محمد عبد الوهاب وسيد درويش
لقد اخترت هذا العنوان لمجموعة الصفحات المختارة من كتاب " محمد عبد الوهاب ــ سيرة ذاتية " للكاتب لطفي رضوان ـ والصادر عن دار الهلال ضمن سلسلة " كتاب الهلال " ورقم الإيداع 4420/ 1991 , والكتاب كما هو واضح من مقدمة الكاتب صدر عقب وفاة موسيقار الأجيال في 3 مايو1991
ـ والصفحات المرفوعة تأتى تحت عنوان لباب ( أنا و سيد درويش في اوبريت شــــهر زاد )... وتحت فصل بعـــنوان ( و سقط الجمهور ! )
ـ والصفحات تشير إشارة واضحة إلى العلاقة الفنية التي جمعت العملاقين في بدايات محمد عبد الوهاب الفنية..... و الصفحات السابقة تضمنت إشارة الكاتب على لسان عبد الوهاب إلي اللقاء الأول بينهما.
المهم هو ما يمكن استنتاجه من ملاحظات على هذه الفترة الباكرة من مسيرة عبد الوهاب الفنية :
1) تجدر الإشارة هنا إلى أهمية لحن " أنا المصري كريم العنصرين " ومدى التطوير الذي أحدثه الشيخ سيد في أسلوب التلحين عندما استعان ( اقتبس... تأثر ... ) بأسلوب التلحين الاوبرالى الغربي , فهذا الأداء الصوتي لهذا اللحن ليس بالعربي آو الشرقي إنما هو أسلوب غربي علمي اوبرالي محض وكان سيد درويش من الجسارة أن يستقدم هذا الأسلوب ليضعه في مقدمة ألحانه لاوبريت شهر زاد , ولما لا وهو مقدم على تلحين اوبريت وهى شكل مسرحي غربي الأصل دخل إلى عالم المسرح المصري والعربي .
وهذا ليس بغريب على شيخ المطورين سيد درويش.... يروي الأستاذ توفيق الحكيم في إحدى حلقات النهر الخالد انه كتب اوبريت لفرقة عكاشة على ما أتذكر , وان الفرقة كلفت الشيخ سيد بتلحين المقاطع الغنائية بالمسرحية فطلب الشيخ سيد أجرا قدره 600 جنيه مقابل الألحان , وهو مبلغ كبير جدا في ذلك الوقت , وعندما سؤل الشيخ سيد عن سبب مبالغته في الأجر .... قرر انه عليه السفر لايطاليا لتعلم " الهارمونى " لأنه علم أن الأوبرا والاوبريت تقوم على هذا الأسلوب التلحيني ( الهارمونى ) .... وطبعا رفض صاحب الفرقة المسرحية دفع هذا المبلغ الضخم للشيخ سيد وكلف الشيخ زكريا احمد بالألحان , الذي قبل التلحين مقابل 60 جنيه مصري فقط .
هذه الفرصة التي كان يطلبها سيد درويش لتعلم احد أركان الموسيقى العالمية ولم يتمكن منها جاءت على طبق من فضة لمحمد عبد الوهاب عندما اصطحبه أمير الشعراء إلى باريس ..... وكان شوقي بك متذوقا للموسيقى حيث طاف به مسارح باريس التي تعرض الاوركسترا والأوبرا وكل أشكال المسرح الموســـــــــــــيقي .... وهناك كان عبد الوهاب مستمعا .... ثم منبهرا ...... ثم متعلما ..... وبالتالي متأثرا .......
2) أما واقعة انفعال محمد عبد الوهاب باللحن .... وانطلاقه جريا من المسرح , حتى وصل ميدان محــــــــطة مصر (ميدان رمسيس الآن ) فلا تفسير له إلا الإحساس المبكر بالقيمة التطويرية للحن ..... فهو لم يعهد له سماع هذا الأسلوب في الغناء والتلحين من قبل ..... وهو تقدير مبكر للغاية لقيمة الإبداع التطويري ــ في مقابل الإبداع التقليدي ــ ولعلها كانت إشارة إلى تنبه عبد الوهاب لقيمة التطوير في عالمنا الفني .... وقد أتى الزمان الذي قاد فيه عبد الوهاب هذا العالم التطويري وحمله إلى آفاق غير مسبوقة في عالم الموسيقى الشرقية.
3) لا شك في أن الذوق العام يتطور مع تطور الزمان خاصة مع الإصرار الريادي على التطوير ــ وإلا تراجع الذوق العام إلى ألأسوء ــ فنحن الآن نستمع لهذا اللحن ( أنا المصري ... ) بكل سهولة ويسر , خاصة مع تولى عبد الوهاب راية التطوير لفترة طويلة ولخطوات متتابعة كثيرة بعد سيد درويش الذي لم يكتب له البقاء في حياتنا الدنيا لفترة أطول .......
4) أما مسألة فشل الاوبريت ـ في حينه ـ فقد كان بلا شك بسبب أن القفذه التقدمية للحن كانت واسعة بشكل كبير لم يستطع الذوق العام المصري من استيعابها , وقد كان عبد الوهاب المطرب هنا من الشجاعة لان يعترف بان فشله الجماهيري في أداء الألحان كان لا يقل عن فشل سيد درويش في أدائها
ــ لكن عبد الوهاب أدرك التجربة بالكامل , فكان أن لاحظنا أن خطوات عبد الوهاب التقدمية التطويرية كانت دائما محسوبة , فهو دائما يأخذ الخطوة المحسوبة ثم ينتظر رد الفعل فإن تقبلها الجمهور تبعها بخطوة محسوبة أخرى وإلا عاد ليؤكد الخطوة السابقة في لحن أخر و بأسلوب أخر ..... لذا لم يفقد عبد الوهاب جمهوره من خلفه أبدا , بل كانت هذه السياسة سبب في دعم الجمهور لخطواته التقدمية , وألقت عليه عبئ أن جمهوره كان ينتظر منه الجديد دائما , ليس الجديد في كل مرحلة بل الجديد في كل لحن قدمه , وتحول جمهور عبد الوهاب إلى جمهور يقظ يتلقف كل جديد ويفهمه ويدرك ما هو مضاف في كل لحن ..... لذا لم يكرر عبد الوهاب نفسه أبدا.
5) نجح عبد الوهاب في سياسته التطورية واستفاد درسا كبيرا من فشل لحن سيد درويش ( في زمنه ) في حين فشل القصبجى في ذلك ـ لعله لأنه لم يعش التجربة شخصيا ـ فعندما حاول الأستاذ العظيم محمد القصبجى في مرحلة من المراحل تطوير أداء والحان أم كلثوم فشل و وقعت الكارثة الفنية التي تعارف على تسميتها ب "مأساة القصبجى" والتي انتهت باعتزاله أو عزله من التلحين نهائيا , ولو أن الرجل حاول أن يجد له صوتا غير أم كلثوم ـ التي تربت على التقليدية اللحنية والغنائية ـ و وجد ضالته في صوتي أسمهان وليلى مراد إلا إن العقاب كان اشد وأقصى.
في النهاية فأنى لا أصادر على المطلوب من رفع هذه الصفحات ولكنى أردت فتح باب المناقشة حول ما جاء بالصفحات .
خالص شكري لكل من اقتطع من وقته للإطلاع على ما رفعت, وشكرا مقدما للذين سيشتركون في المناقشة.....
محمد عبد الوهاب و سيد درويش
العرض العادي
