تحليل لأغنية أنت عمري (لقاء السحاب)

[أمير بلان]

تحليل لأغنية أنت عمري (لقاء السحاب)
الصوت الذهبي : ام كلثوم
موسيقار الأجيال : محمد عبد الوهاب


المقدمة :
تبدأ المقدمة الهادئة بنقرات من صوت الكونتراباص الغليظ حيث يملأ القاعة بصداه المهيمن يرافقه على طول الدرب تلاعب من أنامل الأستاذ محمد عبده صالح على القانون بحيت يبدأ بالصعود تدريجيا على مقام الكرد حتى يصل الذروة ويختمها بال(رش) وهي طريقة الأستاذ المعروفة والملحوظ سرعة اليدين والتفنن فيها وتدخل فرقة الكمان لتنهي الخاتمة بصوت يشبه الموسيقى الكلاسيكية الغربية ( وهنا تظهر عبقرية الأستاذ محمد عبد الوهاب في إقتباسه عن الموسيقى الغربية)
بعدها تقف الفرقة لثانية واحدة تمتد في أذن السامع كأنها دهور تمضي لشدة الترقب لسماع الأتي بعد الخاتمة المشوقة
وفي ثانية واحدة يبدأ النقر على الطبل والكونتراباص وتتعاظم ثورة الألات من القانون والأت النقر والدف تمهيدا للدخول الرئيسي للمقدمة حيث يبدأ عمر خورشيد بمداعبة القيثار ليعزف اللحن المحبوب للمقدمة ونشعر أن هنالك حوارا وكأنه عتاب يدور بين القيثار والكمان بحيث يتحدث القيثار بجملة وتجيبه فرقة الكمان بأخري وفي أصوات الكمانات الأنين ونبدأ بسماع صوت الكمان المشهور يخرج من بين أمواج الفرقة وهو كمان الأستاذ أحمد الحفناوي ليختتم الجملة ويعاد المقطع مرارا وتكرارا بتلاعب وفن في كل إعادة وتختتم الفرقة المقدمة بأصوات الكمان حيت تعود وتعود على المقطع الذي يجهز الست للغناء .
ونلاحظ السهولة والبساطة في تلحين المقدمة فكانت كلها ترتكز على مقام واحد وهو الكرد ومع ذلك العبقرية في النسج ومداعبة أذن السامع وتلهفه لسماع المقدمة مرة بعد مرة
ويمكن أيضا ملاحظة مدى متانة المقدمة فهي تتحدث بصورة عامة عن فحوى الأغنية وليست فقط لحن جميل , بل تربطها علاقة متينة مع الكلمات التي تظهر في باقي الأغنية وخاصة مع اللازمة
وفي رأيي الشخصي , إن هذه المقدمة الأسطورية تكفي لوحدها في إشهار عبد الوهاب حتى لو لم يؤلف باقي أغانيه أو يكمل باقي كوبليهات أنت عمري .


بعدما تهدأ الألات مع إستمرارها في عزف الخاتمة , تخرج أم كلثوم من حنجرتها الصوت الأصيل وتبتدأ في الجملة الأولى فتقول :" رجعوني عينيك " وفيها نوع من الصوفية بحيث تعانق أذن وروح كل سامع للأغنية فحقا يشعر السامع بالرجوع للماضي والحنين ( عبقرية عبد الوهاب في إظهار المعنى للكلمات )
" لأيامي اللي راحوا…. علموني أندم على الماضي وجراحه" وتجيب ألات الكمان عليها , فتعيد المقطع
وتصل لتقول " اللي شفته ….اللى شفته " فيها تنهدات صامتة قبل العاصفة وتهب الفرقة مع أم كلثوم " قبل ما تشوفك عيني ….." وكل هذا المقطع يكون مرتكز على مقام الكرد بتلوينات بسيطة .
تصل ام كلثوم للكلمة الحبذة عند الجمهور وهي " إنت عمري " وفيها تظهر النغمة الشرقية وهي نصف (بيمول أو دييز) وهذا يعطي للأغنية الطابع الشرقي لأول مرة , وتمتد كلمة " إنت عمري " في حنجرة الست لنشعر بأيام العمر تظهر أمام أعيننا , وتختتم الست الكوبلية وهو اللازمة للأغنية بجملة " إنت …إنت عمري" .


الكوبليه الثاني ( إستعمال الإيقاع) :
تعزف الفرقة اللحن الثاني وهو مقدمة الكوبليه الثاني بحيث يظهر الحزن في أصوات الكمان على مقام الكرد وذلك تأييدا للكلمات الحزينة التي ستغنيها الست في مطلع الكوبليه
ويرتكز اللحن على الايقاع السريع والقريب من قلوب الشباب
تدخل الست في جملة " قد ايه من عمري راح " ونستطيع ملاحظة ال"راح" بحيث تعبر عن التحسر للشيء الذي يذهب ولا يعود , وهنالك جمال خاص في استعمال حرف الراء في هذا الكوبليه وخاصة بطريقة لفظ الست للحرف , فهنالك العديد من الكلمات بها حرف الراء "راح" , "فرحة" , "الجراح" , "أخاف للعمر يجري" والخ ...
وحين تصل الست لكلة "أخاف" تظهر المشاعر الجياشة وكأنها إنسان خائف يطلب النجدة
" كل فرحة إشتاقها من قبلك خيالي ...إلتقاها" وهنا يعود عبد الوهاب على نفس الحركة وهي إدخال النوتة الشرقية للحظة لإضفاء الطابع الشرقي ...
تكمل ام كلثوم وتعود لللازمة وتنهي

الكوبلية الثالث الهدوء ما بعد العاصفة ثم البركان ) :
يدخل الكوبليه في صولو قانون ترافقه فرقة القانون بهدوء وبشكل حر غير مقيد بإيقاع ...ثم تعزف الفرقة نفس المقطع الذي تبتدأ به الست الكوبليه الأول وتكمل في الغناء على مقام الكرد بتغيير بسيط من النوتات بحيث تلامس جنس الحجاز وتعود للكرد ...
ومن حيث لا ندري يهب البركان حيث تدخل الفرقة عزف مقطع مع إيقاع على مقام الراست الشرقي الأصل بحيث يقدم الأستاذ أحمد الحفناوي صولو على الكمان (وطريقة الصولو إتبعها بكثرة عبد الوهاب)
ويمكن ملاحظة عبقرية وفن السيد سالم في نفحاته على الناي في هذا المقطع
تطلب ام كلثوم بتلهف وشوق من الحبيب في الإقتراب منها وتلح على الطلب بقولها " يا حبيبي تعال ..."

ثم ينتهي سيل البركان وتعود الفرقة لمقام الكرد
" يا حبيبي " ... وتعاود ام كلثوم الطلب والإلحاح ويظهر ذلك مع تصاعد اللحن لوصولها " اللي فاتنا هو فاتنا "
وتتابع وتعود على اللازمة على الكرد .


الكوبليه الرابع ( القنبلة اللحنية) :
تدخل الفرقة في اللحن السريع على مقام السوزناك وهو يبدأ بجنس الراست إلا أنه ينتهي بجنس الحجاز
وفي اللحن التصفيرات الأسطورية لناي السيد سالم
وتبدأ ام كلثوم بكل حماس وطرب في " يا أغلى من أيامي ... يا أحلى من أحلامي "
وتصل لكلمة " بعيد .. بعيد " وقد طولها عبد الوهاب ليشعر السامع بالبعد , وهذا مثال أخر على تلحين المعنى وليس الكلمات فقط .
تعيد الفرقة الموسيقى , ومن العدم تنتقل من مقام السوزناك إلى مقام الكرد مرة واحدة لتغني أم كلثوم " صالحت بيك أيامي ..." وهذا تمهيد لإعادة المقدمة .... وهذه هي قدرة عبد الوهاب في نسج المقامات المختلفة مع بعضها البعض ....
...
يمكن رؤية اللحن وسهولته فاللحن ليس معقد ولا مركب وليس به تحويلات لحنية صعبة بل الذي يميزه هو المتانة والصلابة وهيمنة مقام الكرد على أغلب الأغنية ومع هذا يمكن شعور الطابع الشرقي للأغنية
فهذه الأغنية هي الأقرب إلى قلوب الشباب من أغاني أم كلثوم , فحقا لا يستطيع أحد أن يكلثم اللحن وأن يغنيه بطابع الست من تصرفات صوتية وذبذبات صوت قوية وشعور بالمعاني ... فأم كلثوم كانت تعيش الأغنية وتمثل اللحن ... ويمكن أن تموت مائة أمة وتفنى لكن هذا العمل العظيم سيبقى محفوظا في أثير الأرض وفي أرواح كل من عشقوا ام كلثوم والطرب والفن .....

أرجوا من مشاركتي الأولى أن تنال إعجابكم ... وأتمنى أن أفيدكم
الأخ : أمير