* : الفنان الراحل صالح الحريبي 1945-2016 (الكاتـب : بو بشار - آخر مشاركة : loaie al-sayem - - الوقت: 18h40 - التاريخ: 18/04/2024)           »          أيام الشر - علي الحجار 1995 (الكاتـب : نور عسكر - - الوقت: 17h02 - التاريخ: 18/04/2024)           »          ليلى نظمى- 16 سبتمبر 1945 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : loaie al-sayem - - الوقت: 13h34 - التاريخ: 18/04/2024)           »          محمد ثروت- 25 مارس 1954 (الكاتـب : abuaseem - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 11h27 - التاريخ: 18/04/2024)           »          نوت الأستاذ الهائف (الكاتـب : الهائف - - الوقت: 09h17 - التاريخ: 18/04/2024)           »          تترات المسلسلات التلفزيونية (الكاتـب : راضى - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 00h31 - التاريخ: 18/04/2024)           »          هاني شنودة - موسيقى الأفلام (الكاتـب : smsm78 - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 00h01 - التاريخ: 18/04/2024)           »          لبلبة- 14 نوفمبر 1945 (الكاتـب : د أنس البن - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 23h17 - التاريخ: 17/04/2024)           »          نوتات الأغاني المغربية (الكاتـب : عاشق موزار - آخر مشاركة : abdellahjaber - - الوقت: 20h12 - التاريخ: 17/04/2024)           »          مقهى جرامافون (الكاتـب : علي علوي - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 18h17 - التاريخ: 17/04/2024)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > الموروث الشعبي والتراث الغنائي العربي > المغرب العربي الكبير > المغرب الأقصى > الدراسات والبحوث في الموسيقى المغربية

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 06/02/2008, 09h12
kramouch kramouch غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:156155
 
تاريخ التسجيل: janvier 2008
الجنسية: مغربي
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 1
افتراضي ناس الغيوان.دراسات وتحاليل

من هم ناس الغيوان

ناس الغيوان فرقة غنائية مغربية أسست في نهاية الستينات وكانت تتكون من أربعة شبان يعيشون الحي المحمدي, حي شعبي بمدينة الدار البيضاء وهم العربي باطمة وبوجمعا هكور وعمر السيد وعلال يلا. عرفت الفرقة بعض التغيرات دون أن تفقد من روحها. تعتبر فرقة ناس الغيوان من أول الفرق الموسيقيةالمغربية التي حاولت بنجاح إبداع موسيقا ملهمة بالثراث الموسيقي المغربي الشعبي والتكلم عن مشاكل وقضايا المجتمع. ناس الغياون هم باختصار نبض قلب المغاربة و صوتهم الوحيد خلال سنوات الجمر المغربية(سنوات الاعتقالات و القمع السياسي), و جدانهم و البلبل الثائر اللذي نقل و غنى لنا المخيلة الشعبية المغربية.

عشقي الابدي لمجموعة ناس الغيوان يمنعني من الحديث عنهم خوف الا اوفيهم حقهم لذا وجدت مقالا تعريفيا كاملا بهم صدر بمناسبة احيائهم لحفلة غنائية خلال مؤتمر الحقيقة و الانصاف(ملف حقوقي فتحته الدولة المغربية لتعويض ضحايا التعسف و الاختطافات و الاعتقالات و الاغتيالات اللتي شهدها المغرب سنوات الستينات و السبعينات) ...اترككم معه

كم كان سهلا أن نسمع الآهات الحزينة المنبعثة من حناجر "مجاذيب مجموعة ناس الغيوان" وراء دموع الأمهات المتلفعات بالرداء الأطلسي، الأمهات اللواتي تحملن مشقة الصعود إلى منصة جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي أنشئت لمداواة جراح الماضي والاستماع -لأول مرة- لمواطنين كانوا محرومين من مواطنتهم إلى عهد قريب، وكان من غير المسموح لهم بتجاوز عتبات بيوتهم بضعة أمتار دون إذن من السلطات المحلية...

وحدها مجموعة ناس الغيوان كانت منبر بوح واستماع في "سنوات الرصاص" أو "سنوات الجمر" المغربية.

قد يبدو الأمر مجرد انطباع، ولكن الاستماع من جديد إلى أغاني مجموعة ناس الغيوان، بعد مرور كل هذه السنوات، وبعد انكشاف واقع المغرب بأبعاده الإنسانية والاجتماعية والسياسية، في إطار محاولة طي صفحات الماضي، وفتح صفحات تاريخية جديدة، يساعد على وضع هذه المجموعة التي كان لها صدى عالمي في سياقها التاريخي.

"أولاد أمهاتنا".. روح النضال

تغنت مجموعة ناس الغيوان بكلمات كانت مصدرها عمق المجتمع، ولم تنسج داخل صالونات فاخرة، أو وراء مكاتب منعزلة. يقول عمر السيد (رئيس فرقة ناس الغيوان) بأن أغلب الكلمات التي تغنت بها المجموعة والتي كانت من إبداع أحد عمالقتها مثل بوجميع، أو العربي باطما، كان مصدرها الأصلي الوالدين، وخصوصا أمهات كل من العربي وبوجمعة وعمر.

رغم أن الدراسات التي كتبت حول المجموعة كثيرة فإنها في الغالب ركزت حول الإيقاعات، والألحان، وبعض الجوانب الإنسانية، ولم تتغلغل كثيرا في الشخصيات التي كانت عنوان مجموعة غنائية لا يمكن اعتبارها فقط بصمة لفترة زمنية في تاريخ المغرب، بل يمكن التأكيد أنها كانت انعكاسا حقيقيا وصادقا لمرحلة كاملة.

وفي هذا السياق تقف أغلب الكتابات التي اهتمت بالظاهرة الغيوانية عند الحديث عن كون العربي، وبوجميع وعمر.. جاءوا من الحي المحمدي بالدار البيضاء، لكن القليل من المحبين للأهازيج الغيوانية يعرفون أنهم لم يتابعوا دراستهم، وأنهم عاشوا حياة هامشية أثناء الاحتلال الفرنسي للمغرب.

كما كان بعضهم يتعرض للرش بالمبيدات الحشرية، ويقتات من فضلات المزابل في طفولة بئيسة، يتقاسمها معهم آلاف الأطفال الذين أرغمت السلطات الاستعمارية آباءهم المهاجرين من الأرياف بسبب المجاعات وتوالي سنوات الجفاف، على العيش في "كاريانات" أو عشش خصصت للعمال في المصانع على هامش المدن التي لم يكن مسموحا بولوجها إلا للفرنسيين أو لأبناء العائلات المغربية الكبيرة، أو الذين سبقوا المستعمر للاستيطان بالمدينة.

الصوت الصادق للمغرب

بالإضافة إلى الأم، كانت للمجموعة مصادر أخرى لكلماتها، حيث تغنوا بأشعار سيدي عبد الرحمن المجذوب، كما كانوا لحن عدد من المجاذيب الذين احتضنتهم شوارع مدينة الدار البيضاء، وأذاقتهم كل صنوف الظلم والفقر والحرمان وجعلتهم يرددون أزجالا رأى فيها البعض جنونا، بينما حولتها مجموعة ناس الغيوان إلى حكم خالدة.

لكل هذه الأسباب كانت مجموعة ناس الغيوان الصوت الصادق للمغرب العميق الذي عاش في كنف قانون الطوارئ، وكانوا منبرا لسنوات الرصاص المغربية، سبق مشروع هيئة الإنصاف والمصالحة بسنوات طويلة.

لقد كانوا مجموعة من المجانين أو المجاذيب بكل ما تحمل الكلمة من معنى، رفضوا أن يتلونوا بأي لون سياسي؛ وهو ما سمح لهم بالاستمرار في البوح بجراح الوطن التي لم تكن تحمل أي لون غير لون الوطن.

رددوا كلام المجاذيب وعاشوا حياتهم، لم يراكموا ثروات يخشون ضياعها، ولم تكن لهم حياة عادية ككل الناس قد يخشون اهتزازها، ترددت فلسفتهم في الحياة في أكثر من مقطع وفي أكثر من أغنية.

أغاني من الشجن والأسى

كل شهادات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في مغرب "سنوات الجمر"، يمكن أن نجد صداها في أغاني المجموعة التي تستحق أن تسمى بأغاني مغرب الاستثناء، نسبة لحالة الاستثناء التي فرضها النظام المغربي يد الطاغي على الوجوه مرسومة

عندما تحدث ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال العقود الماضية وخصوصا المنحدرين من المناطق الأطلسية ومن الصحراء عما تعرضوا له من تجويع، وقتل لحيواناتهم وإحراق لأراضيهم، وهدم لبيوتهم، ومعاناة لأطفالهم... تذكر عشاق ناس الغيوان إحدى أغانيهم التي كانت من أجل فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني، لكنها بلغة المغربي الشعبي البسيط الذي كان يعيش واقعا يكاد يكون مماثلا "ما هموني"

ماهموني غير الرجال إيلا (إذا) ضاعوا

الحيوط (الجدران) إيلا رابو (تهدموا) كلها يبني دار

ما هولوني غير الصبيان مرضوا وجاعوا

الغرس إيلا (إذا) سقط نوضوا (نقوم) نغرسوا أشجار...

كما كان ناس الغيوان قبل جمعيات "ترنسبارنسي" أول من ندد بالرشوة، وبانتشار الفساد في المغرب، عندما قالوا: "باسمك"

تخلطات الشياه بلا نظام والديب رعاها

كثرات الهموم يا المولى والعين بكــات

الهم سيطر عل ليام وجاب خلاها

الرشوة ولفساد ف الدنيا جات المحنات

الشر والتزوير . . . لحرام والقتل بَّاهَا

عمات لقلوب يا المولى مشات الحياة

لطفك قريب يا سيدي اهدي من عماها

ترجع البشرى يا المولى لدوك الخيات عام 1965 ونتج عنها تجميد نشاط الأحزاب وحل البرلمان، وتجميع كل السلطات في يد الملك.

فقد رددت المجموعة باسم المغتربين والمنفيين أغنيتها الحزينة "فين غادي بيا أخويا" المليئة بالحنين للأرض وللتربة، وللخيل والقصبة وغيرها من الصور التي يمثلها الوطن، ومن مقاطعها الجميلة:

فين غادي بيا أخويا فين غادي بيا (اين انت ذاهب بي يا اخي الى اين)

دقة تابعة دقة شكون يحد الباس (ضربة تلي ضربة, ومن يوقف هذا الشيء)

لا تلومونا في الغربة يا هاد الناس

لا تلومونا ف الغربـة وُليعة (لوعة) الغربة..

لقد قالت مجموعة ناس الغيوان كل شيء، قبل أن يسمح للضحايا المباشرين بالحديث عن جراح عقود طويلة، وصرخت: في "زاد الهم":

هذا ابن آدم ولى (اصبح) مقهور.. بانت (ظهرت) فيه العلامة

كلامه ولى (اصبح) محصور.. حتى ليوم القيامة..

وفي "مهمومة" إحدى روائع مجموعة ناس الغيوان التي مطلعها:

مهمومة.. أخيي.. مهمومة

مهمومة.. هاد الدنيا مهمومة

تصف واقع الحال حيث ساد الفقر وتفاحش الغنى، إلى أن تعلن سبب ما آل إليه الحال في آخر الأغنية:

لا شورى بقت, كل الأفواه مزمومة

يد الطاغي على الوجوه مرسومة

عندما تحدث ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال العقود الماضية وخصوصا المنحدرين من المناطق الأطلسية ومن الصحراء عما تعرضوا له من تجويع، وقتل لحيواناتهم وإحراق لأراضيهم، وهدم لبيوتهم، ومعاناة لأطفالهم... تذكر عشاق ناس الغيوان إحدى أغانيهم التي كانت من أجل فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني، لكنها بلغة المغربي الشعبي البسيط الذي كان يعيش واقعا يكاد يكون مماثلا "ما هموني"

ماهموني غير الرجال إيلا (إذا) ضاعوا

الحيوط (الجدران) إيلا رابو (تهدموا) كلها يبني دار

ما هولوني غير الصبيان مرضوا وجاعوا

الغرس إيلا (إذا) سقط نوضوا (نقوم) نغرسوا أشجار...

كما كان ناس الغيوان قبل جمعيات "ترنسبارنسي" أول من ندد بالرشوة، وبانتشار الفساد في المغرب، عندما قالوا: "باسمك"

تخلطت الشياه بلا نظام والديب رعاها

كثرات الهموم يا المولى والعين بكــات

الهم سيطر على الايام وجاب خلاها (خربها)

الرشوة والفساد ف الدنيا جات المحنات (المحنة)

الشر والتزوير . . . لحرام والقتل بَّاهَا ( سيدها)

عمات لقلوب يا المولى مشات الحياة

لطفك قريب يا سيدي اهدي من عماها

ترجع البشرى يا المولى لدوك( لاولئك) الخيات (الاخوة)

العالم العربي في اغانيهم

ومن مميزات هذه المجموعة التي لم يكن لأعضائها مستويات تعليمية عالية، وكانوا كلهم منحدرين من حي شعبي فقير، ومن أسر بدوية بسيطة، أنها استطاعت أن تربط بين واقع الحال الداخلي المتميز في الغالب بالظلم، والهزائم التي تجرعتها الأمة ككل، فغنوا من أجل المغربي البسيط الذي يعاني في صمت في زمن لم يعرف الفضائيات ولا التطور الإعلامي الحالي الذي يسلط الضوء على العتمات اليوم، كما غنوا من أجل قضية العرب.

بنفس الألم، وبنفس النغمات الحزينة، والحناجر الصادقة رددوا: "شوفوا العجب"

شوفو لعجب ما بقينا عرب

احنا حيوط قصار جماعة في دوار

فاق الكهف وأصحابه ولا جبنا أخبار

شوفو لعجب جماعة في دوار

لحصاد والدراس فينا لعصا ولبكا علينا (الحصاد و الحرث فينا و البكاء لا يحق الا علينا)

هـا اللي شاد (ماسك) من لقرون فينا وفينا يحلب

شوفو لعجب ما بقينا عرب

احنا حيوط قصار جماعة في دوار

فاق الكهف واصحابه ولا جبنا أخبار (فاق اهل الكهف و نحن لازلنا نيام)

شوفو لعجب ما بقينا عرب

ما انتم كفار ولا مجوس تعبدو النار

ما انتم مـسيح ولا مسلمين منكم لخيار

ما خلصتو لسيرة زين لبها سيد لبرار

شوفو لعجب ما بقينا عرب

مجموعة ناس الغيوان لم تؤمن بالالتزام بمبدأ سياسي معين كما يقول رئيسها عمر السيد، بل آمنت فقط بالالتزام بالفن، معتبرة الفن مثل ذلك الطائر الذي لا ينزل إلى الأرض أبدا، يعيش كل حياته محلقا في السماء، ولا تحتضنه الأرض إلا إذا مات.

حياة أعضائها لا يستقيم معها وصف واحد، فقد وصفهم البعض بالمجانين، في حين وصفهم آخرون بالدراويش، أو المجاذيب. ساروا في طريقهم دون وعي منهم كما يؤكد السيد، كانوا كالنهر المتدفق الذي يجري دون إرادة منه، دون أن يلتفت إلى الوراء.

يفضل عمر السيد أن يصف مجموعته بالمجموعة الصوفية التي انغمست في آلام المجتمع، لكنها اختارت أن تحترق بعيدا عنه.
رغم مرور عقود على ميلاد مجموعة ناس الغيوان فإنها لا تزال تحتل مكانة خاصة في القلوب، وأكبر دليل على مكانة المجموعة في الذاكرة الشعبية المغربية ذلك الرواج الكبير الذي لقيه كتاب "الرحيل" الذي كتبه المرحوم العربي باطما قبل رحيله ولا تزال طبعاته تنفد ثم يعاد توزيعها من جديد، بعد أن وزعت في طبعتها الأولى فقط 10 آلاف نسخة، ولم ينقطع الإقبال عليها رغم مرور سنوات على صدورها.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26/05/2008, 11h52
ADILHO
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي رد: ناس الغيوان. صدى سنوات الجمر المغربية

ناس الغيوان ناس وهبوا انفسهم لهموم الناس قبل انفسهم. تعية اعجب وتقدير لهاؤلاء الناس الاحياء منهم والاموات فدمتم شمعة موقدة تضىء ظلم وظلمة القدر
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07/08/2008, 00h58
charafantah8 charafantah8 غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:152743
 
تاريخ التسجيل: janvier 2008
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 7
افتراضي «ناس الغيوان» .. أربعة عقود من العطاء الفني


خرجت مجموعة «ناس الغيوان» إلى العلن أواخر عقد الستينات من القرنالماضي، في أوج الصراع السياسي العالمي، وتطاحن الإيديولوجيات، والحرب الساخنةوالباردة بين المعسكرات السياسية والتيارات الفكرية. وكان طبيعيا أن يتأثر مسارهاالفني بالأجواء الفكرية والسياسية السائدة آنذاك محليا ودوليا. وبما أن فترةالستينات والسبعينات عرفت في المغرب، مخاضا سياسيا وفكريا، فقد كان طبيعيا أن تكون «ناس الغيوان» ابنة بيئتها ونتاج لحظة التجول الاجتماعي في المغرب.
خضعتالمجموعة لمحاولات تصنيف كثيرة، فاليسار المغربي، بمختلف ألوانه، حاول تبنيها،ودعاة الثورة والتغيير وجدوا في أغانيها شعارات تحريك مناسبة لدعاواهم السياسية،والنقاد مارسوا على كلمات وألحان المجموعة قراءات وتأويلات مختلفة وصلت أحيانا حدالعسف وإخضاع مضامينها قسريا لتمثلات جاهزة، والمواطن البسيط انجر وراء الخطابالفني «الغيواني» المرتكز على مكوني البساطة والعمق في المبنى والمغنى. كلمات بسيطةموغلة في عمق التراث المغربي، وألحان اجتمعت فيها مختلف الاهازيج والالوانالموسيقية المغربية، مما سهل تحريكها لسواكن ومكنونات الجماهير التي اقبلت بكثافةعلى سهرات المجموعة واحتضنتها.

وإذا كانت الغيوان خضعت لمحاولات التبنيوالتوظيف السياسي، فإن أعضاءها، سيما عمر السيد، عميد المجموعة حاليا، ظل ينفي أيتسييس لأغانيها، معتبرا ان «الفنان فنان والسياسي سياسي» رافضا الخلط بين المهمتين،وفي مناسبات عديدة أصر السيد على أن الأغنية «الغيوانية» تنويرية تسعى لأن تصبحإنسانية في أحسن الأحوال.

اعتبر كثير من المهتمين أن «ناس الغيوان» عاشتالحصار الفني خلال سنوات الاحتقان السياسي بالمغرب، والأكيد أن هذه المسألة تزدادلبسا عندما يستحضر المغاربة مفارقتين، من جهة كانت أنشطة وسهرات «الغيوان» وكلماتأغانيها تخضع لرقابة واضحة في أجهزة الاعلام الرسمية وتطوق مصالح الأمن حفلاتهاالتي كانت تعرف حضورا جماهيريا يفوق التجمعات الحزبية الجماهيرية، ومن جانب ثان حينيقرأ الناس ما يقوله عميد المجموعة عن علاقات متميزة ربطت بين «الغيوان» والملكالراحل الحسن الثاني الذي كان يستقدم المجموعة لإحياء سهرات داخل
القصر الملكي. ويزداد الموضوع لبسا إذا استحضرنا الموت الغامض للمؤسس «الغيواني» الراحل بوجمعةأحكور المعروف بـ «بوجميع»، حيث تحدثت أول أغنية للمجموعة بعده عن «خيي مات البارحواليوم لازم نفدي تاره»، وفهم من الأغنية أنها موقف من طريقة موت أو (قتل) بوجميعوضرورة الأخذ بثأره، وهو الموضوع الذي وجد صدى في الآونة الأخيرة لدى هيئة الانصافوالمصالحة المغربية التي عهد لها بالبحث في ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسانبالمغرب وجبر الضرر المادي والمعنوي الذي خلفته لدى الضحايا وذويهم، وضمنهم أسرةبوجميع التي رفعت شكاية في الموضوع. وهذه المعطيات إذا اضيفت إلى تصريحات عمر عنالراحل الحسن الثاني الذي سأله ذات سهرة عن أسباب موت بوجميع فأجابه السيد «إنهاالقرحة يا مولاي»، فتحسر الحسن الثاني وقال «مسكين»، شارحا للسيد أن علاج قرحةالمعدة ممكن.

وبعد رحيل عدد من رواد المجموعة المؤسسين، سواء بسبب المرض أوالموت، خفت صوت المجموعة وحضورها بسبب تقدم أفرادها في السن ووقوع آخرين فريسةالمرض مثل حالة عبد الرحمن باكو، المنشق عن «الغيوان» قبل سنوات والذي يوجد حالياطريح الفراش، أصبح الجمهور المغربي، بمختلف أجياله، يعيش على الذاكرة، كلما حضرسهرات «الغيوان»، ذاكرة الماضي الجميل الذي ما زالت تؤرخ له عشرات الألبومات، وهوالأمر الذي أقر به عميد «الغيوان»، بعد رحيل العربي باطما، ومن بقي من «الغيوان» (علال يعلى وعمر السيد) يحاولون حفظ تلك الذاكرة وصونها من التلف، وكانت اولىالخطوات في ذلك الاتجاه إصدار كتاب محقق شمل كل أغاني «الغيوان»، وقد تحمل عمرالسيد مصاريف الكتاب من دون أي دعم رسمي.

وبعيدا عن تاريخ الغيوان ومتعرجاتالسياسة، يحلو للعديد من المغاربة استحضار بورتريهات رواد الغيوان ومؤسسيها، فمنيكون بوجميع وباطما والسيد وباكو وعلال؟ ماذا قال عنهم الآخرون وماذا قالوا عنأنفسهم؟ هل ثمة امكانية لمحاولة تجميع ملامح فنية وانسانية لهؤلاء الفنانين واعادةرسم صورهم مثلما هي في الواقع وفي المخيال الشعبي والفني المغربي؟

بوجميع: ابن الصحراء الذي حمل دعدوعه (آلة موسيقية تراثية) وغنى في مسرح الطيب الصديقي ثمدلف ذات صباح لمقهى بالدار البيضاء كان يرتاده المثقفون وهناك التقى بالقصاصالمغربي الراحل، محمد زفزاف، وحدثه عن حلم كان ما يزال ساعتها جنينيا، تأسيس مجموعةفنية بتصور جديد ونمط مختلف لحنا وأداء وكلمات. لم يثبط زفزاف من عزم بوجميع، ولكنصاحب قصة الثعلب الذي يظهر ويختفي أدرك بالمقابل، حجم التحدي الذي ينتظر مجموعةتريد التجديد والقطع مع الماضي وثوابته الفنية المتحجرة. أسس بوجميع وغنى «فين غاديبيا خويا» و«الصينية» وغيرهما من الروائع، ثم ذات يوم حزين أسلم الروح بعد أن تقيأدما. رحل الرجل وبقي صداه إلى اليوم في مسامع عشاقه، ولعل سر هذا الفنان هو بالضبطما لخصه شقيقه محمد حين قال «ربما كان بوجميع يريد قول أشياء أو إيصال أمور وقضاياأكبر من مجرد حمل الدعدوع والصدح بالغناء»، وبرحيل بوجميع دشنت الغيوان بدايةعلاقتها مع مصيبة الموت التي ستطارد كثيرا من أعضائها.

العربي باطما: ابنمنطقة الشاوية المغربية، ارتبطت حياته بالرحيل، فهو ابن رحال ومؤلف سيرته الذاتية «الرحيل»، قبل أن يرحل العربي عن دنيانا، ظهرت مواهبه المتعددة في المسرح والسينماوالغناء والزجل.. وبدت الساحة الفنية المغربية كما لو كانت عاجزة عن احتضان كلمواهب هذا الفنان الذي رغم الشهرة التي حققها والحب الذي أحاطه به جمهوره الواسع،ظل يحمل داخله ذلك الفلاح المبدع الذي لم يجد عنوانا لملحمته الشعرية سوى «حوضالنعناع».

عمر السيد: يجمع بين ميزتي الفنان والمسير الاداري للمجموعة، اتسعصدره اربعين سنة لنزوعات وأمزجة أعضاء المجموعة. بسيط الهندام والكلام. لم تكنعلاقته في البداية جيدة بوسائل الاعلام. كان الجمهور يصعد إلى الخشبة ليلتقط صورامع باقي أعضاء المجموعة من دون ان يلتفتوا إليه. كانت قامته وملامحه توحيان للناسبعكس ما يختزن قلبه. عمل بنصيحة أحد الاصدقاء واحتك بالتلفزيون الى أن صار وجهايتهافت عليه العشاق في الشارع وفي السيارة والمسرح

علال يعلى: إنه مجنونالموسيقى، كما يصفه الكثير من الملحنين، صامت أبدا أمام الكاميرا أو الميكروفون.لايتحدث إلا قليلا إلى الصحف. جاء إلى البيضاء من منطقة هوارة (جنوب)، تعلم الموسيقىبطرق عفوية في البداية لكنه سرعان ما انكب على دراستها ليصبح أستاذا تحج إليه أفواجالمريدين. علال، أكبر أعضاء المجموعة سنا، يعرف باتقانه العزف على آلة البانجو التياستخرج منها ألحان خارقة، لكنه يعزف أيضا على عدد كبير من الآلات وبالاتقان ذاتهالذي يبين عنه مع الآلات الوترية.

عبد الرحمن باكو: فنان كناوي من عيارثقيل. حين يغني تأخذه الجذبة ويغمض عينيه تماما. قبل التفنن في الألوان الكناويةو«ملوك الحال»، كان باكو يتفنن في النقش على خشب العرعار. كان الراحل بوجميع يبحثعن عازف ماهر على آلة «هجهوج» فقصد مراكش. كان يريد الاتصال بفنان آخر لكن الأقدارجعلته يلتقي بباكو، فاقترح عليه الاشتغال مع المجموعة. حمل باكو سنتيره وسار خلفبوجميع. لم يناقش ولم يشترط. يحكي باكو في مذكراته أن لقاء جمعه بالمطرب اللبنانيمارسيل خليفة فطلب منه الأخير أن يشرح له جملة من أغنية للغيوان تقول:«سنتير يزيرانغامو على الحصير، سكب وتعبير»، أي أن آلة السنتير تزأر وتسكب أنغامها وتعبيراتهاخلال جلسة يفترش جلساؤها الحصير.فهم مارسيل المعنى وقال له: «لو غنيتم هذه الجملةفقط، لاستحقت الغيوان كل هذه الشهرة». بعد وفاة العربي باطما، فضل باكو أن تلوذالمجموعة بالتأمل وقراءة الذات، بينما دفع الباقون في اتجاه مواصلة المسيرة الفنية. وقع الخلاف وانصرف باكو. هو يقول إنه طرد، وعمر يقول إنه غادر. اختلفت الروايات،لكن الذي لا يختلف فيه الجمهور هو أنه المجموعة أعطت للساحة الفنية المغربيةالكثير، وأنها أكبر من أن تصبح مجرد ذكرى. لو كانت «الغيوان» ظاهرة فقط لطواهاالنسيان، لكن أن تجد شبانا ومراهقين يحفظون أغانيها ويجذبون وراء أنغامها.. فذلكمربط الفرس «الغيواني
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07/08/2008, 01h07
charafantah8 charafantah8 غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:152743
 
تاريخ التسجيل: janvier 2008
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 7
افتراضي الغيوان ... قراءة في تجربة فنية من الهامش ( بحث لنيل الاجازة)

ناس الغيوان

قراءة في تجربة فنية من الهامش


بحث لنيل الاجازة...الجزء الاول



بحث لنيل الإجازة في الأدب العربي

تحث عنوان

ناس الغيوان

قراءة في تجربة فنية من الهامش

إعداد الباحث

محمد سليماني

تيسينت84053 طاطا

المغرب

+21270705912

+21228216293

Slimani_93@hotmail.com

مقدمة :

لعل أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ وهو يتفحص ثنايا هذا البحث هو لماذا البحث في هذا المجال دون غيره ؟

تنسج الإجابة عن هذا التساؤل المشروع بطرح نفس السؤال بطريقة عكسية هو لما لا البحث في موضوع تجربة ناس الغيوان الغنائية، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار إلزامية البحوث في ختام السنوات الجامعية .

وللخوض أكثر في عمق هذا التساؤل يقودنا الحديث إلى ملاحظة تزكي هذا الطرح وهي نذرة الأبحاث وقلة الدراسات التي تناولت التجربة الغيوانية .

وإذا جازفنا بالقول بوجود بعض هذه الدراسات فإنها أحيانا تتناول جانبا واحدا عن ناس الغيوان وحينا آخر في تداخل مع قضايا أخرى بعيدة عن المقام الغيواني موضوع بحثنا .

إذن، فهذه النذرة والقلة ساهمت إلى حد ما في اختيار هذا الموضوع والبحث فيه غير أن الحافز الأول قبل كل شيء هو صدور ديوان "كلام الغيوان" الذي يعتبر بمثابة الشعلة التي أنارت كثيرا مما خفي. إضافة إلى هذا. تلك المقدمة التي دبج بها الأستاذ حسن نجمي هذا الديوان حيث يقول "إن هذا الديوان -بلا شك- سيفسح المجال للدراسات والأبحاث التي لم تكن دائما موفقة في الإمساك بقوة وتميز الأغنية الغيوانية، وإن كانت القراءات الجادة قد تعدرت في الماضي، فلربما كان ذلك بسبب من تعذر الوصول إلى النصوص الشعرية كاملة غير منقوصة وغير مشوهة، لذلك يمكن لهذا المثن الغنائي أن يساعد على إنجاز دراسات وقراءات تعيد الاعتبار من جديد لإحدى أبرز التجارب الغنائية والموسيقية في المغرب وخارجه"[1]

إن هذا الديوان ساهم في إماطة اللبس عن كثير من الكلمات في المثن الغيواني من جهة ومن جهة أخرى من شأنه أن يساعد الأجيال القادمة على إمكانية التمثل الجيد للتجربة الغيوانية وإعادة التماهي مع عناصرها الشعرية والموسيقية والادائية، وبهذا يكون هذا الديوان قد نقل الموروث الغيواني من النص الشفاهي إلى النص الكتابي قصد الوصول بسهولة ودقة إلى عمق ودلالة الكلمات العتيقة المتأثرة بالأصالة والتراث الشعبي في أعمق جذوره .
ويأتي هذا البحث المتواضع كنقطة من بحر قصد استجماع ما أمكن استجماعه بخصوص ناس الغيوان. وإذا كان الناس ألفوا في المقدمة الإشارة إلى عناصر البحث ومحتوياته. فإن بحثنا هذا مقسم إلى قسمين أو فصلين خصص الأول منه لإلقاء نظرة على التجربة الغيوانية من الخارج وهدفها الإحاطة بمحيط ناس الغيوان، فهي تعتبر مهمة للإحاطة بمفهوم الاسم والفضاء الذي تبلورت فيه فكرة ناس الغيوان دون إغفال اللحظة التاريخية لأنها تعتبر أمرا في غاية الأهمية لاعتبارات منطقية، زد على ذلك معرفة أفراد ناس الغيوان كذا الأشخاص الدين مروا من المجموعة والدين أتوا إليها فيما بعد وتركوا بصمات لم تكن لتنسى أو أن يطويها الزمان، ونختم الفصل الأول بعلاقة ناس الغيوان بأبي الفنون وكيف أمدهم بقوة هامة للوقوف على الخشبة .
أما الفصل الثاني فقد توقف على الغيوان من الداخل إن صح التعبير فهو إقتصر على أغاني ناس الغيوان من خلال جدورها الثراثية لنصل إلى عنصر مهم ألا وهو محاولة تصنيف هذه الأغاني بين تلك التي تستنهض الهمم القومية والوطنية ودات الهموم الإنسانية التي تنشد السلام والأمان والعدل والأمل … وتنبذ الحقد والكراهية وتلك التي حفلت بمشاهد تصويرية عن القهر والظلم خلال سنوات الجمر والرصاص …
وخثمنا هذا الفصل بأغاني هي اهذاءات إلى روح الراحلين بوجميع وباطما. وعموما هذه فقط محاولة لنفض الغبار وإبراز بعضا من معظم ما خفي من تاريخ ناس الغيوان ويبقى المستقبل مشرعا أبوابه لمواصلة البحث واستمرار الجهد للإحاطة بخفايا التجربة الغيوانية ..

1 - ناس الغيوان و التيارات الغنائية بالمغرب خلال الستينيات.
تقاسم المشهد الغنائي المغربي المعاصر خلال مرحلة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات تيارات غنائية ثلاث :

أ - تيار شكل امتدادا وتمثلا للأغنية المشرقية وخاصة المصرية، التي غزت الساحة الوطنية، حيث اعتمد هذا التيار على استلهام روح الغناء المشرقي وتوظيف الخصوصية المغربية، واعتماد القصيدة والنهل من المواضيع الكلاسيكية، وقد مثل هذا التيار المرحوم أحمد البيضاوي …

ب - تيار استند على الإرث الغنائي الشعبي المغربي من خلال تناول مواضيع شعبية وبلغة دارجة مقتسبة من لغة الناس البسطاء. هذا التيار يتجسد في تجارب "الحسين السلاوي" و"بوشعيب البيضاوي" …

ج - تيار حاول مسك العصا من الوسط من خلال اعتماد لغة وسطى بين الفصحى والدارجة مع العمل على التنويع في المضامين لكن دون الاغراق في الشعبية، هذا الثيار يمثله رواد الأغنية المغربية مثل، "فويتح"،"المعطي بنقاسم"و"إبراهيم العلمي" …

ورغم إنجازات هذه الثيارات نوعيا وكميا فإن ذلك لم يقلص من هيمنة واكتساح الأغنية المشرقية ومن ثم كانت الحاجة إلى أغنية مغربية تنطلق من الإرث الغنائي الشعبي. ومن والآم وآمال الجماهير الشعبية القابعة في أسفل الدرك، وفي نفس الوقت استلهام انغام وإيقاعات التراث المغربي بكل أطيافه مع الاستفادة من منجزات الموسيقى العالمية.
… توالت السنوات إلى أن ظهرت "ناس الغيوان" وكانت بحق في مستوى هذه التطلعات والآمال… واستطاعت في فترة وجيزة أن تؤسس لنفسها جماهيرية أسطورية تعدت حدود الوطن إلى مختلف أرجاء العالم العربي، بل أنها تعتبر اليوم إحدى أهم الظواهر الغنائية في العالم المعاصر، وتوازيا مع المرحلة التاريخية التي انطلقوا من صلبها تركبت بنية المجموعة على شكل جماعي يلتزم كل فرد فيها بأداء دوره الفعال بحيث تصير الأغنية في بنائها الكامل مزيجا من بنيات متداخلة ومتشابكة ينسجها الغيوانيون أنفسهم من خلال أصواتهم المتبادلة في أبعادها النطقية والمنسجمة ضمن حدود الإيقاعات، وإدخال نمط المجموعة على المشهد الغنائي المغربي يعد في حينه ثورة حقيقية وتمردا واضحا على النظام الكلاسيكي المعتمد في المغرب الواحد .
تتخذ الأغنية الغيوانية طابعا شعبيا في شكلها العام من أجل خلق تواصل روحي مع الشعب واتخاذ هذا الطابع الشعبي يستلزم معرفة عميقة بطرق الإبداع والإبداعات الجماهيرية، لذا استمد "ناس الغيوان" أداة التواصل من اللغة اليومية المتداولة التي شكلوا بها صورا منتزعة من واقع الجماهير … وعلى مستوى الموسيقى الشعبية هناك اهتمام غيواني بالمنابع اللحنية القريبة من روح الشعب وإلى ذوقه من خلال الجمل المستمدة من التراث واعتماد آلات غنائية شعبية أصيلة كانت مغمورة وحقيرة .

2 - الاسم : ناس الغيوان .
المجموعة كانت موجودة قبل أن تسمى "ناس الغيوان" فهي ضمنيا ولدت في مسرح "الطيب الصديقي" لكن بدون اسم خلال هذه المرحلة، بعد أن خرجوا من المسرح تمت تسميتهم "الدراويش الجدد" مع الفنان علي القادري صهر الطيب الصديقي الذي كان يشتغل معه في إدارة المسرح البلدي آنذاك ومعه أيضا قدمت المجموعة أول حفل وكان ذلك بمطعم "نيوتليس" "NAUTILUS" بعين الدياب بالدار البيضاء ودائما تحت اسم "الدراويش الجدد" "DERWICHE NEW" فيما المرحلة الثالثة وهي المرحلة التي سيشتد فيها عود المجموعة مع الطيب الجامعي الذي أطلق على المجموعة "ناس الغيوان" حيث قال عمر السيد في أحد البرامج التلفزيونية أن "ناس العيوان تعني ناس المحبة ناس الخير ناس السلام"، وفي الموروث الشعبي الغيوان تعني الترجمة المطابقة لأهل التجوال التي تفسر بشكل إيجابي بتوابع المغامرة والتسكع والغناء والاحتفال … إذن ببساطة هذا التعريف الشعبي هو الأقرب إلى القصد من التسمية حيث "الغيوان" أو "الغيواني" ترادف الفنان المبدع الجوال بين الليالي الساهرة همه الوحيد إشباع رغباته الفنية وإبراز مؤهلاته الإبداعي

3 - الغيوان والمسرح :
لا يختلف اثنان في أن أفراد ناس الغيوان جاءوا من رحم المسرح، ففيه رست اولى خطواتهم في عالم الفن والإبداع، فقبل أن يلتف هؤلاء حول مجموعة الطيب الصديقي المسرحية فقد كانت لهم أعمال مسرحية سابقة - ربما أنها لم تكن ناضجة على المستوى المطلوب - فبوجميع أسس رفقة بعض أصدقائه مجموعة مسرحية تضم إلى جانب بوجميع واليحياوي ومطراز وعمر السيد، أناس آخرون. وكانت هذه الفرقة تسمى "رواد الخشبة" حيث أسندت رآستها إلى ادريس أوعلا. الفرقة قدمت آنذاك عروضا مسرحية منها "الحاجة كنزة" "باحمان"، أما من ناحية الكتابة فقد كان بوجميع يكتب للفرقة جل المسرحيات، وكلما احتاجوا للموسيقى في إحدى المسرحيات فقد كان العازف علال يعلى هو من يتكلف بالعزف.
أما العربي باطما فقبل أن يلتقي مع بوجميع وعمر السيد في مسرح الطيب الصديقي فقد كان ينشط هو الآخر ضمن فرقة "الهلال الذهبي" وهناك من يسميها فرقة "الإنارة الذهبية" جسد معها دور من مسرحية تسمى "ليلة عاشوراء"[2]، كما كان هو الآخر يكتب مسرحيات لهذه الفرقة التي قضى معها ثلاث سنوات من أهم المسرحيات "سيدنا الشيخ" التي حازت على جائزة آنذاك و"الخياط" "الخراز" "نفيسة" …

ولما سمع الطيب الصديقي الذي كان يهتم آنذاك بمسرح البساط بأن هناك بعض الشباب بالحي المحمدي يسيرون على نهج مسرح البساط (مسرح البساط مسرح يمزج بين الغناء والتمثيل) أبدى رغبته الأكيدة في ضم هؤلاء إلى فرقته، وللإشارة فالعازف علال كان قد التحق بفرقة الصديقي قبل ذلك، هذا الأخير الذي وظف إمكانيات الصورة والرمز والحركة والتراث بشكل جعله رائدا على المستوى العربي عامة وأتاح الفرصة لعدة مواهب لتبين عن كفاءتها داخل مجال مسرحي واسع يستعمل الفرجة الكاملة، بل أثر بشكل وبآخر في توجه بعض ممثليه نحو الغناء الشعبي وكان من نتائج ذلك التقاء بوجميع وعمر السيد والعربي باطما وكانت مسرحية "الحراز" أهم عمل مسرحي لهولاء مع الصديقي، وكل من استطاع استعادة شريط المسرحية المسجلة للتلفزيون المغربي سنة 1968 سيلاحظ بوادر الظاهرة عند هؤلاء الفتية الذين كانوا يتناوبون على

غناء القصيدة حربة واقساما والدين كانوا يضيفون في المسرحية مرددات شعبية ظاهرها ساخر وباطنها نقد اجتماعي قوي المفعول[3].

وهنا بدا التجاوب واضحا بين بوجميع وباطما وعمر السيد من خلال المقطوعات التي يؤدونها أثناء المسرحيات ولما أقام الصديقي ما يسمى بالمقهى المسرحي "CAFÉ THEATRE" أصبح هؤلاء يغنون فيها أغاني من إبداعاتهم وإبداعات أناس آخرين، حيث يحضر الناس بكل مكوناتهم عاديون، فنانون، مسرحيون … لمشاهدتهم .

فإلى جانب مسرحية "الحراز" شارك هؤلاء في مسرحيات مثل "سيدي عبد الرحمان المجدوب" "سيدي ياسين فالطريق" ثم أعمال أخرى .



4 - الفضاء والتاريخ :

إن من يريد الكتابة أو الحديث عن مجموعة ناس الغيوان لابد له من أن يطلع على الفضاء واللحظة التاريخية التي أنجبت هذه المجموعة، ولكي تكون لهذه الكتابة أو لهذا الحديث واقعية محترمة لابد من قراءة تستدعي بدورها أهمية دراسة وتحديد السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي والتاريخي الذي ولدت فيه هذه المجموعة الغنائية ونظن -حسب ذ. حسن نجمي- ان التعرف على قيمة الدور البادخ لناس الغيوان لا يتحقق بدون تقديم اللحظة التاريخية المعقدة التي ظهرت فيها التجربة والانتباه إلى الفضاء الشعبي الذي تشكلت فيه العناصر التكوينية الحاسمة لهذه الحركة الفنية (الغنائية والموسيقية)"[4].

ناس الغيوان يؤرخ لظهورها زمانيا منذ نهاية الستينيات حين خرج كل من بوجميع، باطما وعمر السيد من فرقة الطيب الصديقي المسرحية بسبب مقال نشره الصديقي في إحدى الجرائد الفرنسية. " … خصوصا وأن المقال كان قدفا في حق كرامتنا فلقد قال المدير للصحفي أنا أعد الممثلين الذين في فرقتي كفئران للتجارب … أجرب فيهم مسرحي"[5]. هذا الكلام لم يرق هؤلاء الشباب فكانت النقطة التي أفاضت الكأس لتقوم الثورة، "لم تكن ثورة عنف وخصام بل كانت ثورة فن..حتى أني أقول كان اتحاد ممثلين ضد سنين عنف وخصام وسب… رحم الله بوجمعة فهو الذي أفتى علينا ذلك .. قال لنا :إن الخشبة هي ميداننا، ففيها سيكون اتحادنا وثورتنا وانتقامنا منه … ولنظهر بأننا لسنا فئران تجارب …"[6] هكذا خرج هؤلاء ليبحثوا عن زملاء لهم لإكمال الفرقة، وكان الحي المحمدي الفضاء الذي آوى المجموعة، هذا الحي المعروف بأزقته الضيقة وصخبه وبساطة أهله هو الذي أنجب من صلبه فرقة غنائية زعزعت أركان الأغنية المغربية وأثمرت أعمالا تعد اليوم بحق ذخائر فنية ناذرة. ولكي نقدم قراءة موفقة لابد من تسليط الضوء على الحي المحمدي كمكان ثم اللحظة التاريخية التي عرف بها آنذاك.
عموما شكل هذا الحي ملاذا آمنا لمجموعة من الأسر المغربية التي أنهكها بطش الاستعمار ومواليه، حيث نزحوا من مناطق مختلفة من المغرب، فالتقى الكل بالحي المحمدي وأحياء هامشية أخرى بالدار البيضاء. هذا الحي كان مقسما إلى دروب وتجمعات سكنية بسيطة واكواخ كدرب مولاي الشريف، بلوك السكك الحديدية، لاراد، لافارج، كريان الجديد، كريان سنطرال … هذه الأحياء قطن بها هؤلاء العمال، حيث جعلوا من الحي المحمدي ما يشبه "ساحة جامع الفناء" حيث كانوا عندما يحل المساء ويعودوا من تعب العمل نهارا يخرجون في مجموعات غنائية في مختلف الأحياء : فمثلا درب مولاي الشريف به قبائل صحراوية وخصوصا قبيلة دوبلال المعروفة برقصة الكدرة. حي السككيين يعرف رقصة أحواش، لافارج رقصة كناوة …

من المعروف أن الأحياء التي يسكنها عمال بسطاء تشكل غالبا الشرارة الأولى لكل الانتفاضات ضدا على القهر والاستغلال، ولأن الحي المحمدي واحدا من هذه الأحياء فطبيعي أن يكون واحدا من معاقل المقاومة ضد الاستعمار، إضافة إلى كونه مكان خصب لتفتق بوادر تكوين أحزاب سياسية ونقابات عمالية هذا كله سيؤدي إلى قيام ثورات عمالية يقودها أناس بسطاء وهذا ما تبلور في الأغنية الغيوانية وظل صداه ملازما لها، والحي المحمدي ليس إلا صورة مصغرة لما شهده المغرب كله حيث عرفت مرحلة ما بعد الاستقلال انقلابات على سدة الحكم وسيطرة أدناب الإستعمار على مقاليد السلطة مهمشين بذلك رجالات المقاومة وجيش التحرير بعدما كان الجميع يتشدق بأن الكعكة سيتم اقتسامها بالتساوي لكن العكس هو الذي حدث، إذ تميزت هذه الفترة بتصاعد وثيرة الاعتقالات التعسفية والتصفيات الجسدية التي طالت كل من ينادي بالتغيير لتلوح في الأفق بوادر تبدد كثير من الآمال والأوهام التي رافقت مرحلة ما بعد الاستقلال وهو ما صعد من حدة الصراعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية … هذا على المستوى الداخلي. أما على المستوى الخارجي فيمكن تفريع هذه النقطة إلى جانبين : أولهما على المستوى العالمي حيث شكلت فترة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات أوج التساؤل الكبير حول طبيعة ومسار ومآل تركيبة المجتمعات الرأسمالية المصنعة، فقد تكتفت عوامل تاريخية كبرى (نهاية الاستعمار العسكري إجمالا وأفول إمبراطوريات استعمارية، بروز أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية …) لتتمخض عن طفو هائل لمشاعر وأحاسيس القلق والبؤس والتمرد، لقد أحست أجيال ما بعد الحرب العالمية الثانية أن آمالها أخذت تخيب وطموحاتها أخذت تتبدد … وان التقدم الصناعي والتكنولوجي … قد ثم حقا على حساب إنسانية الإنسان نفسه وهو ما عكسته ظواهر نظريات فلسفية وفكرية : كالاستلاب والتشيؤ والفردانية …كما اجتاحت أوربا وأمريكا موجات "الهيبين" بمختلف مظاهرها …

ثانيهما على الصعيد القومي فقد كانت هذه الفترة مرحلة الانهزام والفجيعة بامتياز! فقد زلزلت هزيمة 1967 العقول والعواطف في أمر نكسة واندحار عرفه العرب في تاريخهم الحديث زد على ذلك المجزرة الشنيعة صبرا وشاتيلا ثم انتفاضة أطفال الحج)ارة سنة 1988 . كما عرفت المرحلة تصاعد موجات النداء بالقومية العربية والوحدة العربية"[7].

وإجمالا هذه مجمل الأحداث والظروف البارزة التي تمخضت عنها تجارب موسيقية شكلت في عمقها تعبيرا عن واقع المجتمعات ورصدا لتحولاتها وفي هذا الإطار برزت مجموعة ناس الغيوان كواحدة من المجموعات الغنائية بل أولى المجموعات الغنائية الرائدة حيث استطاعت هذه التجربة وفي أعوام قليلة لكن بأغاني انجازات استثنائية أن توجد لنفسها قاعدة جماهرية عريضة تعدت حدود الوطن

5 - أفراد مجموعة ناس الغيوان :

التقت مصائر شبان من الحي المحمدي بالدار البيضاء بداية الستينيات بحكم الظروف المتشابهة في أغلب حالاتها وهي أنهم أبناء مهاجرين نزحوا من أنحاء مختلفة من المغرب واستقروا بالحي المحمدي، والذي شكل في تلك الفترة معقلا للعمال والمهاجرين والنازحين من القرى ومن مدن أخرى إما بسبب التهجير خلال الاستعمار أو بسبب البحث عن ما يسد رمق العيش، يقول عمر السيد "… قليل هم الدين يعرفون أنه قبل أن يكون أفراد ناس الغيوان أصدقاء ومنتمون إلى نفس الفضاء الاجتماعي والثقافي فقد كان آباءهم أصدقاء بحكم الانتماء إلى نفس الحي الذي كان يجمعهم وبحكم الظروف التي جعلتهم ينزحون من بلدانهم ويستقرون بالحي المحمدي، فأباؤنا كلهم من المهاجرين نزحوا إلى الدار البيضاء من مناطق مختلفة واستقروا بكريان سانطرال، والد بوجميع نزح من نواحي طاطا من جنوب المغرب، والد علال قدم من أولاد برحيل وكان ينتمي إلى فرقة هوارة المعروفة بإيقاعها الجميل، أما والد العربي باطما فقد جاء من منطقة مشرع بن عبو "دوار الشكة" أولاد البوزيري (نواحي سطات) والدي أنا -حسب عمر السيد- قدم من قبيلة إيدوسكا ناحية أيت باها بسوس"[8].

الملاحظ أن عمر السيد اقتصر هنا على بعض الأفراد دون غيرهم ولا يمكننا نحن هنا إغفالهم أو تناسيهم ببساطة لأنهم قدموا خدمات للظاهرة الغيوانية عموما وناس الغيوان على وجه الخصوص وهم مولاي عبد العزيز الطاهري الذي ينحدر من مدينة مراكش ومحمود السعدي ابن حي سوسيكا بالحي المحمدي، وعبد الرحمان قيروش الملقب ب "باكو" من مدينة الصويرة، غير أن هؤلاء منهم من عمر طويلا مع المجموعة ومنهم من غادرها مبكرا ليؤسس مجموعات غنائية على غرار ناس الغيوان كجيل جبلالة التي يعد كل من مولاي عبد العزيز الطاهري ومحمود السعدي من مؤسسيها الأوائل. ثم هناك رضوان ريفق الذي رافق المجموعة لبعض الوقت .

إن هذا الاختلاف في الأصول وهذه الجغرافيا المتباينة ساعدت إلى حد ما مجموعة ناس الغيوان على بلورة أغنية تتداخل فيها أصوات وإيقاعات مختلفة منها الإيقاع السوسي الأمازيغي، الإيقاع الكناوي، الصحراوي، العروبي، العيطة … هي إيقاعات تحملك مباشرة وتحيلك على

أصول أصحابها، وهو ما أعطى لأغنية ناس الغيوان تنوعا شعبيا وجمالية خاصة. الفضل فيه يرجع إلى التراث.

وللوقوف أكثر على التجربة الغيوانية لابد من الوقوف عند أفراد مجموعة ناس الغيوان لمعرفة كيف كونوا ناس الغيوان .

1- 5 - بوجميع :

إسمه احكور بوجمعة ولد بالبيضاء سنة 1944، شارك في فرقة هواة المسرح (رواد الخشبة) سنة 1963 وفي سنة 1968 إحترف التمثيل مع فرقة المسرح البلدي حيث شارك في عدة مسرحيات أهمها "الحراز" مع الطيب الصديقي إلى جانب كل من العربي باطما وعمر السيد وآخرين …

بوجميع أبرز مؤسسي مجموعة ناس الغيوان درس الابتدائي بمدرسة الاتحاد التي شيدها أهالي المحمدي في ذلك الإبان، بعد ذلك انتقل إلى ثانوية الأزهر وهي الثانوية الوحيدة التي كانت معربة في تلك الفترة وكان يدرس بها أساتذة مشرقيين ومن هؤلاء أخذ بوجميع الولع بالقضية الفلسطينية وتأثر بها أيما تأثر. بوجميع ينحدر من أسرة فقيرة كانت تقطن بالقرب من مكان يسمى آنذاك "الشانطي ديال الشابو" وهو مكان أشبه بساحة جامع الفنا، ففيه تلتقي مجموعة من الفرق الموسيقية كل يوم أحد. ومن هذه الفرق : فرقة أحواش، الكدرة، هوارة، عيساوة، أقلال … فيخرج الناس لمشاهدتها وكان بوجميع دائم الحضور إلى هذا المكان الذي يضم أيضا أصحاب "الحلاقي".

ومهما كتبنا أو تكلمنا عن بوجميع فإن أبلغ شهادة في حقه هي شهادة رفاق مسيرته الفنية وأصدقائه في الحياة اليومية .

أ - العربي باطما … لا أحد ينكر أن بوجميع كان فنانا وكذا صوته الرنان، ولو طال الزمان وعاش بوجميع لكان من الفنانين المرموقين … صورته المستعادة بالنسبة لي تأسف على فقدان صديق وثانيا لفقدان الساحة الفنية ببلادنا لإنسان كبوجميع .

ب - الحسين بنياز -باز-: يقول … علاقتي ببوجميع بدأت سنة 1969 في فرقة المسرح البلدي كان "حشومي" لا يتكلم كثيرا ولا يتشاجر، إنسان صبور متفتح مع الكل.

ج - عمر السيد : … إن مرحلة بوجميع تتميز بالصدق، كان أثناء وجوده فوق الخشبة إنسانا آخر يقول أشياء جديدة تحس به أنه يعبر عن صراعات داخلية وهذا ما يدل على عبقرية هذا الرجل وعمق شعبيته الأصلية .

د - مولاي عبد العزيز الطاهري : … بوجميع كان معروفا بجانبه الإبداعي. والمقاطع التي كان يتولى أذاءها فوق الخشبة والتي كان يجري حولها اتفاق من حيث المبدأ كانت تثبت أنه الشخص المؤهل بالفعل لذلك … بوجميع أحبه الجمهور كثيرا وأنا كواحد من الفرقة آنذاك كنت أشعر بقوة خارقة معي فوق الخشبة، وكان يطربني صوته[9].
… هذه عموما شهادات رفاق بوجميع وأصدقائه، شهادات تجمع وتلتقي كلها عند عبقرية هذا الفنان، وانضباطه الفني، لكن الموت لم يمهله طويلا إذ رحل عن المجموعة وهو في عز العطاء بعيد سنوات قليلة من تأسيس المجموعة وكان ذلك يوم 26 أكتوبر 1974 ولازالت وفاته تطرح أكثر من سؤال خصوصا وأن عائلته التي عاينت الوفاة تقول أنه مات مسموما، متأثرا بشيء أكله أو شربه وهو الأمر الذي شكل مادة لوسائل الإعلام الوطنية لطرح سؤال الوفاة حيث تكلمت بعضها عن الوفاة متسائلة عن أسبابها والشبهات التي تحوم حولها. وفي نفس الإطار دائما تطرقت القناة الثانية 2M في حلقة عن المرحوم بثت يوم 18/03/ 2005 عن هذه الوفاة أخذة رأي العائلة ورأي رفاقه وأصدقائه وكل من له علاقة ببوجميع، وبين رأي عائلته ورأي صديقه ورفيقه عمر السيد. هذا الأخير الذي يقول أن بوجميع كان يعاني من قرحة المعدة حيث بوجميع كان لا ينضبط لوصفات الأطباء ونصائحهم وهو ما زاد حالته سوءا وتدهورا .

وبين هذا وذاك تبقى الوفاة نهاية النهايات وخاتمة الخاتمات وسببها يضل لغزا محيرا - على الأقل للعائلة - يرجى حله إلى أجل مسمى أو غير مسمى …

2-5العربي باطما :

ولد بالبيضاء سنة 1947، وفي سنة 1964 عانق الكتابة حيث كتب ومثل وغنى في فرقة الهواة البيضاوية للمسرح وفي سنة 1969 عمل كممثل محترف بالمسرح البلدي، العربي شاعر زجال يمتاز بملكة شعرية رائعة من ميزاته أيضا ذلك الصوت الشاوي الشجي المتميز وذلك الشعر الرقيق والحضور الأخاد سواء على مستوى الأغنية أو التأليف المسرحي أو كممثل أدى أدوارا ستبقى راسخة في ذاكرة السينما المغربية

ازداد دور العربي باطما داخل مجموعة ناس الغيوان بعد وفاة بوجميع، إذ أصبح عراب المجموعة بدون منازع فهو الذي كان يكتب جل الأغاني لها. العربي كان كثيرا ما يركن إلى نفسه بعيدا عن

الناس ويرحل عميقا في دواخله يحب الوحدة ويعشقها وقد يحدث أحيانا أن يجلس في بيته مدة طويلة لا يغادره، وبتعدد مواهبه بين الموسيقى والمسرح والتمثيل والرياضة والسينما والكتابة حضي باطما بإعجاب وتقدير كبيرين من طرف الجمهور المغربي والعربي عامة كتب باطما سيرته الذاتية وهوعلى فراش الموت في سباق مع الزمن ينتظر أجله المحتوم فكان "الرحيل" الكتاب الأول ثم تلاه "الألم" ليشكلا سيرة عن العذاب والمتعة والموت …

يعترف باطما بكثير من المرارة أن الفن عذبه وأخذ منه كل حياته، وهي حقيقة لا تحتاج إلى تأكيد يقول "… لقد عذبني الفن طيلة حياتي، وكم من مرة تمنيت لو كنت عطارا أو خضارا أو جزارا فعلى الأقل ستكون حدة المشاكل أهون من مشاكل الفن …"

ويواصل أيضا "… لو كنت أعلم الغيب، لبقيت حارسا للدراجات، أو اشتغلت في السكك الحديدية مكان أبي … إنني أقول لنفسي الآن، أما كان الأجدر بي أن أبقى في باديتي الحبيبة لأموت هناك بعيدا عن الأضواء والشهرة ومحاصرة أعين الناس من كل جانب"[10].

فباطما رغم أنه مارس الكتابة والشعر وكتب سناريوهات مسرحيات وأفلام مثل: مسلسل "جنب البير" مسرحية "هاجوج وماجوج"،"36"،"العقل والسبورة" … فإنه لم يدعي يوما أنه كاتب[11].

ولم يسبق له أن انخرط في اتحاد للكتاب أو الشعراء أو ما شابه ذلك، إلا أن المرض لم يمهله كثيرا، إذ توفي يوم 7 فبراير سنة 1997 بسبب المرض الخبيث أو المسمى بالسرطان وهو مرض تأثر به العربي كثيرا وهو ما تجلى في بعض أغاني المجموعة التي أنتجتها في تلك الفترة ك "الهموم حرفتي" و"مكواني" …

هي أغاني عديدة تعبر عن نفسية العربي باطما المتدهورة بفعل المرض إلى درجة أصبح العربي لما يصبح يعتقد أن المساء سيكون حدا لحياته ولما يمسي يعتقد أن الصباح لن يدركه. مرت الآن ثمان سنوات على رحيل العربي، وتضل كتبه ومخطوطاته بل كل خزانته التي قالت وزارة الثقافة آنذاك أنها ستحولها إلى متحف يزوره الباحثون والمهتمون يظل هذا كله قرار ليس إلا .
-------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] : حسن نجمي، مقدمة كتاب "كلام الغيوان" ص12 / ط 4 / 2004 منشورات اتحاد كتاب المغرب .

[2] : العربي باطما، الرحيل ص 82، ط4 / 2005، منشورات دار توبقال.

[3] أحمد عيدون، أوراق عن الموسيقى المغربية، جريدة "الصحراء المغربية" تاريخ 19/06/1999 .

[4] حسن نجمي. مقدمة كتاب "كلام الغيوان" ص6 ط4 / 2004 منشورات اتحاد كتاب المغرب.

[5] : العربي باطما، الرحيل ص104 ط4 / 2005 .

[6] : نفسه ص104 /105 .

[7] : إبراهيم ايت حو، إضاءات … حول الأغنية المغربية، سلسلة شراع ع2 / 1999 .

[8] : جريدة الاتحاد الاشتراكي، دجنبر 2000 .

[9] : جريدة الاتحاد الاشتراكي، يوم 27 اكتوبر 1991 .

[10] : العربي باطما، الرحيل ص 117/118 ط4 / 2005 .

[11] : جريدة البيضاوي عدد 137، يوم 09/02/2005 .

-----------------------------------------------------------------------------------------------------


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07/08/2008, 01h10
charafantah8 charafantah8 غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:152743
 
تاريخ التسجيل: janvier 2008
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 7
افتراضي الغيوان ... قراءة في تجربة فنية من الهامش ( بحث لنيل الاجازة) 2

بحث الاجازة...الجزء الثاني

5 3 - عمر السيد :

ازداد في الدار البيضاء سنة 1947 وفي سنة 1963 شارك مع جمعية المسرح -رواد الخشبة - ليلتحق سنة 1967 بالجوق الجهوي بالدار البيضاء وفي سنة 1968 عمل كممثل محترف بالمسرح البلدي وبالتلفزة المغربية، عمر ينحدر من أسرة فقيرة من أب عامل بسيط وأم بدوية، يعترف عمر أنه كان كسولا في كل المواد ماعدا الكيمياء فهو لم يستمر طويلا في الدراسة حيث ثم طرده لشغبه ولكونه كان لصا كذلك. بعد ذلك عمل حمالا في ميناء الدار البيضاء، ثم عمل في معمل "الليمون" لينتقل بعدها إلى مدرسة العهد الجديد كمدرس مكان أخيه محمد الذي غادر المدرسة وهنا مارس السيد الموسيقى والمسرح مع تلامذته .

بعد أن شب عود عمر السيد أسس رفقة أصدقائه مجموعة ناس الغيوان وكان عمر رئيس الفرقة بعد ذلك وهو امر ليس من السهل لأي كان أن يقوم به خصوصا وأن الفرقة تتكون من فنانين مجانين -جنون الفن- فهو كمن يروض السباع، مارس السيد إلى جانب الغناء المسرح والتمثيل السينمائي والتلفزيوني واعد وصلات إشهارية كما أشرف على إعداد ديوان يضم معظم أغاني ناس الغيوان وهو ديوان وثق كتابيا لا غان شفهية، كما أن أصالة وعتاقة بعض كلمات المعجم الغيواني التي لم تكن تخلوا من غرابة في السياقات اللغوية المغايرة للعصر الجديد لم تكن تسمح دائما لجميع المستمعين بادراك وفهم القصائد الغيوانية على الوجه الصحيح[1]. وترديد ألفاظ بعض الأغاني بشكل صحيح، فهذا الديوان من شأنه فك اللبس وإزالة الإشكال عن معظم الكلمات.

-5 4 - علال يعلى :

ولد علال سنة 1941 بالبيضاء وفي سنة 1957 عمل كعازف موسيقي مع بعض الأجواق البيضاوية. يعني احترف الموسيقى وسنه لا يتجاوز 16 سنة. في سنة 1960 لحن عدة مقاطع كانت تتخلل مسرحيات بعض فرق الهواة، ليلتحق بالمسرح البلدي سنة 1967 كموسيقي حيث ثم اتصاله هناك مع باقي أفراد المجموعة (عمر، العربي، بوجميع). يعترف عمر السيد بقوله "… فلما جاء علال إلى الفرقة نظمنا موسيقيا، هذا هو الواقع فاغلبنا لم يكن يعرف المبادئ الأولى للموسيقى حيث كنا نغني اليوم الأغنية في شكل لكنها تأخذ في اليوم الآخر شكلا آخر ومع مجيئه بدأ عملنا يأخذ شكله المنتظم[2].

علال رجل تأثر بالموسيقى مند صغر سنه يقول عنه رفيقه العربي باطما "… توجهت أنا وبوجمعة إلى دكان الأخ "يعلى علال" العازف على العود و"البانجو" والكمان والقانون والغيطة ولوتار والإيقاع، فهو وحده يعد جوقا يمشي على رجليه، وكان ولايزال يدرس الموسيقى في ذلك الدكان"[3].

ويعترف أصدقاؤه أنه عصامي، غريب الأطوار وصعب المزاج يركن إلى الصمت أكثر مما يتكلم. من ميزات علال الموسيقية أنه يلعب الإيقاع بالبانجو وهو ما يتيح له إمكانية إعادة الفرقة برمتها إلى الإيقاع إذا ما انزاحت عنه. "و(علال) سريع الحفظ وله قدرة خارقة على حفظ الموسيقى والألحان حيث أنه من الممكن أن يسمع مقطعا مرة واحدة ثم يعزفه ولا ينساه حتى وإن مر على ذلك زمن طويل …"[4]

ويشكل هؤلاء -بوجميع، باطما، عمر السيد وعلال- في نظر الكثيرين أعضاء ناس الغيوان لكن الحقيقة لا يمكن أن تحجبها الشمس أو كما يقول الغيوانيون أنفسهم : وشعاع الشمس ما تخزنو لسوار. فهناك أناس مروا من المجموعة كان لهم فضل كبير وكبير جدا في إشهارها واعلاء مكانتها، بل أعطوا كل ما في وسعهم من أجلها فمنهم من غادرها طواعية أو لسبب ما ليؤسس مجموعة أخرى كمحمود السعدي ومولاي عبد العزيز الطاهري فهم من مؤسسي فرقة "جيل جيلالة" ثم هناك رضوان ريفق الذي قضى مع المجموعة أيام قلائل بعد أن غادرها عبد الرحمان قيروش الملقب ب "باكو" أو "باكا" هذا الأخير الذي انفصل عن المجموعة أو انفصلت عنه المجموعة

-5 5 - عبد الرحمان باكو :

كان عضوا في مجموعة جيل جيلالة ثم انتقل بعدها إلى مجموعة ناس الغيوان بعد أن غادر الطاهري والسعدي ناس الغيوان نحو جيل جيلالة. قضى باكو مع ناس الغيوان قرابة 20 سنة كانت كلها عطاء وصبر ومثابرة …، فنان ينحدر من مدينة الصويرة فهو المتورع في عوالم كناوة عازف على آلة "السنتير" أو"الهجهوج" هذه الآلة التي شكلت حضورا قويا لدى المجموعة، وفي مجموعة من الأغاني، باكو لعب قبل ذلك مع فرق موسيقية عالمية كفرقة "ليفينك تياتر" "LEVING THEATRE" كما عزف في فرقة المغني الشهير "جيمي هاندريكس" كعازف على "الباس". لقد وظف أغاني عديدة على الطريقة الكناوية والإيقاع الكناوي : غير خدوني، النادي أنا، زاد الهم، الصدمة، واش جرى ليك … وأغاني أخرى اشتهرت بها ناس الغيوان لكنه غادر هذه الأخيرة وثم تعويضه أولا برضوان ريفق ثم حميد باطما لكن قيمة باكو الفنية لا يمكن تعويضها خصوصا وأن الرجل أصبح بعد وفاة بوجميع من الركائز الأساسية داخل المجموعة وتختلف الأقاويل حول أسباب هذا الانشقاق فعمر السيد يعزي التخلي عن عبد الرحمان باكو إلى كون هذا الأخير رفض أن "يخدم على باطما" ولم يراع ظروفه الصحية … أما باكو فيفند هذا القول ويؤكد أنه بعد مرض العربي باطما طلب من الفرقة أن تقف وقفة تأمل من جهة لانتظار إلى أين ستصل حالة العربي الصحية وعلى أثرها يتم تحديد مستقبل المجموعة يقول باكو "كان علينا أن نتوقف بعض الوقت والا نتمادى في المشاركة في السهرات وقد اقترحت أن نسجل شريطا جديدا بعد أن نتصل بالعربي ويمدنا بالنصوص اللازمة لذلك، فالرجل كان على فراش الموت لم يكن أي رجل فهو دينامو الغيوان وعليه يجب أن نتريث قبل أن نقدم على فعل أي شيء فهذه الغيوان ستفقد أهم أعمدتها -ماشي اللعب- لكن الإخوان رفضوا اقتراحي وفوجئت بالمجموعة تستمر من دوني ومن دون باطما"[5].

إن الملاحظ أنه لم تكن هناك خلافات في الرؤى الفنية لكنها مجرد خلافات قد تحصل بين أعضاء مجتمعين حول مشروع معين، إما لأسباب مادية أو غيرها لنستنتج أن المشكل أكبر من كل هذا الكلام فهو كامن في نفسية أحدهما: باكو أو المجموعة وبين طرح عمر السيد وتفنيد با

يبقى الجمهور أول الضحايا الذي لم يستفد من هذا الطرف أو ذاك وهو يرى بأم عينيه تجربة رائدة تخبو…

وصدق الشاعر قديما حين قال :

وظلم دوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند

لأن القناتين التلفزيونيتن الأولى والثانية بين الفينة والأخرى تديع سهرات للمجموعة وتتخللها أحيانا حوارات ومناقشات بين أفراد المجموعة ثم أناس مهتمين باحثين في الظاهرة الغيوانية إضافة إلى برامج وثائقية خاصة عن المجموعة لكن خلال هذه الأحاديث والبرامج فكثيرا ما يتحاشى البعض الإشارة إلى أولئك الذين ساهموا في تأسيس المجموعة كما أنهم لم يقوموا بشيء لناس الغيوان وللأغنية الشعبية عموما.

وهو أمر مؤسف ويحز في النفس كثيرا فإغفال الحديث ولو بإشارة بسيطة عن باكو أحد الأهرامات التي أعطت الكثير للمجموعة وأفنت زهرة شبابها في البحث والتنقيب لصالح المجموعة، لا يخدم بأية حال مصداقية هذه الحوارات والبرامج، وقد يساهم في طمس بعض الحقائق من تاريخ هذه المجموعة .

1 - بيبليوغرافيا غيوانية :

سنحاول في هذه البيبليوغرافيا الإحاطة بكل "الريبرتوار" الغيواني أو ذلك الرصيد الغنائي الذي وقعته مجموعة ناس الغيوان منذ تأسيسها إلى اليوم .

الصينية - قطتي الصغيرة - جودي برضاك - الماضي فات - حدية - هولوني - واش حنا هما حنا - الحصادة - سبحان الله - يا صاح - يوم ملقاك - ماهموني - فين غادي بيا - الله يا مولانا - يا بني الإنسان - مزين مديحك - غير خدوني - حن واشفق - الشمس الطالعة - أنادي أنا - تاغنجة - نرجاك أنا - القسم - الرغاية - صبرا وشاتيلا - مهمومة - لهمامي - زاد الهم - مكواني - ضايعين - السيف البتار - لبطانة - الجمرة - المعنى - الصدمة - السلامة - رد بالك - آها فين - ندم - باسمك - احنا أولاد العالم - يا جمال - الأمة - لماذا يا كرامة - لسقام - الانتفاضة - السمطة - ناضمي - أنا ماعييت - اش جرى ليك - السايل - دلال - علي وخلي - يا من جانا - خضرة - الدم السايل - غادي فحالي - لهموم حرفتي - ف رحاب معاليك - ما يدوم حال - قالت - تعالى - علام القبيلة - دكة - هاجت الأحزان - علولة - الضر الواعر - شوفو لعجب - ما نكدانا - حوض النعناع - ناس المعنى - لمعيزة - سامحوني - خليني - حنين الروح - لكفيفة - نرجاوك على الدوام - شاب راسي - مردومة …

2 - بناء الأغنية الغيوانية :

على مستوى الإيقاع لا يختلف الإيقاع الذي وظفته ناس الغيوان في أغانيها عن الإيقاع السائد في التراث الشفوي والشعبي المغربي، إنه إيقاع معتاد يمتح قيمته الفنية من أصوله فهو يعتمد على البحر السريع والبسيط وأبعادهما فهذان الايقاعان متواثران في التراث الشعبي، فطبيعي أن تكون ناس الغيوان بعودتها إلى الأصول والجدور أن تعود إلى هذه الإيقاعات بكل حمولاتها، فأعادت الارتباط بها من خلال هذا التراث وهذا الايقاع بعيدا عن التنميط التعسفي للدوق والايقاع .

أما في بعض الأغاني وخاصة الصوفية منها، استفادت ناس الغيوان من إيقاع الحضرة ذلك الايقاع الذي يفضي إلى الحال أو الحضرة إن صح التعبير فهو حال منفصل عن طقوسه الأصلية يقع خارج الزاوية وفوق خشبة المسرح وتنتقل مضامينه من الصوفية إلى السياسة والنقد الاجتماعي…

وهذا التأرجح بين الرصيد الشعبي والحداثة أدى إلى تراكم المعني وكثافة الدلالة كما أنتج تركيبات إيقاعية ولحنية غير معهودة بواسطة آلات غريبة عن بعضها في المعتاد فنجد الكنبري الكناوي (الهجهوج / السنتير) يجاور الهزاز الحمدوشي وطبيلة عيساوة وبندير الأطلس ثم البانجو ذو الصوت المعدني المقلق والحاد[6].

2- 1 - الآلات الإيقاعية :

لا تقوم أية مجموعة غنائية ولا يستقيم غناؤها وفنها بالأساس ما لم توظف آلات موسيقية تضبط من خلالها الإيقاع وتسايره وهكذا كانت الغيوان، فبعد أن تكاملت عناصر المجموعة وقفت أمام اختيار الآلات "وكان علينا نحن في ذلك الوقت اختيار آلات شعبية مغربية"[7] .

لقد حارت المجموعة في أمرها كثيرا في مسألة اختيار الآلات فهو أمر صعب ومعقد جدا إنه سيف ذو حدين إما أن تجد نفسك على السكة وتكون على الطريق الصحيح وإما أن تجانب الصواب فتنتج الرذئ والرذاءة، لكن في النهاية انصب الاهتمام والاختيار على الآلات المغربية، فثم اختيار "الطبل"و"والهزاز"و"والبندير" إلى جانب آلات أخرى "فكرنا في أقرب آلة بغض النظر عن موطنها الأصلي، تقرب أصواتنا وعالمنا الغنائي"[8] .

وهكذا استعملت المجموعة "السنتير" الذي ينتمي إلى إفريقيا وكذلك "البوزق"، لقد أعطت ناس الغيوان قيمة لهاته الآلات التي كانت مغمورة "فهي آلات تخص البيوت وحفلات النساء كالحضارات فيما يتعلق بالطبلة أو في أغاني الملحون … أو السنتير - الذي يعد آلة كناوية - آلة يحملها الكناوي ويطوف بها في الأزقة مادا يده طالبا ريالا أو خبزا وكذلك "الهزاز" كنا لا نراه إلا فوق كتف شحات أو هداوي يطوف في الشوارع ويردد أغانيه … مادا يده للمارة … أما البندير فلقد كان من أحقر الآلات المغربية لأنه كان من ضمن آلات الشيخات كالطعريجة … وما أدراك بنظرة الجمهور للشيخات في ذلك الوقت"[9]، فهذه الآلات كان الجمهور ينظر إليها نظرة مغايرة فهي آلات مغمورة وليست كالكمان والعود … أي الآلات العصرية كما كانت تسمى في ذلك الزمن.

إن الجديد الذي برز مع ناس الغيوان ناهيك عن الموضوعات التي تطرقت إليها أعادت الاعتبار لهذه الآلات وأعادت توظيفها حتى صارت مهيمنة منذ ذلك الزمن فما أن تظهر مجموعة غنائية على نهج ناس الغيوان إلا ومعها هذه الآلات.

2-2 - الأداء : الغناء .

المجموعة ظهرت مكونة من أشخاص قليلون لا يتعدون الخمسة كإطار سهل القيادة وأكثر نجاعة من الفرقة الكبرى المتسمة بإنتفاء الحركية والحيوية وبعد أن كانت الفرقة لدى الاتجاه الأول الذي كان سائدا أو المسمى بالجوق تتكون من مجموعة كبيرة تردد اللازمة وشيخ وسطهم يردد تلك الأغاني التقليدية النمطية المتسمة بالسكون والتي عادة ما تدور حول الحب والشوق والحنين… أصبحت المجموعة تتكون من أشخاص يتناوبون على الغناء والاداء … فهم يوزعون فيما بينهم الأغنية حتى تصير كشكولا تتداخل فيها أصوات مختلفة بآهات قادمة من تخوم البوادي، فإذا كانت الأجواق تجلس على الخشبة مرددة تلك الأمداح وشكاوي الحب والحنين صارت الآن الأغنية مع ناس الغيوان بشكل جديد قوامه الزي أو شكل اللباس حيث صار للمجموعة زي موحد وبسيط من الأزياء المغربية التقليدية ثم الوقوف على الخشبة وهذا الأخير هو ما يضيف إلى الأغاني حركية ونضال مستمرين … كذلك الاعتماد على نصوص التراث بشتى صنوفه وبطريقة لا تبتعد عن اليومي والمعتاد، ولا تنساق في الآن نفسه مع اليومي اللغوي المهترئ المتآكل ومع الأشكال التعبيرية السابقة[10]، فكانت الكلمات العتيقة المستوحاة من التراث متنا ومسرحا لكل الأغاني فكانت "الصينية"، "الدوار"، "الكندرة"، "التليس"، "المهماز"، "النخلة"، "الخلخال"، "الكمية"، "الخيل"، "الكافلة"، "النوار" … عناصر الهوية المحلية التي غدتها نزعة الاستعادة والتذكر والحنين[11].

فإلى جانب الاشتغال على التراث وظفت المجموعة حكما وأمثالا شعبية أدت في غالب الأحيان وظيفة المثال والاستشهاد قصد الاعتبار والتدبر فمثلا في أغنية "لبطانة" :

حدبة في ظهر الجمل ولهاتـه تلهيــه[12]

3 - الموروث الشعبي في أغاني ناس الغيوان :

استثمرت ناس الغيوان الثرات الشفوي الشعبي واستفادت منه بشكل جيد في معظم أغانيها كما استفادت من اللغة اليومية المتداولة التي شكلت بها صورا منتزعة من واقع الجماهير … أما على مستوى الموسيقى الشعبية فهناك اهتمام غيواني بالمنابع اللحنية القريبة إلى روح الشعب ثم اهتمام بالتراث الشعبي بمختلف شعبه، إنها محاولة لتجديد الارتباط بالجدور ثم تجدير هذه الجدور. ففي وقت كان هذا التراث الشعبي مهمشا وفضاءات ممارسته محدودة كالبيوت والمناسبات العائلية (والحلاقي) … خرج مع ناس الغيوان إلى الخشبة وأصبح له جمهور واسع تعدى محيطه الذي نما فيه. فهذه العودة إلى التراث هي عودة إلى المنابع الأصلية وهكذا تماهت ناس الغيوان مع مآثر الشعب بشكل جديد وإيقاع جديد قوامه التحرر من التنميط التعسفي للدوق والتعددية الفنية .

وتبرز بشكل جلي في الأغنية الغيوانية هذه المآثر حيث نجد : العيطة، الملحون، إيقاع كناوة، أنغام الجنوب (الصحراء)، عبيدات الرمى، اللحن الشرقي …

وسنقدم هنا محاولة - مقاربة - لتبويب بعض الأغاني وفق مرجعياتها الشعبية التراثية :

العيطـة الملحـون

- الحصادة - الصينية - الشمس الطالعة - - الله يا مولانا - لهمامي - مزين

فين غادي بيا - جودي برضاك - الرغاية - مديحك - هولوني - حن واشفق -

غادي ف حالي - علام القبيلة - ندم - سبحان الله ..

السيف البتار - لسقام - أنا ما عييت - لمعيزة ..

إيقاع كناوة أنغام الجنوب (الصحراء)

- زاد الهم - الصدمة - اش جرى ليك أنادي أنا - ضايعين - حدية

- أولاد العالم - غير خدوني - لبطانة - "موال" - غير خدوني..

مهمومة ..

إيقاع عبيدات الرمى عيساوة (الحضرة) لحن الأغنية المشرقية

- دكة .. - السلامة.. - لماذا يا كرامة .. [13]

لقد أعادت ناس الغيوان مساءلة التراث قصد إنتاج نصوص وأغاني جديدة تتعلق بالمجتمع والقضايا المجمعية. اجتماعية، سياسية … ثم صياغة نصوص ملتزمة تتعدى الإطار المحلي. وهكذا انتجت المجموعة عدة أغاني في موضوعات مختلفة وبإيقاعات مختلفة. حيث تستمد الألحان من الملحون وقصائده (مثلا قصائد الشخصيات المعروفة في هذا المجال كسيدي قدور العلمي، سيدي عبد الرحمان المجدوب، الغرابلي، ومن الرصيد الشعبي للبادية ومن الغناء الكناوي والعيساوي والجلالي والحمدوشي وتقاليد العيطة وعبيدات الرمى وانغام الصحراء.. فهذه الألحان هي الأقرب إلى النفوس وبذلك هي السهلة إلى النفاد إلى دواخل الأفراد من جهة، ومن جهة أخرى مدى قدرتها وجاهزيتها لتحمل موضوعات في قضايا متعددة والتوظيف في مناحي مختلفة .

4 - الأغاني الصوفية (الدينية) :

لا تخلوا الأغنية الغيوانية من نفحات دينية / صوفية، مستحضرة بذلك قدرة الخالق وعضمته ومتضرعين إليه وراجين شفاعته وعطفه .

سبحان الحي الباقــي سبحانك يا اله جود أعلي

بك عمرت السواقـي ونحلتي في نواورك مرعيـة

ولا تجعلني شاقــي حرمة ودخيل ليك بالصوفية[14]

وبعد هذا الاستحضار والتضرع تحفل الأغنية بمساحة واسعة لخير خلق الله مستحضرين مقامه العالي وراغبين في زيارة قبره وزيارة كافة البقاع المقدسة الأخرى وطامعين في شفاعته يوم القيامة.

النبي يا جيرانــــي لو صبت الزاد من غدا نمشي له

نشاهد نور عيانـــي ونطوف بالكعبة نزورها ونلبي

يا زوار النبــــي لله ديوني نزور معاكــم[15]

وفي أغنية "ف رحاب معاليك" التي لا تختلف كثيرا عن أغنية "الله يا مولانا" في موضوعها :

بغيث نمشي دابـا نشوف مقامه سيدي

ونسلم يا بـابـا على المحراب ونـراه

بين الصفا والمروة نمشي ونجي يا سيدي

في اجبل عرفــة تما غرضي نلكاه[16]

في هذه المقاطع تعداد لمجموعة من البقاع المقدسة التي يطمح المرء إلى زيارتها والتبرك ببركاتها، الصفا والمروة، جبل عرفة، مقام النبي(ص)..

وتحفل أغاني أخرى بمقدمات دينية شأنها في ذلك شأن مجموعة من الأنواع الفلكلورية الشعبية التي تفتتح إيقاعاتها بمقدمات دينية وذلك اعتبارا لدورها أنها تفسح المجال للمبدع وتعطيه إمكانيات واسعة للتعبير وتجعله يدخل إلى صلب الموضوع دون مشقة أو عناء.

مفتاح الكلام الصلاة على نبينا

المصطفى يا خاتم الرســول

طه يا خاتم الرســــول

بعد الصلاة على نبينــــا

كون عويني ف ما نكـول[17]

5 - الأغاني القومية :

5-1 - فلسطين

كغيرها من المجموعات عملت ناس الغيوان بكل ما أوتيت على توظيف القضية الفلسطينية في أغانيها محاولة بذلك إبراز أن الفنان هو الآخر يحاول من جانبه لفت الانتباه إلى قضايا الأمة، لهذا غنت ناس الغيوان أغاني لأجل فلسطين ومن أجل فلسطين موظفة بذلك كل الأحداث التي مرت منها هذه البقعة من الأرض منذ النكبة مرورا بمجزرة "صبرا وشاتيلا" إلى الانتفاضة..

نبدأ بأغنية "القسم" فهي حافلة منذ بدايتها إلى نهايتها بمناشدة صريحة إلى دعم فلسطين ومساندة أهاليها. فهي بقعة عربية إسلامية لا يجوز نسيانها.

عتقوها أمي فلسطين لا تدوزوها دركوها جنة الخلد لا تفوتوها

حبوها كيف لحياة كاملة جعلوها

يـا حيفـا يـا يـافـا طول الغربة وطول العدوان[18]

وبعد أحداث المجزرة الشنيعة التي شنتها إسرائيل واتت على الأخضر واليابس حيث شردت الكثير وقتلت العديد جاءت أغنية "صبرا وشاتيلا" اسم على مسمى، عنوانا للأغنية ومسرحا للمدبحة التي رغم الدمار والخراب الذي خلفته وعدد القتلى والمشردين لم يحرك احذ ساكنا وينطق بكلمة حق على ما آل إليه الوضع، فما بالك بأن يندد أحد أو يشجب هذه الكارثة، بل صمت الجميع وكأنهم أمام منظر عادي لا يستحق الكلام .

الدنيا سكتـــات لعداء دارت ما بغـات

الدنيا سكتـــات صهيون دارت ما بغات

ف صبرا وشاتيــلا المجزرة لكبيــــرة

أطفال تدبحــات شيوخ وعيـــالات

السوايع وقفــات لرواح تحصـــرات

ف صبرا وشاتيــلا كثرات لقتيلـــة[19]



وبواسطة الانتفاضة الباسلة أرغمت المقاومة العدو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وبالفعل جلس الطرفان لمرات عديدة منذ النكبة إلى الآن … ولكن كان الفشل مآل معظمها لأنه ليس كل من يجلس إلى طاولة المفاوضات بالضرورة داعية إلى السلام، كما أنه ليس كل من يحمل بندقية إرهابي … وبين هذا وذاك واصلت إسرائيل تعنتها وجبروتها مما دفع بالفلسطينين إلى الخروج في انتفاضة عارمة سنة 1988 ضمت كل شرائح المجتمع وسخرت لأجلها كل الإمكانيات كما تفاعل معها المسلمين من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط. ناهيك عن تعاطف العالم مع الفلسطينين في مسيرات مؤيدة لهم، ومنددة في الآن نفسه بطغيان وجبروت الآلة الإسرائيلية… ناس الغيوان بدورهم تألموا لهذا المنظر المضني لأنهم في نهاية المطاف يغنون ما يسحون به أو كما يقول عمر السيد في حوار مع شبكة Islam on line. Net الإليكترونية إن مجموعة ناس الغيوان انغمست في آلام المجتمع[20]. لهذا أهذت المجموعة أغنية إلى الانتفاضة وإلى أبناء الانتفاضة ويتجسد هدف ومبتغى الغيوان من الشطر الأول من الأغنية "الانتفاضة"

دومـي دومـي يانتفاضة دومي[21]

وقف الجميع بما فيهم ناس الغيوان إلى جانب الانتفاضة وأرادوا لها الدوام والاستمرار بكل ما تملك رجال: أطفال، نساء، أحجار، جماد، شعر، أغان … فهذه الوسائل كلها في خدمة الانتفاضة وهدفها استنهاض الهمم .

دومي يا انتفاضة دومي

بحجارك دومي

بصغارك دومي

ضد جيوش الاحتلال

الشهادة بالله غيرك ما يكون منظومي

فليلي ويومي

سمايا وغيومي

حجرة وطفل بهم هجومي


ضد الاستعمار …

ضد جيوش الاحتلال

طيري وقومي

ضد أصحاب الفيل

------------------------------------------------------------------------------------------

بحث الاجازة.. الجزء الثالث

5-2 - إفريقيا :

تمتد جدور المغرب بعيدا في إفريقيا باعتبار الجغرافيا والتاريخ المشترك في كثير من المجالات، ومعلوم أن تاريخ إفريقيا تاريخ صراعات وتطاحنات بكل تنوعاتها، صراعات على السلطة وصراعات على الثروات … حتى أضحت إفريقيا مطمحا لكل القوى الغربية، فأفلحت هذه الأخيرة في استعمارها ونهب خيراتها وكسرت أجنحة كل من ينادي بجلاء المستعمر وإرجاع الخيرات لأهاليها فقتلت بعظهم وسجنت البعض الآخر وطرف ثالث عذب. ناهيك عن العديد ممن طردوا وثم نفيهم خارج بلدانهم … هذا الواقع المرير حال أغنية "الدم السايل" التي تعتبر بحق وثيقة مهمة تصف ذلك الجرح العاري الذي لم يندمل بعد .

يا الدم السايل

يا الورد الذابل

يا أم البلدان … يا إفريقيا

واش هاد الحالة

نارك شعالة

يا شمس الأمل … يا إفريقيا



فيك الغرب ينهب

في خيرك يحطب

في أولادك يرهب

ب الجوع ولحزان … ياإفريقيا

الجوع ولحزان

ليام تنادي … يا إفريقيا

لمرض والعذاب

في عيون الصبيان … يا إفريقيا [1]

ومهما يكن من أمر فإن أي أرض مستعمرة لابد وأن ترجع لأهلها الأصليين ومالكيها القدامى. وهكذا عادت البلدان الإفريقية إلى أهاليها لتنهض بعد ذلك مشكلة الصراعات على السلطة حيث طفت على السطح تطاحنات ومواجهات عنيفة خلفت قتلى ومشردين ودمارا في البنيان، وإذا كانت هذه الأزمات يكون فيها الإنسان المصدر الأساس في افتعالها فإن هناك أزمات أخرى ناتجة عن غضب الطبيعة …

6 - الأغاني الوطنية :

الفن في خدمة الوطن، هكذا استشعرت ناس الغيوان الأمر. أنه حب الوطن حب متجدر في الأعماق لا يقدر بثمن ولا يمكن وصفه بأي حال من الأحوال، إنه حب بلاد أحبها أهلها فأحبتهم ومنحنهم الأمن والسلام ناهيك عن خيراتها … وهذا ما جعلهم يتوحدون للدفاع عن هيبتها وكرامتها زد على ذلك صد كل الأعداء والطامعين في النيل منها.

خضرة يا بلادي

حبك في لعماق … ماليه توصاف

يا جنة الله في أرضه



حده ف قده يا بلادي

وما يقضي كيد الطامعين ولو يجهدو

في كيدهم ينكدو يا بلادي

يا نجمة في سمايات العالم

حبك يا بـــلادي في لعماق راه طايف

وعليك أنــــادي يا مولات الخــالة

أولادك تنــــادي بحبك يا عز لوطان

السايح اللي يجي عادي عادي وما يعادي[2]

كل إنسان كيفما كان لا يرضى بديلا عن وطنه، بل يريده ملاذا آمنا مستقرا، وفي هذا الصدد سعت الغيوان إلى لفت الأنظار إلى بعض التغور المغربية التي لازالت محتلة وتعد اليوم من أقدم الأراضي المحتلة في العالم ويتعلق الامر بمدينتي سبتة ومليلية المدينتين اللتين تصفهما المجموعة بالمدن المسجونة اللتين طالت غربتهما كما طالت غربة بعض المدن الفلسطينية كحيفا ويافا.

يا سبتة ومليلية المدن المسجونـة يا حيفاء ويافا طول الغربة وطول العدوان[3]

7 - أغاني من الشجن والأسى :

من مخلفات المرض الخبيث الذي ألم بالمرحوم العربي باطما هو تلك النفسية المتدهورة لهذا الأخير حيث ظل ينتظر أجله المحتوم في كل لحظة وحين "أنا لم يبق لي الحق من الأمل" عبرات تكررت مرات عديدة في سيرته الذاتية الرحيل. فكان كل يوم يمر يعتبره العربي ربحا لوجوده وزيادة يوم من حياته. إن المرض وانتظار الموت والنفسية المتدهورة موضوعات تبلورت بأشكال متعددة في مجموعة من الأغاني التي أنتجتها المجموعة في هذه الفترة .

مكواني مكوانــي ما نضحك أنا بحال الناس

مكواني مكوانــي ما نضحك أنا مع الناس[4]

ففي أغنية "لهموم حرفتي" التي منها هاذين البيتين تبدو معالم المرض والحزن واضحة وهو مرض يصفه باطما بأن الطب عجز عن السيطرة عليه حتى أنه سلب منه تلك المهجة والابتسامة المعهودة منه وتركه وحيدا يصارع قدره بعيدا عن أعين الناس لكن رغم كل هذا العذاب لم يستطع المرض أن يثني العربي عن كتابة الأشعار وكل ما يخطر بباله:

لا طبيب داوا علتـــي كيف نساعف هاد البـــــاس

ولات الهموم حرفتـــي وتقادى جهدي يا النـــــاس

كيف اعمالي وحيلتــي مع السالب مهجتي زاد عليا نــار

هو يمحي ف لوحتـــي وأنا نتمنى ف راحة نكتب الاشعار[5]

لكن في النهاية يتضرع الفنان إلى الله طالبا منه الشفاء فهو القادر على معافاة عباده :

يا من بلاني بحركتي اطفي هاذ النار[6]

أما أغنية "غادي ف حالي" فهي تصور نفسية أكثر حزنا واسى نفسية متدهورة جدا مليئة بالأحزان والآلام حتى صار العيش في ظلها نكد ومر، فالعنوان "غادي ف حالي" فهو ذهاب إلى الموت ليس إلا، لأنها على الأقل استراحة أو كما يسميها العربي قتل المرض وإعلان نهايته .

نكول كلامــي وغاذي ف حالي

ف هاد الزمــان كلشي غضبـان

المرض ولحــزون وأنا مخــزون

ودموعي تنــزل جارية ويـدان

الصبر ف صدري جنوي مدفـون

الليل بنهـــار عيشة لـمرار[7]

8 - أغاني الهم والانساني :

الجمرة، باسمك، السيف البتار، السايل، أش جرى ليك، هولوني، قالت، يا بني الإنسان، مهمومة … أغاني عديدة وعديدة تصور بشكل فني هموم الإنسان. لأن الفن لم ينفصل أبدا عن إعادة إنتاج وصياغة الأحزان والأزمات الذاتية وتصويرها في قالب فني غنائي، وهذه الهموم لا تخص فردا أو جماعة بعينها وإنما هي إسقاطات على دواث جماعية إكتوت بنار هذه الأحزان، وناس الغيوان حاولت تجسيد هذه الهموم من خلال الفساد الإداري، الهجرة السرية، المفارقات الإجتماعية، التزوير، الفقر، الغربة والمتغربين، الهجرة … فعبر هذه المضامين استجابت المجموعة لرغبة وافق انتظار أوسع القطاعات التي سئمت أكوام الكلام الملحن المنمق حول الحب والهجر والهيام … والمتناولة غالبا برؤية تبسيطية وسادجة … لهذا عمدت المجموعة بذكاء إلى إلتقاط مختلف الهموم والقضايا الإنسانية والاجتماعية وطرحها برؤية إنسانية متقدمة وبواسطة كلام من صلب المجتمع وإيقاع من إنتاج هذا المجتمع، هذه الهموم وصلت أحيانا حد الاحتجاج والصراخ (قضايا الفقر، الظلم، التفاوتات الطبقية …) وهكذا عبرت أغاني هذه المجموعة بقوة وسهولة إلى أذهان وعقول آلاف بل ملايين المستمعين … حيث صارت آلاف الشفاه تدندن بأغان تعتبر اليوم وبكل امتياز تحفا غنائية حقيقية في الذاكرة الشعبية[8].

ويمكن أحيانا بسهولة رصد هذه الهموم في الأغنية الشعبية كما يمكن رصد التفاوتات الطبقية وكل المضامين الأخرى داخل الأغنية على عكس ذلك هناك مضامين تحتاج إلى إعادة النظر مرات ومرات عديدة إذاك يمكن الوصول إلى المعنى المبتغى وأحيانا لا يمكن أو يصعب الوصول إلى أي معنى .

8-1 - التفاوتات الطبقية :

عبر ثنائية الغني / الفقير تضعنا ناس الغيوان أمام صورة درامية تشخص واقع الغني / الفقير واقع يتجسد من خلال المفارقة الواضحة بين المسكن والمشرب، بين رجل يقطن العمارات ورجل متشرد بين الأكواخ، بين رجل يقطن "القيلا" وآخر لا مأوى له سوى "نوالة" يتستر فيها إلى أجل غير مسمى، أما الأكل فحدث ولا حرج ...

فعبر هذه الثنائية الغني / الفقير تتجسد هذه المفارقات والتناقضات وتعتبر أغنية "لكفيفة" واحدة من الأغاني التي جسدت هذه الطبقية والبون الشاسع بين أساليب العيش في مجتمع واحد، مجتمع يزداد فيه الغني عنا والفقير فقرا، ولا مجال فيه ليرتفق الغني بالفقير ويتقوى الفقير بالغني :

شي بالشوا فطوره وعشاه شي يصول بسيفه واممضاه

شي لكفيفية غالبـــاه الأرض فراشه والسما غطاه

عايم ف الغيس من كدامه لكفاه [9]

إن هذا المقطع يضعنا أمام عملة ذات وجهان : وجهها الأول الغني ونوعية طعامه ومأكله في تحد صارح لكل من يريد أن يتحداه، أما الوجه الثاني فهو يتضمن الفقير الذي لا يستطيع سد حاجياته الخاصة والضرورية من مأكل ومشرب أما السكن فليس له سوى الأرض فراشا والسماء غطاءا، في احالة إلى الفقر المدقع ونفس المعنى تحمله الصورة الأخيرة من المقطع "الغيس" فهي دليل على كثرة الهموم والمشاكل والأحزان ولا طاقة لهذا الفقير على حلها ومواجهتها.

وتأتي في نفس الإطار (الغني / الفقي) أغنية "علي وخلي" وهذه المرة بصورة أكثر مرارة تجسد حال الغني الذي يعتمد على أساليب خارج القانون من أجل الحصول على المال ثم الظلم الذي يمارسه على الفقير وسلب كل حقوقه :

تبني وتعلـــي وتمشي وتخلــي

غقلك مدنــي يا خايب الحالـة

تبني الحيطــان تشرب الكيسـان

تسكن ف الفيلا وغيرك ف نوالـة

تحكر الفقيــر وتكول التغييــر

وأنت شفيفيــر ما تسواش نعالـة

تزور لــوراق وتشهد بالنفــاق

تسـيء الآداب وتتكلم بجهالــة

أصلك بخيــل وشانك نعيـــل

عيشك قليــل يا عصيد النخالة[10]

وتأتي في نهاية الأغنية حكمة وعبرة تستلهم روحها من وقائع التاريخ الإنساني ومآل البشرية هدفها .

مالك اوا مالــك أش طرى وجرى لك

ضنيتي راسك خالد وانت للزوالـــة

ما دامت لعــاد ولا ورثها شــداد

آخرها لقبـــر وحر السوالــة[11]

وتصور ناس الغيوان الأغنياء بأسماء وصفات قوامها البخل والشح والطغيان والفساد، ففي أغنية "السمطة" يغدو الغني أحد الوحوش الضارية حيث أنيابه ممدودة لقضم كل من يأتي أمامه كما يعمد إلى نزع حقوق الآخرين، فالأغنية تعترف ضمنيا بوفرة الخيرات والثروات لكنها في أيدي جماعة من الوحوش تستغلها لوحدها مبعدة كل واحد ليس في مستواها المادي ومستواها المركزي، واستعمال الأنياب هنا له دلالة مهمة فهي كناية عن القتل والإعدام فكل من سولت له نفسه التفكير فقط في هذه الثروات والخيرات مآله الموت :

العمارات عاليــة لكواخ مردوميـن

لمسابح دافقـــة لفدادن محروقيـن

أرضي عاطيـــة كنوزها مفتوحيـن

لوحوش الضاريـة أنيابها ممدوديــن

شمسي ضاويــة لبيوت مغموقيــن

بحوري عامــرة وحنا جيعانيـــن

الدنيا غادية يا هلي ب حال المسكين[12]

إذن التفاوتات تتجلى بتمظهرات عديدة في الحياة لكنها تلازم الإنسان حتى بعد الموت، وهو في طريقه إلى مثواه الأخير ليوارى الثرى، فالغني ما أن يعلم الجميع بوفاته حتى يهرع الكل إلى بيته، فقهاء يقرءون عند رأسه وناس آخرون يهللون قرب جثته وآخرون أيضا يحصون أعماله في الدنيا وحشد هام يتبع جنازته بتكبير وتهليل، فقط لأنه غني شغل الدنيا بماله. أما المسكين إن بقي حيا أو توفي فهما سيان لا يذهب في جنازته إلا أهله ودويه فقط لأنه لا يملك في دنياه شيئا. هكذا تأتي إذن أغنية "السيف البتار" :



مات الغني يا حبابــي طلبة وعوام تابعـــاه

شي يقرا عند راســه شي شاد السبحة حـداه

تبعوا لكنازة يهللـــو وريح الوارث شــاداه

لاغاو لقسام بالجملــة كلها يلغي ب لغــاه

خلى الديور والـدواور خلي ليشاشرة معــاه

كان بايت ف التجـارة وظن الموت ناسيـــاه

كلها يكول حبيبــي وريح النفاق سابقــاه

راس ماله غير حرقة … حفرة … وشبر ما سواه

مات المسكين يا حبابـي حتى واحد ما مشى معاه

قرا طالب عند راســه بزر عليه ما قـــراه

خلى الميمة عميـــا على خياله حاضيــاه

كان مفرش لحصيــرة واليوم هي غطـــاه

لاغى الهموم بالجملــة والغني ساكن حـداه[13]



لتنتهي الأغنية مرة أخرى بحكمة هي أن الموت عدل، وهي تساوي بين الغني والفقير فهما سواسية في القبر لا تمايز إلا بالعمل الصالح :

خويا وظلام لقبـر مع لميسر ساواه[14]

ويمكن استجماع كل التمظهرات السالفة الذكر في الترسيمة التالية :

العمارات الكــوخ
القيــلا النـوالـة
الشــوا اكل بسيط
المــال الفقـــر
الغني الفقير
جنازة كبيرة جنازة صغيرة

فقهـــاء فقيه واحـد

عامة الناس أهله ودو

8-2 - الرشوة والفساد :

تفشت ظواهر عديدة في الإدارة المغربية بعد الاستقلال واستفحلت كثيرا في السنوات الأخيرة لتنتج عنه ظهور جمعيات ومنظمات لمحاربة هذه المظاهر الدنيئة ولعل أهمها الرشوة والفساد الإداري، فناس الغيوان قبل ظهور هذه الجمعيات كجمعية ترانسبارنسي مثلا أول من ندد بالرشوة فعبر اغان عديدة حوت في معضمها إشارات عن هذه الآفة .

ففي أغنية "باسمك" عبارات صريحة عن الرشوة والفساد :

تخلطات لشياه بلا نظام والذيب رعاها كثرات لهموم يا المولى والعين بكـات

الهم سيطر عل ليام وجاب خلاهــا الرشوة ولفساد ف الدنيا جات المحنات

الشر والتزوير … لحرام والقتل باهـا عمات لقلوب يا المولى مشات الحياة[15]

ناس الغيوان في حديثها عن الرشوة والفساد والتزوير لم تتكلم فقط عن الموظفين الصغار الذين يقومون بهذه الأعمال بل تجاوزتهم إلى الحكام ودوي النفود وصناع القرارات فهم أيضا لهم نصيبهم من هذه الأعمال حيث جاء في أغنية "سبحان الله" :

جور الحكام زادنا تعب وقسـوة لا راحة ولعباد ف نكد وتعسيــف

والحاكم كايصول كايقبض الرشوة والشاهد كايدير ف الشهادة تحريف[16]

ما أن خرج الاستعمار من المغرب حتى استولت طبقة / نخبة على المناصب والثروات والخيرات وهمشت أبطال المقامة وجيش التحرير وعملت على اعتقال وقتل كل من يطالب بالتغيير وكل من يطالب بحقه. وقامت بكل ما في وسعها على إفساد الإدارة ونهب الخيرات فجاءت أغنية "المعنى" حاملة لهذا التنديد :

طبقة رسات راسها فوك الطبقـات حطت وفرخت جرادها تما بقات[17]

وارتباطا دائما بالفساد تحمل أغنية "الجمرة" مسؤولية الفساد إلى الطبقة الحاكمة :

عم الفساد يا لعباد الناس خوتنا فضحونـا

ب لجمر الوكـاد وسط صدورنا وشمونا[18]

يمكن القول أن الرشوة والفساد والتزوير مواضيع تجلت بكثرة وفي مواقع مختلفة في الأغاني الغيوانية ويمكننا ختم هذا الباب بمقطع من أغنية "دلال" هذا المقطع يحمل إشارة واضحة إلى تلك الطبقة التي رست فوق الطبقات فقامت بالنهب والسلب والقتل وأقامت مشاريع لصالحها على حساب الضعفاء والمستضعفين :

كترتوا رشاوي ايا قوم الطغيان بنيتو الخاوي ف زمان الغفلـة
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 21h20.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd