رد: التحليل الأدبىّ لبعض قصائد أم كلثوم المغناه
التحليل الأدبىّ لقصيدة أغدا ألقاك ..... الجزء الأول
أغـــــدا ألـــــقاك
أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدٍ
يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا
كنت أستدنيه لكن هبته لما أهابا
وأهلت فرحة القرب به حين استجابا
هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا
مهجة حرة وقلباً مسه الشوق فذابا
*****************************
أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني
أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني
أغداً تشرق أضواؤك في ليل عيوني
آه من فرحة أحلامي ومن خوف ظنوني
********************************
كم أناديك وفي لحني حنين ودعاء
آه رجائي أنا كم عذبني طول الرجاء
أنا لو لا أنت لم أحفل بمن راح وجاء
أنا أحيا لغد آن بأحلام اللقاء
فأت أو لا تأتي أو فافعل بقلبي ما تشاء
****************************
هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر
هذه الدنيا ليال أنت فيها العمر
هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر
هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر
فارحم القلب الذي يصبو إليك
فغداً تملكه بين يديك
*************************
وغداً تأتلق الجنة أنهاراً وظلاّ
وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى
وغداً نسهو فلا نعرف للغيب محلا
وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا
قد يكون الغيب حلواً.. إنما الحاضر أحلى
هذه العبارات الجميلة الساحرة المخترقة لكل أسوار القلب و الروح مهما كانت صلابتها هى أغنية كوكب الشرق الشهيرة " أغدا ألقاك " التى تألق فى نظمها شعرا "الهادى آدم " الشاعر السودانى الراحل وأبدع فى رسمها لحنا موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكان الاثنين من أطرافها "الست والموسيقار " ما لهما من شهرة طافت الآفاق لكن مبدع الكلمات لم يكن معروفا وقتها وقصة كتابته لم يتفق عليها أحد بعد أن تعددت الروايات حولها وتناولتها كتابات وحوارات صحفية عدة فقد تخرج " الهادى آدم " فى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة حاملا درجة الليسانس فى اللغة العربية وآدابها وحصل على دبلوم عال فى التربية من جامعة عين شمس ثم حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة الزعيم الأزهرى بالسودان وعمل معلما بوزارة التعليم بمدينة رفاعة وكانت أكثر الروايات شيوعا حول قصة مولد رائعته " أغدا ألقاك " أنه وحين كان يدرس بالقاهرة هام عشقا بفتاة مصرية كانت زميلة له فى الجامعة وحين تخرجا تقدم إلى أسرتها طالبا الزواج من محبوبته لكن طلبه قوبل بالرفض الشديد من رب الأسرة وكذلك قوبلت كل محاولاته للدفع بوسطاء لإقناع الأب بتزويج ابنته من الطالب الخريج حديثا وعلى الفور حزم الشاعر الحزين أمتعته عائدا إلى السودان واعتكف مرافقا حزنه على محبوبته وبحسب الرواية الشائعة لجأ الشاعر المكلوم إلى شجرة واعتبرها صاحبا يبثه همومه ليفاجأ فى احد الأيام برسالة من محبوبته تخبره فيها بموافقة والدها على الزواج ليسارع من جديد إلى حزم أمتعته عائدا هذه المرة إلى القاهرة ووسط مشاعر فرحته العارمة توجه إلى صديقته الصامتة "الشجرة " لتشاركه فرحته وتحت ظلها كتب:
أغدا ألقاك ؟ يا خوف فؤادى من غد
يا لشوقى واحتراقى فى انتظار الموعد
وواصل الهادى يحكى تارة عن فرحته وأخرى عن قلقه مما ينتظره فى غده:
آه كم أخشى غدى هذا.. وأرجوه اقترابا
ورسم الهادى بكلمات رائعة أحلامه للمستقبل قائلا:
وغدا تأتلق الجنة أنهارا وظلا
وغدا ننسى فلا نأسى على ماض تولى
كيف وصلت القصيدة لأم كاثوم
وعن وصول القصيدة إلى يد كوكب الشرق تقول الرواية أن أم كلثوم زارت السودان عام 1968 لتغنى لمصلحة المجهود الحربى بعد نكسة 1967 فى إطار جولتها فى عدد من الدول العربية فى ذلك الوقت وهى الزيارة التى استقبلها فيها أبناء السودان استقبالا رسميا وشعبيا أسطوريا وغنت أم كلثوم فى الخرطوم وهى ترتدى "الثوب السودانى " ا وأعلنت وقتها أنها ستغنى لعدد من الشعراء العرب ووقع اختيارها من الشعر السودانى على " أغدا ألقاك " لتغنيها فى العام 1971 بالقاهرة في تاريخها أقامت كوكب الشرق أم كلثوم حفلين في السودان و كانت زيارة سيدة الغناء العربي أم كلثوم للسودان عام 1968 عندما ارتدت الزي السوداني وانتقت من شعر أحد أبرز شعراء السودان كلمات أغنية "أغداً ألقاك"في فبراير 1968 وحلّت السيدة "أم كلثوم" ضيفة على أهل السودان لإقامة حفلات لها لدعم «المجهود الحربى» وحظيت خلاله باستقبال أسطوري بعد أن تلقت دعوة من وزير الإعلام السودانى عبدالماجد أبوحسبو.
السيدة أم "كلثوم" أحيت حفلين في السودان بمسرح «أم درمان» في ضوء جمعها لأموال لدعم المجهود الحربي في أعقاب نكسة "5 يونيو 1967" ارتدت خلالهما «الزى السودانى» تكريما لأهل السودان
وقد ظل عبد الوهاب شهوراً طويلة يُطالع الأشعار وأم كلثوم تلاحقه متسائلة هل وجد نصاً مناسباً للغناء أم لا ؟
وذات مساء.. حضر عبد الوهاب إلى فيلا أم كلثوم بالزمالك وكان متأبطاً آلة العود.. وخرجت السيدة لاستقباله عند بوابة المنزل.. فوجه لها سؤالاً مباغتاً قائلاً لها: أغداً ألقاك؟ وهنا فهمت أم كلثوم بإحساسها العالي أن عبد الوهاب قد وجد النص وقام بتجهيز اللحن أيضاً.. وإلا لما أحضر العود معه فردت عليه بطريقة أكثر دبلوماسية : ولماذا ليس الآن؟
فجاء الاختيار من ديوان الراحل المقيم وشاعر السودان المتميز الأستاذ الهادي آدم حيث كان ( كوخ الأشواق ) من ضمن الكتب الشعرية التي رافقت أم كلثوم في رحلة العودة من الخرطوم… فأرسلت السيدة في طلب الأستاذ الهادي الذي سافر إليها بالقاهرة لإكمال الاتفاق في شكله القانوني والأدبي النهائي.. كما جرى تعديل طفيف في مفردات بعض الأبيات.. ثم لم تمر أسابيع معدودة حتى ظهرت أم كلثوم تُغرّد بتلك الرائعة في حفلها الشهري الذي اعتادت على إقامته بالمسرح القومي في القاهرة.. الذي كانت تنقله إذاعة القاهرة على الهواء مباشرة ليستمع له عشاق فنها في كل العالم.. وصدحت :
أغداً ألقاك؟ يا خوف فؤادي من غدِ
يالشوقي واحتراقي .. في انتظار الموعد ِ
واعتزازا بمواقف شعب السودان العظيم كانت "أم كلثوم" قد غنّت روائعها: «هذه ليلتى» مرّتان و «الأطلال» و«فات المعاد» وزارت معالم الخرطوم ومدرسة للبنات وفى طريق عودتها حملت دواوين لشعراء سودانيين .
وفور عودتها من السودان سلمت السيدة "أم كلثوم" الموسيقار محمد عبدالوهاب كل دواوين الشعر السوداني التي حملتها معها من الخرطوم ليتمكن من اختيار نص منها ويقوم بتأليف لحن مناسب له لتتغنى به.
و غنت أم كلثوم أغدا ألقاك فى الحفل الذي كانت تنقله إذاعة القاهرة على الهواء مباشرة ليستمع له عشاق فنها في كل العالم.. وصدحت :
أغداً ألقاك؟ يا خوف فؤادي من غدِ
يالشوقي واحتراقي .. في انتظار الموعد ِ .
*الرواية الثانية وهى الأقل ذيوعا تتحدث عن أن الشاعر السودانى الهادى آدم، كان يحلم بأن تغنى أم كلثوم شعرا له وحضر إلى القاهرة وحصل على موعد مع كوكب الشرق ليعرض عليها مؤلفاته وفى الليلة السابقة على الموعد ظل فى الفندق الذى نزل به فى قاهرة المعز يحدث نفسه باللقاء المرتقب وتباينت مشاعره بين الفرحة والقلق ليجرى قلمه بترجمة هذه المشاعر فى رائعته " أغدا ألقاك " ويحملها إلى "الست " بدلا من قصائد أخرى كان يجهزها.
رواية ثالثة تقول أن الشاعر السودانى لجأ إلى صديقه الكاتب الصحفى الراحل صالح جودت ليتوسط له لعرض ابداعه على السيدة أم كلثوم والتى رحبت بجودت وآدم وعرضت قصيدة الأخير على الموسيقار محمد عبد الوهاب والذى كان يستعد للسفر إلى لبنان وحمل القصيدة معه إلى هناك حيث بدأ على الفور فى تلحينها لتغنيها أم كلثوم على مسرح دار الأوبرا فى العام 1971.
الشاعر السودانى الهادى آدم توفى عن عمر يناهز 80 عاما وقدم خلال رحلته للمكتبة العربية عددا من الأعمال والإصدارات الشعرية كان أولها ديوانه (كوخ الأشواق) ثم (نوافذ العدم) و(عفوا أيها المستحيل) إلى جانب مسرحيته الشعرية (سعاد).
أدبيات و لغويّات
أغدا ألقاك ؟ الإستفهام هنا تقريرى للشعور بالفرحة الطّاغية بقرب اللقاء و تقديم الزمن ( الخبر ) أغدا على ( المبتدأ ) القاك إنما هو لأهمية وقت اللقاء الذى أتى بعد أن كان شبه مستحيل ثم الإحساس المتناهى بالقلق يبدوا فى الخوف من هذا اللقاء و ما قد يحمله من عدم التوافق فى الرؤى و الأحلام و الإتجاهات . وقد صور الشاعر هذا القلق بإنسان يُخاف منه و يُعملُ له ألف حساب .
يالشوقي واحتراقي .. في انتظار الموعد
و النداء هنا يبرز أهمية اللقاء و الإحساس بالفرحة و يظهر الإنتظار للموعد بالإحتراق لما فيه من صدق الأحاسيس من جهه و طول مدّة الإنتظار من جهة أخرى
القصيدة الأصلية كان بدايتها
أغداً ألقاك ؟ يا لهف فؤادي من غد
وأحييك ولكن بفؤادي أم يدي
والملاحظ أن التغيير أفاد المعنى و أظهره
وقد أشار صالح جودت والذي يعود إليه الفضل في اختيارها إلى وجود تعديلات على هذه القصيدة حيث قال": "وجاء الهادي أدم إلى القاهرة والتقى بأم كلثوم وكان معها محمد عبد الوهاب وقرأوا القصيدة مرة واثنين وثلاثاً وعشراً وعدلوا وبدلوا وقدموا وأخروا، إلى أن استقروا على الصورة النهائية لهذه القصيدة. ولقد بقيت في أدراج أم كلثوم حوالي عام دون أن تشدو بها.
ومما يجدر الإشارة إلى أن كم التعديلات التي إجريت على كلمات هذه القصيدة كبير لدرجة لم نعهدها في غيرها من القصائد التي تغنت بها أم كلثوم.. وأولى هذه التعديلات كما سبق وذكرنا كان في عنوان القصيدة نفسها ثم شمل بعد ذلك الأبيات والكثير من كلمات هذه الأبيات. إنه ولاشك مجهود كبير بذله الشاعر الهادي آدم حتى تصل كلماته إلى صوت وحنجرة كوكب الشرق أم كلثوم، وكذلك إلى آذان الملايين من عشاقها.. كما كتبت له في الوقت نفسه شهادة بقاء أبدي في عالم الشهرة وعالم قصائد الشعر .
يذكر أن قصيدة أغدا ألقاك اختارتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم من بين عشرات القصائد التي قدمت لها إبان زيارتها للسودان في عام 1968 م.و للشاعر الكبير مجموعة شعرية كاملة تضم كل أعماله الشعرية (كوخ الأشواق ونوافذ العدم وعفواً أيها المستحيل وتمت طباعة هذه المجموعة عن طريق مؤسسة أروقة الثقافية.
وإلى اللقاء مع الجزء الثانى
|