فارس الرومانسية وساحر الأسماع
المٌهندس والشاعر الخزامى الكبير
((( يوسف أبو سالم )))
مساؤك نور يتوسد أحلامك وعِطر زنبقة طابت بأنفاسك
على الرغم من أن القمر أصبح رمزاَ مُستهلكا للتغزل فى صورة الحبيب
إلا إنه ظهر بشكل مُختلف وصورة جديدة فى هذه القصيدة التى أوثقتنى
لدرجة أننى لم أستطع تركها إلا بعد البوح بما رأيته فيها من مُفردات فاغية وصور مُجنحة جعلتنى أُحلقُ فى سردها الباهر أنتقى درراً ألفت بها النظر إلى هذا الشاعر الذى تتشكل القافية بين يديه شِعراً فاتن بحرفية عالية وروحاً خلابه ، ورقياً وعلواً فى إختيار الصور وكيفية التعبير عن الهدف بشكل يروق لكل مُتلقى ..
يا أيها القمر الذى أحببته
أينعت اللغُة والمفردة فى هذه القصيدة وعلى البحر الكامل بحروفها الأبقه فى قاموس العربية ما لذَ وطابَ ورق ،مِن شفيف الكلمِ فاهتزت وربت فى حنايا اللغة،وتورقت فروع أبياتها على صوت موسيقاها العذبه، فدنت قطوفها مبنى ومعنى، فى حين تنظم ثورة تُشكل بها هذه المشاعر الدافئة التى لاتمل منها عيون تقرأ حتى وإن شبعت منها السطور ،
هُناك وقفات تأمليه بعد عدة قراءات ؛فى محاوله للربط بين كل مقطع بما يسبقة وما تلاه لآجد تدرج فلسفى جميل لشاعر يمتلك كل مقومات الأديب الفيلسوف ..
شَجْواً يُسَقسِقُ أمْ تُراهُ يصيـحُ
أمْ حسبُهُ الطيرُ الجريحُ يبـوحُ
تتشابكُ الأصْداءُ في أعْشاشِـهِ
أيّـانَ يشْرَقُ بالفُـــراقِِ ينــوحُ
فى الأبيات السابقة نجد تزاحم فى صور يرسم تفاصيلها الشاعر بتقنية مُتفردة ؛ تفور من رحم معانيها صور المجاز، فى صياغة تعبيرية مُعبرة عن حاله الشجن التى إعترته و عمق التجربة وروح الفِكرة التى تعانق بؤرة جمال قافية الحاء المُتلامزمة فى أبياتها وبين (يبوح وينوح ) فى الأبيات السابقة فيصل أنين طائر يسقسق من جرحه شجى يطرق مسامعنا لآلم الفراق.
يشكو إلى الأغصانِ نأْيَ أليفـِِهِ
والنبضُ في شريانهِ مَسْفُـــوحُ
ما لاحَ سانِـحُ بَرقِـــهِ إلا وقَـدْ
صَرَختْهُ من أبراجِهنَّ صُروحُ
على غُصن الإحساس وعُشبة النفس تأبطت الشاعر صورة مُتراكمة
مثل كرة ثلجية سرعان ما تذوب فى ذهن المُتلقى وتصبُ فى ذائقته
لوعة ومرارة يستشعرها بنبضه المُراق عندما أتاه طير السناح بأشأم
وصرخة هدمت قبب الأمَال وهوَ يروى لنا حكايته فى ..
قد كان يا ما كانَ يسهـرُ ليلُهُ
فتغيبُ بعضُ نجومـــهِ وتَلوحُ
فتضيئهُ حيناً وتطفىءُ وَقْدَهـا
وينـزُّ مَــــوْجُ أُوارِهِ ويفـوحُ
فى هذه الأبيات جمال فنى وموسيقى تصويرية رائقة كخلفية للآحداث التى يرويها لنا الشاعر عن صورة محبوبته ،لنجد أنفسنا أمام لوحة سريالية تتنافس الرموز فيها فى مُبارزة حول قوة الأداء الشِعرى نتأملها بكثب عندما نقرأ..
قد كان يا ما كان يُسْرِجُ خيلَهُ
فإذا وجيبُ صهيلـــهِ مَبْحـوحُ
ما تَلّــهُ سيفُ الهـوى لِوَتينِهِ
إلا وفـــاضَ متيّــــمٌ وذبيــحُ
مشهد يحاكى فيه الشاعر شدو نزفه على كل سامع قصته بهذا المقطع ( قد كان يا ما كان ) وهذه الريشة التى غمسها فى دمه المسفوح مره وفى حِبر قلبه مره فتصل التجربة كرؤية تتواصل مع القلوب فى توليفة نصية كلاسيكية منتشيه بأجواء تُراثيه فى إستدعائه للسيف والخيل الذى بات صهيلة بكاء منتحب غاب صداه من شده الألم.
وغدتْ شجونُ القلبِ سربَ نوارسٍٍ
والبحــــرُ في صلواتها مَشْلــــوحُ
بيت يعد شرحاً مفصلا للإستعارة التصريحية لما سبقها من أبيات مكتظة بالرموز فى هذا التابلوه الشعرى المطرز بسحر خاص يتوسد بمخيلة القارئ صوره أسراب النوارس وهى تفرش البحر وكأنها مطروده من شده العذاب كتعبير عن ألمه ونزف جرحه..
ما ذنبُ عُصْفــورٍ تنوءُ سماؤهُ
بعجيجها وتهبُّ فيها الرّيـــــحُ
ما ذنبها الفَلواتُ غابتْ شمسُها
فغدتْ تُطِـلُّ هنيْهــةً و تشيـــحُ
مع جمالية تأخير الفاعل والتى ستظل ظاهرة تخدم بيت الشعر فى إظهار موسيقاه
الشجية التى تطرب دواخل النفس ومسامع المُتلقى وقت قرائتها ،كما أن
عناصر التشبية تخلق جو نفسى مُتباعد عن الإيحاء السلبى الذى يقع فيه القارئ
عند رؤيته للبيت الواحد،مستغرقاً فى المعنى على حساب تشكيل الصورة
وإلا فأى قيمة راقية وحسية عذبه ينفرد بها الكاتب حين نقرأ..
ياأيهـا القمـــرُ الذي أحببتُـــهُ
فأضاءني والضوءُ مِنْهُ شحيحُ
أفديكَ من قمـرٍ ولو أضنيتنــي
أنا في دويّ مَـداركَ الملفـــوحُ
سيميائيا نجد تتابع فى البنية الأساسية للقصيد تبدأ عِند المقطع الآول بمُناجاة القمر كنداء موجه للحبيب ،فى بيان يتلوه العاشق للقمر يخبره بأنه
أحبها رغم صنوف ضوء شحيح أضائته له إلا إنه مازال متيم بها
ويتابع حديثه فى الفقرة التالية بأنه يفديها ولو أضنيته.. دلاله على الزهد والشح الذى لفحه وهوَ يدور هائماً فى مدارها..
أنا فيكَ بعضُ تميمـــةٍ عبثيـــةٍ
والبعضُ فيكَ مهاجــــرٌ مذْبوحُ
بكَ أيها المَلَََكُ الغريـرُ مُعلَّــقٌ
متفـــرّدٌ متكاثـــرٌ مَوْشــــوحُ
فى حين تتوالد فى الذكرى صور حنين تعرج فيها تميمة تتزين بزركشات من قزح ونقوش من الحب وما تحمله الأبيات من دلالات فِكرية وحِسية تتهادى فوق جذوع الشوق وتعزز الروح المستباحه مٌنتشية بلمسه من ضوء القمر نستخرجه من هذا التوظيف لبعض الدلالات الذكية و الفنية المتواتية والمُتلاحقة فى اتساق عجيب فى ( مُعلق ، مُتفرد ، متُكاثر ، موشوح )
كل مفرده تشكل صورة تدفع إلى سابقتها وكأنها تغزل من نسيج واحد بحرفية رائقة للتعمق فى المعنى بصدق البوح والتعبير..
عُدْ يالحبيبُ فإن صوْتَكَ في دمي
يسري وأنكَ أنتَ مِنّــي الـــرُّوحُ
أقول أن القصيدة من بدايتها حتى نهايتها بمثابة جرعة مُكثفة الجمال
وانا أُتابع هذا التدفق الشعورى المُتزاحم والمسبوك بإقتدار وحرفية لافته كعاصفة بدأت فى الدنو وما إن إقتربت بأخر بيت خمدت وهمدت مع هذه المُناجاة الرقيقة بأن تعود حبيبته ليستعيد روحه المسلوبه وينعم بالدفء.
الشاعر القدير يوسف أبو سالم
إستمتعت كثيراً وأنا هُنا أندح مِن كأس إبداعكَ ما يروق للشاربيين،،
دُمت غيدق الجمال والهطول وللشِعر نهراً مُقدس ،،
أعود إليه وأمكث أمامه كلما وددت أن أطهر عينى مِنْ غُبار الشِعر،،
كُن بخير وسعادة ..
مع خالص تحياتى ..
