صداح الأردن
الأستاذ القدير والشاعر المُبدع الكبير
((( يوسف أبو سالم )))
صباحُكَ شرنقه غزلت مِنَ الحرير تعلقتْ بغُصنها لتتأرجح مع النسيم
.*.عاتبيني فما أرقّ العتابا.*.
دائماً ما أجد فى كل قصيدة تكتبها نغما ووترا..
تعصف بها.. ترانيم البحر..
نحو مــد وجزر..و هديل الحرف يتغلغل .. لاءلئ
ساطعه ..أرنو إليها بعناق ورعشة وأطوق بها ريشة متمردة
لآرسم لوحة بها نوارس وسنونوات محلقتان على جبين
الشواطئ أكحلها من ضوء الرمال السرمدية
وأضيف إليها نفحة من ضميم الزهر وخصلة من شميم العطر
فتنبت بها أجنحة فراشات تطير إليكَ وتلم نجواك لها
ما قيل هُنا ومالم يُقال ..
فى قصيدك إغراء وبحر لا يقاوم تغزل من ضجيجه
ممكناته،و من زرقته شالات نغرق بهاو تغسل أقواس الحرف
بالكافور تارة وبالسنا تارة أخرى فاسمح لى أن
أتجول فى ربوعها وأقتبس أبيات منبثقة من أكمام
الزهور إستوقفتنى لجمالها وعظمة بناءها
صابىءُ الكحلِ في الجفونِ صلاةٌ
زمزمَتْ في رموشهـاالأحقابـا
أعجبنى فى هذا البيت ما وجدت به من إيحاء زهنى
وانزياح لغوى أو إحالة فلسفية تمثلت فى
( صابئ الكحل ) حتى (زمزمت رموشها الأحقابا)
فقد تفتح الباب أمام أصحاب الخيال الشعري وتغلقه
أمام من يقرأ ولا يفهم ماذا قرأ .
أنتِ بحـرٌ تنـامُ فيه سَمــائي
كيف أطلقتِ في سَمائي العُبابـا
فى هذا البيت قد مسك الحب وأنا قد مسنى الذهول
وكأنى أقرأ أسطورة (أيسوب )وخياله الفسيح
بعد ما أطلقت فى سماء راحتك وحبك أمواج الشوق
فتعــالَيْ فإنّ إفــكَ ذنوبـي
بين عينيـكِ يستحيـلُ ثوابــا
صورة جميلة وعلاقة تسلسلية منطقية مع هذا المشترك
اللفظى ل كلمة ( إفـــك ) فى القرآن
فتعليلها فى هذا البيت يمنح القارئ مُتعة الكشف
عن المعنى وقد يتبدل المنطق وينعكس لفكرتها
للتعبير عن محنة هذا العاشق.
*
*
لنجدك تطالعنا فى هذين البيتين البديعين على جمال
خالب ورفيع لصوره عذبه ورقراقة
ووصف كلاسيكى رائع تحدثنا فيه عن هذه المحبوبة التى
أسكنتها على أهدابكَ فكلما تحرك الجفن إنسكبت
أنتِ مطـويةٌ على هدب جفني
رفرف الجفنُ فانسكبتِ انسكابا
فيصيح العطر خلف عنقها إن المسك والخزامى كذابا
وقد جاءت كذابا فى نهاية الشطر للتأكيد على قوة
العطرين كأنهم ذبحوا بعطرها
صاخبُ العطر خلف نحرك فاغِ
إنما المسكُ والخزامـى كِذابـا
جزالة اللغة وتراكيبها القوية فى القصيد بجذوة
ضاربة فى عمق القلب وتقنية إستلهام التراث كظاهرة
فنية مميزة فى شِعر (يوسف أبو سالم) يجمل الرؤى ويجعل
المُتلقى فى حالة إنسجام دائم نحو
مسارالفكرةالمنحوته بأنامل فنان
تتقطر منه الحروف عذبة شفافة بشكل لا يجارى
حتى يمكننا فهم مفرداته والإبحار فى لجتها العميقة
بصور ثلاثية البعد مع تلاعب فى الموسيقى عند كل مقطع
لنستمع إلى أجراس الحروف مرة مع تجانس المفردة فى
البيت الواحد ومرة حين يذاب الجمود التقليدى
للبحر بغنة موسيقية فى صدر البيت بشكل مُحترف وعند
عجزة بدون عناء أو تكلف تطرب له النفس قبل الآذن
أنتِ نهـرٌ أعـبُّ منه حُدوسي
وحدوسٌ أعُـبُّ فيهاالسَّرابـا
رَغَدُ الشوقِ كيفَ صارتْ شِهابا
" وفى هذا البيت الذى أحببت صدفه إقترانه بإسمى "
نجد حرف الشين صاخب بين الشوق والشهابا
ونجده قريب هُنا بين الشوق وشجونى
هاجني الشوقُ فاسْتَرَقَّ شُجوني
وفى الآبيات التالية نجد القافية مصحوبة بمفردة
تحولت من الساكن إلى المتحرك الراقص
وانقشيني بمرمر النحر وشماً
واسرديني مشاغبـاً ماتـابا
وذريني هناك في اللحظ وسْماً
*************
كلُّ أنثـى سواكِ لا شِعـْرَ فيها
أيُّ سِرِّ وشوشتِ حتى استجابا
بل قل لى ما الذى وشوشه الهديل لكَ لتكتب هذا
البيت كى يسقسق فى شرايينى
القصيدة تضج بالمعانى البديعة تتهاود بجمال
الصياغة مفعمة بالمشاعر والآحاسيس الرقيقة
الدافئة بشوق وعطر وورد وعذوبة ورقة الشاعر
لتكون لنا درة مزدانه بجمال ورونق وبهاء المحبوبة
بلحن شجى عزف بقيثارةالشوق لتدندن همس العتاب
الشفيف لمسامع العاشقين
إستمتعت وإنتشيت لهذا المقام الفنى البديع الذى
إحترزه شاعرنا لقصيدته فأغناه بسمة سلامة النغم
لنتعلم كيف تتلاشى المسافة بين الفكرة و الحرف..
و بين المعنى و البوح ..و بين الإحساس و التعبير ..
و بين الوجدان و الإدراك
وفى النهاية تمنيت أن تطيل محبوبتك الهجر لنحظى
ونستمتع بقصائد رائعة أكثر وأكثر!!
طبت وطاب مقامك
ودمت للشِعر ذخراً
إحترامى وتقديرى..