البكار المطرب الأوبرالي بطل فيلم نادوجا شارك الأطرش البطولة وغني لليلي مراد في ليلي بنت الفقراء سافر الي أمريكا واختفت أخباره في مصر .
قليل من يسمع عن المطرب محمد البكار هذه الأيام ويسمع أغانيه، لكنه كان ملء السمع والبصر في حقبة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.
ومحمد البكار مطرب صوته نادر من النوع المتسع المساحات، أوبرالي الأداء، كانت قراراته وجواباته سليمة، ويبدو من الأغاني التي كان يلحنها لنفسه ويؤديها أنه كان علي دراية عميقة بالموسيقي العربية والأوروبية.
جاء الي القاهرة أوائل أربعينيات القرن الماضي وهو لبناني مثل كثير من أبناء لبنان الذين جاءوا القاهرة في نفس الفترة تقريبا، مثل:
محمد سلمان ونور الهدي وصباح ونورهان وبرهان صادق وغرام شيبا وغيرهم.
واشترك محمد البكار في عشرات الأفلام في مصر قبل أن يرحل الي الولايات المتحدة ثم تغيب اخباره تماما عن البلد الذي أحبه وأحب أهله.
نادوجا
وأشهر فيلم قام محمد البكار ببطولته هو نادوجا سنة 1944 بطولة تحية كاريوكا، وهذا الفيلم كان مفقودا الي وقت قريب ثم ظهر أخيرا في عالم السينما، وهو فيلم مغامرات أراد مخرجه ان يقلد فيه ما كانت تقدمه السينما الأمريكية من أفلام تصور في أدغال أفريقيا، ويحكي قصة فتاة ضاعت من أبيها جنوب السودان وذهب سكرتير والدها محمد البكار، يبحث عنها حتي وجدها لترث ما تركه والدها، وفي هذا الفيلم قدم البكار العديد من الأغنيات التي قام بتلحينها، كما لحن منولوغا لاسماعيل ياسين وهو رفيقه في البحث عن الفتاة وقدم لحنا آخر لتحية كاريوكا.
ومن أغاني هذا الفيلم قصيدة رائعة، كما اشترك مع رجاء عبده في فيلم ليلة الخطر من اخراج عبدالفتاح حسن، وكان فيلما غنائيا غني فيه كل من رجاء عبده ومحمد البكار وبديعة صادق، واشترك مع فريد الأطرش في بطولة فيلم شهر العسل حيث قدم أغنيات أوبرالية بصوته الجهوري المعبر، كما قدم أغنية بدوية عبارة عن اسكتش راقص مع نبوية مصطفي.
وفيه يقول:
ساطع يا نور البدو، ومنور الوديان... كما ظهر في فيلم حكم الزمان وغني:
يا مرحبا يا مرحبا، غني لنا في فرحنا طير الربي...
ٍيا جميلة يا زينة حتتنا...
وفي فيلم ليلي بنت الفقراء قدمه أنور وجدي في أغنية الزفة التي أقامها أبناء حي السيدة زينب في استقباله عندما جاء ليتأكد من حقيقة فقر ليلي مراد، وهي لحن جميل قدمه البكار في اطار شعبي وكأنه من أولاد البلد في مصر:
يا جميلة يا زينة حتتنا
ده عريسك طول رقتنا
من زيك طال، وصفا له الحال
تسلم رجليك وتعيش في أمان
ويتم عليك الفرح كمان
يا اللي شرفت في حارتنا...
وقام الفنان البكار ببطولة فيلم قلبي وسيفي من اخراج جمال مدكور وبطولة صباح وبشارة واكيم وسليمان نجيب، كما مثل مع بدر لاما فيلم البدوية الحسناء ومعه بدر لاما وبدرية رأفت سنة 1947 والقصة مأخوذة أو مقتبسة من قصة روميو وجولييت من اخراج ابراهيم لاما.
ومن أشهر أغاني البكار الوطنية:
ع الجهادية، ع الجهادية
رمز الأخلاص والوطنية
يا اللي هربتوا من الجندية
فين الهمة والرجولية....
وفي الخمسينيات سافر محمد البكار الي أمريكا وكان لم يزل في قمة عطائه الفني ثم سمعنا انه توفي هناك وهو خبر لم نتأكد منه.
في سوق التوفيقية
وبالمناسبة، كان البكار يسكن في شارع سوق التوفيقية حيث كان هذا السوق في الأربعينيات من أرقي أسواق العالم، وكان المطرب يخرج يوميا من بيته ليداعب تجار الفاكهة والخضار والأسماك ثم يأخذ طريقه الي أحد مقاهي شارع عماد الدين الشهيرة مثل ركس الذي كان يواجه مقر نقابة الممثلين القديم أو بايرون في أول عماد الدين، وكلاهما كانا مقهيين مفضلين للفنانين، ومن حسن حظي انني كنت أراه دائما حيث أرقبه وهو يلقي بنكاته الظريفة ومن حوله فنانون كبار منهم عزيز صادق، أول من وزع موسيقي عبد الوهاب، وكان هناك ايضا حسين ونعمات المليجي الدويتو الشهير في ذلك الوقت، والكاتب القصاص، محمود البدوي وغيرهم.
وكان البكار يفخر بصداقته لفريد الأطرش ومحمد سلمان، وكلاهما من أبناء الشام مثله.
ممثل ممنوع
وان كنا قد تحدثنا عن محمد البكار الموسيقار والمطرب، فإن البكار الممثل لم يكن يقل لمعانا وتوهجا، فقد كان في تمثيله خفيف الروح يؤدي دوره في رشاقة خفة ود، كما انه كان دائما ما يقوم بدور المحب المخدوع. ظهر في هذا الدور مع فريد الأطرش، مرة يقوم فريد الأطرش وأصدقاؤه بتخديره ليقوم فريد بالغناء بدلا منه، وفي فيلم شهر العسل يقوم بدور العاشق لأمينة نور الدين التي تحب فريد الأطرش وتقوم المفارقة حول الأبطال الثلاثة: فريد الذي يحب مديحة يسري وهو عبد السلام النابلسي الذي يحب مديحة وهي لا تحبه وينتهي الفيلم بزواج البكار وأمينة وفريد ومديحة بعد مغامرات مليئة بالمواقف الفكاهية التي أضفي عليها البكار من خفة دمه الكثير من المتعة، كما متع الناس بغنائياته ذات الطابع الخاص في الألحان التي وضعها بنفسه وأدائها بأستاذية.
وهكذا نري ان البكار كان اضافة مهمة للغناء والتمثيل العربيين.
اعزائي عثرت على موضوع عن الفنان محمد البكار كتبه في صحيفة (روز اليوسف ) بتاريخ8اغسطس 2018 الاستاذ باسم توفيق يشير في مقدمته ان الفنان البكار قد ولد في مصر وتفاصيل اخرى اعيد لكم نشر الموضوع
كتبت مارى جوديث دور مشكين الناقدة فى مجلة فيلادلفيا عام ١٩٥٩ «رحل أمس فى مشهد تراجيدى أضاف عليه تراجيدية حقيقية اللامع محمد البكار المصرى ذو الأصول اللبنانية أثناء مشاركته فى مهرجان الفنون الأمريكية اللبنانية، فقدنا موسيقيا بارعًا وصوتًا من أقوى الأصوات التى عرفناها فوق مسارح بروكلين وبرودواي».
الحقيقة أن الجيل الذى شاهد الأفلام الأبيض والأسود يعرف محمد البكار كوجه فقط، ذلك المطرب ذو الصوت الجهورى القوى والذى غنى باللهجتين الشامية والمصرية ببراعة ورأيناه وهو المغنى الأوبرالى الشهير يغنى بكل بساطه مع فريد الأطرش وشكوكو ويمثل فيتقن دوره على الرغم أنا نعرف جميعًا صعوبة إدماج مغنى الأوبرا كممثل فى السينما.
الحقيقة أن حياته محمد البكار ملتبسة للغاية ويعود السبب الأكبر فى ذلك لأن من أرخو عن حياته فى مصر هم إما من الكذابين ومخترعى التاريخ أمثال عبدالله احمد عبدالله وحسن الإمام عمر على الرغم من أنهم لم يحتكو به تماما.. كذلك بعض الكتاب اللبنانيين الذين اختلقوا الأكاذيب حتى يظهروه بصورة البطل اللبنانى الخالى من المصرية تمامًا وهذا افتراء بين.
ولد محمد البكار لأب وأم لبنانين عام ١٩٠٩ فى حى الفجالة بالقاهرة - وهذا ما لا يعرفه الكثيرون - ثم عاد والداه إلى لبنان عام ١٩١٣ وهذا سبب أن الكثير يعتقدون أنه ولد عام ١٩١٣ ثم عاد إلى مصر بعد أن درس الموسيقى فى لبنان على يد أساتذة أجانب وسافر إلى نابولى عام ١٩٢٧ ودرس على يد أساتذة إيطاليين الفن الأوبرالى وقيل إن اسمه مسجل ضمن كتالوجات عدة أوبرات بطلها بنيامينو ليللى الأوبرالى الأشهر صاحب أغنية - Mamma Sono Tanto Felice - وصاحب نشيد الفاشية المعروف - جوفينيتزا- والبعض يقول إن بكار تدرب فى هذه الأوبرات تحت اسم مستعار - أماديو بكار - عاد البكار إلى بيروت عام ١٩٣١ وبدا نشاطه كمغنى وملحن لكنه كان يحلم أن يغنى للأوبرا التى أحبها فذهب إلى باريس وقدم مع عدة فرق صغيرة أوبرات بإنتاج ضعيف ومن بينها أوبرا عطيل.. ثم جاء إلى مصر عام ١٩٤٠ وقيل إن سليمان بك نجيب دعاه ليقوم بدور راداميس فى أوبرا عايدة بديلا لتينور فرنسى كان قد مرض قبل العرض بأيام وهكذا عاد بكار إلى مسقط رأسه مصر وبدا بالانفتاح على المجتمع الفنى والسياسى فكان صديقًا للسيدة هدى شعراوى وكان يغنى فى حفلاتها الخيرية صولهات أوبرالية وأغانى نابوليتانية وربما كان هو الأكثر شهرة بين مغنى الأوبرا الذين يشاركون فى هذه المناسبات حتى أن هدى شعراوى كادت تقنع بديع خيرى أن يستبدل به الشيخ زكريا أحمد فى مسرحية كتبت خصيصًا لأحد احتفالاتها الخيرية.
بدأت العيون تتجه لمحمد البكار بعد أن لحن عدة أوبريتات للمسرح ورأى فيه فريد الأطرش وعز الدين ذو الفقار مثالًا للشخصية الشامية الكلاسيكية والكوميدية معًا مع احتمالية أن يقوم بدور مغنى الموسيقى الغربية والأوبرا كما أدى بعد ذلك أمام فريد الأطرش فى أحد أفلامه.
قام بأدوار عديدة لكنه حافظ على أدواره الأوبرالية وارتباطه بدار الأوبرا المصرية.. وبعد الثورة بقليل وجد محمد البكار أن الأوبرا فى مصر سوف تتأثر وأن السينما أيضًا أخذت اتجاهًا لا يتناسب وتطلعاته ومن ثم رحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليستكمل مشواره الفنى ويقول فريد الأطرش أن رحيل محمد البكار كان خسارة كبيرة للموسيقى فى مصر وخصوصا الأوبرا اوريانتال لأنه من المعروف ان محمد البكار أعاد تقديم أول أوبرا عربية وهى أوبرا شمشون ودليلة التى لحنها العظيم داوود حسنى كأول أوبرا عربية فى التاريخ.
وفى نيويورك حيث استقر محمد البكار تعرف على أسطورة الموسيقى اليونانية تيتوس ديمترياديس والذى لحن وغنى أشهر أغنية يونانية فى القرن العشرين - مصرولو- ومعناها البنت المصرية حيث عاش شرخ صباه فى الإسكندرية وكان قد شارك أحد أقربائه فى شركة أسطوانات اسمها الكتريون - الديك - ونشأت صداقة كبيرة بين ديمترياديس ومحمد البكار والذى صحبه تيتوس ليغنى فى بار ومطعم يونانى لأحد أقاربه وكان اسمه - بار بورسعيد - لأن صاحب البار ولد وتربى فى بورسعيد وكان البكار يلعب العود ويغنى أغانى عربية مطعمه بالأسلوب الأوبرالى حتى تعرف عليه احد منتجى مسارح برودواى واصطحبه ليقوم بادوار غنائية فى مسرحيات شهيرة كانت تعرف بأسلوب - الروج اوريانتال - وأسند إليه دور كبير فى المسرحية الغنائية الكوميدية الشهيرة - بازار أورينتال - أى السوق الشرقى والذى اشترك فى تلحينها مع النابوليتانى الأشهر فى أمريكا ريناتو كاروسوني.. أيضا قام محمد البكار بوضع الموسيقى لأعمال مسرحية كثيرة وأعمال سينمائية وأصدر أسطوانات موسيقية لاقت نجاحا ساحقا منها سلطان بغداد و بورسعيد وموسيقى من الشرق الأوسط.
وفى ٨ سبتمبر عام ١٩٥٩ وأثناء مشاركته فى المهرجان الأمريكى اللبنانى الفنى فى لينكولن بوتوكيت أصيب بانفجار فى احد الأوعية الدماغية فى المخ ثم سكته دماغية فجائية ومات وهو لم يكمل عامه الخمسين.