نظرة على التطور التاريخي للخط المغربي
يعد الخط المغربي من أنفس الخطوط العربية و أجملها شكلا و هندسة ، بلغ مكانة هامة جعلت الخاصة يهتمون به و يوظفونه في تزيين جدران القصور و المساجد ، و سقوفها سواء في الأندلس أو في المغرب و تحلت به نفائس المخطوطات التي تعد درة في عقد الفنون الإسلامية.
نشأة الخط المغربي:
كما سبقت الإشارة، فإن تعدد أنواع الخط و أساليب أدائه كان وليد ظروف منها الرغبة في المحافظة على نص القرآن بنسخة في كل أطراف العالم الإسلامي زيادة على تنوع طبيعة الشعوب الإسلامية ، كما أن تطويع الخط للمساحات و المواد المعمارية بفعل التطور الحضاري و العمراني ساهم في خلق أساليب جديدة تتماشى و متطلبات الإبداع الإنساني و هكذا فأينما حل الخط إلا و اتخذ اسم المنطقة التي حل بها و ينطبق هذا على الخط المغربي و إن كان أصله يرجع إلى الخط الكوفي القديم. و السبب في سيادة الخط الكوفي دون غيره بالمغرب دون غيره من الخطوط العربية كون هذا الأخير أداة الكتابة منذ صدور الإسلام علما أن النصوص القديمة لا تشير إلى قواعد هذا الخط بالرغم من أهميته و تنوع أشكاله الإقليمية ، و بما أن المغاربة لم تكن لهم كتابة خاصة إبان الفتح الإسلامي فإنهم تبنوا الأبجدية الكوفية .
قواعد الخط المغربي:
عندما تلقى المغاربة الخط الكوفي قاموا بإحداث تغيير طفيف في الاستعمال الذي استقر في المشرق و أصبح الأسلوب المغربي يعتمد على الكتابة المدورة التي يسهل التعرف عليها من خلال الخصائص التالية :
أ.تعتمد جرة القلم فيه على الرقة فتأتي أكثر ارتعاشا.
ب. بعض الحروف الواردة في نهاية الكلمات مثل س _ ص يكون شكلها ممتدا.
ج. تحذف في غالب الأحيان نقط الحروف الواقعة في نهاية الكلمات مثل ( ق _ ف _ ي _ ن ) و هذه الخاصية ترجع إلى المرينيين (1190 – 1468)
د. في بعض المصاحف المغربية نعثر على التقسيم القديم للسور على أساس (الخامسة) و (العاشرة).
فكما يبدو لنا أن هذه التغييرات أدخلت على الخط الكوفي للتمييز عن الخطوط الأخرى ليست بمثابة قاعدة و إنما هي خصائص نستطيع من خلالها التعرف على الخط المغربي.
على أن هناك قواعد عامة تعتمدها جميع الأساليب بما في ذلك الخط المغربي و هذه القواعد أجمع المؤرخون على أن الخطاط ابن مقلة هو أول من وضعها و جمعها في رسالته "علم الخط و القلم" فتكلم عن طريقة هندسية لخط الحروف أساسها الألف ثم ترسم دائرة تحيطه و بعد ذلك يضع باقي الحروف في علاقة نسبية مع الألف و الدائرة و كمثال على ذلك الراء تشغل حيزا يعادل ربع الدائرة و الباء تكون بطول القطر الأفقي للدائرة و هكذا ... و من هنا اعتبر الخطاطون أن النسبة القائمة بين الحروف تنطلق جميعها من الألف لأنه أول حرف في الأبجدية كما يتغير طول الألف حسب الخطاطين و لهذا اعتبر مقياسا لمجموع نسق الخط العربي.
و قد استبدلت قواعد ابن مقلة بقواعد القياس بالنقطة كوحدة قياس رسم الخط . (فالنقطة مربعة بقدر قلمها) لكنها ليست مربعة في كل الأساليب حيث تكون بنصف مربع في أسلوب الرقعة و دائرية في الأسلوب المغربي.
و النقطة هي جزء من الحرف ولكن لا يجب الخلط بين نقطة القياس و نقطة الحرف نفسه فعادة ما تكون نقط القياس مرسومة في ذهن الخطاط.
أما طابع رسم الحروف في الخط المغربي فقد تصدى له بالوصف الكاتب المغربي بن قاسم الرفاعي الرباطي في قصيدته "نظم لآلي السمط في حسن تقويم بديع الخط" و أهم ما تتميز به الحروف المغربية من هذه القواعد هو طبيعة السطر و الذي هو على حد قول الرفاعي في قصيدته:
السطر في اصطلاحهم خط وصل """ ما بين نقطتين عن ذلك حصل
أما حواشي السطر المغربي فهي لينة عوض أن تكون ذات جوانب حادة و جلية.
و عرض الخط المغربي لا يمثل ذلك المسلسل من الأسطر المليئة التي تدق على شكل أسطر أخرى رقيقة حقيقية فيكسب كل ذلك الخط طابع المتانة الشديدة. أما السطور العمودية كالألف ، ل، ط، ظ، فقلما تأتي مستقيمة بل تتخذ في غالب الأحيان شكلا منحنيا و تحمل في طرفها الأعلى شيئا كالنقطة الغليظة.
أما خاصية أواخر الحروف فتتخذ دائما امتدادا مبالغا فيه و خاصة في: س، ش، ص، ض، ل، م، ن، و قلما توضع النقطة على الحروف النهائية ف، ق، ي، و كثيرا ما تكررت إزالة نقطة: ة، أما الربط بين ما انقطع من الحروف فهو شيء نادر في الخط المغربي و هناك حدود في الخط المغربي فمثلا يمكن أن يربط:
د – ذ بالحروف ه – ة – و لكن قبل ذلك يجب أن يربط د، ذ، بالحرف السابق لهما و يحدث العكس في: ز – ر – الذين لا يجب أن يربطا إلا متى انفصلا هما بالذات عن الحرف السابق. ولكن في بعض الأحيان يظهر أن ر – ز – لا تحترم هذه القاعدة خاصة إذا كان ر – ز – على الحجم التالي- ر. و يربط (و) أيضا بالحروف: أ، ـه، ـت، ـي، إذا ما انقطع هو بالذات عن الحرف السابق إلا أن هذا الربط قليل الاستعمال. و أخيرا فإن سنينات الحروف: ب، ت، ث، ن، تختط برأس ر، ز، أو ن الذي يليها.
و الخط المغربي بصفة عامة له حظ كبير من الأناقة بفضل طول أسطره العمودية و التباعد بين الأحرف التي تمتد أشكالها و الأسطر التي اتحد حجمها و رق مظهرها قليلا و تبدو لأول نظرة على تناقض كبير و لكن عند الإمعان نجد أن القليل منها هو الذي يتبع دائرة متصلة. أما إذا أخذنا مجموعة الحروف على حدة فإن مظهرها يكون مشوه، و هناك من يفسر فوضى الشكل الكبرى التي تسود اختلاف كتابات المغرب بأن المغاربة لم يكيفوا قط كتاباتهم على منوال الأندلسيين و هذه النزعة ترتبت عن عدم مراعاة المغربي لأية قاعدة في كل الفنون و هذا الرأي ينتقد شكل الكتابة المغربية لأنها لم تتصف بالدقة كما هو الشأن بالنسبة للخط الأندلسي.
أنواع الخط المغربي:
لقد تنوعت أشكال الخطوط المغربية حتى أصبحت كافية للتفنن في الطبع و النشر به خصوصا إذا دخلت عليه التحسينات التي تلبسه حلة العصر الجديد شرط ألا تفقده شخصيته و ملامحه، و من أنواع الخط المغربي نذكر:
أ.الخط المبسوط: و هو ما يتعلم في الكتاتيب، و يسمى المبسوط لبساطته و سهولة قراءته و به تطبع المصاحف في المطابع و تنسخ به كتب الصلوات و الأدعية.
ب.الخط المجوهر: هو الذي تحرر به الرسائل الخصوصية و العمومية و تكتب به الظهائر الملكية و هو أكثر الخطوط المغربية استعمالا. و سبب تسميته بامجوهر نسبة لعقد الجوهر لجماله و تناسب حروفه و تناسق سطوره.
ت.الخط المسند أو الزمامي: لوثائق العدلية أو المقيدات الشخصية و ما شابه ذلك.
د. الخط المشرقي: و هو ما تزخرف به العناوين و تكتب بماء الذهب و يزوق و يشجر بألوان و أشكال مختلفة تجعله يفتن الناظرين، و سمي بالمشرقي لأن أصله بلاد المشرق و لكن مغربته يد المبدعين المتقدمين و تصرفت فيه أذواقهم.
هـ. الخط الكوفي: و هو الأصل الذي تطورت منه الأنواع المغربية الأخرى و نجده مكتوبا على رق الغزال في المصاحف و الكتب القديمة و منقوشا في الحجر على أبواب المدن و القصبات و محفورا في الجبص على جدران المدارس و المساجد العتيقة.