علي كوبانا سفير الفن النوبي:
صبي المراكبي الذي اسمع العالم موسيقي جنوب وادي النيل
القاهرة ـ القدس العربي ـ من عبد الفضيل طه:
رحل علي كوبان عميد فن الغناء النوبي،و برحيله تطوي صفحة ناصعة البياض من تاريخ الفن النوبي المصري.. لقد كان كوبان هو المحافظ علي طابع الغناء النوبي في صورته الفلكلورية و كان حارسا امينا عليه.. في نفس الوقت استطاع هذا الفنان العصامي ان يقدم انواعا من فن الغناء النوبي المتطور،كما قدم الاغنية النوبية مطعمة بالايقاعات غير العربية مثل السمبا و الرومبا و الكاريوكا و غيرها.الفنان الراحل كان من اوائل الفنانين النوبيين الذين خرجوا بهذا التراث الفني من مصر الي كل انحاء المعمورة، و كان له الفضل الاول في ان يتذوق ابناء امريكا و اوروبا موسيقي التراث النوبي التي هي بالقطع جزء من تراث الموسيقي المصرية القديمة بايقاعاتها و آلاتها الموسيقية القديمة خاصة.. الطمبورة.. و هي الالة التي يطلق عليها البعض السمسمية و معروف ان هذه الالة توجد رسوماتها علي كثير من جدران المعابد المصرية.
فرقته الموسيقية
في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي (القرن العشرين) بدأت المؤسسات النوبية كالاندية و الجمعيات تقوم بانشاء فرق فنية لتقديم تراث النوبة الغنائي و كانت اولي هذه الفرق في نادي النوبة العام وكان مقره في ذلك الوقت في شارع ابراهيم باشا (الجمهورية الان) مكان مسرح الجمهوريةالحالي و نادي اتحاد الكنوز في شارع دوبريه (سليمان الحلبي حاليا) و النادي العربي العقيلي في شارع عبد العزيز بالعتبة و لا يزال يشغل نفس المقر.. في ذلك الوقت كان الشباب النوبي تواقا لغناء شعبياته فازدحمت الاندية و الجمعيات بهم كل يقدم فنه في سهرات اسبوعية او شهرية.
و انتقل النشاط الفني لهؤلاء الشباب الي ميدان الاسماعيلية (التحرير الان) و كانت القوات الانكليزية قد اخلت ثكناتها في ذلك الموقع فاتسع الميدان و كان مسرحا لابناء القاهرة يقضون فيه اوقات فراغهم.. و فجأة تحول هذاالميدان الي مسرح يزدحم كل ليلة بالاف الشباب من النوبيين يقدمون فنهم و سرعان ماانضم اليهم ابناء اسوان من الجعافرة و الانصار و العبابدة و اصبحت كل مجموعة تمثل جزءامن الميدان بعنوان و يقدمون فيه رقصاتهم الشعبية.. و اشترك الفنان الراحل علي كوبانا في هذه التظاهرة الفنية مع ابناء بلدة جورتة (قورتة)، و كان من الذين نالوا شهرة في هذا الميدان لانه يؤدي الالحان بطريقة سليمة نظرا لانه في ذلك الوقت كان قد تعلم العزف علي الة الكلارنيت في الكشافة النوبية و بالطبع عازف آلة النفخ يستطيع ان يؤدي كل الالحان باتقان تام، وفي قصة عبد الحليم حافظ الذي بدأ عازفا علي آلة الاوبوا ما يؤكد ذلك.
المهم ظل شباب النوبة يقدمون فنهم في ميدان التحرير ردحا من الزمن.. و اذكر في هذا المقام ان الفنان الراحل محمود ذو الفقار و زوجته الفنانة الراحلة عزيزة امير كانا يقطنان احدي العمارات في هذا الميدان و كانا يسهران في شرفة منزلهما يستمتعان بالاغاني النوبية و الرقصات الشعبية التي يؤديها الشباب النوبي. زحف العمران علي ميدان التحرير و لم يكن من الممكن ان تستمر هذه الليالي الفنية و ذهب كل الي حال سبيله.
فرقة علي كوبانا
في تلك الايام فكر علي كوبان في تكوين فرقة نوبية تقدم التراث النوبي في اقسامه الثلاثة الكنزي و العربي العقيلي و الفاديما.. و بالفعل تكونت الفرقة و ضمت مشاهير شباب المغنين من المناطق الثلاث و كان هو قائدها و عازفها الاول علي آلة الكلارنيت. و كان من اشهر المطربين الذين بدأوا معه الفنان الراحل عبد الله باطا الذي كان يملك صوتا ملائكيا متسع المساحات و عامرا بالطرب و الشجن فنال شهرة لم يسبقه اليها مطرب نوبي ولم يلحق به حتي الان اي مغن اخر.. و كان عبد الله يغني بلهجة منطقة الفاديما لكنه كان مطربا محبوبا من المناطق الثلاث.
اشترك في فرقة كوبان ايضا مطرب الكنوز الاول حسن جازولي و هو مطرب متمكن يملك صوتا حنونا و من منطقة العرب كان معه المطرب محمد حسن الذي يملك هو الاخر مقومات المغني القادر علي اداء الالحان بسهولة و يسر.. ومن الذين عملوا في فرقته ايضا الشاعر الكنزي عبده ميرغني و المطربون سيد ابو جريشة و بحر ابو جريشة و رمضان ابوجريشة.. و بحر هو الذي تحول بعد ذلك الي الغناء الشعبي وسجل عدة شرائط نالت شهرة واسعة، اما شقيقه رمضان فقد تحول هو الاخر الي مطرب موال بلدي و كان يسهر في الافراح مع اساطين هذا الفن من مؤدي الموال البلدي مثل: ابو حافظ و محمد عبد الجليل، و محمدالمصري و تيفه من بولاق و علي الهجين من الحسين و عباس من الشرابية.
اما سيد ابوجريشة شقيقهما الاصغر فظل مع فرقة علي كوبانا يؤدي الاغنيات النوبية و قد اشتهر باداء اغنية الام اند يويو.. و حبيبة وكانت موجة اغاني الام قد انتشرت في مصر عقب نشأة فكرة عيد الام عن طريق علي و مصطفي امين. و كان ممن عمل في فرقة كوبانا ايضا.. نصر الدينشلالي، و حسن محمود، و عبد الرازق عبد الله، و جمعة ادم و بشير عباس.
هذه الكوكبة من الفنانين استطاع علي كوبانا بحسه الفني و قدرته الادارية ان يصهرهم في بوتقة فنية نوبية واحدة. فكانوا هم نجوم الافراح و السهرات النوبية.. ثم استطاع علي و فرقته ان يقدموا الاغنيات و الرقصات الشعبية النوبية في صورة متطورة مما لفت اليهم انظار هواة الفن فانتقلت الفرقة الي عالم اكثر رحابة في الفن، فكانت تدعي للاشتراك في حفلاتاضواء المدينة و في ليالي وافراح غير النوبيين فنالت فرقة علي كوبانا شهرة مدوية في مصر. وفي الخمسينيات خصصت الاذاعة المصرية فقرة يقدم فيها ابناء النوبة فنهم الشعبي و كان علي كوبانا من اوائل الفنانين الذين قدموا الفن النوبي في هذا البرنامج الذي كان يقدمه الاذاعي عبد الفتاح والي تحت عنوان : من وحي الجنوب .
و من خلال هذاالبرنامج تعرف المصريون علي جزء من تراثهم الذي لم يكن منتشرا بكثرة و اعني به فن ابناء النوبة.. و من خلاله ايضا عرف مطربون نوبيون كبار الطريق الي الاذاعة مثل عبدالله باطا و عبد الفتاح صالح و شعبان و عبد الواحد و حسين بشير و حسن جازولي و سيد ابوجريشة و عبدة ميرغني و غيرهم .