رد: احتفاليه ذكرى وفاه الموسيقار فريد الاطرش رقم 35
ن كلمة ( زَلَمْ ) غير معروفة في مصر, وهي عراقية كثيرة الشيوع في العراق ويستعملها أهل الشام وفلسطين ولكن بشكل مختلف قليلا عن تلفظ أهل العراق لها. الزلمة وجمعها زِلِمْ تعني رجل ورجال. أهل الشام وفلسطين يلفظون المفردة التي تدل على المفرد ( زلمة ) مفتوحة حرفي الزاي واللام . أما فريد فقد كان يلفظها بصيغة الجمع ( زلم ) كذلك بفتح حرفي الزاي واللام . في حين يكسر العراقيون هذين الحرفين في تلفظهم للكلمة.
اذا ما كان فريد موفقا وعلى درجة كبيرة من ذكاء حسن الإختيار فيما يخص توظيفه لمفردة عراقية شعبية صميمة وهو يطير فوق عاصمة الرشيد فانه أخفق اذ وصف حسن العراقيات بالحسن الكسروي اي الفارسي ( ما أقدر أرتوي من حسنك الفتان هذا الكسروي ...) . لا يلام فريد , بل واضع كلمات هذه الأغنية هو من يُلام .
في ضواحي بغداد أثر فارسي يسمى ( طاق كسرى ) ويسميه البغداديون ( سلمان باك ) نسبة للصحابي سلمان الفارسي الذي كان يوما أميرا على تلك المنطقة التي كانت تسمى زمن أكاسرة فارس ( طيسفون ) .
لقد تعاقبت على العراق أقوام أجنية شتى من ترك وفرس وديلم ومغول وتتار ثم جاء الإنجليز وأحتلوا بغداد عام 1917 . وعليه فوصف حسن دجلة ( إشارةً ومجازاً لوصف جمال نساء العراق ) بالكسروي فيه من الظلم الشيء الكثير. ثم أليس في العرب حُسنٌ متميز خصه بالشعر الجميل حتى شعراء بداوة العصر الجاهلي ؟؟ لعن الله قساوة حكم القوافي !! فهي التي أوقعت شاعر فريد في هذا المطب :
أر توي
كسروي
الغريب أن المرحوم فريد الأطرش لم يزر العراق أبدا . في حين زاره الموسيقار محمد عبد الوهاب وغنى لمليكه فيصل الأول من شعر أحمد شوقي وبإقتراح منه أغنية ( يا شراعا وراء دجلة يجري ).
نزار وفريد والفصل الضائع ( أغنية الربيع )
في أغنيته الشهيرة ( الربيع ) عبر فريد من فصل الربيع بخطوة واحدة الى فصل الخريف متجاوزا فصل الصيف وهو فصل طويل في مصر وكافة البلدان العربية. لقد كان إسم الأغنية في الأصل ( الفصول الأربعة ) فلماذا إختفى الفصل الرابع ؟؟ نعم , إنتقل فريد من الربيع موسمه الأثير الى فصل الخريف فقال :
مر الخريف بعدو
قبّل زهور الغرام
والدنيا من بعدو
آوان ويأتي وأنام
لا القلب ينسى هواه
ولا حبيب يرحمني ...
ثم ينتقل من الخريف الى الشتاء :
وادى الشتا يا طول لياليه عللّي فاتو حبيبو
ينادي طيفو ويناجيه ويشكي للكون تعذيبو
فلماذا سقط فصل الصيف بطوله وحرّه وشمسه وطيب لياليه على ضفاف دجلة والنيل ؟؟
أسقط فريد فصلا كاملا من كلندارالزمن ودورة السنين في حين قد أضاف الشاعر نزار قباني ( 3 ) فصلا خامسا لما نعرف من فصول سماه ( فصل البكاء ) :
وما بين فصل الخريف وفصل الشتاء
هنالك فصل أسميه فصل البكاء
تكون به النفس أقرب من أي وقت مضى للسماء ..
الفنان يحذف والشاعر يضيف .
أجل، أسقط فريد من حسابه فصلا طويلا كاملا هو فصل الصيف , الفصل الذي كان يحلو له أن يمضيه في عواصم أوربا وخاصة باريس ولندن وبعض المدن السويسرية . كان فصلا سياحيا كأنما لا يصلح للفن ولا مكان له فيه , بل ولا يتحمل قلب الفنان ولا أديم بشرته الرقيق حرارته في الشرق.
ولمناسبة ذكر فصل السياحة وذكريات فريد في باريس ولندن قد يخطر على البال السؤال التالي :
اذا كان فريد قد تعلم اللغة الفرنسية في مدارس بيروت ثم القاهرة , فأين تعلم اللغة الإنجليزية وهل كان حقا يتقنها ؟؟ ففي سفرته الأولى لأمريكا لأجراء عملية لقلبه المتعب إنما سافر لوحده على حد علمي دونما مترجم أو مترجمة . قد يقال كان طبيبه الأمريكي لبناني الأصل وكان من الطبيعي أن يعرف العربية والفرنسية أو العربية والإنجليزية . هذا صحيح ولكن في مكوثه لاحقا في إحدى مستشفيات لندن كانت في رفقته مديرة أعماله السيدة ( دنيز جبّور ) التي كانت تتكلم عدة لغات على ما أظن . الطريف أن صديقه محمد عبد الوهاب ( 4 ) كان قد رآه مرة في لندن بصحبة الممثلة الأمريكية ( ريتا هيوارث ) . معنى ذلك أنه يتكلم الإنجليزية، وإلاّ فبأية لغة كان فريد يتواصل مع هذه الممثلة الأمريكية ؟؟
ختام
في حلقته الثانية والأخيرة عن فريد الأطرش ليوم الأربعاء المصادف 27.2.2002 قال الأستاذ محمود معروف أن المرحوم كان قد مُنح ثلاثة أوسمة رفيعة المستوى . كان الأول من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. وكان الثاني من الرئيس اللبناني سليمان فرنجية والثالث من قبل الحكومة الفرنسية بإعتباره مبدعا عالميا . ولقد كنت يوماً شاهدَ عالميةِ بعض أغاني هذا الفنان الموهوب . أقصد سعة إنتشار شعبية أغنية تانكو (يا زهرة في خيالي ) في أوائل ستينيات القرن الماضي في الأوساط الروسية ولا سيما بين الشباب.
في هذه الحلقة الثانية والأخيرة أخطأ الأستاذ محمود معروف في تثبيت يوم وفاة فريد الأطرش. فلقد ذكر يوم الحادي عشر من شهر كانون الأول ( ديسمبر ) عام 1974 , في حين أن التأريخ الصحيح لوفاة فريد هو يوم الخميس الموافق السادس والعشرين من شهر ديسمبر 1974 وليس الحادي عشر منه ... مع الإعتذار للأستاذ محمود .
المصادر
1- طه حسين ( من تأريخ الأدب العربي ) , الجزء الثالث . دار العلم للملايين, بيروت , الطبعة الثالثة 1980 .الصفحة 460 .
2- فريد الأطرش , بين الفن والحياة / دار المعارف , الطبعة الرابعة, القاهرة . الصفحات 13 - 28 .
3- نزار قباني / الأعمال الشعرية الكاملة. منشورات نزار قباني, بيروت الطبعة الثانية 1980. الصفحة 217 ( من قصيدة تناقضات ن.ق. الرائعة).
4- المصدر الثاني / الصفحة 23.
د. عدنان الظاهر- موقع مرمريتا
|