رد: قطرات من مداد قلم الشاعر السمعجي كمال عبد الرحمن
إنطباعات
( لقاء الأحباب )
( 1 )
المَشاهدُ تمرُّ عبر نافذة القطار .. لم يتغير شىء .. نفس البيوت الريفية القديمة .... تخضرُّ الأرض في بقعةٍ ، و تبدو جرداءَ في أخرى .. تنتهي قرى ، و تبدأ مدن .. بيوتٌ باهتة استسلمت للعشوائية و الفقر ..شوارع مزدحمة يعلوها الغبار ..محطاتٌ متهالكة بفعل الزمن و الإهمال تمضي متعاقبة .. و إيقاع عجلات القطار يٌشيعُ رتابة ً لا يكسرها سوى استحلاب لحظات و مواقف تبرق في ذاكرتي .. فكل دقيقة تمر ، تعلن دنو اللحظة ، لحظة الإلتقاء بهم !
مدهشٌ أن يتحولَ عالمُ ( النت ) الإفتراضي ، إلى واقع ، إلى حقيقة ملموسة .. إلى أناس ٍ من لحم و دم .. تجربة لم أمارسها من قبل ..
و برغم إنطفاء حاسة ( الدهشة ) عندي بفعل الخبرات السلبية و الإحباطات المتعاقبة ( كالسوادِ الأعظم في هذه البقعة الجغرافية من العالم ) .. إلا أنني كنت منفعلا ً و متحمسا ً.. و ابتهجت لهذا الشعور الذي أفتقده ( الدهشة و الحماس ) .. هل اصطنعتُ تلك الأحاسيس لكى ( أعيش الحالة ) ، أم إلتبستني مشاعرُ تلقائية ٌ طبيعية لا أملك حيالها دفعا ً؟!
سألقاهم هناك إذن حسب الإتفاق .. ليس عبر شاشة مسطحة ملساء ، أستطيع أن أنشىء أو ألغي عالمها كاملا ً بضغطة زر ..
تـُرى كيف سيكون اللقاء ؟! .. إنني أعرف ملامحهم من خلال صورهم ، و هم سيرونني للمرة الأولى .. تـُرى كيف سيكون انطباعهم عني ، و هل إنطباعي تجاههم سيتغير عندما أرى المشهد كاملا ً ؟! ..الإيماءات ، لكنة الصوت ، الأفكار التي تنطلق مباشرة بدون واسطة ٍ آلية ..
أسئلة أخذت تتنازعني ، و شعرت أن الطريق كان أقصر مما يجب ، بمجرد وصول القطار إلى محطة مصر ..
الواحدة إلا الثلث ظهرا ً .. يفصلني عن اللقاء ( ثمانون دقيقة ) .. أستطيع خلالها أن أفي بوعدي لأصدقاء شاركوني العيش و الملح و امتهان الفن و الصحافة و ليالي القاهرة المضمخة بسحر غامض ..
أشرتُ لأول ( تاكسي ) صادفني خارج المحطة .. خمس دقائق ، ووجدت نفسي أمام مقهى ( المشربية ) القريب من ميدان التحرير .. هاهم أصدقائي القدامَى ، لم يتغيروا ، سوى بعض الشعرات البيضاء التي تسللت ، و العيون التي ارتفع في محاجرها معدل الإرهاق ..
أحضان و قبلات و قفشات إعتدناها ..
لقد نزحوا من ( دمنهور ) ، إيمانا ً بمقولة ( أن تكون الأخير في المدينة ، خيرٌ من أن تكون الأول في القرية ) ! و لا شك أنهم نجحوا في اختراق متاريس العاصمة ..
مجدي ، مدير تصوير في إحدى الفضائيات .. إبراهيم ، صاحب و رئيس تحرير مجلة مرموقة ، و مذيع في فضائية متخصصة .. أسامة ، الذي أدى أدورا ً تمثيلية قيِّمة في مسرح كرم مطاوع و سينما يوسف شاهين ، و يعمل حاليا في الديكور .. رفعت ، معد البرامج التليفزيونية و الصحفي المتألق في روزا و في مجلة أكتوبر .. مجدي ، رئيس أهم قسم في مصر للتأمين .. لم يكن ينقصنا سوى واحد فقط لتكتمل ( شِلة السبعة ) ، و الذي يعمل صحفيا ُ بإحدى دول الخليج ( جمال فتحي ) ..
ساعة سرقناها من عمر الزمن ، حاولنا خلالها استعادة نفحات الماضي ، و تواعدنا على اللقاء في مساء نفس اليوم ، بعد أن أبدوا لي دهشتهم من لقائي المرتقب مع أناس أراهم لأول مرة .. بل لقد حولوا الأمر إلى سخرية لاذعة .. فترددت أقاويلهم الممتزجة بالقهقهة :
عايزينك ترجع لنا صاغ سليم ..