ليلي مراد في ذكرى رحيلها

[MUNIR MUNIRG]

ليلي مراد في ذكرى رحيلها(1ـ2)
مثلت 27 فيلما لم يفشل منها واحد وأغنية قطعت علاقتها بالطويل

القاهرة ـ 'القدس العربي' 2008/12/12ـ من عبدالفضيل طه:
في مثل هذا الشهر رحلت عن دنيانا سندريلا السينما المصرية في القرن الماضي ليلى مراد - وكان النقاد قد أطلقوا عليها هذا اللقب منذ ظهرت لأول مرة على الشاشة الفضية بطلة أمام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في فيلم 'يحيا الحب'.
والسبب في إطلاق هذا اللقب عليها ظهورها كفتاة بريئة أحبت عبد الوهاب واتسمت تصرفاتها في الفيلم بروح الفتاة المرحة الساذجة التي لم تختبر الدنيا بعد، كما غنت من ألحان عبد الوهاب أغنيات قمة في الرومانسية مثل:
'ياما أرق النسيم'، و'يا قلبي مالك كده حيران'، كما شدت مع محمد عبد الوهاب 'يادي النعيم اللي أنت فيه يا قلبي'.

انطلاقة

وقبل أن يختارها محمد عبد الوهاب لبطولة فيلم 'يحيا الحب'، كانت قد ظهرت في فيلم 'الضحايا' مع بهيجة حافظ حيث قدمت فيه أغنية 'شفت الحبيب'.
لكن انطلاقة ليلى مراد الحقيقية بدأت مع المخرج توغو مزراحي الذي احتضنها بعد فيلم 'يحيا الحب' وقدمها في خمسة أفلام ساهمت بشكل كبير في صنع شهرتها وهي: 'ليلة ممطرة' التي أخرجها وأنتجها توغو في سنة 1939 أي بعد فيلم 'يحيا الحب' بسنة واحدة، وقاسمها البطولة في هذا الفيلم يوسف وهبي وفي عام 1941 قدمها مع يوسف وهبي أيضا في فيلم 'ليلى بنت الريف' ثم في نفس الوقت اخرج لها: 'ليلى بنت مدارس' مع يوسف وهبي ومحسن سرحان وفي عام 1942 قدمها في فيلم 'ليلى' وهو الفيلم المقتبس من قصة 'غادة الكاميليا' من بطولتها مع حسين صدقي وهي القصة التي قدمت في العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية كما قدمت كأوبرا باسم 'لا تربيناتا' وشاهدتها مصر ببطولة رتيبة الحفني وبلغت ليلى مراد في هذا الفيلم قمة النضج الفني وكانت حديث النقاد والجماهير في تقمص شخصية الغانية التي عاشت حياتها في سرور وحبور واستهتار حتى داهمها المرض وهزمها بعد أن ضحت بحبها في سبيل إسعاد أهل من أحبت، ثم كان فيلم 'ليلى في الظلام' آخر ما قدم لها توغو وشاركها البطولة حسين صدقي وفيه أجادت دور الفتاة العاشقة العمياء التي أرادت أن تضحي بحبها لكن الحبيب يكتشف الحقيقة وأنها لم تعد ترى.
كانت هذه الأفلام الخمسة هي الانطلاقة الحقيقية والتي لم تنسها فنانتنا وفي حديث إذاعي لها مع الراحلة آمال العمدة، قالت ليلى مراد، أن صاحب الفضل الأول عليّ هو توغو مزراحي علمني كيف أقف أمام الكاميرا وكانت بدايتي الحقيقية كممثلة معه، ثم ذكرت بعد ذلك فضل زوجها أنور وجدي، وما قدماه معا في عدة أفلام ناجحة.
وكان أول فيلم مثلته بعد أن انتهى عقد احتكارها مع توغو مزراحي، من اخراج مخرج الواقعية كمال سليم وهو فيلم 'شهداء الغرام' من بطولتها مع إبراهيم حمودة وهو فيلم مقتبس من رائعة شكسبير المعروفة 'روميو وجولييت'.

أفلام ناجحة

تتابعت أفلام ليلى مراد بعد ذلك حتى بلغت 27 فيلما كان النجاح حليفها جميعا حتى 'شهداء الغرام' هذا الذي لم يجد إقبالا شديدا في أول عرض له وفي نفس الموسم سنة 1944 قدمت فيلم 'ليلى بنت الفقراء' مع أنور وجدي وأثناء تصوير الفيلم تم زواج ليلى بأنور ليكونا ثنائيا ناجحا بعد ذلك وكان الفيلم من أنجح الأفلام الغنائية في تلك السنة، وغنت فيه ليلى مجموعة من أنجح ماشدت به مثل 'ليلة جميلة يا محلاها'، 'فاتت وعمري ما انساها'، و'مش ممكن ها اقدر أصالحك'، كما غنى فيه المطربان اللبنانيان محمد سلمان ومحمد البكار وفي عام 1945 مثلت مع يوسف وهبي فيلم 'ضربة القدر' وفي 1946 قدمت مع أنور وجدي 'ليلى بنت الأغنياء' وفيه قدمت العديد من الأغنيات الناجحة مثل، يا 'شايلني باديك الاتنين'.
وفي نفس العام قدمت فيلما رائعا مع النابغة أحمد سالم وهو فيلم 'الماضي المجهول' من اخراج وبطولة أحمد سالم، ونال هذا الفيلم نجاحا كبيرا مع انه مقتبس من فيلم أجنبي، لكن مخرجه أحمد سالم استطاع أن يضفي عليه المحلية بشكل ضاعت فيه ملامحه الأجنبية، وكان من أسباب نجاح الفيلم الوجود الطاغي للفنانة ليلى مراد في تمثيل دورها وشدت فيه بعدة أغنيات خالدة مثل: 'حيران في دنيا الخيال'، و'أنا قلبي خالي ولا انشغل بك' من ألحان محمد فوزي الملحن الصاعد والناجح في تلك الأيام كما غنت له في نفس الفيلم 'منايا في قربك اشوفك سعيد' وغنت 'يا اللي غيابك حيرني'.
كما شدت في 'الماضي المجهول' هذا بجزء من أنشودة الفن لمحمد عبد الوهاب الدنيا 'ليل والنجوم طالعة تنورها'.
وفي عام 1947 قدمت مع أنور وجدي فيلم 'الهوى والشباب' ثم 'شادية الوادي' مع يوسف وهبي، و'قلبي دليلي' مع أنور وجدي، وهو أنجح أفلامها في تلك السنة وغنت فيه مجموعة من أشهر أغنياتها منها، 'أنا قلبي دليلي قاللي حتحبي' وهي الأغنية التي ترددها حتى الآن الكثير من مطربات هذا الجيل كما قدمت فيلم 'خاتم سليمان' مع يحيى شاهين.
وفي عام 1948 قدمت مع أنور وجدي أيضا فيلم 'عنبر' وفيه غنت 'سألت عليه قالوا مسافر'. وفي سنة 1949 مثلت فيلم 'غزل البنات' الذي كان حدثا في عالم السينما المصرية إذ جمع بين العـــديد من فطاحل الفن في مقدمتهم نجم الكوميديا الأول في ذلك الزمن نجيب الريحاني ومحمد عبد الوهاب الذي غنى فيه 'عاشق الروح' ويوسف وهبي الذي قدم فيه دورا صغيرا لكنه مؤثر.
وكان هناك حشدا من أمهر الفنانين، سليمان بك نجيب ومحمود المليجي وغيرهما، كما ظهرت فيه هند رستم في مشهد واحد ضمن الفتيات اللاتي كن مع ليلى مراد وهي تغني 'اتمخطري واتمايلي يا خيل'.

كيف مثل الريحاني؟

وحكت ليلى مراد عن ظروف اشتراك العملاق نجيب الريحاني في الفيلم بقولها، انها التقت صدفة بنجيب في أسانسير عمارة الإيموبيليا وقال لها بالحرف الواحد: ياليلى نفسي أمثل معك فيلما قبل أن أموت، وجاءت الفرصة - تقول 'عندما قررنا انتاج فيلم 'غزل البنات' ومن غرائب الصدف أن يموت نجيب بعد الانتهاء من تصوير الفيلم ليكون آخر لقاء له مع الجماهير'.
وعيني بترف

ومن القصص التي تروى عن الفيلم ما حكاه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عن لحن 'عيني بترف' فقال: ان كثيرين عارضوا في أن يكون الريحاني مغنيا - مع ليلى في هذه الأغنية لكنني أصريت على ذلك خاصة وأن الأغنية تعبيرية أكثر منها تطريبية ولنجيب تجارب عديدة في مثل هذه الأغنيات عندما كان يقدم على مسرحه أوبريتات غنائية فيها الكثير من الأغنيات التعبيرية والأداء المنغم 'ريستائيف' الذي كان الريحاني استاذا فيه، ونجحت الأغنية في الفيلم نجاحا كبيرا كما يقول عبد الوهاب، وفي نفس العام مثلت مع محمد فوزي فيلم المجنون.
في عام 1950 كان فيلمها 'شاطئ الغرام' مع حسين صدقي ومحسن سرحان واستيفان روستي وزكي إبراهيم، وتحية كاريوكا، وفي هذا الفيلم تم تصوير مناظر خلابة في مصيف مرسى مطروح، وفيه لمع اسم أحمد صدقي كملحن ممتاز في أغنية 'يا مسافر وناسي هواك'.
وهناك الصخرة التي غنت عليها ليلى 'المية والهوا' لا تزال موجودة في موقعها والذي يطلق عليه حتى اليوم، شاطئ الغرام وقد بنى نادي الزمالك مصيفه هناك في مقابل هذه الصخرة التي أصبحت مزارا لكل من يذهب إلى هذا المصيف الرائع.

حبيب الروح

وفي عام 1951 قدمت ليلى مراد مع أنور وجدي 'حبيب الروح' وقام بألحان الفيلم الموسيقار رياض السنباطي بعد خلاف دب بين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وأنور وجدي وكان المفروض أن يقوم عبد الوهاب بالألحان.
وفي نفس الموسم قامت ببطولة 'آدم وحوا' مع حسين صدقي و'ورد الغرام' مع محمد فوزي.

إعادة من القلب للقلب

في سنة 1952 انتجت الفنانة آسيا فيلم 'من القلب للقلب' بطولة صباح وكمال الشناوي، بعد أن انتهى تصوير الفيلم وأصبح معدا للعرض احترق.
فكان لابد من إعادة التصوير بالكامل ويبدو أن صباح اعتذرت فجاءت ليلى مراد بطلة للفيلم وفيه شدت بعدة أغنيات رقيقة منها: 'طمني أنا مش عارفاك ولا عارفة المكتوب لي معاك'، و'من القلب للقلب رسول' وفي عام 1953 مثلت مع أنور وجدي 'بنت الأكابر' وشدت بأغنية 'يا رايحين للنبي الغالي' وقامت ببطولة 'سيدة القطار' مع يحيى شاهين.
ومعه مثلت ايضا فيلم 'الحياة الحب' في عام 1954 وكان آخر فيلم لها في السينما هو 'الحبيب المجهول' واعتزلت السينما بعد ذلك واختفت من الوسط الفني ولم تظهر فيه إلا قليلا.

1500 أغنية

وبعيدا عن الأفلام، أثرت ليلى مراد الحياة الفنية للأغنية بحوالي 1500 أغنية لم تسقط منها أغنية واحدة، وكانت بدايتها في الإذاعات الأهلية ثم مع الإذاعة المصرية بعد افتتاحها في سنة 1934، وبدأت الغناء بالأدوار القديمة التي كان والدها المطرب المعروف في العشرينات زكي مراد يرددها وكان معظمها أدوار من ألحان محمد عثمان وعبده الحامولي والخضراوي والشيخ المسلوب وغيرهم.
كان من ضمن من غنت لهم المطرب والملحن داوود حسني وكان داوود من اصدقاء والدها وفي نفس الوقت من طائفة اليهود المصريين الذين كان منها ايضا زكي مراد، واضافة إلى ترديد ليلى الأدوار التي لحنها داوود حسني ألف لها خصيصا عدة طقاطيق في بداية حياتها نالت نجاحا كبيرا منها: 'حيران ليه' و'بين القلوب'، ولحن لها معظم أساطين الفن عندنا، محمد عبد الوهاب والشيخ زكريا أحمد ومحمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد فوزي وأحمد صدقي وبليغ حمدي وغيرهم.

هي والطويل

لحن لها كمال الطويل أغنية يتيمة هي 'ليه خليتني أحبك لا تلومني ولا أعاتبك'، وغنتها في أحد أفلامها، وأراد الطويل أن يسجل الأغنية بحذف كلمة، لكن ليلى مراد رفضت وأصرت على أن يكون التسجيل بنفس الكلمات، وثارت مشكلة بين الاثنين قام بعدها الطويل بإعطاء الأغنية لنجاة الصغيرة بعد حذف الكلمة إياها، ثم كانت قطيعة فنية بين ليلى والطويل حتى رحلت السندريلا عن دنيانا.
وفي حديث إذاعي للطويل أكد أنه لم يندم في حياته كما ندم على قطع علاقته الفنية بليلى مراد من أجل خلاف بسيط وتافه كما قال، وفقد بذلك التعامل مع صوت ذهبي نادر الوجود.