وعلى بركة الله نبدأ في تحليل الفصل الثاني:
إذا كان الله قدَّر عليّ أفعالي فلماذايحاسبني؟
في هذا الفصل يتناول الكاتب قضيتين متلازمتين ومترابطتين وذلك لتعلقهما بقيام الله سبحانه وتعالى بحساب الإنسان يوم القيامة.... فوردت على لسان الملحد هنا عدة نقاط أولها بما أن الله مقدر لي الأفعال قبل أن تحدث فلماذا الحساب ؟ وأنني لم أخير في مولدي أو اختيار وطني أو اختيار طولي ولون بشرتي... إلخ كما أني لا أملك التحكم في شروق القمر أو غروبه إذا أنا مسير ولست مخير فلماذا يحاسبني الله على ما أنا مجبر عليه وتمادى في تأييد رأيه بالنظرة الحتمية الاجتماعية والتي مفادها أن الإنسان محتم عليه سلوكه وأفعاله نتيجة ما تحتم علية البيئة من ظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية وصحية ومالى آخره فتؤثر عليه وعلى سلوكه كما ينادي بذلك الماديون؟
هنا رد الكاتب عليه بأنه يريد الحرية المطلقة في أن تتخير مولدك وتختار أباءك وتتحكم في شروق الشمس وغروب القمر..... وهذه الحرية المطلقة لا تكون إلا لمطلق.... بمعنى أن من يصنع شئ فهو أعلم به فصانعوا السيارات يعلمون ما صنعوه فعندما تتعطل السيارة يعرفون سبب العطل ويقومون بإصلاحه وعندما صنعوه وأقاموا التجارب عليه وضعوا توقيت افتراضي لتغير قطعة ما واستبدال زيت الماكينة لمقدار عدد من الكيلوات وهذا افتراضي وليس على وجه اليقين لعدم معرفته بطبيع الشخص الذي يستخدمها ومهارته في القيادة أو فيما سيستخدمها فعلمه بما صنعه يكون فقط فيما صنعه وليس للمتغيرات التي التي ستؤثر في استخدامها لأنه لا علم له بها ..... لكن الخالق جل شأنه خلق الكون كله بكل مخلوقاته وعلى جميع أصنافها فيعلم أن الهواء والماء يأكل في صخور الجبل فيطيح منها ما يطيح ويسقط ومنها ما يصيب ويضر ومنها ما يجبه الله من شر ذلك ؟ فالانسان مطلق على وجه الخصوص وليس مطلق على وجة الإطلاق الكامل. مطلق فيما صنعه فقط وفيما يملكه ومع ذلك نقول أن الانسان يصنع ويبتكر فيما منحه الله من خلق فيطوع الحديد وهو لم يخلقه ويطهو الطعام وهو لم يخلقه فيستخدم الحديد في صنع السيوف والسكاكين فيستخدمها في الدفاع عن نفسه وأيضاً يستخدمها في القيام في جريمة قتل فهو إذا تحكم فيما يملكه وهنا يكون مخيرا وليس مسيراً.
وللتخيير أدوات إذا توافرت في الانسان أصبح مكلفاً وأصبح خاطعا للحساب فالعقل من أدوات التكليف فمن ليس له عقل تسقط عنه التكليف ويسقط عنه الحساب والنفس من أدوات التكليف فمن يملك أمر نفسه فهو مكلف لأنه حر فالطفل والعبد والسفيه والقاصر لايملك أمر نفسه فيسقط عنه التكليف كله أو جزء منه وكذلك من لا يأمن على ماله أو عرضه أو اهله تسقط عنه التكاليف كلها أو بعضها فمن يملك الخمس أشياء هذه يملك حريته ويأمن على نفسه وماله وعرضه وأهله لأنها كلها أمور قد تزيغ القلب عن اتخاذ القرار السليم ولهذا اهتم الاسلام برعاية هذه الأمور الخمس للأفراد .... والكاتب أثار عدة أمثلة في سياق التخيير كأن تكبح شهواتك فالأمر بيدك وأن تطلق لها العنان فهو اختيارك .... أن تسرق فهذا راجع إلى قرارك وأن تكف يدك عن الحرام فهذا أمر صادر منك .... ثم أشار ان الحرية نسبية في الانسان وجانبه التوفيق في ذلك لأنه مخلوق وحر فيما أمكنه الوصول اليه وتحكم فيه بينما ما لا يد له فيه لا يملك من أمره شيئاً ......
ثم أشار في مثال جيد إلى أنه يستطيع أن يجبر إمرأة على نزع ثيابها أو الزواج منها ولكن لا يستطيع أن يجبر قلبها على أن تحبه وتهواه ..... لأن الله جل شأنه أعتقه من كل صنوف القهر والاجبار وجعله حر فالمؤمن الذي ينطق بالكفر تحت التهديد لا يحاسب على هذا ولكن يحاسب على ما أقره بقلبه .
ثم نعود إلى نقطة سابقة وهي علم الله المسبق وهو علم كامل لما خلق بحكم خلقه الكون كله بينما الانسان علمه بما قدر له أن يصنع ويبتكر ولو كان هذا العلم المسبق غير كامل لله تعالى عن ذلك فيعد قصورا لا يتناسب مع الربوبية....
أما بالنسبة للحتمية التاريخية والصراع الطبقي أقول هنا أن الكاتب استفاض فيها بمنطق رائع واستدلالات قيمة ..... وأضيف من أين أتت البلاد الذي تسمى متقدمة وممن أتت أمريكا فهل الحتمية التاريخية صنعتهم متقدمين من الأساس أم أنهم تقدموا على حساب الشعوب الأخرى ونهب ثرواتها وما يتحدثون عنه باسم الصراع الطبقي فلماذا لم تستمر أوروبا في غياهب الجهل في العصور الوسطى والصراعات بينهم ولماذا لم يستمر المسلمون في تقدمهم وعلومهم التي فتحت وغيرت معالم الفكر، لماذا لم تستمر فرنسا وانجلترا كقوتين عظمتين؟.... فلماذا لم تؤثر الصراع بين الكنائس المسيحية المختلفة في أوروبا وأوقفت مسيرتها نحو التقدم؟..... والصراع الطبقي الماركسي بين الصين وروسيا إلى أين ذهب ؟ والديمقراطية والحرية التي كانت تتشدق بها أمريكا كالعلكة في أفواه ساستها لماذا ضاعت تحت شعار الاوطنية الجديد والعمل على بناء الستار الحديدي الذي كانت تعاير بها النظام الماركسي الروسي وأغلقت قانون تبادل المعلومات وفرضت الرقابة على وسائل الاتصال ومنعت نشر الصحف الا لما تريد هل هذا أيضا ناتج عن الصراع الطبقي؟
وما قدمته الأخت سلوى خزبك من رأي للشيخ الشعراوي كان زبدة ولب الكلام في هذه القضية التي أثارت الكثير من الجدل على مر الأزمان ويحضرني قول هنا لا أذكر للأسف اسم قائله: مالنا بما أراده الله منا وما أراده علينا.