الضمة فن شعبي ارتبط بحفر قناة السويس وبالذين شاركوافي حفرها ومثلوا اللبنات الأولى في تكوين مجتمعات جديدة على جانب القناة .
احتضنت مدينة بورسعيد التي ارتبطت نشأتها بحفر قناة السويس هذا الفن وجعلت منه فنا لها خاص بها وانتشر إلى باقي المدن الساحلية ويرجع ذلك لكونها مدينة جديدة لم يكن لديها التراث الفني الخاص بها، لذا كان من السهل على النازحين إلى هذه المنطقة تقبل عناصر هذا الفن وتبنيه كمعبِّر عنهم وجمع فن الضمة في طياته جماع ثقافات من روافد عدَّة.
نشأة فن الضمة :
قالت دارسة مصرية أعدها الدكتورمحمدشبانة أستاذ الأدب الشعبي بجامعة قناة السويس وحملت عنوان ( أثر قناة السويس في نشأة فنون جديدة ) إن نشأة هذا الفن جاءت بعد عناء يوم طويل من العمل الشاق في أعمال الحفر وبعد نهاية يوم السُّخرة في حفرالقناة يجتمع العمال في ’ضمة‘ لبث شكواهم وأشواقهم وحنينهم حيث كانت جلسات الضمة هي التسلية الوحيدة للغربة التي تجمع عمال التراحيل ومقاولي الأنفار والزراعيين الذين جاؤوا من جميع أنحاء القطر ليحفروا القناة.
وكانت الضمة وسيلة التعبير عن آلامهم وآمالهم وكانت بمثابة التعويض النفسي لهم عن غربتهم، حيث كانت المعادل الموضوعي لاحتفاليات «الباللو» التي يقيمها الأجانب من المهندسين ومسؤولي شركة القنال في الحي الإفرنجي بمدينة بورسعيد الوليدة.
الضمة تطورت من كونها سامرا يتسلى به العاملون إلى ظاهرة فنية انصهرت فيها مشاعر هؤلاءومثلت لهم حضنا وجعلوا منه شكلا خاصا معبرا عمَّا يجيش في صدورهم وصارت الضمة في بورسعيد تعني جلسات المؤانسة التي يجتمع فيها الأصدقاءأمام بيت أحد الصحبجية حتى إنها أصبحت مصاحبة لهم فيجميع احتفالاتهم الدينية والاجتماعية.
كانت الضمة دوائر يشكلها الأهالى فى الشوارع والساحات بغرض السمرأو فى مناسبات مثل الزواج والطهور والسبوع أو العودة من الحج أو الحرب، كانت تغنى فيها أحيانا أناشيد صوفية أ وأغانى عاطفيةأو وطنية بحسب المناسبة على الإيقاع فقط .
احتفالية الضمة تضمنت أشكالا غنائية متعددة منهاالدور والطقطوقة والموشحات والموال والأدوار الفكاهية وما يصاحبها من أداءحركي و لعب بالعصا والسكاكين وأن هذا الأداءالحركي يتصل اتصالا وثيقا بحركات العمل في الميناء و البحر على ظهور السفن .
المصادر الفنية لأغاني الضمة عدَّة وثرية وأصيلة وتتصل اتصالا وثيقا بمنابع الثقافة الفنية الموسيقية المصرية والعربية. وتعتبر الموسيقى العربية الكلاسيكية أول أهم المصادر الفنية لأغاني الضمة كقوالب الموشح والدور والطقطوقة الذي كان مقصورا على الطبقة الأرستقراطية، إلا أنه نزل إلى المستويات الشعبية مع الضمة.
شملت المصادر الفنية للضمة أيضا أدوار الدراويش والمتصوفة ذات الصبغة الدينية وأغاني العوالم ، فضلا عن التراث الغنائي للمناطق القريبة والمجاورة لبورسعيد وكذلك أغاني العمل في البيئة البورسعيدية والأغاني المصاحبة للعمل سواء في البحر أو الميناء، فضلا عن العناصرالثقافية الخارجية الوافدة من أهل الشام وتركيا والسودان.
وبالرغم من تواضع المهن التي يمتهنها صحبجية الضمة كالبمبوطية والصيادين وسائقي اللنشات والبحارة والنشارين وعمال البناء وبائعي الخضار فإنه لم يتخذ أحدهم الغناء كوسيلة للكسب وتقاضي الأموال بل كانت مشاركتهم الفنية نوعا من إشباع الهواية والانسجام.
مواضيع الأغاني فهي متنوعة جداً، منها الأشعار الدينية الصوفية ،ومدح الأخلاق الكريمة وذم الخيانة والكِبر والكذب وغيرها ، ووصف أحوال الدنيا والزمن، وأحوال المحبين والحنين إلى الوطن ، وأضف على هذا الفخر بالأصل العريق للعائلة ، ونقد للواقع وأحوال المعيشة.
أغاني الضمة كانت تبدأ بموّال شجي، عن أي موضوع من المواضيع السابق ذكرها، وتكون هذه المواويل بليغة جداً في معناها، ومُطربة جداً في أدائها ؛ بحيث تجهز المستمع نفسياً للمشاركة في الأغنية التي تلي الموال.
في أغنية الضمة تجد الطرب والضحك ومايدفع للتمايل واداء حركات راقصة بسيطه وتسمع مديحاً في الرسول (ص)، وذمّاً في الخيانة ونقض العهود، وشكوى من هجر الحبيب وفرحاً بقربه، وحنيناً للوطن، حكما وحكايات وأحوالاً، في أبيات بليغة موزونة .
في فن الضمة تجد الصحبجية صوتاً واحداً في الغناء، مثلما هم يد واحدة في الصيد والعمل، ويكمل بعضهم الأخروتتعلم منهم كيف يكمّل الناس بعضهم .
فن الضمة ظل مزدهرا وفي حالة من النماءوالازدهار إلى ما قبل حرب العدوان الثلاثي بمصر عام 1956 وكانت جلسات الضمة تُعقد في شوارع عدَّة سُميت بأسماء الشوارع مثل:
ضمـة شــارع البحـر يقودها الريس عبدالقادر
ضمة شارع السرايا يقودها الريس محمديوسف
ضمـة قـسـم أول يقودها الريس عبدالهادي .... وغيرها من الأسماء.
بعد صلاة العشاءتحديدا تنصب الضمة وفي شوارع فقيرة ضيقة مرصوفة بالحجارة السوداء تقام وتنيرها فوانيس ويقوم كل بيت بالاشتراك في الإعداد والتجهيز بتقديم كرسي الحمام الذي يملكه ليجلس عليه الصحبجية وتُفرش الأرض بسجادة كبيرة إن توافرت وعلى شكل دائري يلتف الصحبجية ويتكفل أهل المنطقة بموقد النار الذي يتوسط الضمة ويظل موقَدا طوال الليل لشد الطبول واحتياجات الشيشة ، وبأقل التكاليف وحسب قدراتهم المتواضعة كانت تعد حفلات الضمة للزواج والطهور والحج وغيرها.
كانت الدربكة والرق والمثلث والملاعق والزجاجات الفارغة هي الأدوات المصاحبة للضمة في مراحلها الأولى حتى دخلت السمسمية وصاحبت تلك الألات والأدوات في أواخر العقد الثالث من القرن العشرين.
الأحساس الفني الفطري لفنانى الضمة جعلهم يبحثوا دائما عن الات يتمكنوا من استعمالها حتى يضفوا على عزفهم جمالا وثراء اكثر وكان يبحثون عن ذلك فيما حولهم فالإعتماد على الإيقاع فقط متمثلاً فى الطبلة الجلد والدف أو الرق لا يكفي لإرضاء النزعة الفنية والتطلع إلى التطويروإظهار النواحي الفنية الجمالية فى الضمة ومن ثم بدأ استخدام ألات وأدوات أخري ففى البداية ادخلوا المنجور و هو الحزام الذى يلبسه راقص الزار والمكون من حوافر وقرون الحيوانات وصفهم مدلاه باربطة قصيرة وباعداد كبيره واكثر من صف فى شكل حزام يلفه الراقص حول وسطه وعند الرقص يقوم العازف بهز وسطه فتتصادم حوافر الماشية المفرغه والقرون وتصدر صوتا يشبه صوت الشخاشيخ .
ونتيجة لأعجابهم بصوت المثلث الموسيقى الذى كان يستخدم فى الكنائس فقد ادخله عازفى الضمه فى موسيقاهم.
واستخدموا الملاعق المعدنية بحيث يضع العازف معلقتين فوق ظهر بعضهما ويمسكهم بيده اليمنى من اخر طرفهم بحيث يكون احد اصابعه ( السبابه ) بين المعلقتين ثم يقوم بالعزف بطرق المعلقتين على فخذه وفى باطن يده اليسرى التى تكون فوق المعلقتين بمسافه قصيره ومنتردد الطرق اسفل فوق الفخذ واعلى فى باطن الكف اليسرى يصدر النغم .
كمااستعمل ايضا زجاجتين متوسطتى الحجم ويقوم بوضعهما قريبتين ويقوم بالطرق بينهما بمعلقة معدنية .
ثم أتت السمسمية مع عبدالله كبربرالذي اتي بورسعيد واستقر فى قهوة السبع حصون لصاحبها حسن متولي
كان الريس حسن متولي اشهر صحبجي ضمة فى بورسعيد يعمل سائق لنش في الميناء و فتوة شريف طول بعرض ذو وسامة و نخوة وشهامة، بني مقهي السبع حصون ليجلس فيه مع أصحابه ، جعله مقهي واسع بسبع أبواب أربعه منها في مواجهة البحر ، و علي هذا المقهي جلس سكان المدينة من جميع المهن و الطبقات تجار و عربجية و حمالين وسائقي لنشات و عدد كبيرمن الأسماء التي ستصبح بعض ذلك رموز لفن السمسمية واصبح هذا المقهي معقل لكل صحبجية الضمة وإلى هذا المقهي أتي عبدالله كبربر قادما من جنوب مصر مرتحلا إلي السويس و منها لبورسيعد حيث دخل قهوة السبع حصون وأخرج من جرابه آلة خشبية و خمسة أوتار ركبهم معا و بدأ في العزف و التقسيم لتصدح السمسمية و تدخل إلى عالم الضمة وتصاحب أدواته فنجد بعد ذلك أن أنغام السمسمية استمرت بإيقاعها السريع تطغي علي أدوار و أغاني الضمة وتتفرد بأغانيها .
بدأت السمسمية في اجتذاب عازفي الزار للعزف علي السمسمية، ومن بينهم 'ابراهيم خلف' الذي يعتبر أول عازف للسمسمية من بورسعيد وكان في الاصل عازف طنبورة في الزار .
ومن بعد عبدالله كبربر ظهر فى بورسعيد رجل نوبي الأصل وهو محمد عثمان ود النجي جاءبورسعيد وبدأ يشارك فى الضمة والسمسمية بأغاني الجنوب الجميله مما شكل تفاعل فني وتنوع جميل فى أغاني وأدوار الضمة ، ومحمد عثمان علم كثير من أبناء بورسعيد العزف على السمسمية وكان صحبجية الضمة والسمسمية يغنوا له :
محمد عثمان النجي
نحمد الله أنه جه
يولف السمسمية دي
من هنا بدأت السمسمية تبرز كآلة مصاحبة ومعبرة، خاصة في فترة التهجير إبان العدوان الثلاثي على بورسعيد إلا أن الضمة تأثرت بالتهجير، فبعد تفرق مريديها وحفظتها من الصحبجية تواري فن الضمة و ظل الهاجس الوطني مسيطرا وازدهرت السمسمية تغني أناشيد حلم النصر والعودة حتى جاء نصر أكتوبر وافتُتحت القناة للملاحة وعاد أهل بورسعيد إلى ديارهم وعاودت الضمة مرة أخرى بمصاحبة ألة السمسمية .
__________________
ترخي دلالك علينا ليه من بعد ماتبنا
تردنا للمعاصي من بعد ما شبنا
وحياة من له مساجد للصلاة تبني
تبنا عن جميع المعاصي إلا عن حبك لم تبنا