و لكنها ـ خالفت المعنى ،،
فنحن هنا بصدد ( معارضة ) لقصيدة ( ثورة الشك ) ،
نفس الوزن ، بالإضافةِ إلى وشائج المعنى ، و الذي تناولته بلقيس بطريقة مغايرة ،،
فهى هنا تثق بالحبيب ثقة ً لا مزعزعَ لها ، بعكس
( ثورة الشك ) ،، تقول شاعرتنا :
يقينـي أنَّ وعدَكَ لـي وفاءٌ
سيبقَـى لا أُخامِـرُهُ بحَدْسِ
إذا ما الناسُ قالوا فيـكَإفْكاً
أشُِكُّ فلا أصدِّقُ غيـرَنفسي
هناك ، شكٌ حاضرٌ ، و صراعٌ يتراوح بين الريبة و التخوفِ
و الشقاء ،
و هنا ، يقينٌ لا يدعُ للشكِ مجالاً ، و لا يفتكُ بالعاشق
القصيدة مغزولة بمهارة و حِرفية ،،
و لنتأمل هذه الثنائية الصوتية في بعض الأبيات ،،
و التي قد لايفطن المتلقي إليها ، و لكنه لا يعدم مذاقها الموسيقي ،، فالشاعرة ( بقصدية أو بلا قصدية ) ،، تـُراوِحُ صدى صوتٍ موسيقي في البيت الواحد ،، فيستلفتنا ما يشبه
( القرار و الجواب ) بترديد بنية اللفظ مرتين :
أمسي ،،، أُمسي
غرستُ ،، غرسي
كاساً ،، كأسي
أنساكَ ،، يُنسي
و لو لاحظنا بقية الأبيات ،، سنجد هذا التجانس اللفظي بدرجة أو أخرى ،،
تلك الزركشات الصوتية ، التي توَشي هذا البحر الرشيق ( الوافر ) ،،
و هذا الحضور ( الخفي القاتم ) لثورة الشك الكابية المنكسرة المستريبة ، يجعلُ من قصيدةِ عبد الله الفيصل ، ظِلاً لقصيدة بلقيس ، المُشرِقة ، المبتهجة ، ( الضد يظهر حسنه الضد )
أليس حُبها أكثر رسوخاً ،، حين يكون المعشوق ، فوق مرتبة الشك !
ألم يقفز المعنى خطوة إلى الأمام ، متجاوزاً الحيرةَ و الظن و الريبة !
المعاني في ثورة الشك ، أكثر رصانة ً و أقوى تركيباً و أعمق انفعالاً ،،
لكننا هنا ، بصدد حالة نفسية مغايرة ،، تشيعُ جَوّاً مشرقاً متفائِلاً ، تتقافز كفراشةٍ ،، و تشبه رقصة ثنائية بين حبيبين ، أو بين قصيدة و قاريء ، لا يعوقها حائل ( غموضي ) أو التباس ( رمزي ) يُحَجّم من متعة الرقصة !
يسهل ملاحظة العاطفية الغنائية ،، و تـَغـَلـّب النزعة الوجدانية الذاتية ، في ( هجير الشك ) ،،
و الشكل في القصيدة ، غالبٌ على المضمون ، حتى أن المضمونَ مائِدٌ في الشكلِ ،، لا نكاد نتحسسه ، إلا و تنثال في أنامِلنا غنائية رقراقة
حديثُكَ يا حبيبـي همسُ شِعْرٍ
يُغَنَّي لي ، يُغـاز ِلُ فِيَّحِسِّي
أُحبُّكَ ما حَيِيْتُ وأنت عمري
ستبقَى أنتَ بدري أنتَ شمسي
و نلاحظ فطرة أنثوية ، ربما تميز الأدب النسائي ، تمنحُ الصوتَ الشِعريَّ زخماً و وَشِيَّاً و زركشة ً ،، فالمرأة تهتم بالتفاصيل ،،
و تتفوق على الرجل بحسِها ( السيمتري ) :
شَرِبْتُ هواكَ كاساً من رحيقِ
فلا تشرَبْ بكأس ٍ غير ِكأسي
هذه الكؤوس الثلاثة التي توزعت ألفاظاً ،، هي كأسٌ واحدٌ ( مَعنىً )
***
القصيدة العمودية ، حين يستتب هيكلها الشكلي ،، و تدخل في طور التنامي ،، يسهل ملء فراغاتِها بألفاظٍ ( إن لم تكن دقيقة ً بما يناسب المعنى ) ، فهى على أقل تقدير ، لن تكون ( بارزة أو شاذة ) ،، لأنها تتماهى مع سُلطةِ الشكل ، و هو ما نلمحه في قصيدتنا هذه ،،
فكلمات مثل ( مورث ،، اكتئاباً ، فخاراً ، الجميل ،، ) و غيرِها ، كان يمكن توشية القصيدة بغيرها ، دون أن يختل المعنى ، بل يمكن استشعار أن شاعرتنا ، فضـَّلتَ رَصدَ إلهامِها المُنساب ،
و تسجيله كما هو ، دون أن تتدخلَ تدخلاً ( حِرَفِيّاً ) ،
تدققُ خلاله في الألفاظ
و حتى أُقـَرب المعنى ،، فالنهر حين يجري ،، فإن ما تلقيه فوق مجراه ،، سيأخذ نفس الإتجاه ،، غصنَ شجرةٍ كان ، أو صندوقاً خشبياً
و نهرُ القصيدة حين يجري ،، يحتملُ إبحارَ المراكب الكبيرة
و الصغيرة !
يتبع :
__________________
شاء اللي شاء ،، و اللي داء ،، مِـن وَردِة الشـِّفة
نـَـهَـل نـبـيـذ لاِشـْـتِيـاء ،، نهـــرِين ،، و لـَم كـَـفـَّىَ
شـَـهَـقْ شـُعاع خِصرَهَا ،، سَرْسِـب نـَدَى مَصْهـور
وِ فْ كلّ سَـرسوب شُـعاع ،، مَـلايكة مُصْـطـَـفـَّــة
يا تـراب و مخلوط بماء ،، إزاى غـَوِيـت النـُّـــور
يـِفـُــــــــــور علـى سِحــرَها ،، و فِــيها يـِتخـَـفـَّـىَ
كمال