|
 |

30/03/2009, 02h30
|
 |
مواطن من سماعي
رقم العضوية:102176
|
|
تاريخ التسجيل: November 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: كندا - تورونتو
المشاركات: 1,212
|
|
|
رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن
و الله يا سيدنا
أمسكت على نفسي - قصراً- حتى لا تبدو مشاركتي كالمقاطعة
أمرُّ خلسة لأنسخ ما يجود به و قتكم ، ثم أطبعه للقراءةِ
أمدَّكم الله بعونه ، و بركة الشافعي
__________________
أستغفِرُ الله العظيم وهو التوّاب الرحيم
|

30/03/2009, 08h31
|
 |
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
|
|
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
|
|
|
رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن
شاعرنا وأديبنا الكبير سيد أبو زهده أشكر لك متابعتك لى ,, وليتك لاتحرمنى من ملاحظاتك وتوجيهاتك وتصويباتك ورؤيتك .. سأكون سعيدا بذلك جدا والله .. وكما قيل قديما رحم الله امرأ عرف قدر نفسى , وقلت ولازلت أقول أنى لست من أصحاب هذا الفن , وأكرر إنها مجرد محاوله والله وأنها تفتقد الى كثير من حرفية الأديب صاحب الصنعه .. لذا أتمنى ألا تحرمنى من أى تعديلات تراها بحسب خبرتك على النص .. ولك الأجر والثواب من عند من لا تنفذ خزائنه ولا تضيع ودائعه ...
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها
التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h35
|

30/03/2009, 08h31
|
 |
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
|
|
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
|
|
|
@ هب الشافعى فزعا من رقدته الخاطفة وهو يفرك عينيه . إستطاعت عيناه أخيرا أن تغفل قليلا فى هذا المكان الكئيب . أخذ ينظر حواليه فى تكاسل لمعرفة ما مر عليه من زمن وهو نائم هكذا . كان لا يزال هناك خيط ضعيف خافت من ضوء النهار ينبئ أن شمس هذا اليوم فى طريقها للمغيب . رنا إليـه شعاعه وهو يتسلل على استحياء من كوة ضيقة فى تلك الزنزانة الرطبة اللعينة التى أودعوه فيها وحده . فى ذات الوقت كان حارسه صلاح الدين جالسا بالقرب من الباب يتابع بعينيه مجمرة أمامه فيها قطع من الفحم المتأجج وفى يده كوب من شراب الزنجبيل الدافئ يحتسيه فى ملل وفتور . بينما أصابع يده الأخرى تعبث فى حركة رتيبة بشعرات لحيته الخفيفه ..
بدا الشافعى منكمشا على نفسه من برودة المكان وسكونه وهو يشعر بالقشعريرة تدب فى أوصاله محاولا أن يمسح آثار النوم عن عينيه . إلتفت إلى سجانه من بين قضبان السجن وقد صار بينهما نوعا من الصداقة وشيئا من الألفة والموده فى تلك الأيام القلائل التى مضت عليه وهو فى هذا المكان لا يرى فيها سواه وزميله المناوب معه القائم على حراسته منذ أن ساقوه من اليمن إلى العراق ..
فلم يكد حماد البربرى يعود إلى أرض اليمن بعد لقائه بأمير المؤمنين وأخذ الإذن منه بإحضار السجناء إليه فى العراق , حتى أصدر أوامره بترحيلهم جميعا إلى هناك يتقدمهم الشافعى فى موكب مهين على أقتاب الإبل وأيديهم مغلولة فى الأثقال إلى أعناقهم تسبقهم تهم التشيع لآل البيت ورفض كل من تولى الخلافة قبل سيدنا على وبعده , والخروج والتمرد على أمير المؤمنين وعدم الإعتراف بخلافته ..
دل هذا الرجل وهو يسعى للبحث عن أفراد هذه الفئة الضالة على أنه شديد الخبث والدهاء لما وضع خطته وقرر أن يزج باسم الشافعى ضمن أسمائهم , ليس هذا فحسب بل ويجعله كبيرهم وزعيمهم . وفى بغداد مدينة السلام أودعوه هذه الزنزانة وحده باعتباره المتهم الأول وكبير المتمردين فى نظرهم . أما بقية السجناء أفردوا لهم حبسا جماعيا فى مكان قريب فى انتظار محاكمتهم بعد عودة أمير المؤمنين هارون الرشيد من مدينة الرقه . وهى المكان الذى كان يحلو للرشيد أحيانا أن يمضى بعض الوقت فى دار للملك أعدها فى تلك المدينة الصغيرة الوادعه التى تقع فى مكان هادئ على الضفة الشرقية للفرات شمال غربى الجزيره . إتخذ الرشيد هذه المدينة خصيصا لتكون قاعدة لهجومه على الفرنجه حيث ينطلق من أرضها ليغزوهم عبر البحر الأسود وبحر الروم ..
كان مسلك الشافعى فى زنزانته هو الذى أوجد تلك الألفة والمودة بينه وبين حارسيه حيث يقضى جل وقته ما بين الصلاة والدعاء أو قراءة القرآن بصوته الرخيم العذب . وأحيانا أخرى يدون فى أوراق معه على ضوء فتيل ضعيف بعض المسائل والأحكام التى يتوصل إليها مخافة الضياع أو النسيان . وفى بعض الأوقات يجلس إلى حراسه معلما ومفتيا إن تصادف وسأله أحدهم عن مسألة تتعلق بأمور الشرع أو تفسير آية من القرآن أو حديث للنبى "صلى الله عليه وسلم" ..
كل هذا جعل حراس السجن جميعا بما فيهم حارسى زنزانته اللذان كانا يتبادلان الحراسة عليه يوقرونه ويحفظون له قدره ومنزلته . لم يخاطبوه مدة إقامته معهم إلا ولقب الشيخ يسبق إسمه . ومن ناحيته هو كان لا يخاطب حارسه صلاح الدين إلا باللقب المحبب لديه "أبا الصلح" والذى كان إخوانه يخاطبونه به أيضا . إلتفت إليه وناداه .............
ــ أبا الصلح , هل أذن لصلاة المغرب ؟.
إنفرجت عن شفتيه ابتسامة مقتضبة باردة برودة هذا المكان الكئيب وهو يلتفت ناحيته قائلا .............
ــ من ؟. شيخنا التقى الصابر . صح النوم أيها الشيخ , إيه ... كأنك لم تنم منذ أيام , ما خطبك اليوم ؟.
ــ الحمد لله أخيرا حصلت بعض النوم . صدق الإمام على بن أبى طالب لا يقهر ابن آدم حقا إلا النوم ولا يقهر النوم إلا الهم . لم أشعر بنفسى يا أبا الصلح إلا والفراش يبتلعنى كغريق فى بحر الظلمات بعد أن مرت على ثلاث ليال لم يغمض لى فيها جفن أو تقر عين ..
ــ صدقت أيها الشيخ فلا أشق على نفس الإنسان من مكابدة الهموم . إيـه , يبدو أنك تحمل الكثير منها فى نفسك . ما علينا , ليهنك النوم يا شيخنا الطيب ..
رد قائلا وهو يتنهد فى أسى ................
ــ إيه يا أبا الصلح كيف تنام لى عين أو يقر لى جفن وقد تركت المرأة وصغارها وحدهم فى ديار الغربه . حتى الغلام الذى يقوم على خدمتى , كان مصرا على مرافقتى , لم يكف أبدا عن البكاء والصراخ وهو متعلق بأذيال ردائى يناشد العسكر ويرجوهم أن يأخذوه معى . لم يتمكنوا من انتزاعه بعيدا عنى إلا بعد أن لطمه أحدهم بيده لطمة قوية أفقدته الوعى ..
ــ لا تيأس أيها الشيخ ولا تحزن . إن الله تعالى معهم لن يضيعهم أبدا ..
ــ أعلم أن الله تعالى لن يضيعهم ولن يتخلى عنهم , لكنها الشفقة والخوف الغريزى المودعان فى قلب ابن آدم . كيف أدفعهما عنى أو أمنع عنهما نفسى . نحن فى النهاية بشر ضعفاء أيها الحارس ..
ــ هل يعيشون وحدهم . أليس معهم أحد قط ؟.
ــ إنهم الآن فى طريقهم إلى مكه ..
ــ كيف علمت ؟.
ــ لقد أوصيتها فى عجالة والجند ينتزعوننى انتزاعا من بينهم أن تأخذ الولد والبنية وكذلك الغلام وأن ترحل بهم إلى ذى طوى بمكه حيث يقيم أخوالى الأزد لتكون بينهم وفى كنفهم فى انتظار ما تقضى بـه المقاديـر ..
مرت لحظات صمت كئيب قبل أن يفاجئ صلاح الدين سجينه قائلا ................
ــ إسمع يا أبا عبد الله , لقد طرأت على خاطرى الآن فكرة سأعرضها عليك أظن أنها سترضيك وتريح فؤادك وخاطرك ..
نظر إليه الشافعى متسائلا فأردف قائلا ................
ــ ما قولك فى أن تخط الآن رسالة لأهلك تطمئنهم فيها عليك ؟.
أطرق الشافعى برهة يتدبر الأمر , ثم رفع وجهه قائلا وقد انفرجت أساريره .....
ــ رأى سديد لا بأس به , لكن من ذا الذى سيقوم بتوصيلها إليهم ؟.
ــ لا تهتم لهذا , عندى من سوف يوصلها لهم فى أمان وفى ذات الوقت يأتيك بأخبارهم كى يطمئن قلبك وتقر عينك . هيه ما قولك ؟.
ــ من ذا الذى يرفض أمرا كهذا سأفعل إن شاء الله , لكنك لم تجبنى بعد , من هذا المغامر الذى يقوم بتلك المهمة الخطره معرضا نفسه للخطر الجسيم ؟.
ــ أى خطر هذا الذى تتحدث عنه أيها الشيخ الطيب ؟.
ــ كيف تسأل سؤالا كهذا يا أبا الصلح ؟. هل غاب عنك أن حامل رسالة كهذه يضع نفسه موضع الإتهام . أنسيت ما الذى يمكن أن يحدث له لا قدر الله إن أمسك به واحد من جنود الخليفه وفى جيبه رسالة كتبها من لا يزال حتى الآن فى نظرهم متمردا عاصيا ؟.
ــ دع عنك هذه الظنون أيها الشيخ إنما هى مهمة يسيرة بإذن الله وليست كما تظن بهذه الصعوبه . لقد اخترت لها واحدا أثق فيه وفى مقدرته على المراوغه كما أنه لن يشك أحد فيه ..
ــ من يكون ؟.
ــ سالم , شقيقى الأصغر , شاب فتى لبيب يشتغل بصناعة الخزف وله معمل لصناعة المواد الخزفية فى بغداد . إنه كثير الترحال دائم السفر لتوزيع بضاعته وبالطبع لن يشك فيه أحد . هيا يا شيخ لا تضيع الوقت أمامك المحبرة والريشه ما عليك إلا أن تكتب الرسالة الآن ودع الباقى على أخيك صلاح الدين . يعلم الله كم أحببتك أيها الشيخ الحجازى هيا لا تشغل بالك أنت ..
ــ حسن حسن سأخطها إن شاء الله . أخذنا الكلام بعيدا وشرد بنا الحديث ولم ترد على سؤالى بعد يا أبا الصلح ..
ــ عن أى شئ كنت تسألنى ؟. آه تذكرت كنت تسأل عن صلاة المغرب . لا لم يحن وقتها بعد . أظنك صليت صلاة العصر قبل أن ترقد تلك الرقده ؟.
ــ أجل صليتها فى وقتها لئلا تفوتنى ..
صمت برهة وأردف قائلا .............
ــ يا أبا الصلح كيف تفوتنى صلاة العصر فى وقتها وقد حدثنى إمام دار الهجره مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر عن النبى "صلى الله عليه وسلم" أنه قال : [ الذى تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ] ..
ــ زادك الله علما وتقى أيها الشيخ ..
ثم أردف قائلا وهو يشير على قربة الماء فى ركن الزنزانه .............
ــ أرى الماء قد فرغ من عندك هات قربة الماء أملأها لك كى تتوضأ ..
ناوله القربة الفارغة وهو يدعو له شاكرا ثم جلس فى انتظاره مسندا ظهره على باب الزنزانة وراح فى تفكير عميق أخذه عما حوله حتى أنه لم يشعر به وهو يمد له يده بقربة الماء ضاحكا ..............
ــ إيـه أيها الشيخ المكى الطيب رجعنا للشرود مرة أخرى فيم كل هذا الشرود يا ترى ؟.
ثم أردف قائلا ...............
ــ بعد الضيق يأتى الفرج إن فرج الله قريب ألست أنت الذى علمتنا ذلك . إن لك بيتان من الشعر سمعتهما منك منذ أيام كنت تتكلم فيهما بكلام عن الضيق والفرج لكنى نسيتهما ليتك تعيدهما ؟.
ــ ولرب نازلة يضيق لها الفتى .. ذرعا وعند الله منها المخرج ..
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها .. فرجت وكنت أظنها لا تفرج ..
ــ الله الله كلام مليح طيب . والله إنك لتنطق بالحكمة ومأثور القول . فيم الضيق إذن أيها الشيخ ؟.
ــ لا لا إنها مسألة أخرى لا علاقة لها بفراق الأهل ..
ــ هلا أخبرتنى عنها ؟.
ــ سأخبرك عنها بعد أن أتوضأ وأناجى ربى ..
ثم تمتم فى سره ............ أجل إن ما رأيته فى منامى قبل قليل لأمر عجيب ..
إنهمك الشافعى فى وضوئه ثم جلس فى مواجهة القبلة يدعو ربه , بينما أبو الصلح رابض فى مكانه ينتظر بفارغ الصبر أن يفرغ السجين من دعائه ومناجاته لربه كى يحدثه بما عنده بعد ان أثار فضوله . إنها فرصة كى يبدد هذا الملل اللعين فالوقت يمضى حثيثا متثاقلا فى تلك الأماكن المغلقة الكئيبه . فرغ الشافعى من مناجاته لربه فاتجه إليه أبا الصلح مسرعا فى لهفة وفضول بعد أن صب له قدحا من الإبريق الساخن ثم أعاده مكانه بين قطع الفحم المتأججة فى المجمرة أمامه قائلا ..............
ــ تقبل الله دعاءك أيها الشيخ , خذ إليك هذا الشراب الدافئ إنه شراب الزنجبيل الحار سيشيع الدفئ والحرارة فى جسدك . هيه أخبرنى الآن ما خطبك اليوم أيها الشيخ الصابر . وما هى تلك المسألة التى أهمتك كل هذا الهم التى وعدت قبل قليل أن تخبرنى عنها ؟.
تناول منه القدح شاكرا ثم رشف منه رشفة وقال ...............
ــ إسمع يا أبا الصلح سأحكى لك أمرا عجيبا رأيته فى منامى قبل قليل ..
ــ وأنا كلى آذان صاغيه خيرا إن شاء الله ..
ــ رأيت فيما يرى النائم كأنى قاعد وحدى فى سوق الطواف عند البيت الحرام فإذا أنا بعلى بن أبى طالب كرم الله وجهه أقبل تجاه البيت . قمت إليه فعانقته وعانقنى وصافحته وصافحنى . ثم رأيته يخلع خاتمه من إصبعه ويجعله فى إصبعى وبعد ذلك رأيت شيئا عجيبا ..
سكت الشافعى برهة احتسى خلالها رشفة من الشراب فاستحثه الحارس فى لهفة وقد استولى عليه الدهش والذهول .................
ــ هيه وماذا بعد ما الذى رأيته ؟.
ــ رأيت بعد ذلك يا أبا الصلح ما هالنى وأفزعنى . رأيتنى وكأنى مصلوب على قناة وإلى جوارى على بن أبى طالب . نظرت إليه نظرة خاطفة ثم صحوت فزعا من نومى . ترى هل هذه هى النهاية يا أبا الصلح ؟. إنى لأظنها كذلك .
رد الحارس قائلا , بعد أن أطرق برهة يفكر باهتمام فيما سمعه فى التو .....
ـ خيرا إن شاء الله خيرا لا توجل يا صاحبى . أعرف رجلا فى بغداد إسمه أبو جعد الزهراوى يعبر المنامات والرؤى إنه حاذق فى هذا العلم متمكن فيه ..
ــ متى تلتقى به ؟.
ــ بعد أن أنتهى من ورديتى هذه الليلة قبل أن أرجع إلى دارى سأعرج عليه فى خلوته وأقص عليه رؤياك وفى الغد إن شاء الله سآتيك منه بتأويلها . هه دعنى الآن لأحضر لك طعامك ريثما تصلى أنت صلاة المغرب لقد حان وقتها الآن ..
أثناء تناوله طعامه إلتفت إلى حارسه متسائلا ............
ــ أبا الصلح هل تعرف رجلا من الكوفه إسمه محمد بن الحسن ؟.
ــ تقصد محمد بن الحسن الشيبانى ؟.
ــ أجل إنه هو هل تعرفه ؟.
ــ ومن ذا الذى لا يعرفه .
ــ كيف ذلك ؟.
ــ إنه فقيه البلاد وقاضى قضاة بغداد والكوفه ..
ــ منذ متى ؟.
ــ لقد تولى القضاء منذ عامين بعد وفاة قاضى البلاد أبى يوسف الأنصارى تلميذ أبى حنيفه . إن للقاضى محمد بن الحسن منزلة كبيرة عند أمير المؤمنين هارون الرشيد حتى إنه لا يفارقه أبدا فى أى مكان يذهب إليه . لكن ما الذى دعاك للسؤال عنه هل تعرفه ؟.
ــ أجل لقد تزاملنا زهاء تسع سنين بالمدينه فى حلقة إمام دار الهجره مالك بن أنس بعدها سافرت إلى اليمن للعمل بالقضاء ورجع محمد بن الحسن إلى العراق ومن أيامها إنقطعت عنى أخباره ولم أعد أعلم عنه شيئا . عموما هذه أخبار طيبة لا بأس بها . الحمد لله إنتهيت من طعامى هيا ارفع هذه الأوعيه ..
نظر إلى أطباق الطعام التى لم ينقص منها إلا القليل من الإدام والدهشة بادية على وجهه قائلا ..........
ــ معذرة أيها الشيخ أتسمح لى أن أسألك سؤالا ؟.
إبتسم الشافعى قائلا بعد أن فطن إلى سؤاله .............
ــ إسأل يا أبا الصلح ..
ــ ألاحظ أنك مقل فى طعامك راغب عنه هل هذا دأبك دائما أم أن طعامنا لا يروق لك . ما السبب يا ترى ؟.
إبتسم قائلا ..............
ــ يا أبا الصلح ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة واحدة طرحتها على الفور من جوفى ..
عقب على قوله باستغراب كأنه غير مصدق .................
ــ لم تشبع منذ ست عشرة سنة إلا شبعة واحدة . ولم تسمح لها بأن تبقى فى بطنك . لم أيها الشيخ ؟.
ــ الشبع يا صاحبى فيه خمس مضار ..
ــ الشبع فيه خمس مضار . ما هى عافاك الله ؟.
ــ يثقل البدن ويقسى القلب , ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العباده , أفهمت ؟.
أجابه مازحا ................
ــ فهمت , لكنى مع ذلك لن أعمل بما تقول. أمجنون أنا حتى أدع الأطعمة الشهية من أجل خمسة مضار كهذه ………………
يتبع.. إن شاء الله ............................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها
التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h45
|

01/04/2009, 17h22
|
 |
اخـتـكـم
رقم العضوية:384752
|
|
تاريخ التسجيل: February 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 1,424
|
|
|
رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن
دكتورنا وابانا الروحى
د أنس
كم أشتقتُ الى هذه القصه وسردك الجميل لها
وكأنى أُشاهد.....فيلما سينمائيا
للاحداث التى تقصها علينا
وعن المكائد والدسائس التى يحاولون بها
النيل من الامام الشافعى
كم أشتقت كثيرا الى هذه القصه
والى الاسلوب الجميل
وأنى لفى شغفٍ الى الباقى منها
كما عودتنا.....أن ننتظر الباقى فى كل مره
فى شوق وشغف .....ياتُرى
ماذا سيحدث ....وا النتيجه
وما العاقبه
دكتورنا الجميل
لا تتأخر علينا
وننتظر الباقى
تحيه طيبه لشخصك الكريم
ويسعد الله اوقاتكم جميعا
اختكم عفاف 
|

01/04/2009, 21h22
|
 |
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
|
|
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
|
|
|
@ فى اليوم التالى جاءه صلاح الدين مصطحبا معه شيخا طاعنا فى السن , تمتد لحيته البيضاء الكثيفة إلى مقدمة صدره وخصلات من شعر رأسه الأبيض الناعم تنسدل خارج عمامته فوق ظهره ساترة أذنيه . تقدم من الشافعى بعد أن فتح باب الزنزانة قائلا فى لهجة مرحة بعد أن ألقى عليه السلام .........
ــ أبشر أيها الشيخ المكى , هذا هو الشيخ أبا جعد نجم الدين الزهراوى , أتاك بنفسه ..
مد الشيخ يده مسلما على الشافعى قائلا له وهو يملأ عيناه منه مدققا فى ملامحه .........
ــ أهلا بك يا ولدى , كنت أود أن ألقاك فى مكان آخر غير هذا المكان الكئيب الموحش . لكن الحمد لله الذى أطال فى عمرى حتى أتى يوم ألقى فيه مثلك ..
ــ شكرا لك يا سيدى الشيخ على حسن ظنك ..
ثم أردف معاتبا حارسه صلاح الدين .......
ــ لقد شققت على الشيخ يا أبا الصلح وأتعبته . كان يكفى أن تبلغنى بما قاله لك دون أن تكلفه مشقة الحضور إلى هذا المكان ..
ــ والله لا ذنب لى فى ذلك , سله أنت بنفسك . حاولت أن أثنيه عن الحضور والله يا شيخ لكنه هو الذى أصر . ما إن قصصت عليه رؤياك بالأمس حتى تهلل وجهه وأصر رغم مرضه واعتلال بدنه على أن يأتى معى ليراك ويبشرك بنفسه بتأويلها ..
رد الشيخ قائلا ..........
ــ إسمع يا ولدى تأويل رؤياك , وهى كلها خير وبركة إن شاء الله ..
ــ تفضل أيها الشيخ ..
ــ معانقتك لعلى بن أبى طالب تعنى النجاة من النار فى الدار الآخرة بإذن الله , أما مصافحته لك فهى الأمان يوم الحساب ..
ــ والخاتم الذى جعله فى إصبعى ؟.
ــ آه ... الخاتم الذى جعله فى إصبعك وكذلك رؤيتك لنفسك مصلوبا على قناة مع على كرم الله وجهه , هما بمعنى واحد وإن اختلفت المشاهد ..
سأله الشافعى فى وجل متلهفا ..........
ــ ماذا تعنى سيـدى الشيـخ يرحمك الله ؟.
ــ لا تخف يا ولدى لا تخف , إن صحت رؤياك فسيبلغ إسمك كل موضع بلغ إسم على بن أبى طالب . لن تبقى كورة من الكور ولا مدينة من المدن ولا مصر من أمصار الإسلام إلا علا فيها اسمك ودخل فيه ذكرك وانتشر بين أهله أمرك ..
عقب الحارس مبتهجا ...........
ــ الله الله , ألم أقل لك يا ابن إدريس إنها رؤيا خير وبركه إن شاء الله ..
@ مرت أيام قلائل وبينما الشافعى متربع فى محبسه يقرأ آيات من القرآن بعد أن انتهى من صلاة ركعتى الفجر , إذا به يسمع على البعد جلبة شديدة وأصوات أقدام تدب فى قوة على الأرض . إلتفت بصره بين القضبان وهو لا يزال فى مكانه يتلمس الخبر فإذا هو بحارسه صلاح الدين يقترب من باب الزنزانة وعلى مسافة قريبة منه وقف بعض الحراس ورجال الشرطه ..
كان يبدو حزينا على غير عادته وكيف لا يحزن وقد حانت لحظة الفراق . لم يدر إن كان سيراه مرة أخرى أم أنه الوداع الأخير , الجناية المتهم فيها صاحبه لا جزاء لها إلا سيف الجلاد ..
حاول أن يخفى مشاعره فلم يجد إلى ذلك سبيلا , سبقته دموعه رغما عنه حتى أنه تمنى بينه وبين نفسه لو لم يره أو يتعرف عليه قبل اليوم . أيام قلائل قضاها معه الشافعى وراء أسوار السجن . إلا أنها كانت فرصة فريدة له تعرف خلالها على شخصية فذة مثله , تعلم منه خلالها كثيرا من أمور دينه لم يكن يعلم شيئا عنها..
كان ينصت إليه باكيا وهو يقرأ القرآن بصوته الرخيم فينتظر حتى ينتهى من قراءته ليسأله عن معانى بعض الكلمات والآيات التى كان يستمع إليها منه . من ذلك أنه سأله ذات مرة عن معنى الشطر فى قوله تعالى : [ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ] أجابه الشافعى ............
ــ شطره أى جهته فى كلام العرب , فإذا قلت أقصد شطر كذا معناه أقصد عين كذا . قال خفاف إبن عم الخنساء ... ألا من مبلغ عمرا رسولا .. وما تغنى الرسالة شطر عمرو ..... أى قصد جهته ..
وكم من مرة صحح له الشافعى كثيرا من مفاهيمه الخاطئه حول بعض أحكام الشرع وأفتاه الفتوى الصحيحه . سأله مرة وهو يرقبه بعد فراغه من صلاة العشاء ...........
ــ هل تسمح لى أن أسألك أيها الشيخ عن شئ لاحظته فى صلاتك الآن ؟.
إبتسم الشافعى ............
ــ سل ما بدا لك يا أبا الصلح ..
ــ لاحظت أنك كنت تدعو فى صلاتك بأدعية كتلك التى يدعو بها المرء فى غير الصلاه ..
ــ آه , تقصد أنى كنت أدعو بغير ما فى القرآن , أليس كذلك ؟.
ــ بلى أيها الشيخ . على قدر ما أعلم فإن الأمر بخلاف ذلك ؟.
ــ كيف ؟.
ــ سمعت القاضى محمد بن الحسن يقول فى مسجد بغداد ذات مرة ........ من دعا فى الصلاة بغير ما فى القرآن تفسد صلاته وإن دعا بما فى القرآن لا تفسد ..
ــ الأمر ليس كذلك يا أبا الصلح , أرأيت إن دعا المصلى ربه قائلا ..... أطعمنا بقلا وقثاء وفوما وعدسا وبصلا ؟.
ــ من دعا بذلك تفسد صلاته ..
ــ ما قولك فى أن هذا الذى دعا به جاء فى القرآن أتفسد صلاته أيـضا ؟.
ــ فما هو الحكم الصحيح إذن ؟.
ــ الحكم هو أن ما يجوز أن يدعو به المرء فى غير الصلاه جاز أن يدعو به فى الصلاه لأن المخاطبة فى ذلك ليست إلى الآدميين . وقد دعا النبى "صلى الله عليه وسلم" لقوم وسماهم بأسمائهم ونسبهم إلى قبائلهم . ولا أعلم أحدا من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" اختلف فيه ..
ــ هل هناك دليل آخر من السنة على ذلك ؟.
ــ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : [ … وإنى نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا الرب فيه وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم ] فالنبى "صلى الله عليه وسلم" لم يخص فى هذا الحديث دعاء من دعـاء ..
ــ فما هو المحرم من الكلام فى الصلاه ؟.
ــ المحرم من الكلام إنما هو كلام الناس بعضهم بعضا فى حوائجهم . فى هذا يقول الصحابى معاويه بن الحكم السلمى ............. بينا أنا أصلى مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرمانى القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمى ما شأنكم تنظرون إلى ؟. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتوننى سكت . فلما صلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال : [ إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ] ..
وذات مرة سأله .............
ــ يا شيخ , ما تقول فى من أفتى بأنه من أفطر يوما فى رمضان , قضى عنه إثنا عشر يوما ؟.
إبتسم الشافعى قائلا ..........
ــ ما دليله على قوله هذا يا أبا الصلح ؟.
ــ يقول إن الله عز وجل اختار شهرا للصيام من اثنى عشر شهرا ..
ضحك قائلا ...........
ــ فمن ترك الصلاة ليلة القدر وجب عليه أن يصلى ألف شهر على قياسه , فإن الله تعالى يقول “ ليلة القدر خير من ألف شهر “ ……………
مرت ذكرياته مع الشافعى سريعا على خاطره . حاول أن يكتم بكاءه ويحبس دموعه وعيناه تنظران إليه فى شفقة وخوف وقد طوفت على خاطره كلمحة بارق أحاديثه وذكرياته معه فى تلك الأيام القلائل . قبل أن تمتد يده بالمفتاح فى باب الزنزانة الحديدى ويدلف داخلها وحده سلم عليه وحياه قائلا لـه ..........
ــ هيا يا صديقى ..
ــ إلى أين أنت ذاهب بى يا أبا الصلح ؟.
ــ سترحل فى الحال مع باقى المقبوض عليهم للقاء الرشيد فى مدينة الرقه . ورد البريد من عنده اليوم آمرا أن يحمل السجناء كلهم إليه هناك ..
لم ينس صلاح الدين وهو يعانق الشافعى قبل أن يتركه لجند الخليفة أن يهمس فى أذنه قائلا ........... أخى سالم شد الرحال إلى مكة فجر اليوم كما سبق ووعدتك ليطمئن على وصول أهلك سالمين وهو يحمل معه كتابك الذى ائتمنته عليه , ووعدنى أن يوصله إلى خالك على فى دكان العطارة القريب من الحرم , هل تريد منى شيئا آخر ؟.
ــ بارك الله فيك يا أبا الصلح وأعاننى على رد جميلك هذا . أعدك إن كتبت لى النجاة فلسوف أزورك إن شاء الله فى دارك فى بغداد ..
فى هذا الكتاب أودع الشافعى وصيته لأهله إن أصابه مكروه وأعلم فيه خاله على بما هو عليه من حال , والظلم الذى وقع عليه على يد حماد البربرى وأنه برئ من تلك الفرية الدنيئه والوشاية الكاذبه . كان الشافعى غير واثق من نجاته من سيف الجلاد فخط هذه الرسالة على عجل إلى أهله , وكانت فرصة فريدة أن يجد فى هذا المكان الموحش من يغامر بنفسه ويقوم بهذه المهمة الشاقة العسيرة التى ربما تكلفه حياته لو وقع فى أيدى الشرطه , سيعد فى تلك الحالة شريكا متعاونا مع واحد من الخارجين المغضوب عليهم من قبل أمير المؤمنين ..
يتبع.. إن شاء الله...........................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها
التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h55
|

01/04/2009, 21h22
|
 |
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
|
|
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
|
|
|
رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن
السيده المحترمه عفاف هانم سليمان
أشكرك من كل قلبى لمتابعتك لى ,, وسعيد جدا أن السيرة قد أعجبتك وهو غاية ما أرجوه أن تجد هذه الكلمات من يتلقاها ويتفاعل معها , أنا سعيد حقا والله ...
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها
التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h53
|

04/04/2009, 10h06
|
 |
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
|
|
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
|
|
|
@ أخذت النجائب تشق أديم الصحراء , تطوى البيد طيا بعد أن عبرت شاطئ نهر دجله إلى ضفاف الفرات شمالا , تحمل على أقتابها حوالى خمسين رجلا وشابا من دعاة الفتنة والتمرد . كان فى مقدمة الركبان القاضى الشافعى بعد أن أدخلوه بينهم ظلما وافتراء بل جعلوه كبيرهم وزعيمهم زورا وبهتانا . أمر يدعو للدهشة والعجب وللحزن والأسى , أن يتهم الشافعى التقى الورع الطاهر أنه يقود جماعة من الضالين المضلين ويحرضهم على الفتنة والثوره . وهو الذى كان ينفر من مجرد ذكرهم , بل يرد شهادتهم مؤكدا أنهم فرقة ضالة مارقة خارجة عن الإسلام ..
مضى ركب السجناء الحزين فى طريقه مواصلا رحلته مرة أخرى من بغداد متجها إلى الرقه , والشافعى غارق فى همومه وما أكثرها , متدثر بأحزانه وما أثقلها . من ذلك فراق الأهل والأحباب وما لحق به من عسف وجور وهو يساق هذا السوق المهين رث الثياب حاسر الرأس إلى حيث لا يدرى أين ينتهى به المطاف , وهو الذى لم يلق من قبل إلا كل التوقير والحب والإحترام من شيوخه وأقرانه والمحيطين به . حتى سجانه أبا الصلح ذلك الرجل الجامد القسمات , كان لطيفا ودودا معه طوال أيام السجن حتى أنه بكى حرقة ولوعة لفراقه , وهو من قوم طبعوا على الشدة والغلظة فـى معاملاتهم . تذكره الشافعى وهو يحاول فى مرات كثيرة أن يضاحكه ويمد بساط الأنس معه ليخرجه من أسوار الكآبة وينتشله من سراديب الحزن . حتى زملاؤه لم يسلموا منه وهو يسلقهم بلسانه اللاذع ساخرا منهم لينتزع شبح ابتسامة من بين شفتى الشافعى . تذكره لما قال له ذات مره ........
ــ هل تعرف زميلى هذا , ذلك البائس المسكين الذى يجلس هناك فى آخر الممر , إبتلاه الله بولد أبله يسقيه المر كل يوم . بعثه يوما ليشترى له حبلا طوله ثلاثون ذراعا , سأله الولد ..... فى عرض كم ؟!. رد عليه وهو يكاد ينفجر من الغيظ ..... فى عرض مصيبتى فيك أيها الأبله المعتوه ..
أثناء ذلك لاحت نظرة من الشافعى إلى ثيابه الرثة الباليه التى أصابها ما أصابها من غبار الطريق وأدران السجن . رجع البصر إلى الأفق البعيد وأخذ يردد فى شجن بنبرة ملتاعة حزينه , إمتزجت فيها مرارة الحزن بلذعة ساخرة كأنه يواسى نفسه والأسى يغمر فؤاده .............
على ثيـاب لـو يبـاع جميعها .. بفلس لكان الفلـس منهن أكثرا ..
وفيهن نفـس لو تقـاس ببعضها .. نفوس الورى كانت أجل وأكبرا ..
وما ضر نصل السيف إخلاق غمده .. إذا كان عضبا حيث وجهته فرى
فـإن تكـن الأيام أزرت ببزتـى .. فكم من حسام فى غلاف تكسرا ..
فى تلك الأثناء , بينما هو يكابد همومه ويجتر آلامه ماضيا مع أحزانه تحت لهيب شمس الصحراء القاسيه , كان "سالم" حامل رسالته يسأل حذرا بالقرب من ساحة الكعبة عن دكان على بن عبيد الله الأزدى , وهو دكان العطارة الذى ورثه عن أبيه . ولما وصل إليه سلمه رسالة ابن شقيقته بعد أن عرفه بمكانه وطمأنه على أحواله وأنه لا يزال على قيد الحياه . أخيرا عرف "على" مكان ابن شقيقته . كانت أسرته كلها حتى هذه اللحظة لا تعلم عنه شيئا ولا تعرف له مكانا , إلا ما علموه من امرأته حميده ومن كاتبه زيد لدى وصولهم للبلاد . من ناحيته أوصاه "على" أن يطمئن الشافعى على زوجته وولدها وابنتهما الرضيعة وأنهم قد وصلوا بسلام إلى أرض مكه , وأن يخبره أنه كان برفقتهم فى رحلة العودة كاتبه زيد بن عيسى وامرأته سعده وغلامه الذى يقوم على خدمته . وقبل أن يقوم من عنده راجعا إلى بغداد شد على يديه قائلا .............
ــ عندما أعود إلى البلاد إن شاء الله سأخبر أخى صلاح الدين بهذه الأخبار الساره . سيتولى هو إبلاغ ابن شقيقتك محمد بن إدريس كى يطمئن على امرأته وولده وابنته وغلامه . علمت من أخى صلاح الدين أنه كان قلقا عليهم جميعا ..
ودعه على شاكرا له حسن صنيعه وهو يتمتم فى نفسه قائلا .............
ــ وهل أصبر بعد أن عرفت مكانه إلى أن يبلغه أخوك صلاح الدين !. قال ذلك ثم أغلق دكانه وقفل راجعا إلى الدار وقد نوى فى نفسه أمرا ..
@ بعد أن قطع الركب رحلة طويلة مضنيه وصل السجناء إلى مدينة الرقه , فى يوم رق أديمه واعتل نسيمه كأنما الطبيعة الواجمة تعبر بهذه الكآبة عن استيائها واستنكارها لما يحدث للشافعى . لدى وصولهم أودعوا فى السجن مرة ثانيه حيث قضوا ليلتهم فى انتظار مصيرهم المحتوم ونهايتهم التى كانوا على يقين منها . وكما حدث فى سجن بغداد أعادوا الكرة مرة أخرى فى الليلة اليتيمة التى لبثها الشافعى فى سجن الرقه , أفردوا له زنزانة وحده لا يشاركه فيها أحد من السجناء . بذلك أمرهم قائد الحراس المرافق لهم من بغداد , هم يعاملونه على أنه المتهم الأول وأنه أخطر واحد فى جماعة السجناء ..
وفى تلك الليلة التى قضاها الشافعى وحيدا فى محبسه حدث ما لم يكن يتوقعه ولم يخطر له على بال أبدا , كأنما هى هدية السماء إليه فى هذا المكان الكئيب الموحش . فبينا هو متربع فى ركن الزنزانة رافعا يديه إلى السماء يدعو ربه ويناجيه والظلام يلف المكان من كل ناحية بغلائله السوداء الداكنه , إلا من شعاع خافت يسير من ضوء ينبعث من أحد المشاعل القريبة من زنزانته فى طرقة السجن لا يسمح له برؤية شئ أو تمييز أحد . إذا به يسمع على البعد وقع أقدام تدب على الأرض فى أناة وعلى مهل . أخذت تلك الأصوات تقترب شيئا فشيئا منه حتى توقفت أخيرا أمام باب زنزانته . إستمر الشافعى فى مناجاته غير عابئ بما يدور خارج محبسه , بعد أن أسلم أمره ووجهه لله وحده وهو يقول فى ضراعة وتبتل .......
...... اللهم إنى أعوذ بنور قدسك وعظمة طهارتك وبركة جلالك من كل آفة وعاهة ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير . اللهم أنت غياثى بك أستغيث وأنت ملاذى بك ألوذ وأنت عياذى بك أعوذ , يا من ذلت له رقاب الجبابره وخضعت له أعناق الفراعنه . أعوذ بك من خزيك ومن كشف سترك ومن نسيان ذكرك والإنصراف عن شكرك . أنا فى كنفك وكلاءتك فى ليلى ونهارى وفى نومى وقرارى وفى ظعنى وأسفارى وفى حياتى ومماتى . ذكرك شعارى وثناؤك دثارى لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك . تشريفا لعظمتك وتكريما لسبحات وجهك أجرنى من خزيك ومن شر عبادك . واضرب على سرادقات حفظك وأدخلنى فى حفظ عنايتك وجد على منك بخير يا أرحم الراحمين , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم والصلاة على محمد النبى المرتضى وآله وسلم تسليما كثيرا ..
إنتهى من مناجاته وإذا به يسمع صوتا يقول من وراء الباب ..... آمين اللهم تقبل ..
ثم أردف صاحب الصوت قائلا فى لهجة مرحه ............
ــ إيه ... كم اشتقت كثيرا إلى سماع هذا الصوت الحبيب إلى نفسى ورؤية وجه صاحبه ..
لم تكن نبرات ذلك الصوت غريبة على أذن الشافعى . أنهى دعاءه ثم أطرق قليلا يحاول أن يجمع شتات فكره على عجل . إنه يقينا يعرف صاحب هذا الصوت , أجل نبراته ليست غريبة على مسامعه , وإن كانت آخر مرة إلتقى به منذ سنوات فى مدينة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" . أخيرا تهلل وجهه بعد أن تذكره ........
ــ من !. صديق الصبا , الفضل بن الربيع ؟!.
قالها الشافعى وهو يكاد يطير من الفرحة بعد أن هم واقفا ليرى صاحبه واقفا أمامه , بعد أن سمح لحارس الباب أن يفتحه وكان قد منعه عند قدومه بحركة من يده إنتظارا لفراغ صاحبه من مناجاته لربه ..
تبادلا نظرات خاطفة بعد أن تبددت ظلمة المكان قليلا على ضوء مشعل يحمله الحارس فى يسراه . بعدها ضمهما عناق طويل سالت فيه عبراتهما معا فى شموخ وكبرياء والفضل يربت على كتفى صاحبه يطيب خاطره ويواسيه فى محنته . جلس إلى جواره على حصير السجن قائلا له بعد أن صرف الحارس بحركة جانبية من رأسه .......
ــ لا تحزن يا صاحبى ولا تبتئس إنه إبتلاء من الله ومحنة عارضة لا تلبث أن تزول بإذن الله ..
رد الشافعى فى أسى ...........
ــ وكفى بالله وكيلا . يعلم الله أنى برئ من تلك التهمة الشنعاء , إنها فرية دنيئة لفقت لى زورا وبهتانا . لقد أدخلونى فى قوم أعوذ بالله أن أكون منهم ..
ــ إنى على ثقة أنك تقول الحق يا صاحبى , لكنى فى عجب من شدة تحامل هذا الرجل عليك وكراهيته الشديدة لك , كأنه ينتقم لثأر قديم بينكما ..
ــ أى رجل تعنى ؟!.
ــ حماد البربرى أمير اليمن ..
ــ أين رأيته ؟!.
ــ كنت حاضرا مجلس أمير المؤمنين وسمعته بنفسى وهو يشكوك إليه . لاحظت من طريقة كلامه ولهجته أنه يحمل عليك كثيرا وأنه يكن كراهية شديدة لك ..
ــ أجل أجل هو ذاك تماما أيها الصديق الحميم تلك حكاية قديمة . سأعرف كيف أرد كيده إلى نحره وأفند كل ادعاءاته التى ينسبها بالباطل إلى دوما ..
ــ لا أكتمك سرا أنى تحدثت فى أمرك بالأمس مع أمير المؤمنين الرشيد لما علمت بمقدمك إلى هنا وأنك فى الطريق مع باقى جماعة اليمن ..
ــ هل لى أن أعرف منك ما قاله لك أمير المؤمنين ؟!.
ــ لا أخفى عليك أنه كان غاضبا غضبا شديدا مع حرصى على اختيار الوقت المناسب الذى أفاتحه فيه فى هذا الأمر وهو صافى الذهن ناعم البال . كما تعلم قضية الخلافة هى قضية القضايا عند بنى العباس ..
ــ أجل أجل أعرف أنهم لا يتصورون أن ينازعهم أحدا فى أمرهم هذا . على الأخص خصومهم الألداء أبناء عمومتهم الطالبيين , المهم هل استمع إليك ؟!.
ــ كلمته عنك وذكرته بما سبق أن قلته له فى شأنك وما كان من أمرك فى المدينة قبل سنوات أثناء رحلة الحج . ولما ألححت عليه فى الرجاء وعدنى أن يستمع إلى دفاعك فى نهاية المحاكمة عقيب فراغه من محاكمة سائر السجناء ..
فى تلك الأثناء كان على الأزدى أصغر أخوال الشافعى وأقربهم إلى قلبه ينهب الطريق من مكة إلى العراق للبحث عن ابن شقيقته الشافعى بعد أن أجمع أهله أن يوكلوه عنهم فى هذه المهمه . لدى وصوله إلى بغداد أخذ يتحسس أخباره حتى علم أنه رحل مع باقى السجناء إلى الرقة منذ يومين . لم ينتظر , عزم على مواصلة رحلته شمالا لايلوى على شئ ..
يتبع.. إن شاء الله............................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها
التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h57
|

08/04/2009, 11h44
|
 |
اخـتـكـم
رقم العضوية:384752
|
|
تاريخ التسجيل: February 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 1,424
|
|
|
رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن
صباح الفل دكتورنا الجميل
صباح سعيد عليك وعلى جميع اهل ومواطنى سماعى
معلش يمكن انا بدخل فى القصه لكن يجب ان تكمل الحدث تلو الاخر
ولكنى انتظر الباقى من حضرتك
ولك وللجميع كل الشكر والتقدير
وتحياتى لحضرتك والاستاذه ناهد
سلام خااااااااااااااااااااص جداااااااااااااا لها
اختكم عفاف   
|

08/04/2009, 19h31
|
ضيف سماعي
رقم العضوية:406307
|
|
تاريخ التسجيل: March 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 3
|
|
|
رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن
تحيه كبيره من القلب إلى بلدياتى الدكتور أنس البن
على هذا العمل الرائع والسيره العطره لسيدنا الإمام الشافعى قاضى الشريعه كما يسميه العوام فى مصر
عمل ممتاز أرجو أن يعينك الله على إكماله
|

09/04/2009, 10h18
|
 |
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
|
|
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
|
|
|
رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن
شكرا من القلب لكل من السيده عفاف سليمان
ولبلدياتى الأستاذ حامد عيطه على متابعتهما للسيره ,,
سائلا الله تعالى أن يعيننا على إكمال أحداثها على الوجه الذى يرضى ربنا ثم يرضى كل من يقرأها
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها
التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 17h11
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
|
|
تعليمات المشاركة
|
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts
كود HTML معطلة
|
|
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 19h28.
|
|