سيّدي الجليل
الأديب
الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان
  
أستحي ، في حضرتكم ، من محاولة صياغة عبارة تتسع للكشفِ عن امتناني لكريم عطاياكم
 
فإن ظننتم أن قصور قدرتي على صياغة تلك العبارة ، من باب : خير الكلام ما قل و دل !
 
فهذا مرجعه لأستاذيتكم النبيلة السخيّة ، 
 
أمّا عن 
سيّدي أبي حيّان
 ، فإني أشهد الله أني لم أقرأ من أنواره إلاّ : الإمتاع و المؤانسة ، و الإشارات الإلهيّة  
منذها ، و حيرتي منه مُقيمة : كيف ينشئ العبارة ؟!
 
لكأني به كان يُعرِِبُ الجُملة َ ، قبل اللفظ 
 
و أراه ، رضي الله عنه ، قد استوسط مابين غموض النـِّـفـَّري ، رضي الله عنه ، و سطوع ابن عطاء الله السكندري ،
 
أقصد نتاجهم الأدبي ، عليهم رضوان الله ،
 
فإن تشابهت الحِكم العطائية مع الإشارات الإلهيّة ، فإنها لا تشابه المواقف ، و لا المخاطبات .... 
بينما تجد السالك دربهم ، توصله الإشارات الإلهيّة إلى المحطة ! التالية : المواقف ، و المخاطبات 
 
و لعلك ، سيّدي ، و أنت من أربابها ، ترى أن اللغة العربية قد ارتفع سقف معانيها على أعمدة الأدب الصوفي العجيب ،
 
ترى أن أولائك الأطواد العظام ، قد دفعوا اللغة العربية إلى اللهاث خلف مواجيدهم ، تستولد ألفاظاً تتسع للمفهوم الصوفي ،
 
،
 
سيّدي المؤدِّب الأديب
 
المتنبي الذي قتله شِعرُهُ ، كان يسير بالجهة الأخرى من الطريق ، فبينما كان سيدي أبو حيان يُنفذ حُكماً لكسر الكِبر ، كان المتنبي ينفذ حكم نفسه الشرهة للقرب من السلطان ،
 
فالقوم ، عندهم لتأديب النفس طرائقٌ أعاجيب ، و مجاهداتهم ، منها ، ماتنوء الجبال بحمله ......
 
و لعلك تعلم ، سيّدي ، أن مِن أعيانهم مَن كان حُكْمُهُ : الصمت ! ، أو ادعاء الجنون ،
 
و عند التسلي ، بقراءتهم ، عن هم الدنيا ، ترى من الأخبار الموثوقة و النكات المحبوكة و العبارات المسبوكة ، ما يحملك على جناح الدهشة ، فلا تزال محلقاً بروضات لمعاتهم السَنِيّة ، 
 
،
 
بذلك الزمان ، يا سيّدي ، كان المُريد يتعلق بأعتاب الزاوية بالشهور ، حتى يؤذن له بالدخول 
( لم يكن هناك إنترنت! و قص و نسخ ) 
 
،
 
و على ذكر أحكام المجاهدات ، أسوق لأنسِكم قصة التقطتها من خمائلهم ،
 
ألح أحدهم على الشيخ أن يقبله بالزاوية لخدمة إخوانه (بزمن المماليك البحرية - مصر المحروسة) ، و كان رجلٌ مهيبَ الهيئةِ عظيمُ العمامةِ ، يبدو أنه تاجر .... 
فلما سأله الشيخ: ماذا عندك من متاع الدنيا ؟
 
راح يعدد له المتاجر و المخازن و الضياع و الخيل ..... إلخ ،
 
قال له الشيخ (مُختبراً صدقه) إذهب و دعها عنك ، ثم ارجع لنا
عاد الرجل ، بعد وقتٍ ، على ذات الهيئة العظيمة ، يقول للشيخ : تصدقت بها ! 
 
فقال له الشيخ: خلعتها من خزائنك و لم تخلعها من قلبك !
ثم نزع عمامته و علق برقبته كوزاً (بنص الكتاب) مملوءاً لوزاً ، و قال له تسير بالسوق فمن قذفك من عيال السوقة بحجر فاعطهِ لوزة ، حتى يفرغ الكوز ، فتأتينا لنملأه ثم تعود ،
 
،
 
يقول راوي (شاهد) الواقعة ، أن الرجل بقي على تلك الحال فترة من الزمن ، فلما قبله الشيخ أسند إليه مهمة تنظيف الميضاء و الملاقي! (بنص الكتاب) ،
 
يقول أكمل عامين قبل أن يوكل بالقناديل ، ينظفها و يتعهدها بالزيت .....
،
و هذا من أيسر طرائق المجاهدات ، ناهيك عن السياحة أو دخول الخلوة
 
،
 
هل كان تقربه من مسكويه لمعرفة طريقته في الكيمياء؟
 
فالسادة المتصوّفة يبغضون المشتغلين بالسيمياء و أشباهها ، لما كانت تنطوي عليه - في تلك الأزمنة - على صغائر خلقيّة ، تتمثل في الإستخدامات السُفليّة و الإتصال بطوائف الجن ، مؤمنها و كافرها !
 
ولا تزال كتبهم - للأسف - تباع في العديد من العواصم العربية ، و فيها طرق ، يدّعي ناقلوها أنها التي كان يعمل بها قارون (!!)
 
،
 
هذا ليس دفاعاً عن سيّدي أبي حيّان ، و قد باغتتني تلك الحقائق عنه ، إنما لكوني أقرأ التوحيدي ، على أنه يكتب بإلهامٍ لا يليق إلاّ بزاهِدٍ في متاع الدنيا
 
 
و لولا بُعدي عن القاهرة ، لوجدتني الآن أزرع شوارعها بحثاً عن كل ما كـُتب (من و عن) أبي حيان التوحيدي
 
،
 
سيّدي الجليل
الأديب
الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان
 
لا زلتُ مغموراً بفيض الإمتنان لشخصكم الكريم ، لا حرمنا الله علمكم ، و غاية المُنى أن يفيض سخاءُكم بقبول هذه السطور ، إبنة عفو الخاطِر
		 
		
		
		
		
		
		
			
				__________________
				أستغفِرُ الله العظيم وهو التوّاب الرحيم