اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بشير عياد
وأخيرًا
اكتملتْ الأعمالُ الشعريّةُ الكاملةُ
للشاعر
إبراهيـــم ناجــي
ـ
ثلاثة أعوام من البحثِ والتنقيبِ والمُقارناتِ
من أجلِ إصدار الأعمالِ الشعريّةِ الكاملةِ
للشاعرِ إبراهيم ناجي ( شاعر الأطلال)
هذهِ الطبعةُ ، الأحدثُ ، صدرتْ عن سلسلةِ " أدباء القرن العشرين "
الهيئة المصريّة العامة للكتاب
وقد كانَ لي شرفُ كتابةِ مقدّمةِ هذهِ الطبعة
ولإدراكي مدى الخلطِ والأخطاءِ الفاحشةِ التي شوّهت أعمالَ هذا الشاعرِ الكبير
طلبتُ أنْ أقومَ بتدقيقِ هذهِ الطبعةِ
أي لا أكتفي بكتابةِ مقدّمةٍ إنشائيّةٍ ، وينتهي دوري بتسليمِها على ورقةٍ أو من خلالِ " إيميل " !!
والحمدُ للهِ تعالى الذي أعاننا وأمدّنا بالصبرِ
لكي تصدرَ هذهِ الطبعةُ في صورةٍ غير مسبوقةٍ من حيثُ تنقيةِ " سيرة ناجي "
ثمّ تنقية أشعارِهِ من الخلطِ والشوائبِ والأخطاءِ
وقد قمتُ بتشكيلِ الأشعارِ حرفًا حرفًا ( إلا ما ندر )
ووضعتُ هوامشَ للتعريفِ بمن كتبَ فيهم ناجي أشعارَهُ
كما وضعتُ معاني الكلماتِ المُستغلقةِ
ولم تتأخّرْ هيئةُ الكتابِ في تلبيةِ طلبي الأهمّ
وهو أنْ تكونَ الأشعارُ بخطٍّ ( بنط ) واضح ، وأسود ، احترامًا للشعرِ وللشعراءِ
فأجيبتْ كلُّ الطلباتِ ، وفوقَ ذلكَ جاءت الطباعةُ على ورقٍ فاخرٍ ، ليكونَ التكريمُ في أبهى صورة
وقد صدرَ الديوانُ الأوّلُ " وراءَ الغمام " في طبعتِهِ الأولى في أبريل 1934م ، وأصدرناهُ برقم ( 4 ) في هذهِ السلسلةِ في يناير 2008 م
وصدرَ الديوانُ الثاني لناجي " ليالي القاهرة " في العام 1950م
وأصدرناهُ برقم ( 11 ) في هذهِ السلسلةِ في يناير 2009 م
أمّا الديوان الثالث لناجي " الطائر الجريح " فقد صدرَ في العام 1957م ، بعد رحيل ناجي بثلاثة أعوام ( رحل في 24 مارس 1953م ) ، وأصدرناهُ برقم ( 17 ) في سلسلةِ أدباءِ القرنِ العشرين ، في يناير 2010م ، وأوشكت الطبعةُ على النفادِ ، ولم يعدْ هناكَ سوى بعضِ النسخ المعيبةِ من الديوانينِ ، الأوّلِ والثاني .
وقد وفّقني اللهُ إلى اكتشافِ خطأ فاحشٍ في الديوان الأخير ، فات على كلّ من تناولوا شعرَ ناجي بالدراساتِ العليا ( ماجستير أو دكتوراه ) ، وكلّ الذينَ كتبوا عنهُ أو تحدّثوا .
ولهذا
طُلبَ منّي أنْ أواصلَ العملَ مع كبارِ الشعراءِ من أجلِ إعادةِ نشرِ أعمالهم بما يليقُ بهم ، فاستأذنتُ حتّى أنتهي من كتابي الضخمِ عن أمّ كُلثوم ، ذلكَ المشروعُ الذي أنهكني وجعلني أتأخّرُ كثيرًا في مشروعاتٍ كتابيّةٍ وإبداعيّةٍ ضخمةٍ ،، ولكن ...... أمّ كلثوم تستحقُّ أكثرَ وأكثرَ .
ـ
ملاحظة : الطابعُ الإخراجي لهذهِ السلسلةِ ( بالكامل ) ، يضعُ أسماءَنا ـ نحنُ المسؤولينَ عن الطبعةِ ـ بالداخلِ وليسَ على الغلاف.
من ناحيةٍ أخرى لم يستجبِ الجهازُ لرفعِ الغلافينِ الأوّلينِ ، بحجّةِ أنني قد رفعتُهما سابقًا !!!
ملاحظةٌ أخرى : الديوانُ الأخيرُ فقط ( الطائرُ الجريح ) سيكونُ بجميعِ معارضِ الهيئةِ وفروعها اعتبارًا من السبتِ المقبل ، أما الديوانانِ الأوّلُ والثاني فـ .... إلى اللقاءِ في الطبعةِ التالية .
|
أعلاهُ ، اقتباسٌ من التنويهِ عن اكتمالِ " الأعمالِ الشعريّةِ الكاملةِ لشاعر الأطلال إبراهيم ناجي " ( المشاركة 49 بتاريخ 23 فبراير 2010 م ) ، وأعقبهُ نشرُ حوارٍ معي على صفحةٍ كاملةٍ بجريدةِ " الشارع " بتاريخ 23 أبريل 2010 م ، ونشرناهُ مضغوطًا في المشاركة رقم ( 67 )، وكنتُ أريدُ نشرَ الحوارِ كاملاً بعدها بعدّةِ أيام ، لكنَّ سهوًا ما اعتراني ونسيت ، واليومَ ، أعتذرُ لكم ، وأنشرُ الحوارَ كاملاً ( بدون المقدّمة طبعًا ) ، الأسئلة والردود ، لعلّها توضّحُ الأمرَ أكثرَ لمن يريدُ أنْ يعرفَ تفاصيلَ الأخطاءِ الفاحشةِ التي ملأتْ شعرَ ناجي منذُ رحيلِهِ إلى الآن .
***
**
*
أجرى الحوار الأستاذ : عبد الرّحيم قناوي
ــ
إبراهيم ناجي
ــــــ
ـ في البداية نودّ أن نسأل : لماذا تقول " فضيحة جديدة " ؟
= السببُ يعرفُهُ كلّ نقّادِ الأدبِ ، ويحفظُهُ دارسو شعرِ ناجي على وجهِ الخصوص ، ففي سنة 1961 صدر " ديوان ناجي " عن " وزارة الثقافة والإرشاد القومي " ، ووقعَ جامعو الديوان في خطأ كبير عندما لم يفرّقوا بين شعر ناجي وغيره ، وسكبوا سبعَ عشرةَ قصيدةً لا علاقة له بها داخلَ الديوان ، منها ستّ عشرةَ قصيدة للشاعرِ الشاب ـ وقتها ـ كمال نشأت ، والقصيدة الأخيرة للشاعر علي محمود طه .
كان الشاعر الشاب يعتبر ناجي مثله الأعلى ، وأعطاه مخطوط ديوانه الأول ليكتب له المقدمة ، ولكن ناجي تقاعس لسبب ما ، فقام كمال نشأت بإصدار ديوانه ـ " رياح وشموع " ـ في العام 1951م ، وبعد ذلك بعامين رحلَ ناجي ، فقام جامعو الديوان بإضافة مخطوط كمال نشأت إلى أعمال ناجي ، وبالمرّة وجدوا قصيدة " المرأة " ( من شعر علي محمود طه ) ، فضمّوها إلى التركة !! وهي تتألف من أربعين بيتًا ، وسبق نشرها في ديوان " أرواح وأشباح " في 1942م .
يومها ، حدثت ضجّة كبرى ، وكانت صدمة لكلِّ أهل الشعر ، وكانت ضربة مؤلمةً لجامعي الديوان ( الدكتور أحمد هيكل ، الشاعر أحمد رامي ، الشاعر صالح جودت ، محمد ناجي ـ شقيق الشاعر ، يرحمهم الله جميعا ) . وربّما شاءَ القدرُ أنْ تكونَ كلُّ القصائد المنحولة على ناجي قد صدرت في حياته ، وإلا لما استطاعَ أحدٌ أن يلصق التهمة بجامعي الديوان الذين أصيبوا بالصمت ، عدا صالح جودت الذي ظلّ يدافع عن موقفهم بلا طائل ، بينما ظلّ الدكتور هيكل ـ يرحمه الله ـ يذكرُ أنْ هذه الكارثة كانت أشدّ مواقف حياته إيلامًا !! وللأسف ، أصبح ذلك الديوان سببا لتفشّي الأخطاء في تاريخ ناجي ، واتّسع الخرقُ على الرّاتق !!
ــ ماذا تقصدُ بذلك ؟؟
= قامت " دار العودة " ببيروت بإصدار طبعة من الأعمال الكاملة لناجي ، ولم يلتفت مشرفو الطبعة إلى الأخطاء ، وظل الديوان الرابع الملفق لناجي بعنوان " في معبد الليل " علامة الاستفهام التي تفقس أسئلة في براح الزمن ، فناجي له ثلاثة دواوين " شرعيّة " هي " وراء الغمام " ( 1934 ) ، " ليالي القاهرة " ( 1950 ) ، " الطائرُ الجريح " ( 1957 ) ، أمّا " في معبد الليل " فعنوانه من إحدى قصائد كمال نشأت ، ومعها بعض القصائد والمقطوعات التي أسميتها " الرذاذ الشعري " فهي كتاباتٌ لا تنتمي إلى الشعر في عمقه وتألقه ، وكتبها ناجي كأنه يعطس ، ولو كان حيًّا لما سمح بنشرها .
المهم ، لم تدّخرْ " دار الشروق " بمصر جهدا في سبيل استمرار الخطأ ، وأصدرت طبعة كاملة ( أربعة دواوين ، مجموعة ، ومفردة ) في عام 1996م ، لا تختلف عن طبعة " دار العودة " إلا في ترتيب الدواوين ( بلا أي مبرر فني ) ، ناهيك عن الأخطاء الطباعية الفادحة التي سرحت في القصائد ، وبين الطبعتين ـ البيروتية والقاهريّة ـ وقبلهما ، كانت آلاف الكتابات العشوائية التي استندت إلى طبعة وزارة الثقافة المصرية دون الانتباه إلى حادث الخلط إيّاه ، ومن هذه الكتابات وعنها يتم النقل بلا وعي لتصبح سيرة ناجي وأشعاره مزرعة للأخطاء التي أصبح من الصعب محوها ، خصوصًا بعد هوجة الانترنت ، ودخول ملايين المراهقين والعشوائيين إلى ساحة الكتابة و " التأريخ " ، وأصبح من المستحيل السيطرة على ما يكتبون ، وزاد الطين بلة أن كبارا كثيرين يقعون في الخطأ والخلط إلى الآن ، ومن خلال الكتب النقدية أو المنابر المحترمة التي يظن البعض أنه من الصعب أن تنشر شيئًا معيبًا ، وللأسف الشديد فإنّ الطبعة الأكمل ـ لأعمال ناجي قد صدرت عن " المجلس الأعلى للثقافة " في 1996م ، بجهد غير عادي لأهم حرّاس تركة ناجي الأدبية وهو الشاعر حسن توفيق ، لكنها نفِدَت بسرعة ، ولم تصلْ إلى أيدي كلّ مستحقّيها ، فبالرغم من الأخطاء الطباعية ، وعدم الدقة في قصائد كثيرة مضافة إلى شعر ناجي المعروف ( أي أتى بها الشاعر حسن توفيق من دوريات كان ناجي ينشر بها ) إلا أنها تظلّ المرآة الأقرب للشاعر ـ ناجي ـ وشعره .

ـ وماذا عن تجربتك مع هيئة الكتاب المصرية في أعمال ناجي ؟
= في شهر يوليو 2007 م ، استدعاني الأستاذ حسين البنهاوي ، وأخبرني أنهم بصدد إصدار سلسلة جديدة سيكونُ رئيسًا لتحريرها ، وهي " سلسلة أدباء القرن العشرين " ، وقال إنه مأخوذ إلى حدٍّ بعيد بقلمي وطريقتي في تناول الشعر منذ أن قرأ كتابي " ناطحاتٌ شعريّة " الذي صدر ضمن مهرجان " القراءة للجميع " عام 2003 م ، واقترحَ عليَّ أسماء الشعراء الكبار طاهر أبي فاشا ، فقلتُ له : لا يليقُ أنْ أكتبَ عنه في وجودِ أستاذنا الشاعر الكبير فاروق شوشة ، قال : أحمد شوقي ، قلت : لا يليقُ أن أكتبَ عنه في وجود أستاذنا الدكتور أحمد درويش ، قال : إبراهيم ناجي !! قلت : إنّ حارسه الأول هو الشاعر حسن توفيق ، قال : أعطني تليفوناته . قلت : إنه يعملُ خارج مصر ، فقال : لن يكون ذلك مُجديًا مع إيقاع العمل هنا ، قلتُ : أنا لها !! وطلبتُ ألا يكونَ عملي مع ناجي مجرّدَ كتابةِ مقدّمةٍ وتسليمِها أو إرسالها بالبريدِ الالكتروني ، ولكن أن أقومَ بالعمل من الألف إلى الياءِ ، بمعنى أن أقومَ بمراجعةِ الأعمال على جهازي في منزلي ، من أجل التصويبِ والتشكيل ووضع الهوامش والإشاراتِ والإضاءاتِ ، لخبرتي الطويلةِ مع هذا الشاعر ، ولكوني أحفظُ الكثيرَ من أشعارهِ بالخطأ ، لعدم اعتناء ناشريها بالشعر وما يليقُ به ، وطلبتُ أن يكونَ نشرُ الشعر ببنط واضح ، أسود ، وبإخراج خاص ، فقال : لك ما تريد .
في يناير 2008م صدر الديوان الأوّل " وراء الغمام " ، وفي يناير 2009 م صدرَ الديوان الثاني " ليالي القاهرة " ، ونفِدت الطبعتان في أيام معدودة ولم يتبقّ سوى بعض النسخ المعيبة ، وفي يناير 2010 م ، صدر الديوان الثالث " الطائرُ الجريح " وأعتقدُ أنّ الطبعة ستنفدُ فور عرضها بفروع الهيئة المنتشرة بالقاهرة والأقاليم .
ــ هذا يقودنا إلى الحديث عن الفضيحة الجديدة التي قمت بتفجيرها من خلال الديوان الأخير لناجي " الطائر الجريح " !!
= قلت لكم إنَّ هذا الديوانَ قد صدرَ بعد رحيلِ شاعرِهِ بأربعةِ أعوام ، ويبدو أن القائمينَ على جمعِ قصائدِهِ قد أخذوا الأمرَ بنوعٍ منَ الاستهانةِ أو الثقةِ الزائدةِ عن الحدّ ، ولهذا ، لم يستطيعوا أن يفرّقوا بينَ القصائدِ التي لم تُنْشَرْ ، ومسوَّداتِ القصائدِ التي سبقَ نشرُها في " ليالي القاهرة " ، فارتكبوا خطأً فاحشًا وجسيمًا لم يفطنْ إليهِ أحدٌ على مدارِ السنواتِ الـ " اثنتين والخمسين " الماضية ، سواء الذينَ كتبوا عن ناجي ، أو الذينَ جعلوا أشعارَهُ موضوعًا للدراساتِ العليا بالكليّاتِ الأدبيّة .
القصيدةُ الثالثةُ في الديوانِ هي " في ظلالِ الصمت " ، وتقعُ في واحدٍ وخمسينَ بيتًا ، وهو رقمٌ لا يقبلُ القسمةَ على " أربعة " ، فالقصيدةُ من المقاطعِ المؤلّفَةِ من أربعةِ أبيات ،على عادة ناجي كما في قصائد " الوداع " ، و" الغد " ، و" الأطلال " ، و" الخريف " ، وإن كانَ الشاعرُ في " الأطلال " ، " الخريف " قد كسرَ القاعدةَ فمجموعُ أبياتِ كلٍّ منهما لا يقبلُ القسمةَ على " أربعة "
ولأنني التزمتُ التزامًا صارمًا بعمليةِ التصويبِ والتشكيلِ ووضعِ المعاني والإشارات ، احترامًا للشعر ولتراثِ الأمّةِ ، واحترامًا للأجيالِ المقبلةِ التي لا يجبُ أن تحفظَ بالخطأ مثلنا ، فعندما دلفتُ إلى القصيدةِ ـ " في ظلالِ الصَّمْتِ " ـ ورحتُ أدقّقُ في كلماتِها لضبطِها بالشكلِ وتبيانِ الغامضِ منها ، سمعتُ طنينًا مُزْعجًا يقولُ لي : إنّكَ تعيدُ كتابَةَ قصيدةِ " الخريف " التي أنهكَتْكَ في الديوان السابق " ليالي القاهرة " ، ولم أكذّبْ خبرًا ، فتحتُ نسخةَ الديوان في طبعتِهِ الجديدةِ في هذهِ السلسلةِ ، لأجدَ قصيدةَ " الخريف " تفترشُ الصفحاتِ من 228 حتى 242، وبدأتُ المقارنةَ والتدقيقَ ـ أو الغربلة ـ فكانتْ النتيجة المؤسفة المتمثلة في وجودِ ثمانيةٍ وثلاثينَ بيتًا من " الخريف " دخلت في القصيدة الماثلة أمامي " في ظلال الصمت " ، ولم يتبقَّ سوى ثلاثة عشر بيتًا ، ربّما كانتْ مُسوّداتٍ لقصائدَ أخرى .
أقولُ " مسوّدات " ، لأنّ ترتيبَ المقاطعِ وأحيانًا الأبيات ، مختلفٌ عنهُ في القصيدةِ الأم " الخريف " ، مع وجودِ اختلافاتٍ طفيفةٍ في بعضِ الكلماتِ ، وما أثارَ استغرابي ، هو وجودُ أربعةِ أبياتٍ من الأبياتِ الاثني عشر التي اختارها موسيقارُ الأجيالِ محمّد عبد الوهاب من " الخريف " وغنّاها بعنوان " القيثارة " ، هذهِ الأبياتُ هي المقطعُ العشرونَ من " الخريف " ، وهي مقطعُ الختامِ في الجزءِ المُغنّى ، وهو الذي بلغَ فيهِ عبد الوهاب الذروة ، أو قمّةَ التوهُّجِ عندما يتساقطُ أنينًا مُردِّدًا :
هذهِ الدنيا هجيرٌ كُلُّها ... أينَ في الرّمضاءِ ظلٌّ منْ ظلالِكْ
ربّما تزخرُ بالحُسنِ وما في الدُّمى مهما غلتْ سِرُّ جمالِكْ
ربّما تزخرُ بالنورِ وكم منْ ضياءٍ وهوَ من غيرِكِ حالِكْ
لو جرتْ في خاطري أقصى المنى .. لتمنّيتُ خيالاً من خيالِكْ
أقولُ : ألم ينتبهِ الجامعون ( رامي وصالح جودت ومحمد عبد الغني حسن ) إلى ذلك ، وبينهم اثنان من أهم رفقاء محمد عبد الوهاب وهما رامي وجودت ؟؟
رجعتُ لعشراتِ الكتبِ التي في مكتبتي حولَ ناجي وشعرِه فلم أجدْ أيّة إشارةٍ إلى هذا الخطأ ، وخَصَصْتُ بالاهتمامِ كلا من الشاعر حسن توفيق ( أهمّ حرّاس تركة ناجي الأدبية على الإطلاق ) فلم أجدْ لديهِ إشارةً إلى ذلك ، بل يوردُ " في ظلالِ الصمت " كقصيدةٍ مستقلّة ، وبعده الدكتور شريف الجيّار صاحب آخر أطروحةٍ جامعية وصلتُ إليها حولَ شعر ناجي ، وكان عنوانها " شعر إبراهيم ناجي ... دراسة أسلوبيّة بنائية " ( رسالة الماجستير ، إشراف أ.د صلاح فضل !!! ) ، وبحثتُ في ثنايا الأطروحةِ عن أي ذكرٍ لـ " في ظلالِ الصمت " فوجدتُ احتفاءً شديدًا بها في التقسيماتِ والإحصاءاتِ والدلالاتِ و .... إلخ ، باعتبارها قصيدةً عصماءَ مستقلّةً أيضًا ، وهالني أنْ يقعَ مثلُ هذا الخلطِ في رسالةٍ جامعيّةٍ يتوافرُ عليها أهلُ العلم والثقةِ والخبرة ، وتخضعُ للتدقيقِ والحذفِ والإعادةِ عشراتِ المرّات ، فكيف لم ينتبه الباحثُ ، ولا السيد المشرف الذي يعي تمامًا ما حدثَ من خلط في سيرة ناجي وشعره ؟؟ ، وكيف لم ينتبه السادة المناقشون إلى هذا الخطأ المزمن ؟؟؟ وكانت صدمتي قاسية عندما راح الباحث يتعامل مع جهود السابقين بنوع من الاستهانة والاستعلاء ، ويحملُ عليهم بالكثير من المآخذ ، ولم يطبق ما ينادي به على نفسه ، وراح يرتكب من الأخطاء اللغوية والإملائية الساذجة ما يندى له جبين كل من يعمل في حقل التعليم العالي لا في حقل الأدب واللغة ، ثمّ وقوعه في أخطاء بحثية مفجعة عندما يأتي بقصيدة " في معبد " ويتعامل معها على أساس أنها من شعر ناجي ، وكأنه لم يسمع بالضجة التي ثارت منذ 49 سنة حولها ، ويتجاوز ذلك إلى انتقاد حسن توفيق الذي لم يأتِ بهذه القصيدة ـ " في معبد " ـ ضمن طبعة المجلس الأعلى للثقافة ، وكأنه ـ د. شريف ـ لم يعلم إلى الآن أن القصيدة من شعر كمال نشأت ، وكانت رأس الفضيحة القديمة ، وكأنه لم يقرأ المقدمة الطويلة التي كتبها حسن توفيق وفنّد فيها كلّ المآسي التي حلّت بسيرة ناجي وشعره ، حتى أصبحت كتابات حسن توفيق هي المرجع الأول " الآمن " لنا جميعا عندما نكتب عن ناجي !! هناك مآخذ كثيرة على حسن توفيق بالطبع ، لكنها من قبيل الثقة الزائدة أو الاستعجال ، فإذا شاء أحدنا ، أنا أو الدكتور شريف الجيّار أو سوانا ، أن ينظر إلى الشرر المتطاير من نوافذ الآخرين ، فعليه أن ينتبه أولا إلى النيران المشتعلة تحت ثيابه !!

ـ ولماذا لم تحذف قصيدة " في ظلال الصمت " من الطبعة الجديدة ؟؟
= هذا ليس من حقّي ، لقد أتيتُ بها في موضعها كما هي ، ولكن كتبتُ مقدّمة لها بتفنيد هذا الخطأ ، ووقعته بـ " ب . ع " ، أي بشير عيّاد ، حتّى أتحمّل أيّة مسؤولية تترتب على ذلك ، وأعفي هيئة الكتاب منها ، ووضعت الأبيات كما هي ، وتحت المقاطع المأخوذة من قصيدة " الخريف " وضعت إشارة بين قوسين هكذا
( من " الخريف " ) ، وقد تعمّدتُ ذلك متوقّعًا أن يتجاهلَ البعضُ ما أثرته بالمقدمة عن هذه الفضيحة ، أو لا يقرأ المقدمة من الأساس ، فلابد أن تكونَ الإشارات حمراء أمامه ، خصوصًا إذا كان من الباحثين القادمين بعدنا ، حتى يكون الأمر سهلا أمامه ، وليستطيع الإضافة والإتيان بما قصّرنا فيه ، وعجزنا عنه .
ـ هنا يثورُ سؤال : لماذا لم نقرأ اسمك على أغلفة هذه الدواوين بالرغم من هذا المجهود الخارق وهذا الإتقان وهذه الأمانةِ ؟؟
= لم أكن معنيًا بهذا ، لا أنا ولا الأساتذة الذين شاركوا في الأعمال الأخرى في هذه السلسلة الفخمة ، فجميعنا أسماؤنا موجودة على صدر المقدمة داخل كل عمل ( شعرا كان أو رواية أو مسرحًا أو .... إلخ ) ، وعن نفسي كان كلّ تركيزي مُنصبًّا على ماذا سأقدّمُ ؟ وماذا سأضيفُ ؟ وليس على اسمي وأين يُكتَبُ وبأي حجم ، ولا أكتمك سرًّا إذا قلتُ لك إنني كنتُ أفتح عشرة معاجم على الكومبيوتر لأدقق في كلمة واحدة ، وأقضي الساعات في البحث في سيرة أحد الأسماء لأكتب إشارة في الهامش ، كنت مشغولا بالسابقين وبالقادمين ، فلا ينبغي أن نعبث بتركة الأجداد التي هي جزء من مسيرة حضارة الأمة ، ولا ينبغي أن نترك للقادمين شيئا معيبا فيكون درسا لهم في العبث والاستهتار والاستسهال ، وأدعو الله أن تكون الأخطاء التي لم أنتبه إليها بسيطة وطفيفة ، حتى نسهّل مهمة مَنْ يأتونَ بعدنا .
ـ ولماذا لم تضف القصائد التي أتى بها الشاعر حسن توفيق في طبعة المجلس الأعلى للثقافة ؟
= وجدتُ ذلك نوعًا من الاعتداء ، بالرغم من أنه ـ الشاعر حسن توفيق ـ لم يكن ليمانع إذا استأذنته في ذلك ، ولكن خشيتُ أن يأتي آخرون وينسبوا الفضل لي ، ولا أبالغ إذا قلتُ إنني تألمتُ وشعرتُ بالحرج الشديد وأنا أكتب عن فضيحة " في ظلال الصمت " لكونها مرّت على حسن توفيق مرورها على الآخرين ، فأنا أعتبره المرجع الأول في سيرة ناجي وشعره ، ولا أتفوّق عليه ـ قليلا ـ إلا في شقّ أشعار ناجي المغنّاة لكوني أتلامس مع هذا الجانب عمليًّا باعتباري شاعرًا غنائيًّا ، وناقدًا ومؤرّخًا أيضًا .
ـ هذا يجعلنا نسألك : ماذا عن ناجي في الغناء ؟ وعن رحلتك مع جماليّات النص الكلثومي باعتبار ناجي أحد شعراء كوكب الشرق ؟؟
= لم تكن أمّ كلثوم أولَ من غنى شعر ناجي ، لكنها الأهم ، هناك محمد صادق ونجاة علي ومحمد عبد الوهاب وكارم محمود وسعاد محمد ، ومحرم فؤاد وابتسام لطفي( من السعوديّة ) وفوزية صفاء ( من المغرب ) ، لكن عندما يطل صوت أم كلثوم يصمت الجميع .
أمّ كلثوم غنّت مرتين من شعر ناجي وكلتاهما بعد وفاته وبألحان السنباطي ، الأولى " الأطلال " ، وهي رأس الغناء العربي كله ، وغنتها أم كلثوم للمرة الأولى في السابع من أبريل 1966م ، بعد رحيل ناجي بثلاثة عشر عاما وغنتها في ثلاثة وعشرين حفلا ، والقصيدة الأخرى هي " مصر " ، وهي تسجيل ستوديو1969 ، و" الأطلال " أيضا واحدة من محطات الخلط في سيرة ناجي ، فبعد أن غنتها ـ وإلى الآن ـ يتبارى الهواة والنقاد السطحيون في لوم أم كلثوم التي غنت " الأطلال " بعد أن غنهتا نجاة علي !! وهؤلاء يعيشون حياتهم بالسماع ، أي بجلسات الثرثرة على المقاهي وليس بالكتب والمراجع والوثائق ، فالصواب أن نجاة علي غنت في مارس 1954 أبياتا من قصيدة " الوداع " من الديوان الأول لناجي " وراء الغمام " بألحان محمد فوزي ، وعند غناء " الأطلال " وقع الاختيار على خمسة وعشرين بيتا من القصيدة الأصلية ( قوامها 134 بيتا ) ، وبداخلها سبعة أبيات من " الوداع " ، ويشاء القدر أن تكون منطقة الذروة في " الأطلال " المغناة هي : " هل رأى الحبُّ سُكارى مثلنا ؟؟ ... " ، وهذا المقطع من " الوداع " التي غنتها نجاة علي !!
أمّا عملي على جماليّات النصّ الكلثومي فقد بدأ قبل ربع القرن بالكتابة في الصحافة ، ثم تطوّر إلى الإذاعة والتليفزيون مع بدايات 1990 ، وازداد توهّجا بدءًا من 1995 مع تعاملي مع برنامج " كلثوميات " بالقناة السادسة ( سوسن كحيلو ،، داليا طاهر ) ومن خلاله شاركت في 120 حلقة ، وحولها بإذاعات " صوت العرب " ، " الشرق الأوسط " ، الشباب والرياضة " ، ثم الفضائية المصرية وبعض الفضائيات العربية ، وعند صدور كتابي " عبد الوهاب محمد أغنية خالدة " 1998 ، كان رأي أصدقائي المقرّبين أن أهم ما في الكتاب هو تحليلي لجماليات كلمات عبد الوهاب محمد مع أم كلثوم ، وقالوا : ابدأ فورا في دراسة كلّ شعراء أم كلثوم ، ومن يومها وأنا أعمل في آلاف التسجيلات والوثائق والدواوين والكتب ، ولم يبق سوى بعض التواريخ والإشارات ليصدر العمل الذي أخذ مني ثلاثة عشر عاما في سبعة مجلدات قوامها ثلاثة آلاف وخمسمائة صفحة ، وأتمنى أن يكون ذلك خلال هذا العام ، ولم يؤخرني سوى الخلاف مع الناشر الذي يصر على إصداره في طبعة شديدة الفخامة لن تباع بأقل من ألفي جنيه للنسخة ( أي العمل كاملا ) ، وأنا أدرك أن قرّائي على باب الله ـ مثلي ـ وأريد أن يصل الكتاب إلى كلّ الباحثين عن القيمة وعن الثراء الذي ميّز رحلة الأسطورة العظمى في تاريخنا الفني السيّدة أم كلثوم .