[quote=بلقيس الجنابي;252905]
تعرَّتْ ذ ُكاءْ
تعرَّتْ ذ ُكاءْ
وأحنتْ على لـُجةٍ من ضياءْ
وصلتْ بمحراب كون ٍ خضيـبْ سَـقـتهُ الملائكُ خمرا ً وماءْ
هذه قصيدة ( من الوهلةِ الأولى ) لفتت أذني بموسيقاها ،،
فبدت كلحن ٍ يسبقُ الكلمات ،،
بحر المتقارب هنا ،
يفرض حركاته و سكناته على أذن المتلقي ،،
و في البنية الموسيقية لهذه القصيدة ،،
يتجلى هذا ( الوَقع ) ، نظراً للجوءِ شاعرتنا إلى
التسكين في نهاية ( السطر / البيت )
و يبقي الإيقاع ( فعولن فعولن ) كدق الكطبول في الخلفية ،،
إستمعوا إلى هذا الإيقاع عند ترديده :
دُدُمْ دُم / دُدُمْ دُم / دُدُمْ دُمُ / دُدُمْ دُم
،،،،،،،،،،
هذا مِحورٌ أول ،، من عدة محاور ، تستوقفنا ،
و نحن نطالع القصيدة ،،
***
أما الثاني ،،
إندهشتُ لرسم الكلمات ، أو طريقة عرضها ( كتابة ً ) ،،
فقد ظننتُ في أول الأمر ، أن القصيدة كتبت على الشكل
( الحر ) ، الذي يعتمدُ السطرَ الشعري ، لا البيت ،،
أىّ شِعر التفعيلة ، الذي يجعل من التفعيلة ، وحدة إيقاعية في ذاتها
، بدون التقيد بعدد معين من التفعيلات في الكتابة ، على خلاف
الشِعر العمودي ،،
غير أني ، بتتبعِ عدد التفعيلات ، اتضح أنها قصيدة عمودية
( شكلاً ) ، باستثناء تفعيلتىّ مطلع القصيدة ( تعرت ذُكاء ) و
( فحنَّت ذُكاء ) و ( تسامَت ذكاء )
ثم الإقتصار على ثلاث تفعيلات في المقطع :
( و ماست على بحرِ طيب ) !
هل تعمدت شاعرتنا هذا الرسم ، لهدفٍ دلالي !
أم أن ثنائية بعض التفعيلات ، و ثلاثيتها في موقع ٍ آخر ،، لن
يجعل للقصيدة شكلها العمودي المعتاد ؟!
***
المحور الثالث ،،
لشاعرتنا خيالٌ خصب واسع ،، يستطيع أن يلتقطَ
جوهرَ الأشياء ، و يبتدع منها عالماً مدهشاً غيرَ معتاد ،،
و ساعد شاعرتنا ، ثراء قاموسها من مفردات ،،
فالألفاظ طيعة في قصيدتها ،، كأنما تتقافز متزاحمة ًإلى خيالها ،،
الشاعرة في القصيدة ، إستخدمت ( ضِمناً ) ضمير الغائب ( هي )
،، هي ( تلك الأنثى الغائبة عن الحضور ) :
تتفاعلُ مع مشهد كوني ،،
حرك فيها كوامن وجودية ، صهرتها في حالة ( توحد ) مع
الطبيعة ،، فلا فاصل ( فيزيائي ) بينها و بين الطبيعة ،،
كأنما الإنسان هو الشمس ( ذُكاء أى الشمس ) ،،
و لم تضع كاف التشبيه ( كااشمس ) ، كى لا تكونَ مسافة ٌ
بينها و بين الشمس ، فهى الشمس ، و الشمس هي
يظل الرمز مؤطراً داخل هذا التخمين ، حتى يتحلحلَ غموضه ،
مع تنامي القصيدة !
***
( تعرت ) هنا جديرة بالاستيقاف ،،
الطبيعة عارية ( كما خلقها الله ) ،،
بل كل تجليات الوجود ، خلقت عارية ، و بقيت كذلك ،،
عدا الإنسان ،، الذي ابتدعَ ( الغطاء و الملبس ) ليخفي به
( جسده ) العاري ،،
الملبس ، طاريءٌ على الإنسان ،
فهو دخيلٌ على العُرى ،،
( انظر إلى الشمس و القمر و النجوم و الشجر و الوردة
و الحيوان و حَبّة القمح ، بل تأمل أىّ شيء في الوجود ،
تجده عاريا ! )
و ما كان للإندماج و الانصهار بهذه الطبيعة العبقرية ، أن يحدث
، إلا بالخضوع لشروط الطبيعة ، كما خلقها الخالق سبحانه ،،
فالتعري ( المعنوي بطبيعة الحال ) هو تماهي مع مفردات الجمال
، التي لم يطرأ عليها طاريء ( المفاهيم الإجتماعية أو العقائدية
، أو حتى لاتقاءِ تقلبات الجو ) !
كما أنه دلالة واضحة على ( الإنعتاق ) من عالمها الأرضي ،
بأعرافه و قيوده ،،
تعرَّت ذُكاء ( تعرَّت شمساً ) ،، دلالة على القوة و الوضوح
و الدفء و الجمال الذي ينكشفُ بهذا التعري ،،
و لا أخال الشاعرة تقصد ( تعرَّت شمسٌ ) ،،
و إلا انقلبت الدلالات ، و وقعنا في شـَرِكِ المُخاتلة !
***
و تترى الصور الآسرة للطبيعة ،،
فالشاعرة تستخدم ألفاظاً دالة ، و لا تسقط في أحادية ( المباشر )
مما يدلُ على شاعرةٍ متمرسة ،، و قلم ٍ مُجَرِّب
لاحظوا :
تجليات لونية :حمرة ،، أرجوان ،، خضيب
تجليات الطبيعة : سماء ،، سحاب ،، بحر ،، كوكب ،، ليل ،، هلال ،، غيمة
أحجار كريمة : ، جُمان ، عقيق ، جواهر / ( نضار : ذهب )
تجليات ضوئية : ذُكاء ،، ضياء ،، سناء ،، شع ،، شعاع ،،
بهاء،، لهب
و استقراء المفردات ، يؤكد مدى احتفائِها بالطبيعة و الكون،،
***
العملُ في مُجَمَلِهِ ،،
رمزية ٌ ، تجعلُ من هذا( المهرجان الكوني ) ، معادلاً موضوعياً
للعاشق ، الذي يدعوها ( جعلت رمزيته هلال المغيب ) ،
إلى الإندماج به أو فيه :
( فسحركِ بات غذاء دمي ،، تعالي فحبكِ ملْ فمي ) ،
بعد أن تجمّلت :
( ،،،، وراحت تصفف شعراً ذهب )
فما كان منها في نهاية الأمر ، إلا أن :
( ،،،، آوت إلى خِدرها في إباء ) !
لا أدري إن كانت هذه الخاتمة ، و التي لم أتوقعها
( الاستجابة للنداء كانت أَوْلى ) ، قِيدَت إليها الشاعرة ،
بغوايةٍ بلاغية !
و هو أمرٌ يدركه المتمرسون من الشعراء ، و الذين يفضلون
( تركيبة مجازية مدهشة ، أو صورة جمالية ) على حساب بنية
( الفكرة ) ،، عملاً بمفهوم : ( الأفكار مجانية ) ، أما الجمال
الأخاذ ، و الصياغة المُبدِعة ،، فهى الشِعر بعينه !
و ما تسطرهُ بلقيس الجنابي ،
هو الشِعر بعينه
مع تحيـــاتي 