تجاربي الأدبية بقلم فاتنة
قصه من مجموعه قصصي
الــــــــــــوديـــــــــــــــعة
أشعل لفافة من الدخان ووضعها بين شفتيه..أمسك بقلمه وبدأ يخط أول كلمات في روايته الجديدة..
كان كاتبا معروفا.في الثلاثين من عمره..تميز بأسلوب نثره وأفكاره الجميلة التي ما إن تغيب حتى ترجع مرة أخرى..!
وبينما هو منسجم بأحداث الرواية..رن الهاتف بجانبه..فلم يجب كعادته..
فمن سيكون غير معجبينه الذين يقطعون حبل أفكاره دائما..ويسلبون راحته عند التأمل..
وأخيرا أجاب بعد طول انتظار.. قام بسرعة من على مكتبه....وكأن شيئا دفعه لان يجيب رغما عنه..!
نبيل: الــــو....الــــو
فرد الصوت الأنثوي يجيبه بكلمات متقطعة..
هيام:أستاذ نبيل...
نبيل:نعم تفضلي..إنا هو بنفسي
هيام تجيب والفرحة تتملك أسارير وجهها)
إنا لا اصدق..أنت الأستاذ نبيل بنفسه؟!
نبيل يتنهد من أعماقه)
وأنت معجبة مثل باقي المعجبات.صحيح
هيام:إنا معجبة بكل ما تكتب..ولكنني لست كباقي المعجبات..
كلمات روايتك تجري في دمي..فأصحو لأرددها..وأغفو على إيقاع ذكرياتها.
نبيل يضحك بصوت عالي)
أشكرك على كلماتك..ويسعدني أنها تؤثر على بعض الأشخاص بهذا الشكل..
تمر عشر دقائق ونبيل يتلقى كلام تلك المعجبة الصغيرة..
يفرح من كلامها..فكلام المعجبين كان له سحر خاص يعيش به..
كلام صادق يجعله عبدا للقلم ..ليبعث به دماء الحياة..
فتكتب اليد بدون ملل.متعطشة للفن..
في شرفة بيته الصغيرة..جلس يعيد قراءة كلماته..متمعن في الأحرف..
وخيال هيام كان يتراءى له في كل صفحه..خيال أعطى بريقها وصفاءها..
هل فعلا أثرت عليه بكلامه..ولماذا هي بالذات.؟
لماذا رفض كل المعجبات وأهملهن..إلا هي؟!
كلها أسئله كانت تراود نبيل في هذه اللحظة..
وتزداد المكالمات بينهما..ومع كل اشتياق يجمعهما..
ربما كانت هي من يبحث عنها..!
كان يؤمن دوما..أن الكاتب المبدع لابد وأن تكون بجانبه امرأة
إلهاما له..تعيد نبض الكلمات ليتدفق من جديد..
إمرأة تمنحه حبر كلمات مغموس بعاطفتها..
تكون له ملاك يسهر على شاطئ عينيه..
فأصبحت إلهام قصصه..ولم يستطع أن يستغن عنها..
هل من الممكن أن يستغن الفنان عن إلهام يحيى به فنه!؟
صورها وديعة كما أراد الخيال له..
وديعة يتراقص جسدها..معبرا عن حبه للحياة..فتهوي أناملها متراقصة..على نغم حب فريد..تنام الابتسامة على شفتيها..وحنين من عينيها يكاد أن يصرخ
ليتفجر شبابها ويهوي كظل لا يغيب..
وتمر أشهر..فيتعلق بها الكاتب أكثر وأكثر..ليتحول الإلهام إلى حب صادق..
فترى العيون كل شيء جميل من حولها..!
نبيل:هيـــام..حان الوقت للقائنا..ليبدع القلم أكثر..وليتدفق الحب معلنا مؤكدا عن ذاته..
هيام تصمت قليلا ثم تجيب)
أتريد أن ترى الوديعة التي تجسدت في كتاباتك..
نبيل: نعم..أريد أن أرى الوديعة..ورقصه الحياة المتفجرة على أوراق عمري..
أتمنى ان لا ترفضي طلبي..
هيام: سيحين لقائنا يوما..ولكـــن..إجعل الخيال للكتابة أكثر ..
ولترى صورتي بواقعك قبل أن ترسمها في خيالك..
تعم الفرحة مرة أخرى..فيحصل نبيل على جائزة غير متوقعه..
جائزة روايته وحلمه (الوديــــــعة)..
وتأتي اللحظة التي تقرأ بها هيام الرواية..فتشعر باختناق شديد ..وبحرقة دموعها التي تأبى أن تفارق وجهها..!
لماذا هذه القصة بالذات جعلتها تنفعل هكذا.. بينما باقي قصصه كانت تسعدها..
هل هناك حقيقة تخفيها..أم شيئا آخر؟!
هيام: ستراني يا نبيـــل..سترى وديعتك وملهمتك..غـــدا..أجـــل غــدا..
كانت هذه الكلمات الأخيرة التي نطقت بها عبر الهاتف محادثة إياه..
وشلال دموع يتمزق بين أضلعها..
يراها أخيرا..ولكـــن..ينظر باستغراب ورهبه شديد..يرفع حاجبيه ويفغر فاه بتعجب..
أين هي..مستحيـــل..هيام..أنت..؟؟..
كانت مشلولة تلازمها تلك العربه التي استاءت منها..حادث شل قدميها
وحكم عليها القدر لتبقى أسيرة هذا المقعد..
لم يصدق ما رأى..حرك يديه سائلا إياها..كيف استطعت خداعي..
لماذا جعلتني أعيش حقيقة في بحيرة وهم..مستحيــل!!
يصعد سيارته وينطلق مسرعا تاركا هيام تعانق وحدتها والشجن لا يبارحها..
يجلس أمام مكتبه والرواية بين يديه..يمسكها ويهوي بها على الأرض..
لا ليست وديعة كما أردتها..لآ لا..يصرخ ويضم يديه لتعانق وجهه بشده..
لا يعرف قيمتها إلا بعد أن يفقدها..يراجع نفسه وأفكارها..
لا يستطيع الابتعاد عنها..كيف جرح مشاعرها..مشلولة القدمين..
ولكــن ليست كغيرها..وكيف أحبها وأرفضها هكذا؟!
والحب الصادق لا ينتهي لسبب كهذا ..
لم تنم جفونه منذ رحيلها..ولم يتركه ضميره..يؤنبه..يعاتبه..
هي من تحتاج إليه..هي من يحب فقط!
يتصل بها مرارا..فترفض أن تحادثه..ثم تتخلى عن كبريائها قليلا لتحدثه مرة أخرى..
نبيل:هيــــــام..لم أعرف قيمتك إلا الآن..صدقيني آنت من أبحث عنها..
أخفيت عني حقيقتك..فبت أعانق الوهم الذي بنيته حولي..
سامحيني على تصرفي..كانت نفسي مصدومة لا تعي ماذا تفعل..
هيام: جعلتني إلهام ووحي قصصك..وهبتك عمري ..فلم تقدره..
أردتك أن تتخلى عن خيالك قليلا..لتراني بعيدا عن الأسطر والكلمات..
لست وديعة كما أردت..
نبيل:لا..لا تقولي هذا الكلام..أنت وديعــة.. قد تشل قدماك..أو يداك..
أما روحك فهي من تجري فيها الحياة...بروحك وديعـــة..!
تبتسم لكلامه..ويعود القلم ليكتب ..بعد غيابه طويلا..
ويخط كلمه اعتادت الأوراق على همساتها
الــــــــــــــــوديــــــــــــــــــعة
عاشقة العندليب الأسمر
التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 15/08/2009 الساعة 21h00
|