على الرغم من توتر العلاقات بين قطبي الغناء العربي عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، إلا أن ذلك لم يستمر طويًل؛ ففي ليلة من ليالي رمضان ذهب الفنان سمير صبري ذات يوم إلى منزل الأطرش لتسجيل حلقة في برنامجه «بدون إحراج»، والذي كان يُذاع يوميًا في إذاعة الشرق الأوسط خلال شهر رمضان الكريم.
وأثناء تسجيل الحلقة بحضور الإذاعي جلال معوض وزوجته الفنانة ليلى فوزي والموسيقار أحمد فؤاد حسن والفنانات زبيدة ثروت ومها صبري وكريمة فاتنة المعادي، دخل عبدالحليم حافظ على مجلس الحضور.حليم أعلن ضاحكًا: «أنا جاي أتسحر» فجرى الأطرش فرحًا واحتضنه وبعد أن جلس الجميع للسحور قال حليم: “ولا واحد هيتسحر قبل ما نسمع الأستاذ يغني وأخذ العود وأعطاه لفريد».وبدأ فريد يغني أغنية «يا جميل يا جميل» وصفق عبدالحليم وغنى معه «يا فريد يا
فريد» وفريد يقول «يا حليم يا حليم».
في بداية مشواره الفني التقى النجم فريد الأطرش مع الفنان المسرحي يوسف وهبي، وذلك خلال فيلم «أحلام الشباب» عام 1942، ومنذ ذلك الوقت وربطت بينهما علاقة قوية كانت أقرب إلى الأبوة.الأطرش ظهر في صور نادرة مع أستاذه يوسف وهبي، وتبادلا الضحكات سويًا، وبدا عليهما كبر السن، بعد رحلة فنية طويلة قدما خلالها عددًا من الأفلام المميزة مثل: «الحب الكبير» مع فاتن حمامة عام 1970، و«زمان يا حب» مع زبيدة ثروت عام 1973.
كانت العلاقة التي تربط الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بنجوم الفن جيدة حيث كان يحرص على تكريمهم ودعوتهم في المناسبات القومية.النجم الراحل فريد الأطرش كان واحدا من النجوم الذي يعشقون عبد الناصر وفي صورتين نادرتين يظهر فريد خلال لقاء تم بينه وبين جمال في مكتبه أما في الأخرى فيظهر فريد وهو يضع باقة من الورد على قبر الزعيم ويقرأ له الفاتحة
كانت مصر هي الاختيار الأمثل للسيدة عالية بنت المنذر، والدة الفنان السوري فريد الأطرش وشقيقته أسمهان؛ حيث لم تكن خاضعة لسلطة الاحتلال الفرنسي كما بلاد الشام، كما أن الزعيم المصري سعد زغلول كان صديقًا لآل الأطرش، وشكل بالمصادفة الحكومة المصرية عام 1923.لذلك انطلق فريد مع أسرته من بيروت إلى حيفا بالعربة ومنها إلى القاهرة بالقطار حتى وصلوا إلى مصر، بعد أن اجتازوا الحدود بمعجزة من دون أوراق هوية ولا تأشيرات دخول؛ حيث استغاثت الأم عبر الهاتف من سيناء بمكتب سعد زغلول، فأمر بدخولهم مصر على مسئوليته الخاصة.وفي القاهرة عاش الفنان السوري مع أسرته حياة تختلف كليًا عن حياة الأمراء التي اعتادوها، واستأجروا منزلًا متواضعًا في شارع باب البحر بالقاهرة القديمة، ونجحت الأم بالتحايل في إلحاق ابنيها فؤاد وفريد بمدرسة «الفرير» الفرنسية بالخرنفش، وادعت لمدير المدرسة الفرنسي أنهم من عائلة «كوسة» الشهير، وأنهم فقدوا أوراقهم الشخصية في الرحلة، فرّق الرجل لحالهم ووافق على قبولهما بالمجان.
وبذلك تحول الأطرش إلى «فريد كوسة» واحتمل سخرية زملائه ومدرسيه، ومع مرور الأيام بدأت موهبته الموسيقية تتفتح، وأخذ يتأثر بجمال صوت والدته ومهارتها في العزف على العود، فطلب إذن من أحد القساوسة بالمدرسة لحضور حصة التراتيل حتى أصبح بعد فترة قصيرة رئيسًا لفريق المنشدين فيها.
لكن معلمه نصحه ذات يوم بقوله: «إنك تتمتع بصوت جيد لكن ترتيلك ينقصه الإحساس، يجب أن تذرف الدمع وأنت تنشد، وتجعل مستمعيك أيضًا يشاركونك البكاء»، فاستجاب الصبي للنصيحة، ويبدو أن ذلك ساهم بقوة في تشكيل شخصيته الغنائية «الحزينة» التي عرف بها فيما بعد.
قصة الحب الأسطورية التي جمعت بين الفنان فريد الأطرش والراقصة المصرية سامية جمال لم تنته بشكل رومانسي عن طريق الزواج أو بشكل درامي عن طريق الفراق، ولكنها انتهت بشكل أكثر إثارة في «ساحات المحاكم».فبعد أن رفض الأطرش الزواج من سامية خضوعًا لتقاليد عائلته الصارمة، افترق الاثنان وباتت تلك القصة حديث الأوسط الفنية والصحفية، ونُسب إلى الاثنان عدة تصريحات قاسية، فكانت النتيجة أن أقام الأول دعوى «سب وقذف» ضد سامية يتهمها بالنيل من سمعته الشخصية والفنية.لكن المحكمة المختصة بنظر القضية رفضت دعوى الفنان فريد الأطرش وبرّأت سامية من هذا الاتهام وأسقطت عنها الحق المدني الذي طالب به محامي المُدعي.وبحسب مجلة «الكواكب»، فإن الأطرش قبل انتهاء المحكمة إلى براءة الراقصة المصرية، أكد لعدة صحف فنية أنه بصدد التنازل عن الدعوى؛ رجوعًا إلى صداقتهما القديمة وتاريخهما الفني المشترك، ولكن هذا التنازل كان «صحفيًا» فقط، ولم يحدث أن تقدم محاميه بهذا التنازل «المزعوم»!!أما سامية جمال، التي كانت ترقد مريضة في منزلها، فقد استقبلت النبأ بكلمة واحدة هي «الحمدلله»، فيما أكد أصدقاؤها المقربين أن مرضها ليس مصدره ميكروب الإنفلونزا اللعين وإنما «عين الحسود».
قبل رحيله بنحو سبع سنوات كان الفنان فريد الأطرش في أسوأ حالاته الصحية، جسد نحيل ووجه مشحوب ومع ذلك رفض نصائح الأطباء الالتزام بالراحة وبذل مجهود أقل في أعماله الفنية.فريد قبل أن يستعد للسفر إلى أمريكا بحثًا عن علاج لقلبه، كان يجتاز نوبة من نوبات المرض الذي لازمه منذ سنوات، ومن أجل العلاج ذهب من قبل إلى لندن ومكث ثلاثة أشهر ثم عاد بنصائح كثيرة من الدكتور جيسون، الذي كان يسمونه «مسيح القلب» هناك، وأهم هذه النصائح أن ينام طويلًا ويبذل أقل مجهود، ويأكل المسلوق بلا ملح، وبكميات ضئيلة جدًا «قال لي جيسون أنني أعيش بربع قلب، وأن عليّ التعامل مع حياتي بربع ما كنت أعمل في كل شيء».ومن المعروف عن الفنان فريدالأطرش أنه كان مُحبًا للحياة والسهر والصخب، يحب الاستمتاع بالطعام والغناء، ومع ذلك استطاع أن يُقلل من السهر واعتاد النوم أكثر من 10 ساعات يوميًا، كما التزم في الطعام بتناول جبنًا بلا ملح وخضروات مسلوقة، ولكن الامتناع عن الغناء هو ما لم يستطع إتيانه.السبب في ذلك كان لأن الأطرش يقدس بطبيعته المسئولية، وحين عاد من الخارج، أخبرته «شركة القاهرة للسينما» أنها مستعدة لبدء تصوير فيلم «الخروج من الجنة» مع هند رستم، وأن عليه تسجيل الأغاني قبل بدء التصوير كعادته، وقد سجل بالفعل قصيدتي «أضنيتني بالهجر» و«لا وعينيك».
قبل وفاته بعامين هاجمت أقلام العديد من النقاد الموسيقار فريد الأطرش وأكدت أن نهايته الفنية قد حلّت منذ فترة طويلة وأن عليه الاعتزال الآن بدلًا من إثارة شفقة الجمهور وخسارة صورته الذهنية لدى الجمهور العربي بأكمله، والتي رسمها خلال مشوار فني طويل.وفي إحدى الحفلات الصيفية بكازينو لبناني جاهد الأطرش لكي يحافظ على البقية الباقية من مستواه الفني ولكن النقاد أكدوا أنه لم يفلح وكانت إطلالته مجرد توسل من الناس تذكارات ماضية «كان يتوسل التصفيق فخاب ظنه، وتحولت نظرات الإعجاب بالموسيقار إلى رثاء له، كان يلهث في نبراته، حاول أن يضبط أعصابه وأوتار صوته فخانه ذلك».وأرجعت تلك الأقلام الحالة المزرية التي وصل إليها فريد، بحسب مجلة «ألف ليلة وليلة» عام 1972، إلى كثرة السهر والإسراف في تناول الطعام والشراب والإكثار من لعب الورق «لقد ترك الفن ليعيش لنفسه، نسى ارتباطاته مع قضيته التي عاش من أجلها، ومن أجلها سفح عمره، إنه يترك نفسه سجينة أهوائه، يسهر حتى الصباح فلا يفيق إلا ليسهر، ويسهر فينسى تقاليده وواجباته وإنسانيته».فريد لم يلتفت إلى نصائح أطبائه، الذين رافقوه خلف كواليس المسرح، وكانوا يقولون له: «أنت تتعب نفسك.. كفاك عنادًا»، وأصرّ على تأدية وصلتين، رغم أن الجمهور لم يطلب منه الإعادة، وطلبها من نجوى فؤاد، ليلى نظمي ومطرب لبناني ناشئ آنذاك كان يُدعى عصام رجي، الذي لولاه لما استكمل الجمهور الحفل حتى الصباح، بحسب الصحيفة.