أول كلامي سلام ..
الموضوع التالي ظهر في صحيفة المصري اليوم اليومية المصرية بتاريخ 9/12/2007
http://www.almasry-alyoum.com/articl...rticleID=85726
مع تحياتي
محمود
ناقص حتة
بقلم د.سحر الموجى ٩/١٢/٢٠٠٧
«وكل ما أوزن ألاقي لسه ناقص لي حتة/ أحط حتة/ تقل حتة/ وأجيب قميص تضيع جاكتة/ وأعيش لي ساعة.. ساعة.. تفوتني ستة/ وكل ما أوزن ألاقي ناقص أقول بناقص.. لو هي حتة/ أتاري لسه.. ولسه تاخد سنين وحتة».
لا أنكر أنني كنت أنتظر باهتمام صدور الشريط الغنائي الجديد للفنان وجيه عزيز، ذلك أنني أعد أغنياته من بين المنتجات الفنية القليلة في هذه الأيام القادرة علي وضعي في حالة شعورية عميقة ومفعمة بالشجن، وذلك أيضا لأن لوجيه عزيز مشروعاً غنائياً مختلفا تماما عن العشوائيات الغنائية، التي أغرقت الأسواق باللحم الرخيص والكلام الفج. يبدو لي أن مشروع عزيز يسير عكس عقارب الساعة برفضه تقديم أي تنازلات.
لا يقدم أغنية واحدة بلا معني بل إن أغنياته علي بساطة لغتها تشعرك أنها تعبر عنك كإنسان وكمواطن مصري، له خصائص واضحة تؤكد نفسها في الشريط الأخير «ناقص حتة»، فأغنية العنوان التي بدأت بها هذا المقال تقودك إلي التماهي معها كإنسان أوجدته الأقدار في وطن كل الأحلام فيه مؤجلة.
الصوت الراوي في هذه القصيدة (وهو أيضا الصوت المهيمن علي كل أغنيات الشريط) هو صوت مصري تماما في شكل معاناته، ارتباكاته، عدم فهمه لنفسه أحيانا وللوضع العام أحيانا أخري. يتوحد من خلال هذا الصوت الراوي الحزن العميق في نبرة وجيه عزيز والشخصية المميزة لأشعار علي سلامة ومجدي نجيب. تنتهي «ناقص حتة» بـ «وأقول هنفرح .. في يوم هنفرح/ ويوم مانفرح.. علي الله يفضل في القلب حتة».
تتكرر موتيفة الفرح المنقوص والحلم المؤجل في أغنيات أخري في الشريط. «من حقنا نحلم ولو كده وكده/ ونشوف الدنيا حلوة مع إنها مش كده/.. من حقنا نحلم/ نحلم حتي بسكات/ ونشوف حاجات حاجات/ مثلا الناس سعيدة وشاطرة مش بليدة وقريبة وبعيدة بتحضن بعضها مثلا/ مثلا مفيش جراح والخنقة بقت براح/ وأنا لوتعبت أرتاح في حضن قلبها/ مثلا الكون جميل والنيل بقي ألف نيل/ وطن ملوش مثيل في الدنيا كلها». وتظل أغنيات الشريط تتلاعب بين طرفي الحزن والانكسار من ناحية والأمل والحلم من ناحية أخري.
ففي الأغنية الافتتاحية يستخدم الشاعر علي سلامة (كما هي عادته) ألفاظا عامية دارجة ويضعها في موقع شديد الشعرية. فأغنية «مالناش غير بعض» تعتمد بشكل أساسي علي جملة دارجة نستخدمها كثيرا، لكن الأغنية تضعها في سياق حالة رومانسية ناعمة، لكن حتي حالات الشريط الرومانسية تجعل من الإحباط اليومي تحدياً أساسياً كما تصنع من العشق والقرب ترياقا للانكسار.
ولأن الصوت الراوي في الشريط هو صوت شديد المصرية فلا مانع لديه من إدانة نفسه والسخرية منها في بعض الأحيان. فأغنية «عيرة» تكشف حالات الزيف المتعددة التي نمارسها في حياتنا: «الشعر عيرة/ والكحل عيرة/ والورد فوق الخد ولحد الضفيرة عيرة/ الصبر عيرة والضحك عيرة والفرح والأحزان وحاجات كتيرة/ حتي الحنان جوه البيوت/ حتي الكلام.. حتي السكوت/ حتي الهتاف جوه المسيرة عيرة/ حيرني حيرة/ بقينا ليه حبة حاجات/ قمصان.. بدل علي بالونات/ مبقتش شايف إيه اللي جاي وإيه اللي فات/ مبقتش أفرق ده أزرق ده ولا أحمر .. رمادي/ ودي كارثة ولا ده وضع عادي/ وده طفل ولا راجل عجوز/ وده إيه ده راخر.. جايز يجوز».
ولأن الصوت الراوي مصري فلا يمكنه إلا أن يكون خفيف الظل حتي وهو يحكي عن أوضاع مأساوية. رجل تائه عن نفسه في أغنية «بعدين» وامرأة عاشقة يطول انتظارها إلي أن ينفد صبرها فتكرر عليه كلمته المكررة كلما أعلنت عن انتظارها اللقاء ـ «بعدين» ـ وهي تعلن يأسها وتمضي. من منا لا يحمل مسحة من هذا الصوت الذي يحلم بالفرح لكنه يؤجله، يتمني العشق لكنه لا يملك دفع ثمنه، يسعي إلي الفهم لكنه لايزال علي عتبة أول الأسئلة «أعرف أنا مين ودماغي معايا ولا نسيتها مع المفاتيح/ في دكان علي ناصية بين شارعين».
يغنينا وجيه عزيز أشعار مجدي نجيب وعلي سلامة فيلقي ضوءاً علي غربتنا في الوطن وعلي بحثنا الدؤوب عن فرح ضنين وسط جروح وإحباطات وأحلام متكسرة. يتركنا مع حالة من الشجن المرهف الذي يذكرنا أننا لانزال بشرا، حتي لو كنا نعيش زمن العشوائيات.
__________________
علموا قلب الحجر يوصف معارك الانتصار
علموه يبقى سفير الدهر ليهم بالفخار
كان نهار الدنيا مطلعش وهنا عز النهار
....