* : 45 عاما في كواليس ماسبيرو (الكاتـب : الكرملي - آخر مشاركة : رضا المحمدي - - الوقت: 19h53 - التاريخ: 13/09/2025)           »          الذكري الخمسون [50] لرحيل سيده الغناء العربي (الكاتـب : عبدالرحيم رضوان - آخر مشاركة : محمد عمر الجحش - - الوقت: 19h16 - التاريخ: 13/09/2025)           »          مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية و توزيعات منها (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : محمد عمر الجحش - - الوقت: 16h40 - التاريخ: 13/09/2025)           »          نعيمه عاكف- 7 أكتوبر 1929 - 23 إبريل 1966 (الكاتـب : سماعي - آخر مشاركة : محمد عمر الجحش - - الوقت: 14h14 - التاريخ: 13/09/2025)           »          أسمهان التونسية (الكاتـب : غريب محمد - - الوقت: 07h40 - التاريخ: 13/09/2025)           »          فايدة كامل- 12 يوليو 1932 - 21 أكتوبر 2011 (الكاتـب : Talab - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 05h39 - التاريخ: 13/09/2025)           »          فكاهيات و منولوجات متفرقه (الكاتـب : سيادة الرئيس - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 01h40 - التاريخ: 13/09/2025)           »          فريد الأطرش فتى غلاف في مجلات قديمة (الكاتـب : el kabbaj - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 01h21 - التاريخ: 13/09/2025)           »          شفيق جلال- 15 يناير 1929 - 15 فبراير 2000 (الكاتـب : احمد عبدالهادى - آخر مشاركة : د.حسن - - الوقت: 00h06 - التاريخ: 13/09/2025)           »          اعمال غربية مقتبسة من عبد الوهاب (الكاتـب : أيمن مصطفى - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 20h58 - التاريخ: 12/09/2025)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > الموروث الشعبي والتراث الغنائي العربي > العراق > المواضيع العامة

المواضيع العامة المواضيع الفنية العامة والمواضيع الفولكلورية والثقافية ذات العلاقة بالفنون العراقية

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 13/12/2009, 23h27
الصورة الرمزية محمد العمر
محمد العمر محمد العمر غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:372343
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: كندا
المشاركات: 905
افتراضي رد: بغداديــــــات

بغداديـــــات
الوفاة مراسـيم العـزاء
(حفظكم الله من كل سوء)

يبالغ اهل بغداد مبالغة فائقة في اظهار الحزن عند وفاة احد ذويهم فاذا مات شخص في مكان يغمض عينيه من كان في جواره ثم يسد فمه ومنهم من يشد حناكي (ربطة من تحت الذقن تعقد فوق الرأس)وذلك لسد فم المتوفي ثم توضع جثته مغطاة في وسط الحوش (فناء الدار) ويبدأ العياط حيث تمزق النساء ملابسهن وتسمى (شك الزيك) وينثرن شعورهم بعد خلع الجرغد والفوطة او الكيش او البويمة .
وهناك من يضّعن كزوجة المتوفي او بناته السخام على وجوههن والطين او التراب على رؤسهن ويلطمن الوجوه والصدور بالاكف مع العياط المستمر (يبو-يبوو...) وبعد ذلك تتوافد جموع النسوة من الاقارب والجيران وكل من يدخل يصرخ من باب الحوش (يبوو---يبوو) ثم يشتركن في اللطم والبكاء .
ويطلب احد القراء من الجامع ليصعد فوق السطح العالي (للتمجيد)بينما يذهب احد ابناء المحلة او احد الاقارب في طلب المغسل (وهو الذي يمتهن غسل جثث الموتى ) ويذهب احدهم لشراء الزهاب (القطن -والخام -والكفن-والتابوت-وماء الورد -والبخور والخ ) كما يذهب اخر لاشعار الحفار (وهو الذي يقوم بحفر القبور ويعرف مقبرة كل عائلة ) بينما يقوم غيرهم باخبار الاقرباء والاصدقاء بالحادث اذ لم تتيسر التلفونات في ذلك الحين ويقوم افراد العوائل المجاورة باخراج الكرويتات والكراسي وصفها في الدربونة يمين ويسار دار المتوفي ,ومنهم من يقدم الماء والسكاير للجناوة (وهم الاصدقاء والمعارف الذين اشتركوا في تشييع الجنازة ).
وبعد اتمام مراسيم التغسيل والتكفين ووضع الجثة في الصندوق يستعد القصاب لنحر الخروف في باب الدار عند اخراج الجنازة ويوزع لحمها للفقراء ومنهم من يوزع الحنطة مع لحم الذبيحة
ويساهم عدد من الاقارب والاصدقاء في حمل الجنازة واخراجها من الدار وعندئذ يتعالى العياط ويتضاعف اللطم والبكاء ثم تخفض الجنازة وترفع ثلاث مرات عند مدخل الدار
ويغطى الصندوق بقماش خاص (طاقه) ويوضع في مقدمته لباس راس المتوفى كما يغطى صندوق المتوفاة بالعباءة ويوضع في مقدمته الكيش او البويمه وبعد ذلك تحما الجنازة الى اقرب جامع لاداء صلاة الجنازة ثم تحمل الى مرقدها الاخير مشيا على الاقدام واذا مرت الجنازة من امام مقهى هرع معظم الجالسين فيها للسير خلفها ولو بضعة خطوات .
اذا مرت من امام دكان فلابد لصاحبه من المشاركه ولو بالمسير خلفها بضع خطوات
وتوقد في دار المتوفي شمعة لمدة ثلاثة ايام ويحرق فيه البخور.
اما الجنازة فهم يتبادلون حمل النعش واذا قدم شخص لاستلام جهة النعش قال
(واحد الله ) فيجيبه من سلمه مكانه (ستار الله ) وهكـذا حتى يصل النعش الى الجامع حيث تقام صلاة الجنازة .
وبعد انتهاء الصلاة تبدأ مراسيم سقاط البول اذ يهيء القائم بالمصرف كمية من الفلوس الخردة في صره (كفيه) ويعطيها الى المله الذي يجلس قرب راس الصندوق وحوله بقية الفقراء الذين يحيطون الصندوق من جهتيه ويبدأ باعطاء صرة الدراهم الى اقربهم منه قائلا (قبلته وهبيه) وهذا بدوره يكرر العبارة وتستمر الصرة في الانتقال من واحد الى اخر ثلاث مرات ثم يقوم احد الجنازة ويكون غالبا مختار المحلة بتوزيع محتويات تلك الصرة من الدراهم وتسمى (سقاط بول) ثم تنقل الجنازة الى قرب الحفرة التى ستوارى فيها بالتراب
ويقوم احد قراء المقابر بتلاوة ما يتيسر من آيات الذكر الحكيم وعند الانتهاء من وضع اللحد يقوم شخص اخر (بالتلقين ) اى تلقين الميت ثم يقول (رحمة الله من واراه التراب وقرأ سورة الفاتحة) وعندئذ يهيل كل الجنازة حفنة التراب التي في يده على حفرة القبر ويقرأسورة الفاتحة ثم يقف المقريء وذوو المتوفى في ساحة المقبرة بعد ان يتكامل وقوف الجنازة على شكل قوس كبير فيبدأ بقراءة الدعاء ويختمه بقوله ياجماعة الحاضرين اتشهدون بحقه؟ فيجيبه الحاضرون بصوت عال وكلهم اسفون صايم مصلي - خايف الله - رحوم ادمي بن اوادم -وغيرها) من العبارات التي يقولها كل منهم ثم يتعاقب الجنازه على ذوي المتوفي (الذين يقفون عادة متجاورين الاكبر الى اليمين فالاصغر) لمصافحتهم واحدا واحدا ذاكرين بعض العبارات التالية (عظم الله اجركم -البقية بحياتكم -انتو طيبين - كلنا الهل درب -الله يصبركم ) مشاركة في الحزن وتهدئة للخواطر
واذا كان المتوفي شابا او شابة وفي سن الزواج فان ذوي المتوفي يحضرون صواني شموع وحنة وصواني جرك او حلاوة وخبز .
وتغطى الصواني بالبقج الملونة وتعزف الموسيقى لحنا خاصا يسمى (حزايني)
اما اذا كان المتوفي عسكريا فللجنازة العسكرية مراسيمها الخاصة اذ تحمل على عربة مدفع او سيارة وذلك حسب الرتب ويلف النعش بالعلم العراقي ويشارك في التشييع عدد من الجنود بأسلحتهم .ويتوقف حجم القطعة العسكرية المشيعة على رتبة المتوفي ايضا وعند اخراج الجنازة يبدأ الجنود بتأدية التحية العسكرية بالسلاح ثم يسير موكبها على انغام الموسيقى الحزينة .
وعند انزال الجنازة في اللحد ينفخ المبوقون نغمة خاصة (النوم) يرشق بعدها الجنود ثلاث رشقات بالعتاد الحقيقي .
ويكون هذا التشييع عاما للمتقاعدين ولمن كان في الخدمة ضابطا ومراتب والجدير بالتنويه انه يجب على كل عسكري تأدية التحية العسكرية لكل جنازة يصادفها في طريقه
اما من يدفن في النجف الاشرف فبعد حضور كافة الاقارب والاصدقاء تنقل جثته بالتابوت ثم تجري كافة مراسيم الغسل والتكفين والدفن هناك وفق قواعد خاصة
مجلس الفاتحة --
ويقام مجلس الفاتحة عادة في بيت اقارب المتوفي او في بيت احد الاصدقاء (كما يقام مجلس عزاء النساء في دار المتوفي ) وقد يستعير من يقيم الفاتحة عددا من المقاعد من الجيران ويعد الدار اعدادا جيدا لاستقبال اكبر عدد من المعزين
وهناك من يقيم مجلس الفاتحة في الحسينيات او في الجوامع .
والمألوف ان يجلس القهواتي خارج الدار وبالقرب من المدخل لاعداد الكهوة العربية (المره) وتقديمها للمعزين كما يجلس ذوو المتوفى متجاورين بالقرب من الباب ويخصص محل خاص (للملالي ) الذين يرتلون ايات القرآن الكريم بالتناوب .
يستمر مجلس الفاتحة ثلاثة ايام متتالية منذ الصباح حتى صلاة العشاء وفي ايامنا هذه اخذت بعض العوائل تحدد موعد الفاتحة بالمدة الواقعة بين الساعة السادسة والثامنة مساءا او بمدة اخرى تراها مناسبة .
وعند قدوم شخص الى مجلس الفاتحة يواجه الحاضرين بالسلام وبعد ان يجلس يقول (الفاتحة ) ثم يقرأهو والحاضرون سورة الفاتحة ومن ثمة يقدم له احد (الوكافة) السكاير ويدخل القهواتي وبيده الدلة ليقدم له القهوة.
وفي هذه الايام اعتاد احد الوكافة ان يقدم القهوة في صينية صغيرة تحتوي على عدد من الفناجين .
واذا هم احد الجالسين بالخروج يقول رحم الله من اعاد سورة الفاتحة) ويقرأ هو والحاضرون سورة الفاتحة ثم ينهض لمصافحة ذوي المتوفي مشاركا حزنهم داعيا لهم بالصبر والرحمة وفي مساء اليوم الثالث من الفاتحة يدور احد الوكافة حاملا بيده كلبدان (وهو الاناء المستعمل لحفظ ماء الورد)على الجالسين لوضع ماء الورد في ايديهم ليشعرهم بأن هذا اليوم هو الاخير من ايام الفاتحة .
كما يعد ذوو المتوفى عشاء للحاضرين في اليوم الثالث
حلاقـــة اللحيـــة --
يطلق ذوو المتوفى عادة لحاهم لمدة ثلاثة ايام ومنهم من يطلقها لمدة سبعة ايام يدعوهم بعدها احد الاصدقاء ومعهم بعض المقربين وعدد من ابناء المحلة الى داره حيث يقوم احد الحلاقين بحلاقة رؤوسهم وذقونهم ثم يتناولون طعام الغداء.
ومن عادة اهل بغداد مشاركة للجار في افراحه واحزانه ان لايقيموا اى فرح في الطرف لمدة اقلها سبعة ايام واكثرها اربعون يوما ومن المغالاة في هذا الصدد ان نساءهم يرتدين السواد عند ذهابهن الى مجلس العزاء ولايضعن مساحيق الزينة في وجوههن طوال تلك المدة.
وقد تعطل في هذه الايام الكرامفونات والراديوات مشاركة للجار العزيز في حزنه
البيــض وورد المــاوي --
بعد اخراج الجنازة يحاول بعض الاصدقاء تهدئة خواطراهل المتوفى واجبارهن على الكف عن اللطم والصراخ والعويل بعد ان ينال منهن التعب في الجاينه مناله
ومن عادات اهل بغداد قيام احدى عوائل الطرف بأخذ صغار عائلة المتوفى عندهم لاطعامهم والعناية بهم وقيام عائلة اخرى بارسال كمية من البيض المسلوق وقواري تحتوي على ورد الماوي المخدر مع الاستكانات الى عائلة المتوفي (وورد الماوي هو عشب بري لونه ازرق ويباع لدى العطاطير ) ويعتقد البغادة بأن تعاطي شرب ورد الماوي المخدر يهديء الاعصاب كما انهم اختاروا البيض طعاما للحزين في يوم المصاب لانه لايسبب اى اذى لعائلة المتوفى بل يعصمهم من الشوطة (وهي فقاعات او بثور جلدية او حكة يعتقدون بأن ظهورها يحدث من جراء تناول المقهور _ويلفظونه مقحور _شيئا من السمك او الباذنجان او مرقة العدس ) ولذلك تجبر احدى بنات الطرف عا ئلة المتوفى على تناول ولو استكان واحد من ورد الماوي
كما يقدم الاقرباء والاصدقاء والجيران شيئا مما سأذكره ادناه مساهمة منهم في المأتم ويسمى (فضل)وهذة المساهمة تتفاوت بتفاوت العلاقة او الفضل السابق الذي بذمة من يرد الفضل ومن ذلك :كيس تمن-او تنكه دهن او اكثر او سكاير - او قهوة غير مقلاة - او خروف او اكثر او قطع قماش اسود- او قماش عباءة. ومنهم من يقوم بخياطة (دشداشه) سوداء في اليوم الاول من وقوع الحادث لكل امرأة من ذوي المتوفي لتحزينهن وتخليصهن من ملابسهن الملونة التي كن يرتدينها عند وقوع الحادث المؤلم
ومناسبات رد الفضل كثيرة منها:
الزواج او الولادة او الوفاة او شراء دار او بناؤها او ختام الولد او نجاحه في المدرسة او الطهور (الختان) او انتهاء مدة محكومية سجين او قدوم حاج بعد تأدية فريضة الحج او شفاء مريض او قدوم مسافر غائب لمدة طويلة وغير ذلك
عند اخراج الجنازة تجتمع النساء في منتصف الدار وتقوم (العداده) او (الكواله بتفخيم اللام )بتعديد صفات المتوفي وشهامته وكرمه ومواقفه الحميدة وحالة اهله واولاده من بعد فقده بنغمات حزينة مبكية مما يزيد اهل المتوفي واقرباءه بل الحاضرات جميعا بكاء ولطما وهن يرددن بيتا من اقوال العدادة وتسمى (الرده).
وهذا النوع من اللطم يسمى -الجاينه- اذ تلطم النساء وجوههن وجبهاتهن وصدورهن العارية ويمزقن الثياب.
ونظرا لوطأة الجاينة الشديدة على القائمات بها وتعرضهن للمرض نتيجة للطم فهي تقتصر على اليوم الاول بعد اخراج الجنازة واليوم الثالث والسابع وفي ادناه انموذج مما تقوله العدادة في الجاينه:-
ياحلوين الشوارب وين هالنيه
لاتبطون والطلعه افراكيه
****
انا بنفسي ازوجه وانظر اجهازه
واعزمله النشامه تلم شوباشه
افرشله الكبه وانظر افراشه
رايح يالسبع ويلاه من ديه
الردة
دار اهل الكرم ويلاه حزنانه
شايل السبع وبعد ماجانه
عسى بعيد البله الدار خليانه
يمته يا سبع اتبين اعليه
الردة
واذا كان بين اللاطمات من فقدت ابنتها فان العدادة تقول شيئا عن (البنات)وتكون الردة نفسها اذ تقول
حبايبنه مشن ليوين منواهن
طول انهاري اذكر حجاياهن
بالعيد البله احنه فكدنا هن
لاتبطين يمه بيني اعليه
الردة
عـــزاء النســـاء --
ويسمى (عزه النسوان ) ويقام بعد انتهاء جاينة اليوم الاول وعليه تتعاون بعض نساء المحلة من صديقات العائلة بفرش الدار ويهيئن مجلس العزاء فاذا كان الموسم شتاء فانهن يفرشن الدار بالزوالي والدواشك ويغطينها بالحرام او الجواجيم ويدفئن الحوش بالمناقل (او الصوبات ) مع تهيئة ادوات الكهوة والسكاير وتكليف احداهن بمسئولية تقديم القهوة واخرى بمسئولية تقديم السكاير وثالثة بتقدم الماء للحاضرات في مجلس العزاء وغالبا يكن (الوكافات ) من اقرباء عائلة المتوفى او من بنات المحلة .
ومن عادات اهل بغداد استعارة ماينقصهم من زوالي وفراش او ادوات طبخ او صواني من بعضهم في المناسبات على اختلافها
وعند المساء تحضر (المله) والعدادة وبعد ان تتوافد النساء ويزدحم المكان تبدأ احدى افراد عائلة المتوفي بالبكاء ثم تعقبها بقية الحاضرات وكل واحدة منهن تلف وجهها بالعباءة ثم تبدأ بعدئذ العدادة بترديد بعض (العدودات ) التي سأذكر بعضها ويستمر البكاء فترة من الوقت ومنهن من تضرب بكفها على فخذها او على صدرها .ثم يتوقف البكاء ويسمى (فصل) وتبدأ الوكافات بتقديم القهوة المرة والسكاير وبعد فترة قصيرة يبدأ الفصل الثاني بقيام المله بقراءة المولد النبوي الشريف وبعد ذلك ينفض مجلس العزاء على ان ينعقد في اليوم التالي في نفس الموعد ووفق الاسلوب نفسه..... وهكذا لمدة اربعين يوما .
وتتناول المله وجميع الحاضرات طعام الغداء .وتختتم المله قراءة المولد النبوي الشريف يوم الاربعين في مجلس عزاء يعقد صباحا .
ثم يستمر مجلس العزاء مساء كل يوم اثنين وخميس من كل اسبوع خلال سنه.
وهذه بعض العدودات : ما يقال عند وفاة ابو البيت :
حوش الجبير وفنر بي
من وسط العجم حط الفرش بي
علواه يجينــه الســـبع راعيه
واخرى
اسباعنه بالجول نامت
ودنياتنـــه للنذل دامت
حريم المعزه ويـــن هامت
واخرى عند فقدان الوالد ايضا
شكره ام الزلف لاذت وره الباب
وبصوت عالي اتصيح ياباب
وجاوبهه الفلا راحوا الاحباب
مايقال عند فقدان -الابن
ابني ويا محبس يميني
يازهوة الدنيه بعيني
اوغيرك يايمه من يجيني
مايقال عند فقدان -بنت
فراك الحبايب ياخلك نار
شالن وخلن بالكلب نار
وظل الدار ينعي حبيبة الدار
فك الجاينـــه --
يوضع في اليوم السابع من وقوع الوفاة سيفان من السيوف القديمة على الارض ويقف اهل المتوفي واقربائهم وجميع الحاضرات على شكل دائرة حول السيفين وتبدأالعدادة بأقوال الجاينة والنادبات يرددن (الرده) وبعد ان يظهر التعب على اهل المتوفي تدخل امرأتان لتحملا السيفين المذكورين وتجولات عدة مرات وهما تلوحان بهما ثم تشهرانهما بوجه النادبات طالبتين منهن التفرق وتسمى تلك العملية بفك الجاينه وبعض العوائل يخرجن في اليوم السابع ملابس المتوفي وسلاحهوصورته ان كانت له صورة وغير ذلك من مخلفاته
ومن العدادات المشهورات في بغداد حسب قدمهن -أشوره السوده من صوب الكرخ -وسميه زوجة سلمان الاوتجي بالمهدية -وبنت شويش -وبنت محش في محلة الفضل والعزه -وبنت جاروده ام شاكر النجار في محلة المهدية ايضا
تتقاضى العدادات والمله اجورا من ذوي المتوفي (اكراميه) مع هدية قد تكون قطع قماش او عباية او تنكه دهن وغير ذلك
الحلاوة --
توقد عائلة المتوفي شمعة كافور عند صفار الشمس لمدة ثلاثة ايام متتالية كما توزع حلاوة (من التمر والدهن والطحين )وذلك بوضع كمية منها في وسط رغيف خيز .
وتوزع رغفان الخبز والحلاوة على الفقراء لمدة ثلاثة ايام ايضا وغالبا ترسل رغفان الخبز والحلاوة الى احد الجوامع حيث يكثر الفقراء.كما يحرق البخور في بيت المتوفي ايضا
الحـــــداد --
يلبس حميع ذوي المتوفي من النساء الملابس السوداء ولايتزوقن ولايحففن وجوههن ولايستعملن الحناء وبعض العوائل تبالغ في اظهار الحزن بحيث تحعل وجوه الدواشك والستائر كلها سوداء لمدة عام كامل او اكثر
العـــــــــــده --
اذا كان المتوفي متزوجا فلابد لزوجته من (دخول العده) ومعناهاان تبقى الزوجة مدة مائة يوم (ثلاثة اشهر وعشرة ايام) لاتواجه رجلا يحل عليها (الزواج منه),والغاية من هذه العدة معرفة والد الجنين الذي في بطنها اذ ان بطن الحامل خلال تلك المدة تكون ظاهرة للعيان .
وحتى اذا ارادت التزوج (وهذا نادر الوقوع بين البغداديات )فالمعروف ان الطفل الذي في بطنها انما هو ابن المتوفي .
ومن تمسك العده عليها ان تقوم بما يلي :-لاتنام على سرير بل تضع فراشها على الارض --كما لاتنام تحت النجوم حتى لو كان الموسم صيفا --ولاتمسك سكينا--ولا تستعمل الابريق في المرحاض باعتباره مذكرا بسبب وجود (البلبوله) وتحتفظ بقلامات اظافرها والشعر المتساقط من رأسها حتى انتهاء مدة العده ,واذا طرقت بابهم فلا تستفسر عن الطارق وتغتسل في فترة العده كل يوم جمعة مع التمجيد -قبل اذان الظهر
فــك العــــده --
بعد انتهاء فترة العدة تذهب الارملة معصومة العينين بمصاحبة احد قريباتها ومعها قلامات اظافرها وشعرها المتساقط التي جمعتها في تلك الفترة الى النهر وهناك تفتح عينيها وتنظر الى الماء النساب في النهر ثم ترمي (عكدة) الشعر والاظافر في الماء وتعود الى دارها
والتي لاتدخل العدة هي المرأة التي لايعاودها (الحيض ) اى التي بلغت سن اليأس .
وعلى بعض النساء واجب دخول في العدة الا ان هناك اسباب تمنعهن من ذلك اذ لامعين لهن على تربية الاولاد ولابد لها من الخروج من الدار ولذلك تمر ثلاث مرات من تحت جنازة زوجها عند اخراجها من البيت من قبل الجنازة للتخلص من طوق الحديد الذي تطوق به الزوجة في يوم القيامة
توزيــع الخـــيرات على الفقــــراء --
ذكرت قبل قليل ان عائلة المتوفي توزع حلاوة التمر والخبز لمدة ثلاثة ايام متتالية وفي يوم الثالث يكون (المله) قارئ القرآن والذي تكلفه عائلة المتوفي بمسك ختمة (اى اختتام قراءة القرأن الكريم لقاء اجور شهرية ) قد اكمل الختمة او كاد فيحضر مع جماعته الى دار المتوفي ويقرأ الختمة ثم يتناول معهم طعام العشاء ويوزع باقي الطعام على الفقراء
مراســيم اخرى --
في اليوم السابع :ختمة وعشاء كما في اليوم الثالث
يوزع في سبع جمع متتالية نوع من انواع الطعام على الفقراء
في يوم الاربعين : اقامة (تهليلة وقراءة الذكر ) وفي بغداد فرق خاصة لاقامة مثل تلك الشعائر الدينية لقاء اجور تتقاضاها من عائلة المتوفي فور الانتهاء منها .
ومن اشهر ها فرقة الحافظ مهدي بمعاونة احمد شعبان .
وتبدا التهليلة والذكر بعد صلاة العشاء وتقدم في منتصف الليل للقراء وجميع الحاضرين (التمتوعه) وهناك تقليد لاهل بغداد رسخ على ان التمتوعة تتألف من (الدولمـــه--وكبة الحلب --وحلاوة شكر --او حلويات)
وفي التهليلة يدور شخص يسمى (الملوي) بلباسه الخاص المؤلف من كلاو جبن (لباد) ودميري مع ثوب عريض من الاسفل وعندما يدور اثناء قراءة الذكر يشكل ذلك الثوب دائرة كبيرة
ومن المولوية الذين عرفتهم بغداد المولوي المعروف السيد خليل السيد ابراهيم راضي الرفاعي وهو من اهل محلة الفضل في يغداد
ولاهل بغداد حساب خاص يحسبون به ليلة الاربعين حيث ينقصون يوما واحدا عن كل فرد في العائلة وتعتبر المدة الباقية اربعين
وعند ذاك تقام التهليلة والذكر -لاعتقادهم بأنهم اذا اكملوا مدة الاربعين فان من يوفي سيجر ذكور العائلة الى الموت واحدا بعد الاخر ولذلك ينقصون يوما عن كل شخص ليتفادوا ما يتشاءمون منه
بعـــد مرور الســــنة --
لايمكن ان تكون السنة كاملة وانما ينبغي ان تكون منقوصة ولذلك اعتبر بعضهم مرور تسعة اشهر او احد عشر شهرا بعد الوفاة سنة كاملة وذلك لنفس السبب انف الذكر .
ومنهم من يقيم المولد النبوي الشريف مع العشاء يدعو لتناوله الاصدقاء وابناء الطرف كما يوزع الباقي للفقراء ومنهم من يقيم تهليلة او ختمه وذلك حسب موقف العائلة المالي
ويستمر توزيع (الخيرات )على الفقراء بعد مرور العام الاول على الوفاة وفي المناسبات التالية مع ذكر نوعية ما يوزع في كل مناسبة:
ليلة شهر رمضان-دولمة او حلاوة
ليلة نصف رمضان -مرقة حامض حلو -او بقلاوة وزلابية
ليلة 27 رمضان -اقامة ختمة وعشاء للفقراء
ليلة عيد الفطر-قطايف او بيته
العيد الاضحى -تنحر الضحية (ثورااو كبشا اذا كان المتوفي ذكرا--وهايشة او نعجة اذا كانت امرأة) وياخذ القصاب الجلد والمصارين ويوزع اللحم للفقراء
ليلة المولد الشريف - يوزع ماهو موفور في الموسم كالخيار والمشمش
ليلة 10 محرم -يوزع ما يوزع في ليلة المولد الشريف
ليلة شهر رجب- توزع الكليجه او الجرك
ليلة 27 رجب- توزع الحلاة راشية
زيارة المقابر--

عند مصادفة اول عيد بعد الوفاة تذهب عائلة واقارب المتوفي الى القبر بمصاحبة (عداده) ويقام هناك عزاء قد يطول عدة ساعات ويستمر افراد العائلة بزيارة المقابر صباح كل اول يوم من ايام الاعياد لقراءة القرأن-سورة ياسين وسورة الفاتحة
كســـر العـــزه --
بعد اجراء مراسيم مرور عام على وقوع الوفاة اذا وقعت وفاة اخرى في المحلة او عند الاصدقاء مان ذوي المتوفي الذي مضى على وفاته سنة يقصدون عائلة المتوفي ومعهن (عداده) فيشاركن تلك العائلة بالنواح والبكاء وتسمى تلك العادة (كسر العزاء ويسمحون لانفسهم بعد ذلك (بفك الحزن) اى ترك الملابس السوداء وارتداء الملابس الملونة بالالوان الطواخ كالنيلي او الجوزي ولاضير عليهن اذا خرجن بعد ذلك للسوق او زيارة الاصدقاء الذين شاركوهم احزانهم الماضية
بناء القبر --
لايبنى القبر بالطابوق الا بعد مضي مدة لاتقل عن ثلاثة اشهر حتى يجلس (ينزل ) التراب ويتماسك كي لايخسف بناؤه وعندئذ يحضر اهل الميت مرمرة محفور عليها اسم المتوفي وتاريخ الوفاة ويكون مع العمال في يوم البناء احد افراد عائلة المتوفي التي ترسل ايضا طعام الغداء مطبوخا بالقدور الى المقبرة و مع الاواني والصواني والخواشيق وغيرها كما يكلفون احدى بنات الطرف او الاقرباء بمراقفة الطعام والقيام بتفريغه وتقديمه لعمال البناء.
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14/12/2009, 20h07
الصورة الرمزية محمد العمر
محمد العمر محمد العمر غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:372343
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: كندا
المشاركات: 905
افتراضي رد: بغداديــــــات

بغداديـــــات
صوم زكريا


في الاحد الاول من شهر شعبان من كل سنة يقيم بعض عوائل بغداد افراحا بمناسبة (صيام اول احد او زكريا) هكذا يسمونه ايفاء بنذر حققه الله لهن ولابد من اقامة هذه الافراح بصيام خرساني (بلا كلام ولاطعام ولاشراب) لوجه الله تعالى حيث جاء في سورة مريم من القران الكريم ان النبي زكريا قد طلب من الله عز وجل ان يرزقه بولد يخلفه فقال سبحانه تعالى:بسم الله الحمن الرحيم (يازكريا انا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا قال ربي انى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك ولم تك شيئا قال ربي اجعل لي اية قال اتيك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا.)صدق الله العظيم
والتهيؤ لصيام زكريا يجري قبل مدة حيث يهيأ لكل ولد في البيت ابريق صغير من الفخار ولكل بنت صغيرة من الفخار ايضا ويخاط حول كل ابريق وتنكه قطعة قماش خفيفة يوضع في داخلها كمية من الشعير كما توضع في فم التنك والاباريق صرة صغيرة تحتوي على كمية من الشعير ايضا ويسقى ذلك الشعير يوميا اى يرش بالماء حتى (يزرع الشعير ) وينمو ويزهو منظر الاباريق والتنك الصغيرة بالعشب الاخضر
وفي مساء اليوم المذكور تنصب صينية كبيرة في محل مناسب من الدار يثبت عليها عدد من الشموع مع الاس .
وتكون شمعة صاحب النذر كبيرة ومن نوع شمع العسل الاصفر وتنصب في مركز الصينية كما توزع الاباريق والتنك المزروعة في الصينية وبينها اوان صغيرة يحتوي كل اناء على نوع من الانواع:
لهوم-وهو سمسم مسحون ومخلوط بالسكر
مخلط-وهو خليط من الحمص وحب الرقي وحب الشجر المقلي والزبيب الاسود والملبس والحامض حلو وجعب الغزال ولوزينه وغيرها مع زرده وحليب وقد جاء ذكرها في (اكلات بغداد ) مع اللبن والخضروات (كراث ورشاد وكرفس)وتسمى زرع او خضار
وقبيل الفطور يهيأ لطالبة النذر فطور خاص ولابد لها ان تبدأافطارها على (خبز شعير وماء بير ) كما تتلي سورة مريم من القران الكريم وعند الافطار تتكلم برفع الشكر الى الله العلي القدير.
وبعد انتهاء الفطور ترسل كمية من محتويات الصينية الى الجوارين ومن تريد طلب نذر جديد فعليها ان توقد شمعة في صينية احد الاصدقاء فاذا تحقق نذرها وجب عليها القيام بما ذكرنا في كل اول من شهر شعبان من كل سنة.
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20/12/2009, 16h20
الصورة الرمزية اسامة عبد الحميد
اسامة عبد الحميد اسامة عبد الحميد غير متصل  
مشرف قسم العراق
رقم العضوية:48357
 
تاريخ التسجيل: July 2007
الجنسية: عربية
الإقامة: سماعي
المشاركات: 2,625
افتراضي رد: بغداديــــــات

الغالي (محمد العمر) لقد قمت بارشفة مكثفة وممتعه للكثير من البغداديات التي اضحت طي النسيان فكان بحق مرجع مهم لمن يريد ان يتعرف على هذه المدينة التي كانت تتآرجح بين السمو تارة والهفوت والانقباض تارة اخرى سلمت اناملك التي ارتقت وطبعت وسلمت افكارك التي نسقت ودونت تلك الملحمة اخي الغالي ان سمحت لي ان اشارك ببعض المداخلات التي تكمل الموضوع كي تكتمل الصورة عند القارئ والمتصفح للموضوع فسأبدأ هذه المشاركة بتلك المساهمة

انارة وانتخابات المختارين للمحلات
في ايام الوالي (علي رضا باشا اللاز) جرى انتخاب المختارين فصار لكل محلة مختار اول ومختار ثاني مع امام يقوم بشؤون الزواج متفقا مع المختارين

ولضيق طرق محلات بغداد وقلة المصابيح ومنعا لوقوع الجرائم فيها امر الوالي عبد الرحمن باشا 1296هجري_1879ميلادي
انارة بعض المحلات بجانب الرصافة فوضعت المصابيح (فوانيس) من قبل بلدية بغداد وفي عصر كل يوم يجتازمستخدموا البلدية الطرق ومعهم سلالم خشبية يرتقون عليها لاشعال الضوء بالفوانيس العالقة بالجدران وبذلك انكشف عن بغداد بعض الديجور المخيم على ارجائها
وحينها كانت بغداد موحدة وتشمل
1-محلة الفضل وبضمنها (محلات العزة وخان لاوند =النائبية= ومحلة السيد عبدالله ومحلة حمام المالح والقرغول) وكان رئيس هذه المحلات العلامة الشيخ عبد الوهاب النائب.
2-محلة الحيدرخانه وماجاورها ترأسها الشيخ داوود النقشبندي
3-محلة القشل وماجاورها ويترأسها (آل كبة)
4-محلة قنبر علي ومجاورها ويترأسها (آل الجميل)
5-محلة راس القرية وماجاورها ويترأسها (آل الباجه جي)
6-محلة باب الشيخ وماجاورها ويترأسها (آل النقيب)
7-صوب او جانب الكرخ ويترأسه (آل السويدي)
وكان هؤلاء الرؤساء يرعون مصالح اهالي محلاتهم ويسهرون على تلبية مطالبهم كما يفعل رب الاسرة لاسرته وكما على اهل المحلات احترام هؤلاء الرؤساء والالتزام بتوجيهاتهم.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20/12/2009, 17h40
الصورة الرمزية محمد العمر
محمد العمر محمد العمر غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:372343
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: كندا
المشاركات: 905
افتراضي رد: بغداديــــــات

الاخ الحبيب اسامة عبد الحميد
تحية عبقة
لك حرية التصرف بما تجود به اناملك
وكذالك بقية الاخوة
تحياتي للجميع
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16/01/2010, 21h44
الصورة الرمزية محمد العمر
محمد العمر محمد العمر غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:372343
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: كندا
المشاركات: 905
افتراضي رد: بغداديــــــات

مقاهي بغداد الأدبية

حسين مردان
فجأة قررت هجر المدرسة والمجيء الى بغداد.. كنت حينذاك في العشرين من عمري، كتلة نار وسيوف.
وتلقفني شارع الرشيد..الفساتين الملونة والزجاج.. وقلت لنفسي من هذا الرصيف الرمادي ستبدأ مسيرتي الصعبة نحو قمة الجبل. وكانت الدهشة تشدني من كل جانب حتى وصلت الى (مقهى الزهاوي) حيث يجلس محمد هادي الدفتري وخضر الطائي وعبدالرحمن البناء.


وكانت حماستي الجهنمية وولعي الشديد بالمناقشة والجدل، وافكاري المتطرفة في الشعر والادب قد وضعتني تدريجيا في المكان اللائق بين اصدقائي الجدد.
وفي تلك الايام الرهيبة التقيت بوجه الجوع الاصفر،، فكنت لا اتناول في اليوم اكثر من وجبة واحدة.
صمونة نصف سمراء مع كأس من الشربت.
اما النوم فهو المشكلة الرئيسية التي كانت تشغل اكبر مساحة من ذهني،، وقد وجدت الحل اخيرا في عدم النوم، فكنت اذرع المدينة عرضا وطولا الى ان يبزغ الفجر، وعندما كان يهيمن النعاس على عيني كنت الجأ الى اقرب بستان للحصول على غفوة صغيرة. وكان عدوي الوحيد في تلك الفنادق الهوائية هو البعوض.. ولم ازل امقت هذه المخلوقات اللئيمة حتى هذه اللحظة.
وكانت الزيارات بين ادباء وشعراء المقاهي عادة طريفة تشكل نواة متفجرة للحوار والمصادمات الادبية.. وكانت جماعة مقهى (حسن العجمي) تضم البراك والجواهري وجلال الحنفي وكمال الجبوري وغيرهم.. وكنا نحن ادباء الشباب نعامل كل هؤلاء بتقدير فائق، وكانوا بدورهم يشيدون بنتاجاتنا فيساهمون بدفعنا للتجديد والابتكار، وشيئا فشيئا بدأت اصبح نقطة لتجمع ادبي جديد، فانتقلنا ومعي كل من رشيد ياسين وبلند الحيدري وزهير احمد القيسي الى (مقهى البلدية) وكان شعراء وادباء الكليات يهرعون الينا بمجرد الانتهاء من دروسهم، ومن هؤلاء بدر شاكر السياب وعبدالرزاق عبدالواحد واكرم الوتري.. فقد كانت تلك المقاهي جامعات حقيقية للادب والشعر، وكنا نعيش في جو من الصداقة الصميمية.. ومع اننا لم نكن نمارس التفكير السياسي بصورة جدية فقد كانت حياتنا سلسلة من العذابات والحرمان.. الا اننا كنا نمثل اسلوبا فريدا من ناحية تطبيق الاشتراكية.. فعلبة الدخان التي كان يملكها احدنا تطرح على الطاولة لتكون مشاعة للجميع.. وكان اكثرنا مالا هو الذي يدفع ثمن اكواب الشاي.. واحيانا كنا نفرض على ادباء دار المعلمين العالية دعوتنا الى تناول الطعام في مطعم الكلية.. وفي الواقع كنا نحسدهم كثيرا، ولطالما طلبنا منهم ان يصفوا لنا الاكلات الشهية والفواكه ليأتى بها الينا.. كذلك كنا نشترك في نظم القصائد وكتابة المقالات النقدية. ولعل الاخ زهير احمد القيسي هو الوحيد الذي لم يزل يحتفظ بتلك المنظومات التاريخية.. وكان رشيد ياسين من عناصر الازعاج بيننا فقد كان يستغل معرفته بالنحو لاثارة بعضنا، فكنا نتهمه بالجمود وقد نذهب الى ابعد من ذلك فنسخر من سيبويه وكل فلاسفة اللغة.. وهكذا نضطره الى السكوت ثم الضحك. وبعدها تحولنا الى (مقهى الدفاع) وهنا التحق بمجموعتنا عدد من المثقفين والكتاب وعلى رأسهم المسرحي صفاء مصطفى وكمال القيسي والممثل يحيى فائق وغائب طعمة فرمان، ومصطفى الفكيكي – صاحب مجلة الراصد الان- وفي هذا المقهى بدأت محبتنا للشطرنج، حيث كان يلتقي اباطرة هذه اللعبة كالسيد عبدالرزاق المدرس والشيخ عبدالكريم الطحان الذي يعتبر مؤسس المدرسة العراقية في هذا الفن، ومن هذه الاجواء بالذات ولدت الشخصيات الحقيقية لرواية (خمسة اصوات): وفي تلك الفترة وصل جبرا ابراهيم جبرا الى العراق وانضم الى جماعة (كافيه سويس) والتي كانت ترتبط بنا ايضا ولكننا لم نكن لنهتم بهم كثيرا لما يبدو عليهم من مظاهر الترف البرجوازي ومن هؤلاء الرسام جواد سليم ونجيب المانع وعبدالملك نوري ونزار سليم،، وكان ساطع عبدالرزاق هو حلقة الوصل بين الجماعتين، وقد استطاع بمساعدة بلند الحيدري سحبي الى ذلك المقهى الانيق، ولكن وفائي الطبقي كان يدفعني الى العودة الى اصدقائي القدماء، واخيرا قررت الانتقال الى المقر الجديد في (مقهى الصباح) في باب المعظم. فقد كان السأم من وجوه الزبائن المدمنة وتكرار المنظر الواحد من الاسباب التي تدفعنا الى الانتقال من مكان الى آخر، ولكننا قد نتحمل كل شيء اذا كانت علاقتنا بصاحب المقهى مرنة وودية، ولكل كلمة من هاتين الكلمتين اكثر من معنى واحد.. فالمرونة تعني الاستجابة لطلباتنا الكثيرة وعدم الالحاح باسترجاع الديون المتراكمة! اما بالنسبة للمودة، فنحن نريد من صاحب المقهى ان يستقبلنا ويودعنا بالترحيب والابتسام. كانت جلساتنا الطويلة تبدأ من شروق الشمس ولا تنتهي قبل الساعة الثامنة مساء حيث نتسرب الى الحانات المجاورة لمنطقة الميدان، والذي كان قلب بغداد النابض حينذاك، والحقيقة ان المقهى كان يعتبر البيت الدائم لكل منا، وحتى الاعضاء الذين كانوا يقيمون في بغداد كانوا يتناولون الغداء معنا في اكثر الاحيان وكنا نقدر مثل هذه التضحية العظيمة، لانهم يحرمون انفسهم من اطايب الطعام من اجل البقاء بقربنا، واذا حدث وذهب احدهم لرؤية اهله فانه سرعان ما يعود لكي لاتفوته زيارة بعض الادباء لنا، فقد كان عدد الزوار يزداد يوما بعد آخر، ومن هؤلاء الدكتور محمد جواد رضا الملقب بـ(دعبل) والشاعر كاظم التميمي والناصري وصفاء الحيدري والكاتب عبدالرزاق الشيخ علي وعبدالصاحب الملائكة والناقد طالب السامرائي، ولم يكن هذا الزائر او ذاك ليأتي لمجرد رؤيتنا فقط، بل ليقرأ علينا قصيدته او قصته الجديدة، وكانت مثل هذه الاعمال الادبية تطرح من قبل صاحبها للنقد والمناقشة بكل تواضع للحصول على تزكيتها او الحكم باعدامها وقد يستمر الجدل حول قصيدة واحدة ساعات طويلة، وغالبا ما كنا نحن الذين نقرر صلاحها للنشر،، فقد كنا نسيطر عن طريق غير مباشر على الصفحات الادبية التي كانت تخصص في بعض الجرائد، حيث كان معظم المشرفين على تحرير تلك الزوايا الادبية من حاشيتنا، وكان باستطاعتنا ان نثلم شهرة اي شاعر او اديب يحاول الخروج او التمرد على مفاهيمنا الادبية والفنية، اما المجلات الادبية العالية فقد كانت هي الحلم الاوحد الذي يقوم ويقعد معنا، فعندما كان يحصل انسان ما على امتياز مجلة ادبية، كنا نركض اليه من المقاهي كافة لكي نضع مجلته ضمن نفوذنا الادبي، واذكر بهذه المناسبة ان واحدا من هؤلاء قد طلب من عبدالملك نوري قصة لاتحمل اي طابع سياسي وطلب مني قصيدة خالية من الصور الجنسية وقصيدة من عبدالوهاب البياتي بعيدة عن الاشارات الثورية، وعندما قلنا لماذا؟ اجاب وهو يتلفت حوله: لانني اخاف من الحكومة! وعندئذ صحنا بصوت واحد.. ولذا نقترح عليك ان تطبع الغلاف وحده وتكتب عليه.. بما انني اخشى السجن فقد قررت اصدار مجلتي بهذا الشكل الفريد.. وهنا كان لابد لنا من ان نمنح هذا المتأدب المسكين احد الالقاب البهلوانية التي كنا نطلقها على امثاله، وقد فاز بقلب (الطائر الخرافي).. وبقدر ما كنا منسجمين من ناحية اتجاهاتنا الفكرية العامة كنا نختلف احيانا من حيث اساليبنا وطموحاتنا الفردية، ولعلي الوحيد الذي لم يدخل في صميم المشاحنات الادبية، التي كانت تحدث دائما بين الادباء والتي غالبا ماكانت تؤدي الى الخصام وقطع العلاقات، واشهر تلك الخصومات هي التي كانت تحدث بين السياب من جهة وعبدالوهاب البياتي وكاظم جواد من جهة اخرى، وكان كاظم هو مركز الثقل في هذه المعارك فان انضمامه الى احد الطرفين كان يعني فوز ذلك الطرف.. وكان كل من الفريقين يحاول الاستعانة بي، الاّ انني كنت ارفض مثل هذه المواقف واعمل على ازالة الجفاء وتقريب وجهات النظر بين الجبهتين فقد كان الصراع في حقيقته يدور حول الزعامة الشعرية! وهو عمل كنت انظر اليه من جانبي باستخفاف وبامتعاض، لاني لم اكن مؤمنا بمثل هذه السخافة، سخافة الامارة والامتياز الادبي، ومع اني كنت اعتقد ان هذه المنازعات تخلق رجة لا غنى عنها للحركة الادبية، ولكنني لم اكن اسمح بتطورها الى درجة العنف ولذلك كنت اقف ضدها باستمرار. كان انتقالنا الى (مقهى الصباح) في بداية عام 1948 وهو العام الذي صدر فيه ديوان بدر شاكر السياب (ازهار ذابلة) وديوان عبدالوهاب البياتي (ملائكة الشيطان) وفي نفس السنة طبع بلند الحيدري مجموعته (خفقة الطين) واصدرت نازك الملائكة كذلك ديوانها (شظايا ورماد).. وهكذا بدأت حياة المقاهي الكئيبة ترصع سماء الشعر القديمة بنجوم ذات بريق جديد، وقد قوبلت هذه المجموعات الشعرية بشيء من الحماسة من قبل القراء الشباب ومن المثقفين بصورة خاصة،، الا انها استقبلت بنوع شديد من الحذر من جانب المتزمتين من عباد الثالوث الشعري المتكون من الزهاوي والرصافي والجواهري.. في الوقت الذي كانت فيه شهرة الزهاوي قد اخذت تميل الى الاصفرار وخمدت السنة اللهب على حافة بركان الرصافي.. وبرز الجواهري مرتديا بردة الزعامة.. ولم يكن هناك من يرفض الاعتراف بقيادة الجواهري للحركة الشعرية.. فقد كانت قصائده ترن في كل مكان.. وعندما صدر ديواني (قصائد عارية) في مطلع عام 1949 وأمرت الحكومة بمصادرته وتقديمي الى المحاكم بتهمة افساد افكار الشباب.. جاءني القاص عبدالرزاق الشيخ علي واخبرني ان الجواهري يريد رؤيتي ويدعوني الى زيارته.. ولكني رفضت الذهاب وقلت له: ليأتي الجواهري اليّ في المقهى.. ويبدو ان ابا فرات كان يفهم مدى الغرور الذي يحمله الشعراء الشباب!! فاستعان بديموقراطيته وحضر الى مقهى الرشيد حيث كان مقري الدائم حيذاك،، وقد نهضنا لاستقباله بما يليق به باعتباره الوريث الشرعي لكل ابداعات التراث الشعري منذ العصر الجاهلي الى يومنا ذاك.. وبعد حديث قصير اظهر الجواهري اسفه لمصادرة ديواني ومحاكمتي وعرض عليّ مساعدته، واظن انه تحدث مع الحاكم الذي احيلت اوراق الدعوى اليه.. وعلى الرغم من عدم ايماني بعبقرية الجواهري بصورة مطلقة فقد ظل يعاملني بمودة خاصة،، وحتى عندما هاجمته بسلسلة من المقالات النقدية حول قصيدته (اللاجئة في العيد) لم اسمع منه كلمة واحدة تنم عن الكره، ولكني لمست موقفه المتحفظ مني خلال نشاطنا داخل اتحاد الادباء العراقيين،، وقد استطاع ان يبعد اسمي من قائمة المرشحين للهيئة الادارية، مما اضطرني الى خلق عدة تكتلات ادبية لمجابهة جبهة الجواهري- صلاح خالص.. وقد كان الاديب خالص عزمي هو ساعدي الايمن في حومة ذلك الصراع الخفي.. ولم ازل اذكر لخالص دوره الفعال ومواقفه الجريئة.. وعندما عقدت المفاوضات بين الجانبين كان القاص عبدالملك نوري هو ممثلنا فيها،، ولكنهم لم يحترموا ما وعدوا به من حرية الانتخاب.. فعمدت الى مهاجمتهم في اثناء المؤتمر، وقد حملتني اصوات اصدقائي القدماء من ادباء وشعراء المقاهي الى كرسي الهيئة الادارية.. لقد سقت هذه الحادثة كدليل على قوة ونفوذ الادباء الشباب الذين كانوا يحلمون في الثورة على كل مظاهر الادب القديم وخاصة في ميدان الشعر، ولقد ظلت تلك الذكريات المشتركة تشد بعضنا الى بعض فترة طويلة، فعلى الرغم من الطبيعة السياسية لاتحاد الادباء العراقيين فقد بذلت المستحيل من اجل انضمام الشاعر بلند الحيدري وقد ساعدني في ذلك كل من عبدالوهاب البياتي وعبدالملك نوري،، اما بالنسبة لبدر شاكر السياب فقد كان هناك تيار شبه عام ضد قبوله.. ومع ذلك فقد حاولت الا انني لم استطع ان اقنع حتى الذين كانوا يؤمنون بشاعرية بدر وقابلياته الادبية. ان الصور التي تجمعت في ذاكرتنا عن ايام مقهى الصباح كانت كثيرة ومتعددة، فقد كان صاحب المقهى واسمه صبيح اكثر رقة من اي صاحب مقهى آخر.. ومع ذلك فقد اقترح احدنا التحول الى (مقهى الرشيد) في الحيدرخانة.. وبعد ان نوقش الاقتراح مدة شهر كامل تقرر الاخذ به.. وهكذا تحركت القافلة الى هناك.. وفي هذا المقهى التقينا الشاعر صالح بحر العلوم وعباس شايجه وانضم الينا كذلك كل من الاخوين موسى ومحمد النقدي، وهنا بدأت حدة المناقشات الادبية تهفت تدريجيا!. ثم حصل الانتقال الكبير الى (مقهى البرازيلية).. لقد كان عهد (مقهى البرازيلية) هو العهد الذهبي في حياتنا الادبية، فقد اصبح لكل منا شخصيته الادبية الخاصة، واذا كانت بعض الوجوه قد اختفت نهائيا لعدم قدرتها على المواصلة فقد ظهرت وجوه اخرى جديدة ذات سمات ملائمة كالشاعر رشدي العامل والقاص نزار عباس ومحمد روزنامجي والصحفي الكبير عبدالمجيد الونداوي، فهناك وخلف الواجهة الزجاجية العريضة وحول منضدة من اعواد الخيزران كان يجلس الفرسان الاربعة انا وعبدالوهاب البياتي وكاظم جواد وعبدالملك نوري حيث قد اصبحنا نقطة الارتكاز لكافة اطراف الحركة الادبية في العراق ومع اننا كنا نختلف من ناحية اتجاهنا الادبي، الا اننا كنا نشكل وحدة متراصة ضد كل بوادر الشعوذة ومحاولات الارتداد، غير ان حدة النقاش قد اخذت تهفت باستمرار حتى خيل اليّ اننا سنتحول الى نوع من الدمى، لذا كنت انتظر مجيء الليل بشوق لايوصف حيث التقي اصدقائي من الادباء الذين فضلوا البقاء في مقاهينا القديمة، فقد كان معظمهم يأتون اليّ بعد الساعة الثامنة مساء في حانة (بلقيس) لنستعيد ذكريات ايامنا السابقة، وفي تلك الفترة انضم الينا كل من سعدي يوسف ومحمود الخطيب وماجد العامل، وكان يحضر للبرازيلية احيانا بعض المفكرين المعروفين كالدكتور فيصل السامر والاستاذ ابراهيم كبة والدكتور علي الوردي، وغيرهم، وفي مقهى البرازيلية بالذات نشأت كافة التيارات والافكار التجديدية في الشعر والادب، وفيها ايضا ولدت فكرة تأسيس اتحاد الادباء العراقيين، ولقد كان لنشاطي الشخصي اثره الفعال في اتخاذ بعض الخطوات المهمة من اجل انجاح هذا المشروع الكبير الذي كان مجرد التفكير فيه يعتبر تحديا مباشرا للسلطة القائمة حينذاك، وكانت اهم الاجتماعات شبه السرية التي وضعت فيها القرارات الحاسمة بالنسبة للهيأة التأسيسية الاجتماع الذي عقد في دار الاستاذ خالد الشواف، ولكن الحكومة التي كانت تتعقب خطوات كل شاعر واديب قد شعرت بخطورة مثل هذا التجمع الادبي فأوعزت لعدد من مرتزقة الادب بتقديم طلب مشابه، وقد اجيز الطلب فعلا.. وهنا كان لابد من معاقبة ذلك الشاعر المجنون والانتقام منه، ففي سنة 1952 القي علي القبض من قبل البوليس السري، وبعد توقيف طويل في معتقل ابي غريب قدمت الى المجلس العرفي العسكري وحكم علي بالسجن لمدة سنة، وفي سجن الكوت الرهيب بدأ التحول الكبير في مجرى حياته الادبية فقد اقسمت مع نفسي على السير في خدمة الشعب والعمل على قلب ذلك النظام الذي يستل شوق الانسان للحرية بالسجن والحراب ولما عدت الى البرازيلية كان الفرسان الثلاثة كعهدي بهم يجلسون خلف الواجهة الزجاجية ويتحدثون عن نفس الحلم المشترك، وكانوا قد فصلوا من وظائفهم فصاروا يفكرون بالهرب بصورة جدية وقد حقق ذلك كل من عبدالوهاب البياتي، وكاظم جواد ولم يبق معي غير عبدالملك نوري، ولم اكن املك من الوقت مايكفي لعبادة مقهى البرازيلية لانني كنت اعمل كمحرر في جريدة الاهالي، ولكني كنت كثيرا ما افر من الجريدة الى المقهى، فقد كان الجلوس وراء الزجاج خلف منضدة الخيزران قد وصل الى درجة الادمان.
مجلة الف باء اذار 1969
منقول للفائدة عن
صحيفة المدى
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16/01/2010, 22h35
الصورة الرمزية محمد العمر
محمد العمر محمد العمر غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:372343
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: كندا
المشاركات: 905
افتراضي رد: بغداديــــــات

غريزة المقهى
وامبراطورية المقاهي الست


مالك المطلبي
يحمل شريط الارض، المتخذ تسمية تاريخية (شارع الرشيد) يحمل على طول ظهره ظاهرة المقاهي. البلدية، الزهاوي، فحسن عجمي، فالبرلمان، فالبرازيلية، فالبيضاء، (تقبع البيضاء في حجر ابي نواس وشارع ابي نواس ليس سوى التسمية الليلية لشارع الرشيد).. *ارجو ان يتنبه القارئ، الى انني ربطت مقاهي النص، بالفاء، وان مغزى ذلك ان الترتيب يعني ان نصعد من البلدية الى البيضاء، ولايمكن عكس الامر، وهذا ما سيتضح في مستقبل هذه الكتابة.

(1) قبل عقدين كانت العلاقة بين (دجلة) و(المقاهي) ذات طابع اجتماعي (تبادلي)، بين حشدين من سكان البر وسكان الماء كانت العلاقة اشبه بحوار تتخلله أبنية، اما الان فقد ادار دجلة ظهره احتجاجا على مجازر الحيوان النقدية (المطاعم) ومخازن الرطوبة (موبيليات سوق هرج) التي استبدلت بالمقاهي هذه. ويا للاسف! فنحن نتحدث عن كائنات اكثرها مات، او شاخ، او اختفى (مات البلدية عجوزا، والزهاوي حي، لكنه اقرب شبها الى مومياء، منه الى مقهى، وحسن عجمي كشف رأسه! والبرلمان انتحر، والبرازيلية تقاعد، اما مقهى البيضاء فكان موته عبارة عن اختفاء غامض ).. حشد من الحيوات بأمكنتها زال من البسيطة! ولم يبق منه سوى آثار مطمورة تحت جلودنا.
(2) على الرغم من ان تاريخ المقاهي قريب، فانه يبدو، عبر قانون الزوال، تاريخا كهفيا، هكذا تبدو المقاهي الان: في طبقة من طبقات الذاكرة! محشورة مع جمع من الاموات والاحياء (واصغرهم كهل) وكأنهم صور شارع الرشيد التي تجمدت بالابيض والاسود، وهي تعطينا احساسا بأننا احياء، اكثر مما تعطينا احساسا بأن سكان الصور، اموات!.. فما اقوم به الان لاينتمي الا لعلم الاثار الذهني، الذي يحاول تفكيك (دال) المقهى القديم، المكون من الاف الخطى القصيرة، التي امحت في فراغ الكنبات، متحدة بملايين ضربات خرز السبحات، بملايين الكلمات التي تكون، دائما، ارباع جمل! بالزجاج الخارجي الممسوح، ابدا، بالفضول المتبادل بين الجالس والسائر، بالمشاريع الادبية التي لاتنمو! بغريزة الشرب، نعم للمقهى غريزة، شأنه شأن الحيوان، لكنها غريزة وحيدة، وليست منظومة غرائز انها غريزة الشرب.
بعض الاحيان، لاسيما في مقهى الظلام المختلف (البلدية)، في حدة الظهيرة، نحس، نحن الذين لانظهر الا جالسين، او نائمين (الوقوف هو الممنوع الوحيد في المقهى) نحس بفوران غريزة الشرب، وهي تصفر كقطار موشك، على الاصطدام من فوهات غلايات الماء الابيض، والشاي، والحامض والدارسين، وسحبها فوق الرؤوس لتكون ما يشبه مطرا لاينزل!.
(3) كان شارع الرشيد عبارة عن امبراطورية للمقاهي (قبل ان يتحول الى مجازر الحيوان النقدية، ومخازن الرطوبة) تشكل البلدية قدمي الامبراطورية، وحسن عجمي والزهاوي حوضها، والبرلمان سرتها والبرازيلية صدرها، والبيضاء وجهها! ولايمكن ان نبدأ بوصف قدمي جسد الامبراطورية من البيضاء، لان الوصف سيصاب بالكساح! فالبيضاء منطقة رخوة، كأنها خلية نقاط على وشك ان تطير، اما البلدية فعبارة عن جدار سجن، يمكن الاتكاء عليه بثقة.
(4) يربط المقاهي الستة (تابو) مركزي: هو التحريم الانثوي، ان ذكورية مقاهي شارع الرشيد، ماكانت الا ان تمارس، على وفق قوانين التوازن الجنسي، الانحراف، لكن سلطة الادب في المقاهي، تلك السلطة التي تراود رواد المقاهي من غير الادباء، كانت تحد من الانحراف. وفي عقدنا (من 1959 إلى 1969) لم تنتهك المرحلة الذكورية (دخول الانثى) الا مرتين! وقد حصل، في حينها، ما يكون عصرين جيولوجيين في تاريخ هذه المقاهي، وسنعرض لهذا، في مستقبل هذه الكتابة.
البلدية: مكان الظلام المختلف يبدأ الظلام من الخلف، في مقهى البلدية، كثيفا، ثم يفتر في الوسط، اما حلق المقهى، فمضاء اضاءة باهتة بخطوط شمسية تائهة!. عادل كاظم، واحمد المفرجي، وسركون بولص، وحكمت الدراجي، وشريف الربيعي، وعمران القيسي وخالد يوسف وعلى مرمى منهم عميان وقراء مقام، كنا نعقد الحلقة في المنطقة المضيئة، وكنا اشخاصا مترسبين من انشطار العصر الجمهوري توا، نحاول اختبار الصلات من جديد!. لا امتلك ذاكرة عن البلدية ولهذا سأسير بمحاذاة الذاكرة: كان عادل كاظم (الكاتب المسرحي الاوفر حظا من الشهرة الان) وهو يشرب الناركيلة، يعدنا بعظمة قادمة! وكان سركون بولص كله اشارة الى حرب تحرير في الضلع العمودي للشعر! وحكمت الدراجي على وشك ان يؤسس حزبا! واحمد فياض المفرجي ينظر من شرفة. ويالنظراته! حين طبع كتابه (الحركة المسرحية في العراق) آنذاك! والسيد الوحيد الذي انشق علينا، وانتقل من المنطقة المضيئة الى المنطقة الفاترة! هو غازي الاحمدي، حين كتب الوجودية مذهب انساني! والتعليق الوحيد الذي كنا نسمعه، ينتهك سلطة الاقتحام الفلسفي، للاحمدي الذي تركنا مدة نشك في معنى الادب، كان يطلقه نزار عباس! وبتعليقات نزار عباس، وظهور الادب الوجودي اعيدت (الفلسفة) وغازي الاحمدي الى الوراء! وهذا هو مكانهما الطبيعي. كان عمران القيسي وشريف الربيعي، يملآن الحلقة بالاهتزاز! اما الوجود الاعظم (الحصيري) فلم يكن قد تشكل بعد أن كان عبارة عن سلسلة من الغارات غير المنتظمة، التي لم تكن في حينها، تثير الانتباه لكن تلك الغارات، ادخلت، بعد ذلك في سجل افعاله الغليظة، لتكوّن منه: (حيوان المقاهي) بلا منازع: ذلك الذي يصرخ في البرازيليلة، ويغير على البلدية، وينام في حسن عجمي، ويستيقظ في البرلمان، ويهدأ في الزهاوي، ويخطب في البيضاء ويقايض في التجار!. الزهاوي لم تطأ قدماي مقهى الزهاوي قط، وانما كان، بالنسبة لي، فضاءا بصريا، ولا ادري لمَ كان يذكرني كلما رمقته، بسيارة نقل ركاب صغيرة، يجري الحوار فيها ظهرا لوجه وليس وجها لوجه. مقهى حسن عجمي: مقهى الفن الفطري في مقهى حسن، يوجد، كان! مايشعرك بأنك تنتمي الى الشعب! البسط المزركشة وسماور الذهب الكاذب وسجادات الف ليلة وليلة، وناركيلات الباشوات، والمرايا الصافية المذهبة، والغلايات المصفرة، والاعلانات التي توشك على الخروج من اطرها، وراديو القارات، وبطاريته السوداء، التي تفوقه حجما، وما تبقى من الشمس! ونظام الجرائد المؤقت (اقرأ وادفع واعد الجريدة).. في مقهى حسن، اعترف بركن الحصيري، بعد سلسلة من الحروب الصغيرة التي دارت بينه وبين اصحاب المقهى، امس كان الركن مشمسا، وسجادته كانت حمراء، تكوم نقشها في الوسط، والارضية تلمع وتدهن. كنا نتحلق حوله، وهو يمص دخان الناركيلة، كأعتى (معلّم) مصري! بوجهه الاملس، وياقته السائلة، ويديه الغضتين، وكنا، وهو يخرج (لفائف) اوراقه ويقرأ، لنا وصديقي البانتومايم موسى كريدي، قد صرنا، في الطريق القويم، بين كلية الاداب في راغبة خاتون، وحلقة الادب في حسن عجمي، اننا في الطريق الى مشروعنا، الشعري، والقصصي. بدأت ملامح الحصيري الداخلية بالبروز، كانت الكتب التي تعرف من عنواناتها، الكتب النادرة وكتب الاجزاء، وما خلع من كتب الموسوعات! تباع في هذه الزاوية بثمن نادر، لم يكن هناك قانون سعري (عرض وطلب) بل سعر اخوي، يحدد على وفق مبدأ معادل (العرق) الاني، لا اكثر ولا اقل! (اشتريت كتاب الكامل للمبرد بـ250 فلسا، واللامنتمي بـ150 فلسا).. من اين يحصل الحصيري على هذه الكتب؟. سؤال سيشيخ ويموت، من غير ان يظفر بجواب!. ومع تقدم الزمن، نمت في القسم الغربي من المقهى دائرة قمار الدومينو (بفروعها المتعددة (العدلة) والازنيف، والطيرة الخ).. ثم اخذت الدائرة تتسع حتى لم يعد للادباء الان سوى مترين × مترين، وعلا الصدأ التراث الهائل، ورفعت، المرايا، وبيعت الناركيلات، وانتهكت عادة الدخول الى المقهى، بدخول عابرين، وكذا بدأ الماء يسيل من تحت اقدام اروع مقهى في بغداد، والان لم يعد سوى ارض، تجثم عليها قناني الغاز، وتنتشر فيها حلقات قمار منهكة! وادباء لاينتمون الى الادب، ثم حل فيه شيء يشبه الكارثة، ازيل السقف، لترميم الفندق الذي يعلوه، وهكذا كشف حسن عجمي رأسه: عن حبال ينشر عليها نزلاء الفندق غسيلهم!. الانقلاب الجيولوجي الاول حصل في مقهى حسن عجمي حين دخلت امرأتان اجنبيتان، تعتمران قبعتين! وترتديان سراويل عارية! دخلتا بصحبة اديب (لا اذكره الان) لقد اصيب المقهى بالذهول وعمى الالوان، وممارسة اخلاق الصمت، كنا جميعا مقيدين: كأننا نتصافح ابدا!! حتى غادرتا.
لم يفلت من هذا الوضع البشري، الا الحصيري، وجبار نادل المقهى، كان الحصيري يختلس النظرات، لالكي ينظر الى المرأتين بل لكي تراه المرأتان!. اما جبار فبحكم تاريخه في التنقل الموضعي، افلت من الحصار، كان وهو يشير برأسه، ويقدم لهما (الحامض) كأنه يعرض التفوق الازلي للشرق على الغرب!. البرلمان: كان مقهى البرلمان يشبه فراغا، كأننا نجلس فيه، وسط شارع الرشيد! الجدران من زجاج! والسقف بعيد! وعدد غريزة الشرب مخفية عن الانظار. في هذا المقهى حفظت التقاليد الادبية حتى صبيحة انتحاره! كانت الكنبات العشر التي تحتل الشريط الملاصق لشارع الرشيد، محرمة الا على الادباء، الاسماء كلها كانت هناك! سامي مهدي وخالد علي مصطفى، وعبدالامير الحصيري ويوسف الحيدري وعبدالرحمن مجيد الربيعي، وطراد الكبيسي، وموسى كريدي، وجليل العطية ومالك المطلبي وجليل حيدر، ورزاق ابراهيم حسن، وفي عصر البرلمان دخلت الكلمة! اعني حميد المطبعي، وعلى يديّ المطبعي ولدت ثلاثيات الادباء الشهيرة التي تقوم بتصنيف الادباء ثلاثة ثلاثة، على وفق معيار الصفات: اطول ثلاثة ادباء واقصر ثلاثة واحمق ثلاثة، واعور ثلاثة.. الخ!. وفي البرلمان حل العصر الجيولوجي الثاني في تاريخ المقاهي حين دخلت السيدة القاصة بثينة الناصري، على الحلقة الادبية لقضية تتعلق بزوجها –آنذاك- القاص عبدالستار ناصر! وكانت بثينة تعي قانون التحريم (ذكورية المقاهي) لكنها برباط جأش اخترقت التابو، ولو كان بالامكان ضبط التلبس بالبصر! لضبطت الخمسمائة عين (سعة المقهى 250 ذكرا) تزدحم على جسم بثينة!. ولما خرجت بعد حوار قصير، تركت آثارا لايمكن تصنيفها!. على الرغم من ان بيت الحصيري كان مقهى حسن عجمي، كان البرلمان مكانه الاثير، وكان هو علامة البرلمان! باختصار البرلمان لايكون الا اذا كان الحصيري والعكس صحيح، وهكذا تلازما، ليس تلازم وجود فحسب، بل تلازم عدم، فما ان مات الحصيري حتى انتحر مقهى البرلمان: صار مطعما!. كل الادب الذي يسمى بالتسمية اللانقدية: (الستيني) ولد في البرلمان اهم المشروعات الثقافية خطط لها هناك: ادباء ناشئون وكهول متأدبون!
وقارئو جرائد، كلهم يؤمون البرلمان لمشاهدتنا! نحن اشهر اسماء مكان، حدوده 10× 20 م لكن شهرتنا تبدأ بالتناقص كلما تقدمنا خطوة وراء هذا المكان، حتى تصل بعد اقل من كيلو متر واحد، درجة الصفر. في البرلمان كتبت اجمل قصيدة لي (الشارع والنهر) سرنا النهر والشارع كتفا الى كتف.. حتى خرجنا من بغداد، ثم عاد احدنا ومات الاخر. البرلمان سيرتنا الذاتية جميعا!. والان.. في المكان الذي كنا نصطبغ فيه بحمرة الشعر، يوجد دجاج محمر راكع على ركبتيه!. كلما مررت على جامع الحيدرخانة، وجدته ينظر باتجاه رفيق كفاحه السياسي، (البرلمان) يا الهي! مقهى البرلمان لم يعد الا اتجاها!. البرازيلية: مقهى الترانزيت! كان يجلس فيه حسين مردان، وعبدالملك نوري، وفؤاد التكرلي، ورشدي العامل (ثم انتقل اليه نزار عباس وتوأمه، انذاك، غازي الاحمدي).. في عصر المقاهي لم تكن البرازيلية الاّ مقهى مستوردا! في المرور به نرى غريزة الشرب، وقد روضتها التقنية، مكائن بأزرار تصنع الـ(قهوة) وبرادات ماء تدور على لوالب، واسطوانات دائرية، تنزل الـ(آيس كريم) وعمال خافتون ينحنون، وعلى شفاههم، (البزنس سمايل)! باختصار كان مقهى البرازيلية كل شيء الاّ مقهى!. البيضاء: مقهى البيضاء استمرار ليلي للبرلمان، وكنا في البيضاء نحاول ان نوقظ زمن التمرد فينا: الخروج على العقل، واللجوء الى الحواس لكن حواسنا، وهذا مالم نكن نعيه، اصبحت حواسا معقلنة.
كنا وسط الحانة الطويلة (ابي نواس) المتعففين الوحيدين (لا نشرب سوى الغازيات) لكن بوجودنا في الليل، وسط ابي نواس وسط الحانات السافرة، وعلى طريق الروائح المندفعة من السمك المحترق والحي، نمت عندنا عادة القمار البري، الشطرنج والنرد والدومينو! ومع تقدم الزمن اخذت البراءة تنحرف! بدأت الرهانات المالية، بيننا على نحو حذر (من عشاء! من بارد، من ربع دينار) ثم اخذت بالتصاعد (وهذا هو جوهر القمار: يبدأ باخذك على السلم ثم يقذف بك في فضائه: الذي تشع فيه نجمة الامل السرابية).. لكن التصاعد بقي ادبيا: (جليل العطية واحمد خلف وفاضل العزاوي، وفوزي كريم ونبيل ياسين وسامي مهدي، وحسب الشيخ جعفر وغازي العبادي) وكان (سامي مهدي) هو الذي بقي ينشط الحلقة الادبية في البيضاء ويبث فيها زمن الديمومة حضورا وحوارا، وشهدت البيضاء مرحلة (البيانات الادبية) ومولد شعر (69) والذهاب الى مقر (اتحاد الادباء العراقيين) الذي بدأ بالظهور من جديد وكان هذا الذهاب بدون عودة! الامر الذي ادى الى موت البيضاء. مقهى التجار ومقهى المعقدين: هناك مقهيان آخران هما: مقهى (المعقدين) في الفخ الواقع بين شارع السعدون، وابي نواس، ومقهى (التجار) مقابل حلق سوق السراي، سوق التجارة بالادب. كان المقهيان، المذكوران آنفاً اشبه باشاعتين في امبراطورية المقاهي!. شكل مقهى المعقدين حلقتنا في المساء مدة سنة! واهم رواده مؤيد الراوي ورياض قاسم، وعبدالرحمن طهمازي، وحسين عجة وقتيبة عبدالله.. كانت تسمية المعقدين العلامة الملائمة على الصراع الادبي المفتوح، وبناء الشخصية التي تقترح الحداثة لا كنتاج نصي، بل كمناخ، للحياة.
في مقهى التجار الذي كنا ندلف اليه بين الحين والاخر كمحطة مؤقتة قبل الدخول الى عوالم سوق السراي، تتم صفقات بيع الشعر. وقد شهدت واقعة، باع فيها (الحصيري) عشرة ابيات بدينار لمتشاعر ومن حينه عرفت، ان الرغبة في الشعر او التشاعر مرض متأصل في الانسان!. لكن! لم نأخذ المقهيين! في يوم من الايام على محمل الجد، وما السبب الا بكونهما يقعان خارج الخط، الذي تسلكه امبراطورية المقاهي الستة: البلدية فالزهاوي فحسن فالبرلمان فالبرازيلية فالبيضاء!. هل تكوّن عندنا ما اسميه بـ غريزة المقهى؟.
نعم! والدليل على ذلك وجودنا الادبي في حسن عجمي حتى الان، وسط قناني الغاز، التي تشير الى الانفجار، اكثر مما تشير الى الطبخ.
منقول للفائدة عن
صحيفة المدى
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16/01/2010, 23h35
الصورة الرمزية محمد العمر
محمد العمر محمد العمر غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:372343
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: كندا
المشاركات: 905
افتراضي رد: بغداديــــــات

البلدية
مقهى من ايام الزمن الجميل

صاحب الشاهر
ماذا يهمنا من بناية متداعية تلم اعطاف ماضيها في احدى زوايا ساحة الميدان.. وقد مسح الغبار ذيله على زجاج شبابيكها المتعبة.. ورسمت امانة العاصمة على بابها شارة (التفليش).. ما الذي يهمنا حين نرسل ابصارنا داخل فراغها الموحش وقد طردت رياح اليوم كل معالم امسها ولم تبق لنا غير نضارة الذكريات..


مقهى البلدية.. ليست بناية قديمة كالاخريات.. نفرح لتهديمها كي تنهض مكانها معالم جديدة.. لبغداد جديدة.. هذه المساحة التي تنفست هواءها طوال نصف قرن صور طيبة ولحظات رائعة مازالت تعيش في ذاكرة مثقفيها الذين ادركو ايامها الملونة ابان فترات الاختناق.. وضيق النفس.. اولئك الذين راحوا عرفوها كأول مسرح تحركت عليه اكثر من ظاهرة فنية واكثر من نشاط جميل.. عرفوها مع اول مطربات العراق.. منيرة الهوزوز ثم سميرة دجلة.. سليمة مراد.. جميلة دنكر وبدرية بنت السواس باسم (ملهى الف ليلة وليلة).. كما عرفوها مع فرق بغداد المسرحية وهي تقدم فنانيها عناية الله الخيالي.. عبدالله العزاوي.. هادي علي والصحافي محمود شوكت صاحب جريدة الثبات.. ثم شاهدها وهي تتآكل في حريق لفها في الثلاثينيات ليصار الى ترميمها من جديد باسم (ملهى الاوبرا العراقية) وتظل حتى منتصف الاربعينيات حيث تتغير خارطة ساحة الميدان تلغى ملاهيها.. وتبدأ قصة مقهى البلدية.. الوليد الجديد الذي تربع على هذا المكان منذ ذلك الوقت.. يتذكرون المقهى.. يتذكرون شبابهم هؤلاء المثقفون الذين يعيشون بيننا الان.. يتذكرون المقهى فيتذكرون شبابهم منهم من جاءها في اواخر الخمسينيات،، ومنهم من جاءها في الستينيات كملاذ متسع شهد فورة نشاطهم.. القراءة.. الكتابة.. الانطلاق بالتظاهرات الوطنية.. والخصومة احيانا الى حد استعمال الكراسي كسلاح ابيض.. لقد منت البلدية بدفئها على اكثر من اديب او فنان هرع اليها بعد ان قذفت به قسوة الجو السياسي الى الشارع.. وهنا تعاقبت مجاميع طيبة من جيل عبدالقادر رشيد الناصري.. عبدالخالق فريد.. محمود العبطة.. الى الجيل الذي جاء بعدهم.. وآخرون ممن احتفظوا في رؤوسهم بأكثر من طريفة واكثر من موضوع كانت فريسة (دسمة) للنقاش.. وهم يتأملون قاسم صاحب المقهى بسدارته التي اوحت للقاص عبدالرحمن الربيعي بموضوع قصصي جميل.. ويتأملون صانعه المزمن خضير.. وما بينهما من مسافة.. يموت الديك وعينه على.. السيد محمود العبطة تنطلق ذاكرته بأجزاء حية من هذا الشريط الملون والطويل.. حين يقول: قبل ايام جلست في مقهى البلدية مع احد اصدقائي.. وفي اثناء ذلك امتد بصري مسافة نصف كيلو متر حيث المكان القديم للمقهى.. ولمح صديقي ما يساور ذهني.. فقال المثل المشهور (يموت الديك وعينه على..) في سبيل اثارتي.
فقلت له كانت ايامنا في المقهى رائعة داخل جوها الهادئ الذي كان يثير حماسنا للمطالعة والابداع.. لم يكن هنالك راديو.. ولا تلفزيون.. لاباعة يانصيب ولا صباغو احذية.. اذ حررت فيها فصولا من كتبي عن السياب ومحمود السيد والفلكلور البغدادي.. كما حررت مسودات تلك الكتب قبل دفعها للمطبعة القريبة..
فكيف لاتبقى عيوني مشدودة لها..؟ من رقص الهوائم.. الى عمامة الطيار ويقول العبطة: بعيدا عن الضوضاء كنا نتحدث عما نشرنا او قرأنا ونحن نصغي الى اغنية الجندول او الى موسيقى رقص الهوائم حيث كان المقهى يملك ثروة هائلة من الاسطوانات ولها موظف خاص يذيع على الفنوغراف بعد تقديم اسم الاغنية والقطعة الموسيقية من على ورقة خاصة لذلك..
اذكر ان في الجانب الاخر من مجموعتنا انا والسياب وحازم سعيد ومحمد روزنامجي وحقي الشبلي وغيرهم.. كان يجلس المرحوم الحافظ مهدي مع بطانته واشهرهم احمد شعبان بجراويته البغدادية البديعة.. وعلى بعد منهم يجلس ارباب الموسيقى الشعبية وقد علقوا الابواق والطبول فوق رؤوسهم بشكل مضحك.. وبعد ان انتقل المقهى الى مكان (ملهى الاوبرا) لم تنقطع ارجلنا عنه حيث اجتاحه في هذه الفترة الشباب الجديد.. ولم يبق من علامات البلدية القديمة الا السيد عبدالستار الطيار بعمامته ونرجيلته المعهودة.. من هنا.. انطلقت التظاهرات احمد فياض المفرجي يتحدث عن مشاهد من ايامه مع المقهى.. تلك الايام المليئة بالطرافة والجد.. الخصومة والاصدقاء.. يقول:انني لا يمكن ان انسى ذلك اليوم الذي اصطخبت فيه المقهى وضجت بمثقفيها.. وشبابها الذين اندفعوا للالتحام بالتظاهرة الوطنية التي خرجت تأييدا لثورة مصر عام 1952.. كما كانت احتجاجا متحمسا ضد النظام الملكي المستبد.. كما لايمكن ان انسى الشرطة الملكية الذين عودونا على احتلال المقاعد الامامية من المقهى وهم يحدقون في اوجه حلقات الشباب المثقف تصيدا لاجتماعات القوى الوطنية في المقهى.. والتظاهرة كانت لهم رزقا رائعا وجدوه في قمع الشباب المتظاهرين.. احسن مكان للتأليف.. والصفعة الودية الاستاذ المفرجي له ذكريات طريفة في (البلدية) ذكر لنا بعضا منها حين قال: كنا نتمتع بجو رائع في المقهى..
وفي عام 1957 دفعت بكتابي (المرأة في الشعر العراقي) للطبع.. وبعد اتمام مسوداته اقترح عليّ صاحب المطبعة ان اضيف فصلا عن المرأة في شعر حسين مردان فأسرعت الى (البلدية) وهناك حررت الفصل كاملا في جلسة واحدة، والحقته بالكتاب في نفس اليوم.. وبعد صدور الكتاب اطرى معظم من قرأوه على هذا الفصل الذي حررته بفضل اجواء المقهى.. وفي عام 1965 اصدرت كتابي عن الحركة المسرحية وبعد صدوره باسبوع تخاصمت مع احد الادباء في المقهى.. فلم يجد هذا ما يصفعني به سوى نسخة من كتابي اشتراها لهذا الغرض من بائع مجاور.. وتقبلت انا هذه الصفعة بارتياح لانها ساعدت على تصريف نسخة من كتابي.. حلقات الادب.. ذكريات عزيزة خالد الحلي هو الاخر له ايامه الحبيبة التي يقول عنها: تتداعى في ذهني بعض الاشياء.. الجديد لا بد ان يحل محل القديم.. ولابد لهذه البناية العتيقة المعتقة ان تطمر!! لكن.. عندما عرفت انها توشك على الزوال النهائي كمقهى تذكرت بالحاح تلك الايام الحبيبة.. حيث فيها بدأت علاقتي ببغداد عام 1964.. وهنا تعرفت الى الكثير من الادباء والفنانين يوم كان جو البلد مختنقا تحت وطأة النظام العارفي وكنت جديدا على حياة بغداد.. اتذكر وجه الشاعر الراحل عبدالامير الموسوي وهو يتردد على المقهى خلال ايامه المرهقة.. ان حلقات الادب ذكرياتي العزيزة عن (البلدية).. هكذا يتحدث هؤلاء عن متنفسهم الذي تركوه ليشغلوا مواقع حيوية تسهم في بناء مستقبل ثقافتنا. بعد انفراج واقعنا ورحيل سحبه الداكنة.. ولكن المقهى يبقى في خواطرهم طيفا عزيزا من ذكريات حميمة.. يمكن ان يهدم مقهى البلدية.. لكن لايمكن ان تنسى جلساته التي تحتفظ بطراوتها وهي تنمو داخل جو من الدخان بدأ من العهد الملكي وانتهى بانتهاء النظام العارفي.. يمكن لامانة العاصمة ان تتصور مقهى البلدية وهي تتهدم.. لكن هؤلاء يظلون مثل غرسات تنفست هواءها قديما.. وهي الآن تهتز بجمال كلما حركتها رياح الذكريات..
مجلة الاذاعة والتلفزيون 1975
منقول للفائدة عن
صحيفة المدى
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16/01/2010, 23h59
الصورة الرمزية محمد العمر
محمد العمر محمد العمر غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:372343
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: كندا
المشاركات: 905
افتراضي رد: بغداديــــــات

مقهى حسن عجمي
كبرياؤه من كبرياء رواده وزمانه من زمانهم

بدر السالم
يرتبط مقهى حسن عجمي اسما ومكانا، بعلاقة تماس معروفة مع الادباء والمثقفين لا بوصفه تاريخا مجردا او مكانا وحسب، انما بوصفه علاقة متينة الخصوصية بما هو عليه من تبدلات وانتقالات خارجية وداخلية لانه مركز اثير يدور الكثيرون فيه وحوله من اجل اشياء منظورة وربما غير منظورة وليس اقلها الوقوف في اللقطة اليومية المتكررة كأدباء..

وهو هاجس لابد من الاقرار بسطوته وهو يشد ادباء الخطوات الاولى بخجل اول الامر ومن ثم بثقة تظل مرهونة بالزمن والتجربة والموهبة فقد تبارك هذا المقهى حصرا، دون غيره من مقاهي العاصمة تلك الخطوات القلقة ويمنحها (اجازة) العبور الى احلام اليقظة المعلنة وغير المعلنة.
هذه الروابط المعروفة، بين المقهى وادبائها صارت مع الزمن والاحداث المتتالية رابطة منسوجة بحضور مستمر، معلن بين الطرفين، وقد لاتنفصل ذات يوم الا بانفصال المكان عن مرتاديه لسبب ضاغط، وفي الارجح، ربما سيكون سببا تجاريا، وبالتالي علينا ان نتصور شكل الطلاق القسري بين المقهى والادباء والتشتت الناجم حالة واقعة ومن ثم البحث المجهد عن مكان بديل ولابد من ان يكون مقهى كأرض بكر تتقبل زراعة تاريخ آخر على انقاض تاريخ سابق، قد لايكتب له النجاح، وهذا مؤكد الى حد ما، بسبب الاغتراب، المزدوج الذي سيحل بالطرفين المقهى والادباء.. على ان هذا الافتراض سيظل متوقعا وقد لايحدث تماما لتبقى متوالية التعاقب الجيلي قائمة هي الاخرى وليبقى المكان- المقهى محورا حاسما بمركزيته في الشد والجذب والاقصاء فيما بعد.. شكل الصراع سوف يكون مستترا.. وقد كان ذلك بين المكان وشاغليه.. وهو صراع متبادل تحركه نزوات آنية فرضها ظرف طارئ، لكن سرعان ما تعود الاشياء الى سابق وضعها مصممة على أسس تبادل المنفعة، وفرة المكان / ووفرة المكين؟/ وتبادل الخطابات والشفرات حرصا على سلامة التواصل والحضور/ اعانة شاغلي المكان لديمومة اللحظات الغامضة/ وتعويق الزمن في ايقاف المكان – المقهى من قبل مستغلي المكان ورواده الذين انقذفوا من التاريخ القريب او الذين ولدوا تحت اضواء النيونات الملبدة بالغبار الى ما شاء الزمن ان تتلبد؟.
هكذا هي (القيمة) القديمة بين الاثنين في لعبة الشد النفسي والتاريخي، فبعد ان أغلق مقهى (البرازيلية) لسبب ما وترك مقهى (البرلمان) وظيفته ليتحول الى مطعم للكباب! اضطر (الجميع) الى الهجرة الى مقهى حسن عجمي وهي هجرة مؤقتة نفسيا الا انها باتت اقامة دائمة لا تعتورها الشكوك ولكن تفترعها الظروف القاسية منذ عشرين سنة على وجه التحديد.
أجيال أدبية الاتساع المقصود هو في القيمة الزمانية – المكانية للمقهى نتيجة ولادات اجيال جديدة وظهورها على مسرح المقهى بشكل يدعو الى الاعجاب والتأمل والاستفهام ايضا، مما يعزز المكان – المقهى لاحلام اليقظة المشروعة لدى الكثيرين الذين يتزودون هنا وعلى مر الايام، باحلام اكثر واقعية وصراحة، ولكن بعد زمن لايطول هذه المرة وما الانتكاسات او الانكسارات (كذا) التي تصيب بعضهم وبخاصة القادمين من المحافظات العراقية القريبة من حزام العاصمة او حتى البعيدة عنها، ماهي الا جزء صغير من الواقع او احلام الواقع سريعة الزوال امام صراحة المقهى وهي تتحول من مكان الى زمان بوصفها مركزا جاذبا واردا ايضا (المقهى عاصمة اذن)! على ان الكثيرين ايضا قادرون على التضحيات بشكل مستمر ويتآزرون بالحاح، لكسر شوكة المقهى، متناسين شؤونا مهمة في الحياة واقفين بعناد، منشغلين بحضورهم المزدوج او الحقيقي او الهامشي لغرض توسيع قاعدة المشاركة ولو كره الاخرون؟ وبذلك انشغلت تخوت جديدة باسماء جديدة في المقهى وقد تكرر هذا الامر دائما وسيتكرر ما دام هذا المركز له خاصية الجذب المستمر ومادام هناك آخرون يتعاقبون على وفق النظام الوراثي المعروف، ولكن على طريقة الوصول الى ماهو مشاع، فالمقهى هو (ام) الجميع من حيث هي (رحم) له امكانية ضم الجميع بلا استثناء، دون ان تصبح ابا يوزع اهتماماته بين الابناء العاقين والمشاكسين والعقلاء بصورة متساوية ودون تفضيل هذا الابن على ذاك، فهذا لن يحصل ابدا، لان المقهى غير قادر على تبني نظام الابوة الصارمة فذلك من شأنه ان يخلق فوضى ليس من اليسير كبحها، بل يحولها الى مقهى دون امتيازات اخذت تسعى اليها عبر التجربة الطويلة، وانشأت لها طقسا لا واعيا في الارجح في مكوناتها السرية – المادية.
اما الانغلاق المشار اليه عرضا فهو يقتضي النظر الى طبيعة الرواد المواظبين منهم او الطارئين الذين قد يكتسبون حضورا اكثر من الرواد (التاريخيين) المتوالدين عبر الظروف والحقب والاجيال فهنا ستكون الدورة معكوسة، اذا تحقق ذلك الاكتساب ولن يحقق المقهى في رواده المتعاقبين عبر المواهب واستنساخها اي اكتفاء ذاتي بل سوف يحتاج دائما الى عابري سبيل او ممتقعين وربما الى اصناف اخرى من البشر افرزهم الواقع الرازح تحت ثقل الحصار؟.
حضور عابر ان طرفي الاتساع والانغلاق مرهونان ليس بالزمن وحده وتغير الظروف فقد يكون هذا تحصيل حاصل لكنهما مرهونان بالالتصاق القصدي في جلدة المقهى او الانسلاخ عن رحمها والاكتفاء بالحضور العابر على طريقة تزجية الوقت او احصاء الهموم البيتية، وهذا ما تستوعبه المقاهي كلها، وهذا ايضا سوف يسلب مقهانا فضيلة الزمان والمكان وفضائل اخرى لان الهدف الكامن هو الا يتحول مقهى حسن عجمي الى مكان مجرد والا فالامكنة مرمية في كل مكان؟؟ وان لقاءات التحية يمكن ان تتم عبر الهاتف بشكل مستمر دون انقطاع والولادات الادبية ستبحث عن (رحم آخر) وتجمل له سماته واركانه وتخلق له مزايا نادرة وتزور له تاريخا فاضلا؟.
وجد المقهى (حسن عجمي) بوجود شارع الرشيد، فهل نستطيع ان نتصور العكس؟ لا اعتقد ذلك فالمقهى ليس له علامة فارقة في شارع الرشيد وليس له علامة فارقة في ذاكرة مسافر او عابر او طالب جامعي قاده الواجب الدراسي للبحث عن مصادره في شارع المتنبي.
وجد المقهى بوجود شارع الرشيد ولايجوز افتراض العكس.. ان ذاكرة (حسن عجمي) من ذاكرة (شارع الرشيد) وارجو الا يكون هذا فرضا متعسفا ان ميزة هذا المقهى هي في انفصالنا التدريجي عن شارع الرشيد الذي فقد جزءا كبيرا من ملامحه وذاكرته، وهو انفصال قررته ظروف متعاقبة، لتستقل باطارها وتجتذب اليها ذاكرة اجيال اضيفت مكتنزة بما هي حياتي وحيوي، تلك الاجيال التي قدمت مكتنفة بالمشاريع والهواجي واحلام اليقظة المستمرة، ولعلنا سنقرر ان الانفصال من ذاكرة شارع الرشيد ليس مقصودا بذاته، كما ليس مخططا له من قبيل اي طرف يعنيه هذا المكان اولا يعنيه.. على افتراض ان كل ذاكرة تؤسس علاقاتها الجدية بما هو مضاف اليه من معرفة مقرونة بالخبرة والتجربة بعيدا عن (استعمار) الماضي ومحدداته وذاكرته.
تطلق تسمية (مقهى الادباء جوازا على مقهى حسن عجمي) وهي تسمية محلية اتفق عليها دون اتفاق علني، ولكنه اتفاق قائم، ولم تطلق هذه التسمية بشروط يمكن قراءتها ولن تكون ثمة شروط لمستقبل هذا المقهى على اساس هذه التسمية او غيرها مما ينتجه ظرف قادم، ويتضح من التسمية في حقيقة الحال اطراد متحصل من الرواد كان وراء ذاك العنوان العريض، فتعاقب الظروف القاسية وتخاطف السنوات وولادات اجيال قذفها الواقع المحتدم الى واجهة الحياة بشكل قيصري في بعض الاحيان، تم التركيز على التسمية المذكورة لا من قبل (المسمى) هذه المرة انما من المقيمين على شؤون المقهى، حصرا فهل هذا وعي مكتسب؟ ان تتم المسميات عن معرفة ضرورية لما هو مسمى؟. لا اظن ذلك ولا استطيع قبول هذا الاحتمال بشكل نهائي لان معرفتي بـ(ادارة) هذا المقهى لايصل اليها الشك في ان الوعي المستنتج من هذه التسمية هو وعي (عفوي) وليس (اميا) كما يتبادر الى الاذهان اول الامر فهو وعي متحصل لنمط من الرواد صيروا للمقهى علامة مميزة وجعلوا له دالة خصوصية عليهم وعليها، فقد يكون هذا من قبيل الاحتراس الضمني في تبادل الادوار بين المقهى ورواده من الادباء، وهي ادوار ذات لعبة مفضوحة الاسرار يلجأ اليها الطرف الاول –المقهى عادة.. تبعا لحالتي الاتساع والانغلاق المشار اليهما في توطيد او تشتيت العلاقة ذات المنفعة المشتركة. التسمية المتفق عليها بلا شروط معلنة (مقهى الادباء) لم يخضع لاشاعة قديمة او حديثة، بل الى حقيقة يومية ملموسة ترسخت عبر معاناة اجيال وانصراف حقب، وترسخت في اوقات مضت ثم اضمحلت في اوقات اخرى، ثم عاودت الظهور حقيقة لا مفر من اقرارها واعتدادها/ من وجهة نظر المقهى/ مكسبا قادما من ظروف متفجرة حملت معها ظواهر بشرية وادبية تناوبت في الجلوس على تخوت المقهى وما تزال متشبثة بها عنوة.. ثم ان غياب وجوه متعددة لهذا السبب او ذاك وانحسارها وظهور بدائل شرعية وغير شرعية اخذت تتسيد المكان- المقهى بوصفها وريثة للوجوه الغائبة او امتدادا لواقع الحال الادبي في مشهده الواسع.. كان هذا اعطى (ادارة) المقهى وهي ادارة لم تتبدل خلال عقد من الزمان ونصف زخما معنويا ظاهريا وباطنيا في مغازلة تلك التسمية او اخراجها الى الوجود وعدها واجهة اجتماعية منيرة تبز بها مقاهي القمار والريسز والصفات التجارية التي تتم عبر دخان الناركيلات ذات الرائحة التي لم ولن تتغير الى وقت ليس قريبا؟ لماذا هذا التحول البطيء في النظر الى الرواد المزمنين والجدد ممن وضعوا ثقتهم في القدر على امل الايغال في احلام اليقظة؟. ما يفكر به المقهى لا استطيع الجزم بما (يفكر) به المقهى؟ ولكن لدي تخمينات اولية معززة بالشواهد الدالة على مثل هذا التحول، ولعلها شواهد مستقاة من صميم العلاقة اليومية النافذة، وهي شواهد قام بها بعض المسرحيين اول الامر ثم اتسع الامر الى آخرين من الشعراء وكتاب القصة/ فالفسحة العارية القريبة من نافذة الشارع كانت محرمة على الجميع قطعا/ وظل الشك يراود (ادارة) المقهى في ان اية حركة يقوم بها بعضهم سوف تكون مرصودة من عيون غريبة مبثوثة هنا وهناك وهذا شك له اساس تطبيقي في واقع العلاقة بين المكان ورواده لانه من ذاكرة قديمة دهمتها الفوضى ردحا طويلا من الزمن وربما ظرف الحرب اسبغ طاقة غريبة على وعي عفوي/ شبه امي/ كبرت امامه الفجيعة فتصور ان الاعلان عن مسرحية او امسية شعرية هو بالضرورة سوف يكون احالة لا واعية الى (ملصق) ناشز قد يسبب الخراب؟؟.. لكن التمرد ظل قائما، فظهرت/ عنوة، ملصقات اخرى صغيرة اخذت تتكاثر وتنمو بعناد معلنة عن امسية شعرية او ندوة قصصية او عرض مسرحي، يسار الجالس قريبا من نافذة الشارع.. وهي موجهات انية لمشروعات حقيقية او متخيلة او مجهضة او تحمل قدرا لا بأس به من الاماني واحلام اليقظة التي تتحفز، عبر الشاشة المجانية، آملة ان تكون حقيقة يجب الاعتراف بها لاحقا.
ان (استباحة) الشاشة الامامية قصد وزوال الخطر المحتمل جعل تحولا آخر/ وان كان بطيئا/ يتردد في (رأس) المقهى؟ وهو تحول مشهود في ستراتيجيتها؟ وأظن ان لهذا اسبابه التي لا اجيد الافصاح عنها كمحايد.. وكان ذلك التحول السلحفاتي هو عبارة عن اشارات مصالحة ضمنية لتبني التسمية، للاعلان الصريح عن انتماء خجول لهذا الواقع المتوثب دائما.. فاخذت التحولات البطيئة تظهر بوصول الرسائل الواردة الى الاخرين، من داخل العراق وخارجه، وهي تجد طريقها سالكا للمرسل اليهم، بل كان تارة المقهى اكثر حرصا على ايصالها بالسرعة الممكنة، تنفيذا لا واعيا لقرار التسمية غير المعلن صراحة باقامة جسر جديد عن العلاقة (المتكافئة) بين الاثنين ظاهره ايماءة للتميز والتفرد، وباطنه مرتهن لظروف قادمة. وما دامت التخمينات الممكنة لها طاقة لاستخلاص شيء من النتائج الدالة فمن الضروري ان نتذكر اللافتة السوداء التي وضعها المقهى بعد وفاة القاص موسى كريدي ينعى مقهى الادباء الاديب موسى كريدي، باشارة صريحة ومباشرة لهيمنة التسمية الجديدة والاعلان عن (هوية) اجتماعية 0 ادبية لاسيما ان اللافتة ظلت وقتا اكثر مما يجب ملصقة على حائط المقهى وفي مكان لا يجلس فيه الادباء عادة!!. وهذه هي اول مرة في تاريخ المقهى توضع فيه مثل هذه اللافتة باسم يحمل مقهى الادباء، منحيا اسمه القديم مؤقتا ومعلنا انتماءها الواضح الى فصائل الادباء في تحول استراتيجي سريع وحاسم وربما وجد بعض الادباء ان الاسم الجديد، على وفق اللافتة ليس مشروعا على هذا النحو المباغت برغم الممهدات الاولية التي حاول بعضهم تكريسها عبر شاشة الحائط المتسخ الى الابد برغم ان تلك التسمية ترضي غرور الكثيرين منا ساعدهم الحظ او الموهبة على الوصول الى تخوت (مقهى حسن عجمي) والجلوس الطويل بأمل قطع التذكرة الثانية في القطار الصاعد الى .. الاحلام!!. سيكون من الواضح انه يجب تخطي التسمية وعدها (حالة) ما، فأية حالة لاتوصف هي عرضة للقلق والارتكاز واي وصف كهذا هو حالة توجب الاخذ بها سلفا والارتكاز الى (مضمونه) فهذا المكان – المقهى بتحولاته الطريفة البطيئة ينبغي ان لايوصف بحالة لانه يوصف ويفلسف على اساس ارتباطاته بالتاريخ والزمان والحيوات المتناوبة عليه، كما يرجى الا يفهم ان لنا موقفا من التسمية، على بساطتها، التسميات زائفة ولكن موقفنا يتوزع في القراءة المكانية للمقهى وتكوناته وتبدلاته الظرفية وغير ذلك مما يتيح المجال للاخرين في قراءته مرات ومرات على وفق طبيعة كل قارئ وارتباطاته القسرية او العفوية بهذا المكان. موازنة ممكنة ان خلق موازنة بين طرفي العلاقة سيبدو امرا ممكنا على صعد شتى، فأي مكان اليف نواظب على ارتياده سوف يخلق فينا متنفسا ويطلق في دواخلنا امكانات مختلفة النيات على الفهم والافهام واستقطاب التجارب المحررة والمكبوتة وسوف نتمكن من تفسيرها والتعامل معها بحرية مثالية، لذلك فاقامة التوازن بيننا وبين المقهى- مكانا ثابتا- نحن الذين نتحرك- هو امر بديهي اذا ما توفرت خصال مشتركة في القدرة على الاستيعاب والتحليل والاستنتاج وان ترددنا الى هذا المكان هو غاية لتحقيق ما هو متخف في دواخلنا اولا او الاعلان عن اشياء بعينها، وهذا منطق متحرر قياسا الى الضغوط الهائلة التي نحملها وتحملنا، لاسيما ان عصر القراءات الصامتة- الودية التي تحمل قدرا من الالفة والطمأنينة قد ولى وحل محله عصر النظريات والشكاوى والبحث عن طرق سريعة للوصول الى اي شيء وكل شيء، ولكن ماذا يحصل لو ان المكان اخذ يتحرك ونحن نبقى في وضع الثبوت؟. ان سؤالا كهذا سيبدو مفترضا لكن هذه الفرضية قابلة للتحقيق، فعلا، لان الاسئلة عادة لاتولد من فراغ ولابد لها ان تكون محررة من عقد واشكالات وسوء فهم اكيد وربما سوء نية ايضا؟. وعلى هذا الاساس يكون السؤال مغايرا لواقع التطابق المطلوب بين المكان وشاغليه الدائميين وهو سر لايبحث عن جواب قاطع عن مكان ينبغي ان تكون له فرادة قصوى سواء في ثبوته واقعا وفي تحركه رمزا يحتمل شتى التوصيفات.. اما بقاؤنا في وضع الثبوت فهو احتمالية مرجحة لكننا لا نحل محل المكان – المقهى ولانكون بديلا لوعاء قابل ان يحتوي احلام اليقظة. ان الثبات حالة لاتتطابق مع مكنوناتنا الداخلية، ما كان منها معلنا وما كان سريا،، واعتقد انه ليس بوسع احد تقبل هذه الاحتمالية او مجرد التفكير بالوصول اليها، والا استحال الى كائن من اثاث؟. اي جزء من مكان، بل حالة طارئة غير اصيلة، على مكونات المكان ذات. ذاكرة المعاني يشكل المقهى من وعي (داخلي) وآخر (خارجي) يحددها (شكل) داخلي و(شكل) خارجي، وبنتيجة رياضية سيكون ثمة (شكل داخلي) و(شكل خارجي) وهذا الاخير ينسب الى تخطيط عمراني سابق يقع في التخطيط العمراني العام لشارع الرشيد ذاته، وليس لاحد فضل تأشيره فهو واقع محالة، فيما ينسب الاول الى الرواد المتعاقبين وهم يحملون (هوية) محددة ذات ملامح واحدة تقترب وتتباعد بحسب ظرفها، الشخصي وهي في الحالات كلها خارجة عن السياقات التقليدية لهويات الرواد التقليديين وبذلك تكون الشكل الداخلي وتمنح المكان (هيبة) جديدة وتوفره وتبعده عن سطحية الامكنة – المقاهي اي ان الحالة الثانية وعي – خارجي- شكل خارجي،، ستظل تابعة الى الحالة الاولى وعي – داخلي – شكل داخلي،، مستثمرة التغير والتبادل والولادات التي تقذفها اليقظة في التكونات الجيلية المستمرة والتي شغلت الفراغات وتركت وجوها بديلا لتكرار الوجوه الغائبة وارثة ملامحها الادبية وهويتها التي لاينقطع نسلها ذات يوم.. وكل ذلك لايجري مصادفة، كما انه لايجري بتخطيط قبلي.. انما عبر (لغة) موروثة فرضت على المقهى حقيقة مقررة،، هي في كل حالاتها قادرة على بث تقاليد مدنية مثقفة داخل هيمنة المقهى التي تحاول الموازنة بين شروطها الاستهلاكية وبين (انتمائها) الذي سيبقى معلقا الى اشعار آخر!. ان الادباء- الرواد، بوصفهم الحالة الاكثر تماسا مع (لغة المقهى) و(لغة) المجتمع سوف تكون لديهم الفرصة تلو الفرصة لان يقوموا (شكل) المقهى داخليا مبتعدين عما هو عارض وآني ومستهلك.. باحثين عن كنه (المعاني) المتوافرة بافراط وصولا الى تحقيق غرض متعدد الاضاءات سيدخل العملية الابداعية.. قصة وشعرا ورواية ومسرحا.. وهذا ليس شائكا اذا اخذ بنظر الاعتبار ان خطورة (المكان) هي في تحوله التدريجي الى (زمان) اي (لامكان).. ان هذا الانقلاب المتوقع سيحول طبيعة المقهى من حالة متحركة الى حالة من الفراغ والثرثرة واليأس.. فيتحول (الشكل الداخلي) الى حلبة من الصراعات النفسية والاشاعات وتثبيط الهمم.. اي يتحول المقهى الى (لامقهى).. ان الفرصة متوافرة حتما الى اقامة محددات جمالية صارمة في اعادة تنظيم الشكلين/ الداخلي والخارجي/ الى (معنى) اكثر شمولية وفائدة وتأثيرا على اساس ان المكان جزء لا ينفصم من الواقع المتحرك.. بل هو جزء واسع من ذاكرة (المعاني) التي قد لاتتكرر في شرائح المجتمع الكثيرة/ التي تتردد على المقاهي هاربة من اسى او ضجر او حالة او لحظة او يأس او أمل او وهم او حلم او تأمل.. اخيرا: ان كبرياء المقهى من كبرياء رواده.. اما زمانه فهو من زمانهم..
منقول للفائدة عن
صحيفة المدى
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
رد مع اقتباس
رد

Tags
بغداديات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 20h06.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd