دَمَّـرَني تَفكُّري في غَـدي
أيُّ غـدٍ مُـراوغ أســوَدِ ؟
أيُّ غـدٍ يـَفُـكُّ أَسْـرَ الخُطى
مِنْ يَوْمِها وَهْوَ ابْنُ أَمْسٍ رَدي؟
يا ربُ تاهَ القلبُ مَنْ مُرْشدي
وَحِيرتي تَفُـتُّ في السَّاعِدِ
نَمَتْ خُطُوبُ اليأسِ في أَضْلُعي
وَضاعَ ما يُنْقِذُني مِنْ يدي
وكلما نَجَـوْتُ من عُقدةٍ
بِعيشَتي ... فُجِئْتُ بالأعْقَدِ
مَا حِيلتي واخْتَرَمَ الطَّيْشُ ما
ادَّخَرْتُ في سَـنابلي لِلْغَـدِ
وانْطَمَسَتْ أَنْجُمي في السُّرَى
فكيفَ في ذاكَ الدُّجى أَهْتدي
كمْ سَاءَني احْتِضارُ زَرْعي لَدى
أَغْصانِـهِ غَضّاً ولمْ يُحْصَـدِ
وآلمَتْني صَرَخاتُ الرُّبـى
عَاجَلَها خريفُها السرمدي
يا لِبَراعِمي أَتَقْوَى على
صَدِّ أَعَاصيرِ الغَدِ المُرْعِدِ
كيفَ أذُودُ العاصِفاتِ التي
تَحْطِمُها بِسـاعدٍ أَجْرَدِ ؟
ماذا أقولُ يا تُرى عندما
تَسْأَلني عن حَالِها المُجْهَدِ
أقولُ سيفي قدْ نَبا في يدي؟
أمْ أنَّ سَـيفي ظَلَّ بِالمُغْمَدِ
ما عادَ يُجْـدي خَبرٌ إنني
من نَكِـدٍ أَغْدو إلى أَنْكَدِ
يا قلبُ أقبلَ الزمانُ الذي
يَا طَالما رَوَّعَني منْ مَوْلدي
وابْتدأَتْ مَسِـيرةٌ قَادَها
عقلٌ يَبيسٌ بعد قلبٍ نَدي
عقلٌ يرى الدنيا على حُسنها
بِعَيْنِ شَـيْخٍ ثائــرٍ مُقْعَـدِ
عقلٌ نَهَاهُ الضَّعفُ عن غَيِّهِ
فإن يَعُـدْ إلى الصبا يُفْسِدِ
كم نَقْلَةٍ حَاوَلها ناشِـطاً
فَأَدْركَ القَيْدَ المُذِلَّ الرَّدي
وَفُسْـحةٍ قامَ لها سَـادِراً
نَبَتْ فَأظْهَرَ العَفَافَ الصَّدي
قُبِّحْتَ يا عقلَ المَشيبِ الذي
نَسَّـكَهُ ضَعْفُ القُوى عن يَدِ
دَعْني فُؤادي وَلْنُقِمْ مَأْتَماً
لأَرْيَحِـيَّاتِ الصِّـبا والـدَّدِ *1
يا ذكرياتي أَرْجِعي مَاضياً
لِحَاضِري يُعِينُني في غَدي
الشَّعَراتُ البيضُ قد زَاحَمَتْ
سَــوادَها بِعَزْمِ مُسْـتَعْبِدِ
والأربعــونَ قَيَّدَتْني ولم
أَزَلْ مُعانِداً ولم أَنْـقَــدِ
ولمْ يَزَلْ يَخْبِطُني مَوْجُها
وكيفما جَزَرْتُـهُ يَمْــدُدِ
ياليتَ شعري هل أظلُّ المَدى
مُنْتظِراً في مَعْبَرٍ مُوصَـدِ؟
غَادَرَني جَميعُ صَحْبي ولم
يَزَلْ رِكابي عَالِقاً في يدي
وكلُّ من رَوَّيتُــهُ مَدْمَعي
لاثَ دمي وَعَاثَ في مَوْرِدي
لا لنْ أَظلَّ حَائِراً فَانْتَظــرْ
يا أيها العَيْشُ الوَبِئُ الرَّدي
غَداً تَرَى عَزْمَ الخُطى عندما
يدْفَعُها إِصْرارُ مُسـْتأسـِدِ
إنْ فُلِحَتْ أرضُ الرُّبَى أَفْلَحَتْ
وَازَّيَنَتْ بَالثَّمَــرِ الجَيّــِِدِ
يا خُطْوتي لا تَتَوانَيْ ولا
تَرَدَّدي ! وَكُلَّ أُفْقٍ رِدي
يا نَفْسُ لا تَسْتأخري أَقْدِمي
لَوْ سِـنَةٌ تَأْخَُذْكِ تُسْتَعبَدي
كلُّ الذي أَطْلُبُــهُ أنني
أُبْصِرُ من يَقُودُني لِلْغَدِ
وأعرفُ الحدودَ في رِحْلتي
وَأسْتَبِينُ في السُّرى مَقْصَدي
وأَخْضُدُ الأحلامَ من أيْكتي
وأمنعُ الغُثاءَ عَن مَوْرِدي
فلمْ يَعُدْ مُتَّسَعٌ في الخُطى
ولمْ يَعُدْ قَوْسُ الصِّبا بِالنَّدي
لا لنْ أظلَّ غَارِقاً في المُنى
لا بُدَّ أن أَعْرِفَ مَنْ قائدي
سَأسْتَمِرُّ في الدُّنى بَاحِثاً
لَعلَّني أَلْقاهُ في المَسْجِدِ
*1 / الـدَّدُ : اللهو واللعب