صفحات من تاريخ الغردقة
كانت هذه المدينة أصغر محافظة مصرية وكان يرأسها محافظ من سلاح الحدود هو محمد نجيب الذي اصبح بعد ذلك أول رئيس لمصر وكان من اهم المحافظين الذين مروا عليها وكان بالغردقة قسم شرطة يرأسه ضابط من سلاح الحدود برتبة نقيب ومساعده برتبة شاويش .
وسميت الغردقة لأنتشار نبات الغردق بها .. وكان من اسماء البنات فى ذلك الوقت اسم ( غردقية )
وكان اهل الغردقة يعملوا فى صيد الاسماك والرعي وعندما تدفق البترول بالغردقة بعد تدفقه من الجمسة التي كانت تقع فى الشمال من الغردقة انتشر بها العمال العاملون فى قطاع البترول .
كان من جمال شواطئها ورقة جوها حافزاً للملك فاروق أن يبني فيها استراحة بالقرب من الميناء وبني به ابراج حمام وكانت اسرابه تطير وتحط على تلك الابراج .. وهي موجوده حتي الان بمنطقة الميناء .
وكانت ترسو فى الميناء الفلايك الصغيره والمراكب الشراعية الكبيرة إلى جانب ناقلات البترول .
كان بالغردقة صناع المراكب والنجارين مثل ابوالحسن النجار الذي بني مركب صغيرة طولها متر ولها شراعين واطلقها فى البحر فأخذتهاالرياح والامواج ووجدها الصيادون راسية بجوار جزيرة الشيخ مالك مما زاد من اعتقادهم فى شيخهم وهذه المركب موجوده إلى الان فى ضريح الشيخ مالك .
كان أهل الميناء يعملوا فى صيد الاسماك وتمليحه وتصنيع الفسيخ من البوري المصري والبربوني وبيعه ... وكان من اشهر الصيادين فى ذلك الوقت الريس / حمد موسي والريس / موسي حميلي و الريس / حسين حميديه برتويلي والريس / سعيد على مكي واخوه محمود و الريس / سليم ابوكحلة والريس / على الرموزي والريس / حسن جادالله وأخوه محمد جادالله و الريس / عبدالكريم زروق كرتة والريس / عواد زروق والريس / عمر قصقص واخوه رمضان والريس / سالم ابو خشم .
كان الصيادين ينشرون شباكهم فى مواسم العنبر والبوري والبربوني ويغيبوا فى البحر فى عذبات طويله تمتد من شهر إلى سنه فى جنوب البحر الاحمر إلي بورسودان وسواكن واثيويبا واليمن وكانت اسرهم تنتظر حضورهم على الشاطئ .. الام تنتظر ابنها والزوجه تنتظر زوجها والخطيبه تنتظر خطيبها والكل فى حيرة من امره .. هل ياتري ستقام الافراح أم تنصب المأتم لرياح ضاع فيها الملاح والمجداف ..
كان من اجمل المناظر المؤثرة حضور القطاير ( المراكب الكبيره ) وعليها بحارتها محملة بخيرات ربها من السمك المملح وبراميل الفسيخ العربي والسرمباك والنهيد .. من بعيد تظهر اعالي الاشرعة وتأتي الانباء على التوالي ويصبح حديث المدينة من حضر ومن سيحضر ومن استشهد فى سبيل لقمة عيشه والكل يدعو من كل قلبه أن تعود القطاير بسلامة الله ... وكان ينتظر مع المنتظرين التجار الذين مونوا هذه القطاير مثل : عبدالله شنديقة ومحمود ابوحراجي وابوشبون وجمعة ابوسبيع .
وبعد وصول القطاير واستقبال بحارتها وفى الليالي التاليه يتوجه الجميع إلى جزيرة الشيخ مالك لزيارة ضريح الشيخ وتذبح الذبائح وتقام الولائم وتعقد جلسات السمر ويلعب الفتيان بالسيوف على انغام الطنبوره .... ويغني البحاره اغانيهم الخاصه على انغام السمسمية ويغني أغاني الخبيتي واليماني ولعب الرفيحي .
ومن اشهر الاغاني اللي تقال :
ع الخيزرانه ... ع الخيزرانه .. حبك شبكني اليوم يا بابا
ركبوا القطاير ... بكره البشاير بالخير يا بابا
ويقوم الشباب من قبائل العبابدة والبشارية بعمل حلقات الرقص بالدرقة والسيوف و الكرباج حيث يستعرض كل شاب قوته فى اللعب بالسيف و الدرقة ( والدرقة هي درع مصنوع من جلود الاسماك او من ظهر السلحفاء البحرية ) .
وفي اقصي شمال الغردقة كانت تقع منطقة الاحياء المائية حيث يوجد العالم الكبير المرحوم الدكتور / حامد جوهر الذي عشق الغردقة وعشق البحر بأعماقه وشواطئه وأثري مصر والعالم بأبحاثه عن البحار واحيائها المائية فقد كون مجموعة عمل وانشاء متحف الاحياء المائية وكان يوجد بالمتحف مجموعة من ابناء الغردقة الذين كانت لهم مواهب فنيه .. رسموا عرائس البحر بأوصاف كما رواها الصيادون وكما تخيلوها فى احلامهم فى الليالي القمرية وهم يتغنون بالحانهم الشعبية على انغام السمسمية .
وكان يحضر إلى شواطئ الغردقة الصيادون السعوديون من ينبع وجده ومعهم تجارتهم من الاسماك المملحة والنهيد والسرمباك والتمر والبلح ليتاجروا فيها ويلحقهم من كرم أخوانهم المصريين الكثير .... ويقوم الصيادين من الجانبين بعمل جلسات طرب وسمسمية كل جانب يتغني بالموروث من الاغاني الشعبيه خاصته .
كانت تقف فى وسط الغردقة عالية شامخة جبلاية العفش فى منطقة الدهار وسميت بهذا الاسم حيث سقط من عليها الشيخ على العفش وكان شيخ ضرير ضل طريقه وسقط من عليها ليلقي حتفه . وتلتف حول الجبلاية منازل صغيره للعاملين فى شركات البترول وبعض الصيادين والعربان .
كانت توجد فى الغردقة قهوة وحيده هي قهوة المعلم ضوي وكان اسمر الوجه دائم الابتسامه مرحاً له شهامة ابناء البلد وكرم العربان .
وعلى قهوة الملعم ضوي كان يجلس الشيخ موج وهو من مشايخ العبابدة وكان رجلاً عملاقاً يلبس ملابس عربان العبابدة البيضاء وعمامته كبيرة ، متشحاً بخنجره فى وسطه وكان يضفي على منظره القوة تلك البندقية الميري المتعلقة فى كتفه دائماً و الكرباج فى يده .. وكان يجلس على القهوة يحكي عن القبائل العربيه ويدمجها بسيرته الذاتية وكان لبقاً طليق اللسان حلو الكلام ، كان يتوقف عن الكلام فجأة وهو فى نصف الحدوتة ليترك المستمعين حائرين ليستمعوا منه باقي الحدوتة فى اليوم الذي يليه أو فى مساء نفس اليوم وكان حديثه الجميل وسرده الظريف هو تسلية إلى جانب جلسات الطرب والسمسمية حيث لم يكن هناك أذاعة ولا تليفزيون .
وكانت التسلية الأخري حيث يلعب الشباب كرة القدم مع أطقم مراكب الزيت ويلعبوا العاب القوي التي ادخلها الخواجات الانجليز العاملين فى مجال البترول .
وايضاً تقام سباقات الهجن بين العربان من الرشندية وجهينة والعبابدة .
وكان يعيش فى منطقة الدهار أغلب رجال البترول بخوذاتهم الحديدية واحذيتهم الثقيلة وملابسهم المزينة بلون الذهب الاسود ... وكان عمال البترول هم خليط من ابناء البلد الاصليين وابناء وادي النيل الوافدين خاصة من محافظة قنا ... ومن الاسماء المشهورة فى عالم الحفر : محمود عوض الله ، حفني سقاو ، مبارك حمدان ، حسن فرج الله ، دمراني محمود طلب ، بربري القوصي ، ابوحراجي ، الغنيمي ، خليفة وسالم الاصيل ،وحميد وجمعة زارع .
كانت تاتي المياه للغردقة عن طريق البحر بواسطه ناقلات البترول التي تنقل البترول إلى السويس وتفرغ شحنتها فى معامل التكرير وتعود بالماء العذب ممزوج بخام البترول ليكرر بطريقة بدائية جدا حيث يظل به اثر ورائحة البترول .
وبالنسبة للنقل الداخلي تأتي هنا سيارة عم قاسم التي كانت تمثل النقل الداخلي بالغردقة وهي سيارة قديمة ماركة فورد كان عم قاسم الدشاش قد صنع نصفها على يديه وكان أخوه عابدين يساعده فى صيانتها .. كانت تسير بدون رخص أو لوحات معدنية وكان مصرح لها بذلك من الحافظ السيد / محمد نجيب رئيس جمهورية مصر بعد ذلك ... وهي موجوده حتي الان لدي عمي سيد عابدين بالغردقة .
وكانت الصلة بين وادي النيل والغردقة عن طريق الجمال ... كان الجمالة الرجال يقودون قوافل الابل للنقل من الصعيد للبحر الاحمر والعكس .