| 
				 جداول أوقات المقامات الموسيقيّة 
 
			
			السادة الموسيقيّون الزملاء :
 بالنسبة لموضوع أوقات المقامات الموسيقية , و مدى أهمّية ارتباطها بالأزمنة والأفلاك والأشخاص , فقد ذكره قوم في الماضي , وزعم بعض منهم, بأنّ له أهمية عظمى , ومكانة جليلة , ينبغي مراعاتها لدى أرباب الصناعة الموسيقية , والمشتغلين فيها , فأصابوا في بعض الجوانب منه , وأبعدوا النجعة في المواطن الأخر.
 أقول وبالله المستعان , ومن خلال التجربة والبرهان :
 بأنه مما لا شك فيه لمطلع , ولا ريب عند الألمعيّ الموسيقي الفذّ , أن لكل مقام موسيقي مقام , ولكل طبع منه , وقتٌ وزمنٌ يتجلى فيه , وتنبسط أساريره , و بكل سهولةٍ وليونةٍ ومن غير جهد ولا مشقة , ولا عنتٍ ولا تكلّف
 والأمر مرهون بمزاج المؤدي , وخبرته الدقيقة , وإحساسه النافذ , سواء كان ذلك المؤدي :
 ملحناً أم عازفاً أم مغنياً أم مستمعاً
 ام متلقياً , وله التقدير الكامل والتام في أن هذا المقام هو ما يوافق المزاج والإحساس وفي هذا الساعة أم يتنافر معها
 فإن طرق مقاما عاطفياً كالكردلّي حجاز كار مثلاً , أو النهاوند أو السلطاني يكاه أو الفرحفزا , وحصل معه الانبساط والسلطنة وكان حاله كمن ركب على سرجه , ونزل في برجه , فعليه أن يُتمّ الاشتغال بذلك المقام حينها , وأن ينتقل منه إلى ما يشبهه من حيث الطابع والملامح والشخصية وأن يبتعد عن متناقضاته
 فالنهاوند والكردلّي حجاز كار والسلطاني يكاه والمحير كردي هم مقامات عاطفية وبملامحهم العامة وعناوينهم العريضة , ولا يتناغم والحال , أن يُشرك معهم وفي نفس الساعة ما يتناقض مع شخصياتهم كالسيكاه والراست والماهور وبياتي النوى
 وإن طرق مقامات موسيقية خيالية , تعلن ملامحها , وتفصح ألسنة أنغامها ومواضيعها عن :
 الماضي السحيق ,والهجر والكآبة , والذكريات الماضية المؤلمة , وبما يذكر بعهد الغابرين السالفين , والمعابد والهياكل والأوابد , واللوعة والأسى , والحرقة والألم
 كالحجاز كار مثلاً أو النوْأثر أو أو الشوق أفزا أو الشهناز
 ولاحظ من بعدها تمكناً من الغناء , وامتطاء الألحان والجمل وبكل يسر وسهولة ...
 فهذا يعني أن ما وقع وكان , هو في وقته وساعته ومحله , فليتابع في نفس المسار والموضوع مع التنوع والثراء فيه , وليبتعد عن أضداده من المقامات المفرحة أو الراقصة أو العاطفية أو التي فيها قوة وصلابة ....
 والذي يؤدي مقاما ما , وهو في غير ساعته وزمنه فسيعاني كثيراً , ويكون كمن ينحت في صخر , أو يستنبت الربيع في القفر , وسيعسر عليه التمكن من زمام ناصيته , ويُعيه أمره, ولن يكون له ذلك الوقع في النفس , وقد جرّبتُ هذا فوجدته صحيحاً وصائباً
 وبرأيي أن مردّ ذلك للطباع والأمزجة , والمشاعر والأحاسيس ,
 ولا أؤيد البتة أخذه عن أصحاب النجوم والأبراج والأفلاك , فقد خاضوا فيه ومما لا طائل منه وبرأيي
 ولنكن واقعيين ومنطقيين :
 جلُّ ما ذكره القدماء , وتحدث عنه العلماء هو ترتيبهم لجداول قسموا فيها ساعات الليل والنهار على تلك المقامات والتي كانوا يعرفونها حينها , وكل بحسب مقامه وزمنه وبرجه وبحسب السامع والمتلقي , ولكني وبواقعية وصراحة , لا أثق بهذه الجداول ولا أرى لها صحة ولا مصداقية , وقد جرّبت شخصياً إجراء العمل على بعضها وعلى حسب مقتضيات الجدول , فلم أحصل منه على مطلوب ما زعم , وسأسوق لكم تلك الجداول , مع سرد ما ذكروه عنها , ولكن قبل ذلك :
 هلمّوا إليّ يا سادة , لنتدارس سويّة ماهيّة تلك الجداول والمزاعم , وما مدى توافقها مع المنطق والعقل :
 
 أولاً : سمعت كثيراً من بعض الموسيقيّين الأدعياء , ممن يحبّون
 ارتداء أثواب المعرفة , والتظاهر بأنهم يعلمون علم ما لم يُعلم , وبأنهم يدركون أسراراً في الموسيقى لا يدرك شأوها إلى النوادر والنوابغ , والقلَة القليلة من فئة ذهب معظمها , واندثر أربابها
 ولم يبقوا إلا هم , ممن يدركون تلك الأسرار ومنها :
 أن عندهم علم بالفلك والأبراج والحسابات وأن مدار الصناعة الموسيقية هو مبنية على ذلك وعلى تلك الحسابات , ثم تراهم يعظمون ويجلّون من يجلس إليهم , إلى أهمية تلك الجداول والعلوم فيها وبأنه
 ( علم في الموسيقي اندثر من له سابق معرفة فيه ) ولم يبق في المضمار إلا هو , و ممن يدرك علم المقامات الموسيقية وعلم ارتباطها بالبروج والأفلاك والنجوم , ليوحي ويوهم من يجلس قِبلَه ُ بأنه صاحب نفاسة وندرة , وكلها ادعاءات باطلة ومزاعم فاسدة , الغرض منها لفت الأنظار , وجلب الاهتمام , والحصول منها على المنافع , والقعود في الصوامع , ليُشارَ إليه بالأصابع
 
 ثانياً : أن تلك الجداول قد أهملت الكثير الكثير من المقامات الموسيقية , ولم تذكر إلا البعض منها وممن كان معهوداً ومعروفاً في زمانهم , فكيف سنصنع بالباقي , وكيف سيتمّ تصنيفها وعلى حسب توافقها مع تلك الجداول ؟
 
 ثالثاً : اشترطوا على من يؤدي تلك المقامات وعلى حسب تلك الجداول أن يتوافق ذلك مع نوعية الحضور والمتلقين المستمعين
 فكيف سيحصى ويدرك ذلك , وهو مما يعجز التعامل معه
 فالمغني وحينما سيذهب لحفل ما أو سيعزف على مسرح ما , ولتكن السهرة أو الحفلة مثلا :
 ليلة السبت والساعة فيه الساعة العاشرة ليلا , اشترطوا ضمن الجدول المذكور أن يكون المقام فيه هو مقام الأصفهان ويجب أن يكون الحضور فيه هم صنفين فقط :
 ( المرد والنساء ) والمرد هم الشبّان الأحداث ممّن لم يتعذّروا (أي تنبت لهم لحية )
 فقل لي بريك !!
 من أين سآتي بحفلي ذلك بأن يكون جمعه من النساء والأحداث
 وإن خالفت ترتيبات ذلك الجدول المقدس , وكان الحضور فيه من الرجال أو التجار أوالمشتغلين في الدنيا , فلن يحصل معه طرب ولا سرور , و كما زعموا !!!
 أفليس هذا مضحكاً وعجيباً ؟ ويندهش له عقل كل موسيقي لبيب !!
 وأما إن كانت الساعة السابعة ليلاً , أي ليلة السبت :
 فعليك أن تشتغل على مقام العشاق , وينبغي أن يكون الحضور في الحفل مقتصراً على جماعة ( العلماء وأهل الديانة )
 ويا ترى ؟ على أي عشاق يرمون ؟ هل هو مقام العشاق المصري أم مقام العشاق التركي , والمعلوم أن الفرق في كلا المقامين هو كبير وشاسع
 ثالثاً : هل يتوجب حينها على المطرب أو العازف أن يدرس ماهية ونفسية السامعين و الجلاس ثم يسألهم فرداً فرداً عن عملهم وعن أحوالهم ثم يقرر بعدها أي مقام موسيقي سيتداول ويطرح ؟
 أم سيختار زبائنه وجمهرته ومستمعيه , ثم يعيّن للحفل نوعيتهم :
 - أهل السلاح والحرب والخداع
 - للوزراء والعمال
 - المرد والنساء
 - الكتبة وأرباب الأقلام
 - للتجار والمشتغلين بالدنيا
 - للعلماء وأهل الديانة
 - للملوك والكمّل
 ويحصر كل ذلك في مسرحه وحفله ثم يؤدي لهم المقام الموسيقي المطلوب ..فيحصل من بعدها السلطنة والطرب , والحبور والسرور , والمتعة والبهجة ؟؟؟
 
 *********************************************
 وبناء عليه يا سادة :
 أرى بأن هذه الجداول هي نوع من العبث , وضرب من ضروب الدعاوي والمزاعم الجوفاء , ليغُرّ بها قومٌ قوماً , وينالوا منهم نيلاً , ولا فائدة ترجى من تحصيلها , أو وضعها ضمن حيّز الاهتمام , بيْدَ أني ومع ذلك فسأسوقها لكم , وأطلعكم عليها , وحتى تشاهدوا بأمّ أعينكم مزاعم أصحاب هاتيك الجداول وترّهاتها
 يبقى بان أعود فأقول :
 بأن تفاعل الإحساس الإنساني والوجداني ومن قِبَلِ الإنسان
 له تأثير ه الحق بالمقامات الموسيقية وعلى حسب أوقاتها وأزمنتها وظروفها , من حر وشتاء وربيع وخريف , وظهيرة أم عشية , وضحوة أم سحر , وشوبٍ أم برد ....
 ويعود تقدير كل ذلك والتوفق إليه لمزاج الفنان وتجربته وفي ساعته تلك والتي سيؤدي عليها ويلامس شخصية تلك المقامات الموسيقية , ومن خلال مروره ومداعبته للمقام والألحان سيتضح له منها ما يتوافق مع مزاج الساعة ومع ما يتنافر فيها .
 
 
 محمد علي بحري 
 
 قال عثمان الجندي وهو من العائلة الخديوية في مصر وضمن تأليفه والمسمى بروض المسرات في أطرب النغمات ما نصه ( وفي الكتاب الكثير من الأخطاء ) :
 ومما ينبغي لأرباب هذه الصناعة أن يكون لهم دراية بالأوقات المناسبة لتأثير النغمات على السامعين , فإن علماء هذا الفن قد وضعوا جدولاً لمعرفة إيقاع النغمات في أوقات مخصوصة , ولأن كل شخص له نغمة تنحصر , وقد قسموا كلاً من الليل والنهار , اثنا عشر قسماً , وابتدؤا بالقسمة من شروق الشمس إلى غروبها , ومن غروبها إلى شروقها , سواء كان الليل زائد على النهار أو النهار زائد على الليل ( انتهى )
 ثم ساق المؤلف الشيخ الجندي باقي التقسيمات وعللها , وإليكم الآن تلك الجداول :
 
		
		
		
			
				__________________ 
 الموسيقى رسالة سماوية مقدسة     تخرج من أفواه  الملائكة    لا من أفواه الشياطين |