مجلة موسيقار الأزمان ( العدد الثاني )

[سعود القويعي]

بيت اليرزه في بيروت وحكايته مع الحرب الأهليه بلبنان

في اواخر عام 1974 وبدايات 1975 اشتعلت الحرب الأهليه اللبنانيه بسبب التركيبه الطائفيه وتلك المساحه الكبيره للاعب الأجنبي يعزف عليها مع هذا ضد ذاك . والنتيجه اباده وتهديم وقضاء مبرم على البنية التحتيه لأجمل بلاد الشرق , في تلك الايام والكل يقاتل ضد ذاك , لم يمنعهم الكره والحزبيه والطائفي ان يتوقفوا عند منزل الموسيقار الكائن بمنطقة اليرزه , وضعوا لوحة كتبوا عليها ( ممنوع الأقتراب من هذا المكان ) فرقتهم الحرب وجمعهم حب الموسيقار , موقف يجعلنا نتسائل يعمق , هل مايدور بينهم في حربهم كان تسليه ؟
ام ان حب الموسيقار كان فوق كل الأحقاد ومنه واليه تعود عقولهم ويتوقف عبث الموت !
لم يكن مابينهم تسليه انما حب هذا الشامخ تفوق على كل المهازل التي جرت بينهم .

عاش الموسيقار ذكرى خالده وحدت القلوب في زمن الحرب

[سعود القويعي]

موسيقار الأزمان ووالدته



علياء في صدر شبابها

لاقت السيده علياء المنذر الكثير من الصعاب في حياتها كونها امرأة واحدا من ثوار الشام ضد الأستعمار الفرنسي بعد تقسيم الكيكة العربيه اثر مؤتمر التآمر الأعجمي في يالطا التي عرفت باسم سايكس بيكون نسبة الى رمزي الأستعمار البريطاني والفرنسي .
وحين هربت بأولادها من جحيم الحرب الى مصر الكنانه رغبة في العيش الآمن , زادت مصاعبها من اجل تأمين لقمة العيش لأبناءها , فعملت في شغل المناديل والطرح وتجاوزت الى الغناء في مسارح روض الفرج المتواضعه سعيا لدخل اضافي , وحين كبر ابناؤها وامسكوا دفة المداخيل وبالأخص فريد وامال , استكانت بالمنزل تقوم بدور الراعيه والموجهه .
بعد توالي السنين وعلو نجم موسيقار الأزمان وفقد امال , وحين اصبح منزله الفاخر يموج بعلية القوم والفنانين , اشترى الموسيقار منلا لوالدته في ضاحية ( حلوان ) لتنعم بالهوء واشراف طبي بعيدا عن ضوضاء الفن واهله .
واستمر الحال بها الى اواسط الستينات حيث طلبت من الموسيقار نقلها الى لبنان لتعيش بين اهلها هناك , واستجاب لها الموسيقار , ومن الصدف ان يعيش معها الموسيقار بعد ذلك عددا من السنوات قبل ان يعود الى مصر اوائل السبعينات , وكان غيابا قسريا في البدايه بسبب حرب حزيران 67م .
العام 1967 م توفيت السيده علياء ودفنت في بلدتها ( شويت ) وحزن عليها الموسيقار كثيرا وهو يتذكر معاناتها وغربتها عن اهلها .

رحم الله الجميع .

[سعود القويعي]

عندما قرر ان يتزوج واختارها من مجله

حكاية زواج الموسيقار حكايه طويله , كحكايات حبه الفاشله بأسبابها العديده , نتيجة لكثرة التساؤلات وحصار محبيه قرر يوما ان يتزوج وينهي هذه المسألة العقده , وتذكر احدى الفتيات , كان سبق له ان رآها في احدى المناسبات او سباق الخيل , تذكرها حين رأى صورتها تزين غلاف مجلة اختارتها كأحد وجوه المجتمع الجميه او مسابقة اجريت فازت بها , فأحضر العدد واشار لأخوه انه يرغب الزواج منها , وطلب منه سرعة التوجه الى اهلها ليخطبها منهم , وحين استغرب فؤاد هذا الأختيار الغريب ؟ قال له الموسيقار , اسرع قبل ان اغير رأيي .
ذهب فؤاد الى بيت المخطوبه فوجودها مخطوبه قبل يوم مضى !
انه الحظ حين يعاند , فطوى الموسيقار المجله وطوى معها الفكره.

[سعود القويعي]

فلم جمال ودلال وحكايته مع الجمهور

موسيقار الأزمان يضع الصداقة مكانها فيقف مع اصدقائه في مواقفهم الصعبه او الواجب او الأكرام , فهو الفنان الوحيد الذي رافق جنازة المطرب محمد العربي تقديرا منه لفنه , كان صديقا صدوقا شفافا , حتى مع الحيوان , فقد ذرفت من عينه دمعة حين سمع ان فرسا ماتت كانت تفرح لأقباله وتتمسح به لأنه يجلب له معه حبات السكر .
في هذا المجال وافق على طلب الفنان النصف مصري ( استفان روستي ) بإخراج فلم ( جمال ودلال ) الذي اجتمعت الأسباب لعدم نيله النجاح المنتظر , فمن مخرج مبتديء قد لايفهم الأخراج كما يجب , الى حوار بعيد عن اللهجة المصريه , الى قصة ينقصها بعض المنطق في الحدث , وكانت النتيجه ان الموسيقار نفسه كان يشنع على الفلم بقوله ان المنتج سمح للجمهور بالدخول مجانا لمشاهدة الفلم ثم يغلق عليهم باب دار السينما ويمنع عليهم الخروج قبل ان يدفعوا ثمن التذكره .

[سعود القويعي]

قررالأعتزال فهددوه بالقتل

كل تجربه مرت على موسيقار الازمان خلال مشواره الفني كانت تترك بصمتها على نفسه ويبقى فترة متأثرا بها ويطول زمنها او يقصر بحسب عمق حدثها وتصبح وجبة لمن يريد النيل منه فينعكس هذا على حياته , ولا يمحوها الزمن بسهوله وتولد لديه احساسه بالاظطهاد , ويتساءل ماذا فعل ليجني الشوك وليس بزارعه ؟ ولايجد مايريح تساؤله , وبالمقابل يحتمل قلبه من اثقال الحزن واليأس المزيد , والاحقاد تفتح جبهات لايراها ولايعرف من اين ولايجيد اساليبها فتزيده الما فوق الم وغضبا فوق غضب .
لأجل هذا وفي لحظة حاسمه قرر ان يعتزل الفن بكل مافيه !
فإن كان مايحصل له هو ضريبة الشهره والنجاح , ولأن الشهرة تعلو وتدوم ببقاء الفنان في ميدانه يثب من نجاح لنجاح ... فلا داعي لكل هذا , وليشتري راحته .
دفع بسبب كل هذا الكثير من دمه واعصابه , قضى سنيّ حياته وهو لايعيش الا لفنه , فاليكن طلاقا لارجعة فيه .
تذكر بداياته الصعبه وعيشه البسيط ومن يذكر ماضيه الشقي يسهل عليه التعامل مع حاضره .
وما ان اعلن قراره على الملأ حتى انهالت عليه البرقيات وتجاوزت الالوف في خلال اسبوع واحد !
برقيات وخطابات واتصالات اضطر معها الى نزع فيشة الهاتف فالمسألة اكبر منه ومن رغبته , انه الشعب العربي الكبير الكريم الذي يحبه لفنه وشخصه , مئات البرقيات حملت الكثير من العتاب والرجاء , تفيض حبا يهتز له القلب وينتحر امامه منطق الاعتزال ...( لاتعتزل ... نحن صنعناك ... انت ملك لنا ولست ملك نفسك ... ) وبعضها حمل في سطوره الوعيد والتهديد إن هو نفّـذ قراره ...
( سنقتلك ان صممت على الأعتزال ) !!
في اليوم الثامن من القرار , سألته الصحافه / هل انت مصمم على قرار الأعتزال ؟
إن كان هذا قرارك النهائي ؟ فاذكر لنا اسبابه بالتفصيل , لعله يشفي فضول من سألنا ؟
فأجاب موسيقار الأزمان لكل من سأله :
بل انا مصمم على العوده , الى جمهوري الذي اصدر لي امرا من كل ارجاء الوطن العربي , نعم انا ملك لهـم ولست ملك نفسي , قولوا لهم اني عائد لفني , فلا نفع لي دونه ومن غيرهم .
( مقال مختصر من كتاب اول همسه )

[سعود القويعي]

فلام الموسيقار في الميزان

قدم موسيقار الأزمــــان في مشواره السينمائي بين عامي 1941 ـــ 1974 واحدا وثلاثون شريطا سينمائيا , احتوت على العديد من الألحـــان الجميله بكل لون , من العاطفي الى الأوبريت الى الموال الى النشيد الوطني .
بدأت افلامـه بالغناء الأستعراضي الديالوج وتواصل في هذه الألوان مع بعض التبديل بحسب القصص التي قدمها والبطله التي تشاركه , بداية كانت اسمهان وكانت النية ان تقدم معه في بدايتهما اكثر من فلم قبل ان يتحول الى بطلات اخريات تاركا المجال لأخته كي تنطلق بمفرده كي لايحسب نجاح أي منهما للآخــر , لكن اسمهان عادت الى زوجها تاركة له الميدان وحده , فاستعان بسواها وقدم في فيلمه الثاني بطلتين واحدة بالصوت واخرى بالصوره ( فتحيه احمد ـ مديحه يسري ) .
ولأنـه في الأساس ملحن وبعض الألحان عباره عن ديالوج فقد شاركته الغناء في بعض افلامه ( تحيه كاريوكا ) وهي في الأصل راقصه وكانت مشاركتها الغنائيه هي ماأقتضاه دورها في الفلم , بينما رقصها هو من قدمها للجمهور في الفلم وخارجه .
واستمر موسيقار الأزمان في سلسلة افلامه بين نجاح لايرتقي الى نجاح فلم البدايه ( انتصار الشباب ) الذي كان لأسمهان بلاشك سبب قوي لنجاحه الساحق , ولألحانه المتميزه بوابة عبور لوجدان المستمع على المستوى العربي الذي نقل الفلم صوته وصورته الى اسماع ونظر الجمهور .
ثم تأتي مرحلة جديده وهي المرحله الغزيره المنتشره الساحقه التي قدم من خلالها الوانا اخرى من الحانه الذهبيه لاتزال تعيش في وجدان العرب السامعين للفن الأصيل , تلكم هي مرحلة ( ساميه جمال ) من خلال ستة افلام , وحين حدث الأنفصال الفني بينهما , دخل الموسيقار من خلال افلامه مرحلة جديده ولون جديد لم يعتاد عليه السامع انما استقبله بالترحاب من خلال كلاسيكياته الطويله ( بنادي عليك ــ حكاية غرامي ــ سألني الليل ) الى جانب الحان خفيفه ابعدت عنه سمة الحزن في اغانيه التي اتهمه البعض بها وخلق منها عيب ينتقصه فيه دون السؤال عن الأسباب وان عرفوها وانكروها !
من تلك الأغنيات الرشيقه ( نورا ـ وياك ـ جميل جمال ) .
وقد حاول العودة الى الأستعراضات الغنائيه من خلال ( صانع التماثيل ) في ( ازاي انساك ) ومع نجاحها الا انه لم يعاودها مرة اخرى واغلق بابها , وربما كان عدم وجود ساميه جمال في حياته تاثير على ذلك ؟.
ثم جاءت مرحلة ( شاديه ) حيث سمو الحب القاتل بين الحبيبين في (ودعت حبك) والرشاقة في اللحن والجمال العاطفي في (انت حبيبي) .
ثم ينتقل موسيقارنا الجميل الى مرحلة اخرى يفرضها الزمن فيدخل في مجموعة القصص التي تقدمه كممثل اكثر منه ملحن , لكنه لايتخلف عن كونه ملحن جاء الى السينما ليقدم عملا موسيقيا , فالتمثيل بالنسبة له اداة توصيل للحنه لاأكثر , ومع ذلك قدم قصصا قويه ( الخروج من الجنه ـ يوم بلاغد ) ويهدينا من خلالهما قصائد فوق الحانا كلاسيكيه مشحونة بالوقار
( اضنيتني بالهجر ــ يوم بلاغد ـ لا وعينيكي ) .
وبينما قدم لنا الحانا راقصه في (زمان ياحب ) نجده في فلم الوداع ( نغم في حياتي ) يقدم لحنا غاية في الشجن يعلن لكل محبيه انه يلملم حزنـــه ويرفع تحية الوداع

[سعود القويعي]

في القاهره وفي زمن الفن والعلاقات الطيبه بين اغلب الفنانين حضر الموسيقار الحفل الخيري الذي رعته السيده برلنتي العشري كما حضره لفيف من الفنانين منهم الشحروره صباح والسمراء مديحه يسري والعديد من رجالات المجتمع وسيداته والعاملين في الصحافه والسينما , واثنوا على روعة الموديلات ورخص الأسعار وشكروا القائمين على هذه الفكره ومنفذيها , وبخفة دم الموسيقار وكرمه ابدى خلال تجواله بالمعرض رغبته في شراء كل الفساتين , حبا في عمل الخير وتشجيعا لتلك الأنامل الحنون التي قدمت هذه الأزياء الحلوه , لكن السيده برلنتي ردت على الموسيقار ضاحكة ... مش كلها سيب شويه لغيرك .
ماأجملها من ايام واروعها من ذكريات .