الزجل والزجالون عبر القرون
فى هذا المبحث سأحاول بعون الله وحوله وقوته أن أعطى لمحة عن هذا الفن الجميل نتعرف من خلالها على أنواعه وأشكاله وفنونه وعن كيفية نشأته وأهم مبدعيه عبر القرون القليلة الماضيه وهم أعلام عظام طواهم التاريخ فى غياهب النسيان ولم يعد يعرفهم أحد إلا نفر من المتخصصين فى هذا العلم . وبالله التوفيق
مقدمه : الزجل لغة له معانى كثيره ومن تلك المعانى يمكن التعرف على الأصل الذى اشتقت منه تلك الكلمه لتكون عنوانا على لون من ألوان الكلام فى النظم العربى وإن كان كل أصل منها فى الحقيقه يشير الى جانب ن جوانب هذا الفن .
فالزجل هو صوت الريح حين تتخلل الى النبات . ويمكن أن يكون اشتقاق تلك الكلمه عنوانا على هذا الفن من ذلك المعنى لوجود علاقة خفيه بينهما لأن الزجل نظم تتكرر مقاطعه فى انتظام يشبه انتظام صوت الريح حين تتخلل سيقان النبات . والزجل يطلق أيضا على اللعب والتسليه والصخب وكذلك فن الزجل .
ويطلق على الزجاله الذين يرمون بالمزجال يقال زجله زجلا أى رشقه ورماه ودفعه والزجاله هم الذين يرمون بالمزجال وهو الرمح القصير . وكذلك فن الزجل عبارات موجزه مما نتكلم به فى لغتنا العاميه يسددها قائلها كالرمح فى صميم المعنى الذى يريده فتثير شجونا وتلمس ببلاغتها وإيجازها لب القلب . ويؤيد هذا الجانب قولهم فى اللغه سحاب ذو زجل أى ذو رعد .
كذلك يقال زجل الحمام من المزجل وهو الموضع الذى يرسله منه أى أرسلها الى بعد وكذلك فن الزجل رغم بساطة عباراته وسلاستها إلا أنها تشير الى معان غاية فى العمق والحكمه خاصة إذا كان من ذلك اللون الذى يتلاعب قائله بالتراكيب اللفظيه والكلمات المركبه التى تعطى أكثر من معنى بذات الكلمات .
وبعد هذه المقدمه سيكون لنا حديث طويل عن فنون الزجل وألوانه ثم نتحدث عن أشهر الزجالين من القرن السابع عشر الميلادى وحتى الآن
زجالون فى بحر الظلمات
وأبدا بالعنوان وأعنى ببحر الظلمات ذلك البحر الرهيب المترامى الأطراف الذى لا يدرك له قلع ولا يرى له ساحل , كم طوى فى جوفه أسماء وتواريخ وأحداث وإبداعات ومواقف عبر رحلة التاريخ , إنه بحر النسيان .
أما الزجالون هنا فاعنى بهم فئة منهم تنضم الى جماعة المظاليم من كل أرباب الفنون والمهارات الفكريه , ولعل هؤلاء المظاليم أسعد حالا من كثيرين غيرهم فهم شاءت أقدارهم ان يلمعوا فى زمانهم وتعرفهم الناس وتردد أزجالهم وقد ينال بعضهم قسطا من التكريم فى حياته أو بعد موته , لكنه بعد زمن يطول او يقصر يدخل فى هذا البحر الرهيب , بحر الظلمات .
وأقول أنهم ربما يكونون مع هذا أسعد حالا من غيرهم لأنهم ربما نالوا شهرة فى زمانهم ونالهم بعض التكريم والتقدير , لكن فى المقابل هناك من لم يكن لهم أى نصيب من الشهرة قط ولم يسمع بهم احد وأعنى بهم كثيرين لا يحصيهم العدد ممن حباهم الله تلك الموهبه وكتبوا وقالوا الكثير من الروائع التى قبع الكثير منها فى أدراج مكاتبهم وفى كراساتهم ومنهم حتى من لم يدون ما قاله والقليل منها خرج فى حدود القرية او الحارة التى عاشوا وماتوا فيها دون ان يسمع بهم أحد إلا القليل ممن جاوروهم او صاحبوهم . ومن هؤلاء مثلا زجال فى قريتنا إسمه محمد فتحى كراويه له كراسات من أعمال غاية فى الروعه وكان عازفا على الكمان ويرتجل الأزجال فى براعة ومهارة كبيره , لكنه عاش ومات ولم يسمع به إلا نفر قليل ممن عرفوه وأحبوه , وأعتقد أن كراساته موجودة مع أبنائه لكن لا أدرى إن كانوا قد حافظوا عليها ام اهملوها .
لكننى هنا سأكتب عن الفئه التى نالت شهرة فى زمانها وظلت شعلة إبداعاتهم متوهجة واستمرت ردها يسيرا من الزمن ثم ألقى بهم بعد ذلك فى بحر الظلمات الرهيب وطواهم النسيان تماما , وإلا فمن من يعرف منا محمد عثمان جلال والشيخ عاشور والشيخ لهلبها وحسن الآلاتى وغيرهم كثيرين . فعلى بركة الله أبدأ إن سمحتم لى وسأكتفى بكتابة نبذة عن كل واحد منهم ووضع صورة له إن توفر ذلك وأعماله التى وجدتها .
والله من وراء القصد ....
__________________
إذا ما الطائر الصداح قد هدهده اللحن
ورفت نسمة الفجر على أشجانه تحنو
هناك السحر والأحلام والألحان والفن
نجيب سرور