ان المستمع لهذه الدراسات يتاكد بحق ان الأستاذ محي الدين كان حقا و ما زال المعلم الأول لطريقة العزف على العود الحديثة ، انا جد ممتن لهذا المجهود الذي تبذله يا دكتور ابو سالم وكم تمنيت لو كانت هناك مدونات للشريف محي الدين خاصة وانا اطلعت في النت على وجود كتاب وضع فيه الشريف محي الدين طريقة تدريس العود الخاصة به ، انا لدي بعض النوتات سارفعها حالما انسخها واتمنى ان نتبع هذه المجموعة بالنوتات لمن توفرت لديه.
تحياتي الخالصة لك يا دكتور
__________________ ما ندمت على سكوتي مرة، لكنني ندمت على الكلام مرارا. عمر بن الخطاب
فعلا، فإن الشريف محي الدين كان قد ألف منهجه لتعليم العود ولم يشهد هذا العمل النّور إلا بعد مور خمس وسبعين سنة: إذ تمت طباعته سنة 1995. وستجد صورة غلاف هذا المنهج في الكتيب المُرفق بالقرص الذي نحن بصدد رفعه للمُنتدى على الصّفحة 79. ويا حبذا لو يتمكن أحد الأعضاء من رفع صورة رقمية من هذا المنهج ليكتمل المشهد حول هذه التجارب الرّائدة خاصة بعد أن رفع لنا الأخ توفيق مان مشكورا منهج العود لجميل بشير.
اما وبعد ان انتهيت يا د.ابو سالم من رفع مكنونات القرص الذي عندك تضاعف الشغف عندي لاسمع ما عندك عن هذه المدرسه التقنيه في اساليب العزف والتعامل مع الة العود ولعل مداخلتي تتلخلص بعدة اسئله وتساؤلات 1.ان الشريف محيي الدين كان طفره في خلق هذا الاسلوب في العزف المعقد لمعزوفات معقده على الة العود اعتقد انه اسس لنوع محدد جدا من المستهلكين للفن وهم العوادين المميزين جدا ولم يكن يقدم هذه المقطوعات لعامة سميعة الموسيقى الاليه الشرقيه.باستثناء ما قدمه في القوالب الكلاسيكيه من سماعيات ولونجات الخ... 2.الشريف محيي الدين اسس لمدرسه مبنيه على التكنيك المفرط في العزف على الة العود حتى اصبح اتباع هذه المدرسه خاليين من الروح الشرقيه واصبحت المدرسه الحديثه للعود تكنيك فقط فكيف يمكن تطويع هذه المدرسه لخدمة الموسيقى الشرقيه لان الملاحظ ان من يتقن هذا الاسلوب يخرج علينا بمؤلفات في كثير من الاحيان قلة قليله تفهمها وتطرب عليها واتكلم عن المستمع العربي الشرقي المتذوق للفن وليس التائه. 3.المدرسه التطريبيه والغنائيه للعود مثل مصر وبلاد الشام اقل تكنيك بكثير من هذه المدرسه ولكن اتباعها اكثر بكثير من اتباع مدرسة الشريف اضف الى ذلك ان الجانب الثقافي الفطري عند المستمع العربي بحاجه الى ارضيه ثقافيه محدده حتى يتفاعل مع اعمال هذه المدرسه وسؤالي ما هي هذه الارضيه؟ ولماذا حتى اتباع هذه المدرسه يرجعون دائما الى مدرسة السنباطي والقصبجي وصليبا القطريب وفريد غصن ؟؟ 4.اذا كان العازفون العرب الذين اتقنوا العزف باسلوب الشريف طوعوه لاداء اعمال معظمها غربيه او غريبه عن الموسيقى الشرقيه مثل ماقدم انور ابراهيم مثلا ونصير شمه ومنير بشير فهل الاتراك الذين طوعوا هذا الاسلوب كانوا افضل في انتاج اعمال فنيه ضمن قوالبهم الخاصه للموسيقى الشرقيه والتي قد يناسبها هذا الاسلوب في العزف اكثر من العرب. 5.هل تعتقد ان مدرسة الشريف محيي الدين حملت فكر موسيقي معين بعيدا عن موضوع الاداء وتوسيع مساحة الاصوات التي يخرجها العود .؟ 6.انا اشرت في احدى مداخلاتي ان الشريف محيي الدين نانه قد احدث زلزال وانقلاب في عالم الة العود اولا والتلحين ثانيا وكان اكبر ضحاياه موروث موسيقي عراقي هائل انقلب راسا على عقب بعد ان كان سيد المقام والطرب والقبنجي والايقاع الثقيل والموشح الى هالة من السرعه والتكنيك واصبح العواد العراقي يغادر الى خارج العراق اما لتدريس العود او تقديم اعماله في الدول الغربيه ربما يفهموه اكثر منا وهذا ينطلي على اتباع مدرسة الشريف من خارج العراق في كل البلدان العربيه ...وربما هذا يكرر تجربة الشريف في امريكا بصوره سلبيه لا ابداعيه. 7.حتى اليوم انا اعتقد ان مدرسة الشريف لا زالت تقينه محفوظه لخدمة موسيقى غير عربيه شرقيه وغير موازيه لكل ما مر على العالم العربي في الموسيقى الاليه وان تحدثنا عن السماعيات واللونجات فهي اصلا ليست عربيه فهل كانت ثورة الشريف محيي الدين على الاتراك الذين طردوه من عالمهم الفني وموروثهم الموسيقى ضربه مؤذيه للموسيقى الاليه العربيه الكلاسيكيه خاصة وانها اصلا عانت من الفقر فهل سيتبقى مدرسة الشريف جسم غريب في الموسيقى الاليه العربيه من حيث التوجه ام يمكن تطويعها للنهوض بالموسيقى الاليه العربيه..كيف..ومتى؟؟؟
__________________
لوكانت غزه تخشى موج البحر
.......ما سكنت عنده
نشكرك يا أخ تميمي على طرح كل هذه الإشكاليات، فهي أسئلة كثيرة تقتضي بالتّالي أكثر من مداخلة، وتستدعي مشاركة أكثر من عضو لإثراء النّقاش من حولها. ويمكن في البداية الإشارة إلى هاتين النّقطتين:
- روّاد هذه المدرسة جمعوا في تكوينهم الآلي التمكن من لغتين موسيقيتين إحداها عربية والثّانية أوروبية. وأبرز هؤلاء الرّواد الشريف محي الدين الذي نشأ في تعلم العود على المحاكاة منذ سن العاشرة بينما تلقى تعليمه على التشيلو في سن الرّابعة عشر على مناهج المدارس الأوروبية. والثّاني هو جميل بشير الذي أتقن كل من الكمان على الطريقتين الغربية والعربية وآلة العود.
- أثارت حالة الإنبهار بالموسيقى الأوروبية بتقنياتها المتقدمة الرغبة لدى هؤلاء في الإرتقاء بالأداء العربي - والذي ظل يعتمد بشكل أساسي على الفن الغنائي في حدود نطاق الأداء الصوتي – وهذا ما جعل التركيز على الجانب التّقني يطغى على الجانب التّعبيري والتطريبي الذي تختص به الموسيقى المحلية. ويمكن ملاحظة هذا التّكلف في دراسات الشريف محي الدين ففي الدّراسة الأولى مثلا وظف تتابع تآلفات السداسيات والثلاثيات مع الرّبط بينها بتسلسل نغمي سريع سواء للدرجات المتتابعة أو المنفصلة، مع بعض التحويلات النغمية لبعض الخلايا اللّحنية من القرار إلى الجواب وهذا يذكرنا بكابريسات باغانيني. وهذا فيه حسب نظري تكلّف لا يتماشى مع السير اللّحني للموسيقى المقاميّة، وإن كان فيه محاولة لإستكشاف إمكانيات العود التقنية على غرار الآلات الأوروبية وجعل الأداء على العود بالتّالي يُحاكي الأداء على آلة القيثارة بعض الشّيء.
دكتور ابو سالم اهنيك على المجموعة التي قمت برفعها واشكرك باسمي وباسم جميع عشاق هذه الالة .اخي الأستاذ محمد تميمي تحية وبعد:
ان المداخلة التي تقدم د.ابو سالم لمست جانبا من عديد الإجابات الممكنة للاسئلة المطروحة.
يجب ان نخرج من اطار الإنتماء احيانا للحكم على الأشياء التي تخصنا ، فجميع الموسيقات في العالم تعطي و تأخذ من بعضها وهذا امر يتم بمشيئة او خارج مشيئة الناس ، فالموسيقى منتوج بشري انساني تتحدد اشكاله و خصوصياته بالعقل المبدع لهذه الموسيقى.
و الموسيقى خير دليل على ذلك فنحن العرب طرحنا الموسيقى افقي لحني في حين ان الموسيقى الغربية طرحها افقي وعمودي في نفس الوقت ، لا يقدح في جماليات موسيقى كلا الطرفين في كل الأحوال.
ثانيا ان الخطاب الموسيقي كالخطاب ألأدبي و الفنون الأخرى يتشكل من مستويات متفاوته في التعامل و الخطاب الجمالي والتقني . فالموسيقى الكلاسيكية الغربية لا يسمعها كل الغربيين فهناك من لا يستسيغها و لا يفهمها بالرغم من انها جزء من البنية الثقافية والذوقية له .
ونفس الشيئ عندنا فليس كل الناس تسمع الموشحات و السماعيات ، وليس كل الناس تقرأ " ادونيس " او " ادوارد سعيد " او " السعيد عقل "... .
اذا المسالة في مجملها معقدة ومعددة الوجوه.
و لهذا في " الموسيقولوجيا " تصنف الأنواع الموسيقية الى نوعين اساسيين هما الموسيقى العالمة والموسيقى غير العالمة .
و الموسيقى التي تطرح نفسها الآن على الساحة من خلال آلة العود لها ما لها وعليها ما عليها و هي خارج النمطية القديمة من حيث البناء والتقنية و ليس معنى هذا انها غير مقبولة ، وكما اشار الدكتور ابو سالم من بين اسباب التأخر التقني في الموسيقى العربية هو الغناء و الطرب الذان حددا أداء الآلات الموسيقية في مساحة اداء المغني. و حين استمعنا لموسيقى الآخرين اكتشفنا ذلك ، ومن جانب آخر فإن البنية العقلية العربية اصلا تتنافر مع التقنية و تلجأ الى التسهيل ، وما ظهور التطرف في الرؤى الا لعدم مواكبة الحاضر فيلجأ ذوي الطروحات القديمة الى خلق اوثان او اصنام هي من صنع ايديهم يدعون انها آلهة ويدافعون عنها . فلهذا يجد المحافظون في الخطاب القديم ظالتهم و رأس مالهم للعيش الآن و ليس في قوى التجديد التي هي ابنة يومها و خارجة نم جلابيب القدامى .
من المعروف ان الموسيقى العربية هي تقاطع موسيقات عديدة منها الفارسي و التركي و الرميني و الهندي و الفيني قي و الآشوري ... . اين العربي في الموسيقى العربية ؟ سؤال كبير و خطير .حتى العود الذي نتباهى به ليس وليد حضارتنا ، كما يقول درويش " ادافع عن جدار ليس لي ".
تجربة الشريف محي الدين مثلها كمثل تجربة زرياب او زلزل ليس الا هي خطاب موسيقي غير عربي ولم يقل الشريف محي الدين انه عربي . هي طريقة جديدة للتعامل مع آلة العود فقط ، اما انها قدمت للموسيقى العربية شيء فأضن ان هذا لم يكن في جدول أعمال الشريف محي الدين لان هذا راجع للموسيقيين العرب الذين يجب ان يتكفلوا بشؤون موسيقاهم .
وانا ارى ان اسلوب الشريف محي اسلوب علمي يستحق التعامل معه باحترام في انتظار ان تتوفر بدائل جديدة ، وقضية رفض الأتراك لأسلوب الشريف محي الدين فلا اضن ذلك لان المشكلة كانت سياسية ليس فللعلم ان ابن عم الشريف محي الدين كان حاكم مكة قبل سقوط الخلافة بمدة قصيرة ما دعا الأتاتركيين لمضايقتهم و كذلك رفضهم لكل ما له علاقة بالإسلام من عائلات تنتسب لآل البيت كبيت الشريف محي الدين او حتى الآذان او المقامات ذات ربع المقام . والدليل الآن معظم العازفين الأتراك يتتبعون خطى الشريف محي الدين في طريقة عزفهم .
__________________ ما ندمت على سكوتي مرة، لكنني ندمت على الكلام مرارا. عمر بن الخطاب
أود أن أضيف إلى هذا أن الموسيقى الغربية ذاتها مرت بمرحلة كان التّنافس على إظهار قدرات العازف التّقنية فيها بيّنا ممّا طغى على الجانب التّعبيري، وقد لقي هذا كثيرا من النّقد لدى معاصريهم. وقد إستفاد المؤلف الغربي من هذا لإيجاد حالة من التّوازن والتّوفيق بين ما توفّره الآلة المُوسيقيّة من إمكانيات وبين المتطلّبات الجمالية والتعبيريّة للعمل الفنّي. وتجربة المدرسة العوديّة العراقيّة قد تكون توقّفت عند المرحلة الأولى، وهي بحاجة بالتّالي إلى إحداث معادلة بين عمليّة تطويع التّقنيات المُستوردة ومُستلزمات الخطاب المُوسيقي المقامي. كما أن إنشاء فن آليّ مُتخصّص ستكون نتائجه بالتّالي مُختلفة عن الفنّ الغنائي وإن تلاقت معه في أساسيات المقاميّة العربيّة. والتّعدّدية لا تُلغي بالضّرورة تقاليد الممارسة التّراثيّة طالما تُتداول الممارسة التقليديّة وتجد لها أنصارها والمُحافظين عليها.