* : مطرب مجهول الهوية .. من هو ؟ (الكاتـب : abo hamza - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 14h24 - التاريخ: 12/09/2025)           »          اعمال غربية مقتبسة من عبد الوهاب (الكاتـب : أيمن مصطفى - - الوقت: 00h53 - التاريخ: 12/09/2025)           »          أصوات متفرقة (الكاتـب : د أنس البن - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 20h40 - التاريخ: 11/09/2025)           »          مديحة عبد الحليم (الكاتـب : الباشا - آخر مشاركة : نور عسكر - - الوقت: 20h17 - التاريخ: 11/09/2025)           »          السيره الهلاليه بصوت الشاعر محمد اليمنى (الكاتـب : احمد عبدالهادى - آخر مشاركة : محمدابوضيف - - الوقت: 19h08 - التاريخ: 11/09/2025)           »          يوسف الرشيدي (الكاتـب : tarab - - الوقت: 18h15 - التاريخ: 11/09/2025)           »          أسطوانة " أغاني من اليمن" (الكاتـب : تيمورالجزائري - آخر مشاركة : ابن اليمن - - الوقت: 17h57 - التاريخ: 11/09/2025)           »          حفل غنائى من إذاعة الأغانى (الكاتـب : د.حسن - آخر مشاركة : حازم فودة - - الوقت: 17h46 - التاريخ: 11/09/2025)           »          من تراث الموسقى اليمنيه (الكاتـب : هادي العمارتلي - آخر مشاركة : ابن اليمن - - الوقت: 17h37 - التاريخ: 11/09/2025)           »          فيصل علوي (الكاتـب : سيجمون - آخر مشاركة : ابن اليمن - - الوقت: 17h34 - التاريخ: 11/09/2025)


العودة   منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل > الموروث الشعبي والتراث الغنائي العربي > العراق > الدراسات و البحوث و المقالات

الدراسات و البحوث و المقالات المتعلقة بالغناء و الموسيقى العراقية و خصائصها

رد
 
أدوات الموضوع طرق مشاهدة الموضوع
  #1  
قديم 03/12/2009, 21h54
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوه الاعزاء
السلام عليكم


المطرب ستار جبار


اغتراب حتى الموت









ستار جبار علي ، هذا هو اسمهُ الحقيقي وليس الفني ويكنى احياناً بستار ونيسة كما كان يسمى ابوه الفنان الكبيرالراحل (جبار ونيسة)..و ونيسه هذه جدته لابيهِ اي والدة جبار وكانت (كوالة) ذات صوت قوي ومؤثر ولها حضوٌر كبير في المناسباتِ الدينية والمآتم والافراح ، ولان جبار تيتم مبكرًا اصبحَ اسمهُ جبار بن ونيسه ومن ثم جبار ونيسه وقد حمل ستار نفس الاسم في مدينتهِ العريقة الناصرية .


ولد ستار عام 1946 من ابٍ مسلم وام صابئية ولهذه الزيجة التي قلما تحصلُ في المجتمع العراقي حكاية ٌظريفة لابد من الوقوف عندها لما لها لاحقاً من تأثيراتٍ بليغة على شخصية الراحل ستارفي بداية حياتة.
كان الوالد جبار صيادًا للسمك ومن ثم سائق لنقل السمك من الاهوار والمناطق المحاذية لمركز الناصرية ، ولان (سكلة السمك) كانت تقع على مقربة من محلة الصابئة تصادف ان التقى ذلك الشاب الوسيم صاحب الصوت الاخاذ بفتاة مندائية بارعة الجمال تدعى سلمى كانت كافية لبداية قصةِ حبٍ عارمة ترتب عليها الكثير في السنين القادمة.
بعدها وعصر كل يوم كان لابد للعاشق جبار ان يتمشى على ضفة الفرات التي لم تكن بعيده عن سكن الحبيبة وهو يشدو بصوته الصداح القوي اجمل الانغام وبأعذب كلمات الحب والاشتياق.

من هنا ولِدَ (طور الصبي) لكن بلون خاص تميز به جبار ونيسه وكان افضل من اي مطرب اخر في ادائه لهذا الطور لانهٌ عشقهٌ بشكل عفوي ولانه كان وسيلته الرائعة لايصال احاسيسه ورسائله الى بيت الحبيبة عبر الغناء .







المطرب جبار ونيسه والد ستار جبار



وقد سبق ان تغنى بهذا الطور فنانين معروفين في مدينة الناصرية مثل المرحوم خضير حسن ناصرية والمرحوم محيي يوسف والراحل الفنان حسن داود ثم جبار ونيسه وستار ونيسه ومن بعدهم محمد قاسم الاسمر ومن جيل السبعينات كان الفنان فاضل عواد من المقتدرين على اداء هذا الطور الصعب جدا والجميل جداً.

ستار والبدايات
منذ سنواته الاولى كان ستار يستمع للوالد يغني والوالدة تغني والجدة تغني مثلما اغلب ابناء المدينة كذلك وكأن الناصرية ورشة متخصصة لانتاج المطربين والفنانين وكذلك السياسيين لذلك اصبح دماغ ستار الصغير ديوان متنوع للكثير من الاشعار والاطوار الغنائية مما حفزه للغناء وهو في الصف الاول الابتدائي بعدما احسَ انه يمتلك حنجرة واداء رائع منذ اعوامه الصغيرة
ولكنه ولسوءِ حظهِ َلم يحظِ بالعناية الكافية لتطوير موهبتهِ لا في المدرسةِ حيث تعثر كثيراً ولا من قبل اسرتهِ بسبب انفصال ابويه بالطلاق .. ومن هنا من هذا العمر المبكر ذاق ستار التشرد والضياع وخصوصاً بعد زواج والده مجدداً وكذلك امه فلم يبقى لهٌ سوى العودة الى حضنِِ ونيسة التي سرعان ما توفت وهو مازال صبياً .

وبالرغم من تشرده وحرمانه من المحيط الاسري كان ستار مشهوراً في مدينتهِ الناصرية منذ صغر سنه كوالدهِ جبار، حيث كان مطلوباً في مناسبات ابناء المدينة كالاعراس والختان والاعياد والسفرات وحتى في مجالس العزاء التي تقام ايام عاشوراء.

لم يكمل تعليمهٌ المتوسط وقد ترسبت بداخلهِ وهو في هذا العمر الحرج عمر المراهقة كل احزان العالم واصبح بلا مؤى شبه متشرد تحنٌ روحهٌ الشفافة المعذبة للحنان ودفئ الحياة الاسرية، لذالك تنامت بداخلهِ مشاعر متضاربة تجاه الاخرين تتسم بالخوف والقلق والعنف والميل للقتال والعراك لاتفه الاسباب كما لجأ لتعاطي الخمر بوقت مبكر جداً كوالدهِ للهروب من واقعهِ وعذاباتهِ المستمرة.
وكما هو متبع حينذاك أقتيد للعسكرية لانه فشل في اكمال الدراسة وامضى القسم الكبير من خدمته العسكرية في الصحراء الغربية على الحدود مع الاردن.
وكان ما ان يعود في اجازته التي تمتد ( 21 ) يوما) فقط بعد اشهرٍ ثقال من الحرمانات والتعب والواجبات الثقيلة حتى يغرق فورا بالشراب، وكان المسكين يقضي اغلب ايام اجازته اما في الحبس او المستشفى أو يعتكف في المنزل يخجل ان يواجه الاخرين ووجهه وجسمه يحمل اثار العراك. بعد كل جلسة او سهرة للخمر.

حياته في بغداد
بعد تسريحهِ من الجيش اواخر الستينات توجه الى بغداد كبقية اغلب فناني مدينته الناصرية من المطربين والملحنين والشعراء الذين كانوا في بداية المشوار، ليلتقي بمن صاروا في زمن قياسي اشهر فرسان ورواد الفن العراقي الغنائي والمسرحي والروائي الاصيل الملتزم ، كالملحن طالب القرغولي والملحن كمال السيد والمطرب حسين نعمه والشاعر زامل سعيد فتاح وحسن الشكرجي عازف القانون الشهير والشاعر عريان السيد خلف والشاعر كاظم الركابي والمطرب فتاح حمدان وغيرهم.

تقدم للاختبار كمطرب وكانت لجنة القبول تضم خيرة فناني العراق كروحي الخماش وسمير بغدادي ومنير بشير ثم الملحن المبدع كوكب حمزه وغيرهم ، ولم ينجح بالاختبار لتدني ثقافته الشخصية والموسيقية رغم إن صوته كان اجمل واقوى من اصوات زملائه الذين تقدموا للاختبار ايضاً كحسين نعمه ورياض احمد وفؤاد سالم وحميد منصور وسعدون جابر واخرين غيرهم.
لذلك انضم لفرقة الانشاد كبقية زملاءه للتعرف بشكل علمي وبالممارسة على عالم الموسيقى من انغام ومقامات وعلى الوسائل العلمية الصحيحة في الاداء والنطق السليم لتهذيب ادائه وتخليصه من الغناء بالطريقة الفطرية التي اعتاد عليها بحكم نشأته شبه الريفية.

خلال هذه الفترة لمعت اسماء البعض من زملاءه من خلال برنامج ركن الهواة الذي كان يقدمه المرحوم كمال عاكف كالفنان فاضل عواد في اغنيتة الشهيرة (لاخبر) التي حققت انعطافة جديدة في طراز الاغنية البغدادية التقليدية لا من حيث كونها مستكملة المستلزمات الاساسية للاغنية الناجحة بل لانها جاءت بشئ جديد مختلف عن غناء العمالقة كحضيري ابو عزيز وداخل حسن وزهور حسين ووحيدة خليل الذين كانوا يستظلون بالمتبقي من امجادهم.

الاغنية الاولى
اول اغنية اذاعية للفنان ستار كانت (افز بالليل) من كلمات الشاعر عريان سيد خلف والحان الملحن المبدع محمد جواد اموري.. ولهذه الاغنية حكاية مؤثرة ستكون هي السبب في كل ما حصل في محطات ستار الحياتية اللاحقة من خسائر وكبوات متواصلة حتى نهايتة الفاجعة.


لقاءه بالملحن كوكب حمزه
في تلك الايام سطع علي الساحة الغنائية الشاب الوسيم كوكب حمزة كملحن ومغني في بعض المناسبات السياسية والخاصة..استمع كوكب لصوت ستار وقدراتة الهائلة بالاداء فأعجب به جدا وقال له بالحرف الواحد ( صوتك اسطوري لم ولن يتكرر). اتفقا بعد حين على ان يلحن له اغنية(افيش بروج الحنية أٌفيش أٌفيش) .
وتواصلت لقاءآتهم للتدريب والحفظ رغم ان ستار لم يكن معجباً ولامقتنعاً لابكلمات الاغنية ولا باللحن لكنه قبل بها وقام بتسجيلها في الاذاعة لانه كان يريد ان ينال فرصته للاطلالة من الاذاعة والتلفزيون بأي وسيلة بعد ان سبقه لعالم الشهرة البعض من زملاءه في فرقة الانشاد.
في فرقة الانشاد كانت وقتها الفنانة (غادة سالم) التي لم تنل فرصتها بالانتشار تتمرن على حفظ اغنية ( أفز بالليل )وكان ستار من ضمن الكورس الذي يردد خلفها، وخلال متابعته للبروفات استهوته الاغنية وملكت احاسيسه ووجدها تتوافق مع قدراته الصوتيه في حين عجزت غادة سالم عن ادائها كما يبغي اموري لضعف قدراتها الصوتيه .. وفي احدى فترات الاستراحة تجرأ ستار وطلب من اموري ان يستمع له مرة واحدة كي يؤدي الاغنية ذاتها وقد حصل ذلك فعلاً وكان ان اقتنع اموري بصوت ستار وقام فوراً بتحويل الاغنية من غادة الى ستار لكن هذا الامر سبب له قطيعة تامة مع الفنان كوكب الذي استاء من تصرفه المفاجئ مما حدى بكوكب ان يعطي اغنية افيش للفنان سعدون جابر وتبعها باغنية ياطيورالطايرة التي صارت السبب لشهرته وا انتشاره على الساحة العراقية والعربية .

يروي الاستاذ فائز السهيلي
بعد فترة وجيزة تم تسجيل اغنية افز بالليل في ستديو اذاعة بغداد وكانت رائعة فعلا كلحنٍ وكلمات وغناء ولكن ستار ضل يتأمل ظهوره من على شاشة التلفزيون كي يتعرف عليه الناس ، وفي احدى المناسبات الوطنية كما كانت تسمى حينذاك تم ابلاغ ستار على انه سيكون ضمن برنامج الحفل الذي سوف ينقله التلفزيون على الهواء مباشرة من قاعة الخلد في بغداد، وبقدر فرحة ستار بفرصة العمر التي طالما انتظرها اصيب بالرعب والقلق من مواجهة الكاميرا ت رغم انه اعتاد الغناء منذ طفولته.
في اليوم الموعود كان ستار جبار ما زال فقيراً معدماً تتقاذفهٌ الفنادق الرخيصة ومطاعم الأرصفة يعيش على مساعدات ودعم اصدقائه واقربائه ومحبيه ولذلك لم يكن بمقدوره شراء بدلة (قاط) تلائم هذا اليوم العظيم المنتظر يوم ان يواجه الناس وان يتعرف عليه الجمهور بعد ان استهواهم صوته من خلال الاذاعة .
لذلك حاولنا جميعاً ان نجد له بدلة في اسواق اللنكات ولم نفلح بذلك لان جسم ستار شبيه باجسام المصارعين او الرباعين متوسط القامة باكتاف عريضة جداً وذراعين مفتولين ورقبة ثخينة تحمل وجه وسيم بملامح طفولية .
وبعد ان فشلنا في تدبير البدلة وكانت الساعات تقترب من موعد بدء الحفل لم يكن امامنا سوى الاستعانة بصديقي (سالم) الذي كان يشتغل كعامل في محلِ ٍلكوي الملابس في محلتنا الشعبية الطيبة ببغداد القديمة (قنبر علي) لمساعدتنا باستعارة واحدة من بدلات الزبائن تلائم جسم ستار لساعات قليلة فقط والتعهد باعادتها سالمة ً حال انتهاء الحفل.
رفض سالم بشدة واعتذر باصرار ٍ ولكنه وافق اخيراً أمام الحاحنا وتوسلاتنا شريطة ان نرجعها لبيتهِ حتى لو اخر الليل، انتقى ستار بدلة فاخرة وجديدة ظهر فيها رائعاً مع القميص والرباط والساعة ومحبس الذهب التي كانت كلها اعارة من اصدقائه .
كل شيء تمام وفي الوقت الملائم ودعنا ستار وانطلق الى مكان الحفل في كرادة مريم.
تجمعنا امام شاشة التلفزيون معارف ستار من اصدقاءه و والدته واقربائه واهله ومحبيه والكل كان قلقاً يدعو له النجاح لانه جدير بذلك.

بعد تقديم الفقرات الاولى من الحفل التي لااتذكرها جاء دور ستار كي يغني اغنية أفز بالليل.. بدأت الفرقة الموسيقية بعزف المقدمة ستار يبدو رائعاً انيقاً امام المايكريفون وبعد انتهاء الكورس المصاحب له بدأ ستار الغناء لكنه كان مرتبكاً يلاقي صعوبة في المحافظة على الايقاع الموسيقي.. المهم انتهى من المقطع الاول وحين جاء دوره لتسلم المقطع الثاني حلت بهِ المصيبة ، اذ نسيهٌ تماماً وعاد لترديد المقطع الاول وهو ضائع حائرلايعرف ماذا ممكن ان يصنع وهو امام الملايين
لذلك كان غناءهُ سيئاً بائساً مرتبكاً وامضى الوقت المخصص له يمسح العرق ويرفس الارض دون جدوى .
هذه الكارثة سببت له الانكسار والاحباط والفشل الذي ظل ملازماً له في مراحله القادمة وحتى مماته .
المهم غادر ستار مكان الحفل وهو مٌحطمُ منسحق وتوجه لاقرب حانة شرب حتى الجنون ثم التحم مع رواد البار في معركة ضارية خرج منها بجسم نازف وروح ممزقة ..
ولكم ان تتصورا ما حلَ ببدلة صديقي سالم بعد ذلك !!!

وفي الوقت الذي اخذ زملائه المطربين التحليق والانتشارعالياً في عوالم الشهرة والغناء والمال بقيَ ستار يعاني العوز والاهمال، بيدَ انه رغم ذلك تمكن من تسجيل القليل من الاغاني مثل ( ماجنك هذاك انتَ وأغنية مهظومة شدات الورد والعديد من اغاني الفنان الراحل حضيري ابو عزيز) وغيرها .

في منتصف السبعينات تمكن من الزواج وسكن في بيت متواضع في محلة الفحامة في كرخ بغداد ورزق بولد ٍ لكنه توفي وهو رضيع نتيجة الحرمان والعوز بعدها جائته بنت ثم وسام.
كان كريماً و صادقاً و شجاعاً وشهماً ، عفيف النفس نظيف اليد والقلب مُحب للمزاح والنكات وغالباً ما كان يمتعنا بتقليد حركات ومشاهد الممثل المصري الكوميدي ( اسماعيل ياسين).

مواقف واحداث ومفارقات
مع الملحن كمال السيد: حاولت مراراً أن ارتب له علاقة فنية مثمرة مع الملحن المبدع الراحل ( كمال السيد) الذي كان بالتأكيد على دراية كافية بقدرات ستار المميزة لانه ابن مدينته وكنتٌ متيقن ان هكذا لقاء بين أهم عملاقين في مجال التلحين والغناء سيمنح العراق الفن الراقي الملتزم في مجال اللحن او الغناء .
لكن السيد لما يتصف به من اتزان والتزام وخلق رفيع واحترام للفن والفنانين كان يرفض التعاون مع ستار، وكان يؤكد باستمرار امام ستار( إذا ستار ما يصير آدمي ويتصرف كفنان ويخفف من الشرب والطلايب، ماكو فايدة منه) و ( صوتك ياستار مثل المازه بيد ابو الفحم ).

مع حضيري ابو عزيز
كان ستار يعتبر حضيري مَثَلَهُ ونموذجه الاعلى في الحياة والغناء ، والوحيد الذي يستمع له بطربٍ واهتمام وصوت حضيري فقط الذي يجعل ستار ينفعل ويطرب حتى البكاء والنشيج الشديد وكان ستار من القلائل الذين ظل يزور حضيري ويتفقد احواله بعدما تلاشت شهرته حينما كان ملك العراق غير المتوج طوال اكثر من نصف قرن من تاريخ العراق الفني .
في يوم ما بشارع الرشيد حينما كان يزهو بالخير والاناقة والنظافة والجمال ومقابل سينما روكسي بأتجاه ابو نؤاس التقيتٌ ستار وهو يحوط بذراعيه رجل كهلاً يرتدي روب منزلي رث على بجامة بالية ويحتذي نعال عتيق ويضع على راسه شئ ما يمشي بصعوبة كبيرة وهو يرتعش مسنوداً الى جسم ستار وكان يردد بصوت واهن ( إي خالي انه حضيري ابو عزيز). .كان ذلك فعلا المتبقي من ذلك الفنان العظيم الذي منح العراق الفرح والجمال ولم يحضِ ِمن بلده كغالبية مبدعي هذا العراق الواهب والخالق للفن الراقي المتميز سوى الجحود والنسيان ولاحقاً النحر والتهجير على يدي الغربان الجدد.
كان حضيري يصر على الوصول ماشياً الى ابو نؤاس وحينما عجز عن المواصلة بعد خطوات قليلة احتضنه ستار بين ذراعيه وحمله الى صدره كالطفل وسار به نحو ابو نؤاس وهو يبكي ويهمس في اذن حضيري (لاتًعب نفسك .. اروحلك فدوه) .

مع الأستاذ الموسيقاروديع خوندة
من الصدف الجميلة ان استأجر ( الحديث للاستاذ فائز ) للسكن بالمنصور بيت الفنانة الرائعة ( مائدة نزهت)وسرعان ما تحولت هذه الصدفة الى علاقة عائلية محترمة وممتعة ، وقررتٌ أن أٌوجد لقاء في بيتي يضم الاستاذ وديع خوندة وزوجته الفنانة مائدة بغية التعرف لمواهب وامكانات ستار عن قرب بعيداً عن الاجواء الرسمية ، وفعلاً حصل ذلك لكن الاستاذ وديع باناقته المفرطة وملامحه الحديدية ونظاراته الداكنة أصابت ستار بالهلع والهيبة والخوف ولم يتمكن من الغناء بطرب وارتياح ولم يحظي ستار من هذا اللقاء سوى بمحاضرة عن الخلق الفني والغناء الرأسي او الصدري!!

ستار في رأي الفنانين والملحنين
(صوت ستار رهيب اسطوري لم ولن يخلق له مثيل).. الفنان كوكب حمزه .
صوت ستار جامع لكل الاصوات العراقية والعربية (وسيكون له شأن كبير وخطير في مستقبل الغناء العربي).. الفنان محمد جواد اموري.!! اما الملحن الشفاف محسن فرحان فقد( قال عن صوت ستار انه ما كان يعتقد بأمكانية وجود هكذا مقدرة صوتية تزحف كالنسيم من القرار الدافئ العذب وتصعد بتألق واقتدار وتتجاوز جواب الجواب بمد عجيب ومتمكن) .

عانى ستار كثيرا في حياته و كانت تضيق به الدنيا ويعجز حتى عن توفير الطعام لاسرته.
توفي في بيته المتهالك القديم نفسه ,كان يحتفظ ببرميل بانزين في غرفة صغيرة في سطح داره .واثناء الهجوم الجوي والصاروخي الامريكي على بغداد الحبيبة عام 1991 صعد ستار ليلاً لإحضار البنزين لتشغيل المولدة الكهربائية الصغيرة وكان يحمل بيده ( لاله) وفور ان رفع غطاء البرميل اشتعلت الغرفة بسبب تشبعها ببخار البنزين ، واغلق الانفجار الباب دونه ولم يتمكن من انقاذ نفسه ، التهمته النيران قبل ان يشعر به الاخرين .. مكثَ ايام قليلة في مستشفى الكرامة بالكرخ وهو يصرخ من الألم والعذاب ومات بالكنكرينا لنقص الكهرباء والدواء وحيداً معدماً وبلا عزاء!!

رحمك الله ياستار ففد كنت فنانا حقيقيا ومتمكنا ومخلصا لفنه .
منقول للفائدة بتصرف

تحياتي
قصي الفرضي / العراق بغداد
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg ستار جبار.jpg‏ (10.9 كيلوبايت, المشاهدات 226)
نوع الملف: jpg جبار ونيسة.jpg‏ (22.3 كيلوبايت, المشاهدات 224)

التعديل الأخير تم بواسطة : قصي الفرضي بتاريخ 04/12/2009 الساعة 07h44
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04/12/2009, 00h23
الصورة الرمزية AboAhmed
AboAhmed AboAhmed غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:25915
 
تاريخ التسجيل: April 2007
الجنسية: عراقية
الإقامة: في هذه الدنيا
المشاركات: 48
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

شكرا لك استاذ قصي
على هذه المواضع الجميله اللتي تذكرنا
بتراث العراق العظيم
لقد شوقني هذا المقال عن الفنان المرحوم ستار جبار
لسماع اغنيته الرائعه افز بالليل
وللذي يريد الاستماع لها هذ هو رابط الاغنيه
http://www.sama3y.net/forum/showthread.php?t=68951

شكرا لك مره اخرى اخي العزيز قصي وبارك الله بجهودك

تحياتي
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06/12/2009, 14h31
الصورة الرمزية سمهر بغداد
سمهر بغداد سمهر بغداد غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:429810
 
تاريخ التسجيل: May 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 67
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

رااااااااااااااااااااااااااائع يا اخ قصي ...
لطالما أسعدني ألهروب من ألحاضر وألتعثر عن قصد كي لا الحق بركب زمن
لم ولن نكن انا وهو على ود !!
وسرعان ما أجد كونيَ ألمفقود وحلمي ألخالد بين سطورك يا أخ
قصي الفرضي ....
كلما هالني الشوق لما ضاع ... تراني ألملمُ ألمتبعثر من فكري وارحل لعالمك البديع
لأمنّي ألنفس بأن ذاك ألزمن لازال متوقفآ خاضعآ لتوسلاتي ورجائي لأن يبقى كونه
عشقآ أبديآ لذيذ ..
تقبل تقديري
سمهر
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06/12/2009, 19h06
mammed mammed غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:322902
 
تاريخ التسجيل: October 2008
الجنسية: عراقية
الإقامة: الأردن
المشاركات: 88
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخ ابو فيصل الورد
تحياتي للاخت سمهر على هذه الموهبه الادبيه التي نفتخر بيها جدا لان تعطي صوره جميله جدا عن المرأه العراقيه.
بما انك عظماوي اصيل لابد وان سمعت عن شخصيه رياضيه عظيمه يتذكرها جميع العسكرين العراقين اي خريجي الكليه العسكريه اي جميع ضباط الجيش العراقي الاشاوس الا وهو عوسي الاعظمي. هل لديك فكره عنه لانه يعتبر شخصيه عراقيه اصيله على الرغم من انه كان مدرب اللياقه البدنيه في الكليه العسكريه وشكرا
اخوك محمد احمد mammed
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06/12/2009, 20h27
الصورة الرمزية فاضل الخالد
فاضل الخالد فاضل الخالد غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:457466
 
تاريخ التسجيل: August 2009
الجنسية: عراقية-سويدية
الإقامة: السويد
المشاركات: 592
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاستاذ قصي الفرضي المحترم
جميلة هي الكلمات التي استعرضت فيها سيرة هذا المبدع الذي مر سريعا في محراب الفن العراقي والاغنية الريفية بالذات لقد لازمه النحس منذ طفولته ولازمه الضياع والحرمان من مشاعر الامومة التي هي غذاء الروح والعقل للطفولة وجميع الصور الاخرى التي تعطف لايمكنها ان تكون البديل فعاش طفولة بائسة وحياة مدرسية قلقة فكانت النتيجة ضياع كبير في عالم لايرحم و كان عنوانا للاضطراب في كل شيء رغم ما يمتلكه من طاقات فنية لو استغلت استغلالا مبرمجا لكان له شأن كبير في محراب الفن العراقي والاغنية الريفية على وجه الخصوص لقد رحل هذا البلبل المغرد في دوحة الفن العراقي مبكرا وترك غصة ولوعة وحسرة في قلوب محبيه وعشاق صوته الذي يذكرنا باصوات الرواد الاوائل وعلى راسهم بلبل الريف حضيري ابي عزيز

ان كلمات اغنية (محرومة شدات الورد ياحمرة الشفة
ترسن جفافيجن حسن لومرت الزفة
ليل وكمر ونجوم والهيل ما مفطوم
والروح ماتحمل بعد ترفة)

ان روحك ايها الصوت الصادح في ازقة الناصرية بعدها ترفة ولن تتحمل صور المأسي التي غيبت شبابك وانت لازلت في ريعانها (هيجي سوالفنا انست والحب تنكرينه )

ردي له ايتها الفاتنة ايام ازقة الناصرية عندما كان يغني للجمال المختبيء خلف اسوار طين محلته وانت وصويحباتك تهلهن بهداي انتشاء بهذا الصوت الغريد صوت ستار جبار
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07/12/2009, 06h25
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوة الاعزاء
ابا احمد
سمهر بغداد
محمد احمد
فاضل الخالد

السلام عليكم
شكرا لكلماتكم الرقيقة ومروركم الكريم وملاحظاتكم اللطيفة حول الموضوع والتي تزيدنا اصرارا على تقديم المزيد والمزيد من المواضيع الهادفة والموثقة للتاريخ الفني العراقي ولتتطلع عليها الاجيال الحالية التي لم تعايش تلك الفترة الذهبية من تاريخ العراق الاصيل .

الاخت العزيزة سمهر بغداد
كتاباتك الرائعة واسلوبك المتميز الفريد يزيدان المواضيع حلاوة وجمالا ونفتخر بك جميعا وانت نعم المرأة العراقية الاصيلة ..

تحياتي للجميع
قصي الفرضي / العراق بغداد
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17/12/2009, 21h25
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوه الاعزاء
السلام عليكم



شاعر العراق الكبير



معروف عبد الغني الرصافي








معروف عبدالغني الرصافي (1875 - 1945 م) ولد وعاش في مدينة بغداد وحين بلغ الثالثة من عمره ارسلته والدته الى الكُتابْ وهو صغير السن فحفظ القرآن ثم انتقل الى المدارس الابتدائية وبعد ثلاث سنوات تركها ودخل المدارس الدينية لينضم بحلقة استاذه الشيخ محمود شكري الالوسي الذي قال له " سيكون لك يامعروف شأن فيما بعد . فأن كانت الكرخ تفتخر بمعروف الكرخي فما أحرى الرصافة بأن تفتخر بمعروف الرصافي " ذاعت شهرته حتى اعتبر بعضهم ان اسم معروف الرصافي هو اسم مستعار لشاعر كبير ومتميز لايريد الافصاح عن اسمه ..

اشتهر الرصافي بشعره المتميز ووطنيته وعدائه للاستعمار البرطاني ودفاعه عن المرأة وحريتها..عاش حياة متقلبة ومتناقضة فهو كما قيل عنه وحدة ،، وحدة نموذجية لمجموعة من التناقضات السلوكية والفكرية.
دخل المدرسة (الرشدية العسكرية) ولكنه مالبث ان تركها ليدخل مدرسة شيخه العالم الجليل “محمود شكري الالوسي” ثم لازمه اكثر من اثنتي عشرة سنة.بعدها توفي استاذه.
ثم عين معلما في مدرسة اولية في احدى القرى قضى فيها سنة دراسية ونقل معلما الى مدرسة ابتدائية ببغداد.
و عين مدرسا للغة العربية في المدرسة الاعدادية وقد اعلن الدستور العثماني سنة 1908 م، وهو في وظيفته ودعي الى الاستانة ليدرس اللغة العربية في “المدرسة الملكية الشاهانية” وليقوم بالكتابة في” مجلة الارشاد” فسافر اليها.
وفي سنة 1921 م شغل وظيفة “نائب رئيس لجنة التأليف والترجمة” مكث فيها نحو سنة ونصف.
ثم سافر الى الاستانة لانه ترك زوجته هناك وبقي سبعة اشهر اصدر خلالها جريدة سياسية باسم (الامل).
وفي اواخر سنة 1924 عين مفتشا للغة العربية لوزارة المعارف ثم انتقل الى تدريس اللغة العربية في دار المعلمين العالية .
وفي سنة 1928 استقال ولم يعد للوظيفة..بل ناب عن الامة في (المجلس النيابي)خمس مرات ،فتقلب على كرسي النيابة ثمانية اعوام .

امتاز شعرالرصافي بمتانة لغته ورصانة أسلوبه، وله آثار كثيرة في النثر والشعر واللغة والآداب أشهرها ديوانه "ديوان الرصافي" حيث رتب إلى أحد عشر بابا في الكون والدين والإجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطعات الشعرية الجميلة وقدم له وعلق عليه صديقه الوفي مصطفى علي .

لقد استأثرت حياة الشاعر العراقي معروف الرصافي باهتمام الباحثين والدارسين ولم يتركوا شاردة ولا واردة إلا أحصوها، ويأتي ذلك بسبب الحياة الطويلة العريضة التي عاشها الشاعر بأنفلات واضح في السلوك والتصرف وغشيان الكثير من المحظورات، وقد أهتم الباحث العراقي الدكتور يوسف عز الدين ببعض أحاديث الرصافي وحققها ونشرها عام 2004م، والأحاديث المنشورة في الكتاب الذي عنونه الدكتور يوسف بـ"الرصافي يروي سيرة حياته"، سجل للحياة الإجتماعية والسياسية والفكرية بكل جراءة وصراحة، والصادر عن دار "المدى" يتوزع على ثلاثة أبواب،

* الأول: الأحاديث التي أدلى بها الرصافي لصديقه حاكم محكمة الصلح في الفلوجة المرحوم خالد محمد حافظ .
* الثاني: أحاديثه يوم غادر الفلوجة إلى محلة السفينة بالأعظمية والمدونة من قبل الأستاذ خالد كذلك، وقد سبق للأستاذ المحقق المدقق عبدالحميد الرشودي أن نشرها في جريدة "الاتحاد" الأسبوعية الصادرة عن اتحاد الصناعات العراقي خريف عام 1989م.
* الباب الثالث: أحاديث الرصافي التي أدلى بها للوجيه البغدادي الأستاذ كامل الجادرجي رحمه الله صيف عام 1944م، وقد نشرها الأستاذ كامل في العدد الأول من مجلة "الثقافة الجديدة" الصادرة في شهر نيسان من عام 1954م.

كان الرصافي قد أرتحل من بغداد من الدار التي مازالت قائمة في سوق الهرج في منطقة الميدان وفي الزقاق المؤدي من السوق إلى بناية الثانوية المركزية، ارتحل عام 1933 إلى مدينة الفلوجة ونزل في ضيافة آل عريم الكرام، الذين أستضافوه في أحد منازهم المطلة على نهر الفرات قريباً من الجسر الذي كان قد ابتني حديثاً والشبيه بجسر الصرافية في بغداد وهو الان ( 2001م)، مهدماً وإن أصحاب العلاقة ينوون بناء عمارة على أرض الدار.

ارتحل إلى الفلوجة بعد أن سئم الحياة في بغداد، ولغرض التفرغ للمطالعة والكتابة فكان يمضي مدة الصباح حتى الظهر بالكتابة لكنه على الرغم من السنوات الطوال وحتى مغادرته الفلوجة أبان أحداث ثورة مايس 1941م، ونشوب الحرب بين الجيش العراقي والقوات البريطانية لم يكمل تأليف كتابه (الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس)، والذي ظل مخطوطاً طيلة هذه السنوات ومنه نسخة لدى الاستاذ كامل الجادرجي وأخرى لدى الاستاذ طه الراوي وثالثة في المجمع العلمي العراقي وقد نشر الكتاب في مدينة كولون عام 2002م، من قبل دار الجمل التي يديرها الشاعر العراقي خالد جابر المعالي وهو معروض الآن في المكتبات .

ليلاً ينعقد مجلس الشراب اليومي الذي يحضره عدد من أصدقائه منهم حاكم محكمة الصلح في الفلوجة خالد محمد حافظ رحمه الله حتى إذا انفض السامر ولعبت الخمرة بالرصافي كل ملعب جلسا ليتحدث ويسمر وقد وجد خالد أن أحاديث الرصافي هذه جديرة بالتسجيل والتدوين فإنه بدأ بتدوين الأحاديث حالما يعود إلى داره خشية اللبس وضياعها من الذاكرة لا بل كان يستزيده ويستوضحه عن أشياء محددة وحوادث مهمة وبعضها شخصي وأنا أراها حالة استراقية استغفالية إذ كان الرصافي يتحدث على سجيته وحينما يكون في أوج تدفقه وتألقه وأخذ الخمر منه كل مأخذ وأزال عن طريقه كل المحظورات والممنوعات وأوغل في التنقيب عن الأسرار وتعرية الذات والآخرين وإذا كان أبو نواس قد اوقفها عند موطن الأسرار فإن الرصافي لم يوقفها، ترك نفسه تأخذ حريتها كاملة وكأنه يتحدث إلى نفسه.

تخطى المحظور والممنوع

لو أن خالد محمد حافظ أخبر الرصافي بأنه يدون أحاديثه إليه وأنه قد ينتظر فرصة سانحة لنشرها لما كان الرصافي قد تخطى المحظور والممنوع، ومايؤكد الرأي هو قوله: "كان الأستاذ الرصافي عندما يخلو بنا المجلس ويتشعب الحديث صريحاً إلى أبعد حدود الصراحة، يذكر الحوادث مفصلة على علاتها وحقيقتها المجردة بلا مواربة ولاتورية فانتهزت مثل هذه المناسبات للحصول على ضالتي المنشودة، وصرت أجمع منها عن الرصافي ومن أقواله كل ماأريد وأتوق إليه ولهذا كنت عندما يجمعني مجلس منفرد أو عام به يستطرد الحديث إلى ما فيه ذكر أو خبر تعلق به وبزمانه أنتبه للحديث وعند رجوعي للبيت أبادر بتدوينه كما حفظته من الذاكرة وكنت في سياق الحديث أستوضح عن عدد من النقاط وأسجلها .
لا بل أنه قد حذف بعض الأخبار التي تتعلق بالأحياء والحوادث المثيرة التي لامجال لسردها وما كنت أرى الرصافي بحاجة إلى مشاكل مع الناس ولذلك لا أكاد أتفق مع ما قاله الباحث الكبير الأستاذ عبد الحميد الرشودي، بين يدي الجزء الثاني من أحاديث الرصافي المنوه عنها آنفاَ والتي نشرها بجريدة "الاتحاد" في شهري أيلول وتشرين الأول 1989.

كان المرحوم الأستاذ حافظ خالد قد عين قاضياً في مدينة لفلوجة وكان يؤم مجلس الرصافي وقد استهوته أحاديث الرصافي فكان عند عودته إلى داره يدون مسموعاته في أوراق خاصة وكان يعرضها على الرصافي لتأييدها وتوثيقها وقد أتيح لي أن تشرفت بمعرفة المرحوم الأستاذ حافظ خالد يوم كان قاضياً في محكمة بغداد سنة 1955 وقد مني إليه المرحوم عبد صالح فحدثني عن ذكريات الرصافي وكيفية تدوينها وأنه كان في بعض الاحيان يستملي الرصافي بعض المعلومات التي عاصرها فدونها الرجل بأمانة وصدق وقال أنه يحتفظ بها وهي في إضبارة كبيرة .

وأرى أن هذا الأمر ينطبق على القسم الثاني من المذكرات التي أدلى بها الرصافي للسيد خالد محمد حافظ في بغداد بعد مبارحته الفلوجة عام 1941م، لأن المقارنة بين الأحاديث هذه والأحاديث التي أملاها على الأستاذ كامل الجادرجي عام 1944م، من جهة وبين أحاديثه الأولى المدونة في الفلوجة تظهر الفرق شاسعاً بين المجموعتين فضلاً على أن الرصافي لم يشر إلى أنه أملى أحاديث إلى غيره كما لم يشر إلى تلك الأحاديث ولو بشكل عابر مع قرب العهد بين المناسبتين (1940-1944)م. إذ كان في أحاديثه إلى الجادرجي يتحدث باحتراس وذاكرة صاحية، عدا أبياته المقذعة بحق الزهاوي التي لم تنشرها مجلة "الثقافة الجديدة" بعددها المذكور آنفاً ونشرت في الكتاب موضوع بحثنا هذا في حين نشرت المجلة اسم معلم الصبيان المنحرف وحذف من الكتاب لقبه.

في أحاديث الرصافي المنشورة في هذا الكتاب اختلاف واضطراب وخاصة مايتعلق بزواجه من المرأة التركية المسماة "فاطمة" يوم ذهب إلى الأستانة عام 1912م، نائباً عن المنتفك في مجلس المبعوثان التركي "النواب" الذي أنشئ بعد الإنقلاب ضد السلطان عبد الحميد الثاني عام 1908م، وعزله والمناداة بالسلطان عبد المجيد بدلاً عنه ومن ثم اعلان الدستور "المشروطية" اذ لم تخلف هذه المرأة بحجة كونها ضعيفة البنية، إذ يقول: "وكانت زوجتي فاطمة نحيفة للغاية ولهذا كانت أحوالها الصحية لاتساعدها على الولادة فإنها حملت مرة واحدة وأجهضت ابناً وأشار الطبيب عليها بعد ذلك بعدم الحمل وإلا فقدت حياتها وأعطيت الأدوية اللازمة، وقد جاء إرشاد الطبيب في مصلحتي لأني لم أكن راغباً في الأولاد وبقيت في معاشرة زوجتي فاطمة المذكورة والسكن معها في بيت واحد المدة التي قضيتها في الأستانة وحتى تركي الأستانة بعد الهدنة .

الاخيلة، تكاد تنسحب على قصة لقائه بالملك فيصل الأول وأنه غادر المجلس مع عدم صدور مايستوجب زعله من قبل الملك فيصل الأول إذ كان قال ضد الملك وبلاطه شعراً فأرسل عليه الملك جليل الشأن ليستوضحه ويعاتبه وبدل أن يعتذر عن قولته الفاحشة ترك المجلس مغاضباً وإعلانه في أحاديثه للحاكم خالد محمد الحافظ أنه ترك المجلس لايزيد في شأنه بل يزيد من شأن الملك واسع الصدر.

الملك لايريد المفاهمة

قال الرصافي أخذني "تحسين قدري" وكان أحد المرافقين وأدخلني على جلالة الملك في غرفته، بادرني الملك ليش يامعروف أنا الذي أعدد أياماً وأقبض راتباً ولم يكن بخلدي أن القصيدة ستسبقني اليه فأجبته: أسأل الله أن لاتكون كذلك وجلست على الكرسي دون استئذان ثم قال ليش كل هذا العداء يامعروف؟ فأجبته ياصاحب الجلالة لايوجد شخص واحد في الدنيا يقول أن لي مطمعاً في مقامكم لأجل أن يكون لي عداء معكم .. ولما وجدت أن الملك لايريد المفاهمة قمت من مجلسي ولوحت يدي بالسلام وانصرفت .

وأرى أن حديثه هذا من مبتدعاته وانتفاخ الذات لكن الثابت أن الملك فيصلاً وقد جمعهما مجلس عام عاتبه على بيته الذي يقول فيه يعدد أياماً ويقبض راتباً فقال له يامعروف أنا الذي أعدد أياماً وأقبض راتباً فأجابه الرصافي أرجو أن لاتكون كذلك ياصاحب الجلالة، هذا ما حدثني به المرحوم أبي وكان يحضر بعض مجالس الرصافي التي يعقدها في داره ايام الجمع، جدت في هذه الاحاديث ارتباكاً كثيراً لعله ناتج عن ان الرصافي يدلي بأحاديثه تحت تأثير المسكر لذا لم اجد انه ذكر تاريخاً محدداً لاي حدث لابل اختلط عليه حتى اسم عبد الرحمن النقيب ، نقيب اشراف بغداد ومشكل أول وزارة عراقية بعد جلاء العثمانيين والطامع بعرش العراق مثل غريمه طالب النقيب فيذكره باسم (محمود النقيب)، ويذكره بهذا الأسم مرات عدة ثم يعود إلى الصواب كما اورد لنا روايات متناقضة عن مقالة كان قرر نشرها في جريدته (الأمل) ضد الكاتب إبراهيم صالح شكر فيرجوه عبد العزيز المظفر مدير المطبوعات وقد اجتمعوا في دار الدفتري بسحب المقالة، يؤازره في ذلك السيد احمد الشيخ داود ورؤوف الجادرجي" الاخ غير الشقيق لكامل الجادرجي"، وبعد مرور ثلاثة ايام ذهب إلى المطبعة ليلاً وحذف المقال لكن المفجع انه يضيف وكأنه نسي ما قاله آنفا : (وفي اليوم التالي ظهرت جريدة (الأمل) والمقال على صدرها فيزوره ياسين الهاشمي معاتباً.

كيف حصل هذا وقد ارسل من يقوم بحذف المقال نزولاً عند رغبة اصدقائه وذهب بنفسه إلى المطبعة للتأكد وحذف المقال؟


كذلك اخطا في تحديد مساحة الارض المهداة اليه من متصرف لواء الدليم صديقه محمود السنوي البالغة خمسون دونماً في أبو غريب مع انها لاتعود ادارياً إلى لواء الدليم بل إلى قضاء الكاظمية التابع للواء بغداد وقد اوضح جلية الأمر الاستاذ عبد المجيد حسيب القيسي - اطال الله في عمره- اذ زود المؤلف بنص رسالة متصرفية لواء بغداد المرقمة 5146 في 1938/9/3 (وزاره المدفعي الرابعة) من ان اللجنة قررت تخصيص قطعة ارض في ابي غريب للاستاذ معروف الرصافي تبلغ مساحتها الف دونم.

والانكى من ذلك انه يقع في الوهم، وهو يسجل اسم صديقه ، مدون مذكراته على صورته الشخصية اذ يكتب عليها ما نصه اقدمه إلى حضرة حاكم الفلوجة السيد حافظ خالد تذكاراً لما عندي له من صداقة واعجاب بأفكاره الحرة واخلاقه الفاضلة معروف الرصافي 1 أيار 1940.

ويقع في الخلط ذاته وهو يهديه صورة جمعته مع الزهاوي وبينهما عازف الكمان سامي شوا كاتباً على الصورة (تقدمة مودة واحترام إلى الفاضل المهذهب(هكذا) السيد حافظ خالد حاكم الفلوجة المحترم.




تمثال الرصافي في ساحة الرصافي ببغداد



لقد بذل الباحث الكبير الاستاذ الدكتور يوسف عز الدين الذي اهدى المكتبة العربية ما ناف على الخمسين كتاباً في تاريخ الادب والشعر والترجمات والترجمة الذاتية في (حلو الذكريات ومرها) بذل جهداً كبيراً في اخراج هذا الكتاب، الذي احتوى المذكرات والاحاديث التي ادلى بها الشاعر معروف الرصافي إلى الحاكم خالد محمد الحافظ، خلال السنوات 1938 يوم عين حاكماً في محكمة صلح الفلوجة، وحتى اواخر عام 1940 حيث دعي إلى دورة الضباط الاحتياط لتلبد الجو السياسي في العراق واشتداد الصراع بين العقداء الاربعة من جهة والشرعية الدستورية من جهة اخرى وما نتج عنه من احداث مايس 1941 وظل ملازماً للرصافي يسجل احاديثه حتى بعد انتقال الشاعر إلى بغداد وانتقال السيد خالد إلى وظيفة حاكم تحقيق الكرخ وحتى وفاة الرصافي فجر الجمعة 16 آذار 1945 وقد آلت هذه المدونات بعد وفاة الاستاذ خالد إلى صديقه الاستاذ عبد الرحمن سليمان الخضير الذي اعطاها بدوره إلى صديقه الدكتور يوسف عز الدين كان ذلك نهاية السبعينات واذ يغادر العراق مختاراً للعمل في جامعة الرياض (جامعة محمد بن سعود حالياً) والعديد من جامعات الخليج العربي تظل هذه الاوراق ثاوية في مكتبته في بغداد وقد فعلت الأيام فيها الافاعيل واذ يزور نجله الدكتور موئل بلده يختطف هذه الاوراق من ثوائها ليقوم الدكتور يوسف عز الدين بتبويبها وكتابة مقدمة لهاونشرها ساعده في ذلك الباحث الكبير عبد الحميد الرشودي والاستاذ عبد الحميد حسيب القيسي وشقيقه الاديب عبد الرزاق السامرائي.

واذا كان لهذه الذكريات من فضيلة فلها فضيلة أظهار الرصافي على حقيقته بدون مواربة أو رتوش الذي روى الاحداث من غير تعمية او مجاملة ذلك انه كما ارى كان يتحدث حديث الصديق لصديقه من دون ان يكون يطرق ذهنه انها ستنشر في زمان ما لذا جاء على ذكر الكثير من المسكوت عنه انها اشبه بتأريخ ما اغفله التاريخ الذي يقف عند الحوادث الكبرى والمهمة اما الصغيرة والشخصية فيطويها النسيان وكر الايام فجاءت هذه السطور لتصور عقوداً من حياة العراق الحديث والمنطقة العربية وحياة الرصافي في تألقه وخفوته في غضبه وحبوره في انفته واستجدائه، او بين أوجه وحضيضه على لغة الشيخ جلال الحنفي - رحمه الله- الذي الف كتاباً عن الرصافي بهذا العنوان، نشره عام 1962 م ، إنه قريب من كتاب (بغداد كما عرفتها) للبغدادي العراقي الحاج أمين المميز - رحمه الله- فلقد جاء في كتابه على الكثير من الاسرار مما دفع الرقابة إلى نزع صفحات منه من ص282 -ص293 والاهم كان الرصافي يتحدث عن ماسونيته التي غادرها سريعاً ؟ أو حديثه الصريح مع رجينة وأختها سليمة بنتي مراد بن باشا وبشكل لا تقبله أعراف المجتمعات الشرقية التي تميل إلى التستر وتعمل الموبقات وتستحي من الاعلان عنها .

مختارات من شعره


* قال في وصفه عظمة الله

انظر لتلك الشجرةذات الغصون النظرة
كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة
فابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة

ويقول في مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة، توفي زوجها وتركهمابين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيث‏ بلغ القمة بوصفه إذ قال:

لقيتها ليتنـي ما كنـت ألقاها تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابـها رثة والرجـل حـافية والدمع تذرفه في الخد عيـناها
بكت من الفقر فاحمرت مدامعها وأصفر كالورس من جوع محياها
مات الذي كان يحميـها ويسعدها فالدهر من بـعده بالفقر أنساها
الموت افجعهـا والفقر أوجعها والـهم انحلهـا والغم أضـناها
فمنظر الحـزن مشهود بمنظرها والبؤس مــرآه مقرون بمرآها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها حملا على الصدر مدعوما بيمناها
تقول: يا رب لا تـترك بلا لبن هذي الرضيعة وارحمني وإياها
كانت مصـيبتها بالـفقر واحدة ومـوت والدهـا باليتـم ثناها
هذي حكاية حال جئـت اذكرها وليس يخفى على الأحرار مغزاها

لقد شارك الرصافي في قضايا أمته السياسية والاجتماعية ، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم ، والتي ينبغي لطالب العلم ألا يكون طلبه للعلم لذاته بل لغايات اجتماعية وذلك من خلال ربطه بالعمل فهل وفى اللفظ بهذا المعنى ؟ لذلك نجده يقول:

ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا حتى نطـاول في بنيانها زحلا
جودوا عليها بما درت مكاسبكم وقابلـوا باحتقار كل مـن بخلا

لا تجعلوا العلم فيها كـل غايتكم بل علموا النش‏ء علما ينتج العملا
ربـوا البنيـن مع التعليم تربية يمسي بهـا ناطق الدنيا به المثلا
فجيشوا جيش علم من شبيبتنـا عرمرما تضـرب الدنيا به المثلا
أنا لمن أمة في عهد نـهضتنا بالعلم والسيف قبلا انشات دولا

وعندما احتل الانجليز العراق سنة 1920م، سرعان ما نصبوا فيصل ملكا على البلاد وأصدروا دستورا وأنشئوا برلمانا مزيفين وأصبحت أمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث أنشد قصيدته التي جاء فيها:

علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف
من يقرأ الدستور يعلم أنه وفقا لصك الانتداب مصنف


فكان الدستور الذي سن في نظره ليس إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الانجليز على العراق، دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر، وحتى المجلس الذي يسمى بمجلس الأمة أيضا كان مزيفا، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخرا ويقول:

يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم
وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا
ودعوا التفهم جانبا فالخير أن لا تفهموا
أما السياسة فاتركوا أبـداً ولا تنـدموا


انتقد الرصافي الملك فيصل الأول واعتبره آلة بيد الانكليز حيث يذكر في احدى قصائده:ـ

ليس له من امره غير انه
يعدد اياما ويقبض راتبا


لكن الملك لم يتذمر من الرصافي حيث ارسل الى الرصافي في بلاط الملك كما ان الرصافي لم يغير من موقفه من الملك فالرصافي كانت آراؤه السياسية ثابتة لاتتغير.لكن الرصافي ترحم على الملك فيصل الاول وايامه بعد ان ذاق مراحل اخرى واياما غير تلك التي كانت في عهد فيصل حيث يقول ”رحم الله فيصلا ورعى عهده فقد كان لايحمل غلا في صدره، كنا نتكلم في عهده بشتى النواحي ولم يتعرض لنا احد .


امتلك الرصافي علاقات بشخصيات سياسية واجتماعية منها علاقته بنوري السعيد الذي كان صديقه في الاستانة وله قصيدة في مدح السعيد عندما كرم نوري السعيد بوسام الرافدين:

ته وسام الرافدين بصدر من
هو في العلا للرافدين وسام
نوري السعيد ابو صباح ومن به
سعد العراق فثغره بسام

لكن العلاقة توترت فيما بعد بين الرصافي والسعيد نتيجة ميل السعيد الى الانكليز .

ونستطيع القول ان القاسم المشترك لسيرة الرصافي هو التذبذب والتقلبات في مراحل مختلفة من حياة الرصافي فهو كان يمتلك وظيفة مرموقة في الاستانة، وهو عضو في الحركة الماسونية في تركيا، ومدرس الآداب العربية في معهد المعلمين في القدس كل تلك المناصب. والوظائف كانت خارج العراق.. اما عند عودته الى بغداد فعين بوظيفة شبه فارغة، في حين ان اهم أصدقائه اصبحوا من ملك الى وزير والى غيره كل تلك الامور اثرت في شخص الرصافي حيث حصلت عنده رد فعل قوي جدا.. فأتجه الى الشرب بقسوة والتذمر من السياسة والتذمر من الدين. الا ان الرصافي امتلك سلبيات لكنه بدل ان يتستر عليها اعلنها جهرا ولم يخف من لومة لائم... كانت نتيجتها فقره وعوزه ومرضه وعزلته عن الحياة فقرر المكوث في الفلوجة ومن هناك بدأ بكتابة كتابه الخطير والمهم جدا ”الشخصية المحمدية“ .

كان الرصافي يشاهد مساء بكوفيته وعقاله يجلس في مقهى عارف أغا، القريبة، من جامع الحيدر خانة في شارع الرشيد، يجلس كواحد من الناس، وفي مكان منزو، ليلتف حوله المعجبون من اصدقائه والمعجبون به ومحبوه ومن هوايات الرصافي، ممارسة اللعبة المشهورة "النرد" الطاولي وسماع "المقام العراقي" الذي كان يعرف أصوله ويفكك مغاليقه، وكان كما يذكرون أن قارئ المقام رشيد القندرجي كان يزوره في داره ويغني له المقام.

طقوس وعادات
كشف الرصافي عن طقوس وطريقة نظمه الشعر في مذكراته قائلاً:
كنت أدرس العربية على أستاذي المرحوم محمود شكري الألوسي، وأنا إذ ذاك دون العشرين حفظت الفية أبن مالك، وقرأت منها عدة شروح، وكنت مولعاً بحفظ الشواهد التي يوردها النحويون في كتبهم وكنت إذا مر بي في أثناء الدرس بيت من الشعر، راجعت فيه الشروح والحواشي فعلمت من قائله ماذا بعده أو قبله من الأبيات فحفظتها، وكنت قوي الحافظة حتى حفظت شيئاً من هذا القبيل بحيث أن أستاذي كان يلقبني بالشاهد، وكنت أشعر بميل شديد في نفسي إلى الشعر لشدة تأثيره في.


للرصافي مشاهد كثيرة في الحكم والأوصاف والأقاصيص الحزينة التي تظهر بؤس وفقر الأمة ومقاومتها للاستبداد وظلم الأجنبي ، بالإضافة إلى آرائه الحدية في السياسة وانتقاد السلطة ، فهو يدعو إلى الثورة الاجتماعية والسياسية ليعم الرخاء ولتنعم البلاد بالحرية والمساواة .

عاصر معروف الرصافي الشاعرَ العراقي جميل صدقي الزهاوي وقد دعى كلاهما إلى تحرير المرأة ونزع الحجاب (العباءة) التي كانت مستخدمة من قبل عامة نساء العراق. ولكن كانت المنافسة والعدواة بينهما شديدة حيث قال الرصافي اشياء كثيرة في النيل من الزهاوي.

ولكن الحمد لله انتهت بالصلح بينهما قبل وفاتهما في جلسة صلح نظمها محمود صبحي الدفتري في داره في الحيدرخانة وقد حضر الجلسة عبد العزيز الثعالبي وروفائيل بطي و فؤاد السمعاني والعلامة بهجة الأثري .

وهو القائل

كان لي وطن ابكي لنكبته واليوم لاوطن لي ولا سكن
ولا ارى في بلاد كنت اسكنها الا حثالة ناس قاءها الزمن


وكأن الزمن الان يعيد نفسه على العراق وعاصمته الحبيبة بغداد .

توفي الرصافي يوم الجمعة 16 اذار 1945م في منزله بمحلة السفينة في الاعظمية ، ودفن في مقبرة الخيزران المجاورة لمرقد الامام ابي حنيفة النعمان وليس بعيدا عن قبر منافسه وغريمه جميل صدقي الزهاوي.

رحم الله الشاعرين الكبيرين الوطنيين ورحم الله جميع رجالات العراق الافذاذ .


منقول للفائدة بتصرف

تحياتي
قصي الفرضي / العراق بغداد
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg الرصافي 1.jpg‏ (35.5 كيلوبايت, المشاهدات 227)
نوع الملف: jpg الرصافي 2.jpg‏ (40.0 كيلوبايت, المشاهدات 229)

التعديل الأخير تم بواسطة : قصي الفرضي بتاريخ 17/12/2009 الساعة 21h58
رد مع اقتباس
رد

Tags
الفني العراقي , حكايات قديمة عن التراث


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
طرق مشاهدة الموضوع

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع إلى


جميع الأوقات بتوقيت GMT. الساعة الآن 14h45.


 
Powered by vBulletin - Copyright © 2000 - 2010, Jelsoft Enterprises Ltd