذا المطلبى فلن تر عيناكما مثله . إنه رجل آتاه الله فصاحة اللسان وبلاغة البيان وقوة الجنان . إذا أخذ فى التفسير فكأنما شاهد التنزيل ..
رد فى ضيق........
ــ أنت يا ابن حنبل , تقول مثل هذا ؟.
ــ بل وأمسك بركاب بغلته إن أمككنى وأقودها له راضيا ..
ــ ماذا تقول يا ابن حنبل . أنت تفعل ذلك ؟.
ــ أجل وأكثر منه . لقد لازمته طويلا وقت أن كان يقيم فى العراق وأخذت عنه الكثير . كان الفقه قفلا على أهله حتى فتحه الله بهذا الشافعى . إنه خطيب العلماء وسيدهم ..
سكت برهة ثم أردف متمما لصاحبه .........
ــ سمعته ذات يوم يقول مقالة فى حديث لرسول الله "صلى الله عليه وسلم" ما سمعتها من أحد قبله ولا حتى من شيخ المحدثين سفيان بن عيينه ..
ــ عن أى حديث تتكلم ,وماذا قال فيه هذا الشافعى ؟.
ــ قوله "صلى الله عليه وسلم" ... [ أمكنوا الطير فى أوكاها وبكروا على إسم الله ] . هل لك أن تخبرنى بمعنى هذا الحديث ماذا فهمت منه ؟.
رد فى استخفاف .............
ــ هذا حديث مفسر ,وهو نهى عن صيد الليل أى دعوا الطير فى ظلمة الليل فى أوكارها . هكذا سمعت تفسيره من شيخنا وكيع بن الجراح ..
ــ إسمع إذن ما قاله الشافعى فيه لما سألته عن معناه ذات مرة قـال لى ....……
ــ كان أهل الجاهلية إذا أرادوا سفرا عمدوا إلى الطير فسرحوها . فإن أخذت يمينا خرجوا فى ذلك الفأل وإن أخذت يسارا أو رجعت إلى خلفها تطيروا ورجعوا . فلما أن بعث النبى "صلى الله عليه وسلم" قدم مكة فنادى فى الناس .... “ أمكنوا الطير فى أوكارها وبكروا على إسم الله “………………
قال ابن حنبل ..............
ــ أسمعت بمثل هذا من أحد قبل ذلك يا ابن راهويه ؟.
سكت واجما ولم يعقب بينما رد ثالثهم يحى بن معين قائلا ...........
ــ والله لقد شوقتنا إلى سماعه هيا بنا إليه ..
إقترب الثلاثة من مجلس الشافعى ,جلسوا بالقرب منه ينصتون إليه بينما يقـول ..............……..
ــ وقول المؤذن حى على الصلاة حى على الفلاح دعاء منه إلى الصلاه . ثم دعاء منه يعلم فيه أن دعاءه إلى الصلاة دعاء إلى الفلاح . وينبغى لمن دعا إلى الفلاح بالصلاة وعلم أنه لا يأتى الفلاح بطاعة الله فى الصلاة أو غيرها إلا بعون من الله أن يقول ...... لا حول ولا قوة إلا بالله . لأنه لا حول له يصل إلى طاعة الله إلا بالله عز وجل ..
سأله أحمد بن حنبل .............
ــ هلا أوضحت لنا هذا الأمر يا إمام ولو بضرب مثال ؟.
ــ لبيان هذا الأمر وحقيقته لن أجد خيرا مما قاله ابن عمنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه لرجل سأله عن القدر ..
ــ بالله عليك ماذا قال ؟.
ــ حدثنى يحى بن سليم عن جعفر عن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر . أن على بن أبى طالب خطب الناس يوما فقال : “ وأعجب ما فى الإنسان قلبه فيه مواد من الحكمة وأضداد من خلافها . فإن سنح له الرجاء أولهه الطمع وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص . وإن ملكه اليأس قتله الأسف وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ وإن أسعد بالرضا نسى التحفظ وإن ناله الخوف شغله الحزن . وإن أصابته مصيبة قصمه الجزع وإن أفاد مالا أطغاه الغنى وإن عضته فاقة شغله البلاء وإن أجهده الجوع قصد به الضعف . فكل نقص به مضر وكل إفراط به مفسد “ …….. فلما انتهى على بن أبى طالب من خطبته قام رجل ممن شهد معه موقعة الجمل وقال له ............... أخبرنا يا أمير المؤمنين عن القدر . قال له : بحرعميق فلا تلجه . أعاد السؤال فقال ............ بيت مظلم فلا تدخله . أعاد الثالثة فقال له .......... سر الله فلا تبحث عنه . وفى الرابعة قال له ............. أما إذ أبيت فإنه أمر بين أمرين لا جبر ولا تفويض . قال له الرجل : يا أمير المؤمنين إن فلانا هذا يقول بالإستطاعة للعبد فى فعله . فلما أقاموه بين يديه سل من سيفه قدر أربع أصابع وسأل الرجل ..... الإستطاعة يا هذا تملكها مع الله أو من دون الله ؟.
قاطعه ابن حنبل متسائلا ...............
ــ لقد أوقعه فى مأزق لا مخرج له منه . كيف أجابه إذن ؟.
ابتسم الشافعى قائلا .............
ــ لقنه الإمام الإجابه ..
ــ كيف ؟.
ــ قبل أن يفتح الرجل فمه ليجيبه بادره على بن أبى طالب ...... إياك أن تجيب بأحدهما فترتد فأضرب عنقك . إحتار الرجل وقال ..... ما أقول إذن يا أمير المؤمنين ؟. قال له ...... قل أملكها بالله الذى إن شاء ملكنيها ..
وبعد برهة صمت قال الشافعى .............
ــ أيها القوم .......
قدر الله واقع يقضى وروده
قد مضى فيك حكمه وانقضى ما يريده ..
فأرد ما يكون إن لـم يكن ما تـريده ..
فى تلك اللحظه مال إسحق بن راهويه الخرسانى على أحمد بن حنبل هامسا فى أذنه .............
ــ هل لى أن أسأله عن مسأله ؟.
ــ سل ما بدا لك ..
تنحنح وهو يشرع برأسه فى تحد وغرور ناحية الشافعى ثم سأله بصوت مرتفع يصل إلى أسماع الحاضرين ................
ــ يا مطلبى ,ما تقول فى كراء بيوت مكة للغير ؟.
ــ أقول بجواز ذلك ..
ــ كيف تقول بجواز ذلك وقد ورد عن السيدة عائشة وجمع من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ما يفيد كراهة ذلك الأمر ؟.
ــ زدنى بيانا ..
ــ حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن أنه لم يكن يرى ذلك وأخبرنا أبو نعيم وغيره عن سفيان عن منصور عن إبراهيم أنه لم يكن يرى ذلك ..
ــ يرحمك الله أما علمت أن النبى "صلى الله عليه وسلم" قال [ هل ترك لنا عقيل من رباع أو دار ؟. ] ..
بدا على السائل أنه لم يدرك ما يعنيه الشافعى ,فأخذ يرطن بالفارسية ويتمتم بشفتيه قائلا ............ “ مردك لا كمالا نيست “ يقصد بهذه العبارة أن الشافعى شأنه شأن أهل قرية عندهم بمرو يدعون العلم وهم ليسوا كذلك .
نظر إليه الشافعى فعلم أنه يقدح فيه وينسبه إلى الجهل فقال له .......
ــ من أنت أيها الرجل ؟.
ــ أنا إسحق بن إبراهيم بن راهويه الخراسانى ..
ــ آه أنت الذى يزعم أهل خراسان أنك فقيههم الأكبر أو كما يقولون عنك شاهنشاه الحديث ؟.
رد فى استخفاف هازئا ..................
ــ هكذا يزعمون . أم لك رأى آخر ؟.
ــ ما أحوجنى أن يكون غيرك فى موضعك هذا فكنت آمر بعرك أذنيه وتأديبه . أنا أقول لك قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأنت تقول قال طاوس ومنصور وإبراهيم . هل لأحد مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حجة يا رجل ؟.
نظر ابن حنبل إلى صاحبه معاتبا , ثم اتجه ناحية الشافعى قائلا فى حيـاء وأدب ......
ــ ليتك تزيدنا فهما فى هذه المسألة أيها الشيخ ؟.
ــ أخبرنا يا فقيه خراسان الأكبر . لما قال الله تعالى فى سورة الحشر [ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ] . هل نسب الدار إلى المالكين أو لغيرهم ؟.
ــ بل نسبها إلى المالكين ..
ــ وقول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : [ من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ] . نسب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" الدار إلى مالك أو غير مالك ؟.
ــ بل إلى مالك ..
ــ وتعلم أن عمر بن الخطاب اشترى دار الحجامين فأسكنها . وتعلم أن نفرا من الصحابة اشتروا دور مكه وأن آخرين باعوها ؟.
ــ أجل أعلم ذلك كله ..
ــ فما هى حجتك إذن بعد ما سمعت قول الله تعالى وقول رسوله "صلى الله عليه وسلم" وما كان عليه أصحابه ؟.
أطرق الخرسانى قليلا ثم رفع رأسه وهو يتصبب عرقا قائلا..........
ــ قال الله تعالـى [ سواء العاكف فيه والباد ] ..
إبتسم الشافعى وهز رأسه قائلا فى ثقه ..............
ــ هلا قرأت أول الآيه [ والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ] والعكوف لا يكون إلا فى المسجد . ألا ترى فى قوله تعالى عن هذا البيت [ للطائفين والعاكفين ] وقوله تعالى [ وأنتم عاكفون فى المساجد ] . فدل ذلك كله أن قوله تعالى [ سواء العاكف فيه والباد ] والذى تتخذه حجة لك مقصود به المساجد خاصة . أما من ملك شيئا فله أن يبيع وأن يكرى . لو كان الأمر كما تزعم يا فقيه خراسان لكان لا يجوز أن تنشد فيه ضاله ولا تنحر فيه البدن ولا تنثر فيه الأرواث . ولكن هذا فى المسجد خاصه . أفهمت أم لديك حجة أخرى ؟.
أطرق الخرسانى حياء بينما ابن حنبل يخاطبه خطابا صامتا بعينيه وكأنه يقول له ..... ألم أقل لك ؟. ثم قام يسلم على الشافعى وهو يقول له كالمعتذر ............
ــ الآن فحسب أدركت ما تعنيه يا إمام وفهمت قول النبى "صلى الله عليه وسلم" [ هل ترك لنا عقيل من رباع أو دار ] . لا تؤاخذنى أيها الفقيه المكى ..
وقبل أن ينصرف الثلاثة الأصحاب من ساحة البيت مال الشافعى على أحمد بن حنبل وسأله ............
ــ متى ترجع إلى العراق إن شاء الله ..
ــ سوف أشد الرحال إن شاء الله تعالى فى مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم ..
ــ لا تنسى أن تأتنينى فى دارى قبل رحيلك . لدى أمانة مهمة أريد أن أبعث بها إلى الشيخ المحدث عبد الرحمن بن مهدى ..

@ على هذا المنوال ظلت الأيام تمضى تترى بالشيخ فى مكه . يظل طوال النهار فى رحاب ساحة الحرم المكى بين تلاميذه وطلاب علومه . أما ليله يمضيه كله قابعا فى داره جاعلا ثلثه الأول لغذاء عقله فى القراءة والتدوين . والثلث الثانى لغذاء روحه فى عبادة وتهجد ومناجاة لربه والثلث الأخير لراحة بدنه الذى لم يكن يعرف فى الحقيقة للراحة طعما . إلا تلك السويعات القليلة التى يلقى فيها على الفراش جسدا مكدودا ألح عليه التعب وبلغ الجهد شأوه معه , بعد أن ينتهى من صلاة الفجر ويروح فى نوم عميق ..
وفى بيته لم يكن يحرم أولاده من علومه كلما دعت إلى ذلك حاجة أو كانت هناك مناسبة أو ضروره . من ذلك أنه وصل إلى سمعه ذات مساء وهو عاكف على أوراقه أصواتا متداخلة من داخل الدار تنبئ أن شجارا وقع بين ولده محمد الذى بلغ عامه الثانى عشر وابنته زينب التى أكملت عشر سنوات من عمرها . ترك ما فى يده ونادى عليهما وبعد أن أوقفهما أمامه . سألهما عن الأمر الذى دعاهما للشجار ,بدأ محمد الكلام قائلا .............
ــ الحكاية يا أبى أنى كنت أخفيت النبال التى أدرب نفسى على الرماية بها فى مكان لا يعلم به أحد مخافة الضياع . ولما ذهبت اليوم أبحث عنها لم أجدها فى مكانها . سألت زينب فادعت أنها لا تعرف عنها شيئا . أعدت عليها السؤال مرة أخرى فحلفت لى مؤكدة كلامها ..
عاد الشافعى يسأله ............
ــ ما السبب الذى من أجله إذن علت أصواتكما إلى حد أن وصلت إلى مسامعى ؟.
أجابت زينب ..........
ــ لا شئ يا أبت غير أنى لما حلفت له قلت ....... وحياة أبى وأمى لا أعلم شيئا عن تلك النبال التى تبحث عنها . أخذ يعنفنى ويغلظ على القول ..
لاحت ابتسامة على وجه الأب وهو يسأل ولده بعد أن أدرك سبب ثورته على شقيقته ..........
ــ لم عنفتها يا محمد وأغلظت عليها القول ؟.
ــ لأنى سمعتك ذات مرة تقول أن كل يمين بغير الله فهى مكروهة بل ومنهى عنها ..
ــ آه .. نعم , صدقت يا أبا عثمان . قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : [ إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم . فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت ] . أختك أخطأت لما حلفت بغير الله , لكنك أخطأت أنت الآخر ..
ــ أنا يا أبت أنا , أخطأت ؟.
ــ أجل أخطأت , وأخطأت مرتين لا مرة واحده ..
ــ مرتين ؟. أنا أخطأت مرتين ؟.
ــ أخطأت لما لم تصدقها أول مرة وألححت عليها حتى ألجأتها لأن تحلف ومن المروءة ألا يحلف المرء أبدا . ثم أخطأت ثانيا لما أغلظت عليها القول وأنت تحاول أن تنبهها لما وقعت فيه من إثم . والله تعالى أمرنا فى كتابه الكريم أن ندعو إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنه . أتذكر الآية الدالة على ذلك ؟.
ــ أجل يا أبت قوله تعالى فى سورة النحل [ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن . إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعـلم بالمهتديـن ] ..
ــ صدق الله العظيم . بارك الله فيك يا ولدى على غيرتك للحق ونصحك لشقيقتك ولا تعد لما نهيتك عنه مرة أخرى ..
أطرق الإبن حياء وأدبا دون أن يعقب بينما قالت زينب ...........
ــ وأنا يا أبت لن أحلف بعد اليوم أبدا ………………

@ فى خلال تلك السنوات التى أمضاها فى ساحة الكعبة بين الحجر والمقام كثر تلاميذه وأتباعه من شتى بقاع الأرض حيث يأتى المسلمون لزيارة البيت العتيق . من بين هؤلاء التلاميذ كان هناك ثلاثة لا يتخلفون عن مجلسه . أحدهم يدعى أبو بكر الحميدى والآخر أبو إسحق إبراهيم وهو من أبناء عمومته يلتقى معه فى جده شافع والثالث أبو الوليد موسى بن أبى الجارود ..
كان هؤلاء الثلاثة يقدمون الحلقة معا ويتخذون مكانهم أمام الشافعى فى مقدمة جموع الحاضرين وفى آخر اليوم يلتقون ليتدارسوا فيما بينهم ما استمعوا إليه من أستاذهم . يقول أحدهم للآخر ............
ــ أرأيت ياحميدى كيف بين لنا الشيخ فى هذا اليوم بعض ما فى الكتاب من أحكام وكذلك مقام السنة منه ؟.
ــ أجل لقد علمنا يا ابن أبى الجارود أن الأحكام فى القرآن على أنواع . منها المفصل الذى لا يحتاج إلى مزيد بيان والمجمل الذى بينته السنه ؟.
قال زميلهم الثالث أبو إسحق إبراهيم الشافعى ...............
ــ لقد أعطانا قاعدة هامة تتعلق بالنص المجمل والمفصل فى القرآن والتى بها نعرف كيف نستنبط الأحكام من القرآن والسنه . وضرب لنا بعض الأمثال لكل نوع منها ..
ــ أجل مثال ذلك بيان الشهر الذى فرض الحق تعالى على المسلمين صومه . وكذلك عدد الأيام ورد فى القرآن نصا فى قوله تعالى : [ شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ... ] ..
ــ ثم قال الشيخ ........ وما علمت أحدا من أهل العلم بالحديث قبلنا تكلف أن يروى عن النبى "صلى الله عليه وسلم" أن الشهر المفروض صومه شهر رمضان الذى بين شعبان وشوال لمعرفتهم بشهر رمضان من الشهور . إكتفاء منهم بأن الله فرضه ولا هل هو واجب أم لا ..
ــ أما ما ورد مجملا فى القرآن وفصلت أحكامه السنه فقد بينه الشيخ لنا وبين أنواعه وضرب لها أمثلة أوضحت لنا جلية الأمر ..
ــ مثل الصلاه فى قوله تعالى : [ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ] . بين رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عدد الصلوات وأحكامها وكيف تكون فى السفر والحضر ..
ــ والزكاه فى قوله تعالى : [ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ] . فصل لنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" مقاديرها الواجبة فى كل نوع من أنواع الأموال وعلى من تجب وكيفيتها إلى غير ذلك ..
ــ وكذلك بينت السنة مناسك الحج ومواقيته وأنواعه وأحكامه . ما أعظمه من إمام وفقيه جازاه الله عنا خير الجزاء ………………

@ وذات يوم دخلت عليه امرأته حميده تذكره بميعاد الدواء حيث بدأ شكواه تكثر فى الأيام الأخيرة من علة البواسير وما تسببه من نزف وآلام تعوقه أحيانا عن الدرس والكتابه . كان لا يرى غالبا إلا متكأ على إحدى جانبيه يحاول جاهدا أن يدون فى أوراقه ما يتوصل إلى معرفته من علم . وكان يحتال بالدواء الذى أعده بنفسه يشربه على مضض منه ليخفف تلك الآلام القاسيه
, حتى يتمكن من مواصلة العمل الذى وهب نفسه له . كان شرابا يحتوى على خلاصة مجموعة من الأعشاب القابضة والملينة والهاضمه ..

نظرت إليه وهى لا زالت واقفة لدى الباب . رأته متكأ على جانبه الأيمن ورأسه ناحية الباب وهو مكب على أوراق كثيرة والمحبرة من أمامه والريشة فى يمناه . يدون بها فى همة ودأب ما يرد على خاطره من مسائل وأحكام ..
آثرت ألا تقطع عليه حبل أفكاره فتوقفت مكانها وفى يدها قارورة الدواء دون أن تنبس ببنت شفه . إنتظرت أن يرفع رأسه أو تتوقف يمناه عن الكتابه , لكن وقتا طويلا مضى وهو على حاله . لم يراها أو يشعر بوجودها ولا بأنفاسها اللاهثة وهى تتابع على مقربة منه فى تلك الغرفة الرطبة الضيقة التى اتخذها للقراءة والتدوين ..
لم تجد مناصا بعد أن طال انتظارها وكلت قدماها من الوقوف أن تتسلل فى هدوء خارج الغرفه . تاركة زوجها سابحا فى أفكاره وخواطره بعد أن وضعت قارورة الدواء على مقربة منه دون أن تشعره بوجودها ..
لم يمض غير قليل حتى رفع الشافعى رأسه ليغمس الريشة فى المحبره فوقعت عيناه على قارورة الدواء . ما إن رآها حتى هز رأسه سرورا وهو يبتسم ابتسامة الرضا والعرفان من مسلك امرأته العثمانيه . أدرك أنها دخلت عليه وخرجت دون أن تسمح لنفسها أن تقطع عليه حبل أفكاره . نادى عليها بعد أن وضع ريشته جانبا ...........
ــ يا عثمانيه . يا عثمانيه . تعالى إلى هنا ..
جاءه صوتها من داخل الدار ملبية قبل أن تدخل عليه . ولجت من الباب وهى تضع يدها على رأسها . قال لها مازحا ..........
ــ ماذا أقول لك يا عثمانيه ؟. ومن البلية أن تحب … ولا يحبك من تحبه ..
ردت فى الحال تشاركه مزاحه ودعابته وإن كانت تبدو مرهقة متعبه ...........
ــ ويصد عنك بوجهه ... وتلح أنت فلا تغبه ..
ضحك الشافعى ثم عاد ينظر إليها متسائلا عما بها وهو يشير بيده إلى رأسها . ردت قائلة ............
ــ لا شئ يا أبا عبد الله لا شئ . أشعر ببعض الألم فى مقدمة رأسى ..
ــ كيف تقولين ذلك يا عثمانيه . أنا ألاحظ منذ أيام أنك تضعين يدك على رأسك كثيرا كما أنى رأيتك غير مرة تتعثرين فى مشيتك ؟. صارحينى بما عندك وحدثينى عن كل ما تشعرين به ..
ــ ليس هناك ما يدعو لكل هذا الخوف والإنزعاج . قلت لك لا شئ إنما هو ألم طفيف فى رأسى يراودنى من حين لآخر ..
أشار إليها أن تقترب منه قائلا لها ..............
ــ إجلسى هنا إلى جوارى يا عثمانيه وأشيرى بإصبعك على موضع الألم ..
أخذ يطيل النظر فى حدقتى عينيها وأخيرا هز رأسه وهو يرسم شبح ابتسامة مصطنعة على شفتيه قائلا لها بغير اكتراث ............
ــ لا . لا شئ . حقا ما تقولين إنها آلام الرأس العاديه . أعتقد أنك لا تنامين جيدا فى الليل ..
إبتسمت قائلة ..............
ــ صدقت يا أبا عبد الله . ألم أقل لك فى بداية الأمر إنه ألم طفيف . أزعجت نفسك وكدت أن تزعجنى أنا الأخرى دون داع ؟.
ــ لقد أخذتنى الظنون بعيدا فى بداية الأمر لكن الحمد لله ..
قال ذلك وهو يحدث نفسه فى أسى ومراره ........... لك الله يا أطيب النساء . لم أكن أظن أن الأمر خطير هكذا . لا حول ولا قوة إلا بالله لقد أصابها المرض اللعين . اللهم أفرغ علينا صبرا والطف بها وبنا فيما قضيت وقدرت يا أرحم الراحمين ..
لم يخرجه من هواجسه إلا صوتها الدافئ الحانى وهى تقول له ..............
ــ وأنت يا أبا عبد الله أما آن لك أن ترفق بنفسك وتعطى لبدنك حقه . لك أيام وأنت على هذا الحال مكبا على تلك الأوراق . إنك لا تكاد تعرف للنوم طعما ولا للراحة سبيلا ..
ــ آه تقصدين هذه الأوراق التى أدونها . لا ياعثمانيه لن أدعها من يدى حتى أنتهى منها تماما . لقد عقدت العزم على ذلك ..
نظرت إليه مستفسرة فقال لها موضحا ..........
ــ تعالى هنا إلى جوارى . سأشرح لك المسأله . لما ذهبت إلى العراق وجبت بلدانها شرقا وغربا وتحاورت مع شيوخها فى الكوفه والبصره والموصل وفى بغداد عروس المدائن . لاحظت أن القوم يعتمدون على مجرد الإجتهاد فى استنباط الأحكام . وتوسعوا فى مسائل القياس والإستحسان مرتكزين على فهمهم المجرد لمعانى الشريعه وأحكامها وغاياتها وما تومئ إليه نصوصها ..
ــ هيه وماذا بعد يا أبا عبد الله ؟.
ــ رأيت بعد تفكير وبحث طويل أن أضع قانونا كليا وثابتا يرجع إليه فى معرفة دلائل الشريعه وحدودا مدونة مرسومة للإستنباط والقياس . وأن أضبط الموازين حتى لا تكون المسألة راجعة للرأى المجرد الذى يجعل صاحبه متعصبا له لا يكاد يرى غيره . إن مجرد الطبع إذا لم يستعن بالقانون الكلى قلما أفلح ..
ــ وما الذى جعلك إذن ترجئ البدأ فيه كل هذا الوقت . ها أنت قد مضى عليك أكثر من ثلاثة أعوام منذ عودتك من العراق سالما بعد المحنه ؟.
ــ الحقيقة يا عثمانيه أنى ما نسيت هذا الأمر يوما . لقد شرعت فعلا لدى عودتى فى كتابة صفحاته الأولى . لكن كما ترين لا أكاد أجد وقتا أخلو فيه لنفسى . لهذا قررت أن أرجئ هذا الأمر إلى أن يأذن الله تعالى ..
ــ وما الذى جد فى الأمر إذن ؟.
ــ صديق تعرفت عليه فى العراق إسمه عبد الرحمن بن مهدى بن حسان . جمعنا معا فكر ونهج واحد فهو شيخ المحدثين فى العراق يحفظ عشرين ألف حديث بإسنادها . كذلك له مواقف مع القائلين بالرأى من أتباع أبى حنيفه ..
ــ هيه وماذا بعد ؟.
ــ أرسل إلى منذ أيام رسالة يطلب إلى فيها أن أضع كتابا فيه معانى القرآن وأجمع فيه فنون الأخبار وحجة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنه . قال لى فى رسالته ضمن ما قال .......... إن أهل العلم فى هذا الزمان وفيما سبق كانت عنايتهم إلى جمع المسائل والفروع وبيان حكم كل منها من أدلة الشرع المعروفه . وهى فروع لا تكاد تتناهى بل إنها متجددة على مر الأيام ..
سكت الشافعى برهة تناول خلالها رشفة من قارورة الدواء بينما امرأته تنظر إليه فى فضول لمعرفة المزيد . قال لها بعد أن طوى رسالة صديقه العراقى وأعادها مكانها ......
ــ رسالة هذا الصديق جددت الآمال عندى مرة أخرى فعزمت على أن أكتب هذا الكتاب . لأبين فيه الأصول والقواعد العامه مع بيان مآخذها وما يتفرع عنها ويستنبط منها من أحكام المسائل والفروع التى تجد كل يوم حسب الزمان والمكان . ومتى عرفت هذه الأصول والقواعد الكلية العامه كان الإستنباط منها سهلا على صاحب العلم ..
ــ ما اسم هذا الكتاب ؟.
ــ سأسميه إن شاء الله “ الرساله “ ..
ــ ولماذا هذا الإسم ؟.
ــ لأنه فعلا رسالة منى أرد فيها على رسالة صديقنا عبد الرحمن بن مهدى كما أخبرتك ..
ــ وهل سيأتى إليك هنا لاستلامه منك ؟.
ــ لا أظن ذلك يا حميده . لا أظن ..
ــ كيف ترسله إليه إذن ؟.
ــ لقد أشرفت على الإنتهاء منه ولسوف أسلمه بعد أيام إلى أحد العراقيين من طلاب العلم هنا فى مكه ..
ــ من يكون ؟. هل أعرفه ؟.
ــ لا . إنك لم ترينه من قبل . شاب يدعى أحمد بن حنبل . سوف يأتى هنا إلى دارى بعد أيام قليلة قبل أن يبدأ رحلة عودته إلى بلده العراق ..
ــ أعانك الله يا أبا محمد . هل تريد أن أعد لك شيئا قبل أن أنام ؟.
ــ بارك الله فيك يا عثمانيه إذهبى أنت إلى فراشك فإنى أرى آثار النوم فى عينيك . ستقوم الجارية على خدمتى ..
ــ من . دنانير ؟. يا أبا عبد الله ألم أقل لك مرات من قبل أن هذه الجارية فى جهد منك ؟.
إبتسم دون أن يعقب بعد فهم ما ترمى إليه . ذلك أنه اعتاد وهو يدون مسائله فى الليل أن يوقد المصباح حتى إذا انتهى من كتابتها أمر الجارية أن تطفئه . ثم لا يلبث أن يستلقى على ظهره فى الظلام ويروح فى تفكير عميق وفجأة ينادى على الجارية وهى نائمة لتسرجه له مرة ثانيه . يظل على هذا الحال طوال الليل . لاحظت امرأته ذلك فقالت له معاتبة ............
ــ الجارية لا تنام الليل يا أبا محمد وتظل طوال النهار تتثائب وتتكاسل . سألتها عن ذلك أخبرتنى أنها تقوم فى الليل أكثر من عشر مرات , عاودت سؤالها عن السبب قالت لى : ………………
ــ لأسرج المصباح للشيخ وأطفئه . إنه ما إن يكتب المسألة ويفرغ منها حتى ينادى على .......... يا جاريه أطفئي المصباح . فأقوم من نومى لأطفئه ولا تكاد عينى تغفل قليلا حتى يأتينى صوته مرة أخرى ........ يا جاريه أسرجى المصباح . ثم يعكف بعدها على الكتابه وهكذا أظل طوال الليل لا شغل لى إلا أمر المصباح أسرجه وأطفئه ………………
أردفت حميده ........
ــ فهلا رفقت بها ؟.
ــ صدقت والله فإنها حقا فى جهد منى . لكن الظلمة يا عثمانيه أنفع للفكر وأجلى للقلب . والسراج يشغل قلبى ويشتت فكرى وأنا أحتاج لأن أتأمل فى هدأة الليل كى أستطيع أن أجمع شتات فكرى فى المسألة التى أبحثها . فإذا انجلت لى المسألة واهتديت إلى الصواب فيها أسرعت بتدوينها على ضوء المصباح . على كل حال , من الليلة سأتولى أمر المصباح بنفسى ..

@ إقترب موسم الحج للسنة الرابعة والتسعين بعد المائة الأولى للهجره , فى تلك الأيام من كل عام تأتى الوفود إلى مكة من كل بلاد الدنيا قاصدين زيارة البيت العتيق للحج والعمره ..
وذات يوم بينما الشافعى جالس وحده فى هدأة الليل عاكفا على كتبه فى ضوء سراج خافت , وكل من فى الدار يغطون فى نوم عميق إلا الجارية دنانير التى وهبت نفسها للعكوف على خدمته وتلبية حاجاته . إذا بطرقات شديدة على الباب تشق سكون الليل . ترك ما فى يده ونادى على الجارية . قامت فزعة إلى الباب وهى تقاوم النعاس . بعد قليل عادت لتخبره أن رجلا غريبا لدى الباب , سألها عن هويته فأجابت ......
ــ الحق يا سيدى لا أعرفه , لكنه يصطحب معه غلاما فى حوالى العاشرة من عمره . تلك أول مرة تقع عينى عليه , لكن يظهر من هيئته وملامحه أنه غريب عن البلاد ..
قام متثاقلا يتحامل على نفسه فى صعوبة مستندا على راحتيه مما يجده من ألم أسفل ظهره . مضى إلى الباب ليجد أمامه رجلا ينظر إليه مبتسما . أخذ يتفرس فى ملامح وجهه لحظات غير مصدق ما تراه عيناه . إنه صاحبه الذى لم يره منذ أعوام طويله . كانت آخر مرة لقيه منذ سبع سنوات عقيب نجاته من محنته ورجوعه من العراق . كان لقاء عابرا لم يتمكن خلاله أن يشبع رواءه منه أو أن يضيفه غير ساعات قليلة , ما لبث حتى فارقه بعدها عائدا إلى مصر وهو فى عجلة من أمره . وها هى المرة الثانية التى يلقاه فيها بعد طول غياب . هتف وهو يعانقه فى حرارة وموده ......
ــ أحلم ما تراه عينى أم حقيقه . لا أكاد أصدق . من . صديقى وحبيبى المصرى عبد الله بن عبد الحكم بشحمه ولحمه هنا فى مكه ؟. أهلا بك وسهلا فى دارك ..
وفى داخل الدار أمر جاريته أن توقظ سيدتها ليعدان طعاما للضيف , غير أنه قفل راجعا خلفها مسرعا وهو يقول لها هامسا ............
ــ إنتظرى يا دنانير , دعيها لى , سأوقظها بنفسى واذهبى أنت لإعداد الطعام ..
على باب الغرفة وجد امرأته تواجهه متثائبة تسأل فى دهشة وهى تحاول أن تمسح آثار النوم عن عينيها ..............
ــ ما الأمر يا أبا محمد ؟. ما سبب كل هذه الضجه . هل جاءنا أحد ؟.
رد هامسا والفرحة تطل من عينيه ...........
ــ إنه ضيف . أجل يا عثمانيه جاءنا الليلة ضيف عزيز ..
ــ فى هذا الوقت المتأخر من الليل . من يكون ؟.
ــ إنه قريبك المصرى , إبن عمتك الذى أهدانى أعظم وأتقى زوجه ..
ردت متهللة وقد انفرجت أساريرها .............
ــ من ؟. عبد الله بن عبد الحكم جاء من مصر , أهلا به وسهلا . حسبته واحدا آخر لا نعرفه ..
ــ أسرعى إذن يا حميده بإعداد الطعام للضيف ومن معه , إنه قادم من سفر طويل ..
ــ هل جاء معه أحد ؟.
ــ معه غلام صغير لم أسأله عنه بعد . لكن يبدو أنه أحد أولاده فهو يحمل كثيرا من ملامحه ..
رجع إلى ضيفه معتذرا له أن تركه وحده ثم جلسا يتحدثان وكل منهما لديه الكثير مما يقوله لصاحبه . سأله الشافعى وهو يشير للغلام ...........
ــ ولدك هذا أليس كذلك ؟.
ــ بلى ولدى عبد الرحمن أصغر أبنائى . ما إن علم بقدومى إلى هنا حتى تعلق بأذيال ردائى وأصر أن يأت معى رغم مشقة الرحلة وطولها على صبى مثله من مصر إلى هنا ..
نظر إليه الشافعى مستفهما فأردف ضاحكا ..............
ــ إنه يا صديقـى أصغـر أخواته "عبد الحكم وسعد ومحمد" . كلهم يتعلمون علوم الفقه والحديث ويثابرون عليها , لكنه انتهج وحده نهجا مغايرا لهم ..
ــ ماذا تعنى ؟.
ــ له غرام بالتاريخ يا سيدى وولع بمعرفة أحوال البلدان وبالذات تاريخ مصر . يعكف يومه على سماع الحكايات والأساطير من القصاص فى سائر مساجد الفسطاط , مثل عثمان بن صالح وعبد الله بن أبى سرح . كما أنه مولع بقراءة ما يقع فى يده من كتب الرواة والمحدثين مثل يزيد بن أبى حبيب وعبد الله بن لهيعه ويحى بن بكير . ما إن تصادف عيناه شيئا من تلك البنايات القديمة أو البرابى التى بناها المصريون فى الزمان القديم حتى تتسمر قدماه مكانهما ولا يكف لسانه عن السؤال عنها وعمن شيدها وكم مضى عليها من الزمان . وعن تلك الكتابات الكلدانية والقبطية المنحوتة عليها إلى آخر تلك الأسئلة التى لا تنتهى ..
إبتسم الشافعى قائلا وهو يربت على كتفى الغلام ...............
ــ بارك الله فيك يا ابن عبد الحكم , لله درك يا ولدى . إعلم أنه ليس بعد آداء الفرائض شئ أفضل من طلب العلم . من أراد الدنيا فعليه بالعلم , ومن أراد الآخرة فعليه أيضا بالعلم ..
قال ذلك ثم التفت إلى ضيفه قائلا .........
ــ لم تخبرنى بعد متى وصلتما إلى مكه ؟.
ــ دخلنا مكة مع آخر ضوء فى النهار . توجهنا أولا إلى البيت العتيق نطوف طواف القدوم , وقمنا بتأدية مناسك العمرة ثم صلينا ركعات فى الحجر والمقام بعد أن تحللنا من ملابس الإحرام . مكثت فى ساحة الحرم بعضا من الوقت مع ولدى عبد الرحمن للدعاء ولأملأ عيناى من روعة وجلال المكان وترتوى روحى من بهائه وحسن منظره . بعد ذلك أخذت أسأل عنك وعن مكان دارك , فقام معى أحد الفتيان ولم يفارقنا إلا بعد أن فتحت جاريتك الباب ..
ــ أهلا بك وسهلا من بلد الله الأمين فى بلد الله الأمين . إيه , كيف تركت مصر يا أبا محمد ؟.
ــ تسأل عن مصر العلماء , أليس كذلك ؟.
ــ بلى . ليتك تحدثنى عن جانب من أحوال أهل العلم فيها ؟.
ــ تركت أهلها على ضربين فى العلم ..
ــ هما جماعتان إذن ؟.
ــ أجل , جماعة منهم وهى الأقوى والأكثر عددا مالت إلى قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس وأخذت به واعتمدت عليه وناضلت عنه ..
ــ ومن يقوم على أمرها ؟.
ــ أنا وأشهب بن عبد العزيز بعد وفاة عبد الرحمن بن القاسم وابن وهب ..
ــ والأخرى ؟.
ــ الجماعة الأخرى مالت إلى قول أبى حنيفه فأخذت به وناضلت عنه . والجميع أخذوا عن إمام مصر الليث بن سعد وتفقهوا جميعا على يديه ..
ــ إعلم يا صاحبى أنالعلم يدور على ثلاثة , مالك والليث وسفيان بن عيينه . وإمام مصر الليث بن سعد يرحمه الله كان أفقه من مالك , إلا أنكم أيها المصريون لم تقوموا به ..
ــ كيف تعرفت على آرائه وعلومه وأنت لم تلتق به من قبل ؟.
ــ أخذت جانبا من علومه وتعرفت على آرائه وفقهه أثناء إقامتى باليمن على يد صاحبه يحي بن حسان . كما أخذت فقه الأوزاعى إمام الشام على يد صاحبه عمرو بن سلمه ..
ــ أجل أجل , أئمة عظام حملوا علوما جمه ..
صمت برهة ثم نظر إلى صاحبه قائلا وقد علت شفتيه ابتسامة ...............
ــ سأقص عليك واقعة طريفة حدثت منذ أكثر من عشرين عاما بين إمامنا الليث بن سعد وأمير المؤمنين هارون الرشيد . تدلك على مدى علمه ونباهته وظلت لطرافتها حديث الناس لسنوات يتناقلونها فى مجالسهم ..
أعطاه الشافعى سمعه فاستمر يقول .....................
ــ حدث أن جرى حوار بين الرشيد وامرأته زبيده , وجرى كلاما حول قضية تتعلق بالقدر والحساب يوم القيامه . وصل النقاش بهما إلى أن احتد عليها قائلا لها فى نهاية كلامه .............
ــ أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنه ..
ــ هيه وماذا بعد ؟.
ــ ندم على هذا اليمين , وأصابهما الغم والحزن كأنما نزلت بهما مصيبة كبرى لموقع ابنة عمه منه . جمع الفقهاء وسألهم عن هذا اليمين فلم يجد مخرجا . كتب إلى عماله فى البلدان أن يبعثوا إليه بفقهائهم فأشخصوا إليه وجاءه منهم كثير وجلسوا بين يديه . ظل يسألهم واحدا بعد الآخر عن أى مخرج له من هذا اليمين وكل واحد منهم يجيبه بجواب . بينما إمامنا الليث بن سعد جالس فى آخر المجلس لا يتكلم حتى إذا انتهى إليه أمير المؤمنين قال له : ………………
ــ لم يبق إلا أنت أيها المصرى لم نسمع رأيك بعد ؟.
ــ قد سمعت يا أمير المؤمنين ما قال الفقهاء وفيه مقنع وكفايه ..
ــ لكنى أريد أن أسمعك أنت أيضا , وإلا ما أشخصناكم من بلدانكم ولاكتفينا بما قال لنا فقهاؤنا فى العراق ..
ــ إذن ليأمر مولاى بإخلاء المجلس وليدنينى منه , وأن أتكلم على الأمان وطرح التعمل والهيبة ..
ــ لك هذا ..
ــ وأن تطيعنى فى كل ما آمر به إن أردت أن تسمع كلامى ..
ــ لك هذا كله ..
قال ذلك وهو يصفق بيديه تصفيقتين لإخلاء المكان ثم نظر للشيخ مشيرا إليه أن يقول ما عنده فقال ............
ــ هات يا أمير المؤمنين المصحف الجامع وتصفحه حتى تصل إلى سورة الرحمن ثم ابدأ فى قراءتها ..
أمسك بالمصحف وأخذ فى القراءة وامرأته زبيده جالسة وراء حجاب تستمع لهذا الحوار , حتى إذا بلغ قوله تعالى "ولمن خاف مقام ربه جنتان", قال له الإمام الليث ............
قف ههنا يا أمير المؤمنين وقل ..........
ــ والله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ..
رد الرشيد وجلا وقد اشتد عليه حلف اليمين .........
ــ ما هذا ؟.
ــ يا أمير المؤمنين على هذا وقع الشرط أولا , أن تطيعنى فى كـل أمر ..
نكس الرشيد رأسه برهة ثم رفعها وأخذ يحلف اليمين بصوت واجف مرتعش , ثم نظر إلى الإمام الليث الذى قال له بعد أن أتم اليمين ............
ــ قل يا أمير المؤمنين "والله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم , إنى أخاف مقام ربى" ..
ــ "والله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إنى أخاف مقام ربى" ..
ــ يا أمير المؤمنين , فهى جنتان وليست جنة واحدة كما جاء فـى يمينك ..
ــ أحسنت والله , بارك الله فيك ………………
أخذ عبد الله بن عبد الحكم يقول للشافعى ..........
ــ ما أتم الإمام فتواه حتى سمع التصفيق والفرح من وراء الستار الذى كان تتخذه زبيده ووصيفاتها . وأقطع له الرشيد ضياعا كثيرة كانت له بمصر أخذها وظل يصرف منها على فقراء المسلمين , كذلك أعطته زبيده ضعف ما أعطاه الرشيد ..
ــ يرحمه الله , ألم أقل لك إنه أتبع للأثر من علماء عصره كلهم وأفقههم ..
ــ المهم , لم تخبرنى بعد متى تزور بلادنا ؟.
ــ أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله فى القريب وآتى أهلها بنهج وسط أشغلهم به عن القولين جميعا , قول مالك وأبى حنيفه ..
ــ نحن على أية حال فى شوق إلى قدومك لبلدنا كما سبق ووعدتنى ..
ــ يعلم الله أتى أشد شوقا إليها ..
سكت قليلا وأردف قائلا :
لقد أصبحت نفسى تتوق إلى مصر .. ومن دونها قطع المهامه والقفر ..
فوالله ما أدرى أللفـوز والغنى .. أساق إليها أم أساق إلى القبر ..
ــ الله الله يا ابن إدريس لا تزال فيك روح الشاعر المبدع . المهم أنك لا زلت تذكر وعدك لى عندما تقابلنا فى الحرم منذ سبع سنوات ؟.
ــ كيف لى أن أنسى . أجل ما زلت عند وعدى لك بالمجئ إلى مصر بعد أن أفرغ من هذه المهمه ..
ــ أية مهمة تلك ؟. خيرا إن شاء الله ..
ــ رحلة إلى العراق سوف أقوم بها بعد نهاية موسم الحج قد تستمر عاما أو أكثر وعندما أفرغ من مهمتى هناك إن شاء الله سوف أشد الرحال إلى بلادكم ومعى أسرتى كلها . لقد كتبت على الأقدار أن أحيا بقية عمرى فى أرض الكنانه وعلى ضفاف نيلكم العظيم ..
ــ وستجد مصر كلها إن شاء الله فاتحة لك ذراعيها . إن المصريين يعشقون اثنين أكثر من سواهما , آل بيت النبى "صلى الله عليه وسلم" وحملة العلم . أما سمعت مقالة عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنه عن أقباط مصر ومحبتهم للعرب عامة وقريش منهم خاصه ؟.
ــ ماذا قال ؟.
ــ قال ...."قبط مصر أكرم الأعاجم كلها وأسمحهم يدا وأفضلهم عنصرا كما أنهم أقربهم رحما بالعرب عامة وبقريش خاصه . من أراد أن يذكر الفردوس أو ينظر إلى مثلها فى الدنيا , فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها وتنور ثمارها" ..
سكت برهة رشف خلالها رشفة من شراب النعناع الدافئ من كوب فى يده ثم أردف قائلا ............

ــ ألم يأتك نبأ ما فعله أهل مصر مع سيدتنا نفيسه حفيدة زيد بن على حينما وفدت إليهم ؟.
ــ أوقدمت إلى مصر ؟.
ــ أجل وفدت على بلادنا العام قبل الماضى ..
ــ وماذا فعلتم لها أيها المصريون ؟.
ــ لن أنس أبدا ذلك اليوم المجيد . خرج الناس من شدة فرحتهم خارج حدود البلاد فى العريش ليكونوا فى شرف استقبالها والترحيب بها ضيفا عزيزا كريما بيننا ..
ــ عجيب والله أمركم يا أهل مصر ..
ــ والأعجب من هذا ما حدث منا نحن المصريون عندما عزمت على مغادرة البلاد راجعة إلى المدينه . لما تكاثر الناس على بابها وتزاحموا لديها التماسا لبركتها . كانت الدار التى نزلت فيها دارا ضيقة فأعاقها ذلك عن التفرغ للعبادة ومناجاة ربها ..
ــ وهل رجعت بالفعل إلى المدينه ؟.
ــ كيف ندعها تغادر مصر بعد ما لمسناه من بركتها وفضـلها وتقـواها ؟.
ــ ما الذى فعلتموه إذن ؟.
ــ شق علينا أن تفارق بلادنا فذهبنا إليها ورجوناها والتمسنا منها العدول عن قرارها فأبت . فزعنا إلى والى مصر فى ذلك الحين السرى بن الحكم طالبين منه أن يتوسط لديها . أرسل لها كتابا يرجوها فيه أن ترضى غير أنها أبت أيضا وأصرت على الرحيل , جاء إليها بنفسه يتوسل إليها ويلح عليها فى الرجاء فقالت له : ………
ــ يا والى مصر , إنى كنت عازمة على البقاء فى بلدكم . غير أنى امرأة ضعيفة وقد تكاثر الناس حولى وأكثروا من زيارتى فشغلونى عن أورادى وجمع زادى لمعادى . ومنزلى هذا يضيق بهذه الجموع الكثيفة من الناس , وأيضا زاد بى الحنين إلى روضة جدى المصطفى "صلى الله عليه وسلم" ..
ــ يا بنت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" كل ما تشتكين منه أنا كفيل بإزالته , وعلى أن أمهد لك السبيل وأعد لك ما فيه رضاك وراحتك . أما عن ضيق المنزل فإن لى دارا رحبة واسعة فى درب السباع . أشهد الله تعالى أنى قد وهبتها لك . أرجو أن تقبليها منى ولا تخجلينى بردها على ..
ــ أما عن الدار فإنى قبلتها منك . لكن ماذا أصنع بالجموع الغفيرة من الناس الذين يفدون على فى كل وقت ؟.
ــ سنجعل لك يومين فى الأسبوع تلتقين فيهما بالناس وليكونا يومى السبت والأربعاء والأيام الباقية تتفرغين فيهما لربك ………………
سأله الشافعى ...........
ــ وهل قبلت ؟.
ــ لم يسعها غير القبول ووافقت أخيرا على البقاء بيننا فى دارها الجديده وطاب لها المقام بيننا تنثر علومها على طالبيها حتى أننا لقبناها “ نفيسة المصريه “ ..
أخذهما الحديث ساعات قبل أن يفترقا للنوم وعلم من صاحبه أنه يشغل منصب صاحب المسائل . أخذ يشرح له طبيعة هذه الوظيفة لما سأله عنها .......
ــ إنها وظيفة لا تسند إلا للعلماء الأمناء المشهود لهم بالصدق . حيث يتولى القائم بها مهمة التحرى عن الشهود الذين يترددون على مجالس القضاء والتأكد من نزاهتهم وصدقهم ضمانا لسير العدالة ..
إبتسم الشافعى وهو يقول له ...........
ــ أتعلم أنى ابتدعت وظيفة كهذه وأنا قاض فى نجران ..
أخذ يشرح له ما فعله آنذاك وهو قاض فى نجران وجرهما الحديث إلى ذكر ما كان من أمره فى اليمن . إلى أن سيق مكبلا بالأغلال إلى بلاط الرشيد وما جرى له فى تلك المحاكمة وما أعقبها من أحداث ..
صبيحة اليوم التالى نادى الشافعى على أولاده محمد الذى بلغ الخامسة عشر من عمره وزينب التى أتمت عامها الثالث عشر وفاطمه أصغر بناته فى العاشرة من عمرها ..
ــ هيا تعالوا يا أولاد سلموا على خالكم ..
أخذ يقدمهم إليه قائلا وهم يسلمون عليه واحدا بعد الآخر ............
ــ هـذا ولـدى محمد “ أبو عثمان “ أكبر أبنائى حفظ القرآن ووعاه صغيرا وهو الآن مواظب على دروس أئمة الحرم للتفقه فى علوم القرآن والحديث ..
سأله بعد أن أجلسه إلى جواره .........
ــ ماذا تريد أن تعمل يا أبا عثمان بعد أن تكمل رحلة العلم ..
رد فى الحال ..........
ــ أحب أن أكون قاضيا أحكم بين الناس بشرع الله عز وجل ..
ضحك وهو يمسح على كتفيه فى أبوة ثم مد يده ليسلم على ابنتى الشافعى الذى أخذ يقدمهما له واحدة بعد الأخرى...........
ــ هاتان ابنتاى زينب وفاطمه أتمتا حفظ القرآن أيضا وأخذتا نصيبا من علومه وعلوم الحديث والعربية..


تم بحمد الله
الفصل الرابع

يتبع ....
الفصل الخامس والأخير ......
إن شاء الله............................

__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 18h49
رد مع اقتباس
  #133  
قديم 30/09/2009, 08h50
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

الفصـــل
الخامــس
195 هجـريـه .. فـى مدرسـة العـراق

@ أمضى الشافعى حوالى تسعة أعوام بعد عودته من العراق أول مرة قابعا فى أحضان مكة والبيت الحرام لا يتحرك منها قبل أن يرجع سيرته الأولى متنقلا بين البلدان والأقطار طولا وعرضا . إما باحثا فى دروب العلم وسراديبه عن أسراره , أو منقبا فى باطنه عن كنوزه ودرره أو ناشرا لما تجمع لديه وصار فى حوزته من أفكار وآراء على طلاب علمه فى مكة والقاصدين إليه من بلدان الدنيا . أتاح له مقامه الطويل فى مكة بعيدا عن ضجيج العراق وصخبها وما تموج به من أراء وأفكار متابينة وفرق شتى , وما هيأته له من مناخ هادئ ملائم أن يتأمل فى روية وأناة ويستنبط القواعد التى أسس على متنها أصول مذهبـه الكبير ..
عكف على القرآن زمنا يدرس أحكامه وطرق دلالاتها , ليتعرف على ناسخها ومنسوخها وخصائصها , ناظرا فى جميع ما توافر عنده من سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ليعرف مكانها من الشريعة وطرق الإستدلال بها ومقامها من القرآن الكريم . ثم كيف يستخرج الأحكام إذا لم يجد نصا فى قرآن أو سنة . وبدأ فى وضع الضوابط والحدود لمن أراد أن يجتهد فى حكم حتى لا يتعدى الثوابت النصية ويأمن من الشطط والزلل أو يقع فى المحذور ..
هذه القضية الأساسية وما تبعها من فروع وروافد جعلته يستقر طوال هذه السنوات وأن يطول به المقام فى مكان واحد تاركا إلى حين هوايته وشغفه بالتنقل والأسفار . حتى إذا انتهى إلى إرساء القواعد والأصول للإستنباط والإجتهاد واطمأن قلبه إلى ما جمعه فى حوزته , قرر أن يخرج بما عنده إلى الناس عامة وإلى جموع الفقهاء والدارسين خاصة ..
كان من المنطقى على رجل مثله أن يرنو بصره فى هذه المرحلة إلى بغداد قلعة العلوم ومعقل العلماء فى شتى فنون العلم وطرائقه . التى اجتمع فيها فقهاء أهل الرأى من أصحاب أبى حنيفه وفقهاء أهل الحديث من أصحاب مالك . قال لامرأته حميده ذات ليلة وهو جالس وحده يخط رسالة عزاء لأحد أصحابه .............
ــ يا حميده , أعدى لى حاجياتى وكتبى . إنى مسافر فى الغد إن شاء الله ..
ــ فاجأتنى والله يا أبا محمد . إلى أين يا ترى هذه المرة ؟.
ــ إلى بغداد ..
ردت فى دهشة ..........
ــ بغداد . لم ؟.
ــ أجل , بغداد قلعة العلوم وحاضرة الأمة الإسلامية ومهبط العلماء ..
إبتسمت قائلة ...............
ــ ياه منذ زمن طويل لم تغادر مكة حتى ظننت أنك لن تعود سيرتك الأولى راحلا متنقلا من بلد إلى بلد ..
ــ صدقت ياحميده , لكنى رأيت أنه من الضرورى بل من الواجب على أن أعجل بالذهاب إلى العراق هذه الأيام ..
نظرت إليه متسائلة فأردف قائلا ...........
ــ علمت من بعض الوافدين من أهل العراق إلى هنا لتلقى العلم أن كثيرا من علماء البصرة والكوفة ينكرون حجية الحديث ويتشددون تشددا مفرطا فى قبول الحديث . مع أنه من أهم وأوثق مصادر التشريع بعد كتاب الله عز وجل ويكفى لقبوله أن يكون متصلا صحيح الإسناد , ولم يعلم أولئك أن السنة أصل مبين ومفصل ومكمل ..
أردف قائلا وهو يشير إلى خزانة كتبه ........
ــ لهذا لا تنسى أن تضعى مع حاجياتى "الكتاب البغدادى" ..
ــ تعنى هذا الكتاب الضخم الذى صنفت فيه الرد على كل مسائلهم التى اطلعت عليها فى كتب أستاذهم محمد بن الحسن ؟.
ــ أجل يا حميده , فما أبعد شقة الخلاف بيننا نحن الحجازيون أصحاب الحديث وبين العراقيين القائلين بالرأى والإستحسان . إنهم يقدمون القياس على خبر الآحاد وإن صح سنده , كما أنهم يتركون بعض الأحاديث بدعوى أنها غير مشهورة . فى المقابل يعملون بأحاديث أخرى لم تصح عند المحدثين بدعوى أنها مشهورة . لقد عكفت على قراءة كل ما كتبوه نقلا عن أئمتهم وعلى ما وصل إلى سمعى من كلامهم ودرسته دراسة متأنية ..
ــ كيف وجدتهم ؟.
ــ وجدتهم غرقوا فى الفروع والجزئيات , وأهملوا كثيرا من الأصول ..
ــ وعلى من ستنزل فى بغداد ؟.
ــ سأنزل على دار محمد بن أبى حسان الزيادى وأمضى أياما عنده ثم أتوجه بعد ذلك إلى تلميذى الحبيب ..
أشارت بيدها فقال ......
ــ أحمد بن حنبل ..
ــ لم تذهب أولا إلى دار الزيادى ؟.
ــ إنها دار عامرة بالعلم والكتب . أبوه رحمه الله كان قاضيا وعالما جليلا , وأعلم أنه يحتفظ فى داره بخزانة حسنة ضخمة للكتب ورثها عنه ولده محمد . ليتنى أستطيع أن أتزود منها بما ينفعنى وينفع الناس ..
سألته امرأته مستفسرة وهى تشير إلى رسالة العزاء التى انتهى لتوه من كتابتها فقال لها .............
ــ علمت اليوم أن ولدا لعبد الرحمن بن مهدى قضى نحبه , وعلمت أيضا أنه اشتد جزعه عليه حتى أنه عزف عن الطعام والشراب , فكتبت له هذه الرسالة أعزيه وأذكره . سأعطيها فى الغد لأحد المسافرين إلى العراق ليوصلها إليه , إلى أن أصل إلى هناك وأواسيه بنفسى ..
قرأ على وجهها تساؤلا وهو يلتفت إليها فبادرها من فوره ........
ــ تودين أن أقرأها عليك . أليس كذلك ؟.
ــ بلى ليتك تسمعنى ما كتبت , فإنك وربى لا تنطق إلا بالحكمة ومأثور القول ؟.
ــ قلت له ........
إنى معزيك لا أنى على ثقة .. من الخلود ولكن سنة الدين ..
فما المعزى بباق بعد صاحبه .. ولا المعزى وإن عاشا إلى حين ..
يا أخى عز نفسك بما تعزى به غيرك , واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك . واعلم أن أمضى المصائب فقد سرور وحرمان أجر , فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر ؟. فتناول حظك يا أخى إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد نأى عنك . ألهمك الله عند المصائب صبرا وأجزل لنا ولك بالصبر أجرا ..


يتبع.. إن شاء الله............................



@ بعد أيام قلائل كان الشافعى يمتطى صهوة بغلته آخذا طريقه صوب العراق . قبل أن يفارق الدار قالت له امرأته وهى تمسح دمعة فرت على خدها ..
ــ ليت المقام لا يطول بك فى أرض العراق يا أبا محمد . ما أحوجنا جميعا إلى وجودك بيننا , لم يعد لنا طاقة بفراقك ؟.
رد قائلا وهو ينظر إليها نظرة حنان ومودة.........
ــ إطمئنى يا عثمانيه , عملت حساب هذا ..
ــ ماذا تعنى يا أبا محمد ؟.
ــ خالى على كما تعلمين يسافر كثيرا إلى العراق والشام لجلب البضاعة لدكانهم بعد أن توسعوا فى تجارة العطارة والأعشاب . مررت عليه فى داره بالأمس وأعلمته بسفرى إلى العراق وأكدت عليه أن يسأل عن مكانى فى بغداد عند أول قدمة له إليها ويأتينى فيه ..
ــ لم أفهم بعد ما الذى تقصده ؟.
ــ تعلمين أنه قد يطول بى المقام هناك , لهذا طلبت منه أن يأتى بكم جميعا . أنت والأولاد والجاريه فى قدمته الثانيه بعد أن يستقر بى الأمر وتكون لى دارا هناك ..

----------
@ رنا الشافعى إلى بغداد سنة "195" هجريه وبين ثنايا عباءته منهاج فى الفقه لم يسبقه إليه من قبل أحد, كان الشغل الشاغل لأهل زمانه ومن قبلهم فى أحكام الفروع والجزئيات . فجاءهم بقاعدة القواعد يضبط ويعرف بها الجزئيات والفروع . تطلع إليها حاملا معه فى جرابه كتبه التى كتبها فى مكة وفى مقدمتها الرسالة الأصولية والكتاب البغدادى . وقبل أن يدخل بغداد كان كتابه المسمى بالرسالة الذى وضعه فى مكة قد سبقه إلى أهلها بعد أن سلمه إلى تلميذه أحمد بن حنبل قبل سنة ليوصله إلى عالم العراق عبد الرحمن بن مهدى ..
وفى مجلس ضم رهطا من علماء بغداد وفقهائها وبينهم جلس شيخ المحدثين عبد الرحمن بن مهدى فى الجامع الغربى ,يقرأ عليهم رسالة الشافعى فى علم الأصول بعد أن عكف عليها وحده أياما طويلة ينهل من علمها الوفير مخاطبا نفسه كلما مضى فى قراءتها .......... عجبا والله لما أقرأ . كلام نفيس لم تقع عينى على مثله طيلة عمرى . أى رجل هذا . والله ما ظننت أنه يكون فى هذه الأمة اليوم مثل هذا الرجل , وما أظن أن الله خلق مثله فى أهل العلم .
جلس العلماء من أهل الحديث وأصحاب مدرسة الرأى وغيرهم من طلاب العلم وهم فى عجب مما يسمعون من صاحبهم . كلام جديد يطرق آذانهم لأول مرة لم يسبق لهم أن استمعوا إلى مثله من قبل . ومع الأيام تولد لديهم شوق إلى رؤية كاتبه والجلوس إليه وسماع هذه العلوم والمعارف منه . كانوا يتسائلون فيما بينهم ...... متى يجيئنا هذا الشيخ ناصر الحديث وواضع هذه الأصول ؟.
ما كادوا يعلمون بدخوله بغداد من باب الشام ووجوده بينهم حتى انثالوا عليه جماعات كأمواج البحر الهادر . أخذت حلق العلماء الآخرين تتناقص واحدة بعد أخرى حتى صارت ثلاث حلقات بعد أن كانت تعد بالعشرات فى شتى مساجد بغداد ..


يتبع.. إن شاء الله............................



@ دخل الشافعى العراق وهى تموج وتضطرب بالفرق وأصحاب المذاهب من المسلمين ومن غيرهم . المسلمون منهم شيعة وخوارج ومتكلمون ومعتزلة وقدريون ومرجئة ولكل فرقة منها فروع شتى تفرعت عنها . هذا بخلاف أهل السنة وهم جمهور الأمه إلا أنهم تفرقوا إلى مذاهب شتى . فور دخوله بغداد من باب الشام ذهب إلى دار محمد بن أبى حسان الزيادى كما أخبر امرأته ,ثم توجه إلى تلميذه الأثير إلى قلبه أحمد بن حنبل , ولما علم منه أن صديقه وزميله القاضى محمد بن الحسن قضى نحبه منذ ست سنوات ,طلب أن يزور قبره وقبر الإمام الأعظم أبى حنيفه فرد عليه قائلا ........
ــ سنذهب إذن إلى مقابر الخيزران ..
ــ الخيزران ؟.
ــ أجل .. إنه إسم المكان الذى أقيمت فيه مقبرته . بلغنا أن الإمام أوصى أن يدفن فى هذه الأرض قائلا إنها أرض طيبة غير مغصوبه ..
ــ رحم الله الإمام ورضى عنه . هيا بنا إلى هناك فإنى أتبرك به ..
ولدى عودتهما إلى الدار سأله ابن حنبل ..............
ــإذا أذنت لى يا شيخنا,أعرف أنك ترفع يديك فى الصلاة عند القيام من الركوع ..
ــ أجل ..
ــ واليوم رأيتك تفعل خلاف ذلك وأنت تصلى ركعتين عند أبى حنيفه , ما السبب يا ترى ؟.
ــ رأيت ألا أفعل أدبا مع الإمام رضى الله تعالى عنه وأن أظهر خلافه بحضرته ..

....................
@ أمضى الشافعى بضعة أيام فى دار أحمد بن حنبل يريح فيها جسده المكدود من عناء السفر قبل أن يخرج إلى الناس ليعلمهم . كانت فرصة أتاحت لكل واحد منهما أن يتعرف على صاحبه عن قرب , حتى أن الشافعى قال له ......
ــ يا أبا عبد الله أنت أعلم بالأخبار الصحاح منا , فإذا كان خبر صحيح فأعلمنى حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا ..
رآه ينظر إليه متعجبا فأردف قائلا وهو يشد على يديه ............
ــ لا تعجب يا أخى فأنت الثقة ..
وقبل أن يغادر الشافعى دار صاحبه لمح ابنته تميل على أذنه تهمس له بكلمات بينما عينيها تروح وتجئ عليه كأنها تتحدث عنه وعلى إثرها نظر ابن حنبل لأستاذه مبتسما فسأله بدوره ...........
ــ إيه يا أبا عبد الله ماذا تقول لك ابنتك ,أحسبها تسأل عن شئ ؟.
إبتسم صاحب الدار قائلا ..........
ــ فى الحقيقة ليس شيئا واحدا .. بل أشياء ؟.
ــ تكلم يا أبا عبد الله ..
ــ والله يا سيدى إنى فى حرج منك ولا أدرى ما أقول لك ..
ــ دع عنك الحرج وهات ما عندك يا رجل ..
ــ تقول لى هلا سألت الشيخ الآن عن المسائل التى حدثتك عنها ؟.
ــ أية مسائل تلك التى تسأل عنها ؟.
ــ الحكاية يا سيدى أن هذه البنت الفضولية جاءتنى بالأمس وسألتنى :
......……………
ــ من يكون هذا الشيخ يا أبت ؟.
ــ شيخى وأستاذى محمد بن إدريس الشافعى ..
ــ آه , الذى حدثتنا عنه غير مره . هذا هو إذن ؟.
ــ أجل يا ابنتى , لكن ... لكن لم تسألين ؟.
ــ لاحظت يا أبت أشياء على هذا الشيخ حيرتنى , ليتك تسأله عنها ..
ــ خيرا إن شاء الله ..
ــ لاحظت أنه عندما قدمنا له الطعام أكل كثيرا مع أنى سمعتك مرة تقول عنه أنه لم يشبع من قبل قط .
ــ إيه وماذا بعد أيتها الفضوليه ؟.
ــ عندما دخل غرفته للنوم لاحظت أنه لم يتحرك من مكانه ولم يقم أبدا ليصلى صلاة الليل ..
عاود سؤالها وقد بدا نافد الصبر .........
ــ هل بقى شئ ؟.
ــ شئ واحد . لما صلى بنا الفجر لم يطلب ماء للوضوء . أتراه صلى بغير وضوء يا أبت ؟.
ــ ما هذا الذى تقولينه يا ابنتى ؟. أتريدين منى أن أذهب إلى هذا العالم الجليل . إلى شيخى ومعلمى وقدوتى ... و ... وأسأله عن مثل هذه الأمور . كيف أجرؤ على ذلك يا ابنتى كيف أجرؤ ؟.
ــ إذن دعنى أسأله أنا ؟.
ــ لا لا . لا يجوز يا ابنتى . عفا الله عنك ... أحسنى الظن بالشيخ ..
ــ والله يا أبت ما قصدت إساءة الظن به, لكنها أمور لاحظتها وأردت أن أعرف تأويلها حتى لا يكون فى النفس شئ ………………
إبتسم الشافعى وهو ينظر إليها متعجبا من فطنتها ودقة ملاحظتها . ثم قال وهو يربت على كتفيها براحة يده رفقا ومودةوأبوه ............
ــ بارك الله فيك وأكثر من أمثالك يا ابنتى . أجل يا أبا عبد الله كل ما قالته حق ويحق لمثلها أن تسأل عنه . أما عن مسألة الطعام فإنى أكلت كثيرا على غير عادتى لأنى أعلم أن طعامك من حلال كما أنك كريم وطعام الكريم دواء كما أن طعام البخيل داء . فأنا ما أكلت لأشبع وإنما أكلت لأتداوى بطعامك يا أبا عبد الله . أما عن عدم قيامى الليل للتهجد فسبب ذلك أننى لما وضعت رأسى لأنام نظرت كأن أمامى الكتاب والسنه ففتح الله على باثنتين وسبعين مسألة من علوم الفقه , لهذا لم أتمكن من قيام الليل للتهجد ..
ــ كأنك لم تنم إذن ؟.
ــ أجل .. لم تنم عينى وظللت يقظان حتى جاء النداء للصلاه ..
ــ لهذا لم تجدد الوضوء وصليت بنا الفجر على وضوء العشاء ..
ــ أجل ..
ــ بارك الله فيك وزادك علما وتقى وصلاحا أيها الشيخ المبارك الصالح ..
ــ مهلا مهلا ... مالى أنا والصالحين يا ولدى . أنا أحب الصالحين لكنى لسـت منهم ..
ــ ماذا تقول يا شيخنا إنك ....
قاطعه الشافعى مرتجلا فى الحال ..........
أحب الصالحين ولست منهم .. لعلى أن أنال بهم شفاعه ..
وأكره من تجارتهم معاصى .. وإن كنا سويا فى البضاعه ..
رد ابن حنبل من فوره .........
بل ...... تحب الصالحين وأنت منهم .. ومنكم سوف يلقون الشفاعه ..
وتكره من تجارتهم معاصى .. وقانا الله من شر البضاعه ..


يتبع.. إن شاء الله............................




@ جلس الشافعى فى ساحة الدرس بالجامع الكبير فى بغداد ,أمامه جموع غفيرة من أهل العراق وخراسان يتقدمهم ثلة من علماء اختلفت مشاربهم وميولهم ودارسين تقاطروا عليه من جميع الأقطار . يعلمون أنهم فى حضرة رجل أعلم منهم بلغة الكتاب والسنة وأبصر بالمعانى ,وأقوى منهم جميعا جدلا وحجة . كذلك حكى لهم وعرفهم من رآه وهو يناظر ويحاور فى ساحة الحرم فى مكة ,ومع هذا فهو قمة فى تواضعه ودماثة خلقه ..
تعرف على بعضهم وصاروا من المقربين إلى قلبه وروحه , ومع توالى الليالى والأيام انصرفوا عن مذهب أهل الرأى الذى كان سائدا عندهم بعد أن وعوا أقوال الشافعى وآراءه وفكره . من أولئك الحسين بن على الكرابيسى وأبو ثور الكلبى وأبو عبد الرحمن البصرى , وأخيرا ذلك الفتى النبطى الذى كانت له حكاية مع الشافعى فى أول لقاء لهما ..
ذكره ذلك الفتى عندما وقعت عليه عينه فى المرة الأولى ,بنفسه وحاله وقت أن كان يختلف إلى إمام دار الهجرة قبل أكثر من عشرين عاما , والصدفة وحدها هى التى عرفته على هذا الشاب وعلى مواهبه ,بل جعلته من أصحابه المقربين لا يفارقه ,وظل ملازما له حتى آخر يوم له فى العراق . وحكايتهبدأت مع أول لقاء له بتلاميذه فى بغداد , لما طلب إليهم أن يختاروا من بينهم من يقرأ لهم . وانتظر أن يتطوع واحدا منهم دون جدوى , لم يجترئ واحدا منهم أن يتقدم , تهيبوا من القراءة فى حضرته , إلى أن تقدم من بينهم أخيرا فتى نحيلا دون الخامسة عشر من العمر يبدو من هيئته وسماته أنه من غير بلاد العرب , قال ......
ــ أنا أقرأ لهم أيها المعلم ..
ــ هل أنت أفصحهم لسانا يا فتى ؟.
ــ لا أقول ذلك يا سيدى ولا أدعيه . لكنى سمعت البعض يقول لى ذلك , وبالأمس طلب بعضهم أن أتولى أمر القراءه ..
نظر إليه الشافعى طويلا معجبا من فصاحة لسانه وعذوبة صوته ,قال له .....
ــ ما اسمك يا فتى ؟..
ــ أبو على الحسن الصباح ..
ــ من أى البلاد ؟.
ــ ما أنا بعربى يا سيدى المعلم , بل نبطى من قرية بالسواد يقال لها الزعفرانيه ..
ــ الأنباط يا بنى تمتد جذورهم إلى عرب جنوبي الجزيرة قبل أن يستوطنوا جنوب الشام . فهم فى أصولهم من العرب .. أليس كذلك ؟.
ــ بلى أيها المعلم ..
ــ إذن أنت من الآن سيد قرية الزعفرانيه . هيا اقرأ علينا يا زعفرانى من كتاب الرسالة وسننصت كلنا جميعا لك . ومن يعن له منكم أمرا أو يجد فى نفسه شيئا فليسأل عنه فى الحال , وسأجيب كل واحد على مسألته إن شاء الله ..
أمسك الفتى بالكتاب وبدأ يقرأ على الجالسين وهم منصتون إليه إلى أن قال .........
ــ ومن جماع علم كتاب الله ,العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب . والمعرفة بناسخه ومنسوخه والغرض فى تنزيله والأدب والإرشاد والإباحة . وما أراد بجميع فرائضه ومن أراد ,كل خلقه أم بعضهم دون بعض ..
سأل أحد الجالسين .........
ــ سمعنا من يقول من علماء بغداد والكوفة أن فى القرآن عربى وأعجمى ,وفيه مما ينطق به غير العرب . وأنت تقول لنا إن جميع ما فى كتاب الله إنما نزل بلسان العرب فليتك تزيدنا بيانا ؟.
ــ إن جهل بعض العرب ببعض ما فى القرآن ليس دليلا على عجمة هذا البعض بل هو دليل على على جهل هؤلاء ببعض لغتهم . ليس لأحد أن يدعى الإحاطة بكل ألفاظ اللسان العربى لأنه أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا . ولا يحيط بجميع علمه إنسان غير نبى الله "صلى الله عليه وسلم" مثل العلم بالسنه لا يحيط بها واحد علما مع ثبوتها للمجموع , والواجب على العالمين ألا يقولوا إلا من حيث علموا . وقد تكلم فى العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب إلى السلامة له إن شاء الله ..
ــ وما قولك إذن فى بعض الكلمات القليلة التى أشكلت على القوم ؟.
ــ من الممكن أن يكون بعض الأعاجم تعلم شيئا من ألفاظ اللغة العربية وسرت إلى لغاتهم فتوافقت بعض كلمات القرآن القليلة مع تلك الألفاظ . كما يجوز أن يوافق لسان العجم أو بعضها قليلا من لسان العرب ..
ــ فما الحجة فى أن كتاب الله محض بلسان العرب ولا يخلطه فيه غيره ؟.
ــ الحجة فيه منه أى من كتاب الله . قال الله عز وجل "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه" ..
ــ الرسل قبل محمد "صلى الله عليه وسلم" كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة , أما محمد "صلى الله عليه وسلم" فإنه بعث إلى الناس كافة فيحتمل أن يكون بعث بألسنتهم جميعا . فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم ؟.
ــ الدلالة على ذلك بينة فى كتاب الله فى غير موضع . قال الله عـز وجـل "وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربى مبين" وقال "وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها" وقال "قرآنا عربيا غير ذى عوج لعلهم يتقون" . فأقام حجته بأن كتابه عربى ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب فى آيتين من كتابه فقـال تعالـى "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين" وقال "ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمى وعربى" ..
ــ ولماذا نبهت على هذا الأمر فى أول كتابك ؟.
ــ لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها . ومن علمه انتفت عنه الشبه التى دخلت على من جهل لسانها . فتنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة نصيحة للمسلمين , والنصيحة لهم فرض لا ينبغى تركه ..
ــ وماذا على المسلمين الأعاجم ؟.
ــ على كل واحد منهم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده . حتى ينطق به الشهادتين ويتلو به كتاب الله ويتعلق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك . فكلما ازداد علما باللسان الذى جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له , كما عليه أن يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتى البيت ويتوجه لما وجه له ..

يتبع.. إن شاء الله............................




@ فى تلك الأثناء ولم يكن قد مضى عليه فى العراق كثير جاءه خاله على كما وعده قبل سفره فى داره الرحيبة التى اتخذها سكنا له فى بغداد على مقربة من دار تلميذه وصاحبه أحمد بن حنبل . تعرف على مكانه وأمضى معه أياما قليلة رجع بعدها إلى مكه على وعد منه أن يحضر إليه فى القريب وبرفقته عائلة الشافعى ليقيموا جميعا معه فى العراق ..

مكث غير بعيد ثم أتاه مرة ثانية يدق عليه الباب ومعه عائلته كلها إمرأته وأولاده وجاريته ليعيشوا معه وفى كنفه فى العراق حولين كاملين . لم يهدأ فيهما لحظة واحدة إنما عمل دؤوب وحركة دائمة هنا وهناك يسعى من خلالها لتقريب شقة الخلاف بين العراقيين وأهل الحجاز ويكون بحق رائد الوسطية فى علوم الفقه والتشريع على مر العصور . إشتهرت جلالة الشافعى فى العراق وعم ذكره الآفاق واعترف بفضله خصومه قبل مؤيديه وانضم إلى ركبه العديد من أئمة أهل الفقه بل ورجع كثير منهم عما كانوا يعتقدونه ..

فى المقابل كان بعض السخفاء من أصحاب البدع يحضرون مجالسه لا غرض لهم ولا أرب إلا السخرية منه والاستهزاء به . وآخرون يسألونه أسئلة تافهة مضحكة لا وزن لها . يرد فى تواضع على بعضها ويكتفى بالسكوت والإبتسام على البعض الآخر . من ذلك أن واحدا سأله ذات مره ............

ــ ما تقول أيها المطلبى .. فى رجل دخل منزل آخر فرأى بطة ففقأ عينها , ماذا يجب عليه ؟.

إبتسم الشافعى قائلا .........

ــ عليه أن ينظر إلى قيمتها وهى صحيحة وقيمتها وقد ذهبت عينها ثم يقوم ما بين القيمتين ..

وآخر يسأله نوعا من تلك الأسئلة التى شغفوا بها ............

ــ ما قولك أيها الشيخ فى واحد حلف قائلا ......... إن كان فى كمى دراهم أكثر من ثلاثة فعبدى حر . ثم ظهر أن فى كمه أربعة دراهم ؟.

ــ ما تقول أنت ؟.

ــ أقول يعتق عبده ..

ــ وأنا أقول لك لا يعتقه ..

ــ لم ؟.

ــ لأنه استثنى من جملة ما فى كمه دراهم والزائد على الثلاثة عنده درهم واحد وليس دراهم , أفهمت أيها الكوفى ؟.

ــ آمنت بالذى فوهك هذا العلم ………………

كان القوم يستمعون إلى ردوده فيدهشهم ما يرونه من حلمه وسعة صدره . لا يسعهم وهم خارجون من عنده إلا أن يقولوا لبعضهم .... هذا رجل معه نصف عقل الدنيا إنه أفقه من رأينا من أهل الأرض ..

وآخرون يقولون عنه فى مجالسهم ومنتدياتهم ..........

ــ هذا المطلبى لا يأخذ فى شئ إلا تحسبها صناعته ..

يرد عليه الآخر ...........

ــ إذا أخذ فى الشعر والعربية تقول هذه صناعته ..

ويعقب ثالث .......

ــ وإذا أخذ فى أيام العرب تقول هذه صناعته ..

ويقول رابع ............

ــ والله ما كنا ندرى ما الكتاب ولا السنة نحن ولا الأولون حتى سمعنا من الشافعى الكتاب والسنة والإجماع ..

فى المقابل لم يسلم الشافعى من بعض المضايقات والصغائر من أولئك النفر المتعصبين لمذهب شيخ العراق أبى حنيفة النعمان . دفعهم التعصب الأعمى لشيخهم إلى ملاحقته بنوع من الأسئله تصوروا أنهم يحرجوه بها أو ينقصوا من قدره . لم يكن غرضهم فى حقيقة الأمر هو التعلم أو البحث عن الحقيقه . سأله أحد الكوفيون ذات مره .......

ــ أخبرنى عن القرآن أخالق هو ؟.

ــ اللهم لا ..

ــ فمخلوق ؟.

ــ اللهم لا ..

ــ فغير مخلوق ؟.

ــ اللهم نعم ..

ــ فما الدليل على أنه غير مخلوق ؟.

أطرق برهة ثم رفع رأسه قائلا ..........

ــ تقر أيها الرجل بأن القرآن كلام الله ؟.

ــ أجل كلام الله لقوله تعالى لرسوله "صلى الله عليه وسلم" .... " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " ..

ــ وتقر بأن الله كان وكان كلامه أو كان الله ولم يكن كلامه ؟.

ــ بل كان الله وكان كلامه ..

إبتسم الشافعى قائلا ..........

ــ يا كوفيون إنكم لتأتونى بعظيم من القول . إذا كنتم تقرون بأن الله كان قبل القبل وكان كلامه فمن أين لكم الكلام . هل الكلام الله أو سوى الله أو غير الله أو دون الله ؟.

سكت الرجل ,لم يجد ما يرد به , قال الشافعى موجها كلامه للحاضرين .........

ــ القرآن كلام الله تعالى , وهو غير مخلوق , ومن قال بأنه مخلوق فقد كفر بالله العظيم ………………



يتبع.. إن شاء الله............................




@ عظمت رتبته وعلت عند أمير المؤمنين محمد الأمين وأفراد حاشيته . أرسل إليه مرات وهو فى العراق يدعوه إلى زيارته فى قصره ليسمع منه علومه وما دونه منها فى كتبه . سأله مرة عن رأيه فى فرقة من الناس يسمون القدريه من أتباع رجل إسمه معبد الجهنى فقال له .........

ــ تسأل يا أمير المؤمنين عن أولئك الذين يقولون أن الإنسان حر الإرادة يصنع أفعاله ويقدرها بعلمه وإرادته وينفذها بقدرته ؟.

ــ نعم هؤلاء أعنى ..

ــ لا أقول فيهم إلا ما قاله رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : "هم مجوس هذه الأمه" وهم الذين يقولون : إن الله لا يعلم المعاصى حتى تكون ..

ــ وما تقول أنت فى القدر ؟.

رد مرتجلا فى حينه :

ما شئـت كان وإن لم أشأ .. وما شئـت إن لـم تشأ لم يكن ..

خلقت العباد على ما علمت .. ففى العلم يمضى الفتى والمسن ..

على ذا مننت وهذا خذلت .. وهـذا أعنـت وذا لـم تعـن ..

فمنهم شقـى ومنـهم سعيد .. ومنـهم قبيـح ومنـهم حسن ..

وكان الخليفة الأمين يسأله عن أمور كثيرة ويعجب من ردوده التى لم يسمع بمثلها من قبل حتى فى المسائل التى لا تتعلق بعلوم القرآن والحديث . من ذلك أنه فاجأه مرة وهو جالس أمامه وحاشيته من حوله ..............

ــ يا محمد لأى علة خلق الله الذباب ؟.

بدا السؤال غريبا على أسماع الحاضرين إلا أن الشافعى رد قائلا وهو ينظر إليه بعد أن أطرق برهة ............

ــ خلقه مذلة للملوك يا أمير المؤمنين ..

ضحك الأمين وهو يقول ............

ــ رأيت الذبابة يا محمد وهى تسقط على خـدى ؟.

ــ أجل ولقد سألتنى وما عندى جواب فأخذنى من ذلك الزمع . فلما رأيت الذبابة سقطت بموضع لا يناله أحد إنفتح فيه الجواب كـما سمعـت ..

ــ لله درك يا محمد ما أفطنك .

وقبل أن يأذن له فى الإنصراف من مجلسه سأله وهو يسلم عليه ............

ــ سؤال أخير يا ابن إدريس ؟.

ــ على الرحب والسعة يا أمير المؤمنين ..

ــ ماذا تقول فى السماع ؟.

ــ من لم يطرب فى السماع يا أمير المؤمنين فما له حس ..

ــ إذن فأنت تبيح السماع ؟.

ــ يا أمير المؤمنين ما أعلم أحدا من علماء الحجاز كره السماع إلا ما كان منه فى الأوصاف . أما الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الأشعار ونشيد الأعراب فمباح كله ..

ــ هل من دليل من السنه ؟.

ــ أخبرنا سفيان عن إبراهيم عن ميسره عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال : أردفنى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فقال هل معك من شعر أمية بن أبى الصلت شئ ؟. قلت نعم قال : هيه . قال فأنشدته بيتا . قال هيه فأنشدته حتى بلغت مائة بيت. وسمع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" الحداء والرجز وأمر ابن رواحه فى سفره فقال : "حرك بالقوم" فاندفع برجزه ..



يتبع.. إن شاء الله............................



الأحباب الكرام .......
عود على بدء .......
توكلنا على الله .......


@ إستمر زهاء سنتين ينشر علومه وآراءه فى أرجاء العراق مفسحا صدره لكل صاحب رأى مخالف مهما أظهر من لدد أو لجاج فى مناظرات ومحاورات حامية صاخبه كان فيها هو الفارس المنتصر ,بما يملكه من قواعد كلية مؤصلة الأصول ليست فروعا جزئية كتلك التى عاشوا عليها فى بلادهم وتشربوا بها . تلك الحصيلة الهائلة من الآراء المستقلة فى قضايا الفقه وما عاينه بنفسه من توجهات العراقيين ونهجهم فى الفتوى والتشريع ,بهما دون الشافعى فى بغداد كتابا ضخما سماه "الحجه" . وكذلك "كتاب السير وكشف الظنون" و "كتاب المناسك" و "كتاب الصلاه" و "كتاب الجزيه" و "كتاب السنن وقتال أهل البغى" و "كتاب القضايا" وغيرها كثير . ومع ذلك العطاء والفيض كله كان الشافعى يقول فى تواضع العلماء العاملين لمن يعجب من كثرة ما كتب وصنف
.............
ــ ما أبالى يا قوم , لو أن الناس كتبوا كتبى هذه ونظروا فيها وتفقهوا ثم لم ينسبوها إلى أبدا ………………

@ وإلى الكوفة معقل الخلاف وموطن اللجاج وتباين الآراء ذهب الشافعى وجلس وسط علمائها وطلاب العلم فيها وهو يعيد عليهم بيان منهجه استجابة لرغبة أهلها لما قالوا له ........
ــ بين لنا يا شيخ ,القاعدة الأصولية فى التشريع كما وضعتها ؟.
ــ سأوجز عليكم بيانها وعليكم أن ترجعوا لما كتبت . إعلموا أن الأصل قرآن وسنه فإن لم يكن فقياس عليهما . وإذا اتصل الحديث عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وصح الإسناد منه فهو سنه . والإجماع أكبر من الخبر المفرد والحديث على ظاهره وإذا احتمل معانى فما أشبه منها ظاهره أولاها به . وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسنادا أولاها . وليس المنقطع منها بشئ ما عدا منقطع ابن المسيب . ولا يقاس أصل على أصل ولا يقال للأصل "لم" و "كيف" وإنما يقال للفرع "لم" . فإذا صح قياسه على الأصل صح ,وقامت به الحجه ..
ــ كيف تزعم ذلك ,وقد بلغنا أنك تأخذ بالحديث على إطلاقه ؟.
ــ أفك المبلغ وافترى وإنما خذوا عنى ما أقوله أمامكم . إذا ثبت الحديث عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فإنه لا يعدله شئ من رأى أو قياس أو أثر مروى عن صحابى أو تابعى . أيضا إذا حدث ثقة عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ولم يكن هناك حديث يخالفه عمل به ..
ــ وكيف تعمل إذا تخالفت الأحاديث ؟.
ــ أنظر لأرى هل فيها ناسخ ومنسوخ كأن يتأخر أحدها فى الزمن ويثبت بدليل ما أن الأخير ينسخ الأول فأعمل بالأخير . فإن لم يتأكد وقوع النسخ ننظر فى أوثق الروايات فإن تكافأت المرويات عرضت على الكتاب وعموم السنة الثابتة وعمل بما كان منها أقرب إلى ذلك من غيره ..
ــ فما تقول فى الإستحسان . سمعنا أنك لا تقول به وتبطل عمله أليس هو نوع من القياس ؟.
ــ الإستحسان بخلاف القياس ولا يجوز لأحد أن يقول بالإستحسان لأنه من استحسن فقد شرع . الإستحسان لا يخرج عن كونه رأى تجرد من الإستناد إلى أصل شرعى ولا ينتسب إلا إلى صاحبه مهما تحكمت فيه روح الشريعه . بهذا فهو لا يمت للتشريع الإسلامى بأية صلة ولو جاز تعدى القياس وتعطيله إلى الإستحسان . جاز لأهل العقول من غير أهل العلم أن يقولوا فيما ليس فيه خبر بما يحضرهم من الإستحسان ..
ــ وما تقول فى خبر الخاصة ,هل يحتج به ؟.
ــ لا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا .... منها أن يكون من حدث به ثقة فى دينه معروفا بالصدق فى حديثه عاقلا لما يحدث به عالما بما يحيل معانى الحديث من اللفظ . وأن يكون ممن يؤدى الحديث بحروفه كما سمعه ولا يحدث به على المعنى لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى حرام ………………

@ وفى مساجد البصرة أيضا جلس إلى أهلها يحاورهم ويحاورونه كدأبهم ......
ــ يرحمك الله أيها الشيخ ,سمعناك تقول أن فى كتاب الله خبرا عاما يراد به الخاص وخبرا خاصا يراد به العام , تلك أول مرة يقرع آذاننا مثل هذا الكلام عن العام والخاص, ليتك تبينه لنا ؟.
ــ سأضرب لكم مثالا مما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخصوص قوله تعالى " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له . إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له . وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " . فى هذه الآيه يوجه الخطاب بلفظ الناس وهى لفظة تستغرق الجنس وتحمل دلالة العموم المطلق . إلا أن الخصوص واقع على تلك الفئة التى تدعو من دون الله إلها آخر . واستثنى من ذلك من لم يفعل والمرفوع عنه التكليف لعدم المشاركة فى الإثم ..
ــ هل لك أن تزيدنا بيانا بمثال آخر ؟.
ــ هذا كثير فى القرآن لمن نظر فى كتاب الله إقرأ مثلا قوله تعالى فى سورة البقره "ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس" . يحمل لفظ الناس فى هذه الآيه على العموم فى منطوقه بينما تتضمن الآية مفهوم الخصوص . وهو الحاصل من أن من أفاضوا فى عرفه لم يكونوا كل الناس فى زمان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" . كما أخبر رب العزة عن نار جهنم فقال "وقودها الناس والحجاره" فدل كتاب الله تعالى على أنه إنما أراد وقودها بعض الناس . لقول الله جل ثناؤه "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" ..
ــ عرفتنا الخبر العام فى الكتاب يراد به الخاص .. فماذا عن الخبر الخاص يراد به العام ؟.
ــ أيضا هذا كثير فى القرآن مثال ذلك قوله تعالى فى سورة الطلاق "يا أيها النبى إذا طلقتم النساء" . فهو خطاب خاص لرسول الله "صلى الله عليه وسلم" يراد به عموم الأمه ..

يتبع .. إن شاء الله............................
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 16/05/2011 الساعة 18h18
رد مع اقتباس
  #134  
قديم 16/01/2010, 15h28
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

كلمة شكر أجد أنه لزاما على توجيهها
لواحد من حراس لغتنا الجميله
شيخنا الجليل امحمد شعبان
على غيرته ومبادرته باجراء التصويبات الإملائية
فى صمت نبيل
وأناشده أن يستمر
....................
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 19h05
رد مع اقتباس
  #135  
قديم 16/01/2010, 15h28
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي


198 هجـريـه .. إلـى أرض الكنانـه

@ أمضى عامين كاملين لم يهدأ خلالهما يوما واحدا وهو يجوب أنحاء العراق شمالا وجنوبا نشرا لمذهبه فى كل مدارسها ,وتعريفا لعلومه وفكره . قرر بعدها أن ينهى إقامته فى العراق ويحزم أمتعته عائدا إلى مكة مـرة أخرى ,لما لاحظ فى الأيام الأخيرة أن العلة التى تعانى منها امرأته حميده أخذت تستشرى فى جسدها بلا هوادة وتستحكم فى أعضائها يوما عن يوم . زادتها وهنا على وهن بينما هى صامدة صابرة لا تظهر شكواها لأحد ولا تبثها إلا إلى ربها فى صلواتها وهى قائمة فى خشوع بين يديه . كان يدرك بما لديه من خبرة فى أمور مداواة الأبدان ,حجم معاناتها وما تتحمله وحدها فى صمت من آلام وعذاب ..
حينئذ قرر الشافعى العودة للبلاد حتى إذا أدرك الموت امرأته لقيها وهى فى أحضان مكة بين الأهل والأحباب . وفى ليلة السفر ودع تلاميذه وأصحابه العراقيين . لم يمكنوه من مفارقتهم إلا على وعد منه أن يعود إليهم مرة أخرى فى القريب , وكان قد أسر لبعض المقربين منه عن سبب رحيله المفاجئ . لم تمض أيام حتى كانت مكة تفتح له ذراعيها مرة أخرى ,غير أنه بدا هذه المرة حزينا على غير عادته وهو يعلم أن امرأته التى شاركته رحلة الحياة بحلوها ومرها باتت أيامها معدودة فى هذه الدنيا الفانيه ..
صح ما توقعه وحسب حسابه من قبل أن هذا المرض الذى ابتليت به وهى فى ريعان الشباب ومقتبل العمر لن يمهلها طويلا . لم يكد يستقر بهم المقام فى مكة أياما قليلة حتى صحا ذات ليلة على صوتها وهى تناديه بصوت واه كأنه قادم من عالم آخر . لم تكن تبغى إلا وداعه قبل أن تفارق الدنيا . مرت لحظات قليلة قبل أن تنطق بضع كلمات تدمى الفؤاد ,بينما أنفاسها المتلاحقة تضطرب شهيقا وزفيرا . أوصته على أولادهما وشددت فى الرجاء له أن يتزوج جاريته دنانير ,ثم أسلمت الروح وهى مسجاة على فراشها كالملاك الطاهر البريء. استراح الجسد وهدأت آلامه بعد أن خاصمتها العافية بضع سنوات وصعدت روحها الطيبة إلى بارئها ورجعت نفسها المطمئنة إلى ربها راضية مرضيه ..
@ مرت بضعة أشهر على وفاتها ,سافر بعدها الشافعي إلى العراق مرة ثانية كما وعد أصحابه ليكمل ما بدأه . لم يمكث فيها هذه المرة إلا نصف العام ثم رجع إلى مكة مرة ثالثة بعد أن اطمأنت نفسه وشعر أنه أدى واجبه فى بغداد كما كان يتمنى ويرجو حيث أرسى فيها قواعد راسخة ثابته لأصول الأحكام واستنباط قواعد الشرع ..
وفى تلك الأثناء نفذ وصية امرأته الراحله وتزوج جاريته دنانير التى أمضت من عمرها سنوات طويلة تخدمه فى تفان وإخلاص . لم يجد خيرا منها بعد العثمانية زوجا له تشاركه ما بقي من سنوات عمره . كانت حقا كما قالت عنها امرأته الراحله أحرص الناس على راحته والقيام على مصالحه وأنها تعرف طباعه وميوله وما يوافق هواه وما لا يوافقه . أثبتت الأيام ذلك حتى أنها كانت إذا نظرت إليه أو شرع إليها بوجهه تعرف ما يريده منها دون أن يترجم ذلك إلى كلمات على لسانه ..
وفى يوم نادى عليها بعد أن بلغ الليل منتصفه أو كاد وهى راقدة فى فراشها على غير إرادتها إذعانا لأمره . كانت تفضل أن تبقى ساهرة إلى جواره ربما احتاج منها إلى شيء أثناء سهره وهو يلح عليها كى تريح جسدا أضناه طول السهاد وهى قائمة على خدمته . نادى عليها وطلب منها أن تجلس إلى جواره . سألته ...........
ــما بك يا أبا عبد الله ؟.
ــ لا شئ يا دنانير أود أن أتحدث معك قليلا . أين الأولاد ؟.
ــ كلهم نائمون ,هل أوقظهم ؟.
ــ لا . لا دعيهم فإنهم متعبون من عمل الأمس كما أنى أود أن أتحدث معك الآن على انفراد . سأخبرهم فيما بعد على ما عزمت عليه ..
ــ طوع أمرك ..
ــ دنانير ,لقد طوفت سنوات كثيرة فى عديد من بـلاد الإسلام . والحمد لله أن أعاننى على نشر كثير مما أنعم به على من علوم ورد شبه المبطلين وتصحيح الكثير من المعتقدات الخاطئة فى أحكام الشريعه . وبيان ما أبهم من أمور الدين ومواطن الزلل التى وقع فيها البعض ..
ــ أجل كل هذا صحيح . لكن ماذا تود أن تقول ؟.
ــ أردت أن أخبرك أنه آن للراحل أخيرا أن يحط عصاه ..
ــ ماذا تعنى يا أبا عبد الله . أخيرا قررت ألا تغادر مكة بعد اليوم وأن تستقر فيها بعد طول ترحال ؟.
ــ لا يا دنانير ما قصدت هذا وإنما عنيت أمرا آخر . لقد شاءت الأقدار أن يكون مقامنا الأخير ومستقرنا فى غير هذا البلد ..
أجفلت قائلة وقد ظهر الدهش فى عينيها وعلى قسمات وجهها الأسمر الداكن :
ــ ماذا تعنى يا أبا عبد الله . هل سنرحل من مكة إلى الأبد ؟. إلى أيـن ؟.
ــ خارج جزيرة العرب ,إلى بلد اشتقت إليه كثيرا . منذ سنوات وأنا أتطلع إلى الرحيل إليه . بذا جرت المقادير يا ابنة صالح ..
زادت دهشتها فأكمل قائلا ............
ــ لا تعجبى يا دنانير فهذا أمر أشعر أنى أساق له سوقا . كأنما الأحداث الحاضرة وما تموج به البلاد من قلاقل وفتن تدفعنى إليه دفعا لتتحقق الرؤيا التى رأتها أمى قبل ثمانية وأربعين عاما . لقد ألمحت لى عليها مرات فى السنوات الماضيه لكنها وهى على فراش الموت حدثتنى بما لم تحدثنى به من قبل . سمعت منها ما لم أسمع بمثله منها يرحمها الله قالت : ………………
ــ هل تذكر يا ولدى , ما سبق أن قلته لك عن خبر تلك الرؤيا التى أريتها وأنا فى بلاد الشام ؟.
ــ أجل يا أم الشافعى حدثتنى منذ زمن عن كوكب شاهدته عيناك فى المنام وهو يخرج من النافذه . وبضع شظايا تخرج منه لتنزل فى العراق والشام واليمن ومكة والمدينه . ثم وهو يدور فى السماء إلى أن حط فى مصر ..
ــ إسمع يا ولدى تلك الرؤيا التى رأيتها ذات يوم وعبرها لى أبوك إدريس أراها مع الأيام وهى تتحقق أمام عينى . صورة واقعة حقيقية كما قال لى وأكد يومها على كلامه .. يرحم الله أباك يا ولدى ..
ــ ماذا تعنين يا أماه ؟.
ــ قال لى أبوك يا ولدى أن هذا الكوكب الذى رأيته ,هو .... هو .. أنت ؟.
ــ أنا يا أماه ؟.
قالها فى دهشة فأجابت ..........
ــ أجل يا ولدى , قال لى وأنت لا تزال جنينا فى أحشائى أنك أنت هذا الكوكب وأنك عالم قريش الذى يملأ الأرض علما . وقبل أن يفارق الدنيا أوصانى بك ,وأكد على أنك ستكون عالم قريش الذى أخبر عن مجيئه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" . والحمد لله الذى أحيانى إلى هذا اليوم حتى شهدت رؤياى وهى تتحقق يوما بعد يوم أمام عينى وأراك وأنت ترحل من بلد إلى بلد تسمع الناس علوما ما سمعوا بها من قبل ولا طرقت آذانهم . لكن يا ولدى بقى ختام الرؤيا وأشعر أنى سألقى ربى قبل أن أراه يتحقق أمام عينى ..
ــ الرحيل إلى مصر ..... أليس كذلك يا أماه ؟.
ــ أجل يا ولدى إنها كنانة الله فى أرضه والبلد التى سوف تخلد علومك كما خلدت من قبل تراث أبناءها منذ آلاف السنين . ومنها ستنتشر إلى شتى بقاع الأرض على مر الزمان ..
ــ صدقت والله يا أماه . إنى أجد فى قلبى من الحنين إليها والشوق إلى ترابها وأهلها ما لم أكن أدري له سببا ولا تأويلا من قبل . إلى أن علمت منك اليوم حقيقة ذلك الشوق وسبب هذا الحنين الذى يجذبنى إلى ترابها جذبا ………………
سألته دنانير ..........
ــ لهذا إذن قررت الرحيل إلى مصر ؟.
ــ أجل يا دنانير لقد سبقنى إلى هناك منذ عشرة أيام تلميذى أبو بكر الحميدى . يحمل معه رسالة منى إلى صديقى المصرى عبد الله بن عبد الحكم . أعرفه فيها بقدومنا إلى مصر حتى يكون فى استقبالنا ..
ــ ومتى الرحيل يا إمام ؟.
ــ بضعة أيام ونشد الرحال جميعا إلى هناك فى صحبة والى مصر العباس بن موسى الذى جاء إلى مكة منذ أيام ليصطحبنا معه . سننزل فى البداية إن شاء الله على أخوالى الأزد فى الفسطاط نقضى معهم وفى ضيافتهم أياما قليلة قبل أن يستقر بنا المقام فى دارنا ..
ــ أى دار تلك . ألنا دار فى مصر ؟.
ــ أجل سيكون لنا بإذن الله تعالى دار واسعة بالفسطاط وعد أن يعدها لنا صديقى المصرى عبد الله بن عبد الحكم بالقرب من دور بنى عبد الحكم فى خطة أهل الرايه ..

@ أبت نفس الأب الطيب الذى تربى منذ نعومة أظفاره على فيض متجدد دائم من الحنان والمودة من أمه الراحله ,إلا أن يطلع أبناءه على ما نواه ,لم يشأ أن يباغتهم بقراره الذى اتخذه ,وهو يعلم يقينا أنه عسير على أمثالهم أن يفارقوا إلى الأبد بلدا تربوا فى أحضانه وعاشوا فى ربوعه ووديانه أيام طفولتهم وصباهم ,ولهم فى كل لمحة فيه ذكريات وأحلام ,ويرحلون إلى بلاد يسمعون بها ولا يعرفون فيها أحدا ولا يعلمون عنها شيئا ..

فى اليوم التالى جمع الشافعى أبناءه محمد وزينب وفاطمه ,أجلسهم أمامه وأخبرهم بما نواه وقرره كى يعدوا أنفسهم ويتهيأون لهذه الرحلة الطويلة الشاقة . أخذ يشرح لهم الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ قراره ,كانت تدور حول رغبته فى نشر علومه وآرائه على الكافة ,وأن يكون تلاميذه المصريون هم حملة علومه وحفاظها ,ينقلونها للناس جيلا بعد جيل على مر الزمان ..

سأله محمد ..........

ــ كم سنمكث فى مصر يا أبت قبل أن نرجع إلى بلدنا وأهلنا ؟.

سكت الشافعى قليلا ثم قال ...............

ــ إعلم يا محمد أنه لا ينبل قرشى بمكة ولا يظهر أمره حتى يخرج منها ويهاجر إلى بلد آخر ..

عاد يسأل غير مصدق ............

ــ تعنى يا أبت أننا لن نرجع إلى مكة مرة أخرى ؟.

فوجئ ومعه شقيقتاه وهو يقول لهم ...............

ــ أجل لن نغادر مصر يا أبا عثمان إلى أى مكان آخر . إنها مقرنا الأخير ومحط رحالنا ومستودعنا إلى أن ألقى وجه ربى ..

رد متلعثما وقد أصابته المفاجأة بالدهشة والوجوم ..........

ــ يا أبت لو كان الأمر غربة لفترة محدودة ونرجع إلى بلدنا كما عودتنا من قبل لهان الأمر . أما أن نغادر بلادنا التى تعودنا العيش فى كنفها وفيها أهلنا وأصحابنا وإخواننا ونهاجر إلى بلد لا نعرف فيه أحدا ولا يعرفنا أحد , نبدأ فيه حياتنا من جديد ,فهذا أمر لا نستطيع تصوره ..

ــ على رسلك يا أبا عثمان ,يبدو أنك لا تعرف شيئا عن مصر أو المصريين ,ليس أحد أعرف بهم منى ولسوف ترى بنفسك . إن هى إلا أيام معدودات فى مصر وستعرف كل الناس ويعرفك أيضا كل الناس . ستشعر وأنت بينهم أنك بين أهلك لم تفارقهم . إنهم يا ولدى شعب ودود طيب ينسيك المقام معهم أنك فى دار غربة ..

@ فى تلك السنة و الشافعى يتخذ عدته للرحيل إلى مصر ,آل أمر خلافة المسلمين إلى عبد الله المأمون عقيب مقتل شقيقه الأمين ,معارك ضارية دارت بين الأخوين وأنصارهما فى قلب بغداد . وصلت إلى ذروتها فى وقت كان الشافعى يحزم فيه أمتعته استعدادا للعودة إلى مكه . لكن تتابع الأحداث كان أسرع منه وتولى المأمون زمام الأمور والشافعى لا يزال قابعا هو ومن معه فى قلب بغداد لا يستطيع الخروج منها وهى محاصرة بجيوش المأمون وأنصاره من الفرس قيادة الفضل بن سهل ,فى الوقت الذى كان صاحبه الفضل بن الربيع وزير الأمين وساعده الأيمن يقف على رأس المدافعين عنه ضد المأمون ..


كانت الخلافات قد بدأت عقب تولى الأمين خلافة المسلمين وإعلانه خلع أخيه المأمون من ولاية العهد ومبايعة ولده موسى وليا للعهد وخليفة للمسلمين من بعده كى تظل الخلافة فى عقبه . هذا الخلاف بين الأخوين ألقى بظلاله على أحوال البلاد عامة فسادتها حالة من الفوضى وعدم الإستقرار ,ولم تعد الأمور إلى ما كانت عليه قبل موت الرشيد إلا بعد تولى الخليفة المأمون زمام الأمور ..
نال مصر نصيب من الفرقة والإنقسام بين الأخوين وتحزب أهلها إلى فريقين ,فريق مع هذا وآخر مع ذاك . غير أن الفريق الموالى للمأمون كان أكثر عددا وأقوى حتى أنهم أعلنوا عصيانهم وتمردهم . وصل بهم الأمر إلى إعلانهم خلع الأمين من الخلافة وإعلان المأمون أميرا للمؤمنين . قام المصريون بالثورة على واليه فى البلاد جابر بن الأشعث وطرده وتولية واحد من الموالين للمأمون يدعى عباد بن محمد . لم يكن قد مر إلا حوالى العام على تولى الأمين زمام أمور الخلافه ..
ولما استتب الأمر للمأمون وتفرق الجمعان قفل راجعا إلى بغداد من مقره الذى اتخذه مؤقتا لإدارة أمور الخلافة من مرو فى خراسان وسط أتباعه وأنصار دولته من الفرس . فور رجوعه بدأ يعيد ترتيب الأمور فى البلاد وفق ميوله واتجاهاته . من ذلك أنه أرسل إلى الشافعى قبل أن يهم بالرحيل إلى مكة بعد أن سمع بآرائه وما يملكه من جرأة فى الجدال وثبات فى الرأى وحداثة فى الفكر ,لم يزل يذكره وقت أن كان يختلف إلى شيخ المدينة مالك بن أنس مع شقيقه الأمين وهما فى سن الصبا ,ويذكر له محاوراته مع الشيخ ومواقفه مع تلاميذه ..
قال له الخليفة المأمون بعد فيض من الحفاوة والترحيب , كأن له به عهدا قديما .....
ــ أتعلم لم أرسلت إليك يا محمد ؟.
ــ خيرا إن شاء الله يا أمير المؤمنين ..
ــ علمت أن والدنا هارون الرشيد طيب الله ثراه عرض عليك أن تعمل فى قضاء بغداد ولم تقبل .. أليس كذلك ؟.
ــ بلى يا أمير المؤمنين وقبل عذرى أيامها وأعفانى من هذا الشرف الكبير ..
ــ وأنا اليوم أعرض عليك مرة أخرى أن تكون قاضى القضاه ولك الخيار فى القبول أو الرفض . وإن كنت أتمنى أن تقبل . نحن فى حاجة لأمثالك يا محمد ..
ــ أشكرك يا أمير المؤمنين على ثقتك فى وأرجو قبول اعتذارى ..
ــ هل لى أن أسألك عن علة إبائك ورفضك ؟.
ــ لقد عزمت يا مولاى على الرحيل إلى مصر ,وآمل أن يجعل الله لى فيها مستقر ومستودع ..
ــ لم يا محمد ؟, أقصد لم اخترت مصر ؟.
ــ لا يزال أمامى الكثير أن أفعله لمواصلة رحلة العلم ,تلك الرحلة التى لم يأن لها أن تنتهى بعد . ومصر هى المكان الملائم لمثلى ..
ــ ماذا تعنى ؟.
ــ فى مصر يا أمير المؤمنين أستطيع جنى ثمار ما حصلت من علوم . إنها الواحة التى أستطيع أن أحكم فيها كتبى وأعيد صياغتها ..
ــ متى ترحل إن شاء الله ؟.
ــ سأسافر إلى مكة أولا ثم أرحل منها إلى مصر ..
رد المأمون قائلا وهو يهم واقفا إيذانا بانتهاء المقابلة ............
ــ على بركة الله ,ولا تغادر مكة حتى يأتيك رسولا من عندى ..
ــ هل لى أن أعرف السبب يا مولاى ؟.
ــ ستعرف , ستعرف حتما عندما يأتيك حاجبى ..
توقف برهة قبل أن يصافح الشافعى . كان المأمون لماحا فأردف قائلا بعد أن قرأ بفراسته كلاما على وجهه يتردد فى النطق به ............
ــ هل لك رغبة فى شئ يا محمد . أطلب ما تشاء وأنا آمر به فى التو والحين ..
لاحظ المأمون أنه لا يزال مترددا فاستحثه مؤكدا له أن طلبه مقضى كان ما كان , فقال فى حياء ..............
ــ لى مطلب واحد يا أمير المؤمنين وما أجرأنى عليه إلا معرفتى بما أنت عليه من حلم وميل إلى العفو ..
إبتسم المأمون فى مودة قائلا ............
ــ هى شفاعة إذن ؟. لمن تشفـع يا محمد ؟.
لاحظ تردده وحياءه من ذكر اسمه فأخذ يستحثه قائلا ...............
ــ هيا يا رجل , لا تضيع الفرصة ,قل ولا تتردد وإلا رجعت فى كلامى ..
ــ الفضل بن الربيع ..
نطق اسمه حذرا متوجسا ثم أردف قائلا على عجل بعد أن لاحظ وجوم الخليفة المأمون وتغير وجهه .............
ــ أعلم يا أمير المؤمنين أن جنايته عظيمة لكن ,أعظم منها كرمك وعفوك ..
إنفرجت أساريره قائلا ..............
ــ وأنا قد عفوت عنه يا محمد إكراما لخاطرك . إن كنت تعرف مكانه الذى يختبئ فيه بلغه ذلك ,وقل له يأتينى هنا وقد أعطيته الأمان ..
ــ الحقيقة يا أمير المؤمنين أنه جاءنى قبل أن يفر هاربا بعيدا عن العيون ورجانى أن أشفع له عندك ثم فارقنى دون أن أعرف له مكانا ..
ــ على أية حال إن جاءك مرة أخرى أو رأيته بلغه أنى قد عفوت عنه . والله يا محمد لو عرف الناس حبى للعفو لتقربوا إلى بالجرائم . سأصلى الآن ركعتين شكرا لله أن رزقنى العفو عنه ..
ــ شكرا لك يا مولاى أستودعك الله ………………

@ كان المأمون رجل علم شغوف بالقراءة والإطلاع وما يثير الفكر من قضايا مولع بقراءة ما صنفه الفلاسفة الإغريق فى كتبهم . لهذا أدنى منه جماعة من الفقهاء عرفوا بالمعتزله يرون إثبات العقائد وما يتعلق بها من قضايا بمقاييس العقل . يستخدمون فى كلامهم ومجادلاتهم لغة المنطق وأدواته وأساليب الفلاسفة وطرائقهم ..

وجرت المقادير بما جرت بالنسبة للشافعى من تولى المأمون خلافة المسلمين فى هذا الوقت تحديدا . كأنما كان مجيئه على قدر لتتحقق الرؤيا التى رأتها أم حبيبه قبل نصف قرن من الزمان . حتى يحط الكوكب الدرى فى مصر وتستقر سفينة العلوم وتضع شراعها بعد إبحار طويل على ضفاف نهر النيل العظيم ..

ولأن الله تعالى قد جعل لكل شئ سببا ,مكن المأمون من أمر البلاد ليكون ذلك دافعا للشافعى للرحيل بعيدا خارج جزيرة العرب إلى مصر . واحة العلماء وخبيئة العلوم والفنون منذ آلاف السنين ,بعد أن شعر بحسه المرهف وبصيرته النافذه أن نسمات من الهواء الفارسى الجاف القاسى سوف تهب على بغداد وجزيرة العرب فى ظل خلافة المأمون ,بما تحمله من هيمنة للفرس وما يعتنقونه من أفكار وفلسفات دخيلة على الإسلام وتشيعهم لآل البيت العلوى وما ينطوى عليه ذلك من إحياء للفرقة وإذكاء لنيرانها التى شاء الله تعالى أن تخبو قليلا فى السنوات الماضيه ..

أدرك الشافعى كذلك أن نجم دولة علماء المعتزله فى طريقه للبزوغ واللمعان وأن الساحة ستكون مرتعا خصبا وخاليا لهم ,بما عندهم من ولع بالجدل العقلى العقيم فى أصول العقيدة وأحكامها وكل ما هو خارج عن منطقة العقل . وهو لم يزل متطلعا لاستكمال رسالته التى وهب لها سنى عمره كلها وأن يعيد صياغة ما كتبه فى هدوء وطمأنينة وأمن ,لن يجده إلا فى ربوع وادى النيل الخالد وحناياه الدافئه ..

هذا هو ما عبر عنه وقاله لصديقه عبد الله بن عبد الحكم ذات ليلة بعد أيام قليلة من وصوله إلى مصر وهما يتبادلان حديثا ودودا حيث جمعهما قارب صغير يتهادى بين شاطيئ نيل مصر . ركباه بعد أن أديا صلاة العشاء فى المسجد العتيق متخذين طريقهما إلى الجيزة لزيارة واحد من شيوخ مصر وتلاميذ الشافعى إسمه الربيع الجيزى ..............

ــ أجل يا ابن عبد الحكم هذا هو ما دفعنى للإسراع بالمجئ إلى بلادكم وأن يكون مثواى الأخير فى تراب هذا البلد الطيب ..

ــ أطال الله بقاءك يا صديق العمر . لكأنى بك تسابق الزمـن وتصارع الأيام ؟.

ــ تلك هى الحقيقة يا أخى . أشعر والله أن ما تبقى لى من أجل لن يكون كافيا لأن أكمل رسالتى . أجل لا يزال أمامى الكثير ..


يتبع.. إن شاء الله ...........................
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 19h18
رد مع اقتباس
  #136  
قديم 04/02/2010, 02h02
الصورة الرمزية abuzahda
abuzahda abuzahda غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:102176
 
تاريخ التسجيل: novembre 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: كندا - تورونتو
المشاركات: 1,212
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

سيّدي الجليل
الوالد الدكتور أنس

كلما مررتُ من هنا ، خِلتُني بمكانٍ أعشقه بمصر ، ذلك المكان الذي من فرطِ تعلقي به ، أصبحَ هو خميرةَ مصر التي أخبئها بين الشِغاف .

هل أذِنتَ لي بأن أحدِّثك عن "خان الخليلي" ؟

........ شُكراً لكَ يا دكتور


كنتُ في طريقي من "النحّاسين" بشارع المعز لدين الله ، إلى الروضة الحسيّنيّةِ العطرة ، أحبُّ أن أستريح بدكانِهِ الصغير - بأول الممر يساراً – الذي لا يتسع إلا لزبونٍ واحد ، بينما هو جالسٌ إلى طاولةٍ خشبيّةٍ عليها بعض الأدوات اليدويّة – التي أظنه قد صنعها بيديه.


لقد تخصص في صنعةٍ نادرة "صناعة الخواتم الفضيّة" بما في ذلك إصلاحها و ضبط مقاساتها و لحام المكسورِ منها .


و لأنني مولعٌ بكل ماهو يدوي ، كنت أختلق الأسباب التي تجعل جلوسي إليه شيئاً ضرورياً ، كأن أشتري خاتماً من دكاكين "الفضة القديمة" – و حبذا لو كان به عيب كأن يكون مفقودَ الحجر "الفص" أو به شرخٌ أو بحاجة إلى تضييق ... إلخ !


و من كثرة ترددي عليه ، كنت السبب في تعارفٍ بينه و بين أبي رحمه الله ، الذي كان مولعاً بالأحجار الكريمة و أحوالها.

،
عند استقامة الممر بنهايتهِ من الجهة الشرقيّة ، دكانٌ آخر بمواجهة "مقهى وليّ النِعَم" ، لكن هذا الدكان كان يتميّز رغم صِغرِهِ بأنهُ مكشوفٌ للمارّة ، و صاحبه يجلس بحلقِ دكانِه الصغير على هيئة جلوس التشَهُدِ أمام مخرطةٍ غاية في البساطة
، يُدير قِطعةَ الحجر الكريم بين فكينٍ من قضيبٍ التَفَّ على طرفِه خيطٌ تثبَتَ بطرفي قضيبٍ لا يشبهه .


كان صانِعُ المسابِحِ يستنبت من قِطعَةِ الحجر حبة تسبيحٍ ، و كأنه يعزِف على ربابةٍ مستلقية بين يديه. و يداهُ ، كأنهما لرجلين لا يتخاطران.


،

كنتُ أتعَجَبَ لحركتي يديه ، فاليُسرى تستولِدُ اللفاتِ بلا انتباهٍ منهُ ، و اليُمنى بها إزميلٍ يخرط الحبّة فتنفلت منها قِشرَةُ الحجر الكريم (الرايش) تتلوى حرماناً من البقاءِ للتسبيح.

،


كان صانع المسابح قد ألِفَ تـحَلـُّقِ الناس بِه ، فيعرض عنهم ، و أكثرهم من السيّاح و محطات التلفزة العالمية ، يصورونه بكل أنواع الكاميرات ، و هو سادرٌ بسمتِهِ كأنه يُلَقِّنُ الحبّة َ ماسوف يُتلى عليها بيدِ المَسَبِّحين .


حتى إذا رضيَ عن حجمها ، أخذَ ورقة سنفرة ناعمة يحضن بها الحبّة التي لا تكف عن الدوران ،لصقلها، ثم يسند القوس إلى الأرض كأنه يهدهد طِفلاً ليخلع الحبَّةَ بتفريجِ فكي القضيب ، ماسِحاً الهواءِ ببسمةٍ ودودة تِجاه المُتحلقين به من المارّة (وانا أولهم)

كأنه تعلـَّم تلك الصنعة منذ التسبيح ، لا يلتفتُ إلاَّ إليه .
،

تذكرتُ المشهدين و أنا هنا بحضرةِ سيّدي المُلَقبِ بقاضي الشريعة عند أهل مِصر .


و أنتَ تواصل ، يا دكتور أنس ، تبسيط سيرته العطرة لأمثالي من بناة الأكواخ ، تواصل إتمام ناطحة سحابٍ إسمها : السيرة الشافعيّة ،


كأنك سابك الفضة أو صانع السبح ، حيث لسان حالكم يقول للعابرين ، بلا مشاركاتٍ:



فالدُّرُّ يَزدادُ حُسْناً وَهْوَ مَنْتَظِمٌ ..... وَليسَ يَنْقُصُ قَدْراً غيرَ مَنْتَظِمِ




و

تحيّة إكبارٍ و توقير لشيخنا الجليل امحمد شعبان



.
__________________
أستغفِرُ الله العظيم وهو التوّاب الرحيم
رد مع اقتباس
  #137  
قديم 04/02/2010, 09h42
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

لا أجد فى مفردات الكلام بحسب خبرتى ما يصلح أن يكون ردا على تلك الكلمات التى صاغها قلمك فى عناية بالغه دون تكلف أو إفراط بل خرجت من القلب إلى قلوبنا جميعا
لكنى ...........
من غير استئذان طبعا ومستغلا صلاحياتى السماعيه

قمت بنسخ هذه الخاطرة الزهدية فى موضوع مستقل
حيث صاغها صائغ الجواهر أعلاه فى رده الأخير حول السيرة الشافعيه
منها نتعلم ويتعلم من لم يتعلم كيف يحاك جلباب الكلمات يدويا كما كان يفعل الترزى العربى وليس آليا كصنع الماكينة العجماء الصماء
الله الله الله يا ابو زهده ..............
............................

__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 19h21
رد مع اقتباس
  #138  
قديم 04/02/2010, 09h42
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

@ وقف الشافعى وخيوط الصباح الأولى تنسج أنوارها الفضية فى سماء مكة بعد أن فرغ من حزم أمتعته القليلة وكتبه الكثيرة ,يعاين بنفسه الجياد والإبل التى ستحمله وأهله وأمتعته إلى مصر ,أخذ يستحث أولاده وامرأته مناديا عليهم ليضعوا حاجياتهم على متن المطايا قائلا .............

ــ هيا أسرعوا تأخرنا على الوالى ,قافلة والى مصر العباس بن موسى تنتظرنا كى نرحل فى صحبتهم ..

كان الخليفة المأمون قد عين واحدا من أبناء عمومته يدعى العباس بن موسى واليا على مصر من قبله ,بعد أن أمر بعزل واليها المطلب بن عبد الله وأوصاه أن يمر على الشافعى فى مكة قبل أن يرحل إلى مصر ليكون فى صحبة قافلته ,ومن حول الشافعى تجمع أخواله وباقى أقاربه وخاصة تلاميذه ومحبيه الذين أبوا أن يدعوه يغادر البلاد قبل أن يودعوه الوداع الأخير ,ظلوا يتوافدون على داره جماعة بعد أخرى , وأخيرا امتطى متن راحلته متقدما قافلته الصغيرة فى رحلة الهجرة من مكة البلد الأمين الطاهر إلى مصر الكنانة والأمن ..

أخذ ينظر عن يمينه إلى سهولها ووديانها وشعابها ويملى ناظريه من مساكنها وسفوحها وجبالها قبل أن يفارقها الفراق الأخير ,أجل إنه على يقين أنه الفراق الأخير . بدأ يردد مرة أخرى بيت الشعر الذى قاله لصاحبه المصرى .......
فوالله ما أدرى أللفوز والغنى .. أساق إليها أم أساق إلى القبر ..

ثم رجع البصر أمامه فى الأفق البعيد فرآه يطوى فى باطنه تاريخ أرض الكنانة البعيد والقريب وما حوت فى أحضانها من كنوز وأسرار ,وما سطرته القرون الماضيات فى سمائها من أحداث . أبصر فى أحضان الفسطاط حاضرة البلاد مسجدها العتيق أو تاج الجوامع كما يسميه المصريون ,أشهدته مخيلته ثمانين من الصحابة العظام تقدموا جيش الفاتحين ,على رأسهم عمرو بن العاص والزبير بن العوام وأبو ذر الغفارى وأبو الدرداء وعباده بن الصامت وسعد بن أبى وقاص ,يعملون معاولهم فى مكان قريب من الفسطاط الذى كان يقيم فيه قائدهم ليقيموا أول مسجد على أرض الكنانه ,تلك الأرض الطيبة التى شاء الله تعالى أن ينشر فيها وعلى أهلها من رحمته بعد طول ظلم ومعاناة على أيدى طغاة بيزنطه ,ويهئ لهم من أمرهم رشدا على أيدى الفاتحين العظام تحت لواء القائد الكبير عمرو بن العاص فى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ..

دخلها عمرو بن العاص كما بشره من قبل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ليخلص أهلها من أقوام طالما ساموهم سوء العذاب وسقوهم كؤوس المذلة والهوان منذ مئات من السنين جيلا بعد جيل من قبل ميلاد المسيح عليه السلام ,حتى دخلها المسلمون وردت مصر لأهلها بعد أن كانت ولاية رومانية ثم بيزنطية منذ انتصار أغسطس قيصر على ملكة البلاد كليوباترا وانتهاء دولة البطالسه فى موقعة أكتيوم قبل ميلاد المسيح بثلاثين عاما ..

وزاد اضطهاد الرومان الوثنيين لأهل مصر لما اعتنقوا المسيحيه ,حتى بعد أن اعتنق الرومان المسيحية بعد حوالى أربعمائة عام تجدد إيذاؤهم واضطهادهم للمصريين لخلاف جدلى بين الكنيسة المصريه فى الإسكندريه والكنيسة الرومانية البيزنطيه فى القسطنطينيه حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام. تعرض رموز المسيحية فى مصر من أساقفة وبطاركة إلى إضطهاد فاق كل اضطهاد . دفع البعض منهم للفرار فى الصحراء هربا من بطش المستعمر وطغيانه ,بهذا صار الطريق ممهدا لفتح مصر على يد العرب ..

تذكر الشافعى ما كان من أمر عمر بن الخطاب الذى كان مشفقا على جيش المسلمين من هذه المعركه لأنه سمع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقول.... "إن مصر كنانة الله فى أرضه وفيها خير أجناد الأرض " . لهذا حاول كثيرا أن يثنى قائده عمرو بن العاص عن هذا الأمر دون جدوى . فلما رأى منه إصرارا وعزما أكيدا قال له ..... سر على بركة الله لكن إذا جاءك كتابا منى وأنت فى الطريق ولم تكن حينذاك فى أرض مصر فلا تدخلها وعد من فورك إلى هنا ,وإن جاءك وأنت داخل أرض مصر فامض على بركة الله ..

كان عمرو بن العاص قد عقد العزم على أن يدخل مصر مهما كلفه ذلك فإنه سمع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وهو يقول ..... "الله الله فى قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا فى سبيل الله" . سار القائد بجيش قوامه أربعة آلاف جندى من قيساريه بفلسطين حتى بلغ العريش ومنها إلى الفرما ثم بلبيس . كان يقضى على كل مقاومة يلقاها من جيوش البيزنطيين الذين كانوا يجثمون على أنفاس المصريين ويسومونهم سوء العذاب . حتى وصل إلى أم دنين شمال حصن بابليون على رأس دلتا النيل والباب المفتوح إلى الإسكندريه عاصمة مصر آنذاك . لقى فيها مقاومة عنيفة إلى أن تم أخيرا فتح الحصن الذى كان يحتمى به الرومان بعد حصار دام أربعة أشهر . إستسلم بعدها المقوقس على أن يدفع أهل مصر الجزية ويظلوا على دينهم وألا يبت فى أمر الرومان المحتلين إلا بعد أن يكتب إلى ملكهم هرقل فى روما ..

دارت المعارك مرة أخرى ضاريه بعد أن رفض هرقل أن يسرى على الرومان ما سرى على المصريين . وواجه عمرو بن العاص مقاومة عنيدة على أبواب الإسكندريه . تلك المدينة التى بهرته ذات يوم بكثرة أهلها ومالها وما فيها من عمارة وبنيان عندما دخلها قبل سنوات فى الجاهلية فى صحبة واحد من الرهبان من أهلها إلتقى به مصادفة فى بيت المقدس ..

أخيرا أمكن للفاتحين أن يفتحوا حصون الإسكندرية المنيعة بعد أن استسلم الرومان وتم إجلاؤهم عن البلاد بعد أن عقدت معاهدة الصلح والهدنة الثانية والأخيره بحامية الإسكندريه ,وفتحت مصر كلها أحضانها للعرب المنقذين لأهلها وفلذات أكبادها من بأس القوم الظالمين ..

لم يمض غير قرن من الزمان على فتح مصر حتى تغلغل الإسلام فى أنحاء البلاد شمالا وجنوبا وانتشرت المساجد والمنابر شيئا فشيئا مع انتشار الإسلام فى ربوعها جنبا إلى جنب الكنائس التى كانت مقامة من قديم وتلك التى تم تشييدها أيضا بعد الفتح الإسلامى . أفتى بجواز ذلك فقهاء مصر وعلى رأسهم فقيهها الأول الليث بن سعد قائلا فى ذلك ........... إن هذا لمن عمارة البلاد وإن عامة الكنائس لم تبن فى مصر إلا فى زمن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ..

لم يعرف أبدا أن المسلمون هدموا كنيسة ليبنوا مسجدا بل ساعدوهم على استرداد الكنائس والأديرة التى كانت بأيدى البيزنطيين . تركت لهم حرية العبادة والإحتفال بكافة الأعياد الدينيه وكانوا يشتركون معهم فى الصلاة من أجل أن يفيض نهر النيل بالماء إذا أصاب البلاد جدب أو قحط لقلة فيضانه ..

بلغ سكان مصر سنة دخول الشافعى إليها حوالى عشرين مليونا من البشر يسكنون ثمانين كورة أو مقاطعه بها أكثر من عشرة آلاف قرية يدير أمورها مصريون من أهلها ,وبدأت قبائل العرب الوافدة هجرة من أنحاء الجزيرة إلى مصر تنتشر فى سائر أنحاء البلاد ويندمج أفرادها مع أقباط مصر فى شتى الأقاليم يصاهرونهم ويتزوجون من نسائهم ,يعملون معهم فى الزراعة وفى شتى الصناعات التى كانت منتشرة فى البلاد آنذاك مثل صناعة المنسوجات والزجاج والخزف والورق والمعادن ,بعد أن كانوا فى سنوات الفتح الأولى قلة لا شغل لها إلا السياسة والحكم والحروب ولا تربطهم بأقباط مصر أية علاقات ولا يشاركونهم فى أعمالهم أو يزاحمونهم فيها ..

بذلك كثر المسلمون فى مصر من العرب ودخل كثير من أهل مصر دين الإسلام فصارت بهذا المزج مجتمعا جديدا يحكمه حاكم عربى مسلم بشريعة الإسلام السمحاء ,وأخذت اللغة العربية تسود فى البلاد شيئا فشيئا مكان اللغتين اليونانية والقبطية التى لم يكن المصريون يعرفون غيرها ,إلى أن صدر فى العام الخامس والثمانين للهجرة أمرا من الأمير عبد الله بن عبد الملك بن مروان باستعمال اللغة العربية فى جميع دواوين البلاد وصارت هى اللغة الرسمية لشعب مصر ..


علـى ضفـاف النيـل

@ ما كاد أبو بكر الحميدى ,تلميذ الشافعى يصل مصر وتطأ قدماه أرض الفسطاط ,حتى أخذ يجد السير بين خططها يسأل عن دار بنى عبد الحكم فى خطة أهل الرايه ,لما لقيه أخبره أن الشافعى فى طريقه إلى مصر وأنه قادم بعد أيام قليلة فى صحبة والى مصر الجديد. على الفور زف عبد الله بن عبد الحكم البشرى إلى أصحابه ولم ينم المصريون فى الفسطاط ليلتهم إلا وقد سرى النبأ العظيم فى أنحاء البلاد وهم يتناقلون فيما بينهم البشرى بقرب وصول عالم قريش محمد بن إدريس إلى بلادهم . علموا أنه سيقيم فى مصر بقية عمره لن يغادرها إلى بلد آخر ..
غمرتهم الفرحة كما غمرتهم من قبل فى القرن الماضى لما جاءتهم السيدة زينب بنت على كرم الله وجهه فى غرة شعبان للسنة الثانية والستين للهجره عقيب مذبحة كربلاء التى فاضت فيها الدماء الطاهرة أنهارا على رمال العراق . لم ينتظر المصريون دخولها مدينة الفسطاط فخرجوا يومها حفاة يستقبلونها عند ميناء بلبيس يتقدمهم والى مصر والفقهاء والقضاة وكبار القوم . كذلك فعلوا مع السيدة نفيسه حفيدة الإمام على لما قدمت إلى مصر كما سبق وحكى ذلك ابن عبد الحكم للشافعى وهو يزوره فى مكة قبل عامين ..
دخل الشافعى أرض مصر ليجد صاحبه عبد الله بن الحكم ومعه كوكبة من فقهاء مصر وشبابها من طلاب العلم ينتظرونه فى الحوف ,خارج حدود الفسطاط بالقرب من مدينة بلبيس على شاطئ خليج أمير المؤمنين ,تلك القناة التى أمر بحفرها عمر بن الخطاب وسميت بإسمه لتصل نهر النيل بالبحر الأحمر حتى تكون خط اتصال بحرى تجرى فيه السفائن بالخيرات بين مصر والحجاز ..
إستأذن الشافعى من والى مصر فى الذهاب مع صاحبه ومن معه ,وقبل أن يفارقه قال له الوالى .......................
ــ يا ابن إدريس ,أمامنا مهام صعبة فى الفترة القادمه ,علمت أن المصريين تمردوا على أمير المؤمنين المأمون وشغبوا على ولدى عبد الله الذى سبقنى إليهم نائبا عنى بعد أن قبض على المطلب بن عبد الله الوالى السابق وحبسه . وبالأمس جاءتنى الأنباء وأنا فى الطريق أن الجند ثاروا على ولدى عبد الله وأخرجوه من الفسطاط وأنهم أيضا أخرجوا واليهم السابق من محبسه وأعادوه واليا عليهم مرة ثانيه ..
ــ وما الذى تنوى فعله يا سيدى الوالى ؟.
ــ والله يا ابن العم لم أقرر بعد ,ليتك تشير على فأنا لا أدرى فى الحقيقة ما فعله ذلك الأحمق ,ليتنى ما جعلته يسبقنى ..
ــ إن أردت الرأى والمشوره على ما علمت منك الآن ,فإنى أنصح لك بعدم دخول الفسطاط هذه الأيام ,لتبق ههنا فى بلبيس بضعة أيام أنت ومن معك ريثما يستطلع رجالك جلية الأمر . نسأل الله العلى القدير أن يكشف الغمة وأن يجنب هذا البلد كل سوء ..
ــ نعم الرأى والمشورة يا ابن إدريس فليس معى من الحراس والجند ما يجعلنى أعيد السيطرة على مقاليد الأمور ,أو يمكننى من تدارك ما حدث وإخماد نيران الفتنه ..
قال ذلك ثم ودعه راجعا لصاحبه المصرى الذى قال له ...........
ــ هيا تعال أنت ومن معك ,دع هذه العير بما عليها من متاع ,سيتكفل رجالنا بأمرها ..
ــ ماذا تعنى هل سنكمل بقية رحلتنا سيرا على الأقدام ؟.
رد عبد الله بن عبد الحكم مداعبا وقد غلبه الضحك ............
ــ إن كان فى مقدورك أن تمشى هيا بنا . إنها مسافة قريبة جدا لا تزيد على مجرد خمسين ميلا فحسب ..
ــ أراك تمزح . كيف الوصول إذن إلى الفسطاط ما دمنا سنترك العير لمن يلحقنا بها من رجالك ؟.
أشار بيده إلى شاطئ خليج أمير المؤمنين قائلا وهو لا يزال على حاله من الضحك ..........
ــ أنظر يا صاحبى وراءك ,ماذا ترى ؟.
إبتسم الشافعى قائلا وهو ينظر سفينة ضخمة تقف بالقرب من الشاطئ ........
ــ تعنى أننا سنكمل رحلتنا فى هذه السفينة عبر مياه الخليج ؟.
ــ أجل ستكملون بقية الرحلة معنا فى هذه السفينه ..
ــ لكنا لم نعتد ركوب البحر من قبل ..
قاطعه ضاحكا .............
ــ لا تخف يا رجل إنها سفينة متينة صنعتها أيد مصرية مدربة فى جزيرة الروضه . كما أنه يقوم على أمرها ملاحون مهره . سوف ترسو بنا إن شاء الله على الشاطئ الشرقى للنيل أمام المسجد العتيق تماما ..
أسلم الشافعى أمره لله ونادى على أهله ثم توجهوا جميعا إلى الشاطئ وركبوا السفية فى حذر تاركين ركائبهم بما عليها من متاع للمصريين يلحقونهم بها . وعلى متن السفينة راح عبد الله بن عبد الحكم يحكى لصاحبه ويحدثه عن أحوال البلاد وما جرى فيها من أحداث فى الأيام الماضيه . عرف منه أن الوالى القادم معه من الحجاز لن يمكنه بالفعل دخول الفسطاط , لغضب المصريين مما فعله ولده عبد الله معهم واشتداده عليهم وظلمه لهم فى الفترة القصيرة التى أنابه فيها أبوه عنه فى مباشرة أمور البلاد ..

يتبع .. إن شاء الله ...........................

__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 19h22
رد مع اقتباس
  #139  
قديم 13/02/2010, 11h52
الصورة الرمزية محمد رمضان ماضي
محمد رمضان ماضي محمد رمضان ماضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:493641
 
تاريخ التسجيل: janvier 2010
الجنسية: فلسطينية
الإقامة: مصر
العمر: 51
المشاركات: 419
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

بسم الله الرحمن الرحيم
أديبنا ودكتورنا الدكتور أنس
إنني علي أحر من الجمر، لترسم ريشتكم نهاية هه الملحمة ،لأطالعها من البداية للنهاية ، فلقد إعتدت القراءة المتواصلة،
فلوحة الفنان الجميلة ترى مكتملة لا مجزئة،
انني أنتظر وكلي شوق،
أدآم الله عليكم الصحة والعافية،والمزيد من الإبداع
تلميذ على باب الأدب
محمد ماضي
رد مع اقتباس
  #140  
قديم 15/02/2010, 17h19
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,297
افتراضي

@ رست السفينة أخيرا فى ميناء الفسطاط بمحاذاة المسجد العتيق , وقعت عين الشافعى على مدينة لم ير مثيلا لها من قبل فى أناقتها وجمالها وبساتينها النضرة ومتنزهاتها الفسيحة . رأى أبنية يرتفع بعضها إلى عدة طوابق ,شاهد أسواقا ومتاجر فخمة مليئة بالبضائع والتحف العجيبة التى صنعتها وركبتها أيد مصرية ورأى شوارعها التى تضيئها القناديل طوال الليل ..
شاهد وهو يسير فى الجهة الشمالية من المسجد العتيق أشهر أسواق الفسطاط ,يسميه المصريون سوق القناديل تصطف على جانبيه العديد من المحال والمتاجر . جلس أمام بعضها عمالا مهرة ينحتون فى خفة أوانى البلور ويصنعون المقابض والأمشاط والأوعية من الصدف وأنياب الفيل . رأى محالا أخرى تصنع النعال من جلود تشبه جلود النمر وآخرون يصنعون الكؤوس والأقداح والأطباق والأوانى من الخزف الشفاف . وحول المسجد العتيق رأى الخطط التى اختطها رؤساء الجند وزعماء العرب الذين شاركوا فى فتح مصر على عادتهم فى تخطيط الأماكن التى ينزلون فيها ..

@ وكما فعل الشافعى فى أول زيارة له فى بغداد لما زار قبر أبا حنيفه إفتتح أول أعماله فى مصر بزيارة قبر الليث بن سعد فقيه مصر الأكبر والترحم عليه والدعاء له . وقف على قبره يقول ............
ــ لله درك يا إمام ,حزت أربع خصال لم يكملن لعالم أبدا .... العلم والعمل والزهد والكرم ..
زار بعد ذلك أخواله الأزد فى الفسطاط وفاء لذكرى أمه الراحلة اقتداء برسول الله "صلى الله عليه وسلم" لما نزل المدينة مهاجرا ونزل أول ما نزل على أخواله بنو النجار . مكث عندهم بضعة أيام تعرف خلالها عليهم وأنس بهم . سمع منهم حكايات كثيرة عن تاريخ القبيلة وتفرقها فى البلاد وجذورها وفروعها فى بلاد الشمال والجنوب . علم من شيخهم أنه كان يعرف ابن عمومتهم جده عبيد الله الأزدى مذ كانا فى سن الصبا وأنه زارهم هنا فى مصر مرات عديده حيث كان دائم السفر إلى مصر والشام والعراق واليمن لأعمال التجاره ..
قال له الشافعى .............
ــ أجل يا خال كم حكى لى فى صباى عن رحلاته تلك . لا زلت أتذكر كلماته لى عن ذكرياته فى البلدان التى نزل فيها ,ومنها مصر ..
بعد بضعة أيام جاءه عبد الله بن عبد الحكم فى موعده الذى اتفق معه أن يأتيه فيه ليصحبه إلى حيث مقامه الذى اتخذه له فى الفسطاط . وحدث ما توقعه ,لقى مقاومة شديدة وتصدى له رجال الأزد وهم عاقدين العزم ألا يغادر خطتهم وأن يبقى معهم . حاول كبيرهم وهو شيخ تخطى السبعين من عمره إقناع الشافعى بالبقاء بينهم قائلا له متوسلا .......
ــ إبق معنا يا ولدى فأنت هنا بين أهلك وعشيرتك ترعاك عيوننا وتحيطك مهجنا وتكن فى منعة وأمن بيننا ..
ــ يا كبير الأزد إنى قد عقدت العزم إن شاء الله أن أعيش هنا بقية أيام عمرى وأمامى أعمال كثيرة ورسالة لم أفرغ منها بعد .
ــ سنوفر لك ولمن معك كل ما تحتاجه لراحتك وعملك ..
ــ لابد لى من دار أعيش فيها وحدى فإن ذلك أفرغ لى ولقلبى ..
لم تفلح كل هذه المحاولات وغيرها فى إثناء الشافعى عن عزمه على أن تكون له دار يسكنها وحده مع أسرته . شكره الشافعى وقد غلبه التأثر من فيض المحبة والود الذى لقيه عند أخواله . أخذ يشد على يديه على وعد أن يزورهم بين الحين والحين . ثم ذهب أخيرا مع صاحبه ليبقى فى ضيافته أياما أخرى قبل أن ينتقل ومعه أسرته إلى الدار التى أعدت لإقامته فى منطقة القرشيين بالقرب من المسجد العتيق ,ليستأنف عملا متواصلا دؤوبا لا يصرفه عنه صارف أو يوقفه عن آداء رسالته إلا تلبيته نداء ربه ..

تـاج الجـوامـع

@ إنتشرت المساجد فى شتى أرجاء مصر بعد الفتح الإسلامى وأدخلت تعديلات وتوسعات كثيرة ومتعاقبة على المسجد الذى أسسه عمرو بن العاص الذى أطلق عليه أيامها مسجد أهل الرايه ,لتوسطه خطط أهل الرايه من القبائل التى شاركت فى الفتح الإسلامى للبلاد . ومع مرور الأيام وتقادم العهد أسماه المصريون تاج الجوامع تمييزا له عن بقية جوامع مصر . أتى الشافعى المسجد العتيق بصحبة عبد الله بن عبد الحكم . وقعت عيناه وهو يدلف داخله من زقاق الكحل من الجانب الشمالى الشرقى من باب عرف باسم باب الكحل ,على أقدم منبر عرف فى تاريخ الإسلام بعد منبر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" والذى عرف باسم منشئه قرة بن شريك الذى أعاد بناء الجامع من جديد ..
وقف فى صفوف المصلين وأدى أول صلاة له فيه ,صلاة الفجر خلف أبو رجب العلاء بن عاصم إمام المسجد ومتولى القصص فيه . بعد أن انتهت الصلاة أثنى الشافعى عليه وشد على يده قائلا .............
ــ بارك الله فيك يا أبا رجب هكذا تكون الصلاة . ما صليت خلف أحد صلاة أتم ولا أحسن من صلاتك هذه ..
وأبو رجب هو الذى يقوم علاوة على إمامة المصلين بقراءة القرآن للناس من المصحف ويتولى وعظهم وإرشادهم وتذكيرهم بأخبار الأمم السالفة وأيام الناس . ثم يختم وعظه بالدعاء لأمير المؤمنين وأعوانه بالنصر والفلاح والدعاء على أعدائه وأعداء الإسلام بالهلاك والتبار ..
هم الشافعى بالقيام فمال عليه عبد الله بن عبد الحكم قائلا بصوت خفيض ...........
ــ ألن تجلس إلى الناس يا أبا عبد الله . لك أيام مذ وصلت إلى مصر وأنت لا تزال معتكفا فى دارك والناس جميعا هنا سمعوا بمقدمك . إنهم جميعا عطشى إلى علومك مشتاقون إلى الجلوس إليك ..
ــ لا أجد ما أقوله لك يا صديقى العزيز . الحمد لله على كل حال ..
ــ آه . هى ضراء مستك ؟.
ــ لا أخفى عليك سرا أيها الصديق الحبيب ,إنى أجد حرجا فى الجلوس إلى الناس وأنا على تلك الحاله ..
ــ لا بأس عليك يا أبا عبد الله ,مم تشكو ؟.
ــ ما أجده فى ظهرى من آلام اشتدت على وزادت فى أعقاب تلك الرحلة الطويلة حتى أنها أقعدتنى عن الحركة أياما . المهم أين أتخذ مجلسى ؟.
ــ سيكون مجلسك بإذن الله تعالى هناك ,(وأشار بيده) فى هذا الركن المعروف بزاوية الخشابيه ,سيكون مجلسك العامر فيه إن شاء الله ,تبث للناس ما تجود به عليهم من علوم القرآن والحديث والسنة واللغة والشعر والعروض ..
ــ وفى أى وقت من أوقات النهار أجلس إلى الناس ؟.
ــ فى أى وقت تشاء ..
رد الشافعى متعجبا ..............
ــ كيف ذلك ... ألا تتخذون فى مصر أوقاتا معينة للعمل ,وأوقاتا تفرغون منها من أعمالكم ؟.
ــ ماذا تقول يا صاحبى . إننا هنا نؤدى أعمالنا كيفما اتفق لنا فى الصباح أو بعد الظهيرة وربما أحيانا فى الليل ..
ــ حتى فى دواويين الحكم ؟.
ــ أجل ,حتى فى دواويين الحكم . أى غرابة فى هذا ؟.
ــ إن هذا لمما لا يجوز فعله . كما أن للناس عليك حقا فإن لأهل بيتك عليك حقا ولبدنك عليك حقا ..
ــ ما الذى تراه أنت إذن ؟.
ــ أرى أن يبدأ الواحد منا عمله بعد أن يفرغ من صلاة الصبح وينتهى منه فى الظهيره . ثم إنه لكل علم من هذه العلوم طلابه فلو رأيت أن نقسم وقت النهار بينهم لكان أفضل لهم ولنا وأدعى للفائده ..
ــ ليكن درس القرآن لأهله إذن فاتحة الدروس عقيب صلاة الصبح ,فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل مذاكرة الحديث والسنة . فإذا ارتفعت الشمس استوت الحلقة للرد على أسئلة أصحاب المسائل والفتاوى . وعند ارتفاع الضحى تختمها بدروس اللغة والشعر والعروض لأهل اللغه . فإذا انتصف النهار انصرفت إلى دارك فما رأيك ؟.
ــ على بركة الله أحسنت الترتيب يا صاحبى . هكذا كان يفعل فقيه الأمه عبد الله بن عباس فى مكه ..
ــ هيا بنا إذن ؟.
قال الشافعى وهو يهم بالقيام ..........
ــ لنبدأ فى الغد إن شاء الله ..
ــ وفيم الإنتظار للغد ؟.
ــ أود أن أذهب أولا ,بل الآن إلى دار بنت العم ,فإنى لم أسلم عليها بعد ,هيا بنا إلى دارها ..
ــ من ؟. آآآآآه السيدة نفيسه ؟.
ــ أجل أسلم عليها وأسمع منها ما حدثت به من أحاديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأسألها خالص الدعاء . إنى لأظنها إن شاء الله من أولئك الذين آتاهم الله رحمة من عنده وعلمهم من لدنه علما ..
ــ صدقت فى ظنك يا صاحبى ,إنها سيدة جليلة القدر مقبولة الدعاء . خذنى معك فإن لى أياما لم أشرف بالسلام عليها والجلوس فى حضرتها ..
فى الطريق أخذ يحكى له جانبا من كراماتها التى أجراها الله تعالى على يديها فى مصر وتناقلها المصريون قال ...............
ــ فى العام الماضى توقف نهر النيل عن الفيضان وانتظرنا أياما طويلة أن يفيض بالماء كعادته كل عام دون جدوى . هرع الناس إليها يسألونها الدعاء فلبت وألحت فى الدعاء لربها . ثم أعطت للناس قناعها وطلبت إليهم أن يطرحوه فى النهر . فما غربت شمس هذا اليوم حتى زخر النيل بمائه وزاد زيادة عظيمة لم نعهدها فيه من قبل ..
وصلا أخيرا إلى باب دارها توقف الشافعى برهة قبل أن يطرق الباب وهو يقول فى أدب وخشوع مشيرا بيده ....................
يا أهل بيت رسول الله حبكم .. فرض من الله فى القرآن أنزله ..
يكفيكم من عظيم القدر أنكم .. من لم يصلى عليكم لا صلاة له ..

@ بدأ الشافعى فى مصر عملا دؤوبا مليئا بالكفاح والنشاط ومضت أيامه زاهرة بالعلم زاخرة بالأحداث غنية بالاستنباط وتخريج الأحكام والتصنيف . إتبع نظاما ثابتا لا يحيد عنه وهو يجلس إلى طلاب علومه فى المسجد العتيق فى الزاوية التى صارت مع الأيام تعرف بإسمه . كان الناس فى البداية يقولون لبعضهم ........... هيا بنا إلى زاوية الخشابيه نستمع إلى هذا الشيخ القرشى الجالس هناك . ثم صاروا مع مرور الأيام وتعاقبها يقولون لبعضهم ............ هيا بنا إلى زاوية الشافعى ..
جلس الشافعى بعد صلاة الصبح وقد بدا شيخا طويلا أسمر البشرة رقيقها معتدل القامة خفيف العارضين له لحية حمراء قانية يخضبها بالحناء . لابسا ثوبه الرقيق من الكتان والقطن البغدادى . بداخله نفس صفت من أدران الدنيا وشوائبها وعقل حاضر البديهة عميق الفكرة بعيد الغوص . لا يكتفى بالقشور وظواهر الأمور بل يغوص إلى الأعماق ويتعدى القشر إلى اللب حتى يصل إلى الحق كاملا فيما يراه . لا ينغلق عليه أمر وإن آثر السكوت أحيانا عن الرد ورعا وهيبة . مع كل هذا يقول لتلاميذه فى تواضع العلماء العاملين ...........
ــ إذا ذكرت لكم أدلة فلم تقبلها عقولكم ,فلا تقبلوها ،فإن العقل مضطر إلى قبول الحق ..
ومع تدقيقه فى البحث والتحرى ,كان يحتاط من الوقوع فى الزلل فيقول لمن يتلقى عنه ............
ــ كل مسألة تكلمت فيها وصح الخبر فيها عن النبى "صلى الله عليه وسلم" عند أهل النقل بخلاف ما قلت ,فأنا راجع عنها فى حياتى وبعد موتى .... حديث النبى أولى ولا تقلدونى ..
جلس ومن حوله جمع كبير من الناس جاءوا إليه عطشى إلى رشفة من مورده العذب . منهم جماعة من الشباب فى أعمار متقاربة لا يفارقونه أبدا كظله يتحركون بحركته ويسكنون بسكونه ...الربيع الجيزى والربيع المرادى وهو مؤذن المسجد العتيق وحرملة بن يحي وإسماعيل المزنى وأبو يعقوب يوسف البويطى ويونس بن عبد الأعلى ,بينما أصغرهم سنا فتى فى السابعة عشر من عمره إسمه محمد ,إبن صاحبه عبد الله بن عبد الحكم .... أوصاه أبوه سرا وقال له ..........
ــ أوصيك يا بنى أن تلزم حلقة الشافعى ....لا تفارقه ..
كان الولد فى عجب من أمر أبيه صاحب الشافعى وصديق عمره .... قال ........
ــ كيف يا أبت أترك مجلسا أتعلم فيه منك ومن شيخنا أشهب بن عبد العزيز فقه إمام دار الهجره مالك بن أنس . إلى مجلس آخر لا علم لنا بصاحبه ؟.
ــ إسمع منى يا ولدى ....إنك لو جاوزت هذا البلد وتكلمت فى مسألة فقلت فيها قال أشهب فسيقولون لك ومن أشهب ؟. إلزم الشافعى يا ولدى تنل خيرا كثيرا بإذن الله تعالى ..
لم يسلم الأب من معاتبة أصحابه من المتعصبين لإمام دار الهجرة فى ذلك وهم يقولون له ...........
ــ يا أبا محمد ..... إنا نرى ولدك محمدا إنقطع إلى هذا الرجل المكى وتردد إليه تاركا حلقتنا راغبا عن مذهب أصحابنا ..
لكنه كان يرد عليهم ملاطفا ليحد من حنقهم ...........
ــ هو حدث ويحب النظر فى اختلاف أقاويل الناس ومعرفة ذلك ..
كان هؤلاء الحواريين يسبقونه إلى الحلقة متخذين أماكنهم من حوله لا يقومون منها إلا بعد أن يقوم من مكانه . كل واحد منهم يعيره سمعه بينما يتابعون بعيونهم ما تخطه أيديهم من كلام الشيخ أولا بأول فى قراطيس أمامهم لا يكاد يتفلت من ريشة أحدهم حرف واحد منه ..
قال الشافعى لأهل القرآن بصوته العذب كأنه قيثارة تداعب أوتارها الآذان بجرسها وتأسر النفوس برقتها ..............
ــ الحمد لله بما هو أهله وكما ينبغى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأن محمدا عبده ورسوله المفضل على جميع خلقه بفتح رحمته وختم نبوته . المرفوع ذكره مع ذكره فى الأولى والشافع المشفع فى الأخرى وبعد : يقول الله جل ثناؤه " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " . وقال " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم . فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول " ..
ــ من هم أولو الأمر ؟.
ــ قال بعض أهل العلم : " أولوا الأمر " هم أمراء سرايا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" والله أعلم لأن من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة . كانت تأنف أن تعطى بعضها بعضا طاعة الإماره فلما دانت لرسول الله "صلى الله عليه وسلم" بالطاعه لم تكن ترى ذلك يصلح لغيره "صلى الله عليه وسلم" . لذلك أمروا أن يطيعوا أولى الأمر الذين أمرهم رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لا طاعة مطلقة بل طاعة مستثنى فيها لهم وعليهم . ثم قال تعالى " فإن تنازعتم فى شئ " يعنى والله أعلم هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم . " فردوه إلى الله والرسول " يعنى والله أعلم إلى ما قال الله والرسول إن عرفتموه فإن لم تعرفوه سألتم الرسول عنه إذا وصلتم إليه ومن وصل منكم إليه . لأن ذلك الفرض الذى لا منازعة لكم فيه لقول الله عز وجل " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " ..
ــ وماذا يفعل المسلمون من أمثالنا بعد انقضاء أجـل رسـول الله "صلى الله عليه وسلم" ؟.
ــ من تنازع من بعد رسول الله رد الأمر إلى قضاء الله ثم قضاء رسوله "صلى الله عليه وسلم" . فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصا ردوه قياسا على أحدهما ..

ويظل الشافعى رائحا غاديا مع أهل القرآن سائحا فى معانى آيات الكتاب ودقائقها وما تشير إليه من أحكام . يحلق بهم فى أجوائه العطره وهم مرهفون السمع إليه لا يتحركون من أماكنهم حتى يأذن لهم فيجيئه أهل الحديث والمشتغلين بالسنة وأخبارها ليقول لهم ..............


ــ المحدثين من أهل العلم وضعوا موضع الأمانة ونصبوا أعلاما للدين وكانوا عالمين بما ألزمهم الله من الصدق فى كل أمر والحديث فى الحلال والحرام أعلى الأمور وأبعدها من أن يكون فيه موضع ظنه . فمن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه . كما يكون من أكثر الغلط فى الشهادات لم تقبل شهادته . وأقبل الحديث : حدثنى فلان عن فلان إذا لم يكن مدلسا ولا أقبل فى الشهادة إلا : سمعت أو رأيت أو أشهدنى . وأقبل فى الحديث الرجل الواحد والمرأه ولا أقبل واحدا منهما فى الشهادات وحده ..
ــ وما الحجة فى قبول خبر الواحد ؟.
ــ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" " نضر الله عبدا سمع مقالتى فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " . فلما ندب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظها وآدائها امرأ يؤديها والأمر واحد دل على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه إلا بما تقوم به الحجه على من أدى إليه . لأنه إنما يؤدى عنه حلال وحرام يجتنب وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ونصيحة فى دين ودنيا . نعود لما كنا نتحدث فيه قبل سؤال السائل ..
تمر لحظات صمت يلتقط فيها الشيخ أنفاسه وقد جف حلقه قبل أن يواصل كلامه قائلا بعد أن أفرغ فى جوفه قليلا من الماء من آنية وضعوها إلى جـواره .........
ــ وتختلف الأحاديث فنأخذ ببعضها استدلالا بكتاب الله أو سنة أو إجماع أو قياس وهذا لا يؤخذ به فى الشهادات . وأحيانا تترك اللفظة من الحديث فتحيل معناه أو ينطق بها بغير لفظ المحدث فتحيل معناه والناطق بها غير عامد لإحالة الحديث . فإذا كان الذى يحمل الحديث يجهل هذا المعنى وكان غير عاقل للحديث لم يقبل حديثه إذا كان ممن لا يؤدى الحديث بحروفه . وكان يلتمس تأديته على معانيه غير عاقل للمعنى . ولا يجوز لأحد أن يختصر حديثا فيأتى ببعضه ويترك بعضه وإنما يحدث بالحديث كما روى بألفاظه ..
سأله يونس بن عبد الأعلى .............
ــ حدثنا يا إمام بحديث صحيح ؟.
ــ حدثنا مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عتبه عن زيد بن خالد الجهنى قال : صلى بنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" صلاة الصبح بالحديبيه فى إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال " هل تدرون ماذا قال ربكم ؟. " قالوا الله ورسوله أعلم قال " أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر . فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى وكافر بالكوكب . وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بى مؤمن بالكوكب " . ورسول الله "صلى الله عليه وسلم" عربى اللسان يحتمل قوله هذا معانى . وإنما مطر بين ظهرانى قوم مشركين لأن هذا فى غزوة الحديبيه . فأرى معنى قوله "صلى الله عليه وسلم" والله أعلم أن من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله عز وجل لأنه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطى إلا الله . أما من قال : مطرنا بنوء كذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" . لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا ولا يمطر ولا يصنع شيئا ..
قاطعه أحد الجالسين قائلا وقد أدركه الخوف ................
ــ يا إمام نحن نقول شيئا كهذا ولكنا لا نعنى ذلك الذى قصده الكفار . أيكون قائله داخل فيمن أخبر عنهم رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ؟.
ــ ماذا تعنون إذاً ؟.
ــ يقول بعضنا من سكان شمال البلاد أو شرقها ممن يعيشون على شواطئ البحار . مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا فى نوء وقت كذا كما يقول الواحد منا مثلا مطرنا فى شهر كذا ..
ــ هذا ليس كفرا لكن غيره من الكلام أحب إلى من هذا القول . يقول مثلا مطرنا فى وقت كذا أو يقول كما كان يقول بعض أصحاب النبى "صلى الله عليه وسلم" إذا أصبح وقد مطر الناس قال : مطرنا بنوء الفتح ثم يقرأ قوله تعالى " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها " . وقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال يوم جمعه وهو على المنبر : كم بقى من نوء الثريا ؟. فقام العباس فقال : لم يبق منه شئ إلا العوا . فدعا عمر ودعا الناس فمطر مطرا أحيا الناس منه . هذا القول من عمر يبين لكم ما وصفت لأنه إنما أراد بقوله : كم بقى من وقت الثريا ؟. لمعرفتهم بأن الله تعالى قدر الأمطار فى أوقات فيما جربوا كما علموا أنه قدر الحر والبرد فيما جربوا من أوقات ………………
ويقوم جماعة الحديث بعد أن يطفئوا غلتهم ويأخذوا زادهم ويأتى فى أعقابهم أصحاب المسائل والفتاوى . يجلسون ويسألون ويحاورون والشيخ يجيب كل واحد على مسألته وتدور بينه وبينهم أسئلة وحوارات كهذه ..............
ــ هل معنى قول النبى "صلى الله عليه وسلم" " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " . يستغنى به ؟.
ــ لا ليس هذا معناه . فلو أراد النبى "صلى الله عليه وسلم" الإستغناء به لقال : يتغانى أو قال يستغن ..
ــ ما معنى الحديث إذاَ ؟.
ــ يتغنى من الغناء فالمعنى على ذلك أن يقرأ القرآن حدرا وتحزينا وأن يحسن صوته عند تلاوته ..
سأله يونس بن عبد الأعلى : يا إمام هل فى القرآن الكريم ذكر للصلوات الخمس المفروضة علينا فى اليوم والليله ..
ــ نعم أما قرأت قوله تعالى فى سورة الروم " فسبحان الله حين تمسون " هذه صلاة المغرب والعشاء . " وحين تصبحون " صلاة الصبح . " وله الحمد فى السموات والأرض وعشيا " أى صلاة العصر . " وحين تظهرون " صلاة الظهر تلك هى الصلوات الخمس مـن كتاب الله تعالـى ..
سأله أبو يعقوب يوسف البويطى : ما هو المعـروف فـى قـول الله تعالـى " ولهـن مثل الذى عليهن بالمعروف " ؟.
ــ جماع المعروف إعفاء صاحب الحق من المؤنة فى طلبه وآداؤه إليه بطيب نفس لا بضرورته إلى طلبه . ولا تأديته بإظهار الكراهية فى تأديته وأيهما ترك فظلم بين ..
وتتوالى أسئلة الحاضرين فيسأله الربيع الجيزى : هل سجود التلاوة فرض . ومن لم يسجد هل عليه قضاء ؟.
ــ سجود القرآن ليس بحتم ولكنا لا نحب أن يترك لأن النبى "صلى الله عليه وسلم" سجد فى سورة النجم مرة وترك أخرى وليس على تاركه قضاؤه لأنه ليس بفرض ..
ــ ما الدليل على أنه ليس بفرض ؟.
ــ السجود صلاه وقد قال الله تعالى : "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" . فكان الموقوت يحتمل موقوتا بالعدد وموقوتا بالوقت . فأبان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أن الله جل ثناؤه فرض خمس صلوات فسأله رجل : يا رسول الله هل على غيرها ؟. قال : لا إلا أن تطوع . فلما كان سجود القرآن خارجا من الصلوات المكتوبات كان سنة اختيار من تركه ترك فضلا لا فرضا ..
ــ أيكون هذا هو أيضا حكم من نوى أن يصوم يوما تطوعا ثـم أفطـر ؟.
ــ أجل لا قضاء عليه هو الآخر ..
ــ لكنا سمعنا من يفتى بغير ذلك وحجته قول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" للسيدة عائشه والسيدة حفصه رضى الله عنهما : "صوما يوما مكانه" لما أصبحتا صائمتين فأهدى لهما شئ فأفطرتا ..
ــ ما تقوله صحيح وبعض الناس جادلنى فيه وبنى حجته على هذا الحديث المرسل لابن شهاب ومراسيله ومراسيل أقرانه بل من هم أسن منه ليست حجه والكلام فى هذا يطول بنا لو استقصيته معكم ..
حانت منه التفاتة قبل أن يهم بالقيام إلى الفتى محمد ابن صديقه عبد الله بن عبد الحكم فابتدره مبتسما : ماذا يا ابن عبد الحكم ألمح تساؤلا على وجهك ؟.
ــ لقد أثقلنا عليك يا سيدى وأكثرنا السؤال ..
ــ سل يا ولدى فالنهار لم ينتصف بعد ..
ــ ليتك تحدثنا عن رفع الأيدى فى الصلاه ؟.
ــ يرفع المصلى يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع . وإذا رفع رأسه من الركوع عند قوله سمع الله لمن حمده رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك فى السجود ..
ــ فما الحجة فى ذلك ؟.
ــ حدثنا ابن عيينه عن الزهرى عن سالم عن أبيه عن النبى "صلى الله عليه وسلم" مثل قولنا ..
ــ فإنا نقول : يرفع يديه فى الإبتداء حين يفتتح الصلاه ثم لا يعود لرفعهما ..
ــ أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبى "صلى الله عليه وسلم" كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه . وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وكذلك فعل ابن عمر . فكيف تخالفون رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وابن عمر وتقولون لا يرفع يديه إلا فى ابتداء الصلاة وقد رويتم عنهما أنهما رفعا فى الإبتداء وعند الرفع من الركوع ؟. أفيجوز لعالم أن يترك على النبى وابن عمر لرأى نفسه ؟. أو على النبى "صلى الله عليه وسلم" لرأى ابن عمر ؟. ثم القياس على رأى ابن عمر ؟. ثم يأتى موضع آخر يصيب فيه فيترك على ابن عمر لما روى عن النبى "صلى الله عليه وسلم" فكيف لم ينهه بعض هذا عن بعض ؟.
ــ فإن أتباعه يحتجون بقوله : وما معنى رفع اليدين عند الركوع ؟.
ــ هذه الحجة منهم فى غاية الجهاله لأن معنى رفع اليدين عند الركوع مثل رفعهما عند الإفتتاح . تعظيما لله تعالى وسنة متبعة يرجى فيها ثواب الله . ومثل رفع اليدين على الصفا والمروة وغيرهما ..
ــ فإذا انتهى الإمام من قراءة الفاتحه هل يرفع صوته بأمين ؟.
ــ نعم ويرفع بها من خلفه أصواتهم ..
ــ ما الحجة فيما قلت على هذا ؟.
ــ ما أورده مالك بإسناده عن أبى هريره أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال : "إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" . وفى هذا القول دلالة على أنه أمر الإمام أن يجهر بآمين لأن من خلفه لا يعرف وقت تأمينه إلا بأن يسمع تأمينه ..
ــ فإنا نكره للإمام أن يرفع صوته بآمين ..
ــ هذا خلاف ما روى صاحبنا وصاحبكم (مالك) عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" . كذلك روى وائل بن حجر أن النبى "صلى الله عليه وسلم" كان يقول آمين يجهر بها صوته ويحكى مطه إياها . وكان أبو هريرة يقول للإمام لا تسبقنى بآمين . وكذلك أخبرنا شيخنا ومفتى مكه مسلم بن خالد الزنجى أن عطاء كان يسمع الأئمة يقولون آمين ومن خلفهم يقولونها حتى أن للمسجد للجه ………………

@ وذات مرة وكان ذلك فى شهر رمضان والشافعى راجع من صلاة القيام . حيث اعتاد أن يصليها إماما فى مسجد أقامته السيدة نفيسة فى دارها . وبينما هو فى حديثه مع الناس إذ دخل المسجد فتى أعرابيا بيده رقعة ,كان يبدو فى عجلة من أمره . أخذ يتخطى رقاب الناس حتى صار أمام الشافعى ,ناوله الرقعة ثم وقف مكانه منتظرا ..


قرأها وابتسم ابتسامة خفيفة وهو يأمر بالدواة والريشة وأخذ يكتب كلاما على ذات الرقعه . طواها وأعطاها له دون أن يتبادلا معا كلمة واحده والجالسون فى عجب من أمر هذا الفتى الأعرابى لا علم لهم بمسألته أو بجواب الشيخ له . لم يخرجهم من حيرتهم ودهشتهم إلا عودة الشافعى لسابق حديثه . غير أن الربيع المرادى مؤذن المسجد العتيق وأكثر تلاميذ الشافعى فضولا وأشدهم حرصا على جمع كل أقواله لا يكاد يفارقه إلا إلى داره حريصا على قضاء مصالحه . لم يطق صبرا فتسلل فى خفة خلف الفتى الأعرابى ..
لحظه الشافعى بركن عينه فلم يجد بدا من الإبتسام من فضول المؤذن . على بعد خطوات من المسجد أدركه الربيع فاستوقفه مناديا عليه وسأله ...........
ــ نشدتك بالله يا أخا الإسلام أن ترينى رد الشيخ على مسألتك ؟.
أعطاه الأعرابى الرقعة على مضض منه بعد ان استحلفه بالله . أخذ الربيع يقرأ غير مصدق ما تراه عيناه . طوى الرقعة وعاد إلى مجلس الشيخ وهو يتمتم فى سره ..............
ــ ما هذا الكلام العجيب المكتوب فى تلك الرقعه ؟. كيف يفتى الشيخ لفتى فى مقتبل العمر بمثل هذه الفتوى ..
إتخذ مكانه وفى نفسه شئ حتى إذا انتهى الدرس ناداه الشافعى وقال له ........
ــ انتظر يا ابن سليمان سنمضى سويا ..
بعد أن خرجا سويا من باب المسجد ابتدره الشافعى قائلا ليرفع عنه الحرج وهو يدرك تماما ما يتلجلج فى صدره ولا ينطق به لسانه ...............
ــ إيه يا ربيع لم لا تتكلم ؟. لعله وقع فى خاطرك سوء ظن من جهتى أليس كذلك ؟.
ــ معاذ الله يا سيدى الإمام إنما أنا فى عجب مما قرأت فى رقعة هذا الفتى الأعرابى ..
إبتسم الشافعى متسائلا ............
ــ أصدقنى القول أنت فى عجب من سؤال الفتى أم من الإجابه ؟.
أجاب الربيع بن سليمان على استحياء ناظرا بعينيه إلى الأرض متحاشيا أن تقع عينه على شيخه وقد ذهب عنه بعض الروع وإن لم يفارقه ..........
ــ من كليهما ..
ــ لم لم تسأل الفتى الأعرابى عن أمره ؟.
ــ حاولت أن أسأله إلا أنه تولى عنى غاضبا ..
ضحك الشافعى قائلا ............
ــ لأنك اطلعت على أمر أراد أن يكون سرا بينى وبينه . هذا الشاب الهاشمى يا أبا حامد قد تزوج فى هذا الشهر وهو كما رأيت حدث السن فكتب فى رقعته .... سل المفتى المكى هل فى تزاور .. وضمة مشتاق الفؤاد جناح . فأدركت أنه يسأل هل عليه جناح أن يقبل أو يضم من غير وطء ؟. فأجبته بما علمت وأنكرته أنت على ..
ــ أجل يا سيدى الإمام لقد كتبت له .... أقول معاذ الله أن يذهب التقى .. تلاصق أكباد بهن جراح . بارك الله فيك يا سيدى ومعذرة لقلة فهمى . والله ما رأيت أحدا فى مثل حكمتك وفراستك ………………

@ ويأتي أهل اللغة والشعر والعروض فيحكى لهم الشافعى طرفا من نوادره وحكاياته ونتفا من أشعاره فى المواعظ والحكم ,وهم فى دهشة من فصاحة لسانه وعذوبة نظمه وإلقائه وهو ينشدهم :


لقد أسمع القـول الذى كان كلما .. تذكرنيه النفس قلبى يصدع ..
فأبدى لمـن أبداه منـى بشاشة .. كأنـى مسرور بـما منه أسمع ..
وما ذاك من عجب به غير أننى .. أرى ترك بعض الشر للشر أقطع ..
قال أبو يعقوب البويطى أكثر تلاميذه زهدا وورعا وأرجحهم عقلا وأدناهم منه مجلسا .............
ــ قد قلت فى الحكم يا شيخنا ,فهل لك فى الغزل ؟.
ــ يا كاحل العين بعد النوم بالسهر.. ما كان كحلك بالمنعوت بالبصر ..
لو أن عينى إليك الدهر ناظرة .. جاءت وفاتى ولم أشبع من النظر ..
سقيا لدهر مضى ما كان أطيبه .. لولا التفـرق والتنغيص بالسفر ..
إن الرسول الذى يأتى بلا عدة .. مثل السحاب الذى يأتى بلا مطر ..

خـلاف مالـك


@ فى تلك الأثناء أنجبت دنانير ولدها أبو الحسن بعد أن صار لهم فى مصر حولين من الزمان . جاءوا له بمرضعة من صعيد مصر إسمها "فوز" تتولى أموره . مضت الأيام تترى والشافعى ينشر آراءه وفتاويه من زاويته بالمسجد العتيق تماما كما كان يفعل فى حلقته فى البيت العتيق تحت الميزاب وتلاميذه المخلصون يكتبون كل حرف يقع فى أسماعهم , حتى صارت لدى كل منهم ذخيرة هائلة من الفتاوى والآراء والمسائل فى شتى أمور الدين , لكن بقى مؤذن المسجد العتيق "الربيع المرادى" أكثرهم إخلاصا للشافعى وأخذا منه وخدمة له . كان ينجز له كثيرا من مصالحه ويشترى له حاجيات بيته .

عاتبه الشافعى باسما ذات مرة , لما جاءه بورقة دون فيها ثمن ما اشتراه من السوق ..............

ــ ما هذا الذى كتبت . ضيعت قراطيسك باطلا ,إنى لا أنظر فى حساب لك يا ابن سليمان ..

ــ معذرة أيها الشيخ الجليل إن أم أبى الحسن ربما طلبت الشئ ولم تأذن لى أنت فيه ؟.

رد الشافعى مازحا ومداعبا ...........

ــ يا طويل الرقاد , أنت فى حل مـن مالى كله ..

فإذا ما خرج عن الدرس لحاجة مهمة أعاد عليه الشافعى ما فاته سماعه قائلا له ...........

ــ أكتب يا ربيع فأنت راويتى . ما أحبك إلى قلبى . والله لو أمكننى أن أطعمك العلم لأطعمتك ..

وكثيرا ما كان يطلب إليه وإلى الفتى الحبيب إلى قلبه "محمد" إبن صديقه عبد الله بن عبد الحكم أن يأتيا إليه فى داره ويقول لهما مرغبا ...........


ــ سوف أنتظركما ولن أتغدى حتى تأتيا . عندى جارية ماهرة فى صنع الطعام وتحسن عمل أصناف الحلوى التى تشتهونها ..

وكان فى المقابل لا يرد دعوتهما له إذا طلب إليه أحدهما أن يذهب معه لحفل عرس فى الفسطاط ولا يستنكف من إظهار سروره والتبسط مع القوم . وفى تلك المجالس لا ينكر عليهم ما يفعلونه من لهو برئ وضرب على الدف فى هذه المناسبات بل يشاركهم فرحتهم قائلا لمن يلمح على وجهه استنكارا لذلك منه وهو الشيخ الوقور ...........

ــ يا هذا لا تعجب . الوقار فى النزهة سخف ………………

وذات مرة حدث أنه لما تزوج الربيع المرادى ,سأله الشافعى .........

ــ كم أصدقتها ؟.

ــ ثلاثين دينارا ..

ــ كم أعطيتها من الثلاثين ؟.

ــ ستة دنانير ..

ما انتهى من إجابته حتى دخل الشافعى داره وعاد إليه قائلا وهو يمسك صرة فى يده ...............

ــ خذ يا ربيع تلك أربعة وعشرون دينارا . هيا أدً ما تبقى عليك من صداق امرأتك ..


كم من مرات كثيرة يستنهض همة تلاميذه بعد أن تعلموا منه الكثير وأخذوا عنه علوما جمه . كان يشيع روح المنافسة بينهم ويعد الواحد منهم بدينار أو أكثر إن أجاب إجابة صحيحة على سؤاله . أما ولده محمد أبو عثمان فإنه كان لا يفارقه فى مجلس العلم يظل معه الساعات الطوال وأبيه جالس يملى على تلاميذه كأنه يسابق الزمن رغم ما كان به من علة البواسير . حتى أن تلاميذه أحضروا له ذات مرة طبيبا مصريا لما رأوا من ضيق صدره وشدة المرض عليه وتحامله على نفسه . قال له الطبيب ناصحا بعد أن ركب له الدواء .............
ــ يا أبا عبد الله أنصحك ألا تطيل الجلوس وأن ترفق بنفسك ,فلا تحملها بعد فوق ما تحتمل . إعلم أن هذا الدواء وحده لا يكفى ..
لكن هيهات ,إنه يشعر ببصيرته وتفاقم علته أن أيامه فى الدنيا باتت قليله وأنه لن يعمر تحت سمائها طويلا . لم يكن أمامه بد من أن يعيش فى سباق مع أيامه الباقيه حتى يكمل رسالته التى لم يأن لها أن تكتمل بعد . لهذا كان يستمد قوته وعافيته من نبع آخر لا يوجد فى عقاقير الأطباء أو نصائحهم . كان إذا اشتد عليه المرض وأجهده السقم يقول لتلميذه محمد بن عبد الله بن الحكم ..........
ــ إذهب يا ولدى إلى بنت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" السيدة نفيسه . قل لها إن ابن عمك الشافعى ما منعه من زيارتك منذ أيام إلا المرض ويسألك الدعاء ..
وفور عودته من عندها يقول لشيخه .............
ــ السيدة نفيسه تقرئك السلام وقد دعت لك بالشفاء والعافيه ..
ــ علمت يا ابن عبد الحكم وأنت فى الطريق إلى ,فإنى عوفيت والحمد لله ..
وكان من عادة الشافعى أن يمر على دارها وهو فى طريقه إلى المسجد العتيق بالفسطاط وأيضا فى غير ذلك من الأوقات . وفى تلك الواحة الوارفة الظلال حيث تقيم يجلس إليها يتدارس معها العلم ويسمع منها الأحاديث النبوية الشريفه ولا ينسى فى كل مرة قبل أن يخرج من عندها أن يسألها الدعاء ..
لم تكن تلك العلة هى الشئ الوحيد الذى ينغص عليه حياته ويكدر صفو لياليه لكن أبت الأقدار رغم معاناته مع المرض وتقلباته أن تتركه ينعم بالدعة والسكينة والأمن الذى شعر به منذ وطأت أقدامه تراب مصر ثم على امتداد عامين ارتوى خلالهما من ماء نيلها العذب . أخذت الأمور تتفاقم بينه وبين بعض المتعصبين لآراء إمام المدينه مالك بن أنس الذين ظنوا لضيق أفقهم وضحالة أفهامهم أنهم بأفعالهم الحمقاء وتهجمهم واجترائهم على الشافعى أكثر غيرة على شيخهم وأشد ولاء وأنهم أكثر محبة ووفاء له من سواه ..
لم يعلموا لقصر نظرهم أن الشافعى باحث أمين عن الحقيقة المجردة التى لا مجال فيها للمحاباة أو المداراة حتى لو كانت مع شيخه الحبيب إلى قلبه . الذى كان يقول دائما إذا سئل عنه .............
ــ إذا ذكر العلماء فمالك هو النجم وهو الأثر ..

وقصة هذه الخلافات التى ظلت تحتدم وتتفاقم حتى وصلت إلى المواجهة والصدام بدأت منذ بدأ الشافعى يلقى دروسه على الناس ويجاهر غير هياب ببعض الآراء والفتاوى . تصور بعض المتعصبين ذوى الأفق الضيق أنه يقصد من ورائها تعمد هدم ما تعلموه فى الزاوية المالكيه وما انتهجوه على يد شيوخهم من فقه إمام دار الهجره مالك بن أنس . وانفجر بركان الحقد والغل يوم أن خرج الشافعى على الناس بكتاب كتبه بعد أيام من وصوله إلى مصر وظل حبيسا لا يرى النور حولا كاملا إلى أن جاءه بعض الناس من طلاب العلم قائلين له ................

ــ كنا بالأمس نتحاور فى مسألة مع واحد من أولئك الذين يجلسون فى زاوية المالكيه عند الشيخ أشهب بن عبد العزيز فاختلفنا حول مسألة من المسائل فقلت له : قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وتلوت عليه الحديث الذى يؤيد رأيى ....


سأله الشافعى ....

ــ ماذا فعل ؟.

رد على غاضبا ...... إمامنا مالك قال كذا وتلا على حديثا آخر . فما كان منى إلا أن فارقته دون أن أتم الحوار معه ..

ــ حسنا فعلت يا رجل . أما هؤلاء فإنهم بلهاء حمقى مبتدعون يتصورون أنهم بحماقاتهم تلك وتعصبهم يوقرون شيخهم . بينما هم فى الحقيقة يسيئون إليه ويضعون من قدره ..


ظل الشافعى طوال الطريق وهو راجع إلى داره بعد هذا اللقاء يقلب فى رأسه ما سمعه لتوه . كان فى حيرة من أمره إزاء هذه النازلة وتلك الفتنة التى تطل برأسها على الناس . إنها نازلة التعصب البغيض وفتنة الفرقة والخلاف والجدل وهو يشعر أن عليه واجبا تجاه الدين والعلم ويحمل على كاهله أمانة وواجبا عليه آداؤه لأمة الإسلام والمسلمين . ما كادت قدماه تلمسان عتبة الدار حتى كان القرار النهائى مستقرا فى رأسـه ..


بدأ من حينه فى تدوين هذا الكتاب الذى أسماه “ خلاف مالك “ . ظل ليال طوال عاكفا عليه يثبت فيه المسائل التى يختلف فيها مع شيخه إلى أن أتمه أخيرا ثم طواه ووضعه فى خزانة عنده . ظل الكتاب حبيسا عن أعين الناس لا يطلع أحدا عليه حولا كاملا . ما فعل ذلك إلا تأدبا مع أستاذه الراحل وحياء وهيبة منه ووفاء لذكراه منتظرا أن يأتيه أمر من ربه أو يشرح صدره لنشره على الناس . حتى كان يوم جاءه فى داره وكان معتكفا منذ أيام تلميذه الدؤوب "الربيع المرادى" . إستأذن فى الدخول ولدى جلوسه سأله بعد أن تبادلا عبارات الترحيب والسلام ...........


ــ كيف أصبحت يا إمام ؟.

ــ أصبحت ضعيفا يا أبا حامد ..

ــ قوى الله ضعفك يا شيخنا ..

ــ أجاب الله قلبك ولا أجاب لفظك يا ربيع ..

ــ ماذا تعنى يا سيدى ؟.

إبتسم الشافعى قائلا ...........

ــ إن قوى الله على ضعفى قتلنى يا رجل ..

نظرا إليه متسائلا فأجابه الشيخ قبل أن يسأل ...........

ــ قل قواك الله على ضعفك ..

ــ لا تؤاخذنى يا شيخنا والله ما أردت إلا خيرا وما قصدت إلا الدعاء لك ..

إبتسم الشافعى مرة ثانية وهو يقول ..........

ــ لا أكذبك يا بنى . والله لو شتمتنى صراحا لعلمت أنك لم ترد . المهم ماذا وراءك يا أبا حامد ؟.

ــ بالأمس جمعنى لقاء مع الجيزى والبويطى وابن عبد الأعلى فى دارى بعد صلاة العشاء . أخذنا الحديث والنقاش فى أمور كثيره حتى اختلط علينا الأمر فى بعض القضايا ولم نستطع بيان الحقيقة فيها . وبعد أن ذهب كل واحد إلى داره أخذت أفكر وحدى فيما قلناه وأعيد النظر فيه . شعرت أن الحقيقة لا تزال تائهه فعزمت بينى وبين نفسى أن آتى إليك لتجلى لنا حقيقة الأمر ؟.

ــ لم أفهم بعد ماذا تقصد تحديدا وإن كنت أدركت من كلامك أنك ربما تعنى تلك الأمور التى كنتم تعملون بها وجئتكم أنا بخلافها . أليس كذلك ؟.

ــ بلى يا إمام ..

ــ إذن سل يا مؤذن المسجد العتيق ما بدا لك ..

ــ بأى شئ تثبت الخبر عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فإنا نسمع أحاديث يخالف بعضها بعضا ؟.

ــ آه سؤال مهم وبداية طيبة منك . كتبت رأيى فى تلك القضية المهمة مؤيدا بالحجة فى كتاب أسميته جماع العلم وفصلت الكلام فيها فى كتاب آخر لم أخرج به بعد على الناس ..

ــ ليتك تروى ظمأى بشئ منه الآن ..

ــ إسمع يا أبا حامد إذا حدث الثقة عن الثقة حتى ينتهى إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فهو ثابت عنه "صلى الله عليه وسلم" . ولا تترك لرسول الله حديثا أبدا إلا حديثا وجد عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حديث يخالفه ..

ــ تلك هى القضية التى شغلتنى ماذا أفعل إذا اختلفت الأحاديث ؟.

ــ إذا اختلفت الأحاديث عنه فالإختلاف فيه وجهان ,أحدهما أن يكون بها ناسخ ومنسوخ فنعمل بالناسخ ونترك المنسوخ ..

ــ فإذا لم يكن لدينا دليل على أيها الناسخ وأيها المنسوخ ؟.

ــ لا تتعجل يا ابن سليمان ,هذا هو الوجه الآخر . إذا اختلف حديثان ولا دلالة على أيها الناسخ نذهب إلى أثبت الروايتين . فإن تكافأتا ذهبت إلى أشبه الحديثين بكتاب الله وسنة نبيه فيما سوى ما اختلف فيه الحديثان من سنته . فإذا كان الحديث عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لا مخالف له عنه وكان يروى عمن دون رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حديث يوافقه لم يزده قوة وحديث النبى "صلى الله عليه وسلم" مستغن بنفسه . وإن كان يروى عمن دون رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حديث يخالفه لم ألتفت إلى ما خالفه . وحديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أولى أن يؤخذ به ..

ــ هل يذهب صاحبنا هذا المذهب ؟.

ــ تقصد شيخنا مالك بن أنس إمام دار الهجره ؟.

ــ أجل ..

ــ نعم ذهب هذا المذهب فى بعض العلم وتركه فى بعض لقول واحد من الصحابة أو لقول بعض التابعين أو لرأى نفسه . ثم يقول فى بعض ما ذهب إليه من المختلف فيه : الأمر المجتمع عليه عندنا ولا يجوز ادعاء الإجماع بالمدينه أو فى غيرها . وفى قول الذى ادعى فيه الإجماع اختلاف . ولا يجوز القول أيضا بأن الناس اجتمعوا على شئ إلا إذا التقى أهل العلم وأقروا بما اجتمع عليه الناس . أو يقولوا فى أقل القول لا نعلم من أهل العلم مخالفا فيما قلتم اجتمع الناس عليه . أما أن تقولوا اجتمع الناس وأهل المدينة معكم يقولون ما اجتمع الناس على ما زعمتم أنهم اجتمعوا عليه فأمران أسأتم النظر بهما لأنفسكم وعندى أمثلة كثيرة تدلك على صحة ما أقول ..

ــ هل تفصلها لنا يا سيدى حتى نزداد تفقها فى أمور ديننا ؟.

ــ سأوردها للناس وأعرفهم بجلية الأمر فى حينه حتى ينتبهوا قبل رين الغفلة إن شاء الله ..

ــ ليتك تنير بصيرتى وتجلى لى هذا الغموض الآن ولو بمثال واحد يا سيدى ؟.

ــ سأضرب لك مثالا الآن بسجود القرآن . ماذا تقولون فيه ؟.

ــ نقول اجتمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة سجده ليس فى المفصل ( السور التى آياتها قليله ) منها شئ ..

ــ وهذا قول مالك أليس كذلك ؟.

ــ بلى ..

ــ أى الناس أجمع على أن لا سجود فى المفصل وقد روى هو عن النبى "صلى الله عليه وسلم" أنه سجد فى "إذا السماء انشقت" . وأن أبا هريرة وهو من الصحابه سجد فيها وأن عمر بن عبد العزيز وهو من التابعين أمر القراء أن يسجدوا فيها . أليس هو نفسه عمر بن عبد العزيز الذى تجعلون قوله فى مسألة اليمين أصلا من أصول العلم مع أنه يخالف فيها سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ثم تجدونه يأمر بالسجود فى هذه السورة ومعه سنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ورأى أبى هريرة . فتتركونه ولم تسموا أحدا خالف هذا وتزعمون أن الناس اجتمعوا أن لا سجود فى المفصل . يا ليت شعرى من هؤلاء المجتمعون الذين لا يسمون فإنا لا نعرفهم ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ..

ــ الحقيقة يا سيدى أنى سمعت نفرا ممن يجلسون إلى شيوخ الزاوية المالكيه مثل أشهب بن عبد العزيز والقاضى عيسى بن المنكدر . يثرثرون بكلام فهمت منه أنهم يعترضون على بعض الآراء لك ويقولون إنك تخالف ما هم عليه وما تعلموه على يد شيوخهم ..

ــ يريدون المناظرة إذاَ . لا بأس فليس أحب إلينا من إظهار الحق وبيانه حتى لو كلفنا ذلك ما لا نطيق ..

صمت برهة ثم أردف قائلا بعد أن مد يده إلى خزانة كتبه وأخرج كتابا منها .....

ــ أتدرى ما هذا الكتاب يا أبا حامد ؟. إنه الكتاب الذى حدثتك عنه فى بداية اللقاء . دونت فيه مسائل الخلاف بينى وبين أستاذى ومعلمى مالك بن أنس . كتبته كما كتبت قبل ذلك المسائل التى اختلف فيها فقهاء العراق ..

ــ متى كتبته ؟.

ــ فى العام الماضى ..

أخذته الدهشة قائلا ........

ــ يااااه حول كامل ولا تخرج به علينا ؟.

ــ أجل ترددت كثيرا فى إظهار ما فيه على الملأ . ليس خوفا من تلك القلة القليلة من بعض الحمقى الذين يسيئون للشيخ بتعصبهم الأعمى ورعونتهم . بل أدبا وحياء من الشيخ أن أظهر خلافه ؟.

ــ لكن آن الأوان إذن لإظهاره على الملأ يا سيدى ..

ــ لا لن أخرج به على الناس الآن يا أبا حامد . أخشى أن أتجاوز بهذا الفعل واجبى نحو شيخى ومعلمى وأكره أن أفعل ذلك قبل أن أستخير ربى أولا والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ..


@ لم تكد تمض أيام على هذا اللقاء حتى خرج الشافعى بكتابه على الناس بعد أن استخار ربه واطمأنت نفسه إلى أن حق العلم وأمانته أولى من حق العلماء والشيوخ . كان يهاب شيخه حتى وهو فى عالمه الآخر وذكرياته معه لا تزال حاضرة فى قلبه تلح عليه كلما جاءت مناسبة له أو حديثا عنه . قال غير مرة لتلاميذه وأصحابه
ــ ما هبت أحدا قط هيبتى من مالك ..
لكن ما الحيله وهو يعلم أن أستاذه فى نهاية الأمر بشر يجتهد رأيه فيخطئ ويصيب ككل البشر . وله مع ذلك أجرا إذا أخطأ وأجران إذا أصاب . أخرج الشافعى من عباءته علوما ما سمع بها أهل مصر من قبل غيرت كثيرا من مفاهيمهم حول أركان الإسلام مثل الصلاة والزكاة والحج وما يتعلق بها من فروع وتفصيلات . أيضا ما يتعلق بسائر التكاليف والتشريعات والأقضيه ..
ظل أياما على هذا المنوال يتحامل على نفسه ذاهبا كل يوم إلى زاويته يطعم الناس علومه ويرشدهم إلى الصواب فى أمور دينهم . حتى غلبه المرض وأقعده فلم يجد مناصا من البقاء فى داره رغما عنه لا يستطيع حراكا . وبعد أيام بدأت الآلام ترتحل عنه شيئا فشيئا وأخذ يستعيد بعضا من قواه التى افتقدها أياما طويلة مرت عليه كأنها دهر من الزمان ..
فى تلك الأثناء زاره صديق عمره عبد الله بن عبد الحكم ومعه ولده محمد . كان الشافعى يكن لهذا الفتى مودة خاصة ويحبه كأحد أبنائه . حتى أنه تحامل على نفسه وهو لا يزال عليلا قبل أيام وذهب ليعوده لما علم بمرضه فلما رآه راقدا فى فراشه يكابد مشقة المرض حزن فى نفسه عليه حزنا شديدا ورجع إلى داره مهموما كاسف البال . مضت أيام قلائل وجاء الولد برفقة أبيه بعد أن عوفى من مرضه ليعود أستاذه وشيخه . رآهما الشافعى وهما لدى الباب فهب من فراشه وهو يشعر بالعافية تسرى إلى بدنه قائلا
ــ أهلا ومرحبا بالأحباب ..
هرع إليه صديقه ليعيده إلى فراشه وهو مشفق عليه فقال له الشافعى
ــ دعنى أيها الصديق والصاحب لقد برئت لتوى من علتى لرؤية ولدى محمد بعد أن عافاه الله وصرف عنه ما كان فيه ..
ثم أنشد مرتجلا :
مرض الحبيب فعدته .. فمرضت من حذرى عليه ..
وأتى الحبيب يعودنى .. فبرئت مـن نظـرى إليه ..
@ وذات يوم تهيأ للخروج من داره قاصدا زاويته فى مسجد الفسطاط العتيق بعد أن أقعده المرض أياما . نادى على ولده الذى صار له من العمر عشرون عاما كاملة يتعجله للذهاب معه كعادته مذ جاء إلى مصر وبالذات فى الأيام الأخيرة لما اشتد المرض عليه وأنهك قواه لم يعد قادرا على الخروج وحده دون مساعدة ولده . كان يتخذه تكأة يستند على كتفيه فى الطريق ..
ــ هيا بنا يا أبا عثمان لقد تأخر بنا الوقت يا ولدى ..
جاءه صوته ملبيا من داخل الدار ولم يلبث أن خرج عليه مسرعا وهو يحكم رداءه حول خاصرته . وقبل أن يأخذ بيد أبيه ليخطو به خارج الدار توقف الشافعى مكانه وهو يحملق فى وجهه الذى بدا مهموما كئيبا على غير عادته ثم قال له
ــ مالك يا أبا عثمان أراك مهموما حزينا . و تبدو عليك آثار السهد والأرق . مالك يا ولدى , صارح أباك ؟.
قال ذلك بعد أن استدار جالسا وأشار لولده أن يجلس إلى جواره فى ردهة الدار ليحكى له عما أهمه وأرق جفونه . قال متلعثما بعد أن ظل يراوغ ويتعلل بعلل واهية :
ــ الحقيقة يا أبت أنى سمعت بالأمس كلاما عليك أثار ضيقى وحنقى وعز على أنى لم أقتص من قائله بل عففت لسانى من الرد عليه ..
تبسم الشافعى قائلا فى هدوء وسكينه
ــ ما هى الحكاية يا أبا عثمان ؟.
ــ كنت بالأمس أسير فى سوق القناديل فمررت على جماعة يجلسون أمام أحد الدكاكين متحلقين حول شيخ الزاوية المالكيه ..
ــ من فيهم ؟. آه ,فهمت. لعله أشهب بن عبد العزيز ؟.
ــ أجل يا أبت ..
ــ إيه .عجيب أمر هذا الشيخ . ما أخرجت مصر أفقه منه لولا طيش ورعونة فيه . المهم أكمل يا ولدى ..
ــ لما رآنى رفع صوته وقال كأنه يحدث من حوله ليسمعنى …………
ــ أتحسبون هذا الحجازى المدعو محمد بن إدريس فقيه حقيقة ؟. إنه ليس بفقيه البته كما يدعى ويروج له أصحابه . إنه يتخبط فى أقواله ويتطاول على شيخه ومعلمه ثم يدعى ويقول مداريا : ما أحدا أمن على من مالك بن أنس . كيف يدعى ذلك الإفك فى ذات الوقت الذى ينشر على الملأ كتابه الذى ملأه بأباطيله وافتراءاته على معلمه ؟……………
ضحك الشافعى قائلا ...
ــ أهذا ما أحزنك يا ولدى وأغمك وأرقك ؟.
قال ذلك ثم ربت على كتفيه قائلا ...
ــ يا ولدى
إنى نشأت وحسادى ذوو عدد .. رب المعارج لا تفنى لهم عددا ..
رد ولده فى الحال معقبا وقد بدا ضيق الصدر رغما عنه ...
ــ تدعوا الله يا أبت لحسادك والحاقدين عليك أن يبقيهم ويزيدهم عددا ؟.
إتسعت ابتسامة الأب قائلا ...
ــ ولم لا أفعل يا أبا عثمان ؟. كل ذى نعمة محسود . يا ولدى دعائى لهم بالبقاء والزيادة هو دعاء منى إلى الله تعالى أن يبقى على ما أولانى من نعم وأن يزيدنى منها . ألم يأمر النبى "صلى الله عليه وسلم" أن يطلب الزيادة فى العلم لما قال له “ وقل رب زدنى علما “ هل أمره بالزيادة من شئ آخر بخلاف العلم ؟.
هز الإبن رأسه ساكتا دون أن يعقب فأردف الأب ...
ــ ما دمت تعلم هذا فلم الحزن والغضب ؟.
ــ يا أبت هذا الذى قاله لم يحزننى وإن أساءنى وأغضبنى . إنما الذى أحزننى هو ما سمعته منه بعد ذلك ..
ــ ماذا سمعت منه يا ابن الشافعى ؟.
ــ بعد أن فرغ من شتائمه وإهاناته رفع يديه للسماء وأخذ يدعو عليك قائلا ... اللهم أمت الشافعى ولا تجعل له مقاما بيننا وإلا ذهب علم مالك ..
رد الشافعى مبتسما وهو يتهيأ للقيام من مجلسه استعدادا للخروج :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت .. فتلك سبيل لسـت فيها بأوحد ..
وقد علموا لو ينفع العلم عندهم .. لئن مت ما الداعى على مخلد ..
هات ذراعك يا أبا عثمان لأتكئ عليها وهيا بنا إلى الدرس لقد مضت أيام لم أخرج فيها إلى الناس . سنعرج فى البداية على دار السيدة نفيسه نسلم عليها ونسألها الدعاء قبل أن نمضى إلى مسجد أهل الرايه أو تاج المساجد كما يسميه المصريون . هيا يا ولدى وإياك أن تلتفت مرة أخرى لمثل هذا الصغار أو تشغلنك أمثال تلك الترهات عن علومك ودروسك ..

@ بلغت سمعة الشافعى أطراف البلاد فى الشمال والجنوب فكانت ترد عليه وفود القبائل من صعيد مصر وشمالها يحكمونه فى قضاياهم ,وتأتيه الرسائل منهم يستفتونه فى أمور دينهم آخذين منه حكم الشرع فيما يشكل عليهم من قضاياه . جاءه ذات مرة جماعة من صعيد مصر يسألونه عن قول الله عز وجل : "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" قال لهم ...

ــ لما حجب قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا . وهو دليل على أن أولياءه يرونه يوم القيامه ..
سأله كبيرهم وقد تهللت أساريره من إجابة الشيخ ...........
ــ هل تدين بهذا يا سيدنا ؟.
ــ والله لو لم يوقن ابن إدريس أنه يرى ربه فى المعاد لما عبده فى الدنيا ..
وفى ذات مرة جاءه رجل , سأله الشافعى عن حاجته فقال له .............
ــ مسألة فى الميراث ..
ــ هات مسألتك ..
أعطاه رقعة مكتوبا فيها :
رجل مات وخلف رجلا .. ابن عم ابن أخى عم أبيه
أجابه الشافعى فى الحال مرتجلا :
صار مال المتوفى كاملا .. باحتمال القول لا مرية فيه ..
للذى خبرت عنـه أنه .. ابن عم ابـن أخى عم أبيه ..
وكان مجلسه لا يخلو من طرف ودعابات تفرضها أسئلة البعض من الظرفاء . كانوا يعرفون عن الشافعى موهبته فى الشعر وسرعة بديهته فى الرد . من هذه المرات أتاه أحد المصريين يقول :
ماذا تقول هداك الله فى رجل .. أمسى يحب عجوزا بنت تسعين ؟.
إبتسم الشافعى قائلا :
نبكى عليه فقد حق البكاء له .. حب العجوز بترك الخرد العين ..
@ وجاء أحد الناس إلى مجلسه ذات مرة وسأله ..........
ــ أى الأعمال عند الله أفضل ؟.
ــ ما لا يقبل عمل إلا به ..
ــ وما ذاك ؟.
ــ الإيمان بالله الذى لا إله إلا هو أعلى الأعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظا ..
ــ سمعنا أنك تقول أن الإيمان قول وعمل وأنه يزيد وينقص ؟.
تفرس الشافعى فيه برهة وقد لاحظ تململ أصحابه منه لمعرفتهم به وبنهجه الشاذ وأفكاره الضاله ثم سأله .........
ــ وما تقول أنت فيه ؟.
ــ أقول أن الإيمان قول يكفى فيه الإقرار باللسان والتصديق بالقلب أما الأعمال فإنها شرائعه ..
ــ ما اسمك يا رجل ؟.
ــ إسمى حفص الفرد ..
رد الشافعى فى لهجة ساخرة لاتخلو من حدة واستنكار ..............
ــ بل حفص المنفرد . علمت ساعة وقعت عينى عليك أنك من أهل الأهواء وأصحاب البدع أولئك القائلين بخلق القرآن . أفى هذا الذى تدعون إليه كتاب ناطق وفرض مفترض وسنة قائمه وواجب على الناس البحث فيه ؟.
ــ لا . إلا أنه لا يسعنا خلافه ..
ــ قد أقررت على نفسك الخطأ أين أنت من الكلام فى الأخـبار والفقه ؟.
رد فى لهجة مستفزة وهو يكتم ضيقه وتبرمه ..........
ــ دعنا من هذا وأخبرنى أنت عن الإيمان ؟.
ــ الإيمان عمل لله والقول بعض ذلك العمل ..
ــ صف لى ذلك حتى أفهمه ؟.
ــ إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات منها التام المنتهى والناقص البين نقصانه والراجح الزائد رجحانه ..
ــ ما الدليل على ذلك ؟.
ــ إن الله فرض الإيمان على جوارح بنى آدم فقسمه فيها وفرقه عليها . ليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى . فمنها أمير جوارحه وسيدهم قلبه الذى يعقل به ويفهم ويفقه وعيناه وأذناه ويداه ورجلاه وفرجه ولسانه ورأسه . وسمى الله تعالى الطهور والصلوات إيمانا فى كتابه فى قوله تعالى مبشرا المسلمين أنه يقبل صلاتهم التى صلوها إلى بيت المقدس قبل تغيير القبله : “ وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيـم “ . فمن لقى الله حافظا لصلواته وجوارحه لقيه مستكمل الإيمان . ومن كان لشئ منها تاركا لقى الله ناقص الإيمان ..
ــ هذا عن إتمام الإيمان ونقصانه فما الدليل على أنه يزيد ؟.
ــ قول الله جل ذكره : "وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا . فأما اللذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون . وأما الذين فى قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافـرون" ولو كان هذا الإيمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة لم يكن لأحد فيه فضل واستوى الناس وبطل التفضيل . لكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنه وبالزيادة فيه تفاضلوا بالدرجات عند الله وبالنقصان من الإيمان دخل المفرطون النار . كل امرئ على درجة سبقه لا ينقصه الله حقه ولا يقدم مسبوق على سابق ولا مفضول على فاضل . ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه للحق آخر هذه الأمة بأولها ..
@ ولم يكن الشافعى يستنكف أو يجد حرجا فى إعلان آراء وأحكام فى مصر تخالف ما كان يقول به قبل ذلك فى الحجاز والعراق . لم يتمسك برأى أو يتعصب لفتوى ,بل غير كثيرا من آرائه وفتاواه السابقه . من ذلك أن شيخا طاعنا فى السن سأله ذات مرة ............
ــ يا إمام إنى رجل بلغت من العمر أرذله وأجد مشقة كبيرة فى صوم شهر رمضان . هل لمثلى أن يفطر ؟.
ــ الشيخ الذى تلحق به مشقة شديدة إذا صام وأن يجهده الجهد غير المحتمل . وكذلك المريض الذى لا يرجى برؤه لا صوم عليهما أبدا لقوله تعالى ‘‘ وما جعل عليكم فى الدين من حرج ‘‘ ..
ــ وهل على فدية إذا أفطرت ؟.
ــ كنت أقول من قبل وأنا بالحجاز أنه لا فدية عليهما لأنه سقط عنهما فرض الصوم كالصبى والمجنون تماما وهو قول مكحول وربيعة ومالك وأبا ثور . لكن ثبتت لدى أدلة أقوى تجعلنى الآن أقول بوجوب الفديه وهى مدٌ من طعام لكل يوم برا أو تمرا أو شعيرا أو غيرها من أقوات البلد . به قال طاوس وسعيد بن جبير والثورى والأوزاعى وذلك لقول ابن عباس رضى الله عنهما : "من أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان فعليه لكل يوم مد من قمح" . وقال ابن عمر رضى الله عنهما : "إذا ضعف عن الصوم أطعم عن كل يوم مدا" . وروى أن أنس بن مالك رضى الله عنه ضعف عن الصوم عاما قبل وفاته فأفطر وأطعم ..
فتح الموضوع شهية جماعة العلم للسؤال والحوار . تنحنح الفتى محمد بن عبد الحكم قائلا .............
ــ ما الحكم إذن فيمن فاته الصوم أو غيره من نذر أو كفارة لعذر وأمكنه القضاء ثم أدركه الموت قبل أن يقضى ما عليه . هل يصح قيام وليه بقضاء ما عليه أم تجب الفدية فى تركته أم لا شئ عليه ؟.
ــ من فاته لعذر شئ من صيام رمضان أو نذر أو كفارة فمات على حالته التى هو فيها كالسفر أو المرض قبل إمكان القضاء فلا تدارك له بفدية أو قضاء ولا إثم عليه . لأنه فرض لم يتمكن من فعله إلى الموت فسقط حكمه كالحج مثلا . أما سؤالك الذى تسأل عنه فهو حكم من فاته شئ من ذلك بعذر أو بغيره فمات قبل القضاء عليه وبعد التمكن منه أليس كذلك ؟.
ــ بلى يا سيدى الإمام ..
ــ كنت أقول من قبل فى هذا أن الوالى بالخيار إن شاء صام عنه وإن شاء أخرج عنه من تركته لكل يوم مد طعام وتبرأ ذمة الميت بأيهما فعل . إستنادا إلى حديث ورد فى ذلك عن السيدة عائشه وعبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما . لكن تبين لى بعد البحث أنهما لم يعملا به ووجدت رأيا آخر لابن عمر وابن عباس وعائشه وبه قال شيوخنا مالك وأبى حنيفه وغيرهم أنه من فاته الصوم فمات قبل القضاء وبعد التمكن فإنه يجب فى تركته لكل يوم مد من طعام ولا يصح لوليه أن يصوم عنه ..


يتبع .. إن شاء الله ...........................
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 07/06/2011 الساعة 18h12
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 16h15.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd