في ذكرى الموسيقار محمد الموجي

[MUNIR MUNIRG]

في ذكرى الموجي صاحب الألحان الهندسية
أم كلثوم تقاضي الموجي بسبب 'للصبر حدود
حسرة على جيل وعصر بأكمله..........
القاهرة ـ 'القدس العربي' ـ من أحمد الشوكي 23/08/2008
بدأ الموسيقار 'محمد الموجي' حياته مطربا، عاشقا لابيه الروحي 'محمد عبدالوهاب' الذي وصفه بأن الحانه هندسية لا تجد فيها لحنا متوسط المستوى، فإما أن يكون ذو قيمة كبيرة، وإما لا شيء على الإطلاق، ولد الموجي رحمه الله في ربيع عام 23 ذلك العام الذي شهد رحيل سيد درويش ورحل في صيف عام 95. وقد شهدت شقة الموجي بشارع 'البراد' بالعباسية بالقاهرة حادثة مفجعة وفي توقيت ذكراه، حيث اندلع حريق التهم أشرطة وصور ونوتات موسيقية وأثاث، وحاول ابنه 'الموجي الصغير' انقاذ ما يمكن إنقاذه، واستمر الحريق ثلاث ساعات وجاءت المطافي كالعادة متأخرة.
توصف ألحان 'الموجي' بأنها فطرية، فلم يدرس 'النوتة الموسيقية' وترك معهد الموسيقى العربية في سنته الاولى به، ولد 'الموجي' في مدينة كفر الشيخ تلك التي شهدت حبه الأول للموسيقى فهجرها الى القاهرة، غنى له 'عبدالحليم حافظ' 88 أغنية بدأها 'بصافيني مرة' وختمها 'بقارئة الفنجان' وكان الموجي يصف تلحينه لحليم بأنه أقرب الأصوات إلى قلبه، حتى انه يلبي نداءه قبل، أم كلثوم نفسها الذي بدأ تلحينه لها بأغنية 'الجلاء' ثم لحن لها في فيلم 'رابعة العدوية' أغنيات 'الرضا والنور'، ثم محلاك يا مصري وأنت ع الدفة، وبالسلام احنا بدينا بالسلام، ويا سلام على الأمة وصوت بلدنا.
أما أغنية 'للصبر حدود' فقد أدخلت 'الموجي' المحكمة بعد أن قاضته أم كلثوم بسبب تأخير تلحينها، فقد اتفقا على أن يتم التلحين خلال شهر، وقد قال الموجي للقاضي، احكم عليّ بالتلحين فقال له، حكمت عليك بالتلحين ثم رد الموجي، نفذ الحكم، قال له القاضي، كيف؟ قال له الموجي افتح رأسي واخرج اللحن، وترافع الموجي عن نفسه قائلا، أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئا فتخرج لحنا على التو، إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج الى وقت كاف حتى يخرج اللحن الى النور، و'ثومة' ليست مطربة عادية، بعدها قال القاضي، عندك حق، سأحفظ القضية وأنت حر مع أم كلثوم، وقد لحن 'الموجي' لمحرم فؤاد 'رمش عينه' و'الحلوة داير شباكها' ولمحمد رشدي 'م العين دي حبه' ولفايزة أحمد أنا قلبي إليك ميال و'يامه القمر ع الباب'.
وقد رفض الموجي في أواخر حياته عرضا إسرائيليا يقضي بأن يلحن لمطربيـــها مقابل 3 ملايين دولار فرفض.
وقد شهدت الساحة الغنائية برحيل الموجي ومن قبله بثلاثة أعوام جيل عبدالوهاب ومن بعده بليغ حمدي وسيد مكاوي ثم كمال الطويل، انتكاسة كبيرة، رغم أن اكثرهم لم يلحنوا في أواخر حياتهم، بعد ان أصابهم الاكتئاب نتيجة تردي الساحة الفنية وتردي الجمهور في ذات الوقت، حتى أن 'عبدالوهاب' قال 'لقد مات الجمهور' بينما رد عليه الموجي قائلا: 'هذه قسوة على الجمهور فأنا أعتبر أنه قد فقد وعيه إلى حين.
وتنطبق حالة الاكتئاب التي حاصرت الموجي وزملائه على من تبقى من الجيل الذي أتى بعدهم أمثال، حلمي بكر وميشيل المصري وعمر خيرت وكذلك فؤاد حلمي وعبدالعظيم محمد اللذان رحلا قبل شهور متأثرين بالجروح الدامية التي أصابت الساحة الغنائية التي ينعق فيها البوم، برحيل الملحنين الحقيقيين، فتشابهت الأصوات والألحان، كأنها صوت واحد ولحن واحد وكلاهما ركيك.
يقول الموسيقار 'حلمي بكر' إن الفساد السياسي الذي يحيط بالأمة العربية هو السبب المباشر وراء فساد الغناء، حيث تسبب في أن يقف على مفاتيح الإعلام من يسمحون بتداول التافه ومن كرسوا لغناء العرايا وغرف النوم، بينما تم حجب أصحاب المواهب الحقيقية حتى أن بليغ حمدي بالكاد استطاع ان يصور أغنيته الوطنية 'أنام البلدي'.
ويضيف 'بكر' أنا شخصيا مكتئب حتى أن التكريم الذي كان يسعدني بالأمس فقد كثيرا من زهوه بسبب فساد المناخ الذي قضى على جماليات الغناء، حتى أننا منذ سنين طويلة لم نسمع لحنا واحدا جميلا.
ويؤكد 'ميشيل المصري' على أن الساحة الغنائية لن تشهد تحسنا في المستقبل، خاصة أن التربية الغنائية التي عرفتها الأجيال السابقة لم تعد تعرفها الأجيال الحديثة، فمن يوهب في هؤلاء الأخيرين شيئا من جمال فإنه يعتقد أنه وهب كل شيء، وتحاصره الأمراض النفسية، ويملأه الغرور ولا يطور صوته بالتدريب الصحيح، ويقدم أعمالا سوقية تتلاءم مع المناخ العام المتردي في كل مجال.