* : اعمال غربية مقتبسة من عبد الوهاب (الكاتـب : أيمن مصطفى - - الوقت: 00h53 - التاريخ: 12/09/2025)           »          أصوات متفرقة (الكاتـب : د أنس البن - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 20h40 - التاريخ: 11/09/2025)           »          مديحة عبد الحليم (الكاتـب : الباشا - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 20h17 - التاريخ: 11/09/2025)           »          السيره الهلاليه بصوت الشاعر محمد اليمنى (الكاتـب : احمد عبدالهادى - آخر مشاركة : محمدابوضيف - - الوقت: 19h08 - التاريخ: 11/09/2025)           »          يوسف الرشيدي (الكاتـب : tarab - - الوقت: 18h15 - التاريخ: 11/09/2025)           »          أسطوانة " أغاني من اليمن" (الكاتـب : تيمورالجزائري - آخر مشاركة : ابن اليمن - - الوقت: 17h57 - التاريخ: 11/09/2025)           »          حفل غنائى من إذاعة الأغانى (الكاتـب : د.حسن - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 17h46 - التاريخ: 11/09/2025)           »          من تراث الموسقى اليمنيه (الكاتـب : هادي العمارتلي - آخر مشاركة : ابن اليمن - - الوقت: 17h37 - التاريخ: 11/09/2025)           »          فيصل علوي (الكاتـب : سيجمون - آخر مشاركة : ابن اليمن - - الوقت: 17h34 - التاريخ: 11/09/2025)           »          محمد حمود العوّامي (الكاتـب : Edriss - آخر مشاركة : ابن اليمن - - الوقت: 17h21 - التاريخ: 11/09/2025)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > صالون سماعي > ملتقى الشعر و الأدب > نتاج الأعضاء .. القصص والروايات

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #81  
قديم 01/03/2009, 18h36
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي

الأخت الصديقه عفاف سليمان
أشكرك على كلماتك الرقيقه وإطراؤك لشخصى الضعيف وحسن ظنك بى , والله يعلم أنى لم أكن أتصور يوما أن تلقى تلك الصفحات استحسانا من أحد , أما عن طبعها فأنا فى الحقيقة غير مهئ للتحرك نحو هذه الخطوه لما تحتاجه من مقدمات كثيره وموافقات منها موافقة الأزهر والمصنفات وغير ذلك , ولتعلمى أنى عندما شرعت فيها لم يكن فى ذهنى أن يطلع عليها أحد ولم أسع إلى ذلك أبدا , غير أن وجودى فى هذا البيت العامر بالأحباب.. سماعى , ربما تجرأت على أن أفعل ماظللت مترددا فيه أكثر من عشر سنوات , واهلا بك فى سماعى , ونكمل سيرة الإمام .....

__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h08
رد مع اقتباس
  #82  
قديم 03/03/2009, 12h37
الصورة الرمزية عفاف سليمان
عفاف سليمان عفاف سليمان غير متصل  
اخـتـكـم
رقم العضوية:384752
 
تاريخ التسجيل: February 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 1,424
Cool رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

د أنس
ارجوا أن تقبل منى هذا الدعاء لشخص حضرتكم الكريم
وأن كان غلط وضع هذا الدعاء لانه يحمل توقيع اسم موقع
فحضرتك احذفه
ولكن قصدت به
ان اشكرك حضرتك على مجهوداتك الجميله
وادعوا لحضرتك بالسعاده وان تتحفنا دائما بما هو جميل
لك كل التقدير والاحترام
عفاف
الصور المرفقة
نوع الملف: gif 4168[1].gif‏ (312.4 كيلوبايت, المشاهدات 56)
رد مع اقتباس
  #83  
قديم 04/03/2009, 18h06
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي

الأخت الصديقه عفاف سليمان
أشكرك على هديتك الغاليه النفيسه , نسأل الله تعالى أن ينفعنا والحاضرين بما فيها من طيب الدعاء وحلو الكلام , وأهلا بك مرة أخرى فى سماعى , ونكمل سيرة الإمام .....
::::::::::::::

__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h19
رد مع اقتباس
  #84  
قديم 04/03/2009, 18h06
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي

@ مضت الأحكام العادلة تتوالى تباعا والحقوق السليبة ترد لأصحابها واحدا بعد الآخر وانحلت عقدة ألسنة الخائفين وتكلم الصامتون . تشجع أصحاب المظالم المقهورين على تجديد دعاواهم بعد طول يأس واستكانة وتسليم بمقتضى الحال . ولأن نصف الرعية تكره الحاكم وتكيد له ذلك إن عدل , أثارت هذه الأحكام العادلة حفيظة وسخط تلك القلة القليلة من المبطلين المرجفين أعداء العدل وخصماء الحق والإنصاف . ومع أنهم شرذمة قليلون إلا أنهم كانوا أصحاب قوة وأولوا بأس شديد وسطوة , ولهم الكلمة النافذة على كل أهل البلدة الذين كانوا على كثرتهم , ضعفاء مغلوبين على أمرهم ..
شعروا أن الأمر قد ضاق عليها وأن دائرة سطوتهم فى طريقها للإنكماش والتصاغر . لم يعد فى مقدورهم أن يستمروا طويلا فى فرض ظلمهم وسطوتهم على عموم الناس , وانزوت تلك الهيبة التى اصطنعوها لأنفسهم زمنا باستعمال أساليب القهر والطغيان وإظهار الشدة والبأس ..
حاولوا مرة بعد مره أن يستميلوا قاضيهم بالمال وإغراءه بأكياس الدنانير الذهبيه أو يقدمون له الهدايا كما تعودوا من قبل مع أسلافه , كانت تلقى قبولا واستحسانا لدى بعضهم . إلا أنهم كانوا يرجعون كل مرة من عنده وخيبتهم تسبق خطواتهم , فالشافعى لم يكن من ذلك النوع الذى ينخدع أبدا لرنين الدنانير أو يبهر عينيه بريق الذهب . كل هذه المغريات ذهبت أدراج الرياح , لم تخضعه كما أخضعت من قبله واستعبدتهم حتى امتلأت جيوبهم وانتفخت بطونهم وأتخمت خزائنهم بالمال الحرام , بعد أن سمحوا لنفوسهم الضعيفة أن تقبله على أشلاء ضحايا القهر والظلم والباطل ..
علم أنها أعراضا زائفة لا قيمة لها مصيرها إلى زوال وفناء , أما قيم الأمانة والعدل والإنصاف فإنها باقية لا تزول , لهذا أحبه أهل نجران خاصة المستضعفين منهم ..
أخيرا قرر أعداء الحق والعدل أن يعقدوا اجتماعا فى دار كبيرهم , الوليد بن جبير صاحب حكاية أرض الثقفية المغصوبه . يتدبرون فيه أمرهم ويبحثون عن مكيدة يبعدون بها الشافعى عن طريقهم , أو وسيلة يخرجونه بها من ديارهم ما دام سلاح المال والذهب لم يجدى معه ..
وفى مجلسهم الماجن من حول قوارير الخمر وكؤوس الشراب , إقترح أحدهم أن يطلقوا من حوله شائعات مغرضه تقدح فى ذمته وأخلاقه . قال آخر بل نسلط عليه من يتربص له بليل ويوسعه ضربا لإرهابه وبث الخوف فى نفسه . واقترح آخر أن يقتلوه فيستريحوا منه إلى الأبد . إلا أن هذه المكائد كلها وغيرها لم تلق قبولا عند غالبيتهم , إلى أن قام صاحب الدار قائلا لهم وهو يبتسم ابتسامة صفراء ملؤها الخبث والدهاء ..............
ــ هل انتهيتم من عرض بضاعتكم أيها السكارى الأوغاد ؟. هذا كل ما فى جعبتكم مـن حيـل ومكائد ؟.
إنبرى أحدهم مستخفا .................
ــ هل لديك رأيا آخر يا سيد بنو عبد المدان ؟.
ــ أجل لدى .. أنا كفيل به .. دعوا أمره لى وانتظروا منى ما أنا فاعل به ..
نظروا إليه متسائلين فى دهشة حتى جاءهم صوته كثعبان يتلوى ...................
ــ أعرف المكيدة التى سوف تقضى عليه تماما وتريحنا منه للأبد ..
ــ هات ما عندك يا سيد بنو عبد المدان ..
ــ ما رأيكم فى سلمى , أم الدراهم ؟.
قالها كلمة كلمة وهو ينظر نظرات ماجنة عابثة إلى كأس الخمر الفارغة فى يمناه بينما كفه اليسرى تقبض على إحدى ثمار الفاكهة . يقذفها لأعلى ثم يتلقفها فى رتابة وملل مرة بعد أخرى . أخذوا ينظرون إليه وهم فى عجب من أمره منكرين عليه قوله ,إستأنف قائلا وابتسامته الصفراء لم تغادر شفتيه ...................
ــ أجل أم الدراهم بائعة الهوى , ألا تعرفونها ؟.
سأله أحدهم ساخرا ..............
ــ ماذا يا ابن جبير . إلى هذه الدرجة أفقدتك صوابك حكاية أرض الثقفيه . ما هذا الهراء الذى تقوله يا رجل , إنك ولابد تهذى , أين ذهب عقلك يا سيد بنو عبد المدان . هلا أخبرتنا بالله عليك ما علاقة امرأة ساقطة كأم الدراهم بالقاضى الشافعى ؟.
عقب آخر ساخرا ..............
ــ لعله علم أنها صاحبته ؟.
وقال آخر ..............
ــ أو ربما تكون رفيقته مثلا ونحن لا ندرى ؟.
وقال آخر ............
ــ إنه لا يخرج من داره إلا إلى المسجد أو قاصدا مجالس الفقهاء وأهل العلم ..
فأمن آخر على كلامه قائلا .................
ــ حقا يا ابن الحارث , إننى لم أر فى حياتى كلها أحدا محبا للمعرفة وعنده نهم للعلم كهذا القاضى المكى . إنه لا يدع أى مجلس من مجالس العلماء إلا ويرتاده ..
قال آخر .............
ــ أجل لا يكاد يفرغ من درس أبو أيوب مطرف بن مازن الصنعانى حتى يتوجه إلى حلقة يحي بن حسان ..
وقال آخر .............
ــ أو فى دار عمرو بن أبى مسلمه يدرس علوم الفراسة والطب إلى جانب علوم الدين ..
قال آخر معقبا .............
ــ لقد سمعته بنفسى وهو يقول ذات مره ... " علم الأديان الفقه وعلم الأبدان الطب " ..
قال ذلك ثم أردف ساخرا .........
ــ ويأتى صاحبنا ابن جبير , ويدعى إن سلمى أم الدراهم هى التى ستريحنا منه ..
رد آخر وهو يضحك عاليا ...........
ــ لعله رآه ذات ليلة خارجا من عندها ..
أخذوا يضحكون بصوت عال ضحكات ماجنة صاخبه وقد لعبت الخمر برؤوسهم واختلطت ضحكاتهم بعبارات السخرية والمجون التى أخذت تنطلق كالعفن من أفواههم ممزوجة برائحة الخمر , وصاحب المكيدة والمكر الكبار يحملق فيهم هازئا دون أن يرد عليهم أو يقاطعهم أو يشاركهم ضحكاتهم . كان يبدو واثقا من نفسه ورأيه حتى إذا فرغوا من تعليقاتهم الساخرة , قال فى ثقة وثبات ................
ــ هل فرغتم , أم لا يزال لديكم ما تقولونه ؟. إحتفظوا بتفاهاتكم هذه لأنفسكم فإنى أدرك ما أقول وأتحمل تبعة كل كلمة قلتها ..
قاطعه أحدهم فى عصبية ..............
ــ أية تبعة يا رجل ؟. تكلم كلاما يدخل العقل يا ابن جبير بدل أن تضيع وقتنا فى هذا الكلام الفارغ . يبدو أن الخمر قد لعبت برأسك . أية بغى تلك التى نعتمد عليها فى أمر مهم كهذا مع رجل عرضنا عليه آلاف الدنانير فأبى ؟. أتظن أنها من الممكن أن تغويه مثلا أو توقعه فى الخطيئه , أليس هذا هو ما ترمى إليه ؟.
نظر إليه مستهزءا وقال ...................
ــ هل انتهيت من كلامك أنت الآخر ؟. أجل هذه البغى التى تسخرون منها هى التى سوف تريحنا من هذا الشافعى . لكن ليس كما تظنون أو تتصورون , دعوا هذا الأمر لى وسترون غدا بأنفسكم ما أنا فاعل فى هذا القاضى المكى العنيد ..
أخذ يقول فى نفسه .......... سأجعله يدفع غاليا ثمن تحديه لى وإجبارى على رد الأرض للثقفيه وهدم ما أقمته عليها من بناء كلفنى الكثير من المال …………

@ وفى المساء تسلل متنكرا إلى دار بائعة الهوى وهو يتلفت حوله مخافة أن يراه أحدا من جيرانها حتى لا تنكشف المؤامره . داخل الدار جلسا وحدهما وأخذ يهمس لها بتفاصيل المؤامرة الدنيئة , ويلقنها الدور الحقير الذى سوف تقوم به فى الغد . لم ينس قبل أن يخرج من عندها وهو يفرك يديه فى سعادة وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة , أن يدس فى يدها صرة متخمة بالدنانير الصفراء ..
كانت أم الدراهم تسكن فى دار وحدها لا يعيش معها بين جدرانها إلا ابنتها سميه , فتاة بضة مليحة أكملت عامها العاشر من عمرها . مات أبوها بعد مولدها بعام واحد . كانت هذه المرأة على قدر كبير من الملاحة والحسن , تملك صوتا جميلا , بعد أن مات زوجها لم تجد وسيلة تتعيش منها , فاحترفت الرذيلة والبغاء واتخذت منها وسيلة لجمع المال الحرام إلى جانب بيع الخمور ..
وفى بيتها تعقد مجالس الأنس والشراب أحيانا , تغنى وترقص لروادها وفى آخر الليل تسلم جسدها لراغب اللذة الحرام نظير أجر معلوم . كانت على استعداد لأن تفعل أى شئ فى سبيل الحصول على المزيد من الدنانير والدراهم التى لم تكن تعشق فى الدنيا بعد ابنتها سواها , لذلك لقبها أهل نجران بأم الدراهم ..

@ وفى اليوم التالى وبينما القاضى الشافعى على رأس مجلس القضاء تعلوه سمات المهابة والوقار , والناس من حوله يرقبون فى صمت كل ما يدور داخل القاعة , والمتقاضون كل فى مكانهجالسون أمامه كأن على رؤوسهم الطير , لا يتكلم الواحد منهم إلا إذا بإذن أو إشارة منه . إذ سمعت جلبة شديدة وأصوات متفرقة خارج القاعة اختلط بعضها ببعض وامرأة تصرخ قائلة ...............
ــ دعونى أدخل إليه , دعونى أيها الناس , لم تحولون بينى وبينه . أين هذا القاضى المكى الذى تزعمون أنه قاض عادل أيـن هـو ؟.
كانت سلمى أم الدراهم , التى هجمت على مجلس القضاء فى صفاقة ورعونه وهى تصرخ فى غضب محموم بهذه الكلمات , والحراس يحاولون دفعها خارج القاعة دون جدوى حتى إذا انتهت رغما عنهم إلى حيث يجلس الشافعى قال لها بعد أن أمر الحراس أن يتركوها وشأنها .....................
ــ نعم يا أمة الله , مالك تصرخين هكذا , أنا القاضى ماذا تريدين ؟.
نظرت إليه نظرة غاضبة متحفزة دون أن ترد عليه والشرر يتطاير من عينيها , ثم مدت يدها فى جيبها , أخرجت منه بضعة دنانير صفراء, ألقت بها إليه قائلة بفظاظة مفتعله ....
ــ أعرف أنك القاضى , أنسيتنى , أنسيت أم سلمى , أم الدراهم ؟! خذ ..
سألها متعجبا ................
ــ ما هذا ؟.
ردت فى سخرية وفى عينيها نظرة وقحة تعودت عليها فلم تبد غريبة منها ........
ــ أنظر جيدا دقق النظر , ربما تتذكر , ألا زلت لا تعرف ما هذا ؟.
ــ إنها دنانير ..
ــ ألم تر هذه الدنانير من قبل أيها القاضى ؟.
ــ لم أفهم بعد ماذا تقصدين بسؤالك , هلا أفصحتى أيتها المرأه ؟.
ــ إنها مزيفه .
ــ وما شأنى بها إن كانت مزيفة أم غير ذلك ؟.
نظرت للحاضرين وصرخت قائلة ............
ــ القاضى يقول ما شأنى بها , أهذا كلام يقوله قاض يدعى أنه يحكم بالعدل والإنصاف ؟. يا قاضى نجران المبجل أنسيت ما كان منك بالأمس ؟. الدنانير التى أعطيتها لى بالأمس . أهكذا تنسى ما اشتريته منى , أقول لهؤلاء الناس ما كان من أمرك بالأمس فى دارى , بل كل يوم , أم تذكرت ؟.
إمتقع وجه الشافعى وهو يسألها ............
ــ أى دار تلك التى تتحدثين عنها يا امرأه , وما حكاية هذه الدنانير المزيفه الذى تزعمين أنى أعطيتك إياها ؟.
علا صوتها وزادت وقاحتها قائلة .............
ــ أنظروا أنتم أيها الناس واحكموا بينى وبينه . القاضىجاءنى بالأمس متخفيا كعادته واشترى منى ما يشتريه كل يوم من نبيذ وشراب وأعطانى خمسة دنانير , وبعد أن مضى لحال سبيله إكتشفت زيفها . من يرض منكم بهذا ؟.
ما كادت تنتهى من كلامها حتى ساد القاعة صمت عميق كصمت الموت . حبس القوم أنفاسهم وصوبوا أبصارهم إلى قاضيهم فى انتظار ما سيقوله وقد عقدت الدهشة ألسنتهم من هول وبشاعة ما سمعوا . ويالبشاعة ما سمعوا كبرت كلمة هى قائلتها . قاضيهم الورع التقى النقى تتجرأ عليه امرأة ساقطة فاجرة كهذه وتلقى فى وجهه بتلك التهمة الشنعاء . تلقيها هكذا فى قحة وجرأة , تتهمه أنه تسلل فى جنح الليل إلى دارها المشبوهة واشترى منها ما هو رجس من عمل الشيطان , شرابا حرمه الله فى كتابه العزيز وأمر باجتنابه وهو أعلى وأشد درجات التحريم , لم يحرم شربه فحسب وهو الأساس , لكنه حرم على الإنسان حتى ملامستها أوالجلوس فى مجالس شربها حتى لو لم يشارك فى تعاطيها. أى مصيبة تلك التى ابتلى بها الله أسماعهم . لم يصدقوا أنفسهم فى بداية الأمر وهم يستمعون لهذا الإتهام البشع يقتحم آذانهم ..
كانوا يتوقعون أن يثور الشافعى ويثأر لنفسه ولمكانته ويأمر بحبس هذه المرأة وتعزيرها بعدما أسفرت عن وجهها القبيح , وسمحت لنفسها أن تدنس ساحة القضاء بهذه الجرأة لتلقى جزاء وقاحتها وتطاولها على قاضى البلاد , وافترائها بالباطل عليه وهو يعتلى منصة القضاء المقدسه أو طردها . ذلك أضعف الإيمان بعد أن يستنكر هذه التهمة الشنيعة ويدفع عن نفسه تلك الفريـة الباطلـه . لكنه تمالك نفسه وكظم غيظه وتحلى برداء الحلم , حتى أنه أشار لكاتبه زيد إشارة حازمة أن يلتزم مكانه , لما رآه ينتفض واقفا مكانه متحفزا ليفتك بها والشرر يتطاير من عينيه . جلس زيد رغما عنه وهو يتميز من الغيظ يكاد أن يفترسها بعينيه الغاضبتين , ولم يكد يفعل حتى فوجئبصاعقة تنزل فوق رأسه وهو يسمع الشافعى يسألها فى هدوء وثقة ............
ــ أهى دنانير مزيفة حقيقة ؟.
ردت ساخرة فى الوقت الذى كان يتظاهر فيه أنه يتفحصها فى يده ............
ــ أجل مزيفه , ألم ترها بعينى رأسك ؟.
ــ وتريدين غيرها , أليس كذلك ؟.
قالها وهو يمد يده فى جيبه , لتخرج وفيها بعضا من الدنانير, ناولها لها وهو يردف مبتسما .......
ــ لا تغضبى يا أمة الله , إليك هذه الدنانير الصحيحه , أرضيـت يا امـرأه ؟.
ثم أخذ يتمتم فى سره ..........
ــ وأفوض أمرى إلى الله ..
لم يكن ذهول المرأة بأقل من ذهول القوم . إرتج عليها ولم تدر ما تقول , بعد أن سكب الشافعى على جذوة نيران غضبها المتأججة بكلماته الهادئة الواثقة المتأنية ,سيلا من الماء البارد ..................
لقد أعدت نفسها لردود فعل خلاف ذلك ولم تكن تتوقع هذه الإجابة الصماء التى أغلقت عليها باب الجدل والنقاش وهو ما كانت تريده وتتمناه . كانت تتوقع مثلا أن ينتفض ثائرا أو يقوم بطردها أو يحاول دفع هذه التهمة الشنعاء عن نفسه . أن يفعل أى شئ يعطيها الفرصة أن تحاوره وتجادله وتسخر منه أمام القوم وهو ما اتفقت عليه مع صاحبها بالأمس . وكان الشافعى من جهته قد أدرك أن وراء هذه المرأة مؤامرة دبرت بليل وأنه يختار بين أمور أحلاها مر . إن حاول طردها أو حاول دفع هذه التهمة عن نفسه ستنال منه لا محالة وهى امرأة ساقطة مأجوره . والصمت أيضا من جانبه لن يزيدها إلا عنادا وافتراء ..
وفى لحظة خاطفة مرت عليه كأنها دهر إختار الشافعى أن يقطع عليها باب الحوار والجدل وفى الوقت نفسه يكل أمرها إلى الله تعالى وهو يعلم يقينا أنه معه وأنه لن يضيعه أبدا . لقد حفظ ووعى فى طفولته عندما كان يتردد على كتاب الشيخ إسماعيل , قوله تعالى فى سورة الحج [ إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ] ..
خرس لسانها ولم تجد ما تقوله أو تعقب به , بعد أن أعطاها ما ادعت أنه حقها . وضعت الدينار فى جيبها وهى تنظر إليه فى غيظ وحنق , ثم استدارت خارج القاعة والشرر يتطاير من عينيها . نظر القوم لقاضيهم والدهشة لا زالت تعقد ألسنتهم متوسلين إليه بعيونهم أن يفعل شيئا أو يقول كلمة لهم , يريح بها قلوبهم ويطفئ بها تلك النيران التى أججتها فى صدورهم كلمات هذه البغى الحمقاء . لكنه لم يفعل بل التزم الصمت وأسلم وجهه لله . أمام هذا الصمت الذى خيم على قاضيهم والذى لم يدركوا مغزاه لم يجد القوم أمامهم إلا أن يغادروا قاعة القضاء واحدا إثر الآخر , وهم يضربون كفا بكف أن خاب ظنهم فى هذا القاضى الذى كان قدوتهم . لقد تحقق العدل على يديه فذاقوا حلاوته بعد أن تجرعوا كؤوس الظلم والهوان سنين عددا ..
إلا زيد أكثر القوم إيمانا بالشافعى وثقة فى تقواه وطهارته , جلس مكانه مطرقا ذاهلا وهو يضع كفيه على مقدم رأسه , غير قادر على استيعاب ما يدور من حوله . بينما المتآمرون من مكانهم يرقبون فى فرحة تتابع الأحداث وهم مندسون بين الناس وعلامات التشفى والشماتة على وجوههم . لكن فرحتهم وشماتتهم لم تدم إلا لحظات معدودات . أجل إن هى إلا لحظات قليلة حتى فرج الله كربة القوم جاءت الإجابة التى كان القوم ينتظرونها من قاضيهم وهم على أحر من الجمر . لكنها لم تأت منه ولكن أتى الجواب من الله تعالى ولقد خاب من افترى . فبينما المتآمرون على باب الدار يهنئون أنفسهم على نجاح خطة كبيرهم فى تلويث سمعة قاضيهم المبجل وإظهاره أمام الناس فى صورة زئر النساء وشارب الخمر . إذا بهم يرون على البعد شابا يعدو وهو يصرخ بصوت متقطع من الفزع والتعب والغبار يثور من حوله متجها ناحية المرأة لاهثا .............
ــ يا أم الدراهم , يا أم الدراهم , أين أنت يا امرأه . لقد شبت النار فى دارك منذ قليل وأتت على كل ما فيها ومن فيها ..
الله أكبر ما أسرع انتقام السماء حدثت المعجزه وأجاب الله تعالى بدلا من عبده . ها هى المرأة تصرخ مولولة وهى تلطم خديها وسط هذا الجمع الذى كانت تتشدق أمامه منذ لحظات قليلة بالباطل وحديـث الإفك ..
ــ رحماك يارب النار شبت فى دارى . إبنتى إبنتى تركتها نائمة فى الدار . هلكت ابنتى يا ويلى , ذنب القاضى , أنا ظلمته , ظلمت القاضى ...................
ظلت هذه الواقعة الغريبة حديث اليمن كلها لأيام طويله زاد حب الناس خلالها للشافعى وزاد تقديرهم له , بعد أن أظهر الله تعالى براءة ساحته من هذه الفرية الدنيئه أمام الناس جميعا وطهارة ذيله ونقاء سريرته , وتعدت شهرته من نجران إلى سائر بلاد اليمن الأخرى . وكانت أم الدراهم قد أعلنت توبتها من ممارسة الرذيلة بعد هذه الفاجعه التى فقدت فيها ابنتها وفقدت دارها وما تدخره فيها من متاع ومال حرام . رجعت إلى الله نادمة على ما فعلت من آثام راجية منه تعالى أن يغفر لها ما تقدم من ذنوبها بعد أن حكت تفاصيل المؤامرة لأهل نجران وفضحت هؤلاء المتآمرين على الملأ وهى تخطو خطوتها الأولى فى طريق التكفير عن ذنوبها ..
لكن أبت الليالى أن تدع الشافعى ينعم براحة البال بين كتبه وعلومه التى كان يجد فيها سلوته وسعادته . كان ريب المنون له بالمرصاد وكانت المحنة الكبرى التى غيرت مسار حياته ووضعته رغما عنه فى بؤرة الأحداث ومركز دائرة الضوء ..

يتبع.. إن شاء الله ............................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h24
رد مع اقتباس
  #85  
قديم 04/03/2009, 18h06
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي

183 هـجـريه .. أميــر اليـمـن

@ جلس الشافعى أمام عتبة داره تحت شجرة عتيقة ضخمة وارفة الظلال يتأمل وحده قرص الشمس الأصفر الذهبى وهى تميل إلى مغربها كأنها غريق فى بحر الأفق يبتلعه شيئا فشيئا , ويرقب الليل وهو يرخى أستاره الداكنة على أرجاء المكان رويدا رويدا ..
كان منظر غروب الشمس فى غموضه وروعته حافزا له كى يستعرض تاريخ السنوات التى غربت من عمره كهذا القرص الأصفر من الشمس , مذ كان طفلا صغيرا يخطو خطواته الأولى على أرض مكة الطاهره بعد رحيله مع أمه وجده من ديار غزه . تلك البلاد التى عاش فيها أيام عمره الأولى وليدا فى المهد ولم ينطبع فى ذاكرته أى شئ عنها ..
كثيرا ما حدثته أمه عنها وعن أهلها الطيبين , كيف عاشت بينهم فيها عشر سنوات مع أبيه الراحل قبل أن يرزقا به وترى عيناه نور الدنيا . كم حدثته عن أرضها وترابها الذى يضم رفات أبيه إدريس وجده هاشم بن عبد مناف . سرح بخياله بعيدا حتى غمره الشوق والوجد , أخذ يحدث نفسه مرتجلا فى شجن ولوعة وكأنه يرثى أباه الراحل :
وإنى لمشتاق إلى أرض غـزة .. وإن فاتنى بعـد التفـرق كتمانى ..
سقى الله أرضا لو ظفرت بتربها .. كحلت بها من شدة الشوق أجفانى ..
ثم طافت فى مخيلته صورة كتاب الشيخ إسماعيل فى ساحة الحرم العامره حيث استظهر القرآن فى صباه . تذكر هناك صديقه العراقى الفضل بن الربيع وما كان من أمره معه وقتئذ , إلى أن لقيه منذ سنوات قليلة فى المدينة بعد أن صار وزيرا فى بلاط الرشيد ..
تذكر البادية ومقامه فيها سنوات صباه بين الهذيليين , يستمع إلى أشعارهم وآدابهم فتنطبع فى ذاكرته انطباعا . كيف عاد من عندهم وقد أفاد فصاحة وأدبا وصار بفضلهم , آخذا بناصية اللغة العربية فى أصالتها ونقائها , وما تعلمه عندهم من فنون القتال والرماية والعدو ..
تذكر ذلك المكان الذى اتخذه مجلسا فى ساحة الكعبة عاما كاملا , يحدث الناس فيه عن حكايات العرب وأشعارهم وآدابهم وبطولاتهم , إلى أن لقى الأصمعى عالم اللغة العربية وأستاذها الأكبر . ثم لقاءه الروحانى مع الشيخ الورع الزاهد الفضيل بن عياض صاحب الكرامات , الذى رآه فى المنام طيف خيال قبل أن يراه فى اليقظة واقعا ولم يكن له به معرفه من قبل . تذكر كلماته المنورة التى دفعته دفعا لاستكمال رحلة العلم والمعرفه ..
ثم طافت على مخيلته رحلته إلى المدينة المنوره وجلوسه إلى إمامها مالك بن أنس , وحلقته العامرة التى نهل منها الكثير , وصديقه الوفى القادم من أرض مصر عبد الله بن عبد الحكم . تعارفت روحاهما وائتلفتا حتى أن كل واحد منهما كان كأنه مرآة للآخر فى خصاله وأخلاقه . وبعد ذلك رحلته إلى اليمن , وما كان من أمر تلك المرأة التى افترت عليه بالباطل والبهتان بتحريض من خصومه . أخذ يتمتم داعيا ربه أن يسامحها ويسامحهم ..
أخيرا علت شفتيه إبتسامة عريضة وهو يتذكر ما جرى له منذ بضعة أشهر مع ذلك الرجل الفظ , الذى لقيه وهو فى طريقه إلى مكة لزيارة أمه , كانت تقيم عند خاله على فى ذى طوى . أول زيارة يقوم بها إليها بعد توليه قضاء نجران ..
وحكايته أن الشافعى وكان يرافقه فى رحلته غلاما يقوم على خدمته , لما أدركه التعب وأخذ منه الجهد مأخذا عظيما وهو فى طريقه الطويل , تمنى فى تلك الساعة أن لو استطاع أن يضع جنبيه على أى فراش ويستريح ليلته تلك قبل أن يواصل رحلة السفر . أخيرا شاهد على البعد دارا تقع وحيدة على مشارف إحدى القرى . حمد الله وهو يتنفس الصعداء أن وجد أخيرا مكانا يريح فيه بدنه المتعب بين جدرانه الأربعـه ..
إقترب من الدار ثم نزل من فوق دابته قاصدا صاحبها راجيا أن يضيفه هذه الليله . فإذا هو برجل أزرق العينين ناتئ الجبهة لم ينبت له شعر فى وجهه البته كان واقفا بفناء الدار . رآه الشافعى على البعد فقال فى نفسه ............. علم الفراسة يقول , هذا الرجل فيه خبث شديد , وقسماته تدل على وضاعة وخسه ..
وكان الشافعى قد درس علوم الفراسة فى اليمن على يد عالمها عمرو بن مسلمه , وهو علم يكشف ما يخفيه الإنسان فى باطن جسمه المادى من عادات وما يكتمه من طبائع مكتسبة أو موروثه . كانت نظرة فاحصة منه إلى وجه أى إنسان تجعله يقرأ فى ملامحه على الفور طباعه وأخلاقه وصنعته .. من ذلك مثلا أنه أثناء جلوسه مع أحد أصحابه إذ مر بهما رجل سأله جليسه أن يحزر صنعته . تفرس فيه الشافعى وقال له ........
ــ هذا الرجل إما أن يكون نجارا أو خياطا ..
فقام صاحبه إلى الرجل يسأله عن صنعته فقال له ..............
ــ كنت نجارا وأنا اليوم خياط .
هذه واحدة من نوادر الشافعى فى الفراسه وله فيها نوادر كثيرة منها حكاية هذا الرجل صاحب الدار .. أسلم أمره لله وتقدم على مضض ناحية الرجل ومن خلفه غلامه الذى يقوم على خدمته . خاطبه قائلا بعد أن ألقى عليه السلام .......
ــ هل من مكان أبيت فيه ليلتى أنا وغلامى هذا يا أخا العرب ؟.
فوجئ الشافعى بالرجل يبالغ فى الترحيب به قائلا .............
ــ أجل عندى مكان طيب بالداخل فيه من كل شئ تبغيه . تفضل أيها الغريب على الرحب والسعه كأنك فى دارك تماما وبين أهلك ..
ــ ودابتى تلك ؟.
ــ لا تحمل همها, تبيت مع دوابى فى الحظيرة المقامة خلف هذه الدار , تأكل من علفهم وتشرب من مائهم ..
دخل الشافعى دار الرجل على استحياء وهو يلوم نفسه شاعرا بالخجل من سوء ظنه به , وزاد عجبه أكثر عندما فوجئ بالرجل يدخل عليه بألوان الطعام والشراب والطيب ..

ظل الشافعى طوال الليل يحدث نفسه
وهو يتقلب فى فراشه منتظرا بفارغ الصبر طلوع النهار....... علم الفراسة الذى تعلمته فى اليمن دل على غاية دناءة هذا الرجل , وأنا لم أشاهد منه إلا كل خصال الخير والكرم . هذا العلم إذن باطل , أجل باطل , لا حول ولا قوة إلا بالله , ليتنى ما أسأت الظن به , ليتنى ما أوقعت نفسى فى هذا الذنب الكبير , سأصارحه فى الصباح بكل شئ أجل وسأطلب منه الصفح والسماح لعل الله عز وجل يغفر لى ويسامحنى ما جنيته على نفسى من إثم من سوء ظنى به ..

مكث الشافعى طوال الليل يؤنب نفسه ويلومها على سوء ظنه بالرجل الذى أدى واجب الضيافة على خير وجه , وفى اليوم التالى قام من نومه مبكرا وهو لا يزال مستاء من نفسه , لواما لها على خطئه فى حق مضيفه . أمر غلامه أن يسرج الدابة وأن يستعد لإكمال الرحلة , ثم نادى على صاحب الدار قائلا له وهو يهم بركوب دابته ...........
ــ أستودعك الله يا أخى ..
قاطعه مستنكرا فى دهشة لم يدر لها الشافعى سببا ...........
ــ إلى أين أنت ذاهب أنت وغلامك هكذا ؟.
ظن الشافعى أن الرجل يسأله عن بلده فأجابه فى براءة قائلا ...............
ــ ذاهب إلى مكه لزيارة أهلى , ليتك إذا نزلت بها ومررت بذى طوى أن تسأل عن دار محمد بن إدريس , لعلى حينئذ أستطيع رد جميل طوقت به عنقى . أود أن أخبرك عن مسألة أخرى ..........
كان بصدد أن يخبره عن سوء ظنه به طالبا منه أن يعفو عنه وأن يستحله من ذنبه , غير أنه فوجئ بالرجل يقاطعه صارخا فى وجهه فى غلظة وفظاظة وجفاء ...............
ــ أى كلام فارغ هذا الذى تقوله يا رجل . أمولى أبيك أنا ؟.
فزع الشافعى من لهجته فسأله وهو فى دهشة من أمره ...............
ــ خيرا يا أخا العرب . ما الذى أغضبك منى كل هذا الغضب ؟.
ــ أين ثمن الذى تكلفت لك البارحه ؟.
ــ عن أى شئ تسأل ؟.
ــ إشتريت لك بدرهمين طعاما وبأربعة دراهم إداما وطيبا بدرهم وعلفا لدابتك بدرهم ..
إلتفت الشافعى لغلامه قائلا .................
ــ أعطه يا غلام , هل بقى لك شئ فـى ذمـتى ؟.
ــ نعم كراء الدار والفراش واللحاف , لقد وسعت عليك وضيقت على نفسى ..
ــ بكم هذا ؟.
ــ خمسة دراهم .. إيه ؟! كثير على مثلى ؟.
ــ لا أبدا , ليس بكثير , أعطه يا غلام ..
قالها الشافعى وهو يتنفس الصعداء متمتما فى سره ...... أخزاك الله أيها الرجل ما رأيت شرا منك . الحمد لله أن صدق ظنى فيك ولم أتجن عليك , ما أصدق علم الفراسه ……
ذكريات كثيرة تزاحمت أمام عينيه , إلا أنها سرعان ما تلاشت كسحابة صيف وهو واقف فى مكانه ينظر إلى الأفق البعيد حتى غابت الشمس فى مغربها . لم يقطع عليه رحلة الذكريات على تتابعها إلا رؤيته لشبح قادم من بعيد . ظل يدقق النظر إليه ليتبين ملامحه حتى إذا صار قريبا منه عرفه , إنه كاتبه زيد بن عيسى ..
تعجب الشافعى من قدومه إليه فى ذلك الوقت الذى لم يتعود المجئ له فيه . كان له نظاما ثابتا فى عمله , يأتى مبكرا فى الصباح إلى دار القضاء ويظل ملازما للشافعى إلى أن يصلى صلاة الظهر , ثم يعكف على القضايا يدونها ويبوبها فى كراسة معه . بعد أن ينتهى من عمله يعود مرة ثانية إلى داره , ولا يرجع إلى عمله إلا فى صبيحة اليوم التالـى ..
لهذا كان عجب الشافعى من حضوره فى هذا الوقت المتأخر من اليوم على غير المألوف . كان يمشى فى خطوات متقاربة سريعة أقرب للعدو منها إلى السير . أمهله إلى أن التقط أنفاسه ثم سأله عن سبب قدومه المفاجئ فى هذا الوقت . مد يده فى جيبه دون أن يرد على سؤاله وأخرج لفافة ناولها إليه قائلا ..........
ــ هاك يا سيدى ما جاء بى ..
أخذها منه وقبل أن يفتحها سأله ..........
ــ ما هذه اللفافه ؟.
ــ بداخلها رسالة يا سيدى القاضى ؟.
ــ رسالة . ممن ؟. وما سبب حرصك على أن تأتى بها إلى فى هذه الساعه ؟.
ــ إنها رسالة أتى بها البريد من لدن قاضى القضاه مصعب بن عبد الله القرشى .. وقد أكد على رجل البريد أن أسلمها لك الليله ..
نظر إليه مستفسرا فأردف قائلا ...........
ــ تلك أوامر قاضى قضاة اليمن ..
فتح الشافعى الرسالة متوجسا ومر بعينيه على سطورها . كان لا يزال فى النهار خيط من الضوء يسمح له بقراءتها , بينما كاتبه ينظر إليه متلهفا لمعرفة ما جاء فيها وأخيرا طواها وراح فى تفكير عميق دون أن يتفوه بكلمة واحده . لما طال صمته تقدم كاتبه بضع خطوات ناحيته ثم سأله على استحياء .............
ــ خيرا يا سيدى القاضى مالى أراك مهموما ؟.
ــ لا شئ يا زيد , لا شئ ..
ــ سيدى هل تحمل هذه الرسالة أخبارا ......
قاطعه الشافعى قائلا ...........
ــ لا شئ يا زيد , لا شئ هاك الرساله ..
مد يده وطفق يمر على الرسالة بعينيه إلى أن فرغ منها نظر للشافعى قائلا .............
ــ حقا لا شئ فيها , إنها تحمل أسماء الأمراء الجدد الذين ولاهم أمير المؤمنين , وأن أمير اليمن قد نقل إلى مصر , وتولى بدلا منه واحد إسمه , إسمه ..
عاد وفتح الرسالة مرة ثانيه وأخذ يمر على سطورها ثم قال ...............
ــ وتولى أمر اليمن الأمير حماد بن عبد الله البربرى ..
رفع رأسه عن الرسالة وعاد يسأل ..............
ــ إنها أول مرة أسمع بهذا الإسم , يبدو أنه لك سابق معرفة بهذا الرجل يا سيدى ؟.
أجابه عابسا فى كلمات مقتضبة ...........
ــ أجل أجل أعرفه ..
قالها وغص بريقه ثم استدار داخلا داره بعد أن سلم على زيد مودعا ..

فى داخل الدار ألقى الشافعى بجسده المتعب المكدود على أقرب وسادة إليه , وراح يقلب وحده فى رأسه ما جاء فى رسالة قاضى القضاه . لم تكن بالقطع مصادفة أن يتولى أمر اليمن على وجه الخصوص , حماد البربرى زميل الحلقة المالكيه وغريمه الذى يناصبه العداء مذ كانا فى المدينه . نسى الشافعى أمره تماما ولم يعد يذكره إلا أن غريمه له بالمرصاد ويبدو أنه لم ينس بعد ما كان بينهما , يبدو أن الحقد لا يزال معششا داخل صدره . وها هو قد جاء إلى اليمن ليواصل رحلة الإنتقام منه . نعم من المؤكد أنه تعمد المجئ إلى اليمن بعد أن فشل قبل ذلك فى محاولاته الإنتقامية السابقه . لم يخرجه من أفكاره وهواجسه إلا صراخ ولده وأنينه المتواصل وهو يقرع أذنيه فى إلحاح . ترك ما كان فيه وانتبه لصراخ وليده وهو يحدث نفسه ............. ما كل هذا الصراخ والأنين , ما الذى دهاه يا ترى ؟.
كان ولده محمد قد دخل فى عامه الثالث , أول أبنائه من امرأته حميده وضعته بعد ستة أشهر من مقامهما باليمن , سماه محمدا على إسمه وكناه أبا عثمان تبركا بجده لأمه عثمان بن عفان . رفع رأسه ونادى على زوجته التى أتته مهرولة رغم معاناتها من حملها الثانى وسألها ..............
ــ ما بال أبى عثمان يصرخ صراخا متواصلا ؟.
أجابت قائلة وهى تحتضن صغيرها وتضمه فى حنان إلى صدرها وتهزه فى رفق هزات رتيبة متتابعه فى محاولة منها لتهدئته وإيقاف بكائه .............
ــ إنه على تلك الحال منذ البارحة لم يهدأ بكاؤه أبدا , لا أدرى ما الذى دهاه . ربما يعانى من بعض متاعب فى بطنه ..
هز الشافعى رأسه مفكرا ثم أشار إليها أن تقترب بوليدها منه . أخذ يمرر يده فى خفة على بطنه ثم نظر فى فمه وأخيرا قام من مكانه وأحضر بضع لفافات من خزانته وأخرج منها بعض الأعشاب . ناولها لامرأته قائلا لها وهو ينتزع ابتسامة باهتة من بين شفتيه رغم ما يعانيه من مرارة من رسالة قاضى القضاه وتوجسه من هذا الأمير القادم للبلاد ............
ــ لا تجزعى يا عثمانيه إنها آلام الأسنان , الولد بخير , إحدى أسنانه الجديدة فى طريقها للظهور . أنت تدركين طبعا ما يسببه بروز الأسنان من آلام ومتاعب إنها ليست أول مره ..
ــ ماذا أصنع بتلك الأعشاب ؟.
ــ ضعيها فى كوب من الماء واتركيها لتغلى على النار ثم اسقيه منها بضع رشفات بعد أن تبرد , لسوف يهدأ بعدها إن شاء الله ويكف عن بكائه هذا ..
كان الشافعى قد برع فى فنون الطب ومداواة الأبدان بعد أن تعلم فى الحولين الماضيين الكثير من علومه على يد علماء اليمن , وقرأ الكثير مما كتبه علماء الطب على اختلاف أجناسهم . كان يتلهف ويتحسر على ما ضيع المسلمون من عدم إقبالهم على هذا اللون من العلوم والمعارف , كثيـرا ما كـان يقـول " إثنان أغفلهما الناس الطب والعربيه " والطب فى رأى الشافعى يعدل ثلث العلم ..
مدت يدها فى لهفة , تناولت منه الأعشاب , وضعت ولدها جانبا وراحت تعد له الدواء فى همة وهى تقول ................
ــ الحمد لله أنك تحتفظ فى خزانتك بهذه الأعشاب النافعه . لقد أفدت كثيرا من دروس الطب هنا باليمن ..
إلتفت إليها متسائلا وقد بدا شاردا ............
ــ عفوا يا عثمانيه , ماذا قلت الآن لم أسمعك جيدا ؟.
توقفت لحظات عن تقليب الأعشاب ثم رفعت رأسها إليه متسائلة ............
ــ ماذا ألم بك يا أبا محمد .. أراك شاردا على غير عادتك ؟.
ــ صدقت يا عثمانيه تلك هى الحقيقه ..
ــ رأيت زيدا عندك منذ قليل هل أتى إليك بما يسوؤك من أخبار ؟.
سكت برهة ثم قال متباطئا ..............
ــهل تذكرين ذلك الرجل العراقى الذى قصصت حكايته عليك ذات مرة , وما كان من أمره معى فى يثرب قبل زواجنا ..
ــ من تعنى بكلامك هذا يا ترى وما خطبه ؟.
ــ حماد البربرى زميل الحلقة المالكيه ..
ــ حماد البربرى . آه تذكرته ما شأنه الآن . ألم تخبرنى أيامها أنه رجع إلى العراق بعد أن أجبره الإمام مالك على مغادرة المدينة مطرودا منها شر طردة , عندما علم بما فعله معك من ضرب وإيذاء ثم انقطعت أخباره بعد ذلك ..
ــ تماما هذا ما حدث , وذهبت إليه بعدها مع محمد بن الحسن رغم ما فعله معى وحاولت فى هذا اللقاء أن أطيب خاطره وأن أستميله إلى . لكن هيهات أبى واستكبر أن يضع يده فى يدى ..
ــ ما الذى جد فى الأمر إذن ؟.
ــ وصلنى اليوم كتاب من قاضى القضاه يعرفنى فيه أن أمير المؤمنين هارون الرشيد ولاه الإماره ..
ــ أى إماره ؟.
ــ إمارة اليمن ..
ــ من تقصد . حماد البربرى ؟.
ــ أجل هو بعينه حماد البربرى ليس هذا فحسب . بل طلب منى فى نهاية رسالته أن أتوجه إلى دار القضاء فى صنعاء ..
ــ لماذا ؟.
ــ لنذهب جميعا نحن قضاة أقاليم اليمن لتهنئته وتحيته ..
ــ وماذا أنت فاعل هل ستذهب للقائه ؟.
ــ لا أعرف يا حميده لم أقرر بعد ما سوف أفعله ..
ــ ما الذى تخشاه منه لقد مضى أكثر من عامين على ما كان منه معك فى المدينه وأظنها مدة كافية لنسيان مثل هذه الأمور ؟.
ــ لا أظن ذلك ياحميده لا أظن وما أحسب توليه إمارة اليمن من قبيل المصادفه ..
صمت برهة وقال ............
ــ يا حميده .... لا تأمنن امرءا أسكنت مهجته .. غيظا وإن قلت إن الغيظ يندمل ..
ــ تعنى أنه سعى إلى المجئ إلى هنا متعمدا كى ينتقم منك لا . لا أوافقك على هذا الظن أبدا . لقد مر وقت طويل على ما كان بينكما ولا أظن مثل هذه الأمور التى جرت فى المدينة تدفعه لأن يفعل كل هذا لكى ينتقم منك ..
ــ أتمنى أن يصدق ظنك يا عثمانيه , لكن هيهات , أنا أعلم جيدا حقيقة نوايا هذا الرجل وخبث طويته . إنه إنسان مريض النفس ملأ الحسد والحقد قلبه . حاولت مرات أن أداريه أو أتجنبه دون جدوى . باءت جميع محاولاتى بالفشل ..
قال ذلك ثم سكت برهة وقام من مكانه وهو يقول محدثا نفسه ............
داريت كل الناس لكن حاسدى .. مداراته عزت وعز منالها ..
وكيف يدارى المرء حاسد نعمة .. إذا كان لا يرضيه إلا زوالها ..

يتبع.. إن شاء الله ............................

__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 16h30
رد مع اقتباس
  #86  
قديم 06/03/2009, 00h47
الصورة الرمزية عفاف سليمان
عفاف سليمان عفاف سليمان غير متصل  
اخـتـكـم
رقم العضوية:384752
 
تاريخ التسجيل: February 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 1,424
Thumbs up رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

صباح الخير يا د أنس
ننتظر المزيد من القصه بفارغ الصبر
ارنا كيف الله ساعده فى هذه المحنه المدبره اعانه الله عليها
ودائما أصحاب السؤ يجمعهم فى لقاء الخمر والرزيله او مجلس الشر يجمعهم الشيطان
والعياذ بالله ....اما مجلس الخير والعلم فتجتمع عليه الملائكه
واكيد من يعمل فى طاعه الله ويحاول ان ينشر العدل وارجاع حقوق الغير
يكون بجانبه الله
لك منى كل التقدير والاحترام
وننتظر البقيه
اعانك الله
ابنتك الروحيه
عفاف
رد مع اقتباس
  #87  
قديم 08/03/2009, 08h18
الصورة الرمزية عفاف سليمان
عفاف سليمان عفاف سليمان غير متصل  
اخـتـكـم
رقم العضوية:384752
 
تاريخ التسجيل: February 2009
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 1,424
Thumbs up رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

صباح الفل يا دكتورنا أنس
الحمد لله ربنا خلصه من مكيده الشيطان
من كان طريقه الى الله.....فالله خير حافظا
وياترى هيعمل ايه مع المضيف الذى استضافه
انتظر الباقى يا دكتورنا الجميل
لك منى وللجميع ولست الكل استاذتنا ناهد
كل الود والاحترام
اختكم عفاف
رد مع اقتباس
  #88  
قديم 10/03/2009, 11h25
الصورة الرمزية يوسف أبوسالم
يوسف أبوسالم يوسف أبوسالم غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:47645
 
تاريخ التسجيل: July 2007
الجنسية: أردنية
الإقامة: الأردن
المشاركات: 241
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

أخي الكبير
والمبدع الأكبر
د.أنس البن
مساء الريحان

أهم ما لفت نظري بعد تصفحي الأولي لهذا التحقيق عن سيرة الشيخ الجليل الشافعي هو ( هذا الحرص من قبلكم ) أن لايخرج العمل إلى النور إلا بعد اكتماله واكنمال أدواته ...
وهذا هو تماما شأن كل المبدعين والمفكرين الكبار
كانت أم كلثوم وهي في قمة مجدها تخاف الجمهور وتحسب له ألف حساب
وكان كذلك كبار الكتاب والمفكرين
وها أنت تنهج نفس النهج بالحرص والمراجعة والتزود بالمراجع الأصلية
وهذا تماما درب الكبار
أهنئك أخي على هذه الرائعة التي لا تختلف بل تتفوق على كثير من السيَر المطبوعة
ولي في هذه الرائعة عودة طويلة عند اكتمالها وقراءتها على مهل
كل الشكر على هذا الجهد الكبير
وبانتظار إكمالها بعون الله
تحياتي
__________________
يوسـف أبوسالم - الأردن
الموسيقى هي الجمال المسموع


مدونة الشاعر م.يوسف أبوسالم



رد مع اقتباس
  #89  
قديم 10/03/2009, 12h48
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يوسف أبوسالم مشاهدة المشاركة
أخي الكبير
والمبدع الأكبر
د.أنس البن
مساء الريحان

أهم ما لفت نظري بعد تصفحي الأولي لهذا التحقيق عن سيرة الشيخ الجليل الشافعي هو ( هذا الحرص من قبلكم ) أن لايخرج العمل إلى النور إلا بعد اكتماله واكنمال أدواته ...
وهذا هو تماما شأن كل المبدعين والمفكرين الكبار
كانت أم كلثوم وهي في قمة مجدها تخاف الجمهور وتحسب له ألف حساب
وكان كذلك كبار الكتاب والمفكرين
وها أنت تنهج نفس النهج بالحرص والمراجعة والتزود بالمراجع الأصلية
وهذا تماما درب الكبار
أهنئك أخي على هذه الرائعة التي لا تختلف بل تتفوق على كثير من السيَر المطبوعة
ولي في هذه الرائعة عودة طويلة عند اكتمالها وقراءتها على مهل
كل الشكر على هذا الجهد الكبير
وبانتظار إكمالها بعون الله
تحياتي
والله إنها لشهادة أثلجت صدرى وأذهبت عنى بعض ما أجده من الروع والوجل
بارك الله فيك يا أبا حجاج .. نهر الأردن وشاعر بردى والنيل
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها
رد مع اقتباس
  #90  
قديم 10/03/2009, 13h01
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي

@ كان الشافعى ذو فراسة وفطنة ومعرفة بحقائق الأمور , صح ما توقعه عندما توجس فى نفسه خيفة من تولى حماد البربرى إمارة اليمن . لم يكن مجيئه إلى هذه البلاد وتولى إمارتها من قبيل المصادفه , بل سعى إليها سعيا حثيثا فى دأب ومثابرة ليحقق حلمه فى الإمارة من ناحيه , ومن أخرى ليكون على مقربة من غريم الأمس , قادرا على أن تطوله يداه بالأذى , عله يطفئ نيران الحقد التى لم يأن لها أن تنطفئ جذوتها المتأججة من قلبه بعد ..
لم تنسه أيام طويلة ولت مواقفه السالفة مع الشافعى , وهزائمه المتكررة أمامه فى الحلقة المالكيه . لم ينس أنه بسببه صار أضحوكة أقرانه فى المدينه أثناء محاوراته معه وفى مناظراته له , كان يخرج منها فى كل مرة مهزوما مشيعا بسخرية زملائه , وإن لم يتعمد الشافعى ذلك أو يقصده أبدا ..
لم ينس أيضا كم لقى من إهانات من شيخه مالك حتى أنه توعده يوما أمام الجمع كله أن يمنعه من دخول مجلسه وهدده بالطرد من حلقته إكراما لغريمه, وكيف نفذ الشيخ تهديده وأمره بمغادرة المدينه مشيعا بلعنات أصحابه ومن معه . منذ ذلك الحين وهو يترقب فرصة يوقع فيها به بمكيدة أو فريه .. كان يمقته للدرجة التى كان يتمنى فيها أن لو استطاع أن يقضى على حياته ..
وحكاية مجيئه إلى اليمن بدأت منذ اليوم الأول لمغادرته المدينة عائدا إلى العراق , طلب إليه الخليفة الرشيد أن يعمل مساعدا لرئيس ديوان الخراج , بينما عمل صاحبه محمد بن الحسن فى ديوان الفتـوى والأحـكام ..
لم يشأ أن يضيع الوقت سدى فما كادت أقدامه تستقر فى عمله الجديد حتى أخذ يتحسس أخبار الشافعى ويرسل عيونه هنا وهناك فى محاولة منه لأن يعرف أى أرض أقلته .. إلى أن علم أخيرا أنه يعمل بالقضاء . أرسل من رجاله من يستقصى أخباره فى دار القضاء ببغداد حتى علم فى النهاية أنه يعمل بولاية اليمن قاضيا على منطقة نجران ..
ما كاد يتوصل إلى هذه المعلومات ويتأكد من صحتها حتى عقد العزم على أن يتولى إمارة اليمن بأية وسيلة , مهما كان الثمن وإن كلفه ذلك آلاف الدنانير الصفراء, كانت نفسه تتوق أصلا للإماره . وقد أتاح له ثراؤه الكبير وقربه من دواوين الرشيد ورجال البلاط , أن يعلم الكثير عن أمور البلاد وما يجرى فى دهاليز الحكم ..
من ذلك أنه علم أن ديوان أمير المؤمنين بسبيله لنقل بعض من أمراء الأقاليم ورؤساء الدواوين والقاده وتعيين بعض الأمراء الجدد . كان القائم على هذا الأمر كاتب الديوان الأكبر إسحق بن الوليد التغلبى , فليغتنم هذه الفرصة إذن وليذهب إليه فى داره فى المساء بعيدا عن العيون والرقباء ليبدأ معه الخطوة الأولى نحو تحقيق أطماعه ..
ولأنه رجل يعرف كيف يصل إلى هدفه , سلك أقرب الطرق التى توصله إليه لم ينس بالطبع وهو يهم بالخروج من داره أن يأخذ معه خمسة أكياس فى كل كيس ألف دينار ذهبا , هو يعلم مدى طمع هذا الرجل وحبه للدنانير الصفراء . وتم له ما أراد بعد حوار طويل ونقاش معه , أخذ وعدا من كاتب الديوان الداهيه أن يمكنه بأية وسيلة من كرسى الولايه على اليمن ومكه .. وقد فعل بعد أن تمكن من إقناع الرشيد وهو يعرض عليه أسماء الأمراء والقادة الجدد , أن حماد البربرى هو خير من يتصدى للفتنة القائمة فى تلك البلاد فى الجنوب , التى كانت فى ذلك الحين مهدا ومعقلا لكثير من الطالبيين العلويين وأنصارهم الذين يكيدون لبنى العباس ويبثون دعوتهم بين أبناء الشعب .. كانت تلك هى نقطة الضعف لدى الرشيد كما كانت من قبل لدى أبيه وجده , وهى الثغرة التى استطاع أن ينفذ من خلالها كاتب ديوانه اللئيم . كانوا يتوجسون خوفا من أبناء عمومتهم آل البيت العلوى ويعملون حسابا لهم , أن تقوى شوكتهم ويتمكنوا من الوثوب على كرسى الخلافه . ذلك أكبر مصدر قلق لهم وأكثر ما يشغل بالهم ويقض مضاجعهم ..
لهذا كان الرشيد وهو إبن لآبائه , الحزم والشدة ذودا عن كرسى الخلافه , وسيكون فى ذلك أيضا أبا لأبنائه يتحسس أخبار خصومه فى شتى بقاع الأرض . لم يتردد مرة واحده فى أن يقضى على حياة كل من تلقيه الأقدار منهم بين يديه أو حتى تحوم من حوله الشبهات . يأخذ لمجرد الشبهة دون انتظار لإقامة الدليل على الإدانة أو البراءه , حتى لو كان من أقرب المقربين إليه ومهما تكن منزلته أو قدره عنده . هذا ما حدث مع الإمام موسى الكاظم إبن الإمام جعفر الصادق فى العام الماضى . وشى به الواشون فقبض عليه فى المدينه , وحبس فى بغداد إلى أن مات فى محبسه فى ظروف غامضه ,أشيع أيامها أنه قد دس له السم فى طعامه خفيه , ثم أتوا بمن يشهد أنه مات حتف أنفه قضاء وقدرا ..
حدث أيضا أمر كهذا قبل أربعين سنة مع سيد بنى هاشم فى ذلك الحين الإمام والعالم الجليل الحسن الأنور والد السيده نفيسه , الذى ظل أميرا على المدينه إبان خلافة أبى جعفر المنصور خمس سنوات . إلى أن أمر بالقبض عليه وألقاه فى غياهب السجون فى بغداد , خوفا منه لدسيسة ألقاها فى أذنه واحد من الكذابين يدعى إبن أبى ذئب , وظل فى محبسه إلى أن لقى المنصور حتفه فأخرجه إبنه وخليفته محمد المهدى , الذى أكرمه وأعاده إلى منصبه ورد عليه أمواله وممتلكاته . وسيرد ذكر ابنته السيدة نفيسه فى الفصل الأخير من قصتنا عندما تلتقى مع ابن عمومتها الشافعى على أرض مصر ..
لكن تعاقب على اليمن ولاة ضعفاء لم يكن لهم من القوة والعزم ما يمكنهم من قمع تلك الحركات الثائرة والتصدى لها . لهذا وافق هارون الرشيد على أن يولى حماد البربرى إمارة اليمن , آملا أن يتم على يديه القضاء على أهم معقل من معاقل الثوار من الشيعة العلويين ………………

@ مرت سنوات أربع من الدعة والأمن فى أحضان اليمن بين وديانها وسهولها , والشافعى يحيا آمنا مع امرأته وولده وابنته زينب التى رزقه الله بها قبل أيام قلائل . فى تلك السنوات رسخ حب الشافعى فى قلوب الناس جميعا وصارت له عندهم مكانة ومنزلة لنشره ميزان العدل بينهم , وبدأت تنحسر موجات العداء وضروب الفتن التى كان يثيرها ضده قلة من المبطلين المرجفين الذين لا يخلو منهم زمان أو مكان , هم صنف من البشر يحسبون أن لهم ميزة أو استعلاء على من يتصورون أنهم دونهم نفوذا وغنى وجاها وحسبا ..
قلنا أنهم حاولوا فى البداية أن يصانعوا الشافعى أو يتملقونه أو يستميلونه بالمال والهدايا فلم يتمكن لهم ذلك . عندئذ خلعوا الأقنعة الزائفة وأسفروا عن حقيقة أمرهم وأعلنوا عن قبيح نفوسهم وظهرت حقيقة نواياهم لما لجأوا لسلاح الإرهاب والتآمر فلم يتمكنوا أيضا من تحقيق مرادهم , وسبقتهم عناية الله تعالى إلى الشافعى كما جاء. لم يجدوا أمامهم مفرا من اللجوء للمواجهة السافره . كانت بداية المحنة والإبتلاء الكبير الذى تعرض له الشيخ من تلك الشرذمة القليلة التى أعماها الجشع وأذهلها الطمع عن رؤية أنوار الحق وهى تسطع فى سماء مدينتهم , واستكثروا أن ترد للناس الضعفاء حقوقهم وأيقنوا أخيرا أن المكائد والحيل لن تجدى معه ..
لجأوا فى نهاية المطاف لآخر ورقة معهم وهى المواجهة المباشره بذلك نصحهم الوليد بن جبير أعدى أعداء الشافعى فى نجران , طلب إليهم أن يخطوا الشكاوى والظلامات الزائفة ويرفعونها لأمير اليمن وإلى قاضى القضاه وليذهب منهم من يريد لملاقاة أولى الأمر . إلا أن محاولاتهم ذهبت أدراج الرياح ولم يكن كل ما أثاروه حول قاضيهم إلا كما يقولون زوبعة فى فنجان . لم تفلح محاولاتهم مع أمير البلاد أو قاضى قضاتها فى إيغار صدر أى منهما على الشافعى لمحبتهما له وتقديرهما لعلمه وثقتهما فى عدله وورعه ومعرفتهما بتقواه . غلبهم اليأس فاستسلموا واستكانوا رغما عنهم أمام فيض المحبة المتجدد من أمير بلادهم وأهل مدينتهم لقاضيهم . لكنهم كانوا متحفزين لفرصة ينقضون فيها على غريمهم وعدوهم اللدود ..
أخيرا جاءتهم الفرصة التى ظلوا ينتظرونها ويترقبونها زمنا وبدأت تنتعش آمالهم من جديد فى فرض سطوتهم ونفوذهم على أهل نجران مع مجئ حماد البربرى من بغداد أميرا على بلادهم بعد عزل أميرهم . أخذت الأحداث تتصاعد رويدا رويدا مع الأيام وتتخذ مسارا مغايرا لما كانت عليه من رتابة ونعومه . بدأت مرحلة عصيبه إلتقت فيها كل قوى الشر والبغى والباطل , كأنهم كانوا على موعد مع هذا الأمير الجديد وتحالف الجمعان للقضاء على الشافعى ………………

يتبع.. إن شاء الله ............................

@ إستهل أمير اليمن الجديد يومه الأول فى دار الإمارة بالتعرف على كبار أعوانه ومساعديه , لاستبقاء من يصلح منهم فى التعاون معه على تحقيق أهدافه فى المرحلة القادمه ,وعزل البقية الباقية من أولئك المتمسكين بالأصول والمبادئ والقائمين على الحق , وعين غيرهم من رجاله وأهل ثقته الذين سيكونون حتما أدوات طيعة بين يديه ..
كان أول ضحاياه قائد الشرطة فى اليمن بعد أن شعر أنه سيكون حجر عثرة أمام تحقيق مآربه , اتخذ قرارا بعزله وعين بدلا منه صديقا له من الكوفه يدعى عمران الفزارى .. رجل لئيم ذو دهاء شديد , معروف بوضاعته وخسته , على استعداد لأن يمتثل لكل ما يؤمر به دون مناقشة أو إبداء لرأى . عند قدومه عليه إبتدره قائلا ..............
ــ أنت بالطبع لا تعرف لم استدعيتك من الكوفه ؟.
ــ أنى لمثلى ذلك ؟. حاولتجاهداأن أستفهم من رسولك الذى جاءنى منذ أيام دون جدوى , لم يزد على قوله ...... سيدى حماد البربرى أمير مكة واليمن أعطانى هذه الرسالة لتوصيلها إليك , وهذا كل ما أعرفه ..
ضحك قائلا .............
ــ أجل لا تغضب منه يا صديقى , هو الآخر لم يكن يعلم شيئا , أحببت أن أخبرك بنفسى , هنا فى دار الإماره ..
ــ وها أنذا بين يديك , خيرا يا صديقى ؟.
ــ كل الخير طبعا , لن أدخل معك فى تفصيلات لا يهمك أن تسمعها الآن . لكنى أود أن أخبرك أننى قررت لاعتبارات سوف أشرحها لك فى وقت لاحق عزل قائد الشرطه وكذلك قائد الحرس باليمن , وأصدرت قرارا أن تتولى أنت قيادة الشرطه ..
ــ قيادة الشرطه , إنها مفاجأة لم أكن أتوقعها ياصديقى . وماذا عن قيادة الحرس ؟.
ــ سأعهد بقيادة الحرس لأخى إسحق البربرى . فى الحقيقة لم أجد من أثق به خيرا منكما فى المرحلة القادمه , وهى مرحلة جد خطيرة ومهمه كما سأبين لك ..
ــ شكرا لك على هذه الثقه لكن ......
ــ لكن ماذا يا قائد الشرطه ؟.
ــ لم أفهم بعد . ما الذى تعنيه بالمرحلة القادمه , وأنها كما تقول خطيرة وهامه . هلا أوضحت ما ترمى إليه يا حماد ؟.
ثم استدرك معتذرا ................
ــ لا تؤاخذنى يا صديقى أن أعطيت نفسى الحق لأناديك هكذا باسمك مجردا لما رأيت أنا نجلس وحدنا ..
رد قائلا وهو يشيح بيده ................
ــ لا عليك من هذا يا أخى فنحن أصدقاء منذ زمن بعيد ولا كلفة بيننا . أما سبب اختيارى لك ولأخى إسحق فلسوف أشرح لك فى حينه الأمر كله وأضع الصورة كاملة أمامك لتبدأ مهمتك على الفـور ..
ــ وأنا جاهز لسماع كل ما عندك ..
ــ لا ليس قبل الغد , بعد أن تستريح من عناء السفر , لقد قطعت رحلة طويلة شاقة وآن لك أن تريح جسدك المتعب يا قائد الشرطه . إن أعمالا كثيرة ومهام جسام فى انتظارك ..
@ إستطاع أن يسيل لعاب صاحبه ويثير حماسه ويفتح شهيته للعمل عندما وعده قائلا فى نهاية لقائه التالى به .............
ــ إن نجحت فى مهمتك ومكنتنى من الشافعى هذا , أعدك أنى سوف أسعى لك جاهدا كى تتولى منصبا رفيعا فى دار الخلافة فى بغداد ..
بدأ على الفور أعماله فى دار الشرطه جامعا رجاله من حوله , أخذ يشرح لهم خطة عملهم فى الفترة القادمه ومهمة كل واحد منهم . إختار من بينهم واحدا بعينه يعرف فيه القدرة على المراوغة وخفة الحركه , كلفه أن يرتدى زى الحراس على أن يتوجه على الفور إلى نجران ويقدم نفسه إلى زملائه على أنه حارس جديد ضمن مجموعة الحراس العاملين فى دار القضاء ..
كان هذا الحارس المزعوم فى حقيقة الأمر عينا من عيون قائد الشرطة الجديد عمران الفزارى , أرسله إلى هذا المكان ليكون عينا له على الشافعى وحده حيث يلازمه كظله . وفى أول أيامه فى دار القضاء بدا هذا الرجل غريبا بين زملائه الحراس منبوذا منهم . كانوا فى بداية الأمر يتحاشونه ولا يجلسون إليه ويتجنبون الكلام معه ولا يبادولنه الحديث , شيئا خفيا بداخلهم جعلهم لا يستريحون له ويتوجسون فى أنفسهم خيفة منه ..
حاول أن يتقرب إليهم أو يبادلهم الحديث دون جدوى , لكنه لم يستسلم لليأس , حاول فى دأب وصبر مستخدما الحيلة والدهاء .. ظل زمنا يتودد إليهم , يحاول دائبا أن يندمج معهم ويقترب منهم خطوة خطوه متذرعا بالصبر حتى أنس بعضهم له فى نهاية الأمر بعد أن أمكنه إزالة وحشتهم وتوجسهم منه , بعدها صار كأنه واحدا منهم . أوصاه قائد الشرطة ألا تغفل عينه عن الشافعى لحظة واحده , وأن ينقل إليه كل أخباره أولا بأول .. ماذا يردد من أقاويل وآراء , الأماكن التى يتردد عليها , من هم أصدقاؤه الذين يلتقى بهم ومن هم أعداؤه ؟. أن يحاول أن يحصى عليه خطواته , بل يعد عليه أنفاسه إن أمكنه ذلك . كذلك فعل فى كل أنحاء اليمن وهو ينشر عيونه فى كل مكان بحثا عن هؤلاء الشيعة الرافضه الذين ظلوا على ولائهم لعلى بن أبى طالب كرم الله وجهه ولآل البيت العلوى , رافضين لكل خليفة سابق على سيدنا على أو تال له , ولهذا كانوا يطعنون فى الخلفاء الراشدين جميعا ويسبونهم ..
كان مبدأ هذه الجماعة الضاله الذى يدينون به ويتعصبون له أن الخلافة بعد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" من حق على بن أبى طالب إستحقها بوصيته "صلى الله عليه وسلم" ولهذا كانوا يسمونه الوصى , وأن الخلافة من بعده حق لبنيه لا يخرجهم عنها إلا ظالم غاصب . حاول زيد بن على بن الحسين أن يمنعهم عن التمادى فى تطرفهم والطعن فى الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما دون جدوى . يروى فى ذلك أن أتباعه الكوفيون سألوه ذات مرة أن يخبرهم برأيه فى أبى بكر وعمر اللذين اغتصبا حق جده على بن أبى طالب فى الخلافة على حد قولهم . رد عليهم قائلا ...........
ــ لا أقول فيهما إلا خيرا , وما سمعت أبى على زين العابدين يقول فيهما إلا خيرا . وإنما خرجت على بنى أميه الذين قاتلوا جدى عليا ثم قتلوا من بعده جدى الحسين وأغاروا على المدينة فى يوم الحره ثم رموا بيت الله تعالى بحجر المنجنيق والنار , هؤلاء هم أعداؤنا ..
لم تعجبهم إجابته ولم تأت على هواهم ووفق مرادهم عندئذ فارقوه رافضين كلامه ولهذا سموا رافضه , وكان منهم أفراد كثيرون فى اليمن ينشرون هذه الدعوة الباطلة بين الناس .....................

يتبع.. إن شاء الله ............................



@ ظل هذا الجاسوس منذ وصوله دار القضاء فى نجران يلاحق الشافعى دون أن يشعره بوجوده أينما حل أو ارتحل . كان يتعقبه كظله فى كل مكان يذهب إليه أو يتردد عليه , ينتقل بانتقاله ويسكن بسكونه وعينه لا تغيب عنه وأذنه تتنصت لكل كلمة يتفوه أو حتى يهمس بها . فى كل مجلس يتوارى مختبئا أو متنكرا يحصى عليه أقواله ويلتقط كل ما ينطق به من كلمات أو عبارات يشم منها رائحة التشيع لآل البيت النبوى أو تحمل معانى التفضيل لعلى بن أبى طالب خاصة أو لقريش عامة , يتسمع آراءه فى الخلافة والإمامه والحكم . وبعد أن يرجع فى آخر الليل إلى مأواه يختلى بنفسه مغلقا الباب عليه وهو يبدأ حذرا فى تدوين كل ما سمعه أو رآه على ضوء سراج خافت فى كراسة معه أعدها لذلك حتى لا ينسى شيئا .. من ذلك مثلا لما ذهب بعض الناس إلى الشافعى ذات مرة وسأله أحدهم .............
ــ أيها الشيخ , إنا نرى فيك بعض التشيع فما هى حقيقة ذلك الأمر هل أنت منهم حقيقة ؟.
رد عليه متسائلا ...........
ــ التشيع لمن وكيف ؟.
ــ التشيع لآل بيت النبى "صلى الله عليه وسلم" ..
ــ ما الذى جعلكم تتصورون ذلك ؟.
ــ سمعناك كثيرا تردد أقوالا وأشعارا يفهم منها أنك موال لآل محمد "صلى الله عليه وسلم" وأنك من شيعتهم ..
ــ يا قوم هذا ليس تشيعا لأحد دون أحد , ألم يقل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : [ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ] أليس من الدين أن أحب قرابتى وذوى رحمى إذا كانوا من المتقين ؟. وحبى لهم ليس معناه بغضى لغيرهم , ألسنا نصلى عليهم فى كل صلاه ؟..
ثم أردف مرتجلا ...............
يا آل بيت رسول الله حبكم .. فرض من الله فى القرآن أنزله ..
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم .. من لم يصلى عليكم لا صلاة له ..
وكان يتحدث ذات مرة فى جماعة من الناس عن فضائل الصحابة ويقول ...............
ــ وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فى القرآن والتوراة والإنجيل . وسبق لهم على لسان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" من الفضل ما ليس لأحد بعدهم . فرحمهم الله وهناهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ منازل الصديقين والشهداء والصالحين . هم أدوا إلينا سنن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وشاهدوه والوحى ينزل عليه , فعلموا ما أراد النبى "صلى الله عليه وسلم" عاما وخاصا وعزما وإرشادا وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا . هم فوقنا فى كل علم واجتهاد وورع وعقل وكذلك كل أمر استدرك به علم واستنبط به رأى . وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا لأنفسنا , فإن اختلفت الأحكام استدللنا بالكتاب والسنة فى اختلافهم ..
إنبرى أحد الجالسين ممن دسهم أعداؤه فى مجالسه محاولاالإيقاع به , سأله متخابثا ....
ــ وما تقول فى على بن أبى طالب ؟.
إلتفت الشافعى إلى صاحب السؤال , فطن إلى سوء طويته وخبثه وأنه ما سأل ليعلم بل ليستدرجه إلى محظور فقال له ..............
ــ عن أى أمر تسأل يا هـذا ؟.
ــ أسأل عن قتاله لمن خرج عليه ؟.
ــ إعلموا أيها القوم أن عليا رضى الله عنه جرى فى قتالهم مجرى الإمام العادل ، من خرج على طاعته من المؤمنين وسار بسيرته فى قتالهم . وما قصد من وراء ذلك إلا حملهم على الرجوع إلى الطاعة , كما قال الله تعالى فى سورة الحجرات [ فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله ] .. واعلموا أيها القوم أن الطائفة التى قاتلها لم تخرج بالبغى من الإيمان . لأن الله تعالى سمى الطائفتين جميعا مؤمنين فقال [ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ] فذكر اقتتال الطائفتين وسماهم الله عز وجل المؤمنين وأمر بالإصلاح بينهم . ولهذا لما أتوا لعلى بأسير يوم صفين والحرب لا تزال قائمة وقال له الأسير :(لا تقتلنى صبرا ) , ظنا منه أنه سيقتله قال له على ............... لا أقتلك صبرا , إنى أخاف الله رب العالمين ..
قام أحد الجالسين وكان من تلك الفرقة التى تناصبه العداء وخاطبه محتدا ..............
ــ إن هذا الذى تقوله من حديث الرافضيه ..
أجابه الشافعى ..............
إذا فـى مجلـس قلنـا عليا .. وسبطيـه وفاطمـة الزكيه ..
يقال تجاوزوا يا قـوم هـذا .. فهذا مـن حديث الرافضيه ..
برئت إلى المهيمن من أناس .. يرون الرفض حب الفاطميه ..
إنبرى نفس الرجل موجها كلامه للشافعى فى سخرية ..........
ــ فلم نفر الناس من على إذن ؟.
قبل أن يرد عليه الشافعى قام واحدا منهم وأردف ساخرا........
ــ والله ما نفر الناس من على بن أبى طالب إلا لأنه كان لا يبالى بأحد ..
هب الشافعى غاضبا وهو يقول .............
ــ إعلم يا هذا إنه لا يبالى بأحد لأنه كان فيه أربع خصال ما اجتمعت واحدة منهن فى إنسان إلا ويحق له ألا يبالى بأحد . كان زاهدا والزاهد لا يبالى بالدنيا ولا بأهلها , وكان عالما والعالم لا يبالى بأحد , وكان شجاعا والشجاع لا يبالى بأحد , وكان شريفا والشريف لا يبالى بأحد ..
وذات يوم تعقبه هذا الجاسوس وهو ذاهب إلى صنعاء , حتى رآه وقد انتهى إلى مجلس كان فيه عبد الله بن الحسن وهو من أحفاد سيدنا على بن أبى طالب .. لمح الشافعى ساكتا لا يتكلم فى هذا المجلس , ولما سأله أحد الحاضرين فى ذلك عند مفارقته المكان , قال له.............
ــ لا أتكلم فى مجلس يحضره أحدهم ..
ــ تقصد عبد الله بن الحسن ؟.
ــ أجل
ــ لم ؟.
ــ هم أحق بالكلام ولهم الرياسة والفضل ..
ثم أردف قائلا .............
آل النبـى ذريعتـى .. وهم إليـه وسيلتى ..
أرجو بهم أعطى غدا .. بيدى اليمين صحيفتى ..
تلك الأقوال وأشباهها كانت تؤخذ عليه أنها تشيع لآل البيت يدونها هذا الجاسوس أولا بأول فى سجل خاص يحتفظ به كعينيه بين ثنيات ردائه حتى لا يقع فى يد أحد . غير أنه دأب على أن يدون هذه العبارات بشكل مبتور على طريقة ولا تقربوا الصلاه حتى تكون ذريعة لإدانة الشافعى وحجة لتوجيه الإتهام القاتل له .. وكان قد علم من بعض زملائه الحراس وهو يثرثر معهم فى الليل أخبار الجماعة التى تناصب الشافعى العداء وعلى رأسهم الوليد بن جبير المدانى وما كان من أمرهم معه . قصوا عليه فيما قصوا وهم يتحاكون سويا قصة أم الدراهم ومكيدتهم التى كشفها الله تعالى على أعين القوم وفضحهم بها مما جعلهم أضحوكة أهل نجران كلها ..
إلا أن واحدا من الحراس يدعى معبد كانت لديه فطنة وفراسة وقوة ملاحظة تميز بها عن زملائه من الحراس . لم تنطل عليه ألاعيب هذا الحارس المزعوم أو حركاته فى التملق لمن حوله وظل على ارتيابه منه وشكه فيه لا يحيد عن ذلك . أخذ يرقبه من بعيد فى محاولة منه لكشف سره وهتك ستره والتوصل إلى حقيقة أمره مظهرا له ودا مصطنعا . أخذ يجاريه حتى يكتشف حقيقة نواياه وأثناء متابعته له لاحظ أنه يتابع القاضى قدما بقدم أينما ذهب وحيثما حل حتى الأماكن البعيدة فى أطراف البلاد يرحل وراءه إليها . لاحظ كثرة سؤاله عن أحوال القاضى واهتمامه بأمره فتشكك فى الأمر ظنا منه أنه يضمر له شرا أو يريد أن يلحق به أذى ..
تأكدت ظنونه يوما بعد يوم وهو يراقب تحركاته دون أن يشعر به ورأى نظراته الغامضة التى يحدج بها القاضى من وراء ظهره والتى تختفى خلفها نوايا الشر والأذى والغدر . حتى وثق آخر الأمر أن هناك سرا ودافعا وراء مجئ هذا الرجل إلى نجران ووجوده بينهم وأنه ليس مجرد حارس من حراس دار القضاء كما ادعى وزعم لإخوانه عند قدومه . أخذته لجة من الهواجس والظنون وضاق صدره بما عنده فلم يجد من يطلعه على مخاوفه وظنونه إلا كاتب القضاء زيد بن عيسى أقرب العاملين فى الديوان إلى قلب الشافعى وأخلص رجاله له وهو أمر كانوا يعرفونه جميعا . عزم على الذهاب إليه فى داره ليخبره بكل ما توصل إليه ولاحظه على هذا الرجل وفى نهاية كلامه سأله معبد .............
ــ هيه ما رأيك يا زيد فيما سمعت , وبم تفسر حركات وأفعال هذا الرجل المريب ؟.
أخذته نوبة تفكير عميق ثم رفع رأسه قائلا ..............
ــ أخبرنى أنت برأيك أولا ..
ــ أما أنا يا زيد فإنى أعتقد أن هذا الرجل الخبيث يخفى وراءه سرا كبيرا وأنه يضمر شرا مستطيرا للقاضى الشافعى ..
راح مرة أخرى فى تفكير عميق ثم عاود سؤاله ................
ــ هل أخبرت أحدا غيرى بهذا الحديث ؟.
أجاب فى الحال ..............
ــ لا . لا يا زيد أنت أول واحد أطلعه على هذا السر ..
ــ وزملاؤك الحراس ؟.
ــ لا يعلمون عنه شيئا ولا أحد منهم يعرف حقيقة أمر هذا الرجل . إنهم جميعا يعتقدون أنه مجرد زميل لهم ولم يتشكك أحد غيرى فى أمره ..
ــ الحمد لله أن تصرفت بحكمة وإياك أن تخبر أحدا بما رأيت يا معبد خاصة زملاؤك الآخرين من الحراس أفهمت ؟.
ــ أجل فهمت ما ترمى إليه لكن . ما الذى تنوى عمله الآن ؟.
ــ دع هذا الأمر لى وسأتصرف فيه بالطريقة التى أراها مناسبة , كل ما هو مطلوب منك أن تبق على حالك مع هذا الرجل . لا تجعله يشعر أنك كشفت أمره وداوم على مراقبته من بعيد . لا تدعه يغيب عن ناظريك طرفة عين . كن يقظا له تماما فإن بدرت منه بادرة غدر أو خيانة للقاضى فلا تتردد فى قتله فى الحال ..

يتبع.. إن شاء الله ............................



@ أخذ يقلب الأمر فى رأسه على كافة أوجهه بعد أن انصرف ضيفه , ظل طوال الليل وهو على تلك الحال حتى جاءه نداء المؤذن لصلاة الفجر ومع النداء كان قد استقر على رأى . قرر أن يطلع القاضى على ما عنده ليأخذ حذره من هذا الرجل الذى يتتبع خطواته واستحسن أن يكلمه بعيدا عن دار القضاء حتى لا يراه ذلك الحارس المزعوم مختليا بالشافعى فيتشكك فى الأمر . ليفاتحه الآن إذن بكل ما عنده عقيب صلاة الفجر . وفى المسجد تعمد أن يجلس إلى جواره وبعد أن انتهت الصلاة مال عليه دون أن يلحظ أحد شيئا . قال له كلمات خرج على إثرها كل واحد منهما وحده حتى إذا صارا بعيدا عن أعين الناس وآذانهم وتأكد له أن أحدا لا يتبعهما أسر إليه بمخاوفه . إبتسم الشافعى قائلا فى ثبات وثقة بدا منها أنه لم يفاجئ بما سمعه من كاتبه ............
ــأهذا ما أرقك يا زيد ليلة الأمس وأقض مضجعك ؟.
ــ أجل يا سيدى القاضى , من اللحظة التى جاءنى معبد فيها ليلة أمس وأخبرنى بهذا الأمر لم تذق عيناى للنوم طعما , ظللت طوال الليل ساهرا أقلب الأمر على كل أوجهه وأسأل نفسى ....... ما الذى يبغيه هذا الرجل يا ترى من وراء أفعاله تلك . إن كان يريد إيذاءك فلم لم يفعل شيئا أو تبدر منه بادرة شر أو إيذاء طوال الأيام السابقه . وإن كان لا يريد فما الذى يدعوه لأن يتعقب خطواتك كل ذلك الوقت ويحصى عليك أنفاسك ؟.
ظل الشافعى على ابتسامته إلى أن فاجأه قائلا ...............
ــ لا تجزع يا زيد , إنى على علم بكل هذا ..
سأله مدهوشا.............
ــ كيف يا سيدى , هذا الأمر لا علم لأحد به إلا أنا ومعبد الحارس . من الذى أخبرك به ؟.
ــ لم يخبرنى أحد إلا أنت الآن ..
ــ لم أفهم بعد ؟.
ــ هذا الرجل لما وقعت عليه عينى أول مرة وتفرست ملامحه تشككت فى أمره وارتبت فيه . وذات مرة فى مجلس القضاء لمحته بركن عينى وهو يسدد نحوى نظرات حادة مريبة من بعيد تشاغلت بأوراق أمامى ولم أجعله يلحظ أنى كشفت أمره . بعد ذلك رأيته بالفعل وهو يتبعنى فى كل مكان أذهب إليه . هذا الغبى الأحمق كان يتصور أنى غافل عنه لا أراه , عرفته حتى وهو يحاول أن يتنكر فى ثياب البهاليل ويرتدى أثمالهم الباليه أو فى ثياب أهل البادية الرحل . مع كل هذا لم أجعله يشك لحظة واحدة أنى كشفت حقيقته وتركته يرقبنى على راحته تماما كأنى لا أراه ..
رد زيد متسائلا وهو فى دهشة مما يسمع من قاضيه ........
ــ وهل أدركت يا سيدى ما يبغيه من وراء ذلك ؟.
ــ أبدا يا زيد إنه حتى الآن يتبعنى متعقبا خطواتى فحسب أينما أكون , لكن ماذا يريد ؟. من هم وراءه ؟. لا أعرف , ولا أريد فى الحقيقة أن أعرف أو أشغل نفسى بمثل هذه الأمور . على أية حال , لم تبدر منه بادرة شر حتى الآن كما لاحظت أنت بنفسك يا زيد , فلم الخوف والترقـب ؟.
ــ وهل ننتظره إلى أن يبدأ بالأذى . لا يا سيدى القاضى من الضرورى أن أتحقق بنفسى من حقيقة أمر هذا الرجل , لابد من معرفة من هم وراءه ..
غير أن الأحداث كانت أسرع من الجميع لم تمهله الأيام ليتحقق من حقيقة نوايا ذلك الرجل الغامض والدافع وراء تعقبه للقاضى . بعد أيام قليلة من حديثه مع القاضى الشافعى فوجئ الجميع باختفاء هذا الحارس المزعوم فجأة كما جاء ولم يعرف أحد إلى أين رحل . وحقيقة ما حدث أنه فى نهاية المطاف وبعد مراقبة ومتابعة منه دامت أكثر من سبعة أشهر بدأ هذا الحارس المزعوم يجهز نفسه للذهاب إلى قائد الشرطة فى صنعاء بعد أن دس بين طيات ثيابه كراسته تلك , التى أتخمت بما أحصاه فيها من خطوات الشافعى وأقواله وآرائه . لدى وصوله أعطاه هذا التقرير المفصل وأبلغه أيضا بكل ما علمه عن الشافعى من أهل البلدة من أعدائه وحساده وما سمعه منه من أقوال وآراء ..
قام قائد الشرطة بضم هذه الكراسة لما تحصل عليه عنده من تقارير أخرى جاءته من عيونه الآخرين وتوجه إلى مقر أمير اليمن حيث يقيم . وضع أمامه كل ما توصل إليه وما جمعه من معلومات . أخذا يتباحثان معا فى الخطوة التالية وخطة العمل فى الأيام القادمة , ثم أمره أن يأتيه بالوليد بن جبير المدانى غريم الشافعى الأول ليكلفه بإحدى المهام ويعرفه دوره الذى سوف يقوم به فى المؤامره , فى الوقت الذى أخذت تتوالى عليه الشكاوى من تلك الجماعة التى كانت تناصب الشافعى العداء ..

يتبع.. إن شاء الله ............................



@ لم تمض إلا أيام قلائل إلا والوليد بن جبير قد أعد نفسه للسفر إلى مكة قاصدا دار الإماره للقاء أمير مكة واليمن. كانت لهما فى الفترة الماضية لقاءآت عديدة معا عقيب توليه أمور البلاد تأصلت خلالها علاقتهما وتوطدت صداقتهما معا . وعلى باب داره جلس وحده بعد أن تنكر وغير بعضا من ملامحه وخضب لحيته بالحناء مرتديا أفخر ما عنده من ثياب , منتظرا دخول الليل حتى يتدثر فى عباءة ظلمته ويتخذه سترا له وسربالا إستعدادا لشد الرحال إلى مكه . وفى جنح الظلام تسلل ممتطيا صهوة جواده واضعا لثاما على وجهه زيادة فى الحيطة كى لا يتعرف أحد على ملامحه . كانت تلك تعليمات الأمير فى رسالته له , ألا يعلم بهذا اللقاء أى واحد من الناس حتى لا يتسرب شئ من خطته .. حتى أن امرأته لما سألته وهى تراه يرتدى ملابسه , أخبرها أنه مسافر إلى الشام للتجاره…………
أخذ يحث جواده على الإسراع من حركته وهو فى قمة سعادته لنجاح خطته فى الدس والوقيعة لغريمه الشافعى عند أمير البلاد , بعد أن علم من ابن عمه الذى يعمل شرطيا فى ديوانه أنه هو الآخر يناصب قاضيهم الشافعى العداء , وأن هناك ثأرا قديما بينهما وإن لم يعلم لـه سببا ..
وفى دار الإمارة لقيه الأمير بالحفاوة والترحيب ................
ــ أهلا وسهلا بسيد بنى عبد المدان مضت شهور عده منذ التقينا سويا آخر مرة هنا . ترى ما الذى أخرك عنا أيها الصديق العزيز كل هذا الوقت ؟.
ــ الحقيقة يا سيدى أنى كنت فى رحلة إلى بلاد الهند ..
ــ ياه تلك البلاد البعيده ؟.
ــ أجل , كنت أشترى بعض البضائع لتجارتى واضطررت أن أتأخر هناك بضعة أشهر ريثما تستقر بنا الأحوال فى البحر العاصف ..
ــ أجل أجل أنتم أهل اليمن أعرف الناس بأحوال الرياح الموسمية ومسالك السفن فى بحر العرب . نأمل أن تكون قد وفقت فى هذه الرحلة إلى صفقة رابحه ؟.
ــ الحمد لله اشترينا وتاجرنا وربحنا , وبالطبع لم أنس هدية صديقى العزيز أمير مكة واليمن , ها هى يا سيدى ..
قال ذلك وهو يمد يده إلى جراب معه أخرج منه عصا من العاج والأبنوس مطعمة بالياقوت والزمرد ناولها للأمير قائلا ...............
ــ لما وقعت عليها عينى عند أحد التجار من أصدقائى أعجبتنى , قلت فى نفسى هذه العصا لا تزينها إلا يمينك أيها الصديق العزيز , ليتها تروق لك وتنال رضاك ..
ــ شكرا لك يا صديقى , إنها عصا قيمة حقا لم أر مثلا لها من قبل ..
ــ أما هذه اللفافة فإنها تحوى خلطة من الجاوى والزعفران والعنبر الخام والمسك قمت بإعدادها لك بنفسى ..
تناولهما منه ووضعهما جانبا ثم التفت إليه قائلا ...............
ــ والله لا أخفى عليك أيها الصديق العزيز أن نفسى ظلت تراودنى أياما أن آتى إليك هذه المرة بنفسى لما تأخرت أنت على ..
ــ إنه لشرف كبير لنا أن تزورنا فى بلادنا , ليتك والله تفعل ..
ــ شكرا . شكرا لك , لكن ماذا أصنع و‏وقتى كله مزدحم بالأعمال , شغلتنى أمور كثيرة فى الأيام الماضيه ..
ــ المهم أن تكون خيرا ؟.
ــ سأحكى لك كل شئ فى حينه ..
ــ أعانك الله وحقق على يديك آمال الناس هنا ..
رد قائلا وهو يهم بالقيام .............
ــ شكرا لك والآن هيا بنا ..
ــ إلى أين يا سيدى الأمير ؟.
إبتسم فى خبث قائلا .............
ــ لا يزال بيننا حديث طويل والكلام لن ينفع هنا . ما قولك ياسيد بنو عبد المدان فى أن نذهب إلى الدار , نتحدث على راحتنا , بعيدا عن العيون والرقباء , وعن زحام العمل هنا فى دار الإماره ؟.
ــ كما ترى يا سيدى الأمير ..
حول مائدة فاخرة عامرة بأشهى الأطعمة وحافلة بمختلف أنواع الشراب والفاكهة جلس الأمير وضيفه وحدهما يتناولان طعامهما على مهل وهما يتحدثان فى مودة بعد أن أشار برأسه للخدم والوصفاء بمغادرة المكان ..
سأله الأمير متباطئا ............
ــ لم تخبرنى بعد ؟.
ــ عن أى شئ يا سيدى ؟.
ــ كيف تسير الأمور عندكم فى نجران هذه الأيام أيها الصديق العزيز ؟.
ــ كل شئ على حاله لكنى على ثقة أن بلادنا ستكون فى خير حال ما دامت نواصيها بأيدى أمينة كأيديكم يا سيدى الأمير ..
ــ "ستكون فى خير حال" إجابة سديده تدل على بديهة حاضره , كأنك أجبتنى وفى الوقت نفسه لم تجبنى . هيه وكيف حال ولاة الدواوين فى نجران هذه الأيام , كيف تسير الأمور لديهم ؟. أريد أن أعرف وجهة نظرك وأتأكد من بعض الحقائق من خلالك أنت , وإنى لعلى ثقة من أنك ستعطينى صورة تختلف كثيرا عن تلك التى تصلنى من رجالى . هذا دأبى معك دائما , أليس كذلك ؟.
أدرك الوليد مراده وما يرمى إليه من وراء سؤاله , إلا أنه تظاهر بعدم الفهم ورد مراوغا فى خبث ودهاء .............
ــ شكرا على ثقتك هذه , لكن ماذا أقـول ؟.
ــ إيه , تكلم كيف شئت ؟.
ــ فى الحقيقة يا سيدى لا أخفى عليك أن أحوالها ساءت جميعا , كنت أنتظر فرصة كهذه لأحكى لك كل شئ عنها ..
ــ وأنا مستعد لسماع كل ما عندك ..
ــ لنبدأ إذن بديوان ......
عاجله بقوله وهو يرفع راحة يده ...............
ــ إنتظر لنبدأ بديوان القضاء أولا لقد جاءتنى فى الأيام الماضية شكاوى كثيره يتضرر فيها أصحابها من قاضى نجران . حضر إلى بعض الناس يشتكون منه ومن أحكامه وأيضا آراءه التى يبثها بين الناس إلى غير ذلك , ليتك تعطينى المزيد عن أحوال هذا القاضى ؟.
ــ أجل يا سيدى كل ما جاءك عن هذا القاضى المكى صحيح . لقد دأب منذ وضع أقدامه فى بلادنا على إثارة الفتن والأحقاد بين الناس . كما أنه أهدر أحكاما فى كثير من القضايا سبق الحكم فيها , ويحكم برأيه ووفق هواه مما أحدث بلبلة وفتنا وانشقاقا فى صفوف القبائل . الحقيقة يا سيدى أنا صبرنا كثيرا على هذا الرجل ولم يعد فى مقدورنا أن نصبر عليه أكثر من ذلك , إنه ....إنه لا يكتفى بما يحدثه من فتن فى أمور القضاء ..
ــ ماذا أيضا ؟.
ــ إنه يتدخل فى أعمال الدواوين الأخرى ..
ــ يتدخل فى أعمال الدواوين الأخرى . كيف ذلك ؟.
ــ ديوان الخراج مثلا . إنه يتدخل كثيرا فى شغل القائمين على أمره ..
ــ آه هذا هو الأمر الآخر الذى وددت أن أسألك عنه وأعرف المزيد عن أحواله ..
ــ سل عما شئت يا سيدى ..
ــ بعد أن تسلمت مهام أعمالى هنا بأيام قليله إكتشفت سوء أحوال بلادكم ووجدت أن الأمور ليست على ما يرام تسير من سئ إلى أسوأ . من ذلك مثلا ما أثرته أنت الآن حول ديوان الخراج لاحظت ذلك النقص الكبير فى خراج اليمن , خصوصا ما يأتى من عندكم من نجران يتناقص سنة بعد أخرى , وعلمت أمورا أردت أن أتأكد من صحتها منك . لا أخفى عليك أنى سأتخذ قرارات مهمه على ضوء ما سأسمعه منك الآن ..
ــ صدقت أيها الأمير , السبب فى ذلك يرجع إلى أن جباة الخراج إنتهجوا فى السنوات الأخيرة نهجا جديدا وابتدعوا أمورا ..
ــ هيه إستمر ؟.
ــ لقد دأبوا على رد بعض ما يتحصلون عليه من أموال إلى نفر من الناس بحجة أنهم فقراء محتاجون ..
ــ آه هذا الذى جعل بعضهم يماطل فى دفع ما عليه أليس كذلك ؟.
ــ بلى سيدى ..
ــ ما السبب يا ترى ؟.
ــ إنهم لم يفعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم ..
ــ تعنى أن هناك من يحرضهم على ذلك ؟.
ــ أجل تلك هى الحقيقه وما أجرأهم على ذلك إلا هذا الرجل ..
ــ من تقصد ؟.
ــ هل هناك أحدا غيره . قاضى نجران , لم يكفه ما يفعله فى ديوان القضاء بعد أن جعل منه وسيلة لتحقيق أطماعه وجمع الناس من حوله , بدأ يتدخل أيضا فى أعمال ديوان الخراج ..
إعتدل الأمير فى جلسته وعاد يسأل من خلف ابتسامة ماكرة بعد أن وقع هذا الكلام منه موقعا حسنا ..............
ــ قاضى نجران . محمد بن إدريس الشافعـى ؟.
ــ أجل هو الذى أرسل إلى والى الخراج وأقنعه بفعل ذلك متعللا بأن هذا هو ما كان يفعله معاذ بن جبل فى اليمن بأمر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" مما جعل بعض الناس يعتادون المطل وكسر الخراج ..
ــ وبالطبع لم يستطع والى الخراج معارضته وإلا أهاج الناس عليه ..
ــ أجل سيدى الأمير تلك هى حقيقة المسأله ..
ــ لقد أصدقتنى القول , هذا هو ما بلغنى تماما ..
ــ أفهم أنك على علم بهذه الأمور ؟.
ــ وأكثر من ذلك , أعرف الكثير بل وأخطر منه , لكنى أردت أن أستوثق منك وفى الوقت نفسه أعرض عليك ما قررته فى هذا الشأن ..
سأل الوليد متعجبا وقد انفرجت أساريره .............
ــ تعرض على أنا . لم يا سيدى ؟.
ــ لا يأخذنك العجب والدهش هكذا , فإن عليك دورا مهما , لكى تنجح خطتنا فى إصلاح البلاد ..
ــ طوع أمرك ورهن إشارتك ..
ــ بداية أريد أن تكون أول من يعلم أنى استصدرت أمرا من أمير المؤمنين بعزل والى الخراج فلا سلطان لنا نحن أمراء البلاد على أولئك الولاه ..
ــ لم حرصت يا سيدى على أن أكون أنا أول من يعلم بذلك ؟.
ــ حرصت على ذلك لأنى كتبت إلى الرشيد بشأنك ..
ــ بشأنى أنا ؟.
ــ أجل وأعلمته أنك ستكون ضامنا لخراج اليمن فأرسل لى كتابا , هذا هو , ستتولى بموجبه من الغد منصب والى الخراج وستكون مسؤولا عن جبايته . تلك أقل مكافأة أقدمها لرجل يعد من أخلص رجالنا ..
لم يستطع كتمان مشاعر الفرحة والدهشة وهو يتسائل ............
ــ أنا . أتولى جباية الخراج . لقد فاجأتنى يا سيدى ..
ــ إنتظر يا صديقى لم أفرغ من كلامى بعد . الأمر الثانى وهو الأهم وهذا سر أرجو أن تعدنى بألا يعلم به أى إنسان , أفهمت ؟. أى إنسان , حتى أفرغ منه ..
ــ أعدك أيها الصديق ..
ــ لقد اتخذت قرارا بالقبض على قاضى نجران ومحاكمته , سأرفع عما قريب أمره إلى أمير المؤمنين ..
تساءل فى ذهول غير مصدق لما يسمع .............
ــ معذرة يا سيدى , لا أكاد أصدق ما أسمع . تقبض على قاضى نجران . كيف . بأية تهمة تقبض عليه ؟.
إبتسم الأمير فى خبث قائلا .............
ــ مالك فزعت هكذا , ألا تصدق ؟.
ــ لا أنكر أنى قد أخذتنى الدهشة مما سمعت , إن القبض على قاض يا أمير اليمن ليس بالأمر الهين . كما أن مسألة الخراج هذه لا تصلح أن تكون ذريعة لك عند أمير المؤمنين لأن تضع الأغلال فى يد قاض من القضاه ..
ضحك فى استخفاف قائلا ................
ــ لا . لا مسألة الخراج هذه مسألة ثانوية لا قيمة لها كما قلت أنت بنفسك الآن , إنها لا تصلح مبررا للقبض على قاض , لكنى أعددت له ما هو أدهى وأمر , التهمة التى أستطيع بها وضع الأغلال ليس فى يديه فحسب بل حول عنقه أيضا وأنا مطمئن تماما ..
ــ وأمير المؤمنين هل يصدق على أمر كهذا ؟.
ــ التهمة التى أعددتها له لا جزاء لها عند الخليفة إلا السيف والنطع ..
ــ تقصد ؟. آه ..... فهمت ..
ــ أجل هو هذا الذى فهمت .. آه لو كان الأمر بيدى لسقيته والله كأس المنون اليوم قبل الغد . لكنى سوف أذيقها له إن عاجلا أو آجلا ..
قال ذلك ثم قام من مكانه ممسكا بكتفى صاحبه فى مودة مستأنفا .....................
ــ كما قلت الآن فإن القبض على قاض ليس بالأمر الهين , إلا أنى أعددت لكل شئ عدته . لم تبق إلا خطوة واحدة لن يستطيع القيام به إلا أنت وحدك أفهمت ؟.
ــ أنا جاهز من الآن لتنفيذ كل ما تأمرنى به أيها الأمير ..
ثم قال فى نفسه وهو يزفر زفرة مكتومة ................
ــ آه منذ زمن طويل وأنا فى انتظار هذا اليوم على أحر من الجمر ..
ــ كما تعلم يا صديقى , محمد بن إدريس هذا إستطاع أن يجمع الناس من حوله ويكسبهم فى صفه . هكذا دأبه وديدنه منذ زمن فلا أعرف به منى مذ كنا سويا نختلف إلى إمام دار الهجره ..
ــ أجل يا سيدى الأمير إن هذا الرجل مذ وضع أقدامه فى بلادنا والناس لا حديث لهم إلا عنه . المهم ماذا على أن أفعل ؟.
ــ سأشرح لك كل شئ فلا تعجل . القبض على هذا الرجل وانتزاعه من بين الناس من الممكن أن يثير فتنة أو تشغيبا من أنصاره أليس كذلك ؟.
ــ بلى سيدى الأمير ..
ــ ونحن حريصون على اجتناب مثل هذه الأمور , لذا فإنى رأيت لكى نتوق حدوث مثل هذه القلاقل أن نمهد لهذا الأمر . إنى عاقد عليك آمالا كبيرة فى هذا الشأن , وأترك لك اختيار الوسيلة المناسبة للتمهيد لهذا الأمر , حتى لا يفاجأ الناس به ..
ــ فهمت .. وأعدك أن أبذل كل ما فى وسعى ..
ــ أيضا لا تنسى أن تسلط عليه بعضا من السفهاء والحمقى أينما حل , يحقرون من شأنه بين الناس ويسقطون من هيبته ..
ــ كأنك تقرأ ما يدور فى رأسى , لقد وضعت هذا فى الحسبان أيها الأمير ..
ــ عظيم .. نحن متفقون إذن , وأذكرك أن لك عندى مكافأة أخرى ..
ــ أية مكافأة تلك يا سيدى ؟.
ــ لن أخبرك الآن بها , إنها مفاجأه , عندما ترجع بسلامة الله إلى نجران ستعلم كل شئ ..

يتبع.. إن شاء الله ............................


الأغـلال فـى يـد القاضـى
ما كادت تمر أيام على هذا اللقاء وفى ساعة الصفر التى حددها قائد الشرطه بعد منتصف الليل والبلدة كلها تغط فى نوم عميق , تحركت عدة فرق من العسكر وانتشرت فى أنحاء البلاد فى وقت واحد للقبض على أولئك الرافضة دعاة الفتنه والمتمردين على أمير المؤمنين هارون الرشيد . فى الوقت ذاته فرقة مخصوصة منهم مدججة بالسلاح يممت وجهها إلى بيت القاضى الشافعى فى نجران . لم يشعر إلا والمشاعل أحاطت بالدار من كل جانب وفى الحال هجموا على بيته دون استئذان وانتزعوه من بين امرأته وأولاده فى غلظة ومهانة لا يليقان بمكانته ولا بمقامه الأدبى الرفيع . تاركين زوجته بمفردها داخل جدران الدار أسيرة الرعب والفزع والذهول , وهى تضم إلى صدرها فى هلع وخوف ابنتها زينب التى أكملت شهرها الرابع من عمرها . وإلى جوارها وقف ولدها محمد يبكى بكاء متلاحقا بينما هى لا تصدق ما يجرى أمام عينيها ولا تتصور أن يحدث يوما ما تراه الآن شاخصا أمامها من مهانة وعسف لزوجها الحليم التقى الذى لم يعاد فى حياته أحدا قط .. كان الوليد بن جبير قد بدأ مهمته كما وعد أمير اليمن فور رجوعه من مكه , وأخذ يلعب دوره المرسوم له فى هذه المؤامرة فى براعة وحنكة ودراية بمثل هذه الأعمال التى يعرف أمثاله من الخبثاء كيف يجيدونها ويتقنونها . أخذ ينشر مستعينا بأعوانه الشائعات المغرضة بين البسطاء والعامة حول الشافعى , فى أنه ضالع فى التآمر على أمير المؤمنين هارون الرشيد وأنه يتردد خفية على أوكار دعاة الفتنة والتمرد من الطالبيين العلويين ساعيا لاعتلاء سدة الحكم منصبا نفسه أميرا للمؤمنين مدعيا أنه هو الأحق بذلك . إلى غير ذلك من شائعات مفتراه ليس لها ظل فى أرض الحقيقة والواقع , ولا أصل إلا فى رؤوس من زيفوها وروجوا إليها ..
كانوا يمهدون بنشرها إلى بث الرعب والخوف فى قلوب الناس وخلق مناخ مناسب لتهيئة رأى عام تمهيدا للقبض على قاضيهم المحبوب , دون أن يجرؤ واحد من هؤلاء البسطاء وعامة الناس على الجهر بمناصرته أو إعلان تأييده له , أو حتى فى أن يبدى سخطه من القبض عليه . إنهم يعرفون جزاء من يفعل ذلك وإلى أين ينتهى به المصير ..
وكان ابن جبير كذلك قد نفذ ما سبق أن وعد به أمير اليمن وأطلق من خلف الشافعى السفهاء والحمقى فى الطرقات يلقون إلى سمعه بالفاحش من سقط القول . لم يسلم من سبابهم حتى وهو جالس مع أصحابه ومريديه فى داره أو فى المسجد يرد على أسئلتهم ويبين لهم أمور دينهم . من ذلك أنه كان جالسا ذات مرة وحوله جماعة من شيوخ وشباب نجران يسألونه واحدا بعد الآخر . سأل أحدهم ..............
ــ أيها القاضى حدثنا عن الرياء , ما حقيقته ؟.
ــ الرياء يا أخى فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت أعمالهم ..
ــ وكيف يصون المرء عمله من العجب ؟.
ــ إذا أنت خفت على عملك العجب فانظر رضا من تطلب وفى أى ثواب ترغب ومن أى عقاب ترهب وأى عافية تشكر وأى بلاء تذكر . فإذا تفكرت فى واحدة من هذه الخصال صغر فى عينيك عملك ..
سأل آخر ..............
ــ متى يكون الرجل عالما ؟.
ــ إذا تحقق فى علم فعلمه وتعرض لسائر العلوم فنظر فيما فاته عند ذلك يكون عالما ..
ــ ليتك تزيدنا بيانا ؟.
ــ سأضرب لكم مثلا , قيل لجالينوس إنك تأمر للداء الواحد بالأدوية الكثيره فقال إنما المقصود منها دواء واحد . إنما جعلت معه غيره لتسكن حدته لأن الإفراد قاتل وهكذا العلم الواحد عند صاحبه ..
وسأل ثالث .........
ــ أيها القاضى , أيما أفضل الصبر أم المحنة أم التمكين ؟.
ــ التمكين أفضل الدرجات وهو درجة الأنبياء ولا يكون التمكين إلا بعد المحنه فإذا امتحن صبر وإذا صبر مكن . ألا ترى أن الله تعالى امتحن إبراهيم وموسى وأيوب وسليمان ويوسف عليهم السلام ومكن لهم فقال تعالى فى حق يوسف : “ وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض “ وفى حق أيوب : “ وآتيناه أهله ومثلهم معه “ ..
وفى هذا المجلس استمر الشافعى يرد على أسئلة القوم التى أخذت تتوالى إلى أن فاجأ أحد الحمقى الحاضرين وهو يقتحم هذا المجلس الجليل بسيل من السباب والشتائم وسقط القول . إلتفت إليه الناس مستنكرين حتى أن بعضهم هم ليدفعه خارج المكان وآخرين كشروا عن أنيابهم ليفتكوا به , إلا أن الشافعى أشار إليهم فى حزم ألا يتحركوا من أمكنتهم قائلا فى ثبات ورويه ...............
ــ أيها القوم نزهوا أسماعكم وصموا آذانكم عن سماع الخنا , كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به , فإن المستمع شريك القائل . واعلموا أن السفيه ينظر إلى أخبث شئ فى إنائه فيحرص أن يفرغه فى أوعيتكم , ولو ردت كلمة السفيه لسعد رادها , كما شقى بها قائلها ...............

يتبع.. إن شاء الله ............................



@ وقبل أن يفارق الشافعى داره مع عسكر الوالى أوصى زوجته فى عجالة أن تأخذ محمدا وزينب وغلامه أيضا وأن ترحل بهم شمالا إلى أرض مكه ليعيشوا هناك فى أمان بين أخواله الأزد , إلى أن تنكشف هذه الغمه إن كان لها أن تنكشف حقا . كان لا يعلم يقينا إن كان سيرجع إليهم مرة أخرى , أم إنها الرحلة الأخيرة والنهاية المحتومه . وعلى باب الدار حانت منه التفاتة إلى زوجته حميده وهى تضم ابنتهما زينب إلى صدرها والدموع تسيل على خديها رغما عنها . كانت تحاول دون جدوى أن تظهر الجلد والثبات أمام زوجها حتى لا تزيد عليه الهموم والآلام . فى تلك اللحظات العصيبة وردت على مخيلته صورة أمه "أم حبيبه".. تصورها وهى تحمله بين ذراعيها وتضمه إلى صدرها وهو لا يزال وليدا فى المهد , عندما كانت فى طريقها إلى رحلة كهذه قبل اثنين وثلاثين عاما جنوبا من غزة إلى مكه حقا ما أشبه الليلة بالبارحه ..
لم يكد صباح هذا اليوم الحزين يتنفس وخيوط أشعة الشمس الأولى تمتد وتتشابك معلنة ميلاد نهار جديد , إلا وكانت نجران كلها قد أصابها الوجوم وعم أهلها الحزن وعلت وجوههم الكآبة , وهم يتناقلون همسا فى ذهول ما حدث فى جوف ليلة البارحة لقاضيهم المبجل على أيدى زبانية حماد البربـرى . لم يفاجئهم هذا النبأ المشؤوم بل كانوا يتوقعون حدوثه فى كل لحظة , بعد أن آتت ثمارها حملة الشائعات الشرسة التى قادها ابن جبير وأعوانه وأعدتهم لتوقع واستقبال أحداث هذا اليوم العصيب ..
وبينما زيد كاتب القضاء يهم بالخروج إلى عمله ولم يكن قد علم بما حدث للقاضى سمع طرقات خفيفة وجلة على باب الدار . كان الطارق أحد جيرانه الذى فاجأه قائلا وهو لا يزال على عتبة الدار ووجهه ممتقع حزين ............
ــ أسمعت ما جرى بالأمس للقاضى ؟.
سأله فزعا ..............
ــ أى قاض تعنى . الشافعى ؟.
ــ أجل , هل فى بلادنا قاض سواه ..
ــ إيه يا سلمان تكلم , هل أصابه مكروه , هيا تكلم لقد أوقعت الرعب فى قلبى ؟.
ــ علمت أن شرطة الأمير هجموا على داره فى جوف الليل وساقوه مهانا إلى صنعاء والأغلال تحيط يديه وقدميه ..
ضرب بقبضة يده على جبهته معقبا ................
ــ لا حول ولا قوة إلا بالله أخيرا فعلوها , حدث ما كنا نتوقعه ونخاف منه ..
بعد لحظات صمت متبادل سأله ..............
ــ وامرأته وعياله هل علمت عنهم شيئا ؟.
رد فى عجاله .................
ــ كل ما أعرفه أنهم لا يزالون بالدار جميعا ولم يكونوا برفقته . هه السلام عليكم ..
قالها واستدار فى وجل يتعجل الخروج بعد أن أغلق الباب مخافة أن يراه أو يسمعه أحد من الزبانية المنتشرون فى كل مكان ..
لم تكد امرأته تسمع صوت الباب وهو يغلق حتى خرجت عليه مرتاعة من داخل الدار وهى تسأل فى لوعة وأسى ...............
ــ أصحيح ما سمعته الآن يا زيد ؟.
إكتفى من إجابته بالسكوت وهو مطرق حزنا يضرب بكفيه على فخذيه ضربات متلاحقة كأنه لا يصدق ما سمعه فعادت تسأله .................
ــ وماذا نحن فاعلون الآن هل نقف مكاننا مكتوفوا الأيدى تاركين امرأته وصغارها فى هذه المحنة يكابدونها وحدهم ؟.
ــ ماذا تقولين يا سعده . لقد روعت بما سمعت وأخذنى الذهول وأفكر الآن فيما سنفعله .. ردت فى حنق قائلة ..................
ــ هل هذا وقت التفكير يا رجل . ماذا تنتظر هيا قم بنا الآن إليهم فى التو ..
وفى بيت القاضى الشافعى جلست حميده العثمانيه والدموع تترجرج فى مآقيها تقص عليهما ما جرى لهم بالأمس , وفى نهاية كلامها أخبرتهما أنها تعد نفسها لرحلة العودة إلى مكة كما أوصاها زوجها قبل أن يقتادوه خارج الدار . أطرق زيد قليلا ثم قال لها .....
ــ لولا أن هذه وصيته لما تركناك ترحلين من هنا حتى تنكشف تلك الغمه ..
أكملت سعده قائلة ..............
ــ أجل والله لقد اتفقت مع زيد ونحن فى الطريق إليك أن لا نرجع من عندك إلا وأنتم معنا وفى ضيافتنا إلى أن يعود القاضى فى سلام . سيعود حتما إن شاء الله ..
قال زيد ..............
ــ على أية حال ما دامت تلك رغبة سيدى القاضى ووصيته فعليك أن تنتظرى هنا فى الدار , لا تتحركى منها وغدا فى الفجر سآتيك أنا وسعده ومعنا الركائب لنكون فى صحبتك فى تلك الرحله حتى تصلين بسلام إلى مكة بإذن الله ..
حاولت أن تعترض على كلامه إلا أنه أسكتها قائلا ................
ــ لا تقولى شيئا فنحن لن ندعك بأية حال تقطعين الطريق من نجران إلى مكة وحدك أبدا . لن نتركك إن شاء الله إلا بعد أن نطمئن عليكم جميعا وأنتم فى ذى طوى بمكه فى دار الأزد . تأكدى أنك وولدك وابنتك منذ اللحظة أمانة فى أعناقنا ..

يتبع.. إن شاء الله ............................


@ سيق الشافعى مع بقية المقبوض عليهم زمرا إلى مقر الأمير فى صنعاء , لم يجد سببايدفع جند الأمير إلى انتزاعه من داره بتلك القسوة وهذا الشكل المهين . إنه القاضى المبجل الذى يحظى باحترام الجميع , فضلا عن أنه لم يقدم للناس إلا الخير كله ولم تصدر منه مساءة لأحد أبدا . لم تكن بينه وبين أحد لدد أو خصومة إلا هؤلاء الخارجين على الشرائع والأحكام , هم وحدهم الذين كانوا يعادونه ويقفون منه موقف الخصماء . حاول أن يستفهم عن تهمته من حراسه إلا أنهم جميعا أطبقوا أفواههم , إلتزموا الصمت تلك كانت تعليمات قائد الشرطة لهم والويل كل الويل لمن يخالفها . لكنه كان على ثقة أن حماد البربرى وراء هذه المؤامرة الدنيئة والرأس المدبر لها وأنه يتربص به منذ أول يوم وضع فيه أقدامه فى اليمن منتظرا فرصة مواتية ينقض فيها عليه ..
هو من ناحيته كان يتجاهله ولا يعيره اهتماما منذ توليه منصب الإماره . لم يحاول مرة واحدة أن يسعى إليه فى دار الحكم مع جملة الساعين طلبا للزلفى والمكانه . كان يقضى وقته إما فى ديوان القضاء يفصل فى الظلامات التى ترفع إليه , أو بين كتب العلم التى كان يعكف عليها بقية يومه , أو وسط العلماء وهو يرتاد مجالسهم بين الحين والآخر . فى تلك الأيام كانت شخصيته العلمية قد بدأت تتبلور وتأخذ شكلا متفردا بين علماء زمانه . إلا أنه مع ذلك لم يدخر جهدا فى مواصلة القراءة والتلقى عن شيوخ عصره بحثا عن المعرفة فى علوم الدين وعلوم الدنيا أيضا . قال لزوجته حميده لما طلبت إليه ذات مرة أن يعطى لبدنه حقه من الراحه وهى مشفقة عليه من طول سهره وانقطاعه إلى القراءة والتدوين , رد عليها قائلا ..............
ــ يا عثمانيه من تعلم القرآن عظمت قيمته , ومن نظر فى الفقه نبل قدره , ومن كتب الحديث قويت حجته , ومن نظر فى اللغة رق طبعه , ومن نظر فى الحساب قوى رأيه , ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه ..
وفى مرة سمعته وهو يقول لأحد جيرانهم جاء يدعوه لوليمة أقامها لمناسبة زواج أكبر أبنائه ...............
ــ أما عنى فلا أحب أن يتخلف القاضى عن دعوة وليمة العرس , لكن معذرة أيها الجار لن أستطيع تلبية دعوتك وأرجو أن تسامحنى ..
ــ لم يا سيدى القاضى ؟.
ــ لقد أقيمت ولائم من قبل ولم أحضرها , والقاضى إما أن يجيب كلا وإما أن يترك كلا ..
مع ذلك كان الشافعى حريصا على أن يعود المرضى منهم وأن يحضر الجنازات ويأتى مهنئا لمقدم الغائب . كان حريصا أيضا ألا يشترى بنفسه حاجاته وحاجات بيته من السوق ويوكل هذه المهمة لغيره خوفا من المحاباة بالزيادة فى الوزن أو الكيل . هذا هو الشافعى الذى فوجئ بنفسه ذات يوم وهو يقف فى هذا الموقف المهين مكبلا بالأغلال ليدافع عن نفسه أمام غريم الأمس , متهما فى جرائم لا يعلم عنها شيئا حتى اللحظه . اللهم إلا ما همس له به زيد قبل أيام عن تلك الشائعات التى يتناقلها الناس عنه وعبر له عن مخاوفه من أن تكون هذه خطة مدبرة من أعدائه للكيد له والإطاحة به والقضاء عليه . وقتها لم يزد الشافعى على أن قال له وهو يبتسم فى صفاء وسكينة نفس ..................
ــ يا زيد ليس إلى السلامة من الناس من سبيل , لا تجزع يا رجل أما سمعت قول الله تعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" ..
أكمل وفى عينيه نظرة إشفاق وخوف ..............
ــ صدق الله العظيم ………………

يتبع.. إن شاء الله ............................



@ أخذ حماد البربرى يطيل النظر إليه فى شماتة ممسكا بيمناه عصا الأبنوس والعاج يضرب بها على كفه الأيسر ضربات متباطئة فى رتابة , لم يكن يسمع فى القاعة غير وقعها على كفه وهو يبتسم ساخرا فى تشف واستهزاء . بينما الشافعى واقف أمامه فى أنفة وشموخ غير عابئ به ولا بنظراته الحادة السامة يسددها إليه كأنها خنجر مسموم يحمل فى نصله حقد السنين الماضيه . غير أنه كان يتمتم فى نفسه كلمات يناجى بها ربه . أخيرا قام من على كرسيه , إتجه ناحية الشافعى وأخذ يدور من حوله متباطئا ثم قال له فى صوت كفحيح الأفعى ..................
ــ أخيرا التقينا أيها المكى , ألم أقل لك فى المدينة أننا سنلتقى يوما ما ؟.
مرت لحظات صمت قبل أن يرد الشافعى بصوت خفيض فى هدوء ورباطة جأش ............
ليت الكلاب لنا كانت مجاورة .. وليتنا لم نر ممن نرى أحدا ..
إن الكلاب لتهدى فى مواطنها .. والناس ليس بهاد شرهم أبدا ..
قبل أن يتوجه إليه بالسؤال قال حماد فى نفسه محاولا كظم غيظه متظاهرا أنه لم يسمع ما قاله غريمه ......... هكذا , سنرى الآن ماذا أنت فاعل أيها المغرور ..
ــ هيه تكلم يا قاضى نجران ..
سأله الشافعى ساخرا وقد أطلت من عينيه أكثر من علامة استفهام ............
ــ أتكلم . عن أى شئ تسأل أيها الأمير ؟.
رد كالواثق من نفسه متصنعا الهدوء وضبط النفس ..............
ــ ألا تعرف حقيقة ؟. وهو كذلك سأخبرك . بلغنى أيها القاضى المبجل . أنك ... من أصحاب عبد الله بن الحسن العلوى , وأنك ... ترددت على داره غير مره , وأنك ... تدعو سرا ليحى بن عبد الله . أيكفيك هذا أم تريد المزيد ؟.
ــ والله لإن يحشرنى الله تعالى تحت راية رجل من أهل بيت رسول الله وأهل قرابته كعبد الله بن الحسن , أحب إلى من أن أحشر تحت راية خارجى يأخذه الله بغتة كقطرى بن الفجاءة المازنى رأس الخوارج ..
ــ أفهم من ذلك أنك لا تنكر موالاتك للعلويين , عظيم .. ما قولك فيما جاءنى أنك تردد كلاما كثيرا عن أحقية آل البيت بالإمامه . وأنك تردد ما يقوله هؤلاء الرافضه وطعنهم فى إمامة أبى بكر وعمر ؟.
ــ هل لك أن تخبرنى أنت أين ومتى قلت ذلك الإفك ؟.
رد قائلا وهو يتلهى بالنظر إلى عصا الأبنوس فى يده .............
ــ إفك . تقول إفك ؟. قلته مرات كثيرة , وفى أكثر من مكان وعندى الشهود على ذلك ..
رد الشافعى هازئا .................
ــ الشهود ؟. أى شهود أولئك الذين تتحدث عنهم يا هذا ؟. كذب عليك من أبلغك هذا الإفك , هذا إن كان شيئا قد بلغك كما تدعى . إعلم أنه ما يكون لمثلى ولا يليق به أن يردد مثل هذه الأباطيل ..
ــ أتنكر أنك صرحت فى غير مكان بأنك رافضى ..
ــ كيف ومتى قلت ذلك ؟.
ــ ألست القائل .............. فليشهد الثقلان أنى رافضى ؟.
ــ أجل قلت ذلك, وكيف لى أن أنكر ما قلت ..
ــ وهذا اعتراف آخر منك , إعتراف صريح . ليتك تعيد على أسماعنا نص ما قلت ..
قال الشافعى وقد شابت نبرات صوته بعضا من الحده .............
يا راكبا قف بالمحصب من منى .. واهتف بقاعد خيفها والناهض ..
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى .. فيضا كملتطم الفرات الفائض ..
إن كـان رفضا حب آل محمد .. فليشهـد الثقلان أنى رافضى ..
ــ عظيم ها أنت تعترف أنك رافضى فلم أنكرت فى البدايه ؟.
ــ لأنك تقول كلاما مبتورا , كمن تلا قوله تعالى فى سورة النور [ الذين آمنوا لهم عذاب أليم ] دون أن يقرأ صدر الآيه ..
سأله مستهزئا وهو يعبث فى لحيته بأنامله ..............
ــ وما صدر الآيه ؟.
ــ بسم الله الرحمن الرحيم "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم" صدق الله العظيم ..
ــ ليتك تبين لنا ما تعنيه يا فيلسوف العصر والأوان ؟.
ــ إن دينى يملى على وعلى كل مسلم أن يحب عليا صهر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وابن عمه وأول من أسلم من الصبيان والنائم فى فراشه ليلة الهجره ..
قاطعه حماد قائلا ................
ــ فأنت إذن من شيعة على , الرافضين لإمامة أبى بكر وعمر . إياك أن تنكر ذلك بعد أن ادعيته فيما قلته من قريض قبل قليل ..
ــ إعلم أيها الرجل , أن عليا إبن عمى وابن خالتى , ولو كان الأمر كما قلت لكنت بهذه الكرامة أولى ولكن ليس الأمر كما تدعى ..
ــ لم تجب على سؤالى بعد ألست منهم . أعنى أولئك الشيعة الرافضه ؟.
ــ أعوذ بالله أن أكون منهم فإنهم شر عصابه . إننى أجيز فى القضاء شهادة أهل الأهواء كلهم إلا تلك الفئة الباغيه ..
ــ فماذا تقول عن أبى بكر وعمر ؟.
ــ كل واحد منهما له قدره ومنزلته وشرفه . لقد أثنى الله تعالى على أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فى القرآن والتوراة والإنجيل . وسبق لهم على لسانه "صلى الله عليه وسلم" من الفضل ما ليس لأحد بعدهم فرحمهم الله وهناهم بما آتاهم . إنهم أدوا إلينا سنن النبى "صلى الله عليه وسلم" وشاهدوا الوحى ينزل عليه فعلموا ما أراد "صلى الله عليه وسلم" عاما وخاصا وعزما وإرشادا وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا . وهم فوقنا فى كل علم واجتهاد وورع وعقل وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من أرائنا لأنفسنا ..
ــ فأنت إذن ناصبى تناصب آل البيت العداء ..
ــ من قال هذا ؟. إن حبى لأبى بكر رضى الله عنه الصديق الأكبر ورفيق النبى "صلى الله عليه وسلم" فى أقدس رحلة وثانى اثنين إذ هما فى الغار وخليفة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لا يمنعنى من حب على كرم الله وجهه ولا يجعلنى أناصب آل بيت النبى العداوة كما يدعى أصحاب القلوب المريضة والعقول القاصره . كذلك لا يمنعنى من حب عمر وعثمان وكل أصحاب النبى "صلى الله عليه وسلم" ..
ــ أفصح يا رجل , أرافضى أنت أم ناصبى ؟.
ــ عجيب أمرك أيها الرجل إما أنك لم تفهم قولى بعد وإما أنك تتعمد ذلك ؟. كيف تدعى على هذا وتقذفنى بهذه التهم الباطلة بعد كل ما سمعت ؟.
قال ذلك ثم أطرق برهة ورفع رأسه قائلا .................
إذا نحن فضلنا عليا فإننا .. روافض بالتفضيل عند ذوى الجهل ..
وفضل أبى بكر إذا ما ذكرته .. رميت بنصب عند ذكرى للفضل ..
فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما .. أدين به حتى أوسد فى الرمل ..
حاول حماد أن يبدو متماسكا وهو يبتلع الإهانة فى صمت دون أن يعقب على تعريض الشافعى به ورميه إياه بالجهل . أخذ يحدجه واجما بنظرات حادة ناريه والشرر يتطاير من عينيه وهو يشير للحراس أن يعيدوه مرة أخرى إلى محبسه , ثم نادى على كبير الشرطة قائلا له وهو يتميز من الغيظ .............
ــ تأكد من وضعه فى زنزانة محكمة بمفرده بعيدا عن باقى المتمردين . شدد عليه الحراسة وكذلك على من معه ريثما أعود من بغداد بعد أن أعرض أمرهم على أمير المؤمنين ..

يتبع.. إن شاء الله ............................


بغـداد 184 هجريه .. الإتهام

@ أقبل العشاء وأظلم الليل واتخذ الرشيد مكانه فى مجلس الراحة والسماع بعد أن فرغ من أعماله وإحكام أمور الخلافه . كان متكئا فى استرخاء على سرير من الذهب المرصع بالدر والياقوت فوق سدة فى صدر المجلس , منصوبة بين اسطوانتين من أساطين الإيوان مجللتين بالوشى الممتزج بالذهب , وقد وقف عند كل واحدة منهما "وصفاء" فى أيديهم المناديل . ووراء السدة من الجانبين رجلان يبدو كل واحد منهما كأنه مارد خارج من القمقم لتوه واضعا يده على مقبض سيف مسلول ..
عن يمينه جلست شقيقته العباسه وعن يساره زوجها جعفر بن يحي البرمكى ومن حوله بعض خاصته وسماره . وفى الجهة المقابلة من القاعة اتكأت زبيده زوج الرشيد على سرير من الأبنوس المطعم بالذهب والفضه . كانت إمرأة عبقرية الحسن والجمال وضاحة الوجه كأنها البدر فى ليلة التمام , لها مهابة وسطوة تتجلى فى عينيها لمن يقع بصره عليها ..
جلست ومن حولها جواريها وقد فاحت من كل ناحية روائح الطيب على اختلاف أنواعها فعطرت أرجاء المكان بعرف شذاها الذكى , وهم يستمعون إلى إبراهيم الموصلى بينما يضرب على عوده فى براعة وإجادة منشدا فى نغم بديع بصوته العذب الرخيم : .......
إلى وجهه تسمو العيون وما سمت .. إلى مثل هارون العيون النواظر ..
ترى حوله الأملاك من آل هاشم .. كما حفت البدر النجوم الزواهر ..
إذا فقـد الناس الغمام تتابعت .. عليهم بكفيك الغيوم المواطر ..
وأبناء عباس نجوم مضيئة .. إذا غاب نجم لاح آخر زاهر ..
ليهنكم الملك الذى أصبحت .. بكم أسرته مختالة والمنابر ..
كان الرشيد يستمع إليه مطرقا وجهه إلى الأرض , لا يجلس غالبا إلا هكذا ما يرفع إليه طرفه إلا نادرا تلك سجيته . كان من أرق الخلفاء وجها وألطفهم سمتا وخلقا ..
فى تلك الأثناء كان قائد الشرطة يتخطى أبواب القصر الأربعة راكبا جواده يرافقه رجل ملثم يمتطى جوادا آخر . بينما الحراس يفتحون لهما الباب تلو الآخر حتى إذا تخطيا الباب الأخير نزلا عن جواديهما وتركاها لأحد الغلمان المكلفين بهذا , سارا فى طريق طويل إلى أن صارا داخل قبة القصر . تناهى إلى أسماعهما صوت المغنى على نغمات العود وإيقاعات الدفوف والمزاهر ..
توقفا مكانيهما لحظات أشار خلالها قائد الشرطة لرفيقه الملثم الذى لم يكن سوى أمير مكة واليمن حماد البربرى أن ينتظر فى إحدى الغرف الملحقة بقاعة الرشيد , أعدها لتكون مقرا لانتظار ضيوفه ريثما يؤذن لهم بالدخول . تقدم هو بمفرده إلى داخل مجلس أمير المؤمنين ..
لمحه الرشيد متجها إليه فأدرك من خطواته وملامحه أن وراءه أمرا , فلم يكن لأحد من رجاله أن يدخل عليه مجلس السماع والمسامرة إلا لأمر هام . إلا قائد الشرطة كان من القلائل المسموح لهم كما هو الحال بالنسبة لبعض الوزراء والمقربين من رجاله , دخول مجلسه فى أى وقت وبدون استئذان من حجابه إن كان لديهم أمور واعتبارات تتعلق بأمن البلاد ومصالح الدولة العليا . أشار إليه برأسه أن يدنو منه فقال هامسا وهو يميل على مسامعه ...........
ــ مولاى أمير المؤمنين , حماد البربرى أمير مكة واليمن بالباب , ينتظر الإذن بالمثول أمامكم ..
سأله الرشيد هو الآخر هامسا ...........
ــ حماد . ما الذى جاء به إلى بغداد الآن , ماذا وراءه يا ترى ؟.
ــ يقول إن لديه أنباء هامه ..
ــ أفلا ينتظر لصباح الغد ؟.
ــ إنه يبدو قلقا , و.... فى عجلة من أمره ..
ــ ألم يخبرك بما لديه ؟.
ــ لا يا أمير المؤمنين , حاولت أن أستعلم منه عما وراءه إلا أنه أبى , أصر أن يخبرك بنفسه . كل ما فهمته من كلامه أنها أنباء خطيره تمس أمن البلاد ..
ــ ليدخل إذن ما دام الأمر كذلك .
ــ عفوا يا مولاى , إنه يريد أن يحادثكم على انفراد ..
قالها وهو يتراجع خطوات للخلف . صفق الرشيد بيديه تصفيقتين إيذانا بإنهاء مجلس السماع خرج على إثرهما المغنون والعازفون والجوارى . أشار للباقين من خاصته وأهل بيته أن ينصرفوا هم أيضا , لم يستبق فى المجلس سوى قائد الشرطة وكبير حجابه وكاتم أسراره الفضل بن الربيع ..
أشار قائد الشرطة من مكانه إلى حارس الباب بعد أن أذن له الرشيد أن يدخل عامله على مكة واليمن . تقدم وألقى التحية ثم لبث مكانه ساكنا منتظرا أن يؤذن له بالكلام . لم يكن من عادة من يدخل على أمراء المؤمنين حتى لو كان من المقربين أن يبدأ الكلام إلا بإذن أو إشارة منـه ..
بادره الرشيد متسائلا .............
ــ تكلم يا أمير مكة واليمن ماذا وراءك ؟.
ــ قدمت توا من اليمن يا أمير المؤمنين حاملا أنباء على جانب كبير من الأهمية ..
ــ تكلم أيها الأمير فإنى مصغ إليك ..
ــ تمكنت أخيرا يا مولاى أن أضع يدى على جماعة من أولئك الذين يشيعون الفتنة والفساد فى البلاد ..
ــ أفصح , إلى أى جماعة ضالة ينتمون ؟.
ــ إنهم من الشيعه والرافضه , يدعون سرا لذلك الطالبى يحى بن عبد الله ..
قاطعه الرشيد متسائلا ...............
ــ يحى بن عبد الله من يكون . آه , تقصد الطالبى الذى أودعته سجن بغداد قبل سنوات ؟.
ــ تماما يا مولاى إنه هو ..
سكت الرشيد برهة راح خلالها فى تفكير عميق وقد أخذته الهواجس والظنون وهو يحدث نفسه ............ يحى بن عبد الله . كيف ذلك . من أين لهؤلاء الناس به وهو ملقى فى غياهب السجن ؟. أيكون قد تمكن من الـ .. لكن لا . من غير المعقول أن يكون قد تمكن من الفرار . لقد سلمته بنفسى وأوكلت أمره لأخلص رجالنا وأقربهم إلى قلبى الوزير الفضل بن يحي البرمكى ..
رجع الرشيد من خواطره التى تزاحمت داخل رأسه وعاد يسأل عامله.........
ــ كم يبلغ عدد هؤلاء المتمردين الخارجين علينا ؟.
ــ ثمانية وأربعون رجلا , لم تغفل عيوننا عنهم لحظة واحده كانوا تحت المراقبة الصارمة طوال الأشهر الماضيه , وهم الآن جميعا فى قبضة أيدينا بعد أن أودعتهم سجون صنعاء فى انتظار ما تأمر به فى شأنهم ..
ــ هل معك بيانا بأسمائهم ؟.
ــ أجل يا مولاى , هذه الكراسة مدون فيها أسماءهم وأسماء آبائهم , و... جناية كل واحد منهم ..
أشار الرشيد بيده ناحيته متسائلا ...............
ــ وما هذه الكراسة الأخرى ؟.
ــ إنها تخص واحدا منهم بعينه ..
ــ من يكون ؟.
ــ إنه كبيرهم أفردت له كراسة وحده فيها كل شئ عنه ..
ــ لم أفردت له بيانا وحده ؟.
تنحنح حماد قائلا ...........
ــ إنه كما قلت كبيرهم كما أن جنايته أعظم وهو أخطرهم يا مولاى . يعمل بلسانه ما لا يعمله الرجل بسيفه فهو يملك من قوة البيان وذلاقة اللسان وفصاحة اللفظ وسرعة البديهة ما يمكنه من أن يؤثر فى سامعيه ويخلب ألبابهم . والأدهى من ذلك يا مولاى أنه .....
ــ أنه ماذا يا أمير مكة واليمن تكلم ؟.
ــ إنه يجاهر بآرائه تلك فى كل مكان يذهب إليه أو أى مجلس يتواجد فيه دون خوف أو حياء مستندا إلى نفوذه وإلى نسبه الذى يدعيه ..
ــ أى نسب هذا الذى يدعيه دعى متمرد مثله ؟.
ــ إنه يدعى كذبا أنه طالبى من أبناء المطلب بن عبد مناف ..
قاطعه الرشيد متسائلا ................
ــ وأى نفوذ أو سطوة يملكهما متمرد مارق مثله ؟.
ــ إنه يعمل بالقضاء , قاضيا على نجران واستطاع من خلال عمله مستعينا بدهائه وسحر بيانه أن ينشر ضلالاته وينفث سمومه بين الناس وأن يجذب كثيرا من العامة إليه حتى تمكن فى زمن يسير أن يؤلف قلوب الناس من حوله ..
ــ صدقت أيها الوالى إن من البيان لسحرا ..
ثم علا صوته مرة واحدة : منذ متى والقضاة يشتغلون بمثل هذه الأمور ؟. إن هذا لمما يخل بجلال القضاء وهيبته كيف سمحت له بذلك ؟.
ــ لم أكن أملك فى بداية الأمر حيلة معه خاصة وهو يتحصن فى ثوب القضاء وهيبته . غير أنى حاولت أن ألفت نظره بالحسنى أكثر من مرة لأفعاله تلك وأن يكف لسانه عن الخوض فى هذه الأباطيل التى يرددها دون جدوى . كان يحتمى بعباءة القضاء من ناحية وبجموع الدهماء الذين التفوا من حوله من ناحية أخرى . أجل يا مولاى رغم كل هذا أوقع نفسه فى المحظور وفى تلك الأوراق بيان مفصل بكل ما حدث منه من أقوال وأفعال ..
أخذ الرشيد يقلب فيها على مهل ثم عاود سؤاله وعينه لا تزال على الأوراق تتصفح فقرا منها ..........
ــ هل واجهته بأقواله وأفعاله تلك ؟.
ــ أجل يا مولاى أمام إصراره على المضى فى أفعاله وإثارته للناس إضطررت للتحفظ عليه حتى أحول بينه وبينهم . خوفا من وقوع الفتنة التى كنا نتوقع اشتعالها بين لحظة وأخرى ثم واجهته بأقواله وأفعاله ..
ــ ماذا كان رده ؟.
ــ أخذ يراوغ ويناور ويتلاعب بالألفاظ والمعانى كدأبه معى كل مره غير أنه فى النهاية لم يستطع الإنكار أو التنصل من أقواله وادعاءاته . إنه يا مولاى لا يكتفى بتشيعه للبيت العلوى والكلام عن أحقيتهم فى الإمامة والخلافه بل قال أكثر من مرة وفى أكثر من مكان ما هو أدهى من ذلك وأمر ..
ــ أدهى من ذلك وأمر . أى شئ أدهى وأمر من ذلك إلا أن يكون طامعا فى الخلافه ؟.
قال العبارة الأخيرة ساخرا إلا أنه فوجئ به يرد قائلا .............
ــ تماما يا مولاى , هو ذاك ..
نظر إليه نظرة ساخرة وهو لا يزال غير مصدق فأردف ............
ــ تلك هى الحقيقة يا مولاى , إنه تحدث أكثر من مرة عن أحقيته هو نفسه بالخلافه ..
ــ عجيب ما أسمع , من يكون هذا الدعى المارق ؟.
ــ إنه يدعى ... محمد بن إدريس الشافعى ..
أطرق برهة كان يحاول خلالها أن يتذكر أمرا وهو يردد إسمه مرات ثم قال .........
ــ محمد بن إدريس , كأنى سمعت بهذا الإسم قبل اليوم . لكن أين ومتى يا ترى , لا أذكر الآن ؟.
قالها الرشيد وهو يهم بالقيام واقفا إيذانا بانتهاء المقابلة ثم أردف غاضبا .........
ــ أيها الأمير أرسل إلينا هؤلاء المتمردين فى الحال الويل له ولهم ..
إنحنى حماد متراجعا للخلف وهو يقول ............
ــ السمع والطاعة يا أمير المؤمنين ..
كان الفضل بن الربيع يرقب هذا الحوار من ركن قريب وقد بان على وجهه القلق والضيق وأخذه الدهش عندما سمع الرجل يردد إسم صديقه الشافعى وأنه يأتى فى مقدمة المتمردين . بوغت لدى سماعه إسم صاحبه وأدرك أن صديق طفولته وصاحب الجميل والفضل عليه يتعرض لمحنة كبرى ستكلفه حياته حتما , فالرشيد لا تأخذه شفقة بأحد كائنا ما كان ولا يعرف التسامح أو العفو فى أمثال هذه التـهم وأشباهـها ..
هم أن يسارع بدفع هذه التهمة الخطيرة عن صديقه وأن يذكره به وهو يحاول أن يتذكر اسمه وأنه صديقه القديم الذى التقى به فى المدينة قبل سنوات قليلة وحدثه آنذاك عنه وعن علمه الغزير . كان الفضل بن الربيع قادرا على هدم ادعاءات البربرى كلها ودحضها من أساسها فهو على ثقة أن صاحبه برئ من هذه التهمة الشنيعة وأنه لا يمكن له أن يتورط مع فئة ضالة كهذه الفئه وهو يعلم عنه أنه ليس من المغرمين بأمور السياسة وألاعيب الحكم ومشاكله ..
فليبادر إلى أمير المؤمنين ويعرفه أن الشافعى برئ من هذه التهم الباطلة قبل أن يقوى غضبه عليه وأن ما يدعيه أمير اليمن محض افتراء وأباطيل وأن أخلاقه وعلمه يأبيان على مثله أن ينهج مثل هذا النهج السقيم وأن يحذو حذو المبطلين القائلين بأفضلية سيدنا على فى الخلافة على سيدنا أبى بكر وسيدنا عمر رضى الله عنهما . ليس هذا فحسب بل إنه متهم بشق عصا الطاعة والولاء ورفض خلافة الرشيد وأنه المحرض الأول للفتنة والداعى لها ..
أخذ الفضل يراود نفسه وراح فى شد وجذب معها وأخيرا قرر أن يرجئ وساطته إلى وقت لاحق بعد أن تهدأ نفس أمير المؤمنين . إنه الآن فى قمة غضبه وثورته والوقت ليس مناسبا للوساطة والشفاعه فليتراجع إذن إلى وقت يكون الرشيد فيه مسترخيا ساكن النفس وإلا تعقدت الأمور . كان الفضل لطول خبرته وحنكته فى بلاط الرشيد يعلم متى يحادثه فى مثل هذه الأمور ومتى يجب على مثله أن يمتنع ..

يتبع.. إن شاء الله ............................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 16/05/2011 الساعة 17h51
رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 10h04.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd