و فى المقابل .. نجد الأديب الاستاذ / خيرى شلبى من اشد المؤمنين بموهبة مرسى جميل عزيز و صدق و اصالة تجربته الشعرية و أثره الذى لا ينكر فى تاريخ الأغنية العربية .
و هذا مقال نشر للاستذ / خيرى شلبى فى احدى الجرائد المصرية :
بورتريه بقلم: خيري شلبي
الفكهاني
من أصلاب فاكهي شرقاوى جاء الشاعر الغنائي مرسي جميل عزيز إلي الدنيا.
كان علي ابن الفاكهي أن يكون فاكهيا كأبيه ومعظم أبناء عائلته الشرقاوية ميسورة الحال لا بأس أن يلتحق بالمدارس كأبناء علية القوم، وأن يحصل علي العلم قدر ما يستطيع، ولكن عالم الفاكهة قد اتسع واغتني في وجدانه باغتناء وعيه وثقافته فإذا وجدان أهله قد أصبح في مخيلته حدائق فاكهة.
كانت الفاكهة شعرا
وكان الشعر فاكهة وكان مرسي جميل عزيز «فكهاني» الشعر، وشاعر الفاكهة تشم في أشعاره نكهة التفاح والخوخ والعنب والتين والرمان والبرقوق والجميزوالمانجو.
قصائده أغنيات متنوعة المذاق كالفاكهة
هو شاعر فحل كبير، مثل علي محمود طه وإبراهيم ناجي والهمشري وأحمد زكي أبوشادي وغيرهم من لوامع الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات في حقل الشعر العربي المعاصر، بل لعله يتميزعنهم بما يمكن أن نسميه بالرومانسية الواقعية فإذا كانت الرومانسية غالبة عليهم جميعا بصورة تجعل بعضهم يغازل الوجدان دون أن يخترقه ويدخل في نسيجه ويؤثر فيه، فإن رومانسية مرسي جميل عزيز تنبع من رؤية واقعية لكل ما في الوجود من حوله.
إنه كفلاح من محافظة الشرقية، وابن أحد كبار تجار الفاكهة الحاج جميل مرسي جميل، في الزقازيق، كان علي وعي تام بتراث الغناء الشعبي في جميع مناسباته، سيما ومجتمع الفاكهة غنائي عريق في غنائيته، لكل نوع من أنواع الفاكهة أغنياته العذبة المليئة بالصور الشعرية البديعة التي تتحدث عنه ككائن إنساني، وربما كان العنب صاحب الحظ الأوفي من هذه الأغنيات.
من المؤكد أن مرسي جميل عزيز قد نشأ في مجتمع غنائي صرف، مجتمع الفاكهة من ناحية ومجتمع الفلاحين من ناحية أخري ولا شك أن ارتباطه بهذا التراث هو المسئول عن التكوين الرومانسي لشاعرنا منذ البدء وحتي الختام، وهي كما ألمحنا آنفا رومانسية تتشرب الواقع المادي الملموس تسمو به إلي آفاق رحبة مفعمة بالتفاؤل والبهجة وحب الحياة وعشق الجمال ونشدانه في كل شيء.
من المرحلة الوصفية في بواكيره إلي مرحلة النضج الشعري الخالص كان المحور الأساسي في شعر مرسي هو الحب،في جميع صوره وألوانه ومستوياته و روافده.
لقد ظل مرسي طول حياته يكرس للحب، يقوم بإرشاد القلوب وتوعيتها بأساس الحب وجوهره الثمين، ويرخص للفتاة بأن تعبر عما يطرأعليها من مشاعر الحب، يغوص في أعماقها يترجم كل ما يمور في صدرها من خواطر تعجز عن البوح بها.
كشاعر غنائي بالفطرة والسليقة أدرك أن الشعب المصري يعيش في محنة وجدانية يمكن تلخيصها في أزمة الحب، وهي أزمة ناتجة عن هذه الازدواجية المعمرة في المجتمع المصري ذلك أن الشعب المصري الطالع من أصول حضارة زراعية عريقة في الأصالة،شعب حباب بطبعه، رقيق الطبع، حلو المعشر، سجلت نقوشه ملاحم حب حقيقي حب تحققت به وفيه بطولات خارقة، إيجابية، فهناك من يخلد ذكري حبيبته ببناء معبد باسمها يظل يناطح الزمن قروناً طويلة، وهناك من نحت أبدع التماثيل لحبيبته، ومن في سبيلها افتتح البلاد وحقق المعجزات وابتني المدن، ومن أغرقت نفسها حزنا علي ضياع حبيبها.. إلخ الخ.. فالحب في تلك العصور الناهضة كان شرعياً مباحاً، وحرية الحب مكفولة للجميع، لاتحدها حدود طبقية أو سياسية أو دينية، إن العلاقة بين رجل وامرأة هي شرط أساسي لقيام الحياة، وامتزاجها الخلاق مشروط بقيام الحب بينهما أولاً وقبل كل شيء،فالحب جبلة فطر عليها الإنسان، ولولا قيام الحب في العصور المصرية القديمة ما نشأت حضارة ولا قامت مدنية وحتي في العصور الحديثة والمعاصرة فإن قصص الحب الراوية بين ربوع الشعب المصري كثيرة.. أغنيات ومواويل الفلكلور المصري تغني للحب وتنحت له تماثيل خالدة، تعرضه باعتباره بلسم الحياة ونورها، وتندد بكل من يقف في طريق الحبأو يعكر صفوه، وتسخط علي العوازل فتقدمهم في أبشع صورة تفيض كرها ازدراءًواشمئزازاً.. فكيف ينشأ من هذا الشعب مجتمع يحرّم الحب ويعرقل نموه يضع الأشواك والمحاذير في دروبه ويحكم علي الفتاة أن تتحمل وحدها عبء مسئولية الوقوع في خطيئة الحب فتدفع ثمنها غالياً؟!. نعم هو المجتمع وليس الشعب، المجتمع بمعني منظومة العادات والتقاليد والقوانين والأعراف التي يعيش الناس تحت سيطرتها وهي - المنظومة - ليست كلها مما يوافق عليه عموم الناس، إنها من وضع طبقات وفئات تسلمت أريكة السلطة في أزمنة عديدة، أرادت بها خدمة مصالحها وحماية نفسها بتكبيل سلوك الدهماء والعامة. السر في هذه الازدواجية يمكن أن نلتمسه فيما يطرأ علي الواقع المصري - طوال التاريخ - من تقاليد وأعراف قبلية وفدت إلي مصر واستوطنتها ونشرت في ربوعها معتقدات صحراوية جافة تنظر للمرأة باعتبارها أداة للمتعة ومجلبة للعار في نفس الوقت، ولهذافهي تستحق السجن إن لم يكن الوأد فور ولادتها، ورغم أن ثقافة البلاد باتت ناطقة بالعربية الفصحي في جانبها الرسمي فإن الوجدان المصري القديم ظل محتفظا بأصالته فعبر عن نفسه خير تعبير في الفلكلور الشعبي، الذي يدافع عن حق البنت في الحب وإعلان ذلك في الضوء. ومع ذلك فإن التقاليد الجاهلية العربية التي كانت تئد البنت لحظة مولدها تأصلت في المجتمع المصري فأصبح يمارس وأد البنت وإن بشكل آخر، يميتها حية،يسجنها في قمقم، يحرمها حق الحب: «ما عندناش بنات تحب!.. ما عندناش بنات لها رأي في الزواج!.. ما عندناش بنات تخرج برة!.. إلخ». ولهذا كان من قبيل المغامرة أن يكتب الشاعر أغنية علي لسان فتاة تبث فيها لواعج قلبها الممسوس بالحب، وكان لابد لهذاالشاعر أن يكون في قوة ولباقة وحرفنة مرسي جميل عزيز يقنع المجتمع بقبول هذهالظاهرة الخطيرة: ظاهرة أن تعلن الفتاة عن حبها بكل وضوح. كان لابد من شاعر كمرسي جميل عزيز يقنع المجتمع المتزمت المتصلب بأن الحب ليس خطيئة.
علي ضوء ما سبق نستطيع فهم الدور الذي لعبه مرسي جميل عزيز في المجتمع المصري من خلال شعره الغنائي. لقد نجح في ترقيق الطباع الخشنة، وتقبيح العقول المغفلة، وتوضيح رسالة الحب، وإشاعة مناخ عام صالح لنمو الحب، مستخدما في ذلك جميع الأصوات الجيدة، فليس هناك مطرب أو مطربة من أعمدة الغناء المعاصرين إلا وكتب له مرسي أكثر من أغنية،وبعض الأصوات ذات النفوذ الشعبي الكبير كانت لها معه أشواط طويلة وكبيرة كأم كلثوم وعبدالحليم ونجاة الصغيرة ووردة وشادية وقنديل وعبدالعزيز محمود وغيرهم.
ولأن فتاة المدينة كانت تمتتع بشيء ولو قليلاً من الحرية، لذا فقد أفرغ مرسي كل اهتمامه علي أمر الفتاة الريفية باعتبارها يقع عليها أكبر الظلم، إنها في الصعيد مثلا يمكنأن تدفع حياتها ثمنا لنظرة عابرة.
كان لابد له أن يعالج محنة هذه البنت، أني حرضها علي الحب الحقيقي ذي الهدف النبيل الشريف، وأن تعلن عن حبها بكل شجاعة طالما أنه لا مجال فيه للدنس. كان يوسع وعيها بحقيقة معني الحب، يعطيها صورا وأمثلة خلابة لمفهوم الحب، بل يضع علي لسانها قاموسا راقيا لمفردات الغزل، تتناقله الألسن بسهولة وشغف. إنه قاموس راق لأنه يربط بين الغزل والقيم الجمالية والأخلاقية وبين الحبيب والوطن، حتي ليصبح الحب - في الحبيب - قيمة إنسانية عليا. ها هي ذي البنت تقول لأمها:
مال الهوي يا امه مال الهوي يا امه
أنا لا ملت إليه
ولا ندهت عليه
هو اللي مال يا امه
حين كان صوت الشحرورة صباح يصدح بهذه الكلمات من ألحان كمال الطويل كانت فتيات كل القري يتسابقن في غناء اللحن في الأفراح والحقول. ذلك أن هذا النوع من الغناء الصادق الشريف لم يكن جديدا عليهن، بل هو بضاعتهن الفلكلورية العريقة ردت إليهن ولكن في صورة أكثر جلاء وأوسع أفقا. فمثلما في الفلكلور الغنائي عكست الكلمات حياء الفتاة حين ينتفض قلبها لأول مرة فتحدث أمها. وهي إن كانت تصرح لأمها بأن سهم الحب قد أصابها فإنها من فرط الخجل تنفي عن نفسهاالمسئولية بادئ ذي بدء: «هو اللي مال يا امه»، هي إذن ليست خبيرة بأمور الحب والهوي إنما هي ـ فحسب ـ تشعر بأن شيئا جديدا جميلا طرأ عليها وأن مشاعر جديدة تغزو قلبها. لكنها ـ في أغنية تالية ـ تنتقل إلي مستوي أعلي من الخطاب حين تري أن حبها قد أوشك أن يتوج بالخطوبة، لقد جاء حبيبها يطلب يدها، وهكذا تصاغ هذه اللحظة الحميمة البالغة الأهمية في حياة الفتاة في صورة شعرية بديعة رفيعة المستوي حيث يتاح فيها للفتاة أن تقول كل شيء دون أن تقع في الغلط أو الترخص المحظور:
يا امه القمر عالباب نور قناديله
يا امه أرد الباب ولا أناديله
وخطاب الحب عند مرسي جميل عزيز خطاب مستنير، بعيد كل البعد عن التهويمات الرومانسية والكلام المرعوش الفج الخاوي من كل معني، فحين تقول الفتاة لحبيبها:
أنا قلبي إليك ميال ومفيش غيرك ع البال
انت وبس اللي حبيبي مهما يقولوا العذال
إنما تكون قد نقلت إليه معني محدداً، أطلعته علي موقف شديد الوضوح والمصداقية، بل إن الحب يتحدد بمعناه الواسع الشامل حين تقول له في نهاية الخطاب:
و الدنيا انت بهجتها والبهجة انت فرحتها
والفرحة انت يا حبيبي حلاوتها و ابتسامتها
و مليت الدنيا عليه ود وحب و حنيه
خليتني أحب الدنيا طول أيامي ولياليه
والشاعر حين يعبر عن موقف الفتاة الريفية من الحب، ومدي احتياجها إليه كالماء والهواء، وحين يغني علي لسانها بمناسبة الخطوبة يضمن أغنيته خطابا إلي الأب، يبلغه ـ بشفرة الشعر ـ رسالة لا تقل أهمية عن خطوبة ابنته. وإذا كان الشاعر الشعبي القديم قد غني كثيرا علي لسان الفتاة في مناسبة خطوبتها فإن مرسي جميل عزيز يوسع هذا الخطاب ويثريه، ينقله إلي مرتبة أعلي في الأهمية، بهذه الرسالة الخفية التي يوجهها للأب في ثنايا الأغنية:
وقفواالخطاب سنتين ع الباب مارضيش أبويا
بعتوا المراسيل بكتير بقليل مارضيش أبويا
لاجل نصيبي راح له حبيبي وافق أبويا
هذه اللمسة الشعرية الذكية التي اختتم بها المقطع تكاد تهتف بكل أب، تهيب به أن ينتقي من بين خطاب ابنته من هو حبيب إلي قلبها فإن عثر عليه فلا يتردد في قبوله. ويستكمل الشاعر خطابه إلي الأب من خلال الإشارة إلي المغزي الأهم والذي استهدفه الشاعر من وراء الأغنية:
و لا ميت فدان و لا قصر كمان عاجب أبويا
ولا ابن مدير و لا حتي أمير عاجب أبويا
لاجل نصيبي راح له حبيب وافق أبويا
لكأن الشاعر يغري الأب بأن يكون هكذا، يعطيه المثل والقدوة، يقول له إن كنت كهذا الأب المستنير فأنت جدير بأن تغني لك ابنتك مثل هذهالأغنية. يقول له بكل هذا الوضوح: دعك من اعتبارات المال، والمناصب، والمراكز حين تزوج ابنتك، لا يغرنك المال، ولا القصر، ولا المدير، ولا الأمير لأنك لست تبيع ابنتك بل تبني لها حياة، وهذه الحياة لا قيامة لها إلا بالحب. يقول له: كن كهذاالذي تصفه الأغنية:
اللي انا حباه واللي أنا عاجباه عاجب أبويا
شاطر قد ايه والخير في إيديه عاجب أبويا
ح يهنيني وح يغنيني وحياة أبويا
وإذ يتم هذا عليهذا النحو فإن الفرحة الحقة تكتمل، ومن فرحتها تغني الفتاة لنفسها ولكل الصبايا:
الله يا ليل الله
الله يا ليل الله
السعد لما سمح وفات في حارتنا
سألني فين الفرح وصفت له بيتنا
الله يا ليل الله
يارب ديم الهنا ع الجيرة و العيلة
وافضل أغني سنة و ف كل بيت ليلة
الله يا ليل الله
إن ثوب الفرح هو حلم كل فتاة مصرية، هو بوابة المستقبل الميمون وهو جدير بأن تغني له الفتيات من قلوبهن:
توب الفرح يا توب مغزول من الفرحة
فاضل يومين يا دوب و البس لك الطرحة
غير أنه بقدر ما هو رمز للفرحة وعنوان للمستقبل فإنه مصدر خوف وفزع لأن نظام المجتمع يفرض علي الفتاة زوجاً ربما لم يرها ولم تره من قبل، فيتحول ثوب الفرح من ثوب للفرح إلي كفن للموت، يعالج الشاعر هذه القضية في بساطة آسرة،بكلمات قليلة:
يا حلم كل صغيرَّه متحيرة عشانك أنت
ح تلبسك يا هل تري و ياتري لمين و إمتي
لكن هذا التوجس الذي تعكسه أغنية توب الفرح لأن العريس هنا في علم الغيب مجهول، الأمر الذي حذرت منه الأغنية ونبهت إليه. هذا التوجس يصبح فرحة طاغية ومباشرة حين يكون العريس هو الحبيب المنتظر:
يا ليلة بيضا يانهار بيلالي
و عريسي يا امه جلاب الغالي
إن الغزل في الحبيب يعكس ـ أو يتضمن ـغزلاً في النفس، وهذه إحدي سمات الفلكلور الذي ارتوي منه مرسي جميل عزيز. فالبنت تشعر بنفسها وتحس بجمالها وترتفع روحها المعنوية حين تكون هي موضع غزل، وحين يتحول الغزل إلي خطب للود. وهي إذ تعلن هذا في أغنية فإنها إنما تتغزل في نفسها وتعدد مواهبها وتفخر بجمالها وحسن تربيتها علي الغالي، فالعريس إذن لم يخترهاعبثاً:
أنا ماشية ف حالي ولا واخدة ف بالي
رنة خلخالي شبكت في الخالي
و شبكني يانينه منك طوالي
ولأنها بنت أصيلة تربت علي الغالي فلسوف تؤكد له صدق نظرته وحسن اختياره، تعده بأن تكون نعم الزوج ونعم الحبيب:
اللقمة الطعمة بكرة اعملها له
و الهدمة الناعمة بكره اغسلها له
و الكلمة الحلوة هو يقولها لي
وتكشف هذه الأغنية عن بُعد شاعري بديع في شخصية الفتاة الريفية ومشاعرها وهي تستعد للانتقال من بيت أبيها إلي بيت عريسها. إن لها لجذوراً ضاربة في بيت الأب،وأول شيء تحمل همه بعد الرحيل عنه هو:
حمامي يا غية مين يسقيك ميه
فايتاك ياحمام و تعز عليه
و اعمل إيه قول لي و نصيبي ندا لي
وشربات الفرح واجبة ـ ما أكثرأغاني الفرح في شعر مرسي جميل عزيز وما أكثر تعدد ألوانه، كل أغنية تضيف جديدًا إلي طقس الفرح، وجديدا إلي قاموس الحب. وإذا كانت شربات الفرح جزءاً لا يتجزأ من الفرح فإن الصينية التي تحمل أكواب الشربات لابد أن تكون:
يا صينية فضة بالدهب و اللولي
دوري علي الأحباب وغني و قولي
شربات الفرح يا حبايب .. شربات الفرح
إلا إن هذه الشربات، حتي وإن قُدمت علي صواني من الفضة والذهب واللؤلؤ، لن يكون لها المذاق الشهي المفرح حقا إلا إذا كان الفرح مقروناً بحبيب القلب المنتظر:
الله الله علي شرباتنا و صنيتنا
الله الله علي دي الليلة
الله الله علي نور بيتنا وعلي فرحتنا
لما الأحباب صبحم عيله
يا صينية فضة والكاسات مرجاني
اسقي الحبايب والنبي من تاني
و اللي شرب م الوردي و التفاحي
خليه كمان يشرب من الرماني
ما كل هذا الحب الذي فاض في قلب البنت الفرحة، ورغبتها في أن يشرب الجميع من كل أنواع الشربات، إنها دعوة للشرب من كل ألوان الفرح الإنساني المشروع.
والبنت تغني للفرح سواء كانت هي صاحبة الفرح أم غيرها.
إنها تفرح لغيرها من البنات كأنها تفرح لنفسها، وتفرح لنفسها كأنها تفرح لغيرها. الفرح أمربهيج جداً للفتاة القروية، فما بالك لو كان الفرح فرح أختها الكبري؟
زغروطة حلوة رنت في بيتنا
لمت حارتنا و بنات حارتنا
زغزوطة حلوة
لواحظ اختي خطبوها
و الفاتحة من بدري قروها
و الشبكة من قبل معادها
جونا الحبايب و جابوها
والبنت الريفية في غمار فرحتها ببيت الزوجية لا تنسي بيت أبيها الذي رباها. وهكذا تقوم الأغنية بتأصيل قيمة عظيمة في أخلاقيات البنت يجب أن تظل باقية أبد الدهر:
يا بيت أبويا معزتك ف عنيه
ما شفت منك غير ليالي هنيه.
تلك أغنية في مديح بيت الأب، في تأصيل قيمة الولاء والعرفان، تنتهي أجمل نهايةوأحكمها:
يا بيت أبويا لو حمامك نوََّح
قول له سص الهنا ع الفرح خدها و روَّح
والفرح ياما خد بنات قبليه.
وبيت الأب في أغنية أخري هو بيت العز:
بيت العز يا بيتنا
علي بابك عنبتنا
هذه إحدي سمات مرسي جميل عزيز: التكرار والإلحاح علي القيم والمعاني الكبيرة، لكنه تكرار إيجابي، لا يؤدي إلي أي درجة من الملل، وقد لا نعتبره تكراراً، إنما هو نوع من إعادة التقليب في وجوه متعددة للفكرة الواحدة، زوايا متعددة للرؤية الواحدة، كل وجه أو كل زاوية تعطيناملمحاً جديداً ومرئيات جديدة تعمق الفكرة وتوسع الرؤية تستظهر كل الخفايا لتضع في النهاية تلك الحدائق الفاكهية التي يتجدد طرحها في جميع المواسم باسم مرسي جميل عزيز .