أخي الكريم الأستاذ كروان
عفوا على المداخلة حيث أنك وجهت السؤال لإخوة زملاء مختصين... و أود مداخلة بسيطة لو سمحت في هذا الموضوع الذي تكرمت به و الذي لا يمكن فهمه و حتى الرد على أسئلتك دون أن نرجع للتاريخ...
فمن ناحية التاريخ و باختصار لا وجود لموسيقى آلية عربية مستقلة... و بروز و نمو الأغنية و إشكالها من قدم التاريخ العربي كان أولا و قبل كل شيء ينطلق بداية من الكلمة الشعرية و الكلمة الغنائية... حتى اللحن كان بسيطا لغاية ما اتخذوا العرب معظم مقاماتهم من الفرس و الأتراك ... ما عدا مقام الحجاز المجمع على أصله أنه عربي
فبالتالي كانت الأغنية العربية تعتمد أولا و احتكارا تقريبا على الشعر و الكلمة و مهمة الموسيقى كانت محدودة للمصاحبة الهامشية للأغنية.... فما بالك من افتقار الآلات الموسيقية و الموسيقى بحد ذاتها و صغر الفرق الموسيقية؟
هذا لغاية مرحلة الأندلسيين الذي بادروا بإخضاع الكلمة الشعرية لمتطلبات الغناء... لمتطلبات المغنى المختلف هن الإلقاء الشعري... فتطور الشعر و برز في تلك الفترة نوعا آخر من الشعر يختلف عن القصيدة الشعرية التي تتميز بوحدة العروض و القافية و برز الموشح بلاماته الكلامية و اختصار نصه و اختلاف عروضه و قافيته رغم اختصار نصه
عفت المجتمعات العربية في المراحل العباسية و العثمانية نمو آلة العود و آلة القانون... كانت مرحلة مهمة لتطور الآلات الموسيقية لكن هذا لا يعني أن الموسيقى أخذت استقلالية... لكن تطورت المصاحبة الموسيقية للأغنية....
أما التأليف الموسيقي بمفهومه العام فلم يأت إلا مع الأتراك الذين أدخلوا السماعيات و اللنجات و البشارف خاصة و التحميلات ... و اعتمد العرب هذه القوالب الموسيقية فاتخذوها توجيها و أساليب.... و لكن بقيت جميع هذه القوالب تؤدي مهام في إطار الوصلة الغنائية أو في داخل العرض
فكانت لهذه القوالب الموسيقية الآلية دور في العرض الغنائي حيث عزف السماعي يؤدي مهمة استهلال الحفل و الاقتتاحيته... أما لاالبشرف و اللنجة كانا يؤديان مهام بين الوصلة و الأخرى أو الفصل ضمن الوصلة .... أما الدولاب فكان يختصر إلى جملة موسيقية واحدة قصيرة ليستهل المطرب الغناء.... هذا لغاية العشرينات أو الثلاثينيات من القرن العشرين
و يحكي عبد الوهاب عم مرحلته الأولى في مذكراته أنه جاءت له فكرة التحرر من الدولاب الموسيقي المستهل للأغنية... و واصل التفكير فأصر أن يجب أن تكون لافتتاحية موسيقية لكل أغنية... يعني افتتاحية خصيصة للأغنية
إلى يومنا هذا... و ما عدا تجارب هامشية في الموسيقى الآلية المستقلة و في التأليف الموسيقي.... لا وجود لفن من هذا النوع عند المجتمعات العربية...
و ما يلاحظ أن في القرن العشرين أم ما يبدو تطور موسيقي كبير فهو في الحقيقة تطور نغمي للأغنية و ليس تطور موسيقي بمفهومه الحقيقي...
ما حث في القرن ال20 هو وعي أكبر بالنغمة.... باللحن... لكن لأغراض المغني... و لهذا شهد هذا القرن ظهور هذا لعمل فني يفصل أو يفرز بين التلحين و الآداء... فكبرت أهمية الملحن و اختص بعض المطربين في هذا النوع من النشاط الفني... و تفرغ أمثال زكريا أحمد و رياض السنباطي في التلحين
و تفرغ أمثال محمد عبد المطلب و عبد الغني السيد و أم كلثوم في الغناء و لو أنهم قدموا محاولات في التلحين ...
و بالتالي شيء فشيء تعلم و اعتاد المستمع العربي أن يهتم بما يغني الفنان بعدما كان يهتم أساسا بما يقوله طيلة قرون
أما الموسيقى فبالرغم من بروز و ظهور اهتمام أكبر بالنغمة و التلحين فإنها بقيت على أداء مهام المصاحبة .... لغاية ما تساءل محمد عبد الوهاب عن الموسيقى في افتتاحيات أفلامه... ففكر في تأليف موسيقى آلية لهذا الغرض عوض عن وضع سماعيات تركية... و قدم أولى محاولاته الموسيقية في فلمه "دموع الحب" و رحب الجمهور بالفكرة... و واصل التجربة بمؤلفات... فكرة... نشوتي.... لغة الجيثار.... فانتازيا نهاوند... الخ... في افتتاحيات أفلامه التالية... ثم انشغل بوضع بعض المقاطع تتخلل فواصل أفلامه... ثم مع ترحيب الجمهور فكر في مقاطع موسيقية دون أقلام....
و بالتوازي مع هذا شهدت مرحلة الأربعينات ظهور أغاني إذاعية مطولة بافتتاحيات موسيقية مطولة أمثال الجندول (1940) الكرنك (1941)... كليوباترا... حياتي إنت ما ليش غريك... لمحمد عبد الوهاب إلى ثم أتت بعدها أنشودة الفن... الحبيب المجهول (46-47)... عاشق الروح (49) .... أما السنباطي فاتخذ هذا الأسلوب باغنية فجر (1941) التي تتخل افتتاحيتها الموسيقية بتقاسيم على العود و أغنية ليه يا بنفسج (1945) لصالح عبد الحي التي تتضمن افتتاحية موسيقية مطولة على أساليب قديمة من خانات سماعية و بشارف و تقاسيم على العود و الكمان و أغنية يا لعينيك لأسمهان و اغنية يا نجمة في سماك التي غناها بصوته... إلى جانب ما قدمه فريد الأطرش في 46 مع أغنية حبيب العمر و افتتاحيتها الموسيقية المترجمة للأغنية
بالتوازي مع هذا بدأت المصاحبة الموسيقية تشهدمنذ الثلاثينات نموا ملحوظ مع إدخال بعض الآلات أمثال الكمان منذ نهاية القرن ال19 فآلات أخرى غربية كما هو معروف عن إظافات عبد الوهاب و بالتوازي بدأت تتدعم الفرق الموسيقية بعد ما كانت تختصر إلى تخت مصغر لا يتفاوت عدد أفراده ل4-5 عازفين على أقسى حد
و بالتالي أكون قد شرحت باختصار موقع المستمع العربي من الموسيقى الآلية و التأليف الموسيقي و مكان الموسيقى ( من الآلات- و الفرق- و الاستقلاليتها) بالنسبة للأغنية و ضمن الأغنية
تحياتي
__________________
قالوا لي... الناس معادن من أغلى المعادن
أنا قلت... الناس كنوز... دهب و ياقوت و ماس
و الحب أغلى معدن موجود في قلب الناس