أحمد رامي ..شاعر هَذب معاني الحب بصوت أم كلثوم
" أحمد رامي" شاعر الهيام ..الذي جعل العلاقة بينه وبين الحب كعلاقة ،قيس بليلى ..هواه دائم الهبوب وحبه متأجج بأستمرار ..حب عذري وغرام بلا أمل.
شاعر لم يتاجر بالفن ..كتب الأغنية ولم يبعها ..لأنها عنده قطعة من نفسه ..وهي كأبنه له ، ورامي هو الشاعر الرقيق الذي هذب معاني الحب وألفاظه وعاطفته وخياله ،ولقد جعل " رامي " من الحب والنظرة اليه جزءاً من أفكار الناس ، بعيداً عن الأبتذال والأسفاف ،وأوصل المعاني الجميلة في شعره لغايات اسمى وأعلى في سلم الرقي الحضاري .
ففي الليل يخلو مع نفسه..فيعيش مع روحه ويقترب أكثر من وجدانه ومشاعره في عملية الخلق والأبداع ..لقد عمد " رامي" علاقته بالحب بشعرٍ فياض ومُلهم..كتبه بدمه ليقدمه الى سيدة الغناء العربي " أم كلثوم" التي حولته بصوتها الى كلمات معطرة تزكي النفوس وتسحر القلوب وتُغني المُخيلة للسامعين .
ولقد سطرا سوية " رامي " و"أم كلثوم" أروع قصائد الحب المغناة، وقد ظلت شواهدهما في ذاكرة التاريخ حية لحد الآن ..فأغاني هجرتك وأنساك وفكروني وغيرها ستبقى ابد الدهر شاخصة في رحال الذكرى ،وقد كان " رامي" عاشقاً ولهاناً بحب " أم كلثوم" فعند الوصال يكتب أروع ماتنتجه قريحته من كلمات معبرة وعند الصد والهجران يكتب اعذب الأشعار الموحية ..وفي الحالتين يبقى عملاقاً في كتابة قصيدة الحب المغناة .
و( لرامي) بعض الطقوس الخاصة يؤديها عندما يستمع الى " أم كلثوم" فعندما يقرر الذهاب الى حفلتها يتأهب لذلك كثيراً ..فمن ذلك يقول :
[ أني أحتفل لسماعها كما أستقبل عيداً من أعياد الدهر، أحب أن أقضي وقتاً قبل سماعها وأنا وحدي حتى ينمحي كل جرس من أذني عدا صوتها المنتظر ..ثم أدخل قبل رفع الستار بقليل ، حتى إذا رفع الستار ملأت عيني منها في لحظات .زثم تبدأ الالآت تعزف فأزن مبلغ هشاشتها الى أستماع النغم ،ولستُ أعرف أحداً ممن يغنون يطرب لسماع أولى همسات الأوتار كهذه الشادية ، فنها إذا سمعتْ رجع الأنغام أصابتها رعشة خفيفة ثم تدب بقدميها دباً خفيفاً كأنها تنقر بهما على أوتار خفيفة حتى إذا خَفَت النغم أنساب صوتها ليناً رقيقاً فكأن الأوتار الصادحة لم تكف عن العزف ثم ينبثق صوتها كما ينبعث النور من الشرق،ثم يشتمل رنين هذا الصوت العجيب على قائمة الغناء حتى كان جوها مغلفاً بعبير اللحن الساري، وهي في كل هذا تدور بقدميها تحت ثوبها الفضفاضي كأنها تدعك عود الريحان حتى يشتد أريجه ،فاذا بلغت القمة في الغناء ،سيحت بنظراتها الى لاشيء، ونسيت أنها تغني للناس وكأنها وحيدة مع الشفق في برج فسيح تغرد مع الطيار ].
( الجزء الأول )