* : محاولات في تحسين ملفات الرواد (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : د أنس البن - - الوقت: 12h40 - التاريخ: 22/12/2025)           »          طلبات نوتة أ / عادل صموئيل الجزء الثانى (الكاتـب : عادل صموئيل - آخر مشاركة : عمرو الهنداوي - - الوقت: 23h00 - التاريخ: 21/12/2025)           »          مساهمات اختيارية من الأعضاء لسماعي لعام 2026 (الكاتـب : سماعي 2 - آخر مشاركة : خليـل زيـدان - - الوقت: 22h52 - التاريخ: 21/12/2025)           »          ياس خضر 1938-2023 (الكاتـب : Mona - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 22h32 - التاريخ: 21/12/2025)           »          نجيب السراج- 31 كانون الثاني 1923 - 18 حزيران 2003 (الكاتـب : ADEEBZI - آخر مشاركة : CHAMIKH - - الوقت: 16h02 - التاريخ: 21/12/2025)           »          فرقة التراث الحلبية (الكاتـب : ناصر فخري - آخر مشاركة : redstar4mj - - الوقت: 10h49 - التاريخ: 21/12/2025)           »          خليفي أحمد (الكاتـب : ridha26 - آخر مشاركة : hamid faical - - الوقت: 02h51 - التاريخ: 21/12/2025)           »          صالح الكويتي وداود الكويتي (الكاتـب : عمر كامل - آخر مشاركة : غريب محمد - - الوقت: 19h28 - التاريخ: 20/12/2025)           »          فايزة رشدى (الكاتـب : غريب محمد - - الوقت: 18h45 - التاريخ: 20/12/2025)           »          محمد عثمان- 1854 - 19 ديسمبر 1900 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : يحي قباني - - الوقت: 18h34 - التاريخ: 20/12/2025)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > مجلس العلوم > المكتبة > أشعار العرب

تنبيه يرجى مراعاته

تعلم إدارة سماعي، الأعضاء أن كل الملفات والمواد المنقولة من مواقع خارجية أو مواقع تخزين للكتب أو المتواجدة بكثرة على شبكة الإنترنت ... سيتم حذفها دون إعلام لصاحب الموضوع ... نرجو الإلتزام ... وشكرا


رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 04/09/2010, 12h42
الصورة الرمزية ليلى ابو مدين
ليلى ابو مدين ليلى ابو مدين غير متصل  
رحـمة الله عليها
رقم العضوية:528319
 
تاريخ التسجيل: June 2010
الجنسية: مصرية
الإقامة: الكويت
المشاركات: 1,489
افتراضي رد: نازك الملائكة

أشواق وأحزان
نازك الملائكة



أين منّي حرارة الأمس والحا


ضر يمشي بين الأسى والخمود؟

أسفا للماضي الإلهيّ هل ما

تت أغانيه في فؤادي الوحيد؟

آه يا شاعري لماذا تهاوي

ت بعيدا وراء أمسي البعيد؟

وأنا لم أزل صلاة لعيني

ك وإعصار لهفة وشرود

***

آه هل غاب عن ظلام حياتي

كلّ ما كان لهفة وفتونا ؟

كيف ضاع الحبّ الإلهيّ يا طا

ئري الحرّ فانفجرت ظنونا ؟

وأنا لم أزل فؤادا على الشو

ق يداري غرامه المدفونا

ليتني كنت بحت يا حلم الرو

ح وأعلنت حبّي المكنونا

***

كيف مرّت أيّامنا كيف مرت

بين فكّ الأشواق والأحزان ؟

ملء قلبي وقلبك الحبّ والشّو

ق ولكن نلوذ بالكتمان

كّلما حدّثتك عيناي بالحب

أعاقب عينيّ بالحرمان

كيف يا شاعري كتمنا ولم يع

ص كيوبيد قبلنا عاشقان ؟

***

كيف ضاعت عواطفي ؟ كيف أنسوا

ك غرامي وحيرتي ووفائي؟

ملأوا قلبك النبيل أباطي

ل وصاغوا كواذب الأنباء

وقضيت الأيّام أذرف إحسا

سي دموعا وأستلذّ شقائي

لا لقاء غير الظنون ولا فر

حة غير الخيال والأصداء

***

أنت أنت الذي احتفظت بذكرا

ه فلم ينسها فؤادي الوفيّ

كيف غابت عن ذكرياتك أحلا

مي وشوقي وحبّي الروحيّ

شهد العود كيف علّمته حب

ك مثلي فهو المحبّ الشقيّ

شهد المعبد الكئيب لحبي

أن حبي مخلّد أبديّ

***

يا نشيدي متى ستأتيك الحا

ني فتصغي إلى هتافات حبّي؟

فيم أقضي الأيّام أكتم أشوا

قي وقد ضاق بالعواطف قلبي

ابدا نلتقي فأعرض حيرى

ولقلبي الكئيب أشواق صبّ

إنّها الكبرياء تمتلك الرو

ح فيبدو المحبّ غير محبّ

***

ضاع عمري الحزين في معبد الحز

ن وأذوته لهفتي وشكاتي

لم يزل حّبي العميق عميقا

لم تزده السنين غير ثبات

لم أزل تضحك النجوم وتبكي

وتغني على صدى آهاتي

لم أزل في الحياة ورقاءك الحي

رى وما زلت أنت حلم حياتي
****


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04/09/2010, 12h50
الصورة الرمزية ليلى ابو مدين
ليلى ابو مدين ليلى ابو مدين غير متصل  
رحـمة الله عليها
رقم العضوية:528319
 
تاريخ التسجيل: June 2010
الجنسية: مصرية
الإقامة: الكويت
المشاركات: 1,489
افتراضي رد: نازك الملائكة

إلى عيني الحزينتين
نازك الملائكة


عينيّ , أيّ أسى يرين عليكما


ويثير في غسق الدجى دمعيكما ؟

إني أرى خلف الجفون ضراعة

تستنطق الكون العريض المبهما

أفقان تحت الليل ألمح فيهما

قطرات ضوء يرتشفن الأنجما

الكون مبتسم فأيّة لوعة

يا مقلتيّ تلوح في جفنيكما ؟

مسكينتان , رأيتكما ما لا برى

جيل أقام على لضلال وحوّما

جهل الحقائق في الحياة , فلم يطق

عن زيفها هربا وعاش مهوّما

مسكينتان كتمتما حمم الأسى

فأبى تأوه خافقي أن تكتما

فإذا الدموع غشاوة رّفت على

جفنيكما , سيلا سخينا مفعما

ورأيتما , خلل الدموع , مفاتن ال

ماضي وطاف الشوق في أفقيكما

عبثا تصوغان التوسّل في الدجى,

قلب القضاء قضى بألا تنعما

عبثا , فيا عينيّ لا تتضرّعا

لا شيء يرجع بالجمال إليكما

حسبي وحسبكما الرضوخ لما قضى

قلب الليالي فارضخا واستسلما

كم حالم من قبلنا فقد المنى

فقضى الحياة لوحده متجّهما

يرعى الليالي مانحا ظلماتها

روحا مجنحة وقلبا ملهما

***

عينيّ , يا سرّ الطبيعة , حدّثا

ماذا وراء الكائنات رأيتما ؟

رفعت دياجير الحياة ستورها

لكما وابدت سرّها المستبهما

هاتا حديث الموت , هاتا سرّه

قد آن , يا عيني, أن تتكلما

ما شاطىء الأعراف ؟ ما ألوانه ؟

ما سرّه الخافي ؟ صفاه وترجما

في صدري الخفّاق قلب راعش

ما زال صبا بالمفاتن مغرما

لولاه , يا عينيّ , ما غنّيتما

بهوى الحياة ولا أصابكما الظما

عذرا إذا حمّلتما حزن الدنا

لولاي , يا عينيّ , ما حمّلتما

وكفى فؤادي , في الحياة , شقاوة

أنّي جنيت , مع الحياة , عليكما
*****
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04/09/2010, 13h02
الصورة الرمزية ليلى ابو مدين
ليلى ابو مدين ليلى ابو مدين غير متصل  
رحـمة الله عليها
رقم العضوية:528319
 
تاريخ التسجيل: June 2010
الجنسية: مصرية
الإقامة: الكويت
المشاركات: 1,489
افتراضي رد: نازك الملائكة

ليلة ممطرة
نازك الملائكة


الآن يا نجمي تغيب ,ولم يحن وقت الأفول ؟


الآن والليل الجميل يريق ضوءك في الحقول ؟

والزهر , تحت الليل , نشوان بمشرقك ؟

والنهر , والشطآن تضحك تحت أشجار النخيل

الآن تغرب ؟ يا لمأساة الجمال الذابل

يا نجمي المأسور في كفّ الضباب الشامل

يا فيلسوف الليل , يا سرّ الوجود الذاهل

عبثا أناشيدي إلى أضواء نجم آفل

عبثا سهرت الليل ارنو والتفجّع غالي

أتزوّد النظر الأخير إلى ضياك الشاحب

وأصوغ ألحان الرثاء على صباك الذاهب

وأحوك من دمعي الضياء لكلّ نجم غارب

رحماك يا نجمي الجميل متى نهاية ليلتي ؟

ومتى ستنقشع الغيوم وتستريح كآبتي ؟

قد شاق قلبي أن أحسّ الصمت تحت خميلتي

وتجوب عيناي الفضاء وفي يدي قيثارتي

ما زلت أنتظر السكون وليس غير صدى المطر

والريح في سمع المساء تئنّ ما بين الشجر

لا طير يمرح في الحقول ولا أريج ولا زهر

لا شىء غير صراخ رعد هاتف بأسى البشر

ومن الظلام تصاعدت آهات قمريّ الغصون

ذهبت بمكمنه الرّياح وعزّه المأوى الحنون

حيران , مرتعش الجناح , مجرح تحت الدجون

رحماك يا ربّ العواصف , حسبنا المطر الهتون

أين الفضاء الحلو , أين الصحو ؟ أين سنا النجوم ؟

من جمّع المطر الكئيب , وبثّ في الليل الغيوم ؟

يا ريح رفقا بي ورفقا بالعرائش والكروم

رفقا بقمري المروج فقد أمضّته الهموم

قد كان في قلبي أمان يا رياح فخنتها

قد كان في هذا المساء مفاتن فمحوتها

قد كان في المرج الجميل عرائش أذبلتها

قد كان في ثبج السماء كواكب أطفأتها

وبقيت , في الليل الكئيب , أصيخ للمطر الكئيب

وعلى فمي اللحن الغريب , يصوغه قلبي الغريب

وتلوح لي خلل النوافذ ظلمة الليل الرهيب

عبثا أغذّي موقدي فالآن ينطفىء اللهيب

قد حطّم الإعصار نافذتيّ وانطفأ الضياء

والآن لا أضواء حولي غير إبراق السماء

يا ضجّة الإعصار في الآفاق , يا مطر المساء

الآن ألتمس الرقاد إلى غد فإلى اللقاء
*****
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04/09/2010, 20h56
الصورة الرمزية ليلى ابو مدين
ليلى ابو مدين ليلى ابو مدين غير متصل  
رحـمة الله عليها
رقم العضوية:528319
 
تاريخ التسجيل: June 2010
الجنسية: مصرية
الإقامة: الكويت
المشاركات: 1,489
افتراضي رد: نازك الملائكة

النهر العاشق
نازك الملائكة


أين نمضي؟ إنه يعدو إلينا


راكضًا عبْرَ حقول القمْح لا يَلْوي خطاهُ

باسطًا, في لمعة الفجر, ذراعَيْهِ إلينا

طافرًا, كالريحِ, نشوانَ يداهُ

سوف تلقانا وتَطْوي رُعْبَنا أنَّى مَشَيْنا

**

إنه يعدو ويعدو

وهو يجتازُ بلا صوتٍ قُرَانا

ماؤه البنيّ يجتاحُ ولا يَلْويه سَدّ

إنه يتبعُنا لهفانَ أن يَطْوي صبانا

في ذراعَيْهِ ويَسْقينا الحنانا

**

لم يَزَلْ يتبعُنا مُبْتسمًا بسمةَ حبِّ

قدماهُ الرّطبتانِ

تركتْ آثارَها الحمراءَ في كلّ مكانِ

إنه قد عاث في شرقٍ وغربِ

في حنانِ

**

أين نعدو وهو قد لفّ يدَيهِ

حولَ أكتافِ المدينهْ؟

إنه يعمَلُ في بطءٍ وحَزْمٍ وسكينهْ

ساكبًا من شفَتَيْهِ

قُبَلاً طينيّةً غطّتْ مراعيْنا الحزينهْ

**

ذلكَ العاشقُ, إنَّا قد عرفناهُ قديما

إنه لا ينتهي من زحفِهِ نحو رُبانا

وله نحنُ بنَيْنا, وله شِدْنا قُرَانا

إنه زائرُنا المألوفُ ما زالَ كريما

كلَّ عامٍ ينزلُ الوادي ويأتي للِقانا

**

نحن أفرغنا له أكواخنا في جُنْح ليلِ

وسنؤويهِ ونمضي

إنه يتبعُنا في كل أرضِ

وله نحنُ نصلّي

وله نُفْرِغُ شكوانا من العيشِ المملِّ

**

إنه الآن إلهُ

أو لم تَغْسِل مبانينا عليه قَدَمَيْها؟

إنه يعلو ويُلْقي كنزَهُ بين يَدَيها

إنه يمنحُنا الطينَ وموتًا لا نراهُ

من لنا الآنَ سواهُ؟
***
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04/09/2010, 21h06
الصورة الرمزية ليلى ابو مدين
ليلى ابو مدين ليلى ابو مدين غير متصل  
رحـمة الله عليها
رقم العضوية:528319
 
تاريخ التسجيل: June 2010
الجنسية: مصرية
الإقامة: الكويت
المشاركات: 1,489
افتراضي رد: نازك الملائكة

شجرة القمر
نازك الملائكة


على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ


وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ

وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ

وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ

هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ

إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ

ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ

ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ

وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ

وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ

وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ

ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ

وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ

يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ

ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ

وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ

وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ

على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ

وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا

أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى

2

وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ

خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ

وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ

وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ

وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ

وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ

وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ

ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ

وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما

على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما

... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ

وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ

وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ

بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ

وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ

أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمر؟

وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ

وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ

3

وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ

وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر؟!"

"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا؟"

"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا؟"

ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"

فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"

"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"

"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"

"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"

"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"

"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"

"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"

"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر؟"

"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ؟"

ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ

فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ

وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ

ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ

وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ

ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"

وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ

إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ

وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ

وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ

وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ

ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ

وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ؟"

فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ؟"

4

وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ

ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك؟"

وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ

فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ

وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ

ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ

ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ

وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ

ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ

ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور

وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ؟

ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين؟

وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ

وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ؟

ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ

تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ

وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ

ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ؟

وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ

بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ

5

وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ

وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ

تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ

فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!

فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ

وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ

جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ

وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ

ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ

وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ

وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ؟

ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ؟

وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ

عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ؟

أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ

وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ؟

أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ؟

وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ؟

أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها

سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها

لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ

وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي

6

وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ

يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ

يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ

يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ

ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ

ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ

وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ

يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ

وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ

فماذا رأى؟ يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!

هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ

تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ

هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ

جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ

رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ

وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ

وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ

وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ

وأثمارها؟ أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ

لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ

وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ

فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ

فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ؟ أيّ تُرْبهْ

سقتْها الجمالَ المفضَّضَ؟ أي ينابيعَ عذْبَهْ؟

وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ

جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ

7

ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون

حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون

وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ

وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ

وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ

وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ

يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ

وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ

وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ

يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ
*****
رد مع اقتباس
رد

Tags
نازك الملائكة 1923-2007


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 14h15.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd