تاريخ ومسيرة الأغنية الليبية المعاصرة
المقصود بالأغنية الليبية المعاصرة في هذه الدراسة هي تلك الأغنية التي ظهرت وانتشرت في شتى أنحاء البلاد منذ تأسيس قسم الموسيقى بالإذاعة الليبية التي بدأت بثها على الهواء مباشرة عام 1957 وقد أشرف هذا القسم على تسجيل وإنتاج الأغاني الإذاعية الجديدة بعد أن تم تكوين فرقة موسيقية ومجموعة صوتية متخصصة لهذا الغرض .
ونظرا ً لامتداد البلاد الواسع على ساحل المتوسط وفي أعماق الصحراء الكبرى فقد تم إنشاء فرعين للإذاعة في كل من مدينتي بنغازي وسبها ، ولتوفر بعض المواهب الفنية الشابة في مدينة بنغازي فقد تم افتتاح قسم للموسيقى بها في نفس الوقت الذي تم فيه افتتاح ذات القسم بمدينة طرابلس التي كانت تزخر بالخبرات الفنية المتخصصة ، بينما تأخر افتتاحه بمدينة سبها إلى ما بعد ذلك بسنوات عديدة وقد أسندت رئاسة القسم بطرابلس إلى الفنان " كاظم نديم " وفي بنغازي للفنان المرحوم " علي الشعالية " .
ومن المؤكد أن الأغنية الليبية لم تكن ولادتها الحقيقية قد ارتبطت فعليا ً بافتتاح الإذاعة المسموعة فقط لأنه من غير المعقول أن تكون قد بدأت من فراغ أو ولدت من عدم ، فبكل تأكيد أنه كانت هناك خطوات سابقة وجهود مضنية وتضحيات كبيرة قامت بها نخبة من الفنانين الرواد على امتداد البلاد ساهمت جميعها في نشأة هذه الأغنية وتطورها خلال الفترة الزمنية التي سبقت افتتاح الإذاعة الليبية؛ يضاف إلى ذلك توفر الجو الفني العام الذي شجع على ولادة هذه الأغنية خاصة في مدينة طرابلس التي كانت مركزا ً حيويا ً للنشاط السياسي والاقتصادي والثقافي والفني والاجتماعي في البلاد منذ عهود تاريخية قديمة جدا ً .
فقد وردت إشارات سابقة في كتب بعض الرحالة عن بعض الفنون الغنائية التي كانت سائدة في هذه المدينة خلال العهد القره مانللي والعهد العثماني الثاني ، مثلما ورد في كتاب السيدة مابل تود لغز طرابلس عن فنون الزمزامات الغنائية ؛ كما ورد في كتاب بلدية طرابلس الذي صدر عام 1870 بمناسبة مرور مائة عام على أول إنشاء بلدية حديث عن الوعي الفني في هذه المدينة جاء فيه " ولا يفوتنا هنا أن نسجل بكامل الفخر والاعتزاز أن وعيا ً فنيا ً كان موجودا ً بمدينة طرابلس ، وان ملكات ومواهب فنية وتذوقا للفنون كل ذلك / كان / ظاهرا ً منذ العهد العثماني وما قبله ودليل آخر على أن هذه الأغنية كان لها وجود قبل افتتاح الإذاعة انعقاد مهرجانين للأغنية الليبية بمدينة طرابلس الأول عام 1955 والثاني عام 1956 بحديقة فندق المهاري.
وقد شارك في المهرجان الثاني الفنانون : محمد الكعبازي ، محمد مرشان ، محمد سليم ، محمد الفرجاني ، محمود الشريف وعبد السيد الصابري الذي انتقل للعمل في مدينة طرابلس .
يتبع
|